مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 402 الملغاة من القانون المدني المقابلة للمادة 62 من قانون الإثبات:
1- إستلهم المشروع في هذا النص أحكام المادة 282 / 217 من التقنين المصري ، والمادة 1347 من التقنين الفرنسي ، والمادة 1939 من التقنين الهولندي ، والمادة 445 من التقنين المراكشي ، والمادة 298 من المشروع الفرنسي الإيطالي .
وينبغي التنويه بما لتعيين السمة الخاصة التي يمتاز بها هذا الإستثناء من بالغ الأهمية ، ذلك أنه يجعل الإثبات بالبينة جائزاً إذا جاوزت القيمة مبلغ عشرة جنيهات من ناحية ، ويجعله جائزاً كذلك لنقض الثابت كتابة وإقامة الدليل على الإضافة إليه من ناحية أخرى . فقد وجد مبدأ ثبوت بالكتابة بشأن الإلتزام المدعى به جاز الإثبات بالبينة ، فهي بهذا الوصف تكمل ما يعتور الدليل المستخلص من هذا المبدأ من نقص وقصور .
وينهض لتوجيه هذا الحكم ما هو ملحوظ من أن مبدأ الثبوت بالكتابة يجعل الواقعة المدعى بها قريبة الإحتمال . ويعتبر هذا الوجه ضماناً كافياً للحد من الأخطار التي تكتنف الإثبات بالبينة . ثم إن البينة لا تكون في هذه الحالة إلا دليلاً مكملاً أو متمماً .
أما فيما يتعلق بنطاق تطبيق هذا النص فليس شك في أنه لا يسرى حيث تكون الكتابة شرطاً من شروط صحة الإلتزام يترتب البطلان على تخلفه ، ولو كانت القيمة أقل من عشرة جنيهات ، كما هو شأنه في المحررات الرسمية . ذلك أن الكتابة أو الأوضاع الشكلية لا تكون في هذه الحالة مجرد دلیل فحسب، بل تعتبر ركناً أو شرط من شروط الصحة الموضوعية . على أن الخلاف قد أثير في الفقه بصدد الإلتزامات التي يشترط فيها القانون الكتابة دون أن ينص على البطلان ، ولا سيما بالنسبة للإيجار ، والرأي أن الإلتزام يترتب صحيحاً في هذه الحالة ، ولكن لا يمكن إثباته إلا بالإقرار أو اليمين ، لأن البيئة قد إستبعدت صراحة بالنص ، فليس يجوز العود إليها من طريق غير مباشر بالإلتجاء إلى مبدأ الثبوت بالكتابة .
2- ويشترط لتوافر مقومات مبدأ الثبوت بالكتابة : (أ) أن يكون ثمة محرر . (ب) وأن يكون هذا المحرر صادراً من يحتج به عليه . (ج) وأن يكون من شأنه أن يجعل الإلتزام المدعى به قریب الإحتمال .
فالشرط الأول وهو وجود كتابة ، أو محرر ، عام الدلالة ، فلفظ الكتابة يصرف إلى أوسع معانيه ، فهو يشمل كل ما يحرر دون إشتراط شكل ما أو وجود توقيع . ولذلك إستعمل النص عبارة (كل كتابة) وقد تكون هذه الكتابة سند أو مذكرة شخصية أو مجرد علامة ترمز للإسم أو توقيعاً أو غير ذلك .
والشرط الثاني هو صدور المحرر من الخصم الذي يحتج عليه به ، لا من أحد الأغيار . بيد أن المحرر يعتبر صادراً من مثل هذا الخصم ولو كان صادر من غيره ، متى كان هذا الغير مستخلفاً تسري إلتزاماته على من يخلفونه خلافة عامة (كالورثة ) وفقاً للقواعد العامة ، أو نائباً قانونياً أو إتفاقياً ، يعمل في حدود نیابته ، لأن كتابة الموكل تكون حجة على الوكيل والعكس . ولذلك إستعمل النص عبارة الخصم أو نائبه وفقاً لما جرى عليه القضاء المصرى ( إستئناف مختلط 9 أبريل سنة 1908 ب 20 ص 167) .
أما الشرط الثالث وهو جعل الإلتزام المدعى به قريب الإحتمال ، فتقديره موکول إلى القاضي . ويراعى أن هذا الشرط جوهری ، إذ ينبغي أن يكون حلقة الإتصال بين الكتابة والإلتزام المدعى به ، وينبغي أن يدل على أن هذا الالتزام ليس مجرداً من الأساس تجريداً تاماً .
فبهذا الوضع فحسب يجوز أن تكمل الكتابة بالبينة فتصبح دليلاً مقبولاً ، مع أنها بمجردها تكون قاصرة غير مغنية في الإثبات . ومن أمثلة الأوراق التي تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة المحررات المثبتة لبدء التنفيذ ، أو للوفاء بالفوائد ، أو الإيرادات وقد أفرد لها التقنين المصرى المادتين 221 و 222 / 286 و 287 . ولما كان الملحوظ في أحكام هاتين المادتين أنها ليست سوى تطبيق للقاعدة العامة ، لذلك لم تر ضرورة للنص عليها ، إذ في تعريف مبدأ الثبوت بالكتابة ما يغني عنها .
3- على أن الفقه والقضاء في فرنسا وبلجيكا ومصر قد استقرا على أن إقرارات الخصوم التي يدلون بها وتدون تحت إشراف موظف مختص أو قاض يأمر بإثباتها ، يكون حكمها حكم المحررات الصادرة منهم ، ولو لم تكن مدونة بخطهم أو موقعة عليها منهم. ويتعين بداهة في هذه الحالة أن يكون الموظف العام مختصاً بتلقي مثل هذه الإقرارات ، وأن يكون للقاضي ولاية الأمر بإثباتها . وغنى عن البيان أن ما يصدر من الخصوم من إقرارات على هذا الوجه يكون بمنزلة مبدأ ثبوت بالكتابة ، إذا كان من شأنه أن يجعل الإلتزام المدعى به قريب الإحتمال. وقد حفلت أحكام القضاء بكثير من التطبيقات في هذا الصدد ، فمن ذلك مثلاً الإقرارات التي يدلي بها في محضر جرد أو حصر شركة أو مناقصة أو قسمة ( إستئناف مختلط 5 يناير سنة 1879 مج رم 4 ص 91) والبيانات التي تدون في ورقة من أوراق المحضرين ( استئناف مختلط 5 يناير سنة 1879 مج رم 4 ص 388 ) والإقرارات التي تصدر في استجواب عن وقائع ( استئناف مختلط 27 فبراير سنة 1890 ب 2 ص 394 ، 21 فبراير سنة 1918 ب 30 ص 243) والإقرارات أو الشهادة التى يدلى بها ذوو الشأن أمام قاضي التحقيق أو القاضي المدني أو الجنائي ( استئناف مختلط و ابريل سنة 1908 ب 20 ص 167) وما يثبت من أقوال أو إقرارات في حكم من الأحكام . ( استئناف مختلط 26 أبريل سنة 1877 مج رم 2 ص 309).
وقد أشارت المادة 445 فقرة 3 من التقنين المراكشي إلى هذه التطبيقات ، في معرض إيراد الأحكام الخاصة بمبدأ الثبوت بالكتابة ، فنصت على أن الإقرارات التي يتلقاها أحد الموظفين العموميين المختصين أو القضاة ، في حدود ولايته ، تعتبر صادرة من الخصم .
1- وإن كان لا يجوز لأحد المتعاقدين إثبات صورية الالتزام إلا بالكتابة إذا كان ثابتاً بها إلا أن المشرع أجاز الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بها يجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال ومتى تعزز هذا المبدأ بالبينة والقرائن فإنه يقوم مقام الدليل الكتابي الكامل فى الإثبات .
(الطعن رقم 293 لسنة 62 جلسة 1998/03/25 س 49 ع 1 ص 249 ق 63)
2- يجب على قاضي الموضوع متى تمسك الخصم أمامه بورقة مكتوبة صادرة من خصمه على اعتبار أنها تكون مبدأ ثبوت بالكتابة وطلب الإحالة للتحقيق لتكملة هذا المبدأ بشهادة الشهود أن يقول كلمته فى هذه الورقة من جهة كونها تجعل الواقعة المدعى بها قريبة الاحتمال أو لا تجعلها فإن هو أغفل ذلك كان حكمه قاصراً.لما كان ذلك, وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن وإن تمسك بصورية سند الدين إلا أنه لم يقدم ثمة أوراق تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة تجعل الواقعة المدعى بها قريبة الاحتمال فإن الحكم المطعون فيه إذ التفت عن تمسكه بصورية سند الدين ولم يحققها واطرح ما تمسك به من دفاع فى هذا الشأن فإنه يكون قد التزم صحيح القانون .
(الطعن رقم 293 لسنة 62 جلسة 1998/03/25 س 49 ع 1 ص 249 ق 63)
3- يدل نص المادة 62 من قانون الإثبات الصادر بقانون رقم 25 لسنة 1968 على أن المشرع قد جعل لمبدأ الثبوت بالكتابة ما للكتابة من قوة فى الإثبات متى أكمله الخصوم بشهادة الشهود ويستوى فى ذلك أن يكون الإثبات بالكتابة مشترطاً بنص القانون أو بإتفاق الخصوم وأن القانون لا يتطلب بيانات معينة فى الورقة لإعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة ويكفى أن تكون صادرة من الخصم الذى يحتج عليه بها وأن تجعل التصرف المدعى به قريب الإحتمال وأن تقدير ما إذا كانت الورقة التى يراد إعتبارها كذلك من شأنها أن تجعل الأمر المراد إثباته قريب الإحتمال ، هو إجتهاد فى فهم الواقع يستقل به قاضى الموضوع ولا رقابة عليه فى ذلك من محكمة النقض متى كان إستخلاصه سائغاً . وإذ كان الحكم الإبتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه فى صدد ثبوت وكالة الطاعن عن مورث المطعون عليهما قد إستند فى إعتبار الخطابات المرسله من الطاعن لمورث المطعون عليهما والتى أقر بصدورها منه وتوقيعه عليها مبدأ ثبوت بالكتابة إلى ما خلص إليه من عباراتها ، أن الطاعن كان يقوم بتحصيل مبالغ لحساب ذلك المورث يودعها حسابه فى البنك ويرد مبالغ للمستأجرين مودعه كتأمين وبدفع أجرة سمسره ويقوم بإصلاح بعض أثاث الفيلات وبتأجيرها للغير وتضمن أحدها تقريراً مفصلاً عن الإيراد والمصروفات ثم أجاز تكملة الدليل بشهادة الشهود ، وكان الحكم المطعون فيه قد إستخلص فى حدود سلطته التقديرية من أقوال شاهد المطعون عليهما ومن عبارات تلك الخطابات أن الطاعن كان وكيلاً عن مورث المطعون عليهما ورتب على ذلك إلزامه بتقديم كشف حساب عن تلك الوكالة وأداء ما أسفرت عنه تصفية الحساب بينهما وكان إستخلاصه فى هذا المقام سائغاً فإن ما يثيره الطاعن .. لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير محكمة الموضوع للأدلة تنحسر عنه رقابة محكمة النقض .
(الطعن رقم 635 لسنة 52 جلسة 1987/01/14 س 38 ع 1 ص 109 ق 28)
4- النص فى المادة 62 من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968 على أنه " يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة . وكل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الإحتمال تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة " يدل على أن المشرع قد جعل لمبدأ الثبوت بالكتابة ما للكتابة من قوة فى الإثبات متى أكمله الخصوم بشهادة الشهود ، وأن كل كتابة صادرة من الخصم أو من يمثله أو موقعه منه تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة أياً كان شكلها وأياً كان الغرض منها ، يستوى فى ذلك أن تكون تلك الكتابة هى التى أعدت أصلاً لإثبات التصرف المدعى به ولكن ينقصها شرط من الشروط المطلوبة فيها كدليل كامل فى الإثبات ، أو لم تكن قد أعدت أصلاً لإثبات هذا التصرف ، إذ لا يتطلب القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بيانات معينة فى الورقة لإعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة ويكفى أن تكون صادرة من الخصم أو من يمثله أو يحتج عليه بها وأن تجعل التصرف المدعى به قريب الإحتمال ، وتقدير ما إذا كانت الورقة التى يراد إعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة من شأنها أن تجعل التصرف المراد إثباته قريب الإحتمال هو مما تستقل به محكمة الموضوع طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة .
(الطعن رقم 1995 لسنة 50 جلسة 1984/05/16 س 35 ع 1 ص 1333 ق 256)
5- مفاد الفقرة الثانية من المادة 62 من قانون الإثبات أن كل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شانها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الإحتمال تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ، وإذ كان المطعون ضده قد جرى دفاعه على أن التاريخ الثابت بالعقد المؤرخ 1-1-1968 ليس التاريخ الحقيقى لإبرامة وأنه أبرم تهرباً من تنفيذ حكم نفقة ، فإنه إذ إتخذ الحكم مع ذلك من أقوال الطاعنين فى محضر حرر بتاريخ 12-5-1969 - بعدم سابقة صدور بيع لهما من المطعون ضده - دليلاً يجعل الإدعاء بصورية العقد الظاهر قريب الإحتمال فإنه يكون قد شابه فساد فى الإستدلال ومن ثم لا يصلح أساساً لمبدأ ثبوت بالكتابة يجيز الإثبات بالبينة .
(الطعن رقم 45 لسنة 48 جلسة 1981/05/14 س 32 ع 2 ص 1470 ق 265)
6- استبعد المشرع المواد التجارية من الأحكام التى وضعها للإثبات فى المواد من 60 - 63 من قانون الإثبات ، وجاءت تلك المواد لتنظيم قواعد الإثبات فى غير المواد التجارية وأباح القانون فى المواد التجارية الإثبات بالبينة كقاعدة عامة ما لم يوجد نص يقضى بغير ذلك فى قانون التجارة أو القانون البحرى ، ولما كان قانون التجارة لم يوجب الكتابة للإثبات إلا بالنسبة لعقود شركات التضامن والتوصية والمساهمة ، أما شركات الواقع فإنه يجوز إثبات وجودها بالبينة ، وتستقل محكمة الموضوع بإستخلاص قيام الشركة الواقع أو عدم قيامها من ظروف الدعوى و قرائن الحال فيها دون رقابة عليها فى ذلك من محكمة النقض طالما قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة .
(الطعن رقم 717 لسنة 47 جلسة 1980/05/12 س 31 ع 2 ص 1336 ق 254)
7- النص فى الفقرة الأولى من المادة 62 من قانون الإثبات على أنه " يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة يدل على أن المشرع قد جعل المبدأ الثبوت بالكتابة ما للكتابة من قوة فى الإثبات متى أكملة الخصوم بشهادة الشهود ويستوى فى ذلك أن يكون الإثبات بالكتابة مشترطاً بنص القانون ، أو بإتفاق الطرفين ، ولما كانت المادة 100 من القانون المشار إليه قد نصت على أن " يترك لتقدير القاضى إستنباط كل قرينه لم يقررها القانون ، ولا يجوز الإثبات بهذه القرائن إلا فى الأحوال التى يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود " فإن مفاد ذلك أن المشرع أجاز الإثبات بالقرائن القضائية فى جميع الأحوال التى يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود ، وجعل تقدير تلك القرائن منوطاً بإطمئنان محكمة الموضوع ، ومن ثم فإن مبدأ الثبوت بالكتابة يجوز تكملتة بشهادة الشهود كما يجوز تكملتة بالقرائن القضائية حتى يكون له ما للكتابة من قوة فى الإثبات .
(الطعن رقم 24 لسنة 44 جلسة 1979/03/05 س 30 ع 1 ص 713 ق 132)
8- إذ كانت الأوراق قد خلت مما يفيد سبق تمسك الطاعنين أمام محكمة الموضوع بأن الورقة الثانية من العقد الموقعة من المطعون عليهم - تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة يجعل ما ثبت بالورقة الأولى منه - غير الموقعة - قريب الإحتمال ، وكانت محكمة أول درجة قد إعتبرت ورقتى العقد معاً دليلاً كاملاً ، فإنه لا يقبل من الطاعنين التحدى بهذا السبب لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 340 لسنة 38 جلسة 1973/12/27 س 24 ع 3 ص1371 ق 235)
9- يكفى فى مبدأ الثبوت بالكتابة طبقاً للمادة /402 من القانون المدنى أن يجعل وجود التصرف المدعى به قريب الإحتمال وإذ كان الحكم المطعون فيه قد إستند فى عدم إعتبار الخريطة - التى تدعى الزوجة الطاعنة أن المورث حررها بخطه وبين بها الأطيان المبيعة لها - مبدأ ثبوت بالكتابة ، إلى أنه لا يبين منها الصفة التى وقع بها المورث عليها ، وإلى خلوها من بيان إسم البائع و موقع الأطيان والثمن وما تم فيه ، ورتب الحكم على ذلك أن هذه الخريطة لا تجعل التصرف المدعى به قريب الإحتمال ، ولما كانت هذه البيانات لو توافرت فى الخريطة المذكورة لكونت منها دليلاً كاملاً ، هذا إلى أن الثابت من الإطلاع على الخريطة إنها تشتمل على حدود الأطيان المبيعة للطاعنة فإن الحكم يكون بذلك قد أقام قضاءه فى هذا الخصوص على أساس خاطىء لمفهوم مبدأ الثبوت بالكتابة علاوة على مخالفة الثابت بالأوراق .
(الطعن رقم 149 لسنة 39 جلسة 1975/01/28 س 26 ع 1 ص 268 ق 59)
10- لئن كان تقدير الورقة المراد إعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة من حيث كونها تجعل الأمر المراد إثباته قريب الإحتمال أو لا تجعله ، هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مما تستقل به محكمة الموضوع ، إلا أنه يجب عليها متى تمسك الخصم أمامها بورقة مكتوبة صادرة من خصمه على إعتبار أنها تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، وطلب الإحالة إلى التحقيق لتكملة هذا المبدأ بشهادة الشهود أن تقول كلمتها فى هذه الورقة ، فإن هى أغفلت ذلك وأطرحت الورقة بغير إبداء أسباب لهذا الإطراح ، فإن حكمها يكون قاصر البيان .
(الطعن رقم 211 لسنة 38 جلسة 1973/05/22 س 24 ع 2 ص 799 ق 140)
11- إذ كان البين من الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بجواز إثبات دين المطعون ضده بالبينة على ما استخلصه من وجود مانع أدبى حال دون حصوله على دليل كتابى ومن ثم يكون النعى عليه بأنه اعتبر الخطابات المقول بإرسالها من الطاعن الأول إلى المطعون ضده مبدأ ثبوت بالكتابة حالة كونها لا تصلح لاعتبارها كذلك وارداً على غير محل من قضاء الحكم المطعون فيه وبالتالى غير مقبول .
(الطعن رقم 1069 لسنة 59 جلسة 1993/06/10 س 44 ع 2 ص 627 ق 238)
12- مجرد تمسك الخصم بورقة مكتوبة صادرة من خصمه بإعتبار أنها تكون مبدأ ثبوت بالكتابة لا يقوم مقام الدليل الكامل فيما يجب إثباته بالكتابة بل على صاحب المصلحه طلب إستكماله بشهادة الشهود أو بالقرائن أو بهما معا حتى تنظر المحكمة فى طلبه إحالة الدعوى إلى التحقيق ، وإذ كان الثابت إن الطاعنين لم يطلبا الإحالة إلى التحقيق لإستكمال هذا الدليل الناقص ، فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن هو التفت عنه .
(الطعن رقم 1205 لسنة 48 جلسة 1979/04/11 س 30 ع 2 ص 107 ق 205)
13- للرسائل الموقع عليها قوة الدليل الكتابى من حيث الاثبات فتكون حجة على المرسل بصحة المدون فيها إلى أن يثبت هو العكس بالطرق المقررة فى قانون الاثبات، والزوج فى علاقته بزوجته ليس من الغير فى صدد السرية المقررة للمكاتبات، فإن عشرتهما وسكون كل منهما إلى الآخر وما يفرضه عقد الزواج عليهما من تكاليف لصيانة الأسرة فى كيانها وسمعتها يخول كل منهما ما لا يباح للغير من مراقبة الآخر فى سلوكه وغير ذلك مما يتصل بالحياة الزوجية، ومن ثم حق لكل منهما الاحتجاج بما تتضمنه الرسالة الموقعة من الآخر بما تحمله من دليل لصالحه فى شئون الزوجية، دون البحث فيما إذا كان قد حصل عليها بطريقة مشروعة، لما كان ذلك، وكان الكتاب المرسل من احد الخصوم إلى آخر يخضع لتقدير قاضى الموضوع فله بعد تقدير الظروف التى حرر فيها ان يعتبره دليلا كاملا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو لا يؤخذ به أصلا ولا معقب عليه فى ذلك متى كان قدم تقريره على أسباب سائغة، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اقام قضائه بتطليق المطعون ضدها على الطاعن على ما أورد بأسبابه من أن الكتاب المرسل من الطاعن إلى ابنه منها تضمن اتهامها بالتبرج والتفريط فى شرفها والخيانة الزوجية والانحطاط الخلقى، ولم يبد الطاعن ثمة دفع أو دفاع بشأن هذا الكتاب بما تتحقق به المضارة الموجبة للتطليق، وهذه اسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها الحكم وتكفى لحمل قضائه وفيها الرد الضمنى المسقط لما ساقه الطاعن، ولا على الحكم إذ اعتمد على ما تضمنته تلك الرسالة ذلك أن المطعون ضدها ليست من الغير فى علاقتها بالطاعن بحسبانها زوجا له، بما لا محل معه لبحث ما إذا كانت قد حصلت عليها بوسيلة مشروعة .
(الطعن رقم 202 لسنة 62 جلسة 1996/03/25 س 47 ع 1 ص 550 ق 105)
14- إذ كان الحكم المطعون فيه قد إعتمد فيما إستخلصه من المخالصات والمستندات - بصدد مقدار أجرة سنة 65/64 الزراعية موضوع النزاع - على المعنى الظاهر لها وبين الإعتبارات المقبولة المؤدية لما ذهب إليه ، وكان لا مانع من إعتبار الورقة دليلاً كاملاً على إثبات تصرف معين وفى ذات الوقت مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة لتصرف آخر ، وكان تقدير ما إذا كانت الورقة المتمسك بها من الخصم تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة هو من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع ، فإنه بحسب الحكم المطعون فيه أن إعتبر ورقة المحاسبة عن سنتى 63/62 ، 64/63 الزراعيتين بقيمة إيجارية أقل من الأجرة الواردة بالعقد وبعد خصم المصاريف المتمسك بها من الطاعنين الأول والثانى ( المستأجرين ) مبدأ ثبوت بالكتابة لم يطلبا تكملته بالبينة ، و من ثم اتخذ من عجزهما عن إثبات إدعائهما - الأجرة الأقل وخصم المصاريف - موجباً لرفضه .
(الطعن رقم 189 لسنة 40 جلسة 1975/03/17 س 26 ع 1 ص 610 ق 122)
15- متى قدم الخصم ورقة فى الدعوى فإنه يكون متمسكاً بما لهذه الورقة من قوة فى الإثبات ، فإذا تبين لمحكمة الموضوع من الورقة وجود مبدأ ثبوت بالكتابة فلها - إعمالاً للرخصة المخولة لها بالمادة 189 من قانون المرافعات السابق - المقابلة للمادة 70 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 - أن تأمر من تلقاء نفسها بالإثبات بشهادة الشهود متى رأت فى ذلك فائدة للحقيقة .
(الطعن رقم 423 لسنة 47 جلسة 1979/11/27 س 30 ع 3 ص 80 ق 353)
16- الإيصال المقرر فى قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان صحيحاً أن الصورية لا تثبت بين المتعاقدين إلا بالكتابة إلا أن المشرع أجاز الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتاب إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة ومتى تعزز هذا المبدأ بالبينة أو بالقرائن فإنه يقوم مقام الدليل الكتابى الكامل فى الإثبات ، وأنه يشترط لتوافر مبدأ الثبوت بالكتابة أن تكون هناك ورقة مكتوبة صادرة من الخصم المراد إقامة الدليل عليه أو من يمثله أو ينوب عنه قانوناً وأن يكون من شأنها أن تجعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال .
(الطعن رقم 4901 لسنة 61 جلسة 1992/10/29 س 43 ع 2 ص 1095 ق 221)
مبدأ الثبوت بالكتابة :
إذا وجدت «كتابة من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى قریب الإحتمال» توافر ما يسمى بمبدأ ثبوت بالكتابة . (مادة 62 / 2 إثبات) . ويلاحظ أن مبدأ الثبوت بالكتابة لا يعتبر دليل إثبات كامل ، وإنما يعتبر وجوده سبباً لإمكان الإثبات بشهادة الشهود أو القرائن فيما كان يجب إثباته بالكتابة . فهو - إن صح التعبير - دليل ناقص تكملة الشهادة أو القرائن . ولأن هذه أو تلك تقوم بتكملته فإنها ، من ناحية تفترض وجوده ، فلا يجوز الإستناد إلى الشهادة للدلالة على وجوده . وهی من ناحية أخرى، تضاف إليه ، فلا يجوز إستخلاص القرائن من الكتابة التي تكون مبدأ ثبوت بالكتابة .
ولكي يتوافر مبدأ ثبوت بالكتابة يجب :
أ- أن تكون هناك كتابة لا تعتبر دليل إثبات . فإذا وجد محرر رسمي أو عرفي أو محرر غير موقع له قوة في الإثبات وفقاً لما تقدم ، فإنه لا يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ، إذ هو وحده لا يعتبر دليلاً لا حاجة لتكملته بالشهادة . ومن ناحية أخرى ، يجب أن تكون هناك كتابة . فأي عمل مادي أو قول شفوي لم يثبت في كتابة لا يصلح بداية بينة خطية . ويمكن أن تكون الكتابة مذكرة أو ورقة مقدمة في الخصومة أو أقوالاً ثبتت في ورقة فيها . كما يمكن أن تكون مقدمة أو ثابتة في خصومة أخرى. ووفقاً للمادة 113 من قانون الإثبات المصرى «إذا تخلف الخصم عن الحضور للإستجواب بغير عذر مقبول أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك». ويذهب بعض الفقه إلى أنه في هذه الحالة يوجد مبدأ ثبوت بالكتابة ، والورقة المكتوبة هنا هي محضر الجلسة . ونرى أنه من الخطأ القول بوجود مبدأ ثبوت بالكتابة في هذه الحالة أو في مثلها. ذلك أن قبول الشهادة أو القرائن هنا لا يرتبط بمحضر الجلسة كورقة مكتوبة وإنما بمجرد إدعاء الجهل أو النسيان كواقعة ولو لم تثبت في محضر الجلسة .
ب- أن يكون ما تتضمنه الكتابة منسوباً إلى المتمسك ضده بها أو إلى ممثله أو من يعمل بإسمه . ويستوي أن تكون الكتابة ذاتها قد حررها المتمسك ضده بها أو حررها شخص من الغير . ولهذا يعتبر محضر الجلسة أو محضر التحقيق مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة لما ينسب إلى الخصم أو وكيله . فإذا كان ما تتضمنه الكتابة منسوبة إلى الخصم الآخر أو إلى الغير ، فإنها لا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة إلا إذا قبلها المتمسك ضده بها صراحة أو ضمناً .
ج- أن يكون ما في الكتابة من شأنه أن يجعل الواقعة قريبة الإحتمال . ويلاحظ في هذا الشأن أن هذا الإحتمال يجب أن يكون إحتمالاً حقيقياً واضحاً من نفس الورقة لا يحتمل تأويلاً . فإذا كان ما في الورقة يمكن أن يفسر على نحو أو على آخر ، فليس للقاضي تفسيره على نحو معين وإعتبار الورقة - وفقاً لتفسيره - مبدأ ثبوت بالكتابة .
وقاضي الموضوع هو الذي يقرر توافر هذه الشروط ، لينتهي إلى وجود مبدأ ثبوت بالكتابة ويسمح بالإثبات بشهادة الشهود أو القرائن . على أنه يلاحظ أن تقديره لتوافر الشرطين الأولين يخضع لرقابة محكمة النقض ، أما تقديره لتوافر الشرط الثالث وكذلك تقديره لقيمة الشهادة أو القرائن التي تقدم التكملة الإثبات فإنه يخضع لمطلق سلطته بغير رقابة من محكمة النقض .
ومن الأمثلة على توافر مبدأ ثبوت بالكتابة : في دعوی دائنية ، يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة لمصلحة المدعی : خطاب يكون المدعى عليه قد أرسله إليه أشار فيه إلى الدين دون ذکر مقداره أو تاريخ إستحقاقه ، أو يكون قد أرسله إليه يتضمن إقراراً بالدين دون أن يوقعه ؛ أو أن يتمسك المدين بمخالصة يثبت تزويرها إذ المخالصة المزورة هي مبدأ ثبوت بالكتابة لمصلحة الدائن . وعلى العكس ، يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة لمصلحة المدعى عليه : خطاب يكون المدعى قد كتبه إلى المدعى عليه يسأله إذا كان في أوراق مورثه ما يفيد براءة ذمته من الدين . محضر جرد تركة المدين المحرر بحضور الدائن دون أن يتمسك الأخير بإثبات دينه في المحضر ، ورقة تفيد دائنية المدين للدائن بعد تاريخ إستحقاق الدين المدعى به ، إذ عادة يقوم المدين بسداد دينه قبل أن يصبح دائناً لمدينه .
إذا فقد الدائن دليله الكتابي بغير خطأ منه (62 / ب إثبات مصري) :
في هذه الحالة لم يقم مانع دون حصول الدائن على دليل كتابي ، ولكنه فقد هذا الدليل قبل استعماله في إثبات حقه . وعندئذ يجيز له القانون - إذا كان فقده له لسبب أجنبي عنه - أن يثبت بشهادة الشهود أو بالقرائن ما كان يجب عليه إثباته بالكتابة . ويجب لإعمال هذا الإستثناء أن يقوم الدائن بإثبات : أ- أنه كان هناك محرر مكتوب ، سواء كان هذا المحرر محرراً عرفياً أو محرراً غير موقع يعتبر دليلاً كاملاً . فلا يكفي إثباته وجود مبدأ ثبوت بالكتابة . ب- أن هذا المحرر يتضمن التصرف القانوني الذي يدعيه . ج- أن المحرر قد فقد أو تلف بغير خطأ منه . بأن يكون قد سرق أو تلف في حريق . ويلاحظ في هذا الصدد أنه إذا تعلق الأمر بمحرر رسمی ، وفقدت الصورة التي بيد الدائن أو تلفت فإن النص لا ينطبق . ذلك أن الدائن يستطيع دائماً أن يحصل من الأصل المودع لدى الجهة الرسمية على صورة أخرى . فإذا حدث وتلف الأصل أوضاع ، وكانت الصورة مع الدائن ، فإن لهذه الصورة حجيتها وفقاً للقواعد التي سبق بيانها .
إذا كان الإثبات مقدماً من الغير : فللغير أن يثبت وجود التصرف بشهاد الشهود أو القرائن ولو كان مما يجب إثباته بالكتابة . وتطبيقاً لهذا ، للشفيع أن يثبت بشهادة الشهود حقيقة الثمن وأنه أقل مما ذكر في عقد البيع المكتوب ، ولمن يطعن بصورية عقد أن يثبت حقيقة التصرف بين الطرفين بشهادة الشهود . وعلة هذا الإستثناء هو أنه لا يمكن إلزام الأجنبي عن التصرف بالحصول على كتابة لإثباته ، فهو يعتبر في موقف يستحيل معه الحصول على هذه الكتابة .
إذا كان هناك غش نحو القانون أو كان سبب التصرف غير مشروع : ذلك أنه مما يهم النظام العام إثبات وجود الغش أو عدم المشروعية بكافة طرق الإثبات . فلأي من الطرفين - ومن باب أولى للغير - إثبات وجود الغش أو عدم المشروعية بشهادة الشهود ولو كان يراد به إثبات ما يجاوز أو ما يخالف الكتابة ، أو كان يراد به إثبات تصرف مشوب بالغش أو عدم المشروعية تزيد قيمته عن نصاب الشهادة . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني ، الصفحة : 190 )
نطاق مبدأ الثبوت بالكتابة :
ويتبين من نص التقنين المدني المصري أنه إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة - بالشروط التي سنفصلها – جاز إثبات التصرف القانوني بالبينة أو بالقرائن أو بهما معاً ، أي أن البينة والقرائن تأتي معززة لدليل كتابي ناقص فتكمله . ومبدأ الثبوت بالكتابة ، معززاً بالبينة أو بالقرائن ، يكون دليلاً كاملاً في كل ما كان يجب إثباته بالكتابة . فيكون دليلاً كاملاً على : 1- تصرف قانوني تزيد قيمته على عشرين جنيهاً (أصبحت ألف جنيه) 2- ما يخالف الكتابة أو يجاوزها 3- تصرف قانوني اشترط القانون بنص خاص أن يكون إثباته بالكتابة كالصلح والكفالة . ولكنه لا يصلح دليلاً على تصرف شكلي كالهبة والرهن الرسمي ، إذ هو لا يحل محل الشكل ، فإن الشكل ذاته ركن في التصرف .
أركان مبدأ الثبوت بالكتابة : وحتي يكون هناك مبدأ ثبوت بالكتابة يجب ، وفقاً للنص الذي قدمناه ، أن تتوافر أركان ثلاثة : 1- أن تكون هناك ورقة مكتوبة . 2- وأن تكون هذه الورقة صادرة من الخصم الذي يحتج بها علية أو ممن يمثله . 3- وأن يكون من شأن هذه الورقة أن تجعل وجود التصرف القانوني قريب الإحتمال .
1- وجود ورقة مكتوبة
الأعمال المادية لا تكون مبدأ ثبوت بالكتابة : لا بد لتوافر الركن الأول من وجود ورقة مكتوبة . أما مجرد الأعمال المادية ، إيجابية كانت أو سلبية ، ولو كانت ثابتة بالبينة أو بالقرائن ، فلا تكفي . ويترتب علي ذلك أن تنفيذ الإلتزام ، إذا إنطوي علي أعمال مادية محضة كبناء منزل أو نقل بضاعة ، وثبت بغير الكتابة كما هو الشأن في هذه الأعمال إذ تثبت عادة بالبينة أو بالقرائن أو بالمعاينة ، فإنه لا يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة . أما إذا كان تنفيذ الإلتزام ينطوي علي تصرف قانوني كالوفاء بمبلغ من النقود ، فلا بد من إثبات هذا التنفيذ وهو تصرف قانوني بورقة مكتوبة إذا زادت القيمة علي عشرين جنيهاً وهذه الورقة - سواء كانت دليلاً كتابياً كاملاً علي التنفيذ أو لم تكن إلا مبدأ ثبوت بالكتابة - تكون في الوقت ذاته مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة إلي إثبات وجود الإلتزام . فإذا كان الوفاء منصباً على مبلغ لا يزيد على عشرين جنيهاً وكان هذا هو كل الدين ، فإثبات الوفاء يجوز بالبينة وبالقرائن ، ولكننا في هذه نكون في غير حاجة إلي مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات الإلتزام ذاته ، إذ يجوز إثباته هو أيضاً بالبينة وبالقرائن .
وقد يكون مبدأ الثبوت بالكتابة أعمالاً مادية تسجل بعد ذلك في ورقة مكتوبة ، فعند ذلك تكون هذه الورقة المكتوبة - لا الأعمال المادية - هي مبدأ الثبوت بالكتابة .
الشروع في الوفاء : وقد كان التقنين المدني السابق ينص في المادة 221 / 286 منه على أن " الشروع في الوفاء يصح أن يكون عند الإقتضاء سبباً للقاضي في أن يأذن الإثبات بالبينة " . ولم يستبق التقنين الجديد هذا النص ، وقد كانت هناك فائدة في إستبقائه ، إذ يتميز في بعض صوره عن مبدأ الثبوت بالكتابة . ذلك أن الشروع في الوفاء قد يكون عملاً مادياً محضاً ، فيثبت بغير ورقة مكتوبة . وكان في هذه الحالة ، وفقاً لنص المادة 221 / 286 من التقنين المدني السابق ، يصلح سبباً للقاضي في أن يأذن في الإثبات بالبينة . أما بعد أن أغفل التقنين المدني الجديد إيراد هذا النص ، فلم يعد الشروع في الوفاء يصلح في هذه الحالة أن يكون مبدأ بالكتابة يجيز الإثبات بالبينة .
وإذا كان الشروع في الوفاء تصرفاً قانونياً كالوفاء بمبلغ من النقود أو دفع الفوائد ، فإن كان المبلغ الموفي به أكثر من عشرين جنيهاً فلا بد في إثبات الوفاء من ورقة مكتوبة . وعندئذ تصلح هذه الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات الإلتزام ذاته ، دون حاجة إلى استبقاء نص المادة 221 / 286 من التقنين السابق .
أما اذا كان الإلتزام يزيد عن عشرين جنيهاً فلا يجوز إثبات الوفاء بجزء منه بالقرائن وشهادة الشهود ولو كان المبلغ الموفى به لا يزيد عن عشرين جنيهاً بل يجب أن يكون الوفاء ثابتاً بورقة مكتوبة وهنا أيضاً تصلح هذه الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات الإلتزام ذاته دون حاجة إلى استبقاء نص المادة 221/ 286 من التقنين المدني السابق .
ويلاحظ أنه قبل صدور قانون الإثبات والعمل بأحكامه كان يمكن إثبات الوفاء بالبينة أو القرائن دون ورقة مكتوبة إذا كان المبلغ الموفى به لا يزيد على عشرة جنيهات ولو كان الإلتزام ذاته يزيد على عشرة جنيهات وإن كان إثبات الوفاء في هذه الحالة لا يمكن التذرع به لإثبات الالتزام ذاته .
ويخلص من ذلك أن المادة 221 / 286 ، إذا كان يستطاع الإستغناء عنها في حالة ما إذا كان الشروع في الوفاء ينطوي على تصرف قانوني ، فقد كانت هناك فائدة في استبقائها في حالة ما إذا كان الشروع في الوفاء ينطوي على عمل مادي . وأصبحت الفائدة في استبقائها أكثر وضوحاً بعد العمل بأحكام قانون الإثبات الجديد الذي جعل العبرة في إثبات الوفاء الجزئي بقيمة الإلتزام الأصلي محل الوفاء .
أية كتابة تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة : وكل كتابة تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، أياً كان شكلها وأياً كان الغرض منها .
فسند غير موقع - إذ السند الموقع يكون دليلاً كتابياً كاملاً - ودفاتر تجارية ، وسجلات وأوراق منزلية ، ومراسلات موقعة كانت أو غير موقعة ، ومؤرخة وموجهة إلي من يحتج بها أو موجهة إلي الغير ما دام يمكن تقديمها إلي القضاء ، وتأشيرات على سند الدين ، كل هذه تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، هذا إذا لم تكن دليلاً كاملاً في الحالات التي نص القانون فيها على ذلك وقد تقدم بيانها .
كذلك يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة محاضر الجرد ، ودفاتر الحساب ، والإيصالات ، والمخالصات ، والتأشيرات المدونة في هامش الأوراق والسندات أو في ظهرها ، والمذكرات الشخصية ولو كانت مدونة في أوراق منثورة ، وصور الأوراق الرسمية ، وصور الأوراق العرفية كصورة العقد المسجل .
وتصلح الأوراق القضائية ونحوها من الأوراق أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، حتى لو كانت أوراقاً في قضية أخرى ، وذلك كالبيانات المدونة في أسباب الحكم ، وما ورد في محاضر الجلسات ومحاضر التحقيق ، والإقرارات التي تدون في مذكرات الخصوم ولو أمضاها الوكلاء عنهم، والبيانات التي تقدم لمصلحة الشهر العقاري أو لمصلحة البريد أو للمصالح الحكومية الأخري وتدون في أوراق رسمية .
ويجوز أن يستخلص مبدأ الثبوت بالكتابة من مجموع أوراق متفرقة لا من ورقة واحدة ، كما إذا كانت الورقة الصادرة من الخصم تشير إلي ورقة أو أوراق أخري غير صادرة منه ولكنها هي ، دون الأوراق الأخرى ، التي تجعل وجود التصرف القانوني قريب الإحتمال .
السندات الباطلة : والسند الرسمي إذا كان باطلاً - أياً كان سبب بطلانه - وكان موقعاً من ذي الشأن ، تكون له قيمة الورقة العرفية كما سبق القول . فمن باب أولي يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا لم يكن صالحاً لأن يكون دليلاً كتابياً كاملاً .
أما إذا كان السند الرسمي الباطل غير موقع من ذوي الشأن ، وكان عدم التوقيع راجعاً إلي جهل ذي الشأن الكتابة أو عدم إستطاعته إياها أو رفضه للتوقيع ، فإنه يصلح كذلك أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة . وقد رأينا أن الورقة الرسمية الباطلة ، إذا كانت غير موقعة من المدين ، لا تكون لها قيمة الورقة العرفية ، حتي لو كان الموثق قد ذكر فيها عجز المدين عن التوقيع ، ولكنها في هذه الحالة تصلح ، كما قدمنا أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة . أما إذا كان السند الرسمي الباطل غير موقع عليه ، لا لجهل بالكتابة أو عدم استطاعة لها أو رفض للتوقيع ، فإنه يكون مجرد مشروع لم يتم ، ولا تكون له قيمة الورقة العرفية ، ولا يصلح كذلك أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة . وإذا كان السند الرسمي الباطل صادراً من عدة مدينين متضامنين ولم يوقعه إلا بعض هؤلاء ، فلا تكون له قيمة الورقة العرفية ، وكذلك لا يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، لا بالنسبة إلي من لم يوقع لعدم التوقيع ، ولا بالنسبة إلي من وقع لأنه لم يوقع إلا كمدين متضامن مع آخرين فلو صلحت مستنداً ضده لفقده حق الرجوع علي من لم يوقع من هؤلاء المدينين .
والسند العرفي ، إذا كان باطلاً لعدم التوقيع عليه ، يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كان مكتوباً بخط المدين أو كان صادراً منه أو ممن يمثله وكذلك السند العرفي الموقع عليه أو الصادر من المدين ، دون ذكر لمقدار الدين ، يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، فيجوز إثبات الدين بالبينة أو بالقرائن ، ولا يعد هذا إثباتاً لما يجاوز الكتابة لأن الكتابة هنا ليست دليلاً كتابياً كاملاً بل مبدأ ثبوت بالكتابة .
البيانات السلبية - تخلف الخصم عن الحضور للإستجواب أو إمتناعه عن الإجابة : وفي بعض الحالات قد يكون مجرد بيان سلبي ، أي مجرد إغفال ذكر بيان في ورقة مكتوبة ، صالحاً لأن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة .
وتفريعاً على هذا المبدأ نصت المادة 113 من قانون الإثبات على أنه " إذا تخلف الخصم عن الحضور للإستجواب بغير عذر مقبول ، أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني ، جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك " . والورقة المكتوبة في هذه الحالة هي المحضر الرسمي الذي دون فيه تخلف الخصم عن الحضور أو إمتناعه عن الإجابة. فكأن الواقعة التي يتكون منها مبدأ الثبوت هي واقعة مستقلة عن الكتابة ، ليست الكتابة إلا لإثباتها .
التاريخ الثابت لمبدأ الثبوت بالكتابة : يميز الفقه في فرنسا بين ورقة عرفية موقع عليها وقد أعدت للإثبات ولكنها لا تصلح إلا مبدأ ثبوت بالكتابة - وذلك كالورقة العرفية التي لم تتعدد نسخها أو لم تحمل عبارة الإعتماد المعروفة - وبين ورقة عرفية لم يوقع عليها ولم تعد للإثبات وتصلح مع ذلك أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة - وذلك كدفاتر التجار والسجلات والأوراق المنزلية والمذكرات الشخصية . ففي الحالة الأولى لا يكون تاريخ الورقة حجة علي الغير إلا إذا كان ثابتاً وفقاً للطرق التي سبق بيانها في ثبوت التاريخ ، وذلك بالرغم من أن الورقة ليست إلا مجرد مبدأ ثبوت بالكتابة . وفي الحالة الثانية يكون تاريخ الورقة حجة على الغير دون حاجة إلي أن يكون تاريخاً ثابتاً ، وللغير أن يثبت أن هذا التاريخ غير صحيح بجميع الطرق لأنه ليس طرفاً في الورقة .
ولما كانت الحالة الأولي لا تتحقق في مصر ، إذ هي ترجع إلي أحكام في التقنين الفرنسي أغفلها التقنين المصري - تعدد النسخ وعبارة الإعتماد - فإنه يمكن القول أن مبدأ الثبوت بالكتابة في القانون المصري يكون تاريخه حجة على الغير دون حاجة إلي أن يكون ثابتاً . والغير الذي ينازع في صحة هذا التاريخ يستطيع أن يثبت عدم صحته بجميع الطرق ، حتي بالبينة أو بالقرائن ، لأنه من الغير وليس طرفاً في الورقة التي يحتاج بها عليه كمبدأ ثبوت بالكتابة كما سبق القول .
ما لا يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة : ويتبين مما قدمناه أنه لا يكون هناك مبدأ ثبوت بالكتابة إذا لم تكن هناك ورقة مكتوبة يستند إليها في الإثبات ، ولو كانت ورقة أغفل فيها ذكر الواقعة المراد إثباتها حيث كان يجب ذكرها وهو ما سميناه بالبيان السلبي فيما تقدم . فأي عمل مادي ، إيجابي أو سلبي ، واي قول لا ينتهي إلي بيانات مدونة - أو مغفلة حيث كان يجب تدوينها - في ورقة مكتوبة ، لا يكون مبدأ ثبوت بالكتابة . ومن ثم لا تكفي الأقوال الشفوية إذا كان لا يمكن إثباتها بالكتابة ، وإن كان يمكن إثباتها بالبينة أو بالقرائن .
وإذا كان المراد هو إثبات ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها عن طريق مبدأ ثبوت بالكتابة معززاً بالبينة أو بالقرائن ، فلا يصح أن تكون الورقة ذاتها التي يراد إثبات ما يخالفها أو يجاوزها هي مبدأ الثبوت بالكتابة ، بل يجب أن يكون مبدأ الثبوت بالكتابة ورقة أخري صادرة في تاريخ تال لهذه الورقة التي يراد إثبات ما يخالفها أو يجاوزها .
رقابة محكمة النقض : وكون هذا الركن الأول - وجود ورقة مكتوبة - قد توافر في مبدأ الثبوت بالكتابة أو لم يتوافر مسألة من مسائل القانون تخضع لرقابة محكمة النقض .
2- صادرة من الخصم أو ممن يمثله
الورقة صادرة من الخصم : حتى تصبح الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة ، يجب أن تكون صادرة من الخصم الذي يحتج عليه بها ، مدعياً كان في الدعوي التي رفعها أو مدعي عليه في الدفع الذي تقدم به وصدور الورقة من الخصم إما أن يكون صدوراً مادياً أو صدوراً معنوياً .
فالصدور المادي يتحقق بأن تكون الورقة بتوقيع الخصم أو بخطه - وأي الشيئين يكفي : التوقيع أو الخط . والورقة التي وقعها الخصم تكون في الغالب دليلاً كتابياً كاملاً إذا أعدت أصلاً لإثبات المدعى به . ولكنها قد لا تكون أعدت لذلك ، واقتصرت على بيانات تجعل المدعى به قريب الاحتمال ، وعندئذ يكفي لإعتبارها صادرة من الخصم أن تكون بتوقيعه دون أن تكون بخطه ولكن يجب أن يكون التوقيع هو التوقيع الصحيح للخصم ، فلا يكفي أن يكون مجرد تأشيرة أو علامة أو توقيع هامشي وقد تكون الورقة غير موقع عليها من الخصم ، ولكنها مكتوبة بخطه . وهذا يكفي لإعتبار الورقة صادرة منه ، ولا حاجة إلي التوقيع وسواء كانت الورقة موقعة من الخصم أو مكتوبة بخطه ، فالواجب في الحالتين أن يكون الخصم غير منكر لتوقيعه أو لخطه . أما إذا أنكر ، فلابد من الإلتجاء إلي إجراءات تحقيق الخطوط على النحو الذي بيناه فيما تقدم ، فإن ظهر من التحقيق أن التوقيع أو الخط هو له اعتبرت الورقة صادرة منه ، وهذا ما لم يطعن فيها بالتزوير وينجح في هذا الطعن .
والصدور المعنوي يتحقق بأن الخصم - وهو لم يوقع الورقة ولم يكتبها بخطه - يعتبرها كما لو كانت صادرة منه . فقد يكون الخصم أمياً فتكتب الورقة بأملائه، وتعتبر في هذه الحالة صادرة منه دون أن يكون قد وقعها أو كتبها بخطه .وقد تكون الورقة لم تكتب بأملائه ، ولكنه تمسك بها مقراً بما ورد فيها ، كمخالصة صادرة من الخصم الآخر تمسك بها ، فتعتبر كأنها صادرة منه دون أن تكون بتوقيعه أو بخطة ويلاحظ أن إرتضاء الخصم للورقة التي لا تحمل توقيعه أو خطة ، واعتبارها صادرة منه ، واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن والورقة الرسمية غير الموقع عليها من الخصم قد تعتبر صادرة منه صدوراً معنوياً ، وصفة الموظف العام الذي كتب هذه الورقة قد تكفي وحدها ذلك . فالإقرارات والبيانات التي ترد في أسباب الحكم ، وتلك التى ترد فى محضر الإستجواب ، أو فى محضر المعاينة ، كل هذه تعتبر صادرة من الخصم صدوراً معنوياً ، فهى لا تحمل توقيع الخصم أو خطه ، ولكنها مدونة فى أوراق رسمية منسوبة إلى الخصم ، بواسطة موظفين عامين فوق مستوى الشبهات. وهذا بخلاف الورقة الرسمية الموثقة ، فإنها إذا لم تكن موقعة من الخصم ، ولم يكن عدم التوقيع راجعاً إلى الجهل بالكتابة أو عدم استطاعتها أو رفض التوقيع ، فلا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ، لأنها تعتبر فى هذه الحالة مجرد مشروع لم يتم ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .
الورقة صادرة ممن يمثل الخصم : ويصح أن تكون الورقة صادرة ، لا من الخصم نفسه ، بل ممن يمثل الخصم وقت تحرير الورقة . والأدق أن يقال : ممن يمثله الخصم أو ممن يمثل الخصم .
فمثل من يمثله الخصم المورث . فالورقة الصادرة من المورث تعتبر كأنها صادرة من الوارث ، وتصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة يحتج بها على الوارث كما كان يحتج بها على المورث . ومثل من يمثله الخصم أيضاً المدين إذا استعمل الدائن حقوقه . فالورقة الصادرة من المدين تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة يحتج بها على الدائن .
ومثل من يمثل الخصم وكيله . فالورقة التى تصدر من الوكيل فى حدود وكالته تعتبر كأنها صادرة من الموكل ، ويحتج بها عليه كمبدأ ثبوت بالكتابة على أنه يجب إثبات عقد الوكالة وفقاً للقواعد العامة .
والمحامى يعتبر وكيلاً عن الخصم الذي يترافع عنه فالإقرارات والبيانات التى كتبها فى مذكراته منسوبة إلى موكله تعتبر صادرة من الموكل ، وتصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة يحتج بها عليه . وهذا هو أيضاً شأن ما يدلى به فى مرافعته منسوباً إلى موكله ، ويدون فى محضر الجلسة ، أو فى محضر التحقيق .
كذلك المحضر يعد وكيلاً فكل إعلان يقوم به المحضر على لسان الخصم يعتبر كأنه صادر من الخصم ، كصحيفة الدعوى والمعارضة فى التنبيه وغير ذلك من أوراق المحضرين .
ويمثل الولي والوصي والقيم القاصر والمحجور عليه ، فى حدود ولاية كل منهم . فالورقة الصادرة من أحد من هؤلاء ، فى هذه الحدود ، تعتبر كأنها صادرة من القاصر أو المحجور عليه .
ما لا يعتبر صادراً من الخصم ولا ممن يمثله : ويتبين مما تقدم أن الورقة ما لم تكون صادرة من الخصم ، أو ممن يمثله الخصم أو ممن يمثله الخصم أو ممن يمثل الخصم ، لا تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، ولا يحتج بها على الخصم . فالورقة الصادرة من الخصم الآخر لا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة يحتج بها على الخصم الأول ، للسبب المتقدم ، ولأن الشخص لا يستطيع أن يصطنع الدليل لنفسه .
والورقة الصادرة من الزوج لا يحتج بها على زوجته ، ولا يحتج بالورقة الصادرة من الزوجة على زوجها ، هذا ما لم يكن أحدهما وكيل الآخر وفى حدود هذه الوكالة .
كذلك لا يحتج بالورقة الصادرة من الإبن على أبيه ، ولا من الأب على ابنه ولا يحتج بالورقة الصادرة من أحد الشركاء فى الشيوع على باقى الشركاء ، ولا من أحد المتهمين فى جريمة على شركائه أو الفاعلين الأصليين الآخرين ، ولا من أحد الخصوم فى الدعوى على المنضمين معه فى الخصومة ، ولا من مصفى الشركة على أحد الشركاء .
كذلك لا يحتج على الخصم بما يصدر عن الغير من إقرارات وبيانات عند استجوابه . ومن ثم لا يجوز استجواب ولا الأمر باستحضار غير الخصم .
رقابة محكمة النقض : وكون الورقة صادرة من الخصم ، أو ممن له صفة فى تمثيل الخصم له أو فى تمثيله للخصم ، هو الركن الجوهرى فى مبدأ الثبوت بالكتابة ، إذ هو الذي يصل الورقة بالخصم ويجعلها حجة عليه . وهذه مسألة من مسائل القانون ، ومن ثم كان البت فيها خاضعاً لرقابة محكمة النقض ، مثلها فى ذلك مثل الركن الأول .
3- تجعل المدعى به قريب الإحتمال
معنى قريب الإحتمال : لا يكفى أن تكون الورقة المقدمة كمبدأ ثبوت بالكتابة من شأنها أن تجعل الواقعة المراد إثباتها محتملة ، بل يجب أن تجعل هذه الواقعة مرجحة الحصول ، لا ممكنة الحصول فحسب .
فإذا توافر ركن قرب الاحتمال على هذا النحو ، فإن مبدأ الثبوت بالكتابة ، هو وحده أيضاً ، لا يكفى دليلاً كاملاً على صحة الواقعة المراد إثباتها ، كما تقدم القول . بل تجب تكملته بالبينة ، أو بالقرائن ، أو بهما معاً .
وليس القاضى مجبراً ، عند وجود مبدأ ثبوت بالكتابة ، أن يحيل الدعوى إلى التحقيق لتكملة الدليل فقد يرى فى ظروف القضية وملابساتها وفيما يحوطها من القرائن القضائية ما يقنعه بصحة الواقعة المدعى بها ، وتكون القرائن فى هذه الحالة هى التى أكملت مبدأ الثبوت بالكتابة وقد يقوم من ظروف القضية وملابساتها ما يقنعه بعكس ذلك ، فلا يحتاج أيضاً فى هذه الحالة إلى أن يحيل الدعوى إلى التحقيق ، ويزول ما كان لمبدأ الثبوت بالكتابة من أثر كدليل .
وقد يرى القاضى أن يحيل الدعوى إلى التحقيق لإستكمال مبدأ الثبوت بالكتابة بالبينة أو بالقرائن . وهنا أيضاً يستبقى القاضى سلطته الكاملة فى التقدير فيسمع الشهود ، وقد يقتنع فتصبح عنده الواقعة المدعى بها ، وقد لا يقتنع فيعتبر أن هذه الواقعة لم يقم عليها الدليل .
قرب الإحتمال مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض : وتقدير ما إذا كان مبدأ الثبوت بالكتابة يجعل الواقعة المدعى بها قريبة الإحتمال مسألة واقع ومحكمة الموضوع فى تقديرها لهذه المسألة لا تخضع لرقابة محكمة النقض ، فلا يجوز الطعن فى تقديرها أمام هذه المحكمة . وهذا هو الذي انعقد عليه الإجماع ، فقهاً وقضاء ، فى مصر وفى فرنسا .
فمن الأركان الثلاثة لمبدأ الثبوت بالكتابة ، يكون الركنان الأولان - وجود ورقة وكونها صادرة من الخصم - من مسائل القانون ، فهما يخضعان لرقابة محكمة النقض . والركن الثالث - قرب الإحتمال - من مسائل الواقع ، لقاضى الموضوع فيها سلطان لا معقب عليه من المحكمة العليا .
ضوابط ثلاثة فى تقدير قرب الإحتمال : ومن يستقرئ الفقه والقضاء يستطيع أن يستخلص ضوابط يستأنس بها فى تقدير ما إذا كان مبدأ الثبوت بالكتابة من شأنه أن يجعل الواقعة المراد إثباتها قريبة الإحتمال .
وهى ضوابط يستأنس بها قاضى الموضوع ، ولكنه غير مقيد بها قانوناً . وسواء اتبعها أو لم يتبعها ، فتقديره كما قدمنا غير خاضع لرقابة محكمة النقض .
ذلك أن الورقة التى تقدم على اعتبار أنها مبدأ ثبوت بالكتابة يمكن أن ترد إلى أحد أنواع ثلاثة :
ورقة كان من الممكن أن تكون دليلاً كتابياً كاملاً على الواقعة المراد إثباتها .
ورقة لم يكن ممكناً أن تكون دليلاً كتابياً كاملاً على الواقعة المراد إثباتها ، ولكنها تشير إلى هذه الواقعة .
ورقة لم يكن ممكناً أن تكون دليلاً كتابياً كاملاً على الواقعة المراد إثباتها ، ثم هى لا تشير إلى هذه الواقعة .
ورقة كان من الممكن أن تكون دليلاً كتابياً كاملاً على الواقعة المراد إثباتها : وذلك كالأوراق الرسمية والأوراق العرفية وغيرها من الأوراق التى جعل لها القانون قوة معينة فى الإثبات كدفاتر التجار والسجلات والأوراق المنزلية والرسائل .
وهذه أوراق فى الأصل تكون دليلاً كتابياً كاملاً . فإذا نقصها شرط من الشروط التى يتطلبها القانون لم تعد تصلح أن تكون دليلاً كاملاً ، وانقلبت إلى مبدأ ثبوت بالكتابة ، إذ هى تذكر الواقعة المراد إثباتها ذكر الدليل الكامل ، فلا يكون هناك شك فى أنها تجعل هذه الواقعة قربة الإحتمال . وإذا فاتها أن تكون دليلاً كتابياً كاملاً لما اعتورها من النقض ، فإنها تصلح فى القليل أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة .
فالورقة الرسمية إذا شابها عيب فى الشكل ، ولم تصلح أن تكون ورقة عرفية ، فإنها تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة . مثل ذلك السند الرسمى الباطل غير الموقع عليه من ذى الشأن ، إذا كان عدم التوقيع راجعاً إلى جهل ذى الشأن الكتابة أو عدم استطاعته إياها أو رفضه للتوقيع ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .
وصور الأوراق الرسمية التى لا تصلح دليلاً كاملاً طبقاً لأحكام القانون ، كالصورة الرسمية الأصلية إذا لم يكن مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك في مطابقتها للأصل ، وصورة الصورة الأصلية إذا كانت الصورة الأصلية غير موجودة على رأى أشرنا إليه فيما تقدم ، تصلح فى الغالب أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة على النحو الذي أسلفنا الإشارة إليه .
والورقة العرفية المكتوبة بخط المدين إذا لم تكن موقعة ، وثبت أن عدم التوقيع لا يرجع إلى رفض المدين لتوقيعها مما يجعلها فى منزله مشروع لم يتم ، تكون مبدأ ثبوت بالكتابة .
وصور العقود المسجلة تكون مبدأ ثبوت بالكتابة على الوجه الذي ذكرناه فيما تقدم .
ودفاتر التجار ، حين تكون حجة على غير التجار فيا قام التجار بتوريده مع توجيه اليمين المتممة م 397 فقرة أولى تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، أكمل هنا ، لا بالبينة ولا بالقرائن ، بل باليمين المتممة . وهذا وضع خاص نص عليه القانون .
والأوراق والسجلات المنزلية ، إذا كانت مكتوبة بخط صاحبها دون توقيعه ، وفى غير الحالتين اللتين نص فيهما القانون على أن تكون دليلاً كاملاً م 398 : إذا ذكر أنه استوفى ديناً ، أو أن الورقة تقوم مقام السند ، تكون مبدأ ثبوت بالكتابة على النحو الذي قدمناه .
والرسائل إذا كانت غير موقعة ، وكذلك الأصل غير الموقع من البرقيات تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة على التفصيل الذي أسلفناه ذكره .
ورقة لم يكن ممكناً أن تكون دليلاً كتابياً كاملاً على الواقعة المراد إثباتها ولكنها تشير إلى هذه الواقعة : وهذه الإشارة قد تكون إيجابية أو سلبية .
والأمثلة كثيرة على الإشارة الإيجابية . منها كتاب يرسله شخص إلى آخر ، يتكلم فيه عن بيع أو قرض أو أى عقد آخر ، فيكون هذا الكتاب مبدأ ثبوت بالكتابة ضد صاحبه على وقوع هذا العقد وكتاب يرسله المدين ، يذكر فيه الدين الثابت فى ذمته دون أن يذكر مقداره وشروطه ، فيكون مبدأ ثبوت بالكتابة على هذا الدين . وكتاب يكتبه الدائن الى ورثة مدينه ، يسألهم إذا كان فى أوراق مورثهم شىء يفيد براءة ذمته ، فإذا ما استوثق أن شيئاً من ذلك لا يوجد رفع الدعوى يطالب بالدين ، فيعتبر هذا الكتاب الذي أرسله الدائن إلى الورثة وأشار فيه إلى براءة ذمة المدين مبدأ ثبوت بالكتابة على هذه البراءة .
أما أن تشير الورقة إلى الواقعة المراد إثباتها إشارة سلبية فذلك يتحقق على أحد وجهين :
(أ) إما بأن تثبت الورقة واقعة هى عكس الواقعة المراد إثباتها تماماً ، ثم يتبين بعد ذلك تزوير الورقة ، فتنتفى هذه الواقعة العكسية وتصبح الواقعة المراد إثباتها قريبة الإحتمال . مثل ذلك أن يطالب الدائن مدينه بالدين وليس مع الدائن سند مكتوب ، فيبرز المدين مخالصة مزورة ، فتكون هذه المخالصة بعد أن ثبت تزويرها مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات الدين . ومثل ذلك أيضاً أن يثبت أن تاريخ الورقة مزور وأن التاريخ الصحيح هو ما قرره من ادعى التزوير ، فإن ذلك يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات صحة ما يذهب إليه مدعى التزوير ، إذ أن عكسه قد ثبت تزويره ، فأصبح ما يذهب إليه قريب الإحتمال .
(ب) وإما أن تكون الورقة المراد اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة من شانها فى الأصل أن تثبت واقعة متنازعاً عليها ، فإذا هى لم تثبتها كان فى ذلك إشارة سلبية إلى أن هذه الواقعة غير صحيح . مثل ذلك أن تجرد تركة المدين الميت بحضور دائنه ولم يذكر الدين فى محضر الجرد ، فخلو المحضر من ذكر هذا الدين مع حضور الدائن وقت الجرد قد يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة على الوفاء ، إذ لو كان الدين لا يزال فى ذمة المدين لما خلا منه محضر الجرد . ومثل ذلك أيضاً أن يتمسك المدين بأن الدائن أبرأه من الدين ، ويحتج بأن ورثة الدائن بعد موته ، وهم يعلمون بالدين وحقيقة الإبراء منه ، قد اقتسموا التركة ولم يذكروا شيئاً فى عقد القسمة عن هذا الدين ، فيعتبر عدم التنويه عنه فى عقد القسمة مبدأ ثبوت بالكتابة على صحة الإبراء .
وسواء كانت الإشارة إيجابية أو سلبية ، فقد قدمنا أنه يجب لاعتبار الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة أن يكون من شأنها جعل الواقعة المراد إثباتها مرجحة الحصول ، لا محتلمة فحسب فالإتفاق المكتوب ما بين شخصين على جواز إثبات العقود المبرمة بينهما بالبينة لا يصلح مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات عقد أبرم بعد هذا الإتفاق ، إذ أن هذا الإتفاق المكتوب ليس من شأنه أن يجعل العقد المدعى به مرجح الحصول ، ولا يزيد على أن يجعله محتملاً .
ورقة لم يكن ممكناً أن تكون دليلاً كتابياً كاملاً على الواقعة المراد إثباتها ثم هى لا تشير إلى هذه الواقعة : ويبدو لأول وهلة أن مثل هذه الورقة لا تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، لأنه يبعد أن يكون من شأنها أن تجعل واقعة لا تشير إليها بتاتاً – لا إيجاباً ولا سلباً – مرجحة الحصول . ولكن يقع مع ذلك ، فى بعض الأحوال الإستثنائية ، أن مثل هذه الورقة تثبت واقعة أخرى لها إرتباط بالواقعة المراد إثباتها ، ويكون ثبوت هذه الواقعة الأخرى من شأنه أن يجعل الواقعة المراد إثباتها قريبة الإحتمال . فينتقل الإثبات بذلك من محل إلى آخر ، وهذا ما عرفناه بتبدل محل الإثبات أو تحوله ويتحقق ذلك فى الأمثلة الآتية :
1- رفع شخص على آخر دعوى الدين ، فقدم المدعى عليه ورقة تفيد أن المدعى مدين له بعد تاريخ استحقاق الدين المدعى به . فهذه الورقة تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة على وفاء الدين المدعى به . ذلك أن المدين لا يبدأ فى العادة أن يكون دائناً لدائنه إلا بعد أن يوفيه الدين الذي عليه . فالورقة تثبت واقعة مديونية الدائن للمدين . والواقعة المراد إثباتها هى وفاء المدين الدين لدائنه .
وثبوت الواقعة الأولى يجعل الواقعة المراد إثباتها قريبة الإحتمال .
2- إذا قرر الدائن المرتهن شطب الرهن ، فإن هذا التقرير يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة على وفاء الدين المضمون بالرهن . ذلك أن الدائن المرتهن لا يرضى عادة بشطب الرهن قبل أن يستوفى حقه . وتقرير الدائن لشطب الرهن ورقة تثبت رضاء الدين بهذا الشطب . والواقعة المراد إثباتها هي وفاء الدين المضمون بالرهن . وثبوت الواقعة الأولى يجعل الواقعة المراد إثباتها قريبة الإحتمال . ( الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني المجلد الأول ، الصفحة : 546 )
أولاً : تعريف مبدأ الثبوت بالكتابة :
من نص المادة 62 إثبات يمكن تعريف مبدأ ثبوت بالكتابة بأنه عبارة عن كتابة صادرة ممن يراد الإثبات ضده ليست سنداً كاملاً بما يراد إثباته وإنما تجعله قريب الإحتمال ومفاد ذلك أن مبدأ الثبوت بالكتابة وحده لا يكفي بل يجب أن يستكمل بشهادة الشهود ومتى تم ذلك كان له قوة الإثبات بالكتابة «المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة (ص 656) وما بعدها». وقيل أيضاً في تعريف مبدأ الثبوت بالكتابة بأنه ورقة صادرة من الخصم المطلوب الإثبات عليه تجعل التصرف المدعى به قريب الإحتمال وعلى ذلك يكون مبدأ الثبوت بالكتابة مضافاً إليه البينة دليلاً كاملاً. فإذا لم يأخذ الدائن سند، بدينه على المدين لأي سبب من الأسباب أو لعذر من الأعذار أو لصعوبة من الصعوبات ولكن وجدت معه ورقة تشير إلى الدين بعبارة صريحة أو ضمنية وكانت هذه الورقة صادرة من المدين نفسه فإنه يجوز في هذه الحالة للدائن الإعتماد على تلك الورقة واعتبارها مبدأ دليل بالكتابة، وعلى ذلك يجوز له إثبات أصل الدين بالبينة أو القرائن لأن الورقة تعتبر حينئذ ممهدة للإثبات والقرينة ولا تعتبر سنداً کاملاً بل هو شبه سند أو سند ناقص لابد من إتمامه بأدلة أخرى. «البيان في شرح قانون الإثبات الطبعة الأولى للأستاذين صلاح حمدي ولبيب حليم (ص 131) وما بعدها». كما جاء بمذكرة المشروع التمهيدي نص المادة 402 مدني المقابلة لنص المادة 62 إثبات وينهض لتوجيه هذا الحكم ما هو ملحوظ من أن مبدأ الثبوت بالكتابة يجعل الواقعة المدعى بها قريبة الاحتمال ويعتبر هذا الوجه ضمانة كافية للمدين من الأخطار التي تكتنف الإثبات بالبينة ثم أن البينة لا تكون في هذه الحالة إلا دليلاً مكملاً أو متمماً .
ثانياً : شروط توافر مبدأ الثبوت بالكتابة :
يشترط لتوافر مقومات مبدأ الثبوت بالكتابة :
1) أن يكون ثمة محرر .
2) أن يكون هذا المحرر صادراً ممن يحتج به عليه .
3) أن يكون من شأنه أن يجعل الالتزام المدعى به قريب الإحتمال .
والشرط الأول :
وهو وجود كتابة أو محرر عام الدلالة فلفظ الكتابة يصرف إلى أوسع معانيه فهو يشمل كل ما يحرر دون اشتراط شكل ما أو وجود توقيع ولذلك استعمل النص عبارة «كل كتابة» وقد تكون هذه الكتابة سنداً أو مذكرة شخصية أو بمجرد علامة رمز للإسم أو توقيعاً أو غير ذلك «مذكرة المشروع التمهيدي سالفة الذكر» ومفاد ذلك أنه لابد أولاً من وجود ورقة مكتوبة وأي ورقة مكتوبة تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة فلا يشترط فيها شكل معين وقد تكون الورقة سنداً غير موقع أو دفاتر تجارية أو مذكرات خاصة ومراسلات أو أقوالاً فی محضر تحقيق كل هذا يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة طالما أن الورقة ليست دليلاً كاملاً بالنسبة لموضوع الدعوى ، ولا يلزم أن يستخلص مبدأ الثبوت بالكتابة من ورقة واحدة فقد يستخلص من مجموع أوراق متفرقة حتى ولو كانت كل ورقة منها لا تكفي بمفردها ، وقد يحدث أن تكون الورقة الرسمية الباطلة مبدأ ثبوت بالكتابة في ظروف معينة كما أن الورقة العرفية إذا كانت خالية من التوقيع يصح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة متى كانت مكتوبة بخط المدين. هذا ويراعي أن الورقة قد تكون دليلاً كاملاً على إثبات تصرف معين وفي ذات الوقت تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة التصرف آخر . (الدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات طبعة 1981 ص 110) .
والشرط الثاني :
هو صدور المحرر من الخصم الذي يحتج عليه به لا من أحد من الأغيار بيد أن المحرر يعتبر صادراً من مثل هذا الخصم ولو كان صادراً من غيره متى كان هذا الغير مستخلفاً تسري إلتزاماته على من يخلفونه خلافة عامة «كالورثة» وفقاً للقواعد العامة أو نائبة قانونية أو اتفاقية يعمل في حدود نيابته لأن كتابة الموكل تكون حجة على الوكيل والعكس «مذكرة المشروع التمهيدي سالفة الذكر» إلا أن هناك بعض الأوراق التي يمكن أن تعتبر صادرة من الشخص رغم أنها ليست موقعة منه أو ممن يمثله وليست بخطه أو بخط من يمثله ومن هذه الأوراق الرسمية محاضر التحقيق ومحاضر الجلسات إذ ما يرد فيها من أقوال الخصوم يعتبر صادرة منهم فإذا كانت هذه الأقوال لا ترقي إلى درجة الإقرار فإنه يمكن إعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كانت تجعل المدعى به قريب الاحتمال ويلاحظ أن الورقة لا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة إلا إذا لم ينكرها من يتمسك عليه بها أو يطعن فيها بالتزوير وفي هذه الحالة لا يعتد بالورقة إلا إذا ثبت صحتها .
(الدكتور عبد الودود يحيى في الموسوعة العلمية لأحكام محكمة النقض الجزء الأول ص 36 )
والشرط الثالث :
وهو جعل الإلتزام المدعى به قريب الإحتمال وتقديره موكول إلى القاضي ويراعي أن هذا الشرط جوهري إذ ينبغي أن يكون حلقة الإتصال بين الكتابة والإلتزام المدعى به وينبغي أن يدل على أن هذا الإلتزام غیر مجرد من الأساس تجريداً تاماً ، «مذكرة المشروع التمهيدي السابق الإشارة إليها». وعلى ذلك فإنه يكفي أن تكون الورقة المقدمة كمبدأ ثبوت بالكتابة من شأنها أن تجعل الواقعة المراد إثباتها محتملة بل يجب أن تجعل هذه الواقعة مرجحة الحصول لا ممكنة الحصول فحسب فإذا توافر ركن قرب الإحتمال على هذا النحو فإن مبدأ الثبوت بالكتابة هو وحده لا يكفي دليلاً كاملاً على صحة الواقعة المراد إثباتها بل يجب تكملته بالبيئة والقرائن أو بهما معاً .
ثالثاً : ما يترتب على وجود مبدأ ثبوت بالكتابة :
عملاً بنص المادة 62 من قانون الإثبات فإنه يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجوز إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة ويلاحظ أن القاضي ليس مجبراً عند وجود مبدأ ثبوت بالكتابة أن يحيل الدعوى إلى التحقيق لتكملة الدليل فقد يرى في ظروف القضية وملابساتها وفيما يحوطها من القرائن القضائية ما يقنعه بصحة الواقعة المدعى بها وتكون القرائن في هذه الحالة هي التي أكملت مبدأ الثبوت بالكتابة وقد يقوم من ظروف القضية وملابساتها وفيما يحوطها من القرائن القضائية ما يقنعه بصحة الواقعة المدعى بها وتكون القرائن في هذه الحالة هي التي أكملت مبدأ الثبوت بالكتابة، وقد يقوم من ظروف القضية وملابساتها ما يقنعه بعكس ذلك فلا يحتاج أيضاً في هذه الحالة إلى أن يحيل الدعوى إلى التحقيق لإستكمالها ويزول ما كان لمبدأ الثبوت بالكتابة من أثر كدليل وقد يرى القاضي أن يحيل الدعوى إلى التحقيق لإستكمال مبدأ الثبوت بالكتابة بالبينة أو بالقرائن وهنا أيضاً يستبقي القاضي سلطته الكاملة في التقدير فيسمع الشهود وقد يقتنع فتصح عنده الواقعة المدعى بها وقد لا يقتنع فيعتبر أن هذه الواقعة لم يقم عليها الدليل وقرب الإحتمال مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض .
(الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 571 وما بعدها) . ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015 دار محمود، المجلد : الثاني ، الصفحة : 57 )
مبدأ الثبوت بالكتابة معززاً بالبينة والقرائن يكون دليلاً كاملاً في كل ما كان يجب إثباته بالكتابة . ومن ثم يكون دليلاً كاملاً علي :
1- تصرف قانوني تزيد قيمته على خمسمائة جنيه .
2- تصرف قانوني لا تزيد قيمته على خمسمائة جنيه ، ولكن اشترط الطرفان أن يكون إثباته بالكتابة .
3- تصرف قانوني اشترط القانون بنص خاص أن يكون إثباته بالكتابة كالصلح والكفالة .
4- ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها .
وحتى يكون هناك مبدأ ثبوت بالكتابة يجب أن تتوافر أركان ثلاثة :
الركن الأول : وجود ورقة مكتوبة فمجرد الأعمال المادية لا تكفي مثل ذلك أن يشرع المدين في وفاء التزامه بعمل مادي محض فلا يجوز للدائن أن يتخذ من هذا العمل المادي مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات وجود الإلتزام في ذمة المدين ، أما إذا كان الشروع في الوفاء ينطوي على تصرف قانوني كالوفاء بمبلغ من النقود ، وأثبت في ورقة مكتوبة بأن المبلغ الموفي به يزيد علي خمسمائة جنيه فإن هذه الورقة تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة كسند غير موقع ، إذ السند الموقع يكون دليلاً كتابياً كاملاً .
والدفاتر التجارية والسجلات والأوراق المنزلية والمراسلات والتأشيرات علي سند الدين كل هذه تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة، هذا إذا لم تكن دليلاً کاملاً في الحالات التي نص القانون فيها على ذلك ، كذلك يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة محاضر الجرد ودفاتر الحساب والإيصالات والمخالصات والتأشيرات في هامش الأوراق والسندات أو في ظهورها والمذكرات الشخصية ولو كانت مدونة في أوراق منثورة وصور الأوراق الرسمية والعرفية والرسالة والأقوال في محضر التحقيق ، وكما يستخلص مبدأ الثبوت بالكتابة من ورقة واحدة ، يمكن أن يستخلص من عدة أوراق متفرقة لا تكفي واحدة منها للنهوض بهذا الإستخلاص ، كما إذا كانت الورقة الصادرة من الخصم تشير إلى ورقة أو أوراق أخرى غير صادرة منه ولكنها هي ، دون الأوراق الأخرى التي تجعل وجود التصرف القانوني قريب الإحتمال .
والسند الرسمي الباطل إذا كان موقعاً عليه من ذوي الشأن تكون له قيمة الورقة العرفية ، فمن باب أولي يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا لم يكن صالحاً لأن يكون دليلاً كتابياً كاملاً والسند العرفي إذا كان باطلاً لعدم التوقيع عليه يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كان مكتوباً بخط المدين أو كان صادراً منه أو ممن يمثله .
وكذلك السند العرفي الموقع عليه أو الصادر من المدين دون ذكر لمقدار الدين يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة فيجوز إثبات الدين بالبينة والقرائن ولا يعد هذا إثباتاً لما يجاوز الكتابة لأن الكتابة هنا ليست دليلاً كتابياً كاملاً بل مبدأ ثبوت بالكتابة .
وفي بعض الأحيان قد يكون مجرد بيان سلبي أي مجرد إغفال ذكر بيان في ورقة مكتوبة ، صالحاً لأن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، فيستخلص مبدأ الثبوت بالكتابة من عدم ذكر أمر ورقة تحتويه عادة كما إذا لم يذكر الورثة في محضر جرد أموال مورثهم ديناً للمورث فإن هذا يصلح مبدأ ثبوت بالكتابة في التخلص من هذا الدين وتفريعاً على هذا المبدأ نصت المادة 113 إثبات على أنه إذا تخلف الخصم عن الحضور للإستجواب بغير عذر مقبول أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك . والورقة المكتوبة هنا هي المحضر الرسمي الذي دون فيه تخلف الخصم عن الحضور أو امتناعه عن الإجابة . ولفظ الكتابة يصرف إلي أوسع معانيه فهو يشمل كل ما يحرر دون إشتراط شكل ما أو وجود توقيع ولذلك إستعمل النص عبارة " كل كتابة " ، وقد تكون مجرد علامة ترمز للإسم أو توقيعاً أو غير ذلك .
ومن البديهي أنه يجب أن تكون الورقة موجودة فعلاً ، وأن يقدمها صاحب المصلحة للمحكمة ، فإذا فقدت أو ضاعت فلا يصح إثبات تحريرها بشهادة الشهود والقرائن وإلا كان الإثبات كله جائزا بذلك ، علي أنه إذا اعترف بها الخصم المتمسك بها ضده قام اعترافه مقام وجودها وتقديمها .
وتقدير ما إذا كان المحرر ورقة مكتوبة أم لا مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض .
ولا تخضع المحررات التي تعتبر مبدأ ثبوت الكتابة لقاعدة ثبوت التاريخ لأن هذه القاعدة لا تطبق إلا علي المحررات العرفية التي تعتبر دليلاً كاملاً .
غير أن التاريخ الذي يحمله مبدأ ثبوت بالكتابة لا يعتبر حجة علي الغير بصفة مطلقة إذ يجوز له أن ينازع في صحة هذا التاريخ بأن يطعن عليه بالصورية .
هذا ونحب أن ننوه أننا لاحظنا أثناء تتبعنا لأحكام محكمة النقض أن كثيراً من المحاكم ترفض إعتبار الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة وتؤسس قضاءها في هذا الخصوص علي خلوها من بيانات معينة ، في حين أن هذه البيانات، لو توافرت في المحرر فإنها تكون منها دليلاً كاملاً وكما تقول محكمة النقض في أحكامها المتواترة أن الحكم في هذه الحالة يكون قد أقام قضاءه على أساس خاطئ لمفهوم مبدأ الثبوت بالكتابة .
والركن الثاني : هو أن تكون الورقة الصادر من الخصم الذي يحتج عليه بها وصدور الورقة من الخصم إما أن يكون صدوراً مادياً أو صدوراً معنوياً ، فالصدور المادي يتحقق بأن تكون الورقة بتوقيع الخصم أو بخطه وأي الشيئين يكفي التوقيع أو الخط .
والورقة التي وقعها الخصم تكون غالباً دليلاً كتابياً كاملاً إذا أعدت أصلاً لإثبات المدعى به ، ولكنها قد لا تكون أعدت لذلك فعندئذ تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة وقد تكون الورقة غير موقع عليها من الخصم ولكنها مكتوبة بخطه ، وهذا يكفي لاعتبار الورقة صادرة منه .
والصدور المعنوي يتحقق بأن الخصم - وهو لم يوقع الورقة ولم يكتبها بخطه - يعتبرها كما لو كانت صادرة منه ، فقد يكون الشخص أمياً فتكتب الورقة بإملائه ، وقد تكون الورقة لم تكتب بإملائه ولكنه تمسك بها مقراً بما ورد فيها كمخالصة صادرة من الخصم الآخر .
والورقة الرسمية غير الموقع عليها من الخصم قد تعتبر صادرة منه صدوراً معنوياً والإقرارات والبيانات التي ترد في أسباب الحكم وتلك التي ترد في محضر الإستجواب أو في محضر المعاينة كل هذه تعتبر صادرة من الخصم لأنها مدونة في أوراق رسمية منسوبة إلي الخصم بواسطة موظفين عموميين .
وتعتبر الورقة الصادرة من الخصم إذا صدرت من شخص يمثله قانوناً وقت صدورها كوكيل أو وصي أو قيم أو مورث ، أما إذا كانت الورقة خارج حدود وكالة الوكيل فلا يصح إعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة إلا إذا كانت صادرة بإذن خاص . أما الورقة الصادرة من شخص لا يمثله ولو كان ابنه أو زوجته أو شريكه فلا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة .
ويعتبر المحامي وكيلاً عن الخصم أمام القضاء ، فالمذكرات التي يقدمها نيابة موكله تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ضد الموكل ، كما تعتبر الأقوال والإقرارات التي يدلي بها المحامي في مرافعته الشفوية وتدون في محضر الجلسة أو محضر التحقيق كأنها صادرة من الموكل متى كانت قد صدرت من المحامي في حدود وكالته ، كما يعتبر المحضر وكيلاً عن ذوي الشأن في مباشرة الإعلانات القضائية أو في توقيع الحجز وعلى ذلك فالإنذارات وصحف الدعاوى ومحاضر الحجز وغيرها من أوراق المرافعات تعتبر كأنها صادرة من الأصل وتصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة يحتج بها عليه ، وكذلك يعتبر المورث ممثلاً للوارث وقت كتابة المحرر فيعتبر كأنه صادر من الوارث ويجوز اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة ضده ، كما يعتبر الدائن الذي يستعمل حقوق مدينة ممثلاً للمدين وعلى ذلك يصلح المحرر الصادر من المدين مبدأ ثبوت بالكتابة ضد الدائن .
ويعتبر أيضاً المحرر الصادر من الفضولي مبدأ ثبوت بالكتابة ضد رب العمل متى أقر رب العمل بأعمال الفضالة .
وكون الورقة صادرة من الخصم أو ممن يمثله مسألة من مسائل القانون تخضع لرقابة محكمة النقض .
والركن الثالث : أن تجعل الورقة المدعى به قريب الإحتمال فلا يكفي أن تجعل الواقعة المراد إثباتها محتملة بل يجب أن تكون مرجحة الحصول والقاضي هو الذي يقدر قيمة الورقة من حيث تقريب إحتمال هذا الأمر ويملك في ذلك سلطة مطلقة لا يخضع في مباشرتها لرقابة محكمة النقض لأن هذا الإحتمال تتفاوت درجاته قوة وضعفاً والعبرة فيه بإقتناع قاضي الموضوع وليست العبرة فقط بما هو مدون في الكتابة ، بل بما يمكن استنباطه من ذلك مع مراعاة الظروف الخارجية المحيطة به ، فمثلاً يستنبط من ورقة شطب الرهن أن الدائن استوفي حقه ومن إيصال عن قسط متأخر من دين أن أقساط الدين السابقة وقد وفيت وإذا رفع شخص على آخر دعوى بدین فقدم المدعى عليه ورقة تفيد مديونية المدعي له بعد استحقاق دينه يصح اعتبار هذه الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة إلى واقعة تخالص المدعي عليه من دينه ويكفي أن تقتصر دلالة الورقة على إمكان اتخاذها بداية لإستنتاج القاضي فقد تقف العلاقة بين موضوع الورقة وبين الواقعة المراد إثباتها عند حد التشابه فحسب .
ويمكن القول بأن المحررات التي يصح أن تجعل الأمر المطلوب إثباته قريب الإحتمال تدل عليها أحد أنواع ثلاثة ، أولها : المحررات التي تشير إلى الواقعة المدعى بها ولكنها لا ترقى إلى مرتبة الدليل الكتابي الكامل إما لأنه يعتورها عيب شكلي كالمحررات الرسمية الباطلة إذ يمكن اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة إذ لم تصلح بذاتها أن تكون دليلاً كاملاً وإما لأنه ينقصها شرط من الشروط التي يتطلبها القانون كالمحرر العرفي الذي يشير إلى الحق المدعى به ولكنه لا يتناول شروط التعاقد كان يوقع البائع على إيصال يقر فيه بالبيع دون أن يذكر الثمن وشروط البيع ، وثانيها : المحررات التي ترجح بشكل سلبي صحة الواقعة المراد إثباتها أي أن يغفل ذكر بيان في المحرر رغم أنه يدرج فيها عادة كما إذا جردت أموال المورث بحضور ورثته ولم يذكر في محضر الجرد دین محرر عنه سند لصالح المورث ضد أحد مدينيه فيصح إعتبار إغفال ذكر الدين في محضر الجرد مبدأ ثبوت بالكتابة لصالح المدين على الوفاء بهذا الدين بالنسبة للورثة ، وثالثها : المحررات التي لا تشير إلى الواقعة المدعى بها لا إيجاباً ولا سلباً ولكن يمكن أن يستنبط منها أن الحق المدعى به قريب الإحتمال ، كما إذا كان تاریخ سند القرض هو نفس تاريخ عقد البيع فإن هذا يعد مبدأ ثبوت بالكتابة على أن القرض هو ثمن البيع .
فإذا توافرت الأركان الثلاثة المتقدمة فإن مبدأ الثبوت بالكتابة وحده لا يكفي بل تجب تكملته بالبينة أو بالقرائن أو بهما معاً ، وليس القاضي مجبراً عند وجود مبدأ الثبوت بالكتابة إلى أن يحيل الدعوى للتحقيق لتكملة الدليل ، فقد يرى في ظروف القضية وملابساتها ما يقنعه بصحة الواقعة المدعى بها وتكون القرائن في هذه الحالة هي التي أكملت مبدأ الثبوت بالكتابة ، وقد يقوم من ظروف القضية وملابساتها ما يقنعه بعكس ذلك فلا يحتاج أيضاً في هذه الحالة إلى أن يحيل الدعوى إلى التحقيق ويزول ما كان لمبدأ الثبوت بالكتابة من أثر كدليل .
وإذا أحال القاضي الدعوى إلى التحقيق فإنه يستبقي سلطته الكاملة في التقدير فيسمع الشهود وقد يقتنع فتصح عنده الواقعة المدعى بها وقد لا يقتنع فيعتبر أن هذه الواقعة لم يقم عليها الدليل .
هذا وعلى من يريد الإفادة من ورقة بإعتباره مبدأ ثبوت الكتابة أن يطلب الترخيص له بالإثبات بالبينة لإستكمال دلالتها ، فإذا لم يطلب ذلك لا يكون القاضي ملزماً بإحالة الدعوى للتحقيق وكان له ألا يأخذ بالورقة لأنها لا تعتبر في ذاتها دليلاً كاملاً .
وإذا قدمت ورقة في الدعوى ولم يتمسك الخصم بإعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة فإن المحكمة لا تكون ملزمة باعتبارها كذلك أو ببحث توافر شروط مبدأ الثبوت بالكتابة بها .
وكما ذكرنا آنفاً فإن مجرد تمسك الخصم بمبدأ الثبوت لا يكفي بل يجب عليه أن يتمسك بطلب إستكماله بشهادة الشهود . ونضيف أن أحكام النقض إضطردت على ذلك إلا أنها في حكم حديث لها قضت أنه متى قدم الخصم ورقة في الدعوى فإنه يكون متمسكاً بما لهذه الورقة من قوة في الإثبات ، فإذا تبين المحكمة الموضوع من الورقة وجود مبدأ ثبوت بالكتابة فلها - إعمالاً للرخصة المخولة في المادة 70 من قانون الإثبات - أن تأخذ من تلقاء نفسها بالإثبات بشهادة الشهود متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة .
وإذا أريد اتخاذ الإقرار الموصوف أو المركب كمقدمة دليل كتابي فإنه يكون من الجائز تجزئته والأخذ ببعضه دون البعض الآخر واعتبار ما اجتزئ منه مبدأ ثبوت بالكتابة .
ومن المقرر أنه يجوز إعتبار الورقة دليلاً كاملاً على إثبات تصرف معين وفي ذات الوقت مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة لتصرف أخر .
هذا ويلاحظ أن القاعدة التي توجب الكتابة في إثبات ما يخالف أو يجاوز الكتابة لا تنطبق إلا على الكتابة التي تعتبر دليلاً كاملاً فهي إذن لا تسري بشأن مبدأ الثبوت بالكتابة ، لأن هذا يعتبر دليلاً ناقصاً تكملة البينة أو القرائن ، فيجوز نقضه بالبينة والقرائن . ( الوسيط للسنهوري ، الجزء الثاني ، الطبعة الثانية صفحة 544 وما بعدها ، والوجيز لنفس المؤلف ص 663 وما بعدها ، ورسالة الإثبات لنشأت ، الطبعة الخامسة ص 409 وما بعدها ، وأصول الإثبات في المواد المدنية لسليمان مرقس ، الطبعة الرابعة المجلد الثاني ص 529 وما بعدها ، والإثبات في المواد المدنية لعبد المنعم الصدة ص 115 وقانون الإثبات لمحمد عبد اللطيف ، الجزء الثاني ص 44 وما بعدها ) .
أثر تكملة مبدأ الثبوت بالكتابة بالقرائن القضائية :
يجوز تكملة مبدأ الثبوت بالكتابة بالقرائن القضائية ، وفي هذه الحالة يكون له ما الكتابة من قوة في الإثبات .
يجوز نفي مضمون مبدأ الثبوت بالكتابة بالبينة والقرائن :
لا جدال أنه يجوز للخصم المنسوب إليه مبدأ الثبوت بالكتابة أن ينفي مضمونه بالبينة والقرائن ولا يلزم نفسه بالكتابة ولازم أنه يتعين على القاضي حينما يحيل الدعوى للتحقيق والتصريح لمن يتمسك بمبدأ الثبوت بالكتابة بأن يكمل دليله بشهادة الشهود والقرائن أن يصرح لخصمه بنفيه بذات الطرق .
وفي تقديرنا أنه في حالة ما إذا رأت المحكمة أن مبدأ الثبوت بالكتابة توجد في أوراق الدعوى ما يكمله بالقرائن أن تلفت نظر الخصم المنسوب إليه من الثبوت بالكتابة ليسوق هو الأخر ما لديه من أدلة على نفي مبدأ الثبوت بالكتابة ، فإن أغفلت تلك كان حكمها معيباً بالإخلال بحق الدفاع .
التصرفات التي لا يجوز إثباتها بالبينة رغم وجود مبدأ ثبوت بالكتابة :
1- التصرفات الشكلية التي اعتبر المشرع الكتابة ركناً من أركان انعقادها كالهبة والرهن التأميني .
2- التصرفات التي يشترط فيها القانون الكتابة لا لانعقادها بل لسماع الدعوى بها فقط عند الإنكار كالوقف والوصية وغني عن البيان أن التصرفات التي تكون الكتابة فيها واجبة للإثبات فقط سواء كان ذلك عملاً بقواعد قانون الإثبات أم كان ذلك بمقتضى نص خاص أو باتفاق الطرفين على ذلك فإن وجود مبدأ الثبوت بالكتابة يجيز الإثبات بالبينة سواء في المسائل المدنية أو الجنائية وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض أنه يجوز في جريمة خيانة الأمانة إثبات العقد بالبينة ، ولو زادت قيمة على نصاب الكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة . ( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء : الثاني ، الصفحة : 664 )
القاعدة :
أجاز المشرع بموجب نص الفقرة الأولى من المادة (62) الإثبات بشهادة الشهود في الحالات التي كان يجب فيها الإثبات بالكتابة، وذلك إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة فشهادة الشهود هنا تكمل ما يعتور الدليل المستخلص من مبدأ الثبوت بالكتابة من نقص وقصور، وترقى بهذا المبدأ إلى مرتبة الدليل الكتابي الكامل .
والمسائل التي يجب إثباتها بالكتابة، والتي يجوز تكملة مبدأ الثبوت بالكتابة بشهادة الشهود في إثباتها بديلاً عن الإثبات بالكتابة هي :
1) التصرف القانوني الذي تزيد قيمته على ألف جنيه .
2) التصرف القانوني الذي لا تزيد قيمته على ألف جنيه واتفق الطرفان على أن يكون إثباته بالكتابة .
التصرفات التي لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود رغم وجود مبدأ ثبوت بالكتابة :
1) التصرفات الشكلية التي اعتبر المشرع الكتابة ركناً من أركان إنعقادها كالهبة والرهن التأميني .
2) التصرفات التي يشترط فيها القانون الكتابة لسماع الدعوى بها عند الإنكار كالوقف والوصية .
3) التصرفات التي يشترط فيها القانون الكتابة لقبول الدعوى، سواء صرح بذلك أم كان مستفاداً ضمناً من نص القانون .
ومثل ذلك ما نصت عليه المادة (24) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر من أن: «اعتباراً من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون تبرم عقود الإيجار كتابة ويجب إثبات تاريخها بمأمورية الشهر العقارى الكائن بدائرتها العين المؤجرة .
ويجوز للمستأجر إثبات واقعة التأجير وجميع شروط العقد بكافة طرق الإثبات.. الخ».
ومفاد هذا النص أن المشرع ألزم المؤجر بإثبات عقد الإيجار كتابة، وفرض جزاءً جنائياً على مخالفة ذلك بمقتضى المادة (76) من القانون المذكور معدلة بالقانون رقم 136 لسنة 1981. ومن ثم بعد هذا الحكم متعلقاً بالنظام العام .
ويترتب على ذلك وجوب القضاء بعدم قبول دعوى المؤجر أو رفضها إذا استبان للمحكمة عدم وجود عقد إيجار مكتوب وذلك من تلقاء نفس المحكمة ولو لم يدفع الخصم بعدم وجود عقد إيجار مكتوب .
الشروط الواجب توافرها في مبدأ الثبوت بالكتابة
(الشرط الأول)
وجود ورقة مكتوبة
مضمون الشرط :
لابد في مبدأ الثبوت بالكتابة من ورقة مكتوبة. فإذا لم توجد كتابة فلا نكون بصدد مبدأ ثبوت بالكتابة .
أما مجرد الأعمال المادية، إيجابية كانت أو سلبية، ولو كانت ثابتة بشهادة الشهود أو القرائن، فلا تكفي ويترتب على ذلك أن تنفيذ الإلتزام، إذا انطوى على أعمال مادية محضة كبناء منزل أو نقل بضاعة، وثبت بغير الكتابة كما هو الشأن في هذه الأعمال إذ تثبت عادة بشهادة الشهود أو بالقرائن أو بالمعاينة فإنه لا يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة .
غير أنه لا يشترط في الكتابة شكلاً معيناً . فقد تكون الكتابة سنداً أو رسالة أو مذكرة خاصة أو دفتراً منزلية أو صورة محرر رسمي أو عرفي، أو أقوالاً في محضر تحقيق أو في محضر إستجواب أو مذكرة قدمها الخصم في الدعوى أو محضر صلح ، أو بقايا سند متآكل أو ورقة رسمية مزورة .
وقد يكتفي بوضع توقيع على ورقة، كتوقيع على ظهر شيك ، أو مجرد علامة ترمز للإسم .
وكما يستخلص مبدأ الثبوت بالكتابة من ورقة واحدة، يمكن كذلك أن يستخلص من عدة أوراق متفرقة لا تكفي واحدة منها للنهوض بهذا الإستخلاص والكتابة التي تكون دليلاً كاملاً في شأن موضوع آخر تدل عليه بصورة تامة، قد تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة إلى موضوع الدعوى إذا كانت تجعله فقط قريب التصديق .
ويجب أن تكون الورقة مقدمة في الدعوى أو معترفاً بوجودها من المدعى عليه .
هل يعتبر الكلام المسجل على شريط جهاز التسجيل مبدأ ثبوت بالكتابة ؟
ذهبت بعض المحاكم في فرنسا إلى اعتبار شريط التسجيل مبدأ ثبوت بالكتابة. وقد يمكن أن يقال في تعزيز هذا الحل أن شريط التسجيل هو كالمحضر الذي تدون فيه أقوال الخصم عند استجوابه (م 111 من قانون الإثبات) فكما أن المحضر يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة فكذلك يجب اعتبار شريط التسجيل مبدأ ثبوت بالكتابة .
ولكن يجب أن يلاحظ أن المحضر يعتبر كتابة، ويمكن مع التشدد أن يقال أن الكتابة هي التي تعتبر بداية ثبوت بالكتابة، في حين أن شريط التسجيل لا يجوز اعتباره كتابة .
ثم إن التسجيل على الشريط ضرب من الخيانة والختل في مواجهة من يسجل عليه كلامه - أما ما يصدر من الخصم في أثناء الإستجواب مكتوب، فلا خيانة منه ولا خلل. صحيح أن القاضي قد يصل إلى الحصول من المستجوب على إعترافات معينة إلا أن المستجوب يدلى بهذه الإعترافات من تلقاء نفسه وهو يعلم أن ما يقوله قد يستخدم ضده وليست الحال كذلك في الحديث الذي يسجل على صاحبه دون أن يدرى إن أقل ما يمكن قوله في شأن هذا النوع من الإثبات هو أنه إثبات غادر .
توافر شرط الكتابة مسألة قانونية :
تقدير مدى توافر شرط الكتابة أو عدم توافره تعتبر مسألة قانونية، يخضع فيها تقدير القاضي لرقابة محكمة النقض .
(الشرط الثاني)
صدور الكتابة من الخصم
مضمون الشرط :
يجب لإعتبار الكتابة مبدأ ثبوت بالكتابة أن تكون صادرة من الخصم المدعى عليه .
وتعتبر الكتابة صادرة من الخصم إذا كانت موقعة منه أو كانت بخطه، إذ في هذه الحالة يتأكد صدورها منه رغم عدم التوقيع .
وإذا لم تكن الكتابة بخط المدعى عليه فلا يغني عن التوقيع علامة ترمز إلى الإسم ، حتى لو وضعت هذه العلامة أمام شهود أيدوا مدلولها .
والكتابة التي وقعها الخصم تكون في الغالب دليلاً كتابياً كاملاً إذا أعدت أصلاً لإثبات المدعى به ولكنها قد لا تكون أعدت لذلك واقتصرت على بيانات تجعل المدعى به قريب الإحتمال .
وهناك كتابة تعتبر صادرة من المدعى عليه رغم كونها غير موقعة منه ، ولا هي بخطه وإنما عملت بإملائه ، أو لا تكون قد عملت بإملائه ، ولكنه تمسك بها مقراً بما ورد فيها كمخالصة صادرة من الخصم الآخر فتمسك بها ، فتعتبر كأنها صادرة منه دون أن تكون بتوقيعه أو بخطه .
ويلاحظ أن إرتضاء الخصم الورقة التي لا تحمل توقيعه أو خطه، واعتبارها صادرة منه، واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة الطرق ومنها شهادة الشهود والقرائن .
ولكي تعتبر الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة يجب ألا يجحد الخصم صدورها منه ، فإن طعن في صحتها بأن أنكرها أو ادعى تزويرها ، فإنه يجري التحقق من صحتها طبقاً للقواعد التي نص عليها قانون الإثبات، وفي هذه الحالة لا تعتبر الورقة صادرة منه وبالتالى لا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة إلا إذا ثبتت صحتها .
صدور الكتابة ممن يمثل الخصم :
يصح أن تكون الكتابة صادرة لا من الخصم نفسه، بل ممن يمثل الخصم وقت تحرير الورقة .
فالكتابة الصادرة من المورث تعتبر كأنها صادرة من الوارث وتصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة .
ومثل من يمثله الخصم أيضاً المدين إذا استعمل الدائن حقوقه، فالكتابة الصادرة من المدين تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة يحتج بها على الدائن. ومثل ذلك أيضاً الكتابة الصادرة من وكيل الخصم في وكالته أو الوصي أو القيم في حدود نيابته .
ويعد المحضر وكيلاً عن الخصم في كل إعلان يقوم به المحضر على لسان الخصم، فيعتبر كأنه صادر من الخصم كصحيفة الدعوى والمعارضة في التنبيه وغير ذلك من أوراق المحضرين .
والمحامي يعتبر وكيلاً عن الخصم الذي يترافع عنه، فالبيانات والإقرارات التي يكتبها في مذكراته منسوبة إلى موكله تعتبر صادرة من الموكل .
أما الكتابة الصادرة من شخص لا يمثل الخصم فلا تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة، ولو كان ابنه أو زوجه أو شريكه .
صدور الكتابة من الخصم مسألة قانونية :
صدور الكتابة من الخصم يعتبر مسألة قانونية يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض .
(الشرط الثالث)
أن يكون من شأن الكتابة أن تجعل المدعى به قريب الإحتمال
المقصود بقرب الإحتمال :
لا يكفي أن تكون الكتابة المقدمة كمبدأ ثبوت بالكتابة من شأنها أن تجعل الواقعة المراد إثباتها محتملة، بل يجب أن تجعل الواقعة مرجحة الحصول ، لا ممكنة الحصول فحسب .
وهذا هو المقصود بإشتراط أن يكون من شأن الكتابة أن تجعل المدعى به قريب الإحتمال.
وعلى ذلك يجب أن تتعلق الكتابة بالواقعة المدعاة، فإن لم يكن لها بها أية علاقة فإنها لا تجعل منها قريبة الإحتمال، وبالتالي لا تصلح بداية ثبوت بالكتابة .
فمثلاً لو أن أقوال الخصم كانت غامضة ومتناقضة، فإنها تبعث على إحتمال صدق المدعي، ويمكن بالتالي أن تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة. أما إذا كان مضمون هذه الأقوال هو الإصرار على نفي الواقعة المدعاة، فإنها لا توحي بإحتمال صدق المدعي، وبذلك لا تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة .
تفصيل في إحتمال دلالة الكتابة :
(أ) - الدلالة المباشرة :
قد تدل الورقة على احتمال صدق الدعوى بطريق مباشر، كأن تكون هناك رسالة يتحدث فيها المرسل عن دين في ذمته دون أن يذكر مقداره، فتكون هذه الرسالة مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة إلى هذا الدين بحيث يستطيع المدعي أن يثبت بشهادة الشهود وبالقرائن مقداره وشروطه .
(ب) الدلالة غير المباشرة :
قد يكون إفصاح الورقة عن موضوع الدعوى بطريق غير مباشر، فيتيسر تحديد دلالة الورقة حينئذ بطريق الإستنباط. مثل ذلك ورقة شطب الرهن، فهي تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة فيما يتعلق بالوفاء بالإلتزام المضمون بالرهن، لأنه يستنبط منها أن الدائن قد استوفي حقه .
كذلك المخالصة دون تحفظ بقسط متأخر من دين تكون مبدأ ثبوت بالكتابة يحتمل معه دفع الأقساط السابقة، لأن المعقول أن الدائن لا يستوفي قسطاً متأخراً من دين إلا بعد دفع الأقساط المتقدمة .
والإيصال بقسط من الأجرة في عقد الإيجار يعتبر في ظل القانون القديم مبدأ ثبوت بالكتابة يدل على الوفاء بالأقساط السابقة على هذا القسط، أما طبقاً للقانون الجديد فيعتبر قرينة على الوفاء بالأقساط السابقة (م 587 مدني) .
ويكتفي أن تقتصر دلالة الورقة على إمكان اتخاذها بداية الإستنتاج، فقد تقف العلاقة بين موضوع الورقة وبين الواقعة المراد إثباتها عند حد التشابه فحسب، إذ قد تستخلص المحكمة مبدأ الثبوت بالكتابة من عدة أوراق متفرقة تشابهت فيها الواقعة المراد إثباتها مع واقعة أخرى منسوبة إلى المدى عليه، ودلت هذه الأوراق على عدم صحتها .
وقد تعتبر الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة إستنتاجاً من أفعال تتصل بها، حتى لو كانت هذه الأفعال سلبية، فيجوز اعتبار السكوت أو الأفعال إذا كانت ذات دلالة على الوفاء ومرتبطة بورقة متعلقة بالدين مبدأ ثبوت بالكتابة، ويعتبر السكوت عن ذكر واقعة في ورقة تحتويها عادة مبدأ ثبوت بالكتابة. وسكوت الورثة عن ذكر دين لمورثهم في محضر جرد التركة يصح اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة إلى التخلص من هذا الدين .
تقدير ما إذا كانت الكتابة تجعل وجود التصرف قريب الإحتمال من عدمه مسألة موضوعية :
تقدیر ما إذا كانت الكتابة تجعل وجود الواقعة مرجحاً أم لا مسألة موضوعية يفصل فيها قاضي الموضوع وفقاً لظروف وملابسات الدعوى، ولا يخضع قراره في شأنها لرقابة محكمة الموضوع ما دامت الأسباب التي استند إليها تسوغ ما استخلصه .
آثار وجود مبدأ الثبوت بالكتابة :
إذا توافرت شروط وجود مبدأ الثبوت بالكتابة فلا يعد هذا الأخير في حد ذاته دليلاً كاملاً على صحة الواقعة أو الأمر المراد إثباته، وإنما يجب تعزيزه بشهادة الشهود أو بالقرائن أو بهما معاً ، وبهذا يجوز الإثبات بشهادة الشهود في كل ما كان يجب إثباته بالكتابة، أي أنه متى وجد مبدأ الثبوت بالكتابة وتعزز بشهادة الشهود أو القرائن أو بهما معاً ، فإنه يقوم مقام الدليل الكتابي الكامل في الإثبات .
ويلاحظ أن المادة (100) من قانون الإثبات تقضي بأن: يترك لتقدير القاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون، ولا يجوز الإثبات بهذه القرائن إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود». وهو يؤدي إلى أنه يجوز تكملة مبدأ الثبوت بالكتابة بالقرائن وحدها أو شهادة الشهود وحدها أو بهما معاً .
التمسك بمبدأ الثبوت بالكتابة والإحالة إلى التحقيق :
يجب لإحالة الدعوى إلى التحقيق لتكملة مبدأ الثبوت بالكتابة بشهادة الشهود، أن يتمسك الخصم بوجود هذا المبدأ ، وأن يطلب إحالة الدعوى للتحقيق .
غير أن القاضي ليس ملزماً مع ذلك بإجابة الخصم إلى طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق، كما هو الشأن في جميع الحالات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود .
فيكون القاضي أن يجيبه إلى طلبه إذا رأى ما يدعو إلى ذلك، ويستطيع ألا يجيبه إلى طلبه إذا بأن له أن في ظروف الدعوى ما يكفي لتكوين اقتناعه. ولكن يجب عليه في هذه الحالة أن يبين في حكمه الأسباب التي دعته إلى عدم إجابة هذا الطلب .
سلطة المحكمة في تكوين عقيدتها دون الإحالة إلى التحقيق :
لئن كانت مبادئ الإثبات تمنع القاضي من الحلول محل الخصوم في إثبات ادعائهم ، إلا أنه يستطيع أن يعتبر من تلقاء نفسه الورقة المكتوبة مبدأ ثبوت بالكتابة ، وأن يستعين في ذلك بالقرائن القائمة في الدعوى لتكملة اقتناعه. لأن الذي يملك الكثير يملك القليل ، فالذي يملك الإحالة على التحقيق ابتداء ومن تلقاء نفسه لإثبات الدعوى بشهادة الشهود أو بغيرها من أدلة الإثبات يملك هذه الإحالة لتكملة اقتناعه في الدعوى .
للمحكمة أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود عملاً بالمادة (70) من قانون الإثبات :
تقضي الفقرة الأولى من المادة (70) من قانون الإثبات بأنه :
«للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجيز القانون فيها الإثبات بشهادة الشهود متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة». وعلى ذلك إذا قدم الخصم ورقة في الدعوى فإنه يكون متمسكاً بما لهذه الورقة من قوة في الإثبات فإذا تبين لمحكمة الموضوع من الورقة وجود مبدأ ثبوت بالكتابة فلها أن تأمر من تلقاء نفسها بالإثبات بشهادة الشهود متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة . ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود، المجلد : الثاني ، الصفحة : 1033 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 86 ، 87 ، 88 ، 39 ، 40
(مادة 43) :
1- تسمع الشهادة فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة .
2- وكل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الإحتمال تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة .
( م (62) إثبات مصري ، و م (402) مدني مصري ، و م (490) مدني عراقي ، و(56) بینات سوري . وانظر نقده في السنهوري ، الوسيط ، جـ (2) الهامش (3) ص (414 - 415) ) .
المذكرة الإيضاحية :
1- هذا إستثناء بالغ الأهمية من القاعدة ، ذلك أنه يجعل الإثبات بالشهادة جائزاً إذا جاوزت القيمة مبلغ عشرين جنيهاً ، ووجد مبدأ ثبوت بالكتابة ، وبذلك يكمل ما يعتور الدليل المستخلص من هذا المبدأ من نقص وقصور .
وينهض لتوجيه هذا الحكم ما هو ملحوظ من أن مبدأ الثبوت بالكتابة يجعل الواقعة المدعى بها قريبة الإحتمال. ويعتبر هذا الوجه ضماناً كافياً للحد من الأخطار التي تكتنف الإثبات بالشهادة ، ثم إن الشهادة لا تكون في هذه الحالة إلا دليلاً مكملاً أو متمماً .
أما فيما يتعلق بنطاق تطبيق هذا النص ، فليس من شك في أنه لا يسري حيث تكون الكتابة شرطاً من شروط صحة الإلتزام يترتب البطلان على تخلفه ، ولو كانت القيمة أقل من عشرين جنيهاً ، كما هو شأنه في المحررات الرسمية ، ذلك أن الكتابة أو الأوضاع الشكلية لا تكون في هذه الحالة مجرد دلیل فحسب ، بل تعتبر ركناً أو شرطاً من شروط الصحة الموضوعية ، على أن الخلاف قد أثير في الفقه بصدد الإلتزامات التي يشترط فيها القانون الكتابة دون أن ينص على البطلان ولا سيما بالنسبة للإيجار ، والرأي أن الإلتزام يترتب صحيحاً في هذه الحالة ، ولكن لا يمكن إثباته إلا بالإقرار أو اليمين؛ لأن الشهادة قد استبعدت صراحة بالنص ، فليس يجوز العود إليها من طريق غير مباشر بالإلتجاء إلى مبدأ الثبوت بالكتابة .
2- ويشترط لتوافر مقومات مبدأ الثبوت بالكتابة :
(أ) أن يكون ثمة محرر .
(ب) وأن يكون هذا المحرر صادراً من يحتج به عليه .
(جـ) وأن يكون من شأنه أن يجعل الإلتزام المدعى به قريب الإحتمال .
فالشرط الأول وهو وجود كتابة أو محرر عام الدلالة ، فلفظ الكتابة يصرف إلى أوسع معانيه ، فهو يشمل كل ما يحرر دون إشتراط شكل ما أو وجود توقيع ، ولذلك إستعمل النص عبارة : «كل كتابة ، وقد تكون هذه الكتابة سنداً أو مذكرة شخصية أو مجرد علامة ترمز للإسم أو توقيعاً أو غير ذلك .
والشرط الثاني هو صدور المحرر من الخصم الذي يحتج عليه به لا من أحد الأغيار بيد أن المحرر يعتبر صادراً من مثل هذا الخصم ولو كان صادراً من غيره ، متى كان هذا الغير مستخلفاً تسري إلتزاماته على من يخلفونه خلافة عامة (كالورثة) وفقاً للقواعد العامة ، أو نائباً قانونياً أو إتفاقاً ، يعمل في حدود نیابته ؛ لأن كتابة الموكل تكون حجة على الوكيل والعكس ، ولذلك إستعمل النص عبارة الخصم أو نائبه وفقاً لما جرى عليه القضاء المصري .
أما الشرط الثالث وهو جعل الإلتزام المدعى به قريب الإحتمال ، فتقديره موکول إلى القاضي ، ويراعى أن هذا الشرط جوهري إذ ينبغي أن يكون حلقة الإتصال بين الكتابة والإلتزام المدعى به ، وينبغي أن يدل على أن هذا الإلتزام ليس مجرداً من الأساس تجریداً تاماً .
فبهذا الوضع فحسب يجوز أن تكمل الكتابة بالبينة فتصبح دليلاً مقبولاً ، مع أنها بمجردها تكون قاصرة غير مغنية في الإثبات ، ومن أمثلة الأوراق التي تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة المحررات المثبتة لبدء التنفيذ ، أو للوفاء بالإيرادات .
3- على أن الفقه والقضاء في مصر قد استقرا على أن إقرارات الخصوم التي يدلون بها وتدون تحت إشراف موظف مختص ، أو قاض يأمر بإثباتها - يكون حكمها حكم المحررات الصادرة منهم ، ولو لم تكن مدونة بخطهم أو موقعاً عليها منهم . ويتعين بداهة في هذه الحالة أن يكون الموظف العام مختصاً بتلقي مثل هذه الإقرارات ، وأن يكون للقاضي ولاية الأمر بإثباتها وغني عن البيان أن ما يصدر من الخصوم من إقرارات على هذا الوجه يكون بمنزلة مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كان من شأنه أن يجعل الإلتزام المدعى به قريب الإحتمال وقد حفلت أحكام القضاء بكثير من التطبيقات في هذا الصدد ، فمن ذلك مثلاً الإقرارات التي يدلى بها في محضر جرد أو حصر تركة أو مناقصة أو قسمة ، والبيانات التي تدون في ورقة من أوراق المحضرين، والإقرارات التي تصدر في إستجواب عن وقائع والإقرارات أو الشهادة التي يدلي بها ذوو الشأن أمام قاضي التحقيق ، أو القاضي المدني أو الجنائي ، وما يثبت من أقوال أو إقرارات في حكم من الأحكام .
وقد أشارت المادة (445) - (3) من التقنين المراكشي إلى هذه التطبيقات في معرض إيراد الأحكام الخاصة بمبدأ الثبوت بالكتابة ، فنصت على أن الإقرارات التي يتلقاها أحد الموظفين العموميين المختصين أو القضاة في حدود ولايته - تعتبر صادرة من الخصم .
( انظر السنهوري، الوسيط، ج (2)، البند (205) ص (412) وما بعدها ) .
(مادة 5) :
للقاضي في حدود ما نص عليه في هذا القانون تقدير البينات ، والأخذ منها بما يراه محققاً للعدل .
المذكرة الإيضاحية :
1- وظيفة القاضي هي إحقاق الحق ، ومن ثم وجب إتاحة الفرصة له كي ينظر فيها يقدم إليه من الأدلة ، وأن يتحقق من صدقها ، وأن يأخذ منها ما يراه محققاً للعدل ، ولكن في حدود ما نص عليه في هذا القانون .
2- وقد بين ذلك ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية ، ومما قاله في هذا الصدد:
«وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود ، فرقهم وسألهم : كيف تحملوا الشهادة؟ وأين تحملوها؟ وذلك واجب عليه متى عدل عنه أثم وجار في الحكم ، وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سأل المدعي عن سبب الحق وأين كان؟ ونظر في الحال ، هل يقتضي صحة ذلك؟ وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله والمدعى عليه ، وجب عليه أن يستكشف الحال ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال» . (ص (24) وما بعدها ) .
« والذي اختص به إياس وشريح مع مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم : الفهم في الواقع والإستدلال بالأمارات وشواهد الحال ، وهذا الذي فات كثيراً من الحكام فأضاعوا كثيراً من الحقوق» (ص (34) ).
والمقصود أن الشريعة لا ترد حقاً ، ولا تكذب دليلاً ، ولا تبطل أمارة صحيحة ، وقد أمر الله سبحانه بالتثبت والتبين في خبر الفاسق ، ولم يأمر برده جملة». (ص (24)).
( وانظر أيضاً من نفس الكتاب ص (61). والسنهوري ، الوسيط، ج (2) ص (35) ).
3- والمقصود بالبينات هنا طرق الإثبات ، سواء كانت الشهادة أو غيرها ، كما ورد في المذكرة الإيضاحية الخاصة بالمادة (3) من هذا القانون ، وانظر ابن القيم ، الطرق الحكمية ص (12) و(24) ) .
4- وقد روعي أيضاً مع إطلاق حرية القاضي في تقدير الأدلة - تحديد هذه الحرية ، وذلك بالقيود التي نص عليها في هذا القانون ، فمثال ذلك أنه لا يجوز إثبات عكس الثابت بالكتابة إلا بالكتابة ؛ وذلك تطبيقاً للمذهب المختلط الذي أخذ به القانون في الإثبات جمعاً بين الإطلاق والتقييد ، کما سلف البيان في المذكرة الإيضاحية العامة للقانون .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع عشر ، الصفحة / 139
الإْشْهَادُ:
إِشْهَادُ الشُّهُودِ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ وَسِيلَةٌ لِتَوْثِيقِهَا، وَاحْتِيَاطٌ لِلْمُتَعَامِلِينَ عِنْدَ التَّجَاحُدِ؛ إِذْ هِيَ إِخْبَارٌ لإِثْبَاتِ حَقٍّ - وَالْقِيَاسُ يَأْبَى كَوْنَ الشَّهَادَةِ حُجَّةً فِي الأْحْكَامِ لأِنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَالْمُحْتَمَلُ لاَ يَكُونُ حُجَّةً مُلْزِمَةً؛ وَلأِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لاَ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْقَضَاءُ مُلْزِمٌ، فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مُوجِبًا لِلْعِلْمِ وَهُوَ الْمُعَايَنَةُ، فَالْقَضَاءُ أَوْلَى. لَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الَّتِي فِيهَا أَمْرٌ لِلأْحْكَامِ بِالْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ. مِنْ ذَلِكَ قوله تعالى: ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ).
وَلَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الشُّهُودَ بَيِّنَةً لِوُقُوعِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِمْ وَارْتِفَاعِ الإْشْكَالِ بِشَهَادَتِهِمْ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قَالَ السَّرَخْسِيُّ: فِي ذَلِكَ مَعْنَيَانِ:
أَحَدُهُمَا: حَاجَةُ النَّاسِ إِلَى ذَلِكَ؛ لأِنَّ الْمُنَازَعَاتِ وَالْخُصُومَاتِ تَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ وَتَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ فِي كُلِّ خُصُومَةٍ وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ.
وَالثَّانِي: مَعْنَى إِلْزَامِ الشُّهُودِ حَيْثُ جَعَلَ الشَّرْعُ شَهَادَتَهُمْ حُجَّةً لإِيجَابِ الْقَضَاءِ مَعَ احْتِمَالِ الْكَذِبِ إِذَا ظَهَرَ رُجْحَانُ جَانِبِ الصِّدْقِ.
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ؛ لأِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الشَّهَادَةِ لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ بَيْنَ النَّاسِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا.
وَالْبَيِّنَاتُ مُرَتَّبَةٌ بِحَسَبِ الْحُقُوقِ الْمَشْهُودِ فِيهَا، وَلاَ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ؛ إِذْ لاَ يَجُوزُ الشَّهَادَةُ إِلاَّ بِمَا عَلِمَ وَقَطَعَ بِمَعْرِفَتِهِ لاَ بِمَا يَشُكُّ فِيهِ، وَلاَ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَعْرِفَتُهُ.
وَلِبَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّهَادَةِ يُنْظَرُ فِي (إِشْهَادٌ - شَهَادَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والعشرون ، الصفحة / 120
طُرُقُ تَوْثِيقِ الدَّيْنِ:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ طُرُقَ تَوْثِيقِ الدَّيْنِ أَرْبَعَةٌ:
تَوْثِيقُ الدَّيْنِ بِالْكِتَابَةِ:
دَلَّتْ آيَةُ الدَّيْنِ وَهِيَ قوله تعالي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) إِلَى آخِرِ الآْيَةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَوْثِيقِ الدَّيْنِ بِالْكِتَابَةِ الْمُبَيِّنَةِ لَهُ الْمُعْرِبَةِ عَنْهُ الْمُعَرِّفَةِ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَحْكُمُ عِنْدَ التَّرَافُعِ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي صَكٍّ مُوَضِّحٍ لِلدَّيْنِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ.
غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي حُجِّيَّةِ الْكِتَابَةِ فِي تَوْثِيقِ الدَّيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أ - فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى صِحَّةِ تَوْثِيقِ الدَّيْنِ بِالْكِتَابَةِ، وَأَنَّهَا بَيِّنَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي الإِْثْبَاتِ إِذَا كَانَتْ صَحِيحَةَ النِّسْبَةِ إِلَى كَاتِبِهَا.
ب - وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُعْتَمَدُ عَلَى الْخَطِّ الْمُجَرَّدِ إِذَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْخُطُوطَ تَشْتَبِهُ وَالتَّزْوِيرَ فِيهَا مُمْكِنٌ، وَقَدْ تُكْتَبُ لِلتَّجْرِبَةِ أَوِ اللَّهْوِ. وَمَعَ قِيَامِ هَذِهِ الاِحْتِمَالاَتِ وَالشُّبُهَاتِ لاَ يَبْقَى لِلْخَطِّ الْمُجَرَّدِ حُجِّيَّةٌ، وَلاَ يَصْلُحُ لِلاِعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ. أَمَّا إِذَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ وَثِيقَةً وَحُجَّةً؛ لأَِنَّ الشَّهَادَةَ تَرْفَعُ الشَّكَّ وَتُزِيلُ الاِحْتِمَالَ .
وَمِنْ أَهَمِّ صُوَرِ التَّوْثِيقِ بِالْكِتَابَةِ:
أَوَّلاً: إِذَا أَمَرَ شَخْصٌ آخَرَ بِأَنْ يَكْتُبَ إِقْرَارَهُ، فَيَكُونَ هَذَا الأَْمْرُ إِقْرَارًا حُكْمًا. جَاءَ فِي «الدُّرِّ الْمُخْتَارِ»: «الأَْمْرُ بِكِتَابَةِ الإِْقْرَارِ إِقْرَارٌ حُكْمًا فَإِنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ يَكُونُ بِالْبَنَانِ، فَلَوْ قَالَ لِلصَّكَّاكِ: اكْتُبْ خَطَّ إِقْرَارِي بِأَلْفٍ عَلَيَّ، أَوِ اكْتُبْ بَيْعَ دَارِي، أَوْ طَلاَقَ امْرَأَتِي صَحَّ.
ثَانِيًا: إِنَّ قُيُودَ التُّجَّارِ - كَالصَّرَّافِ وَالْبَيَّاعِ وَالسِّمْسَارِ - الَّتِي تَكُونُ فِي دَفَاتِرِهِمُ الْمُعْتَدِّ بِهَا، وَتُبَيِّنُ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ دُيُونٍ تُعْتَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي شَكْلِ صَكٍّ أَوْ سَنَدٍ رَسْمِيٍّ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ أَنَّ التَّاجِرَ يَكْتُبُ دَيْنَهُ وَمَطْلُوبَهُ فِي دَفْتَرِهِ صِيَانَةً لَهُ مِنْ النِّسْيَانِ، وَلاَ يَكْتُبُهُ لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ. أَمَّا مَا يُكْتَبُ فِيهَا مِنْ دُيُونٍ لَهُمْ عَلَى النَّاسِ فَلاَ يُعْتَبَرُ وَثِيقَةً وَحُجَّةً، وَيَحْتَاجُ فِي إِثْبَاتِهَا إِلَى وَجْهٍ آخَرَ.
ثَالِثًا: السَّنَدَاتُ وَالْوُصُولاَتُ الرَّسْمِيَّةُ تُعْتَبَرُ حُجَجًا مُعْتَمَدَةً فِي تَوْثِيقِ الدَّيْنِ وَإِثْبَاتِهِ.
جَاءَ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ: «إِذَا كَتَبَ عَلَى وَجْهِ الصُّكُوكِ يَلْزَمُهُ الْمَالُ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ: يَقُولُ فُلاَنٌ الْفُلاَنِيُّ إِنَّ فِي ذِمَّتِي لِفُلاَنٍ الْفُلاَنِيِّ كَذَا وَكَذَا، فَهُوَ إِقْرَارٌ يَلْزَمُ.
رَابِعًا: إِذَا أَنْكَرَ مَنْ كَتَبَ أَوِ اسْتَكْتَبَ سَنَدًا رَسْمِيًّا مَمْضِيًّا بِإِمْضَائِهِ أَوْ مَخْتُومًا بِخَتْمِهِ الدَّيْنَ الَّذِي يَحْتَوِيهِ ذَلِكَ السَّنَدُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِخَطِّهِ وَخَتْمِهِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ إِنْكَارُهُ، وَيَلْزَمُهُ أَدَاءُ ذَلِكَ الدَّيْنِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى إِثْبَاتٍ بِوَجْهٍ آخَرَ.
أَمَّا إِذَا أَنْكَرَ خَطَّ السَّنَدِ الَّذِي أَعْطَاهُ مَرْسُومًا أَيْضًا وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ خَطِّي، فَيُنْظَرُ: -
فَإِنْ كَانَ خَطُّهُ مَشْهُورًا وَمُتَعَارَفًا بَيْنَ الْجَارِ وَأَهْلِ الْبَلَدِ وَثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّهُ، فَلاَ يُعْتَبَرُ إِنْكَارُهُ، وَيُعْمَلُ بِذَلِكَ السَّنَدِ بِدُونِ حَاجَةٍ لإِِثْبَاتِ مَضْمُونِهِ.
- أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ خَطُّهُ مَشْهُورًا وَمُتَعَارَفًا فَيُسْتَكْتَبُ، وَيُعْرَضُ خَطُّهُ عَلَى الْخُبَرَاءِ، فَإِذَا أَفَادُوا أَنَّ الْخَطَّيْنِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ، فَيُؤْمَرُ ذَلِكَ الشَّخْصُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ، وَإِلاَّ فَلاَ.
خَامِسًا: إِذَا أَعْطَى شَخْصٌ لآِخَرَ سَنَدًا رَسْمِيًّا يُفِيدُ أَنَّهُ مَدِينٌ لَهُ بِمَبْلَغٍ مِنَ الْمَالِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَيُلْزَمُ وَرَثَتُهُ بِإِيفَائِهِ مِنَ التَّرِكَةِ إِذَا اعْتَرَفُوا بِكَوْنِ السَّنَدِ لِلْمُتَوَفَّى وَلَوْ أَنْكَرُوا الدَّيْنَ.
أَمَّا إِذَا أَنْكَرُوا السَّنَدَ فَيُنْظَرُ: إِنْ كَانَ خَطُّ الْمُتَوَفَّى وَخَتْمُهُ مَشْهُورًا وَمُتَعَارَفًا، وَثَبَتَ أَنَّ الْخَطَّ خَطُّهُ وَالْخَتْمَ خَتْمُهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَدَاءُ الدَّيْنِ مِنَ التَّرِكَةِ، وَلاَ عِبْرَةَ لإِِنْكَارِهِمْ، وَإِنْ كَانَ خِلاَفَ ذَلِكَ فَلاَ يُعْمَلُ بِالسَّنَدِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ التَّزْوِيرِ فِيهِ.
سَادِسًا: إِذَا وَجَدَ الْوَارِثُ خَطًّا لِمُوَرِّثِهِ يُفِيدُ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا قَدْرُهُ كَذَا وَكَذَا لِفُلاَنٍ، فَيَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ الْعَمَلُ بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ وَدَفْعُ الدَّيْنِ إِلَى مَنْ هُوَ مَكْتُوبٌ بِاسْمِهِ مِنَ التَّرِكَةِ.
حُكْمُ التَّوْثِيقِ بِالْكِتَابَةِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ تَوْثِيقِ الدَّيْنِ بِالْكِتَابَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ أَنَّ كِتَابَةَ الدَّيْنِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً.
إِذِ الأَْمْرُ فِي قوله تعالي فَاكْتُبُوهُ) لِلإِْرْشَادِ لِمَنْ يَخْشَى ضَيَاعَ دَيْنِهِ بِالنِّسْيَانِ أَوِ الإِْنْكَارِ، حَيْثُ لاَ يَكُونُ الْمَدِينُ مَوْضِعَ ثِقَةٍ كَامِلَةٍ مِنْ دَائِنِهِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قوله تعالي ( فَإِنْأَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْكِتَابَةَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ إِذَا تَوَافَرَتِ الأَْمَانَةُ وَالثِّقَةُ بَيْنَ الْمُتَعَامِلِينَ، وَقَدْ دَرَجَ النَّاسُ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى عَدَمِ كِتَابَةِ الدُّيُونِ مَا دَامَتِ الثِّقَةُ قَائِمَةً بَيْنَ الْمُتَدَايِنَيْنِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ فُقَهَائِهِمْ نَكِيرٌ مَعَ اشْتِهَارِ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: لاِبْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ: وَهُوَ أَنَّ كِتَابَةَ الدَّيْنِ وَاجِبَةٌ لقوله تعالي( فَاكْتُبُوهُ) إِذِ الأَْصْلُ فِي الأَْمْرِ إِفَادَةُ الْوُجُوبِ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ دَلاَلَةَ هَذَا الأَْمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ اهْتِمَامُ الآْيَةِ بِبَيَانِ مَنْ لَهُ حَقُّ الإِْمْلاَءِ وَصِفَةِ الْكَاتِبِ، وَحَثِّهِ عَلَى الاِسْتِجَابَةِ إِذَا طُلِبَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَالْحَثِّ عَلَى كِتَابَةِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، ثُمَّ التَّعْبِيرِ عَنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْكِتَابَةِ فِي الْمُبَادَلاَتِ النَّاجِزَةِ بِنَفْيِ الْجُنَاحِ، حَيْثُ إِنَّهُ يُشْعِرُ بِلَوْمِ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَةَ عِنْدَ تَعَامُلِهِ بِالدَّيْنِ.
تَوْثِيقُ الدَّيْنِ بِالشَّهَادَةِ:
دَلَّ قوله تعالي ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) إِلَى آخِرِ الآْيَةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَوْثِيقِ الدَّيْنِ بِالشَّهَادَةِ وَأَنَّهَا وَثِيقَةٌ وَاحْتِيَاطٌ لِلدَّائِنِ؛ لأَِنَّ اسْتِشْهَادَ الشُّهُودِ أَنْفَى لِلرَّيْبِ وَأَبْقَى لِلْحَقِّ وَأَدْعَى إِلَى رَفْعِ التَّنَازُعِ وَالاِخْتِلاَفِ، وَفِي ذَلِكَ صَلاَحُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَعًا.
وَبَيَّنَتِ الآْيَةُ أَنَّ نِصَابَ الشَّهَادَةِ عَلَى الدَّيْنِ هُوَ: إِمَّا رَجُلاَنِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ يُرْتَضَى مِنَ الْعُدُولِ الثِّقَاتِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ كَانَ وَثِيقَةً مُعْتَبَرَةً وَحُجَّةً شَرْعِيَّةً فِي إِثْبَاتِ الدَّيْنِ، وَبَيِّنَةً قَوِيَّةً يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْقَاضِي فِي الْحُكْمِ بِهِ لِطَالِبِهِ.
حُكْمُ التَّوْثِيقِ بِالشَّهَادَةِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ تَوْثِيقِ الدَّيْنِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّ الإِْشْهَادَ عَلَى الدَّيْنِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍلقوله تعالي فَإِنْأَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ، وَقَالَ إِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ: «وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الأَْمْنَ لاَ يَقَعُ إِلاَّ بِحَسَبِ الظَّنِّ وَالتَّوَهُّمِ لاَ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ إِنَّمَا أَمَرَ بِهَا لِطُمَأْنِينَةِ قَلْبِهِ لاَ لِحَقِّ الشَّرْعِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَمَا قَالَ: ( فَإِنْأَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) وَلاَ ثِقَةَ بِأَمْنِ الْعِبَادِ، إِنَّمَا الاِعْتِمَادُ عَلَى مَا يَرَاهُ الشَّرْعُ مَصْلَحَةً، فَالشَّهَادَةُ مَتَى شُرِعَتْ فِي النِّكَاحِ لَمْ تَسْقُطْ بِتَرَاضِيهِمَا وَأَمْنِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ (فِي غَيْرِ النِّكَاحِ) شُرِعَتْ لِلطُّمَأْنِينَةِ؛ وَلأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِتَوْثِيقِ الدُّيُونِ
طُرُقًا مِنْهَا: الْكِتَابُ، وَمِنْهَا الرَّهْنُ، وَمِنْهَا الإِْشْهَادُ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الأَْمْصَارِ أَنَّ الرَّهْنَ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ النَّدْبِ لاَ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ، فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُهُ فِي الإِْشْهَادِ.
وَالثَّانِي: لِبَعْضِ السَّلَفِ: وَهُوَ أَنَّ الإِْشْهَادَ عَلَى الدَّيْنِ وَاجِبٌ لقوله تعالي فِي آيَةِ الدَّيْنِ: ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ)الآْيَة .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 214
شَهَادَةٌ
التَّعْرِيفُ:
- مِنْ مَعَانِي الشَّهَادَةِ فِي اللُّغَةِ: الْخَبَرُ الْقَاطِعُ، وَالْحُضُورُ وَالْمُعَايَنَةُ وَالْعَلاَنِيَةُ، وَالْقَسَمُ، وَالإِْقْرَارُ، وَكَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَالْمَوْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. يُقَالُ: شَهِدَ بِكَذَا إِذَا أَخْبَرَ بِهِ وَشَهِدَ كَذَا إِذَا حَضَرَهُ، أَوْ عَايَنَهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ يُعَدَّى الْفِعْلُ (شَهِدَ) بِالْهَمْزَةِ، فَيُقَالُ: أَشْهَدْتُهُ الشَّيْءَ إِشْهَادًا، أَوْ بِالأَْلِفِ، فَقَالَ: شَاهَدْتُهُ مُشَاهَدَةً، مِثْلُ عَايَنْتُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ: قوله تعالي فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآْيَةِ: «وَشَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِ: قوله تعالي وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)
قَالَ الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ مَعْنَاهَا: «وَقَوْلُهُ( أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) ، يَعْنِي مُشَاهَدَةَ الْبَصَرِ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْقَسَمِ أَوِ الْيَمِينِ: قوله تعالي فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).
قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: «الشَّهَادَةُ مَعْنَاهَا الْيَمِينُ هَاهُنَا.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ الْقَاطِعِ: قوله تعالي وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا.
وَاسْتِعْمَالُهَا بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الإِْقْرَارِ: قوله تعالي شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ).
أَيْ مُقِرِّينَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْسِ هِيَ الإِْقْرَارُ.
وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ أَيْضًا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ. (وَهِيَ قَوْلُنَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) وَتُسَمَّى الْعِبَارَةُ (أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) بِالشَّهَادَتَيْنِ.
وَمَعْنَاهُمَا هُنَا مُتَفَرِّعٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ (الإِْخْبَارُ وَالإِْقْرَارُ)، فَإِنْ مَعْنَى الشَّهَادَةِ هُنَا هُوَ الإِْعْلاَمُ وَالْبَيَانُ لأَِمْرٍ قَدْ عُلِمَ وَالإِْقْرَارُ الاِعْتِرَافُ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الأَْنْبَارِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ: «أَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. وَأُبَيِّنُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ أَنَّ مُحَمَّدًا مُبَلِّغٌ لِلأَْخْبَارِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُمِّيَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِالتَّشَهُّدِ، وَهُوَ صِيغَةُ (تَفَعَّلَ) مِنَ الشَّهَادَةِ.
وَقَدْ يُطْلَقُ (التَّشَهُّدُ) عَلَى (التَّحِيَّاتِ) الَّتِي تُقْرَأُ فِي آخِرِ الصَّلاَةِ.
جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ. صلي الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْعَلاَنِيَةِقوله تعالي عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ). أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الآْيَةِ: «السِّرُّ وَالْعَلاَنِيَةُ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: قوله تعالي فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ).
فَهُوَ شَهِيدٌ قَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ الشَّهَادَةَ، جَمْعُهُ شُهَدَاءُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ: اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الإِْخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ).
وَاسْتَعْمَلُوا اللَّفْظَ فِي الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَبَيَانُهُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهِيدٌ).
وَاسْتَعْمَلُوهُ فِي الْقَسَمِ كَمَا فِي اللِّعَانِ، (وَبَيَانُهُ فِي اللِّعَانِ).
كَمَا اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الإِْخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ فِي مَجْلِسِالْقَضَاءِ، وَهُوَ مَوْضُوعُ الْبَحْثِ فِي هَذَا الْمُصْطَلَحِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِ الشَّهَادَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
فَعَرَّفَهَا الْكَمَالُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارُ صِدْقٍ لإِِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ.
وَعَرَّفَهَا الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: بِأَنَّهَا إِخْبَارُ حَاكِمٍ مِنْ عِلْمٍ لِيَقْضِيَ بِمُقْتَضَاهُ.
وَعَرَّفَهَا الْجَمَلُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ بِلَفْظِ أَشْهَدُ.
وَعَرَّفَهَا الشَّيْبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا: الإِْخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْتُ.
وَتَسْمِيَتُهَا بِالشَّهَادَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ، لأَِنَّ الشَّاهِدَ يُخْبِرُ عَنْ مَا شَاهَدَهُ وَالإِْشَارَةُ إِلَيْهَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما - قَالَ: «ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.
وَتُسَمَّى «بَيِّنَةً» أَيْضًا؛ لأَِنَّهَا تُبَيِّنُ مَا الْتَبَسَ وَتَكْشِفُ الْحَقَّ فِي مَا اخْتُلِفَ فِيهِ.
وَهِيَ إِحْدَى الْحُجَجِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الدَّعْوَى.
أَلْفَاظٌ ذَاتُ صِلَةٍ:
الإِْقْرَارُ:
الإِْقْرَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الإِْخْبَارُ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْمُخْبِرِ.
الدَّعْوَى:
الدَّعْوَى: قَوْلٌ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْقَاضِي يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ قِبَلِ الْغَيْرِ أَوْ دُفْعُ الْخَصْمِ عَنْ حَقِّ نَفْسِهِ.
فَيَجْمَعُ كُلًّا مِنَ الإِْقْرَارِ وَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، أَنَّهَا إِخْبَارَاتٌ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا: أَنَّ الإِْخْبَارَ إِنْ كَانَ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ عَلَى الْمُخْبِرِ، وَيَقْتَصِرُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ فَإِقْرَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ، فَإِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ فِيهِ نَفْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ نَفْعٌ فِيهِ لأَِنَّهُ إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لَهُ فَهُوَ الدَّعْوَى، انْظُرْ: الْمَوْسُوعَةَ الْفِقْهِيَّةَ مُصْطَلَحَ (إِقْرَارٌ) (6 67.
الْبَيِّنَةُ:
الْبَيِّنَةُ: عَرَّفَهَا الرَّاغِبُ بِأَنَّهَا: الدَّلاَلَةُ الْوَاضِحَةُ عَقْلِيَّةً أَوْ مَحْسُوسَةً. وَعَرَّفَهَا الْمَجْدَوِيُّ الْبَرَكَتِيُّ بِأَنَّهَا: الْحُجَّةُ الْقَوِيَّةُ وَالدَّلِيلُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْبَيِّنَةُ فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ. وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ أَرْبَعَةَ شُهُودٍ، وَتَارَةً ثَلاَثَةً بِالنَّصِّ فِي بَيِّنَةِ الْمُفَلِّسِ، وَتَارَةً شَاهِدَيْنِ وَشَاهِدًا وَاحِدًا وَامْرَأَةً وَاحِدَةً وَنُكُولاً وَيَمِينًا أَوْ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ، وَتَكُونُ شَاهِدَ الْحَالِ (أَيِ الْقَرَائِنَ) فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ.
وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَذَا أَعَمَّ مِنَ الشَّهَادَةِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ.
تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، لقوله تعالي وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا). ). وقوله تعالي ).وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ). وَقَوْلُهُ (وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).
وَلأَِنَّ الشَّهَادَةَ أَمَانَةٌ فَلَزِمَ أَدَاؤُهَا كَسَائِرِ الأَْمَانَاتِ. فَإِذَا قَامَ بِهَا الْعَدَدُ الْكَافِي (كَمَا سَيَأْتِي) سَقَطَ الإِْثْمُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنِ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أَثِمُوا كُلُّهُمْ.
وَإِنَّمَا يَأْثَمُ الْمُمْتَنِعُ إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالشَّهَادَةِ، وَكَانَتْ شَهَادَتُهُ تَنْفَعُ.
فَإِذَا تَضَرَّرَ فِي التَّحَمُّلِ أَوِ الأَْدَاءِ، أَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ لاَ تَنْفَعُ، بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، أَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، لقوله تعالي وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ.. وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لاَ يَحْصُلُ مِنْهُ. وَقَدْ يَكُونُ تَحَمُّلُهَا وَأَدَاؤُهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَرْضًا عَيْنِيًّا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُ ذَلِكَ الْعَدَدِ مِنَ الشُّهُودِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْحُكْمُ، وَخِيفَ ضَيَاعُ الْحَقِّ.
وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ، أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ فَتُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ أَدَاءٌ ف 26 ح 2 ص 340 لِبَيَانِ الْخِلاَفِ فِي أَفْضَلِيَّةِ الشَّهَادَةِ أَوِ السَّتْرِ.
مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ:
ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ.
أَمَّا الْكِتَابُ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى:(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ).
وَقَوْلُهُ: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).
وَقَوْلُهُ(وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ).
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ – رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ». وَالْبَيِّنَةُ هِيَ الشَّهَادَةُ.
قَدِ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا لإِِثْبَاتِ الدَّعَاوَى
أَمَّا الْمَعْقُولُ : فَلأَِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ بَيْنَ النَّاسِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا.
أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ:
أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خَمْسَةُ أُمُورٍ: الشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ لَهُ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَالْمَشْهُودُ بِهِ، وَالصِّيغَةُ.
وَرُكْنُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اللَّفْظُ الْخَاصُّ، وَهُوَ لَفْظُ (أَشْهَدُ) عِنْدَهُمْ.
سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ:
سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ طَلَبُ الْمُدَّعِي الشَّهَادَةَ مِنَ الشَّاهِدِ، أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّ الْمُدَّعِي إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُدَّعِي كَوْنَهُ شَاهِدًا.
حُجِّيَّةُ الشَّهَادَةِ:
الشَّهَادَةُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ
وَلاَ تُوجِبُهُ وَلَكِنْ تُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمُقْتَضَاهَا لأَِنَّهَا إِذَا اسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا مُظْهِرَةٌ لِلْحَقِّ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ.
شُرُوطُ الشَّهَادَةِ:
لِلشَّهَادَةِ نَوْعَانِ مِنَ الشُّرُوطِ:
شُرُوطُ تَحَمُّلٍ.
وَشُرُوطُ أَدَاءً.
فَأَمَّا شُرُوطُ التَّحَمُّلِ: فَمِنْهَا:
أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَاقِلاً وَقْتَ التَّحَمُّلِ، فَلاَ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لاَ يَعْقِلُ؛ لأَِنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ عِبَارَةٌ عَنْ فَهْمِ الْحَادِثَةِ وَضَبْطِهَا، وَلاَ يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلاَّ بِآلَةِ الْفَهْمِ وَالضَّبْطِ، وَهِيَ الْعَقْلُ.
أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، فَلاَ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنَ الأَْعْمَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ تَحَمُّلِهِ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ إِذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَقَطَعَ بِأَنَّهُ صَوْتُ فُلاَنٍ.
أَنْ يَكُونَ التَّحَمُّلُ عَنْ عِلْمٍ، أَوْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِلشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنَفْسِهِ لاَ بِغَيْرِهِ: لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم «الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.
وَلاَ يَتِمُّ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْعِلْمِ، أَوِ الْمُعَايَنَةِ، إِلاَّ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ، كَالنِّكَاحِ، وَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَتُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُعَايَنَةُ.
وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا رَآهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ إِلاَّ إِذَا تَذَكَّرَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَ مِنْهُ، لأَِنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَتْمَ يُشْبِهُ الْخَتْمَ، كَثِيرًا مَا يَقَعُ التَّزْوِيرُ، فَلاَ مُعَوَّلَ إِلاَّ عَلَى التَّذَكُّرِ.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى جَوَازِ شَهَادَتِهِ عَلَى مَا يَجِدُهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَاضِي يَجِدُ فِي دِيوَانِهِ شَيْئًا لاَ يَحْفَظُهُ، كَإِقْرَارِ رَجُلٍ أَوْ شَهَادَةِ شُهُودٍ، أَوْ صُدُورِ حُكْمٍ مِنْهُ وَقَدْ خُتِمَ بِخَتْمِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْضِي بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِهِ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ لِلتَّحَمُّلِ: الْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالإِْسْلاَمُ، وَالْعَدَالَةُ، حَتَّى لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ صَبِيًّا عَاقِلاً، أَوْ عَبْدًا، أَوْ كَافِرًا، أَوْ فَاسِقًا، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْفَاسِقُ، فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ.

