loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 403 الملغاة من القانون المدني والمقابلة للمادة 63 من قانون الإثبات :

1- لنصوص هذه المادة نظير في التقنين الفرنسي ، والتقنين الإيطالى ( المادة 1348) والتقنين الهولندي ( المادة 1940 ) والتقنين المراكشي ( المادة 448) والتقنين المصرى ( المادة 215 / 280) والمشروع الفرنسي الإيطالي ( المادة 299) .

وتنحصر سمة الإستثناءات الثلاثة المتقدم ذكرها في أنها تجيز الإثبات بالبينة ، فيما يجاوز نصاب الشهادة (10 جنيهات ) كما أنها تجيز نقض الثابت بالكتابة ، وتجيز الإضافة إليه . والبينة في هذه الأحوال لا تكمل الدليل الكتابي بل تحل محله بعد أن فقد أو إستحال تحصيله . والواقع أن وجوب الإثبات بالكتابة يفترض إمكان الحصول على الدليل الكتابي ، فإذا حالت ظروف خاصة دون ذلك ، تحتم الإستثناء (إذ لا قبل لأحد بالمستحيل ).

ويراعي من ناحية أخرى أن هذا النص يرمي إلى إستبدال البينة بالدليل الكتابي، فهو والحال هذه لا يطبق حيث تكون الكتابة شرطاً يترتب على تخلفه بطلان التصرف ، بل يطبق في الأحوال الخاصة التي يتطلب فيها القانون الدليل الكتابي للإثبات ، ولو كانت القيمة أقل من عشرة جنيهات .

2- الإستثناء الأول : وأول حالة استثناها النص ، هي حالة وجود مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي لإثبات التصرف القانوني . ويلاحظ ، فيما يتعلق بالعبارة التي أفرغ فيها هذا الاستثناء ، أن المادة 1348 من التقنين الفرنسي والإيطالي ، والمادة 299 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، تنصان على جواز الإثبات بغير الكتابة كلما امتنع على ( الدائن ) أن يحصل على دليل کتابي لإثبات الإلتزام ، وظاهر نص هاتين المادتين يوحى أن الإستثناء قاصر على الدائن بيد أن التقنين المصرى قد عمم الحكم فصرفه في المادة 215 / 280 إلى (الأخصام ) الذين لم يكن لهم مانع منعهم عن الاستحصال على كتابة مثبتة للدين أو البراءة .

ويسرى حكم الإستثناء الأول على جميع الإلتزامات ، التي يتعين إثباتها أمام القضاء بالكتابة ، إذا كان قد امتنع على الدائن أو المدين الذي يقع عليه عبء الإثبات أن يحصل على دليل کتابي . ولذلك أفرغ المشروع هذا الحكم في عبارة عامة .

أما فيما يتعلق بخصائص الإستحالة فيراعى أن الإستثناء يرد على قاعدة حظر الإثبات بالبينة ، وهذه القاعدة تطبق بشأن التصرفات القانونية ، دون الوقائع القانونية . ويستخلص من ذلك أن هذا الإستثناء لا يطبق إلا على التصرفات القانونية، وهي التي تنفرد بوجوب إستعمال الكتابة في إثباتها . ويتفرع على هذا ما يأتي :

(أ) أن استحالة الحصول على دليل كتابى في هذه الحالة ليست مطلقة بل هي نسبية عارضة .

(ب) أن الإستحالة لا ترجع إلى طبيعة الواقع خلافاً لما نصت عليه المادة 1940 من التقنين الهولندي ، بل ترجع على وجه الإفراد إلى الظروف الخاصة التي انعقد فيها التصرف .

(ج) أن الإستثناء لا يتعلق بالوقائع القانونية التي يمتنع فيها على وجه الإطلاق الحصول على دليل کتابى . وقد أخطأ التقنين الفرنسي والتقنين الإيطالي ( المادة 1348) في إيراد والإلتزامات الناشئة عن أشباه العقود والجنح وأشباه الجنح، في معرض التمثيل للإستحالة النسبية التي تحول دون الحصول على دليل كتابي . لأن أشباه العقود والجنح وأشباه الجنح تدخل في عداد الوقائع القانونية التي لا تسري بشأنها قواعد تقييد الإثبات بالبينة ، بل البينة بالنسبة لها جائزة على وجه الدوام ، شأنها من هذا الوجه شأن وقائع التدليس والغش والصورية والربا ( أنظر استئناف مختلط 4 فبراير سنة 1892 ب 4 ص 105. و5 يناير سنة 1893 ب 5 ص 161 و 23 نوفمبر سنة 1893 ب 6 ص 40. و 25 مایو سنة 1899 ب 11 ص 239 . وانظر فيما يتعلق بالتدليس والغش أول فبراير سنة 1899 ب 11 ص 111 و 13 يناير سنة 1904 ب 16 ص 101 و 13 نوفمبر سنة 1924 ب 37 ص 9  .  وفيما يتعلق بالربا 9 مارس سنة 1916 ب 28 ص 192). وقد أحسن التقنين المصرى ( المادة 215 / 280) والمشروع الفرنسي الإيطالي بإغفال الأمثلة التي تضمنتها التقنينات المختلفة في هذا الشأن .

أما فيما يتعلق بطبيعة الاستحالة ، فقد صرح النص بأنها إما أن تكون مادية وإما أن تكون معنوية . وتفترض الاستحالة المادية أن التصرف القانوني نشأ في ظروف لم يكن لذى الشأن فيها فسحة من الوقت أو وسيلة للحصول على دليل کتابی، ومن قبيل ذلك ما ينشأ من التصرفات عند الكوارث أو الحوادث المفاجئة أو النكبات أو الحرائق أو حوادث الغرق . ويورد التقنين الفرنسي والتقنين الإيطالي في معرض التمثيل الوديعة الإضطرارية وقد شبهت بها وديعة نزلاء الفنادق .

وإذا كان القاضي هو المرجع في تقدير الظروف المانعة إلا أن من واجبه أن يبين هذه الظروف عند تسبيب الاستحالة المادية . أما الاستحالة المعنوية التي تحول دون الحصول على كتابة فلا ترجع إلى ظروف مادية ، بل ترجع إلى ظروف نفسية وهي تعقد بعلاقات الخصوم وقت إنعقاد التصرف . ومرجع الأمر في تقدير هذه الإستحالة ، مع ما ينطوي في هذا التقدير من دقة ، هو القاضي ، ولكن يتعين عليه أن يسبب تقديره .

وتختلف التطبيقات القضائية في هذا الشأن بإختلاف ما يتواضع عليه الناس من الناحيتين الخلقية والاجتماعية في البلاد ، ولذلك كانت صلة الإستحالة المعنوية بالسنن الجارية والعرف والتقاليد جد وثيقة . فعرف البلد هو المعيار الذي يعتد به القاضي في تقديره ، متى كان هذا العرف مستقرأ مقطوعاً بوجوده . وبديهي أنه ليس يسوغ الإجتزاء في هذا الصدد بأواصر الصداقة أو مقتضيات اللياقة بمجردها، ومن بين ما يمكن أن يساق من أمثلة الاستحالة المعنوية صلة القرابة الوثيقة ، ومركز الطبيب ، إذا يمتنع عليه أدبياً أن يطالب بدليل کتابى ( استئناف مختلط 28 مارس سنة 1929 ب 41 ص 325 ) ومركز العميل الشخصي وفقاً لعرف البلد (استئناف مختلط 22 نوفمبر سنة 1923 ب 36 ص 44 ) وصلة العميل بالحائك وفقاً للعرف الجاري ( استئناف مختلط 3 يناير سنة 1925 ب 37 ص 137 ) وطبيعة التعاقد في المطاعم والأسواق وإجارة الخدم .

3- الإستثناء الثاني : ويفترض الإستثناء الثاني أن القواعد المتعلقة بالدليل الكتابي قد روعيت ، بيد أن الإثبات بالكتابة قد أمتنع بسبب فقد هذا الدليل . ولكن يشترط في هذه الحالة أن يكون هذا الفقد راجعاً إلى سبب لايد للمدعي فيه ، ومؤدى هذا أن يكون الفقد قد نشأ ( من جراء حادث جبري أو قوة قاهرة).

وترد علة هذا الشرط إلى الرغبة في استبعاد صور الفقد بسبب يتصل بفعل مدعی الدليل ( كإعدام الورقة مثلاً ) لقطع السبيل على التواطؤ مع الشهود ، وبذلك يكون للمدعى أن يتمسك بأي سبب يرجع إلى فعله ، ولو كان هذا الفعل . مجرد إهمال أو تراخ .

وغني عن البيان أن نطاق تطبيق هذا الاستثناء أرحب من نطاق سابقه ، لأن الدليل الكتابي سبق أن وجد ، وليست المسألة مسألة إمتناع تحصيل هذا الدليل ، بل امتناع تقديمه . ولذلك تجوز إقامة الدليل بالبينة على وجود سند وصية أو عقد شكلي فقد من جراء حادث جابري أو قوة قاهرة .

أما فيما يتعلق بالدليل على الفقد فيقع عبء إقامته على المدعى مبدئياً ، فمن واجبه ، فضلاً عن إثبات الحادث الجبرى أو القوة القاهرة ، أن يقيم الدليل على سبق وجود المحرر ومضمونه وعلى مراعاة شروط الصحة التي يتطلب القانون توافرها فيه ، إن كان هذا المحرر من قبيل المحررات الشكلية . فإذا تم ذلك للمدعي كان له أن يثبت ما يدعي بالبينة .

4- الإستثناء الثالث : أما الإستثناء الثالث فقد نص عليه المشروع الفرنسي الإيطالي ، وهو يفترض توافر ضرب من ضروب الغش ، ومن المعلوم أن الغش يجوز إثباته على وجه الدوام بالبينة . وإزاء ذلك قد يكون إفراد هذا الإستثناء بحكم خاص محلاً للنظر .

الاحكام

1- إذ كانت الطاعنة قد تمسكت فى دفاعها أمام محكمة الموضوع بصورية عقد البيع المؤرخ ../../2009 صورية مطلقة وطلبت إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذه الصورية بكافة طرق الاثبات القانونية وبوجود مانع أدبى حال دون حصولها على دليل كتابى من المطعون ضده الأول – المتصرف إليه – هو رابطة الأمومة , ودللت على ذلك بتفاهة وبخس الثمن المسمى فى ذلك العقد وبأنها لم تقبض هذا الثمن وقدمت تأييداً لدفاعها صورة رسمية من العقد المشهر رقم ... لسنة 2009 المتضمن بيع المطعون ضده الأول لشقة فى عقار النزاع بتاريخ ../../2007 بمبلغ مقداره 8176000 جنيهاً وقال إنه لا يتصور أن تبيع شقة مماثلة بالعقار ذاته بعد سنتين من تاريخ هذا العقد بثمن مقداره 1752000 جنيهاً أى بأقل من الربع , كما قدمت خطاب من البنك .... يتضمن تحويل مبالغ تزيد عن مليون جنيه من حساب مشترك للطاعنة وابنها – المطعون ضده الأول – إلى حساب آخر باسم الأخير وحده , للتدليل على إنها لم تقبض شيئاً من الثمن الوارد بالعقد ولم يصدر منها أى تعامل على هذا الحساب المشترك , وإذ اكتفى الحكم المطعون فيه رداً على هذا الدفاع بالقول بأن الصورية بين المتعاقدين لا تثبت بغير الكتابة , وكان هذا الذى قرره الحكم لا يواجه دفاع الطاعنة ولا يصلح رداً عليه ذلك أن قيام المانع الأدبى – إذا توافرت شروطه – لدى العاقد الذى يطعن بالصورية يجيز له إثبات هذه الصورية بالبينة والقرائن إعمالاً لنص المادة 63 من قانون الإثبات , وكانت محكمة الاستئناف قد حجبت نفسها بهذا النظر الخاطئ عن إعمال سلطتها فى تقدير الظروف التى ساقتها الطاعنة لتبرير قيام المانع الأدبى الذى تمسكت به وعن الإدلاء برأيها فيما إذا كانت هذه الظروف وما إستدلت به من قرائن وما قدمته من مستندات تأييداً لدفاعها تعتبر مانعة لها من الحصول على الدليل الكتابى اللازم لإثبات الصورية التى إدعتها أو غير مانعة فإن حكمها المطعون فيه يكون معيباً بالقصور فى التسبيب والخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه

(الطعن رقم 4255 لسنة 83 جلسة 2014/06/02) 

2- مفاد نص المادة 63/أ من قانون الإثبات أن المشرع أجاز للخصم الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد لديه مانع مادي أو أدبي حال بينه وبين الحصول على الدليل الكتابى ، ويخضع تقدير هذا المانع لقاضى الموضوع بحسب ما يستبينه من ظروف كل حالة دون رقابة من محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغاً ويؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها . ومن ثم يجوز للعامل إثبات أن عدم حصوله على إجازاته فى الحالة سالفة الذكر لسبب يرجع إلى جهة العمل بشهادة الشهود . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بأحقية المطعون ضده فى المقابل النقدى عن كامل رصيد إجازاته على أن عدم حصوله عليها كان بسبب يرجع إلى الطاعنة استناداً إلى ما قرره شاهديه من أنه كان يتقدم بطلبات الإجازة إلى رئيسه المباشر وكان يرفضها لأن حاجة العمل لا تسمح بذلك دون أن يؤشر عليها كتابة بل وقرر أحد الشاهدين أنه كان يُمزق هذه الطلبات ، فحال بين المطعون ضده والحصول على الدليل الكتابى الذى استلزمته المادة 77/4 من لائحة نظام العاملين سالف الإشارة إليها ويُجيز له الإثبات بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود طبقاً للبند أ من المادة 63 من قانون الإثبات سالف الإشارة إليها ، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذه الشهادة واستند إليها - بما له من سلطة تقدير الأدلة - فى قضائه سالف الذكر فإنه يكون قد صادف صحيح القانون .

(الطعن رقم 2474 لسنة 73 جلسة 2008/01/20 س 59 ص 91 ق 15)

3- يجوز فى المواد التجارية إثبات وجود التصرف القانوني أو انقضائه بشهادة الشهود أياً كانت قيمته ما لم يوجد نص أو اتفاق يقضي بغير ذلك، كما أن وجوب الإثبات بالكتابة فى المواد المدنية ليس من النظام العام، فيجوز النزول عنه وقبول الإثبات بالبينة والقرائن، فلا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، ويجب على من يريد التمسك بعدم جواز إثبات الحق المدعى به عليه بالبينة أن يتقدم بذلك إلى محكمة الموضوع قبل سماع الشهود. كما أنه يجوز الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بدليل كتابي إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي، أو إذا فقد الدائن سنده الكتابي بسبب أجنبي لا يد له فيه على ما جرى به نص المادة 63 من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968.

(الطعن رقم 5705 لسنة 65 جلسة 2001/05/28 س 52 ع 1 ص 537 ق 96) 

4- الحكم السابق صدوره بين الخصوم أنفسهم لا يحوز قوة الأمر المقضى بالنسبة للدعوى اللاحقة إلا إذا اتحد الموضوع والسبب فى كل من الدعويين طبقا لنص المادة 101 من قانون الإثبات ، ولما كان البين من الأوراق أن المطعون ضدها الثانية سبق أن أقامت على مورث الطاعنين الدعوى رقم 1490 لسنة 1979 مدنى الجيزة الابتدائية بطلب الحكم بثبوت العلاقة الإيجارية بينهما عن الشقة محل النزاع خالية فأدخل فيها المطعون ضده الأول ووجه إليه دعوى فرعية بطلب إخلاءه منها استنادا إلى أنه يستأجرها منه مفروشة وأن العقد قد انتهى لانتهاء مدته وقضى برفض الدعوى الأصلية وبعدم سماع الدعوى الفرعية لعدم قيد عقد الإيجار المفروش بالوحدة المحلية المختصة ثم أقام مورث الطاعنين الدعوى الحالية على المطعون ضده الأول عدل فيها طلباته الختامية إلى طلب الحكم بثبوت عقد الإيجار المفروش الصادر منه للأخير عن تلك الشقة فى مواجهة المطعون ضدها الثانية تأسيسا على أن عقد الإيجار الذى أصدره له عنها فقد منه لسبب لا دخل لإرادة فيه مما يخوله إثبات هذا العقد بالبينة فيتضح من ذلك أن الدعويين السابقة والحالية يختلفان محلا وسببا ومن ثم فلا يحوز الحكم النهائى السابق صدوره فى الدعوى سالفة الذكر قوة الأمر المقضى فى الدعوى الحالين لعدم توافر شروطها وليس من شأنه أن يمتنع على محكمة الموضوع النظر فى موضوعها وطلب الطاعنين إثبات العلاقة الإيجارية المفروشة عن الشقة محل النزاع لفقد العقد الكتابى لسبب لا دخل لهم فيه تطبيقا لنص المادة 63 من قانون الإثبات .

(الطعن رقم 1856 لسنة 59 جلسة 1994/02/06 س 45 ع 1 ص 301 ق 63)

5- فترة الخطبة - وعلى ما جرى به العرف - لها سمتها الخاصة التى تفرض على الخطيبين وأسرتيهما سلوكا حميماً آيته التواد والمجاملة بما يستهدف به كل طرق غرس الثقة وبعث الطمأنينة لدى الطرف الآخر وهو مالا يلائمه التعامل بالكتابة فى شأن أداء المهر أو تقديم الشبكة وما فى حكمها من الهدايا المتعارف عليها فإن هذه الفترة تعد بذاتها مانعاً أدبيا يحول دون الحصول على دليل كتابى فى هذا الخصوص ويجيز الإثبات بشهادة الشهود عملاً بالفقرة الأولى من المادة 63 من قانون الإثبات .

(الطعن رقم 1069 لسنة 59 جلسة 1993/06/10 س 44 ع 2 ص 627 ق 238)

6- لئن كان جواز إثبات التصرفات القانونية بشهادة الشهود طبقاً للإستثناء المنصوص عليه فى المادة 63 من قانون الإثبات - عند وجود مانع مادى أو أدبى يحول دون الحصول على دليل كتابى - منوطا بألا تكون هذه التصرفات مما يوجب الشارع إفراغها فى محرر رسمى ، لأن الرسمية تكون ركناُ من أركانها فلا تنعقد ولا تثبت بغيرها ، وكان النص فى المادة 488 من القانون المدنى على أن " تكون الهبة بورقة رسمية وإلا وقعت باطلة ما لم تتم تحت ستار عقد آخر " . وفى المادة 489 منه على أنه " إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب فى الشكل فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه " يدل على أنه وإن كانت الورقة الرسمية شرطا لإنعقاد الهبه فلا تصح ولا تثبت بغيرها " إلا أنه لما كانت الهبة الباطلة لعيب فى الشكل ترد عليها الإجازة عن طريق تنفيذها تنفيذا إختيارياً من جانب الواهب أو ورثته - بأن يكون الواهب أو الوارث عالما بأنها باطلة لعيب فى الشكل ومع ذلك يقوم بتنفيذها راضياً مختاراً و هو على بينة من أمره فيسلم المال الموهوب إلى الموهوب له قاصداً من ذلك أجازة الهبه فتنقلب الهبه الباطله إلى هبة صحيحة لهذه الإجازة الخاصة ولا يجوز له أن يسترد ما سلمه  فإن مقتضى ذلك أن إثبات عقد الهبه التى يتم تنفيذها تنفيذاً إختيارياً لا يتقيد بأن يكون بورقة رسمية بل يكون خاضعا للقواعد العامة فى إثبات سائر العقود .

(الطعن رقم 1129 لسنة 54 جلسة 1988/01/26 س 39 ع 1 ص 177 ق 40)

7- وفقاً لنص المادة 63 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بدليل كتابى إذا فقد الدائن سنده الكتابى بسبب أجنبى لا يد له فيه ، مما مقتضاه أن من يدعى أنه حصل على سند مكتوب ثم فقده بسبب أجنبى يجوز له أن يثبت ذلك بكافة طرق الإثبات لأنه إنما يثبت واقعة مادية . فإذا أثبت سبق وجود السند كان لمن فقده أن يثبت الحق الذى يدعيه بشهادة الشهود .

(الطعن رقم 1212 لسنة 51 جلسة 1985/03/27 س 36 ع 1 ص 516 ق 107)

8- النص فى المادة 63 من قانون الإثبات على أنه " يجوز كذلك الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بدليل كتابى ... ... "ب" إذا فقد الدائن سنده الكتابى بسبب أجنبى لا يد له فيه " يدل على أن المشرع إستهدف مواجهة حالة ما إذا كانت القواعد المتعلقة بإستلزام الحصول على الدليل الكتابى الكامل قد روعيت ، بيد أن الإثبات بالكتابة قد إمتنع بسبب فقد هذا الدليل فيجوز عندئذ أن تحل شهادة الشهود محل الدليل الكتابى ، شريطة أن يكون هذا الفقد راجعاً إلى سبب لا يد للمدعى فيه ومؤدى هذا أن يكون الفقد قد نشأ من جراء حادث جدى أو قوة قاهرة ، فتستبعد إذن صور الفقد بسبب يتصل بفعل مدعى الدليل - ولو كان خطأ أو إهمالاً - بقطع السبيل إلى التواطؤ مع الشهود .

(الطعن رقم 618 لسنة 45 جلسة 1979/04/07 س 30 ع 2 ص 40 ق 193)

9- إنه وإن كان تقدير قيام المانع الأدبى من الحصول على دليل كتابى فى الأحوال التى يتطلب فيها القانون هذا الدليل هو من الأمور التى يستقل بها قاضى الموضوع إلا أنه يتعين عليه فى حالة رفض هذا الطلب أن يضمن حكمه الأسباب المسوغة لذلك ، ولما كان ما قرره الحكم المطعون فيه من إنتقاء قيام المانع الأدبى فى حالة وجود سند كتابى يمثل فى كشوف الحساب التى وقع عليها الطاعن بإستلام نصيب زوجته فى الريع هو خطأ فى القانون لأن وجود محرر مكتوب لا يمنع من قيام المانع الأدبى الذى يحول دون الحصول على دليل كتابى إذا توافرت شروطه ، وكان التوكيل الصادر إلى الطاعن من زوجته لتحصيل نصيبها فى الريع وتوقيعه على كشوف الحساب التى تسلم بموجبها هذا النصيب ممن يتولى إدارة العقار ليس من شأنه أن ينفى قيام المانع الأدبى فى علاقة الطاعن مع زوجته ، ومتى تحقق هذا المانع لدى الطاعن فإنه يجوز له إثبات الوفاء بالبينة والقرائن عملاً بالفقرة أ من المادة 63 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 لما كان ذلك وكانت محكمة الإستئناف قد حجبت نفسها بهذا النظر الخاطئ من إعمال سلطتها فى تقدير الظروف التى ساقها الطاعن لتبرير قيام المانع الأدبى الذى تمسك به وعن الإدلاء برأيها فيما إذا كانت هذه الظروف تعتبر مانعة له من الحصول على الدليل الكتابى اللازم لإثبات الوفاء الذى إدعاه أو غير مانعه ، فإن حكمها المطعون فيه يكون معيباً بمخالفة القانون والفساد فى الإستدلال والقصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 759 لسنة 42 جلسة 1976/03/02 س 27 ع 1 ص 533 ق 109)

10- استبعد المشرع المواد التجارية من الأحكام التى وضعها للإثبات فى المواد من 60 - 63 من قانون الإثبات ، وجاءت تلك المواد لتنظيم قواعد الإثبات فى غير المواد التجارية وأباح القانون فى المواد التجارية الإثبات بالبينة كقاعدة عامة ما لم يوجد نص يقضى بغير ذلك فى قانون التجارة أو القانون البحرى ، ولما كان قانون التجارة لم يوجب الكتابة للإثبات إلا بالنسبة لعقود شركات التضامن والتوصية والمساهمة ، أما شركات الواقع فإنه يجوز إثبات وجودها بالبينة ، وتستقل محكمة الموضوع بإستخلاص قيام الشركة الواقع أو عدم قيامها من ظروف الدعوى و قرائن الحال فيها دون رقابة عليها فى ذلك من محكمة النقض طالما قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة .

(الطعن رقم 717 لسنة 47 جلسة 1980/05/12 س 31 ع 2 ص 1336 ق 254)

11- تنص المادة 1/400 من القانون المدنى قبل إلغائها بالقانون رقم 25 لسنة 1968 على أنه ‘‘ إثبات وجوده أو إنقضائه ما لم يوجد إتفاق أو نص يقضى بغير ذلك ’’ كما تنص المادة 403 من القانون المذكور على أنه ‘‘ يجوز أيضا الإثبات بالبينة فيما كان يجب لإثباته بالكتابة (أ ) ... ( ب ) إذا فقد الدائن سنده الكتابى بسبب أجنبى لابد له فيه ‘‘ مما مفاده وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون أن هذا الإستئناء يفترض أن القواعد المتعلقة بالدليل الكتابى قد روعيت بيد أن الإثبات بالكتابة قد إمتنع بسبب فقد هذا الدليل ويشترط فى هذه الحالة أن يكون هذا الفقد راجعاً إلى سبب لا يد للمدعى فيه ، ’’ ومؤدى هذا أن يكون الفقد قد نشأ من جراء حادث جبرى أو قوة قاهرة علة هذا الشرط إلى الرغبة فى إستبعاد صور الفقد بسبب يتصل بفعل مدعى الدليل ( كإعداد الورقة ) لقطع السبيل على التواطؤ مع الشهود و بذلك لا يكون للمدعى أن يتمسك بأى سبب يرجع إلى فعله ولو كان هذا الفعل مجرد إهمال أو تراخ .

(الطعن رقم 502 لسنة 42 جلسة 1976/06/28 س 27 ع 1 ص 1444 ق 275)

12- متى كانت قيمة عقد البيع المؤرخ 1964/7/26 تجاوز العشرة جنيهات فإنه يتعين إثباته بالكتابة أو بما يقوم مقامها وإذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعن تمسك أمام محكمة الإستئناف بعدم جواز إثبات عقد البيع المنسوب إليه بالبينة ، وكان جواز إثبات العقد بالبينة فى حالة فقده يلزم معه إقامة الدليل على سبق وجود المحرر ومضمونه وأن فقده كان لسبب أجنبى لا يد للمطعون عليه فيه ، وإذ تبين من الحكم المطعون أن الذى سحب عقد البيع سند المطعون عليه من حافظته هو وكيل محاميه ولما كانت القرائن التى ساقها الحكم وإن صحت دليلاً على سبق وجود المحرر المذكور ومضمونه إلا أنها لا تؤدى إلى أن فقده كان بسبب أجنبى مما تعنيه المادة 403 فقرة ‘‘ ب ’’ من القانون المدنى - المنطبقة على واقعة الدعوى- وإذ أقام الحكم قضاءه على خلاف هذا النظر ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 502 لسنة 42 جلسة 1976/06/28 س 27 ع 1 ص 1444 ق 275)

13- لئن كان يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مانع أدبى إلا أنه لا يحل لمحكمة الموضوع أن تقرر من تلقاء نفسها بقيامه وتقضى بالإحالة إلى التحقيق لإثبات ما لا يجوز إثباته بالكتابة ، بل يجب على من يدعى وجود هذا المانع التمسك به ثم يكون للمحكمة بعد ذلك أن تقدر دفاعه وتجيز الإثبات بالبينه أو لا تجيزه .

(الطعن رقم 980 لسنة 47 جلسة 1981/02/25 س 32 ع 1 ص 657 ق 126)

14- مجال المانع الأدبى هو التصرفات القانونية ، ويترتب على ذلك أن المانع الذى يبرر قيامه ليس مطلقا وإنما هو نسبى لا يرجع إلى طبيعة التصرف بل إلى الظروف التى إنعقد فيها أو لحقته ، فصلة النسب مهما كانت درجتها لا تعتبر فى ذاتها مانعاً أدبياً يحول دون الحصول على سند كتابى بل المرجع فى ذلك إلى ظروف الحال التى تقدرها محكمة الموضوع . ومن ثم فإن تقدير قيام المانع الأدبى من المسائل التى تستقل بها تلك المحكمة بغير معقب متى كان ذلك مبنياً على أسباب سائغة .

(الطعن رقم 980 لسنة 47 جلسة 1981/02/25 س 32 ع 1 ص 657 ق 126)

15- يقصد بدعوى صحة التعاقد تنفيذ التزامات البائع التى من شأنها نقل ملكية المبيع إلى المشترى بالحصول على حكم يقوم تسجيله مقام التوقيع على العقد النهائى وكان عقد البيع من العقود التبادلية فلا يجبر البائع على تنفيذ التزامه متى دفع الدعوى بعدم قيام المشترى بتنفيذ التزامه بدفع الثمن وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنة قد تمسكت امام محكمة الموضوع بدرجتيها بأنه رغم النص فى عقد البيع على وفاء المشترين بالثمن إلا أن ذلك لم يتم لوجود مانع أدبى حال بينها والحصول على ورقة ضد ........وطلبت إحالة الدعوى إلى التحقيق فرد الحكم المطعون فيه على طلبها بأنه لا يجوز لها أن تثبت عدم الوفاء لها بالثمن على خلاف الثابت بالعقد وبأن قيمة التصرف تجاوز عشرين جنيها مخالفاً بذلك ما نصت عليه المادة 63 من قانون الأثبات من أنه "يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بدليل كتابى إذا وجد مانع مادى أو أدبى يحول دون الحصول على دليل كتابى"فحجب الحكم المطعون فيه نفسه عن إعمال سلطته فى تقدير الظروف التى ساقتها الطاعنة لقيام المانع الأدبى الذى تمسكت به وعن الإدلاء برايه فيما إذا كانت هذه الظروف تعتبر مانعة لها من الحصول على دليل كتابى على عدم الوفاء بالثمن ولم يرد على طلبها إحالة الدعوى للتحقيق فيكون معيباً بمخالفة القانون والقصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 535 لسنة 59 جلسة 1993/04/13 س 44 ع 2 ص 93 ق 156)

16- يجوز إثبات الغش - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بطرق الإثبات القانونية كافة شاملة البينة وإذ أسست الطاعنة دفاعها أمام محكمة الموضوع على ما هو ثابت بالأوراق أن المطعون ضده - بعد أن تسلم منها المبلغ الثابت بسند المديونية قام بتمزيق ورقة أوهمها أنها السند المذكور ، وكان هذا منه - فيما لو ثبت - يشكل إحتيالاً وغشاً يجوز إثباته بطريق الإثبات القانونية كافة شاملة البينة ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على أن ما تدعيه الطاعنة وفاء وهو بهذه المثابة تصرف قانونى لا يجوز إثباته إلا بالكتابة لا يواجه دفاع الطاعنة آنف الذكر و لا يصلح رداً عليه رغم أنه دفاع جوهرى من شأنه لو ثبت أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فيكون فضلاً عن خطئه فى تطبيق القانون قد شابه القصور فى التسبيب و الإخلال بحق الدفاع .

(الطعن رقم 648 لسنة 52 جلسة 1985/12/26 س 36 ع 2 ص 1209 ق 249)

17- إن وجود سند مكتوب لا يمنع من قيام المانع الأدبي الذي يحول دون الحصول على دليل كتابي إذا توافرت شروطه ومتى تحقق هذا المانع لدى المدين الذي يطعن على سند المديونية بالصورية فإنه يجوز إثبات ذلك بالبينة والقرائن .

(الطعن رقم 2522 لسنة 62 جلسة 1998/05/17 س 49 ع 1 ص 419 ق 102)

18- تنص المادة 382 من القانون المدني على أنه "لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبياً" وصلة القرابة مهما كانت درجتها، لا تعتبر فى ذاتها مانعاً أدبياً، بل يرجع فى ذلك إلى ظروف كل دعوى على حدة تستخلص منها محكمة الموضوع - بما لها من سلطة تقديرية - قيام أو انتفاء المانع الأدبي، دون معقب عليها فى ذلك، متى أقامت استخلاصها على أسباب سائغة لها أصل ثابت بالأوراق.

(الطعن رقم 416 لسنة 45 جلسة 1978/04/17 س 29 ع 1 ص 1015 ق 200)

19 -  المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن الاستئناف ينقل الدعوى إلى المحكمة الاستئنافية بحالتها التى كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف لما رفع عنه الاستئناف فيلتزم بالفصل في كافة الدفوع وأوجه الدفاع التى تمسك به المستأنف عليه أمام محكمة أول درجة سواء ما أغفلت الفصل فيه أو ما فصلت فيه لغير مصلحته دون حاجة لاستئناف فرعى منه شريطة أن يكون الحكم المستأنف قد قضى لصالحه بالطلبات محل الاستئناف وألا يكون قد تنازل عن التمسك بها صراحة أو ضمنا.كما أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن اغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلان الحكم إذا كان هذا الدفاع جوهريا ومؤثراً فى النتيجة التى انتهت إليها المحكمة ، إذ يعتبر ذلك الإغفال قصورا فى أسباب الحكم الواقعية يقتضى بطلانه وعلى ذلك فإذا طرح على المحكمة دفاع كان عليها أن تنظر فى أثره فى الدعوى فإن كان منتجا فعليها أن تقدر مدى جديته حتى إذا ما رأته متسما بالجدية مضت إلى فحصه لتقف على أثره فى قضائها فإن هى لم تفعل كان حكمها قاصراً وأن مفاد نص المادة 63 من قانون الإثبات أنه يجوز الاثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بدليل كتابى إذا وجد مانع أدبى يحول دون الحصول على دليل كتابي . " وكان المقرر - فى قضاء محكمة النقض- أن تقدير المانع الأدبي هو ما تستقل به محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة وأن صلة الزوجية وإن كانت لا تعتبر بذاتها مانعا لها يحول دون الحصول على سند كتابى إلا أنه يتعين أن يرجع فى ذلك إلى كل حالة على حدة طبقا لظروف الحال التى تقدرها محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت الطاعنة قد تمسكت فى مذكرتها المقدمة أمام محكمة أول درجة بجلسة 28/7/2010 أنها والمطعون ضده الأول قاما بشراء شقة النزاع بموجب عقد البيع المؤرخ 7/12/1999 ونظرا لوجود مانع أدبى هو قيام علاقة الزوجية بينهما آنذاك تم كتابة العقد باسمه فقط مما حال بينها وبين الحصول على دليل كتابى لإثبات تملكها لنصف الشقة وطلبت إحالة الدعوي للتحقيق لإثبات ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بطردها منها ورفض دفاعها المشار إليه على سند من أنها لم تقدم الدليل عليه وأنها لم تطلب تمكينها من إثباته بأي وسيلة ، على الرغم من أنها طلبت ذلك فحجب نفسه عن إعمال سلطته فى تقدير الظروف التى ساقتها لقيام المانع الأدبى الذى تمسكت به وعن الأدلاء برأيها فيما إذا كانت هذه الرابطة تعتبر مانعاً لها من الحصول على دليل كتابى فإنه يكون مشوبا بالقصور فى التسبيب بما يعيبه ويوجب نقضه . 

(الطعن رقم 1523 لسنة 83 ق - جلسة 4 / 2 / 2023)

 
شرح خبراء القانون

إستحالة حصول الدائن على كتابة :

إذا إستحال على الدائن الحصول على الكتابة ، فإنه يجوز له الإثبات بغير الكتابة (63 إثبات مصری) .

والإستحالة قد تكون مادية وقد تكون معنوية :

أ- الإستحالة المادية : وهي وجود مانع مادی يجعل الدائن لا يفكر أو لا يجد الوقت الكافي للحصول على كتابة لإثبات دينه. والمثال البارز لهذه الاستحالة هو حالة الوديعة الإضطرارية . فلو شب حريق في منزل ، أو أوشكت سفينة على الغرق أو حدث فيضان أو زلزال فسارع صاحب مال بإعطائه لأخر لإنقاذه ، فإنه يستطيع إثبات هذه الوديعة بشهادة الشهود .

ب- الإستحالة المعنوية : وهي وجود ما يمنع الدائن من الناحية الأدبية من طلب ورقة مكتوبة من المدين تثبت حقه . ومن هذه :

1- رابطة القرابة : تعتبر رابطة القرابة مانعاً أدبياً ولو لم تكن بين الأصول والفروع . فلو كان شخص يسكن لدى خاله الذي يتولى تربيته ورعايته ، فإن القرابة بينهما تحول أدبياً دون التعامل بينهما بأوراق مكتوبة .

2- رابطة الزوجية : فالمودة بين الزوجين تحول عادة دون الحصول على الكتابة من أحدهما في مواجهة الآخر . ومثل رابطة الزوجية يمكن أيضاً أن تعتبر رابطة الخطبة خاصة إذا كانت قد استمرت فترة من الوقت .

3- العادة المتبعة في بعض المهن أو المعاملات : ومن هذا القبيل أن العادة تجري على أن الطبيب لا يتفق على أتعابه كتابة مع من يعالجه، أو حائك الملابس مع عميله . ومن ناحية أخرى ، فإن العادة تجري على أن يضع الشخص سيارته بحظيرة السيارات دون أخذ إيصال ، ورب الأسرة يعطى الخادم أجره دون سند إيصال . كذلك تجرى العادة على ترك النزيل لحقائبه في الفندق دون دليل كتابي. وفي جميع هذه الأحوال تكون العادة مانعاً معنوياً تحول دون الدائن - من الناحية الأدبية - والمطالبة بورقة مكتوبة تثبت حقه . فله الإثبات بشهادة الشهود أو القرائن .

وسواء كان المانع مادياً أو أدبياً ، فإن على من يدعيه أن يثبته . وله إثباته - بإعتباره واقعة مادية - بكافة طرق الإثبات ومنها الشهادة والقرائن . ومن ناحية أخرى ، فإن تقدیر وجود المانع وتقدير أثره يعود إلى سلطة قاضى الموضوع التقديرية بغير رقابة من محكمة النقض . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة :  193 )

ويتبين من نص التقنين المدنى المصرى أنه جمع بين حالتين تتميز إحداهما عن الأخرى ، وإن كانتا تشتركان من ناحية قيام المانع فى كل منهما :

1 - حالة قيام المانع من الحصول على الكتابة .

 2- حالة قيام المانع من تقديم الكتابة بعد الحصول عليها ، وذلك لفقدها بسبب أجنبى .

1- قيام المانع من الحصول على الكتابة :

المانع المادى والمانع الأدبى : إذا وجد مانع من الحصول على الكتابة لإثبات تصرف قانونى كان الواجب إثباته بالدليل الكتابي ، فلا مناص من النزول عند حكم الضرورة ، والسماح بالبينة والقرائن تحل محل الكتابة فى إثبات هذا التصرف . والمانع وفقاً لنص المادة 63  بند 1   إما أن يكون مانعاً مادياً أو مانعاً أدبياً .

وفى الحالتين – قيام المانع المادى أو قيام المانع الأدبى – يجوز الإثبات بالبينة والقرائن :  1-  فيما تزيد قيمته على عشرة جنيهات .  2-  فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها .  3-  فى كل عقد يتطلب القانون أن يكون إثباته بالكتابة ولم لم تزد قيمته على عشرة جنيهات ، كالصلح والكفالة . أما العقد الشكلى الذي لا ينعقد إلا بورقة رسمية ، كالهبة والرهن الرسمى ، فلا يثبت ، بل لا يوجد ، بغير هذه الورقة الرسمية . وقد مر بيان ذلك عند الكلام فى مبدأ الثبوت بالكتابة  والبينة والقرائن ، فى الصور الثلاث المتقدم ذكرها ، لا تكمل الدليل الكتابى كما كان الأمر فى مبدأ الثبوت بالكتابة – بل تحل محل هذا الدليل لقيام الضرورة .

والمانع ، مادياً كان أو أدبياً ، واقعة مادية يكلف بإثباتها الخصم الذي يدعيها ، وله أن يثبتها بالبينة والقرائن ، فيجب إذن على الخصم أن يثبت أولا قيام المانع ، ثم يثبت بعد ذلك التصرف القانونى المدعى ، ويثبت هذا وذاك بجميع الطرق .

وأيا كان المانع ، مادياً أو أدبياً ، فإن تقديره موكول إلى قاضى الموضوع وهو لا يخضع فى ذلك إلى رقابة محكمة النقض ، ما دام يورد في أسباب حكمه الواقعة التى اعتبرها مانعاً ، ويبين لماذا أضفى عليها هذا الاعتبار . فإن أتى فى ذلك بما هو مستساغ معقول ، حمل تكييفه على الصحة ، وإلا صار ما اعتبره من ذلك كأنه منتزع من غير دليل    .

ونستعرض الآن كلاً من المانعين : المادى و المانع الأدبى .

المانع المادى

- أمثلة على المانع المادى : لم يورد التقنين المدنى الجديد ، ولا التقنين المدنى السابق ، أمثلة على المانع ، مادياً كان أو أدبياً ، كما فعلت بعض التقنينات الأخرى . ونورد هنا بعض ما أوردته هذه التقنينات ، وما أخذ به القضاء والفقه من حالات المانع المادى .

فقد نص التقنين المدنى الفرنسى  م 1348  على بعض هذه الحالات على سبيل التمثيل . فذكر :  1- الإلتزامات التى تنشأ من شبه العقد أو الجريمة أو شبه الجريمة .  2-  الوديعة الاضطرارية التى تقع فى حالات الحريق والتهدم والاضطرابات والغرق ، وكذلك وديعة النزيل في الفندق ، وذلك كله وفقا لصفة الشخص ولظروف الواقع .  3-  الالتزامات المعقودة عند نزول أحداث غير منظورة لم يكن يستطاع معها كتابة ورقة .

ونص قانون البينات السورى  م 57   على حالتين :

1-  ألا يوجد من يستطيع كتابة السند  .

2 - أن يكون طالب الإثبات شخصا ثالثاً لم يكن طرفاً فى العقد .

ونص التقنين المدنى العراقى  م 491   على حالة واحدة هى ألا يوجد من يستطيع كتابة السند .

ويضيف الفقه – والقضاء حالات أخرى . منها عيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه واستغلال . ومنها الاحتيال على القانون ، والسبب غير المشروع ، ومنها الصورية بالنسبة إلى الغير وفيما بين المتعاقدين . ومنها ما جرت العادة أن يعتبر الحصول على دليل كتابى فيه متعذراً .

وننبه بادئ ذى بدء إلى أن هذا كله لم يذكر على سبيل الحصر ، بل على سبيل التمثيل . فيجوز أن توجد إلى جانب هذه الحالات حالات أخرى يقوم فيها المانع المادى من الحصول على دليل كتابى ، بل قد تجد حالات لم تكن موجودة من قبل .

  ونقتصر هنا على تنسيق الأمثلة التي قدمناها وترتيبها ، حتى تتحدد من وراء ذلك فكرة المانع المادى .

ويمكن تقسيم ما قدمناه من الحالات إلى طوائف سته :

1-  الإلتزامات التى تنشأ من مصدر غير عقدى ، وعيوب الإرادة والذى يجمع بين هذه الحالات أنها جميعها فى الواقع من الأمر ليست تصرفات قانونية ، بل هى وقائع مادية ، فهى ليست استثناء من قاعدة وجوب الدليل الكتابى .

2-  أن يكون طالب الإثبات غير طرف فى التصرف القانونى وما يتصل بذلك من الصورية .

3- الإحتيال على القانون والسبب غير المشروع .

4-  الودائع الاضطرارية ، ويلحق بها ، بالنسبة إلى البلاد التى لم تنتشر فيها الكتابة انتشاراً كافياً ، ألا يوجد من يستطيع كتابة السند . 

5- الأحداث غير المنظورة بوجه عام .

6-  ما جرت به العادة .

الإلتزامات غير العقدية وعيوب الإرادة : يذكر التقنين المدنى الفرنسى  م 1348  بين حالات المانع المادى مصادر الإلتزامات غير العقدية ، ويعددها على الوجه الذي اختاره فى ترتيب هذه المصادر : شبه العقد والجريمة وشبه الجريمة . ونلاحظ فى هذا الصدد أمرين :  أولاً  لو فرضنا جدلاً أن مصادر الإلتزام غير العقدى تصرفات قانونية ، فإن المانع هنا من الكتابة ليس مانعاً خاصاً فى حالة بالذات ، بل هو مانع عام فى جميع هذه الحالات دون تمييز ما بين حالة وحالة . وعندنا أن المقصود بقيام المانع أن يكون هذا المانع ذاتياً يقوم فى حالة بالذات ، لا أن يكون مانعاً موضوعياً يقوم بالنسبة إلى طائفة من الحالات فى جميع أفرادها  .

 ثانياً وقبل ذلك ، يجب أن يلاحظ أن المصادر غير العقدية للإلتزام ليست تصرفات قانونية إطلاقاً بل هى وقائع مادية ، وقد رأينا أن الدليل الكتابى إنما وضع للتصرفات القانونية دون الوقائع  المادية أما هذه فالأصول فيها أن يكون إثباتها بجميع الطرق ، ويدخل فى ذلك البينة والقرائن والمعاينة كما قدمنا . فلم يكن التقنين المدنى الفرنسى فى أية حاجة إلى إستثناء المصادر غير العقدية من قاعدة وجوب الإثبات بالدليل الكتابى ، فهى فى الأصل لم تدخل فى هذه القاعدة حتى تستثنى الظاهرى ، وأحسن التقنين المصرى فى تجنب متابعته فى هذا الخطأ .

وإذا رتبنا مصادر الإلتزام غير العقدية الترتيب الحديث ، وقلنا أنها العمل غير المشروع والإثراء بلا سبب والقانون ، وجدنا أن العمل غير المشروع يكون دائماً عملاً مادياً له أركان ثلاثة ، هى الخطأ والضرر وعلاقة السببية ، وكل ركن من هذه يعتبر واقعة مادية يجوز إثباتها بالبينة والقرائن . على أن هناك أعمالاً غير مشروعة تقوم على أساس عقود مدنية ، كجريمة التبديد فهذه يجب فى إثباتها إثبات العقد المدنى الذي تقوم عليه ، ولا بد فى إثبات العقد المدنى من مراعاة  قواعد الإثبات المتعلقة بالتصرفات القانونية ، فلا يجوز إثبات ما تزيد قيمته على عشرة جنيهات بالبينة أو القرائن ، سواء فى ذلك كانت المحكمة محكمة مدنية أو محكمة جنائية ، وقد مر ذكر ذلك .

أما فيما يتعلق بالإثراء بلا سبب ، فالوفاء بغير المستحق يكون عادة تصرفاً قانونياً ، لا يجوز إثباته بالبينة أو القرائن إذا زاد المبلغ الموفى به على عشرة جنيهات والفضالة ، بالنسبة إلى رب العمل ، هى واقعة مادية يجوز إثباتها بالبينة والقرائن . ولكن الفضولى قد يبرم ، فيما يأتيه من أعمال الفضالة ، تصرفاً قانونياً مع الغير ، ففيما بينه وبين هذا الغير لا يثبت هذا التصرف إلا وفقاً لقواعد الإثبات فى التصرفات القانونية . وهذا التصرف نفسه يعتبر ، بالنسبة إلى رب العمل ، واقعة مادية يجوز له إثباتها بجميع الطرق . وأعمال الإثراء بلا سبب الأخرى تكون غالباً أعمالاً مادية يجوز إثباتها بالبينة والقرائن ، كالبناء والغراس ، ولكن يقع فى بعض الأحوال أن تكون تصرفات قانونية كمن يوفى دين غيره ويرجع على المدين ، ففى هذا الرجوع تراعى قواعد الإثبات فى التصرفات القانونية .

أما الوقائع المادية التى ينص القانون على أنها تنشئ التزامات ، فإن إثباتها جائز بجميع الطرق على أنه يلاحظ أن القرابة لها فى الغالب طرق إثبات خاصة ، وأن الجوار يثبت عادة بالمعاينة .

ثم يذكر الفقه ، فيما يجوز إثباته بالبينة والقرائن لقيام المانع المادى ، عيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه وإستغلال . ولكن هذه أيضاً وقائع مادية ، لا معنى لإستثنائها من قاعدة لا تسرى إلا على التصرفات القانونية صحيح أن هذه العيوب تلتصق بالإرادة ، أى بالتصرف القانونى ، ولكن التصرف القانونى فى ذاته يثبت وفقاً للقواعد العامة ، ومن يدعى وجوده عليه أن يثبته ، فإذا ثبت وجوده كان على من يدعى أن التصرف شابه عيب من هذه العيوب أن يثبت ذلك ، ويجوز له أن يثبت هذا العيب بالبينة والقرائن لأنه واقعة مادية كما قدمنا .

طالب الإثبات ليس طرفاً فى التصرف القانونى ، فإذا استبعدنا ما قدمناه من الوقائع المادية ، واقتصرنا على التصرفات القانونية ، وجب أن نقصر دائرة تطبيق الدليل الكتابى على العلاقة فيما بين طرفي التصرف فالدليل الكتابى غير مطلوب إلا فى هذا النطاق . أما الغير الذي لم يكن طرفاً فى التصرف ، فله أن يثبته ، إذا دعته مصلحة مشروعة إلى هذا الإثبات ، بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن . وليس ذلك راجعاً ، فى نظرنا ، إلى قيام مانع مادى حال دون حصول الغير على الكتابة المثبتة للتصرف . لا شك فى أن هذا المانع المادى موجود ، ولكنه مانع عام يوجد في كل حالة يكون طالب الإثبات فيها من الغير بالنسبة إلى التصرف القانونى ، وقد قدمنا أن المانع يجب أن يكون خاصاً يوجد فى حالة بالذات والعلة ، فى نظرنا ، فى أن نبيح للغير أن يثبت تصرفاً قانونياً ليس طرفاً فيه بجميع الطرق ، هى أن هذا التصرف بالنسبة إليه يعتبر واقعة مادية ، والواقعة المادية يجوز إثباتها بجميع الطرق .

وقد رأينا أن الشفيع يستطيع إثبات البيع الذي يأخذ فيه بالشفعة بجميع الطرق ، لأنه من الغير ، فيعتبر البيع بالنسبة إليه واقعة مادية ورأينا فى الفضالة أن الفوضى فى أعمال فضالته قد يبرم تصرفاً قانونياً مع الغير ، فلرب العمل ، إذا إقتضى الأمر ، أن يثبت هذا التصرف بجميع الطرق ، لأنه لم يكن طرفاً فى هذا التصرف ، فيعتبر التصرف بالنسبة إليه واقعة مادية . وقد يتعاقد صاحب المصنع من أحد الفنيين ، فيأتى مصنع منافس ويستخدم هذا الفنى قبل إنتهاء خدمته فى المصنع الأول ، فإذا رجع صاحب المصنع الأول على صاحب المصنع الآخر بتعويض ، وطولب أن يثبت عقد إستخدام المصنع الآخر لهذا الفنى ، كان له أن يثبت هذا العقد بجميع الطرق ، لأنه ليس طرفا فيه ، فيعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية . والحاجز على مال مدينة قد يضطر إلى إثبات ملكية المدين للمال المحجوز عليه بمقتضى تصرف قانونى لم يكن طرفاً فيه ، فيثبت هذا التصرف بجميع الطرق ، إذ هو بالنسبة إليه واقعة مادية . والحاجز على مال مدينة قد يضطر إلى إثبات ملكية المدين للمال المحجوز عليه بمقتضى تصرف قانونى لم يكن طرفياً فيه ، فيثبت هذا التصرف بجميع الطرق ، إذ هو بالنسبة إلى واقعة مادية . ويمكن القول إذن بوجه عام أن كل شخص لم يكن طرفاً فى تصرف قانونى ، وكانت له مصلحة فى إثبات هذا التصرف ، يجوز له الإثبات بجميع الطرق ، لأن التصرف يعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية .

كذلك يستطيع الغير ، فى تصرف قانونى مكتوب ، أن يثبت بجميع الطرق ما يخالف الكتابة أو يجاوزها ، لأن التصرف يعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية . والمثل البارز لذلك هو الصورية . فالعقد الصورى ، فيما بين المتعاقدين ، تصرف قانوني لا يجوز إثبات ما يخالفه - أى إثبات الصورية - إذا كان العقد مكتوباً ، إلا بالكتابة. أما بالنسبة إلى الغير ، فيجوز له هذا الإثبات بجميع الطرق ، لأن العقد الصورى بالنسبة إليه يعتبر واقعة مادية ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .

الإحتيال على القانون والسبب غير المشروع : فإذا اقتصرنا على العلاقة فيما بين طرفي التصرف القانونى ، أمكن أيضاً أن نتصور جواز أن يثبت أحد الطرفين التصرف القانونى بجميع الطرق ، لا لأن التصرف يعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية فهو تصرف قانونى بالنسبة إلى كل من الطرفين ، بل لأن هناك سبباً غير مشروع ، كرباً فاحش أو مقامرة ، يراد إخفاؤه احتيالاً على القانون . وقد قدمنا أن الإحتيال على القانون يبيح الإثبات بجميع الطرق ، فهو مبدأ عام يضاهى فى عمومه مبدأ قيام المانع ، ولا يتفرغ عنه . ولذلك يجب ألا نخلط ما بين المبدأين وقد سبق أن عالجنا مبدأ الإحتيال على القانون وكيف يجيز الإثبات بالبينة والقرائن .

الودائع الإضطرارية وما يلحق بها : وننتقل الآن إلى النطاق الحقيقي لقيام المانع . فهو دائرة العلاقة بين طرفي التصرف القانونى فيما ليس فيه احتيال على القانون ، وذلك بعد أن استبعدنا من هذا النطاق الواقعة المادية فهي ليست بتصرف قانوني ، واستبعدنا الغير الذي يعتبر التصرف القانونى بالنسبة إليه واقعة مادية ، واستبعدنا الإحتيال على القانون وهو يبيح كمبدأ عام مستقل الإثبات بجميع الطرق . وننظر ، فى حدود هذا النطاق الحقيقى ، كيف يحول المانع المادى دون الحصول على الدليل الكتابي .

ونواجه أول ما نواجه الوديعة الإضطرارية  وما يلحق بها . فهنا يقوم مانع مادى يتعذر معه الحصول على الكتابة لإثبات التصرف .

فمن فوجئ بخطر الحريق أو النهب أو الاضطراب أو التهدم أو الغرق أو نحو ذلك ، فبادر إلى إنقاذ متاعه من هذه الأخطار بإيداعه عند الغير ، لا يجد من الوقت ولا من الظروف التي أحاطت به متسعاً للحصول من المودع عنده على دليل كتابى بالوديعة إذا زادت قيمتها على عشرة جنيهات . وبحسبه أن وجد من يستودعه متاعه فى هذه الظروف الحرجة فإذا زال الخطر وأراد إسترداد متاعه ، وأنكر المودع عن الوديعة ، كان على المودع أن يثبت أولا قيام المانع من الحصول على الدليل الكتابي ، أى الخطر الذي كان يتهدده وهذه واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ثم يجوز له بعد ذلك أن يثبت بالبينة والقرائن عقد الوديعة ذاته .

ويلحق بالوديعة الاضطرارية وديعة النزيل في الفندق لأمتعته . فقد شبه التقنين المدنى الفرنسى  م 1348 وم 1352  هذه الوديعة بالوديعة الاضطرارية ، من حيث قيام المانع المادى من الحصول على دليل كتابى . أما التقنين المدنى المصرى فقد سكت عن ذلك ، وترك المسألة للقواعد العامة . وقد نصت المادة 727  من التقنين المدنى على أن " 1- يكون أصحاب الفنادق والخانات وما ماثلها ، فيما يجب عليهم من عناية بحفظ الأشياء التى يأتى بها المسافرون والنزلاء ، مسئولين حتى عن فعل المترددين على الفندق أو الخان . 2- غير أنهم لا يكونون مسئولين ، فيما يتعلق بالنقود والأوراق المالية والأشياء الثمينة ، عن تعويض يجاوز خمسين جنيهاً ، ما لم يكونوا قد أخذوا على عاتقهم حفظ هذه الأشياء وهم يعرفون قيمتها ، أو يكونوا قد رفضوا دون مسوغ أن يتسلموها عهدة فى ذمتهم ، أو يكونوا قد تسببوا فى وقوع الضرر بخطأ جسيم منهم أو من أحد تابعيهم " . وظاهر من هذا النص أن مسئولية صاحب الفندق العقدية ، بمقتضى عقد الوديعة ، تختلف عن مسئولية التقصير . فهو مسئول مسئولية عقدية ، بمقتضى عقد الوديعة ، عن المحافظة على الأمتعة التي يأتي بها النزيل . وإثبات عقد الوديعة فى هذه الحالة يكون بجميع الطرق ، لقيام مانع مادى من الحصول على الكتابة . ونلاحظ منذ الآن أن المانع المادى أخذ هنا يتخفف من حدته ، فلم يعد مانعاً مادياً يجعل الحصول على الدليل الكتابى متعذراً كما كان الأمر فى الوديعة الاضطرارية ، بل هو مانع مادى يجعل الحصول على الدليل الكتابي غير مألوف ويتعارض مع ظروف الإيداع . ويقدر ما يتخفف المانع  المادى هنا من حدته ، بقدر ما يفقد من صبغة الخصوص فيه ، ويقرب من أن يكون مانعاً عاماً لا يختص بحالة دون حالة ، لولا أن وديعة نزيل الفندق هى ذاتها حالة متخصصة بين الودائع بوجه عام . وهنا أيضاً تتسع الثغرة فى قاعدة الدليل الكتابى لتترك مجالاً غير ضيق للإثبات بالبينة . أما فيما يختص بالنقود والأوراق المالية والأشياء الثمينة فمسئولية صاحب الفندق العقدية ، بمقتضى عقد الوديعة الذي يثبت بالبينة والقرائن ، لا تجاوز خمسين جنيهاً مصرياً . فإن جاوز الضرر هذا المبلغ ، تحولت مسئولية صاحب الفندق إلى مسئولية تقصيرية ، أو بقيت عقدية على حسب الأحوال . وعلى النزيل أن يثبت أحد أمور ثلاثة :  1-  عقد وديعة خاصة ، يتعهد بمقتضى صاحب الفندق بالمحافظة على النقود والأوراق المالية والأشياء الثمينة وهو عارف قيمتها . وهذا العقد لا يجوز فى إثبات البينة أو القرائن لأن قيمته تزيد على عشرة جنيهات .  2-  خطأ من صاحب الفندق ، هو أنه رفض دون مسوغ أن يتسلم النقود أو الأوراق المالية أو الأشياء الثمينة عهدة فى ذممته . وهذا الخطأ واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق .  3-  خطأ جسيماً من صاحب الفندق أو من أحد تابعيه ، أياً كان هذا الخطأ ، ولكن لا يكفى أن يكون خطأ عادياً بل أن يكون جسيماً . وهذا الخطأ أيضاً واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق  .

وينص كل من قانون البينات السوري  م 57   والتقنين المدني العراقي  م 491 صراحة على أنه " يعتبر مانعاً مادياً ألا يوجد من يستطيع كتابة السند " .

وهنا أيضاً يزداد المانع المادى تخففاً من حدته . فيصبح للعرف والبيئة دخل فى تقديره . ففى البلاد التى لم تنتشر فيها الكتابة إنتشاراً كافياً قد يتعذر في بعض الأحوال العثور على شخص يستطيع كتابة السند الذي يراد إعداد كدليل كتابى على التصرف القانونى المعقود . فيقدر القاضى ظروف البيئة فى كل مسألة بالذات ، ليرى إذا كان حقاً قد تعذر العثور على من يكتب السند ، فيقضى بقيام المانع المادى ويرخص فى الإثبات بالبينة . وطالب الإثبات بالبينة هو الذي يحمل  عبء إثبات تعذر العثور على من يكتب السند فى الظروف التى انعقد فيها التصرف القانونى ، ويستطيع إثبات ذلك بالبينة والقرائن لأنه إنما يثبت واقعة مادية . ونلاحظ أن المانع المادى هنا هو مانع خاص ذاتى ، لا مانع عام موضوعى . ولا يعتد به إلا فى القوانين التى تنص عليه . ففى التقنين المصرى ، حيث لا نص ، لا يكون هذا مانعاً يسوغ الإثبات بالبينة والقرائن .

الأحداث غير المنظورة بوجه عام : وقد أضاف التقنين المدنى الفرنسى  م 1348 بند 3 عبارة عم بها ظروف الودائع الاضطرارية ، فأجاز الإثبات بالبينة " عند نزول أحداث غير منظورة لم يكن يستطاع معها كتابة ورقة " . ويجب أن تكون النازلة غير منظورة ، وأن تكون جسيمة بحيث تجعل التعاقد على الإلتزام أمراً بلغ حداً من الاستعجال لا يتسع معه الوقت للحصول على سند كتابى . فالقرض الذي يعطى لإسعاف أحد الجنود في جيش يتقهقر منهزماً ، وإقراض شخص مالا طرأت الحاجة إليه وهو على وشك السفر ، أو وهو مصاب فى حادث لم يكن يتوقعه ، وإيداع السيارة فى مكان عام حيث لا يوجد من الحراس عدد كاف لتسلم جميع السيارات المودعة، وإصابة المودع بشلل فجائى اضطر معه للإنتقال إلى المستشفى قبل الحصول على سند كتابى ، وإيداع صندوق بداخله نقود أثناء قيام البوليس بالتفتيش ، كل هذه حالات يجوز فيها الإثبات بالبينة والقرائن لقيام المانع المادي الذي يخول دون الحصول على سند كتابى ويقدر القاضى كل حالة على حدتها ، ليرى هل هناك مانع مادي ، فالمانع إذن خاص ذاتى ، لا عام موضوعى .

ما جرت به العادة : وهنا يتخفف المانع المادى من حدته إلى حد أقصى ، ويزداد إتساع الثغرة فى قاعدة الدليل الكتابى إذ لا يكون المانع  المادى راجعاً إلى التعذر أصلاً ، بل إلى مجرد ما جرت به العادة وألفته الناس فى التعامل . وفى هذا خرق واسع تحدثه البينة فى نطاق الدليل الكتابى ويزيد فى خطورة الأمر أن المانع يبدأ فى التحول من مانع ذاتى إلى مانع موضوعى ، لولا بقية من الذاتية هى التى تركت لتقدير القاضي لينظر فى كل حالة على حدة هل جرت العادة فى مثلها ألا يؤخذ سند كتابى .

وقد جرت العادة ألا يأخذ السيد من خادمه دليلاً كتابياً على ما يعهد إليه به من مال أو متاع وجرت عادة أصحاب الفنادق والمطاعم والمقاهى ألا يأخذوا دليلاً كتابياً على ما يقدمون إلى عملائهم من خدمة ومأكل ومشرب . وجرت عادة التجار ألا يأخذوا دليلاً كتابياً على ما يرسلوا إلى المنازل من سلع . وجرت العادة فى الأسواق أن تجرى المبايعات بالشروط المألوفة دون كتابة ، فإذا خرجت الشروط عن نطاق المألوف دونت فى ورقة مكتوبة .

ويختلط المانع المادى هنا بالمانع الأدبى الذى سنراه فى عرف بعض المهن . ومن الفقهاء من يميز بين عادة عامة تجرى بين فريق كبير من الناس بحيث تعتبر قاعدة قانونية مصدرها العرف ، وهذا هو المانع المادى ، وبين عادة خاصة جرى عليها شخصان فى التعامل فيما بينهما ، مما يمكن إعتباره دليلاً على وجود صلة متينة بين المتعاملين تمنع من الحصول على سند مكتوب ، وهذا هو المانع الأدبى وفى رأينا أن المانع المادى و المانع الأدبى يتلاقيان عند العادة ، ويصعب هنا الفصل فيما بينهما فصلاً دقيقاً . فالعادة من حيث إنها تضع قاعدة مألوفة للسلوك المتبع يتعذر معها الحصول على دليل كتابى تكون مانعاً مادياً ، ومن حيث إنها تتغلغل فى النفوس إلى حد يحجم معه المتعاملون من طلب دليل كتابى تكون مانعاً أدبياً .

ب - المانع الأدبى

تقدير المانع الادبى موكول لقاضى الموضوع - اتساع الثغرة فى الدليل الكتابى : وقد يكون المانع أدبياً غير مادي . وتقدير ذلك - كما هو الأمر فى المانع المادى - موكول للقاضى . وتقديره موضوعى لا معقب عليه لمحكمة النقض    كما تقدم القول . ويميل القضاء إلى التوسع فى الموانع الأدبية ، فتتسع بذلك إلى حد بعيد الثغرة فى قاعدة الدليل الكتابى . ويساعد على ذلك أن القضاء لا يميل إلى تحديد ما هو المانع الأدبى ، فيترك القاضى حراً فى تقدير كل حالة على حدتها ، فيحد من صرامة وجوب الحصول على سند مكتوب بعد هبوط قيمة العملة وصعود مستوى الأسعار    .

وأكثر ما ترجع الموانع الأدبية - وفقاً لأحكام القضاء - إلى أمور ثلاثة :  1-  الزوجية والقرابة  2-  علاقة الخدمة  3-  العرف المتبع فى بعض المهن .

الزوجية والقرابة : كثيراً ما تقوم علاقة الزوجية أو القرابة مانعاً أدبياً يحول دون الحصول على الدليل الكتابي الذي يتطلبه القانون . فإذا أثبت الخصم هذه العلاقة ، وقرر القاضى ، وفقاً لظروف كل حالة وملابساتها - ومن ثم يكون المانع الأدبى خاصاً ذاتياً لاعاماً موضوعياً - أنها علاقة كافية لتقوم مانعاً أدبياً يحول دون الحصول على الدليل الكتابى ، أباح للخصم الإثبات بالبينة والقرائن بدلاً من الكتابة .

فعلاقة الزوجية قد تحول - وفقاً لظروف كل حالة - دون الحصول على دليل كتابي لإثبات قرض ما بين الزوجين ، أو لإثبات الوفاء بالدين ، أو لإثبات أى تصرف قانونى آخر وكعلاقة الزوجية علاقة المصاهرة .

هذا وقد اختارت بعض التقنينات العربية أن تحدد متى تعتبر صلة القرابة والزوجية مانعاً أدبياً ، فحولت بذلك هذه الصلة من مانع خاص ذاتى إلى مانع عام موضوعى . من ذلك أن نص قانون البينات السورى  م 57  على أنه " تعتبر مانعاً أدبياً القرابة ما بين الزوجين ، أو ما بين الأصول والفروع أو ما بين الحواشى إلى الدرجة الثالثة ، أو ما بين أحد الزوجين وأبوي الزوج الآخر " .  ونص أيضاً تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى  م 242  على أنه " يكتفى بمجرد الإستحالة المعنوية ، وهى تنشأ خصوصاً عن العرف المتبع فى بعض المهن ، أو علاقات القربى ما بين الأصول والفروع أو عن الروابط الزوجية " . ونص أخيراً التقنين المدنى العراقى  م 491  على جواز الإثبات بالشهادة فيما كان يجب إثباته بالكتابة " إذا كان العقد مبرماً ما بين الزوجين ، أو ما بين الأصول والفروع ، أو ما بين الحواشى إلى الدرجة الرابعة ، أو ما بين أحد الزوجين وأبوي الزوج الآخر .

علاقة الخدمة : والعلاقة ما بين المخدوم والخادم قد لا تسمح ، تبعاً للظروف ، بالحصول على الدليل الكتابى . فخدمة المنازل لا يستطيعون عادة تقديم دليل كتابي على مقدار أجورهم وشروط خدمتهم  ، ولا على ما قدموه لحساب المخدوم من مبالغ صرفوها في الشؤون المنزلية  .

وكذلك العلاقة ما بين رب العمل والعامل قد لا تسمح هى أيضاً ، تبعاً للظروف ، بأن يكون هناك دليل كتابى . مثل ذلك العلاقة ما بين صاحب المصنع وعامله ، والعلاقة ما بين رب العمل وكاتبه ، والعلاقة ما بين والد التلميذ والمعلم ، والعلاقة ما بين خادم الفندق ومخدومه .

عرف بعض المهن : وتقضى الظروف فى بعض المهن ألا يكون هناك دليل كتابي على التعامل . ويتحقق ذلك بنوع خاص فى مهنة الطب ، فإن الطبيب فى أكثر الظروف لا يحصل على دليل كتابى من المريض بما اتفقا عليه من أجر للعلاج . بل قد لا يتفقان أصلاً على الأجر ، ويطلب الطبيب أجره بعد ذلك وفقاً للعرف الجارى ، دون أن يطلب منه تقديم دليل كتابى فيما يزيد على عشرين جنيهاً .

وحائك الملابس لا يأخذ عادة ورقة مكتوبة من عميله ، فيجوز له إثبات حقه فى ذمة العميل بالبينة والقرائن ، حتى لو زادت القيمة على عشرة جنيهات . وله أن يستعين فى ذلك بدفاترة التجارية وفقاً لقواعد الإثبات الخاصة بهذه الدفاتر .

وقد أشرنا فيما قدمناه كيف يلتقى المانع المادى و المانع الأدبى فيما يقضى به العرف فى كثير من الأحوال من جواز الإثبات بالبينة وبالقرائن .

قيام المانع من تقديم الكتابة لفقدها بسبب أجنبى

نطاق تطبيق القاعدة : رأينا ، فيما قدمناه ، قيام مانع مادى أو أدبى يحول دون الحصول على دليل كتابى ، فجاز الإثبات بالبينة والقرائن نزولاً عند حكم الضرورة . أما هنا ، فقد حصل الدائن على الدليل الكتابى الذى يقضى به القانون ، ولكنه بعد حصوله على هذا الدليل فقده لسبب أجنبي لا يد له فيه . فمكان الضرورة فى هذه الحالة أكثر وضوحاً ، لأن الدليل الكتابى قد وجد فعلاً ولكنه ضاع بغير تقصير من الدائن . لذلك يجوز عندئذ أن تحل البينة والقرائن محل الدليل الكتابى لإثبات :

 1- ما تزيد قيمته على عشرة جنيهات .

 2- ما يخالف الكتابة أو يجاوزها .

 3 - أى عقد يشترط القانون أن يكون إثباته بالكتابة ولو لم تجاوز قيمته عشرة جنيهات كالصلح والكفالة .

 4 - أى عقد شكلي ، كالهبة والرهن الرسمي على التفصيل الذي سنورده فيما يلى . وفى هذا تختلف هذه القاعدة عن القاعدة السابقة ، فقد رأينا أن قيام المانع لا يجيز إثبات العقد الشكلى بالبينة والقرائن   .

أمور ثلاثة يجب إثباتها : ومن يدعى أنه حصل على سند مكتوب ثم فقده بسبب أجنبى ، عليه أن يثبت أموراً ثلاثة :

1-  أنه كان قد حصل فعلا على سند مكتوب . ويجوز أن يثبت ذلك بجميع الطرق ، لأنه إنما يثبت واقعة مادية    .

2- وأن هذا السند قد فقد . وهذه أيضاً واقعة مادية يجوز إثباتها بالبينة بالقرائن   .

3- وأن فقد السند كان بسبب أجنبى لا يد له فيه ، كسرقة أو حريق أو نحو ذلك من الحوادث التى لم يكن يتوقعها . وهذه أيضاً واقعة مادية يجوز له إثباتها بالبينة والقرائن ويلاحظ هنا أمران  أولهما  أن السبب الأجنبى لا يتشدد فيه التشدد الذى رأيناه فى المسئولية ، فيكفى أن يثبت صاحب السند أنه لم يقصر فى المحافظة عليه حتى يعتبر أنه فقد السند بسبب أجنبى   . والثانى  أن إثبات السبب الأجنبي قد يتضمن فى الوقت ذاته إثبات فقد السند فإذا أثبت  شخص مثلاً أن حريقاً لا يد له فيه التهم منزله ، ولم يستطع انتشال أوراقه ومستنداته فإحترقت جميعها ، كان فى هذا إثبات السبب الأجنبي وإثبات عقد السند المكتوب ما دام قد أثبت أن أوراقه قد احترقت جميعها  .

فإذا استطاع الخصم إثبات هذه الأمور الثلاثة - وكلها يمكن إثباتها بجميع الطرق لأنها وقائع مادية كما رأينا - كان له بعد ذلك أن يثبت الحق الذى يدعيه بالبينة والقرائن ، حتى لو زادت قيمته على عشرة جنيهات ، وحتى لو خالف بهذا الإثبات أو جاوز ما هو ثابت بالكتابة   .

التوسع فى القاعدة والتضييق منها : وقاعدة فقد السند بسبب أجنبى يوسع فيها تارة ويضيق منها تارة أخرى .

يوسع فيها ، فيجوز إثبات تصرف قانونى شكلى ، هبة أو رهن رسمى مثلاً ، بالبينة والقرائن إذا ثبت أن هذا التصرف كان فى سند ثم فقد السند بسبب أجنبى . ولكن يجب هنا ، عند إثبات سبق وجود السند ، أن يثبت صاحب الشأن أيضاً أن هذا السند كان مستوفياً للشكل الذى يتطلبه القانون . وتختلف هذه القاعدة ،  كما قدمنا ، عن قاعدة قيام المانع وقاعدة مبدأ الثبوت بالكتابة فى هذا الصدد . فقد رأينا أن العقد الشكلى لا يجوز إثباته بالبينة والقرائن ، حتى عند قيام مانع حال دون الحصول على الكتابة ، وحتى مع وجود مبدأ ثبوت بالكتابة . أما هنا - عند فقد السند بسبب أجنبى - فيجوز إثبات العقد الشكلى بالبينة والقرائن ، لأن السند مفرغاً فى الشكل الذى يتطلبه القانون قد وجد فعلا ، فاستكمل التصرف أركانه وقام صحيحاً ، ثم فقد السند بعد ذلك بسبب أجنبى ليس من شأنه أن يؤثر فى قيام التصرف . ومتى كانت الدعوى أن التصرف القانون قد وجد فعلاً مستوفياً لشكله القانونى ، فلا يوجد ما يمنع حينئذ من إثبات سبق هذا الوجود بالبينة والقرائن   .

ويضيق فى القاعدة من ناحية أخرى . ( الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني  المجلد الأول ، الصفحة : 587 )

أولاً : جاء المشروع التمهيدي تعليقاً على نص المادة 403 من القانون المدني المطابقة لنص المادة 63 من قانون الإثبات أن الإستثناء الأول الوارد بالفقرة «أ» يسري على جميع الإلتزامات التي يتعين إثباتها أمام القضاء بالكتابة إذا كان قد امتنع على الدائن أو المدين الذي يقع عليه عبء الإثبات أن يحصل على دليل كتابي، ولذلك أفرغ المشروع هذا الحكم في عبارة عامة أما فيما يتعلق بخصائص الإستحالة فيراعي أن الإستثناء يرد على قاعدة حظر الإثبات بالبينة وهذه القاعدة تطبق بشأن التصرفات دون الوقائع القانونية ويستخلص من ذلك أن هذا الإستثناء لا يطبق إلا على التصرفات القانونية وهي التي تتفرد بوجوب إستعمال الكتابة في إثباتها ويتفرع على هذا ما يأتي :

أ) أن إستحالة الحصول على دليل كتابي في هذه الحالة ليست مطلقة بل هي نسبية عارضة .

ب) أن الإستحالة لا ترجع إلى طبيعة الواقع بل ترجع على وجه الإقرار إلى الظروف الخاصة التي انعقد فيها التصرف .

ج) أن الإستثناء لا يتعلق بالوقائع القانونية التي يمتنع فيها على وجه الإطلاق الحصول على دليل كتابي .

أما فيما يتعلق بطبيعة الإستحالة فقد صرح النص بأنها إما أن تكون مادية وإما أن تكون معنوية وتفترض الإستحالة المادية أن التصرف القانوني نشأ في ظروف لم يكن لذوي الشأن فسحة من الوقت أو وسيلة للحصول على دليل كتابي ومن قبيل ذلك ما ينشأ من التصرفات عند الكوارث أو الحوادث المفاجئة أو النكبات أو الحرائق أو حوادث الغرق ... وإذا كان القاضي هو المرجع في تقدير الظروف المانعة إلا أن من واجبه أن يبين هذه الظروف عند تسبب الإستحالة المادية ، أما الاستحالة المعنوية التي تحول دون الحصول على كتابة قد ترجع إلى ظروف مادية بل ترجع إلى ظروف نفسية وهي تعتد بعلاقات الخصوم وقت إنعقاد التصرف ومرجع الأمر في تقدير هذه الإستحالة مع ما ينطوي هذا التقدير من دقة هو القاضي ولكن يتعين عليه أن يسبب تقديره .

وتختلف التطبيقات القضائية في هذا الشأن بإختلاف ما يتواضع عليه الناس من الناحيتين الخلقية والاجتماعية في البلاد ولذلك كانت صلة الإستحالة المعنوية بالسنن الجارية والعرف والتقاليد جد وثيقة فعرف البلد هو المعيار الذي يعتد به القاضي في تقديره متى كان هذا العرف مستقرة متطوعاً بوجوده وبديهي أنه لا يسوغ الإجتزاء في هذا الصدد بأمور الصداقة أو مقتضيات اللياقة بمجردها ومن بين ما يمكن أن يساق من أمثلة الاستحالة المعنوية القرابة الوثيقة .

(مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثالث ص 421 وما بعدها)

ثانياً : ومن ثم فإن المانع المادي يقوم إذا نشأ التصرف في ظروف لم يكن لذوي الشأن فيها فسحة من الوقت أو وسيلة للحصول على دليل كتابي ، فقد يضطر الشخص وهو في مأزق مفاجئ إلى اتخاذ تصرف قانوني سريع ويتعذر عليه في الحال إعداد كتابة لإثباته كما في أحوال الحريق والإضطرابات الطبيعية أو السياسية زلازل أو ثورات أو حروب عندما يودع ما لديه الغير الذين قد يراه في مأمن عنه، أو قد يضطر الشخص حال السفر المفاجئ السريع إلى الإقتراض دون أن يتسع الوقت للدائن الحصول على سند كتابي بذلك وهنا يجيز له المشرع الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته أصلاً بالكتابة وكما يكون المانع مادية قد يكون كذلك مانعة أدبية ولقد قيل أنه ليس من الضروري أن تكون هناك استحالة مطلقة مادية بل يكفي أن تكون هناك استحالة نسبية أدبية فرابطة الزوجية يصح اعتبارها مانعاً أدبياً يحول دون أخذ أحد الزوجين سنداً على الآخر وكذلك البنوة والأبوة وأيضاً صلة القرابة بين ابن الأخت أو بنت الأخت والخالة وبالنسبة لابن الأخ وعمته وكذا بالنسبة للزوجة ووالد زوجها وصلة التابعية والمتبوعية بين السيد وخادمه تعتبر من الموانع الأدبية أو المعنوية التي تمنع أحدهما من أخذ كتابة على الآخر ومن ذلك أيضاً الطبيب فإنه لا يقتضي عقدة مكتوبة بأجر الجراحة أو العلاج ويجوز له إثباته بغير كتابة وكذلك حائك الملابس لا يحصل على دليل كتابي بأجره ولهذا يجوز له إثباته قبل عميله بالبينة .

وتكفي العادة مانعاً أدبياً من الحصول على إذن كتابي فإذا جرت العادة في مهنة ما بعلم تهيئة هذا الدليل في التعامل قام المانع الأدبي وجاز من إثبات التصرف البينة ولو زادت قيمته على عشرين جنيه (قبل التعديل) ، و لقاضي الموضوع سلطة واسعة في تقدير قيام المانع من الخصوم على دليل كتابي .

(الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على تصرف قانون الإثبات الطبعة الثانية ص 212 ، والمستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة ( ص 642 ) وما بعدها، الدكتور محمود جمال الدين زنكي في الوجيز في النظرية العامة للإلتزامات الطبعة الثالثة ص 1112 وما بعدها) .

ثالثاً : فقد السند الكتابي بسبب أجنبي :

تنص المادة 63 من قانون الإثبات على أنه يجوز كذلك الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بدليل كتابي «ب» إذا فقد الدائن سنده الكتابي بسبب أجنبي لا يد له فيه.

ويفترض هذا الإستثناء أن القواعد المتعلقة بالدليل الكتابي قد يشترط في هذه الحالة أن يكون هذا الفقد راجعاً إلى سبب لا يد للمدعي فيه ومؤدي هذا أن يكون الفقد قد نشأ من جراء «حادث جبري أو قوة قاهرة» وترد علية هذا الشرط إلى الرغبة في استبعاد صور الفقد بسبب يتصل بفعل مدعي الدليل «كإعدام الورقة مثلاً» لقطع السبيل على التواطؤ مع الشهود وبذلك لا يكون للمدعي أن يتمسك بأي سبب يرجع إلى فعله ولو كان هذا الفعل مجرد إهمال أو تراخي وغني عن البيان أن نطاق تطبيق هذا الإستثناء أرحب من نطاق سابقه لأن الدليل الكتابي سبق أن وجد وليست المسألة امتناع تحصيل هذا الدليل بل إمتناع تقديمه ولذلك تجوز إقامة الدليل بالبينة على وجود سند وصية أو عقد كلي فقد من جراء حادث جبري أو قوة قاهرة .

أما فيما يتعلق بالدليل على الفقد فيقع عبء إقامته على المدعي مبدئياً فمن واجبه فضلاً عن إثبات الحادث الجبري أو القوة القاهرة أن يقوم الدليل على سبق وجود المحرر ومضمونه على مراعاة شروط الصحة التي يتطلب القانون توافرها فيه وإن كان هذا المحرر من قبيل المحررات الشكلية، فإذا تم ذلك المدعي كان له أن يثبت ما يدعي بالبينة .

( مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثالث ص 413) . ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه،  طبعة 2014، 2015 دار محمود،  المجلد :  الثاني ، الصفحة : 69 )

مجال الإستثناء المنصوص عليه في هذه المادة هو التصرفات القانونية ويترتب على ذلك أن المانع الذي يبرر قيام هذا الإستثناء ليس مانعاً مطلقاً ، وإنما هو نسبي عارض ، لا يرجع إلي طبيعة التصرف ، بل يرجع إلي الظروف التي انعقد فيها التصرف ، فالمقصود بأن المانع نسبي عارض هي أن استحالة الحصول علي الكتابة مقصورة على شخص معين وراجعه إلي الظروف الخاصة التي تم فيها التعاقد ، فقد يقوم المانع الأدبي بين شخصين في وقت ما وظروف معينة ثم يزول بعد ذلك لتغير الظروف والعكس صحيح كأن يكون صديقان علي وئام يجعل المانع الأدبي قائماً بينهما، ثم ينقلب الوئام إلي جفوة تنهي المانع الأدبي ، أو قيام مانع من تقديم المحرر بعد الحصول عليه في ظروف لاحقة على التصرف ، وعلى ذلك يخرج من نطاق هذا الإستثناء الوقائع القانونية التي يمتنع فيها على وجه الإطلاق الحصول على دليل كتابي والوقائع المادية فهذه يكون المانع من الحصول على كتابة فيها مانعاً مطلقاً ، يرجع إلي طبيعة الواقعة ولهذا يجوز فيها الإثبات بجميع الطرق كأصل عام والمانع من الحصول على الكتابة وقت التصرف قد يكون مانعاً مادياً وقد يكون مانعاً أدبياً ، ولم تورد المادة أمثلة علي المانع المادي بل ترك الأمر إلى تقدير القاضي فحيث تقوم ظروف مادية يتعذر معها الحصول على الكتابة لإثبات التصرف فإنه يجوز الإثبات بالبينة والقرائن مثل ذلك شراء أدوية وأدوات طبية اقتضتها ضرورة إسعاف المصابين في حادث تصادم أو غرق أو الوديعة الإضطرارية فمن فوجئ بخطر كحريق أو إضطرابات فبادر إلي إنقاذ متاعه بإيداعه عند الغير لا يجد من الوقت ولا من الظروف التي أحاطت به متسعاً للحصول من المودع عنده علي دليل كتابي بالوديعة إذا زادت قيمتها علي خمسمائة جنيه ومثل ذلك أيضاً وديعة النزيل في الفندق لأمتعته . ولا يعتبر من قبيل الودائع الإضطرارية البضائع التي يتسلمها أمين النقل لنقلها من مكان إلي آخر ، فيجب إثبات تسليمها إليه طبقاً للقواعد العامة .

وهذا الإستثناء وإن كان ينطبق علي إثبات الوديعة الإضطرارية إلا أن حكمه لا يسري علي إثبات ردها ، بل يخضع ذلك القواعد العامة فيجب إثبات الرد بالكتابة فيما يجاوز نصاب البينة ، لأن الإستثناء يقدر بقدره فلا يستمر العمل به بعد زوال الإضطرار الذي صاحب الوديعة .

وقد ثار الخلاف بين الفقهاء في الحالة التي يقوم فيها المانع المادي من الحصول علي الكتابة كعدم وجود من يستطيع كتابة السند ، وهذه الحالة يمكن تصورها في البيئة التي لا ينتشر فيها الإلمام بالكتابة إنتشاراً كافياً بحيث يصعب العثور فيها عن شخص يستطيع أن يكتب السند الواجب إعداده لإثبات التصرف ، ويتعين علي القاضي التحقق من قيام هذه الصورة الرجوع إلي البيئة المعينة التي أبرم فيها التصرف ، ويقع على عاتق المتمسك بهذا المنع عبء إقامة الدليل على تعذر وجود من كان يستطيع كتابة السند في الظروف المدعي أن التصرف إنعقد فيها ، ويجوز له إثبات ذلك بكافة الطرق ، غير أن العميد السنهوري يرى أن هذه الصورة من المانع لا يعتد بها إلا في القوانين التي نصت عليها كقانون البينات السوري والأردني والقانون المدني العراقي ، ولا تعتبر في القوانين التي لم تنص عليها مانعاً يسوغ لإثبات بالبينة والقرائن (الجزء الثاني من الوسيط ص 457 وما بعدها ) . بينما يذهب الرأي الآخر إلي عكس ذلك وحجته أن القوانين التي أشارت إلي هذا المانع اكتفت بذكره بوجه عام ولم تبين صوره ، ولأن بعض القوانين الأخرى التي ذكرت بعض صور الموانع بما فيها القانون الفرنسي ذكرت تلك الصور على سبيل البيان لا على سبيل الحصر ، كما أن تقدير المانع مسألة موضوعية ، فيجوز للقاضي أن يبحث كل واقعة على حده فإذا ثبت لديه من ظروف تصرف مدعي به أنه لم يكن ثمة من يستطيع أن يكتب سنداً بذلك التصرف عند إبرامه كان له أن يعتبر ذلك مانعا يسوغ إثبات التصرف بالبينة ولو لم يكن القانون ينص على هذه الصورة من الموانع ( الدكتور سليمان مرقس في مؤلفه الوافي في أصول الإثبات وإجراءاته ، الطبعة الرابعة ، المجلد الثاني ص 563 وما بعدها ).

وفي تقديرنا أن الرأي الأخير هو الصحيح .

ونزول أحداث غير منظورة قد يحول دون الحصول على دليل كتابي يكون مانعاً مادياً، ويجب أن يكون الحادث غیر منظور وأن يكون جسيماً بحيث يجعل التعاقد علي الالتزام أمراً بلغ حداً من الإستعجال لا يتسع معه الوقت للحصول على سند كتابي كإقراض شخص ما لا طرأت الحاجة إليه وهو في الميناء علي وشك السفر أو وهو مصاب في حادث لم يتوقعه وإيداع صندوق بداخله نقود أثناء قيام الشرطة بالتفتيش .

ويتعين أن يكون طالب الإثبات طرفاً بنفسه أو بمن يمثله في التصرف القانوني ، أما الغير فإنه يجوز له أن يثبت التصرف بطرق الإثبات كافة بما فيها البينة والقرائن متى كانت له مصلحة مشروعة في إثباته لا على إعتبار قيام مانع من الحصول على الكتابة ولكن بإعتبار أن التصرف القانوني بالنسبة له واقعة مادية ، وعلى ذلك فإن المؤجر الأصلي له أن يثبت عقد الإيجار الصادر من المستأجر الأصلي للمستأجر من الباطن بكافة طرق الإثبات .

ويلاحظ أن التصرفات القانونية التي يوجب القانون إفراغها في محرر رسمي كالهبة والرهن التأميني ، فلا يجوز إثباتها بالشهادة إذا قام بشأنها مانع من الحصول على الكتابة لأن الرسمية ركن من أركان التصرف لا ينعقد بدونها .

والمانع الأدبي لا يقوم على ظروف مادية كالسابقة ، وإنما يقوم على ظروف نفسية أي اعتبارات أدبية ترجع إلي الظروف التي انعقد فيها التصرف أو العلاقة التي تربط الطرفين وقت إنعقاد التصرف ، إذا كان من شأن هذه العلاقة أو تلك الظروف أن تمنع الشخص أدبياً من الحصول على دليل كتابي .

وأكثر ما ترجع الموانع الأدبية إلي أمور ثلاثة :

1- الزوجية والقرابة .

2- علاقة الخدمة .

3- العرف المتبع كما يقضي بذلك العرف في بعض المهن وبوجه خاص في مهنة الطب فإن الطبيب في أكثر الظروف لا يحصل على دليل كتابي من المريض بالأجر المتفق عليه ، وحائك الملابس لا يأخذ عادة ورقة مكتوبة على عميله ، وكذلك أصحاب الفنادق والمطاعم والمقاهي .

ومن الأسباب التي اعتبرتها المحاكم في أحوال كثيرة موانع أدبية وجود صلة نسب بين العاقدين أو عقد خطبة ، أو وكالة مجانية ، أو صلة الخادم بسيده ، أو صلة الطبيب بمريضه ، أو نفوذ كبير لأحد المتعاقدين بين أهله وعشيرته يجعل من المستحيل على من يتعاقدون معه أن يطلبوا منه كتابه .

على أن الأحكام لم تعتبر هذه الأسباب في ذاتها موانع أدبية ، بل اعتبرتها كذلك بعد أن ثبت لديها من ظروف الدعاوى أن هذه الأسباب كان من شأنها فعلاً في تلك الظروف أن تجعل من المستحيل أدبياً اقتضاء المتعاقد كتابة ممن تعاقد معه فإذا توافر سبب من الأسباب المذكورة في ظروف لا يترتب عليها نشوء هذه الإستحالة فإن المحاكم لا تعتبره مانعاً أدبياً.

هذا ومن الملاحظ أن العلاقة بين المخدوم والخادم قد لا تسمح تبعاً للظروف بالحصول على الدليل الكتابي ، فخدم المنازل لا يستطيعون عادة تقديم دليل كتابي على أجورهم وشروط خدمتهم ولا علي ما قدموه لحساب المخدوم من مبالغ صرفوها في الشئون المنزلية .

وقد جرى العرف بين المصريين وخصوصا المسلمين منهم على أنه بعد الإتفاق على الخطبة ودفع المهر وقبل إتمام الزفاف يشتري الجهاز ، فإذا سلم الخاطب الجهاز ولم يتم الزواج وطالب به جاز إثبات الدعوى بالبينة إذ يوجد في هذه الظروف مانع أدبي يحول دون الحصول على سند كتابي من الخاطب .

ويصح أن تكون الوكالة المجانية مانعاً من تقديم دليل كتابي ، وقد تكون رابطة الصداقة والمودة بين الجيران مانعاً أيضاً من الكتابة غير أنه لا يعتبر مانعاً أدبياً علاقة المحامي بموكله أو علاقة الشركاء ببعضهم .

ويذهب بعض الشراح إلى أنه يجب الحذر من الخلط بين المانع الأدبي ، والحياء والذوق أو اللياقة ، فإن كل ذلك لا يغني عن الدليل الكتابي .

ويلاحظ أن إثبات السبب الأجنبي لا يتشدد فيه التشدد المقرر في المسئولية ، فيكفي أن يثبت صاحب السند أنه لم يقتصر في المحافظة عليه حتى يعتبر أنه فقد السند لسبب أجنبي .

وقد يتضمن إثبات السبب الأجنبي إثبات فقد السند ، فإذا أثبت شخص أن حريقاً لا يد له فيه التهم منزله ولم يستطع انتشال أوراقه ومستنداته فاحترقت جميعها ، كان في هذا إثبات للسبب الأجنبي وإثبات لفقد السند المكتوب في وقت واحد معاً .

ويشترط لجواز الإثبات بالبينة عند فقد السند أن يكون الدائن قد فقد سنده الكتابي السبب أجنبي لا يدله فيه ، فإذا كان الدائن قد فقده بإهمال وقع منه أو بفعل عمدي صدر عنه فإنه يمتنع عليه إستعمال هذا الحق الذي خوله القانون إستثناء .

ولا يقتصر ما يثبته المدعي علي سبق وجود السند ، بل عليه أن يثبت أيضاً مضمونه الذي يدعيه واستيفاء الشروط القانونية إذا تعلقت الدعوى بتصرف شكلي كالهبة والرهن الرسمي لأن السند مفرغ من الشكل الذي يتطلبه القانون قد وجد فعلاً فاستكمل التصرف أركانه وقام صحيحاً ، ذلك أن فقد السند بسبب أجنبي ليس من شأنه أن يؤثر في قيام التصرف ، ولهذا يجوز إثباته بالبينة والقرائن .

ويجب على القاضي أن يحتاط في تكوين عقيدته إذا كانت البينة هي وحدها الدليل علي فقد السند لسبب أجنبي . والغالب في هذا الشأن أن تكون هناك قرائن تعزز البينة ذلك أن القوة القاهرة لا تثبت عادة بالبينة فحسب، وإنما يجب أن تعزز هذه البينة أثار مادية وقرائن قوية.

غير أنه إذا كان تسليم السند أو إيداعه لدى شخص آخر نتيجة غش أو إحتيال الغرض منه الإستيلاء علي السند من الدائن لإتلافه أو إعدامه ، كما لو طلب المدين أو ورثته من الدائن الاطلاع علي السند للوفاء بقيمة الدين وتمكنوا بهذه الوسيلة من الإستيلاء علي السند وإعدامه فهذا عمل غير مشروع يجوز إثباته بكافة الطرق بما فيها البينة والقرائن.

وإذ أقر الخصم بسبب وجود السند وضياعه فيؤخذ بإقراره ، فإذا لم يكن الإقرار متضمناً كافة محتويات السند جاز اعتباره كمبدأ ثبوت بالكتابة فيجوز للمدعي أن يثبت بشهادة الشهود موضوع السند ومحتوياته .

وإذا اتفق المتعاقدان على أن يكون الإثبات بينهما بالكتابة أو بدلیل كتابي معين ثم ضاع السند المثبت للتصرف القانوني من الدائن بسبب أجنبي لا بد له فيه فذهب رأي إلي أنه لا يجوز للدائن في هذه الحالة أن يثبت بالبينة والقرائن واقعة سبق وجود السند وفقده بسبب أجنبي لأن معني ذلك إثبات التصرف ذاته بشهادة الشهود، وفي هذا مخالفة للإتفاق المعقود بين الطرفين من عدم جواز الإثبات إلا بالكتابة (محمد عبد اللطيف في الإثبات ، الجزء الثاني ص 69).

إلا أن الرأي الذي نؤيده يخالف هذا الرأي ويرى أن اشتراط عدم الأخذ بالدليل الكتابي لا يتفق مع طبيعة ضياع السند بسبب قهري لأن كل مقهور معذور ولا يصح تكليف أحد بمستحيل . ( نشأت ص 553 ).

ويجب على من يدعي أنه كان لديه سند وفقد منه أن يثبت أن هذا السند كان دليلاً كتابياً كاملاً مستوفياً جميع الشروط القانونية ، فلا يكفي أن يثبت وجود ورقة مكتوبة بخط المدعى عليه دون توقيعه ولو كانت هذه الورقة تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة لأن المادة 63 إثبات إنما وضعت لحماية من احترم قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة ، ثم أصبح بعد ذلك عاجزاً عن تقديم الدليل الكتابي لسبب خارج عن إرادته ، أما من قصر في الحصول على دليل كتابي مع تمكنه من ذلك فلا يقبل منه الإعتذار بضياع ورقة لم تعد لأن تكون دليلاً كتابياً على الأمر المدعى به ، غير أن هناك من الأوراق التي تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ما يكون قريباً جداً من السند الكامل أو واضحاً وصريحاً بحيث لا يتشكل الشهود في مضمونه ، كورقة شطب رهن أو حق إمتياز أو إيصال يقسط متأخر من دين فإذا ثبت وجوده ثم ضياعه بقوة قاهرة كان ذلك سبباً كافياً لجواز الإثبات بالبينة ويمكن تعليل ذلك بأن هذه الأوراق قد توافر فيها فرق اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة يجيز إثبات صحة الأمر المدعي بالبينة إعتبارها أيضاً قرينة قضائية قوية علي صحة ذلك الأمر تغني عن تكملة مبدأ الثبوت بالكتابة بالبينة وأصبح لها بإجتماع هذين الاعتبارين قوة الدليل الكتابي الكامل .

ومما هو جدير بالذكر أنه في حالة ما إذا أقر المدعى عليه بسبب وجود الورقة التي تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة فإن إقراره بذلك كما سبق أن ذكرنا يقوم مقام الورقة ويسمح للقاضي أن يأذن في تكملة إثبات الأمر المدعى به بشهادة الشهود ، وذلك استناداً لنص المادة 62 ودون حاجة إلى الإستناد في ذلك إلي نص المادة 63 التي توجب إثبات ضياع الورقة بقوة قاهرة.

وينبغي أن يتمسك صاحب المصلحة بوجود المانع أمام محكمة الموضوع ، ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ به من تلقاء نفسها .

ويجب أن يبين الحكم الظروف التي تبرر اعتبار صلة القرابة أو غيرها مانعاً أدبياً من الحصول على كتابة وإلا شابه قصور يبطله .(التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة : 685)

حالتان يجوز فيهما الإثبات بشهادة الشهود

 فيما كان يجب إثباته بدليل كتابي

(الحالة الأولى)

وجود مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي

مضمون القاعدة :

أجازت المادة في الفقرة (أ) منها الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بدليل كتابي إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي .

وهذا إستثناء من وجوب إثبات تصرفات معينة بالكتابة .

وتقرير هذا الإستثناء جاء منطقياً فالمشرع عندما حدد للأفراد تصرفات معينة وأوجب عليهم ضرورة إثباتها بالكتابة، فإنما راعی في ذلك أن يكون في إمكانهم تهيئة الدليل الكتابي لإثباتها. فإذا ما أحاطت بهم ظروف معينة منعتهم من الحصول على الدليل الكتابي، فقد أجاز الشارع لهم الإثبات بشهادة الشهود نزولاً على حكم الضرورة. وقد قيل لا تكليف بالمستحيل أو لا قبل لأحد بالمستحيل . وشهادة الشهود هنا لا تكمل الدليل الكتابي بل تحل محله بعد أن إستحال تحصيله .

نطاق القاعدة :

تسري هذه القاعدة على كافة التصرفات القانونية التي يوجب القانون إثباتها بالكتابة وهي :

1) إذا كانت قيمة التصرف تجاوز ألف جنيه، أو كان غير محدد القيمة بالتفصيل الوارد بشرح المادة (60) من قانون الإثبات .

2) إذا اتفق الخصوم على الإثبات بالكتابة، ولو لم يجاوز ما يراد إثباته ألف جنيه .

3) إذا كان المراد إثباته يخالف دليلاً كتابياً أو يجاوزه .

 4) إذا اشترط القانون الكتابة لإثبات التصرف مهما كانت قيمته أي ولو كانت لا تجاوز ألف جنيه، مثل عقد الصلح وعقد الكفالة وعقد التحكيم .

إنما لا يسرى هذا المانع على التصرفات الشكلية، لأن الكتابة في هذه التصرفات تكون ركناً من أركان التصرف، وتخلفها يعنی أن التصرف لم ينعقد، وإذن فلا يتصور إثبات مثل هذا التصرف بشهادة الشهود. ومثل ذلك عقد الهبة وعقد الرهن الرسمي .

كما يخرج من نطاق هذا الإستثناء الوقائع القانونية التي يمتنع فيها على وجه الإطلاق الحصول على دليل كتابي، وهي الوقائع المادية، فهذه يكون المانع من الحصول على كتابة فيها مانعاً مطلقاً ، يرجع إلى طبيعة الواقعة، ولهذا يجوز فيها الإثبات بجميع الطرق كأصل عام .

ولهذا أخذ على المشرع الفرنسي أنه ذكر الإلتزامات الناشئة عن شبه العقد والجريمة وشبه الجريمة م 1348 فرنسي في سياق التمثيل للمانع الذي يورد استثناء على قاعدة الإثبات بالكتابة لأن هذه الوقائع القانونية وقائع مادية تجوز شهادة الشهود في إثباتها بحسب الأصل لا من قبيل الإستثناء .

(أولاً)

المانع المادي

 تعريف المانع المادي :

لم يعرف الشارع المانع المادي، كما لم يعرف المانع الأدبي أيضاً، ولم يذكر تبعاً لذلك الموانع على سبيل الحصر كما لم يذكر موانع على سبيل التمثيل. فترك بذلك حرية واسعة للقضاء في التقدير حسبما يرى من ظروف كل تعاقد .

إنما لا يصح التساهل في هذا التقدير، لأن المانع إستثناء من قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة، والإستثناء لا يجوز التوسع فيه .

والمانع المادي يقوم إذا نشأ التصرف القانوني في ظروف لم يكن لذي الشأن فيها فسحة من الوقت أو وسيلة للحصول على دليل كتابي، فقد يضطر الشخص وهو في مأزق مفاجئ إلى إتخاذ تصرف قانونی سریع ويستحيل أو يتعذر عليه فيه الحصول على دليل كتابي لإثباته، إما لضيق الوقت وإما لاضطراب ذهنه وعدم حضوره .

ومن قبيل ذلك ما ينشأ من التصرفات عند الكوارث أو الحوادث المفاجئة أو النكبات أو الحرائق و حوادث الغرق .

إذ قد يضطر الشخص أن يودع لدى الغير منقولاً أو نقوداً ليكون في مأمن من الهلاك أو الحريق أو الضياع أو السرقة .

أو كما يحصل عادة إذا فوجئ شخص بالسفر بناء على برقية أو خطاب ولم يجد لديه متسع من الوقت لأخذ سند عنی من يودع لديه أمانته .

في هذه الحالات يجوز للشخص إثبات التصرف القانوني بشهادة الشهود والقرائن ، وإن كان بحسب الأصل يجب إثباته بالكتابة .

إفادة الدائن والمدين على السواء من المانع المادي :  

عبارة «يجوز الإثبات بشهادة الشهود» الواردة بصدر المادة ومن قبلها المادة (403) من التقنين المدني الملغاة)، جاءت بصفة عامة، ومن ثم يفيد منها الدائن والمدين كلفظ الأخصام «الوارد بالمادة ( 215 / 280) من التقنين المدني القديم التي قالت بعبارة أكثر صراحة «فالأخصام الذين لم يكن لهم مانع يمنعهم عن الإستحصال على كتابة مثبتة للدين أو للبراءة لا يقبل منهم الإثبات بالبينة ولا بقرائن الأحوال»، ومفاد ذلك أنه كما يستطيع الدائن إثبات الالتزام يستطيع المدين إثبات التخلص منه وذلك بشهادة الشهود إذا وجد مانع مادي أو أدبي .

مثالان للمانع المادي

(أولاً)

الوديعة الاضطرارية

تعريف الوديعة الإضطرارية :

كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني يتضمن نصاً برقم (1012) يتناول الوديعة الاضطرارية ، يجري على أن :

1) إذا كان المودع قد أضطر أن يودع الشيء درءاً لخطر نشأ عن حريق أو تهدم بناء أو نهب أو غرق أو إغارة أو ما شابه ذلك من الحوادث، جاز له أن يثبت الوديعة بجميع طرق الإثبات مهما بلغت قيمة الشيء المودع .

2) ويكون للوديع في هذه الحالة أجر، ما لم يقض الإتفاق أو العرف بغير ذلك. وعليه أن يبذل في حفظ الشيء عناية الرجل المعتاد، وكل اتفاق يقصد به الحد من مسئوليته أو الإعفاء من هذه المسئولية يكون باطلاً - إلا أن هذا النص حذف في لجنة المراجعة «إكتفاء بالقواعد العامة»، وقد اقترح في لجنة مجلس الشيوخ إعادة هذا النص إلا أن اللجنة لم تر الأخذ بهذا الاقتراح «لأن في القواعد العامة ما يغني عن إيراد النص المقترح».

والقواعد العامة التي أشارت إليها لجنتا المراجعة ومجلس شيوخ، هي ما نصت عليه المادة (403 /أ) من القانون المدني - التي حلت محلها المادة (63/أ) من قانون الإثبات، من أنه يجوز لإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مانع مادى حال دون الحصول على دليل كتابي .

ولما كان هذا النص - رغم حذفه - يمكن إعتباره تطبيقاً لقواعد العامة، إذ هو يساير نية المتعاقدين مستخلصة من الظروف الاضطرارية التي تمت فيها الوديعة، لذلك يصح العمل بأحكام هذا تنص بالرغم من حذفه .

فيمكن على ضوء ما تقدم تعريف الوديعة الاضطرارية بأنها تلك التي يضطر فيها المودع إلى أن يودع الشيء درءاً لخطر يلحق بالشيء نشأ عن حريق أو تهدم بناء أو نهب أو غرق أو غارة أو ما شابه ذلك من الحوادث، أو أي خطر بصفة عامة .

شرط الوديعة الاضطرارية :

يشترط لكي توصف الوديعة بأنها أضطرارية أن يقوم بها المودع في ظروف يخشى معها خطراً داهماً على الشيء، فيضطره لأن يودع الشيء على عجل عند أول شخص يستطيع أن يعهد إليه بالوديعة .

ومثل هذه الظروف ما ورد بالمادة (1012) من المشروع التمهيدي - المحذوفة - الخطر الناشئ عن حريق أو تهدم بناء أو نهب أو غرق أو إغارة، ويضاف إليها أمثلة أخرى كالثورة والاضطرابات والزلازل أو لصوص يقطعون الطريق. فيری المودع نفسه مضطراً حتى يدرأ الخطر عن ماله إيداعه لدى أول شخص يقبل إيداعه ، فهو ليس له خيار في أن يودع الشيء لدی أول شخص يقبل إيداعه أو لدى غيره، وهذه الوديعة لا تبرم کالوديعة العادية بعقد صريح .

ويجب بالإضافة إلى توافر الظرف الملجيء إلى الإيداع وإضطرار المودع إلى هذا الإيداع، ألا يكون هناك وقت أو وسيلة للحصول على كتابة .

ويغلب أن تكون هذه الحوادث تعسة، ومن أجل ذلك سمى الرومان هذه الوديعة بالوديعة التعسة أو الوديعة البائسة أو وديعة البائس .

ولا يكفي لتكون الوديعة اضطرارية أن يجسد المودع مشقة كبيرة في العثور على وديع، ولا ألا يكون عند المودع الوقت الكافي للحصول على إيصال بالوديعة .

ولكن الاضطرار هنا لا يصل إلى حد الإكراه الذي يصيب الإرادة، ومن ثم تكون الوديعة الإضطرارية عقداً صحيحاً يتكون من إرادتين صحيحتين ولا يجوز إبطاله للإكراه، ولكنه يخضع لقواعد خاصة تترتب على واقعة الاضطرار التي تصل إلى حد الإكراه، كما سنرى .

وتطبيقاً لما تقدم :

قضت محكمة النقض بأنه يعد مانعاً قهرياً يمنع من الحصول على كتابة إصابة المودع بشلل نصفي فجائي اضطر معه للإنتقال إلى المستشفى .

كما قضت بأن حالة الإضطرار من جانب المودع بسبب القيود المفروضة على تداول السماد والظروف التي تمت فيها الوديعة لقيام حالة الأحكام العرفية والتخوف منها من جانب المودع لديه وهو عمدة، تعتبر مانعاً من الحصول على كتابة .

وتسري أحكام الوديعة الإضطرارية أيضاً على ما يأتي :

1) كل تصرف يعقد في ظروف يتعذر فيها الحصول على دليل كتابي لعدم وجود فسحة من الوقت. مثل من يقرض صديقاً له مبلغاً يزيد على عشرة آلاف جنيه في ميناء أو مطار ويريد أن يستقل باخرة أو طيارة على وشك الإبحار أو الطيران .

2) إذا أعارت سيدة جارة لها أثناء حريق داهم رداء أو معطفاً يستر جسدها أو يقيها شر البرد، وكانت تزيد قيمته على ألف جنيه .

3) إيداع صندوق بداخله نقود أو مجوهرات أثناء قيام الشرطة بالتفتيش .

4) تنص بعض التقنينات على حالة أخرى يتعذر فيها الحصول على دليل كتابي بسبب عدم وجود شخص يستطيع كتابة السند ( المادة 57 من قانون البيانات السوري، والمادة 1 / 491 من القانون العراقي).

ويرى البعض في مصر، أن المانع المادي في هذه الحالة هو مانع خاص ذاتی، لا مانع عام موضوعي، ولا يعتد به إلا في القوانين التي تنص عليه، وحيث لا نص لدينا لا يكون مانعاً يسوغ الإثبات بالبينة .

بينما يذهب رأي آخر - نؤيده - أنه يؤخذ بهذا المانع في مصر إذا كان إبرام التصرف القانوني مستعجلاً بحيث لا يمكن الإنتظار إلى حين إحضار من يعرف الكتابة .

وقد نفت محكمة النقض - الدائرة الجنائية - الوديعة الاضطرارية في واقعة تسليم أحد لاعبي القمار لشخص محفظة وبها نقود لحفظها حتى ينتهي من اللعب مع آخرين، ثم أدعى أنه لما فتحها بعد أن استردها وجد النقود بها ناقصة .

هل يشترط أن يكون الخطر غير متوقع ؟

ذهب رأي إلى أنه يشترط في الخطر الذي هو شرط الوديعة الاضطرارية، أن يكون غير متوقع. فإذا كان الخطر متوقعاً فلا نكون بصدد وديعة اضطرارية لأن المودع يتوقع الحادث الذي سيضطره إلى الإيداع وينساق عليه مختاراً .

وتطبيقاً لذلك لا تعتبر وديعة إضطرارية إيداع الدواب التي تحمل المبيعات من القرى إلى الأسواق العامة التي تعقد عادة في المدن في مواعيد دورية ، ولو كان هذا الإيداع مفروضاً على الباعة بحكم لوائح السوق .

وكذلك إيداع الملابس الخارجية في المحل المخصص لها بالمحلات العامة ، كالمسارح والملاهي ، ولو إضطر المودع لذلك مراعاة التقاليد المكان .

ومثل ذلك يقال عن إيداع السيارات في الجراج المخصص لذلك بالعمارات الكبيرة ، وكذلك عن خلع المريض ملابسه في غرفة مجاورة لغرفة الطبيب عندما يدعى لفحصه .

بينما ذهب رأي آخر - نؤيده - إلى أنه لا يشترط أن يكون الخطر غير متوقع، كما في الأمثلة السابقة وغيرها. والنص المحذوف في المشروع التمهيدي وهو تطبيق للقواعد العامة لم يورد شرط عدم توقع الحادث، وعلى العكس من ذلك أشار نص محذوف أخر هو نص الفقرة الأولى من المادة (1013) إلى أن وديعة الفنادق والخانات هي صورة من صور الوديعة الإضطرارية .

(ثانياً)

وديعة الفنادق والخانات وما ماثلها

المقصود بهذه الوديعة :

وديعة الفنادق والخانات وما ماثلها، ويطلق عليها البعض اسم « الوديعة الجارية ». لكونها تحصل يومياً بحكم العرف الجاري في معاملات الناس هي من قبيل الوديعة الإضطرارية، لأنه ليس لدى صاحب المنزل من الوقت ما يمكنه من جرد أمتعة كل قادم وذاهب وإعداد قائمة بها والتوقيع عليها وإجراء التعديلات اللازمة كلما دخل المسافر النزل وخرج منه وأضاف شيئاً إلى أمتعته أو أخذ منها شيئاً .

وقد يتكرر ذلك في اليوم الواحد عدة مرات، ولا يخفى أنه قد يحضر إلى الفندق أو الخان ويسافر منه مرات كل يوم، وأن عدداً عظيماً من المسافرين يحملون أشياء كثيرة مختلفة. حقيقة ليس هناك إستحالة مادية لإجراء ذلك، ويمكن لصاحب المنزل أن يستخدم عدداً كبيراً من المستخدمين للقيام به ولكن المسافر نفسه ليس لديه الوقت الكافي، فضلاً عن أن مرتبات أولئك المستخدمين لابد أن تحسب عليه، ولا يخفى أن المسافر يلزمه أن يقتصد في وقته ونفقاته بقدر الإمكان .

وكان المشروع التمهيدي التقنين المدني يتضمن مادة محذوفة برقم (1012) تتناول الوديعة الإضطرارية، وقد تضمن أيضاً المادة (1013 - المحذوفة - وكانت تنص على أحكام وديعة المسافرين والنزلاء في الفنادق والخانات ونصت فقرتها الأولى على أن :

«تسري أحكام المادة السابقة أيضاً على وديعة الأشياء التي يأتي بها المسافرون والنزلاء في الفنادق والخانات والبنسيونات التي يقيمون فيها»، وقد جاء عنها بمذكرة المشروع التمهيدي :

1 ) يعتبر من قبيل الوديعة الاضطرارية وديعة الأشياء التي يأتي بها المسافرون والنزلاء في الفنادق والحانات والبنسيونات التي يقيمون فيها، ولذلك نصت المادة (1013) فقرة أولى على أنه تطبق عليها أحكام المادة السابقة، سواء فيما يتعلق بالإثبات أو بزيادة العناية المطلوبة من الوديع أو بعدم جواز الإتفاق على الإعفاء من المسئولية وتخفيفها» .

ويقاس على وديعة الفندق ما يأتي :

1) إستئجار الغرف المفروشة وعربات النوم في السكك الحديدية .

2) إيداع المعاطف والعصي وغيرها في المحلات المخصصة لذلك في المسارح وغيرها من الملاهي والمحلات وإيداع الملابس وغيرها في الحمامات العمومية .

ولا يصح أن يقاس على ذلك إيداع أي شيء في مطعم أو في مقهى لدى صاحب المطعم أو صاحب المقهى أو أحد الخدم. فإن مثل هذا الإيداع ما هو إلا وديعة اختيارية يجب أن تخضع للقواعد العامة، إلا إذا كان المطعم أو المقهى أعد خصيصاً للمبيت به بالنسبة لمن يبيت به، وكذلك إذا ذهب شخص إلى فندق لمجرد تناول طعام أو شراب أو لزيارة صديق أو مقابلة نزيل لأي غرض فإن إيداعه أحد رجال الفندق شيئاً يخضع للقواعد العامة، إنما إذا كان هناك مواضع مخصصة في الفندق أو المطعم أو المقهى لتعليق الملابس مثلاً أو لوضع العصى لمن يرتادونها لمجرد تناول طعام أو شراب فإن صاحب الفندق أو المطعم أو المقهى يمكن الإثبات ضده بشهادة الشهود.

كيفية انعقاد الوديعة :

لا يلزم لانعقاد الوديعة تسليم الأشياء المودعة إلى الوديع شخصياً، إنما يكفي لذلك أن يتسلمها أحد تابعيه كعمال الفندق. أو توضع في الغرفة التي يأوي إليها النزيل أو في أي مكان آخر يخصص لذلك، ولو كان في فناء الفندق أو في مخازنه بل يكفي تسليم هذه الأشياء لعامل الفندق على رصيف المحطة التي يصل إليها النزيل. بل يصح إرسال النزيل الأشياء الخاصة به قبل وصوله إلى الفندق، كما يمكن أن يقوم بشراء بعض الأشياء أثناء إقامته بالفندق .

غير أنه يجب بصفة عامة أن تدخل هذه الأشياء الفندق برضاء صاحب الفندق أو أحد أتباعه أو في القليل دون معارضة منه .

أما الأمتعة التي يتركها النزيل في الفندق بعد مغادرته إياه أمانة عند صاحب الفندق، لا يكون صاحب الفندق مسئولاً عنها إلا طبقاً للقواعد العامة .

المانع المادي نسبي وليس مطلقاً :

المانع الذي يبرر قيام هذا الإستثناء ليس مانعاً مطلقاً، وإنما هو نسبی عارض، لا يرجع إلى طبيعة التصرف، بل يرجع إلى الظروف التي انعقد فيها التصرف، فالمقصود بأن المانع نسبی عارض هي أن إستحالة الحصول على الكتابة مقصورة على شخص معين وراجعة إلى الظروف الخاصة التي تم فيها التعاقد .

إثبات المانع المادي :

يجب على الخصم المتمسك بوجود مانع مادي من الحصول على الدليل الكتابي ، إذا لم تكن أوراق الدعوى كافية لإثباته، أن يطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات وجود المانع وللمحكمة - كما رأينا سلفا - إحالة الدعوى إلى التحقيق من تلقاء نفسها .

ففي الوديعة الاضطرارية، يكلف الخصم بإثبات وقوع الحادثة التي حالت دون الحصول على الدليل الكتابي، وأن هذه الحادثة اضطرته إلى الإيداع بحيث لم تترك له فرصة للإختيار، وإثبات الشيء المودع ذاته وقيمته، وعدم إمكان تجنب ضياع الشيء المودع بغير هذه الوسيلة وله إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود والقرائن، أياً كانت قيمة الوديعة .

كما يجوز للقاضي توجيه اليمين المتممة للخصم إذا طلب المدعي ذلك.

وكانت المادة ( 1012 / 1 ) من المشروع التمهيدي التقنين المدني - المحذوفة - تنص على أن :

«إذا كان المودع قد اضطر أن يودع الشيء، حاز له أن يثبت الوديعة بجميع طرق الإثبات مهما بلغت قيمة الشيء المودع».

تقدير المانع المادي :

تقدير قيام المانع المادي متروك لقاضي الموضوع. فالقاضي هو المرجع في تقدير الظروف المانعة، ولا رقابة عليه لمحكمة النقض متى كان قد بين في حكمه الظروف التي اعتبرها مانعة وكان هذا الإعتبار معقولاً .

وإذا كنا بصدد وديعة إضطرارية فللقاضي أن يرجع إلى مركز كل من المودع والمودع لديه .

غير أنه يجب على القاضي في حكمه تسبيب الإستحالة المادية إذا رآها قائمة، وإلا كان حكمه مشوباً بالقصور في التسبيب بما يبطله .

إثبات رد الوديعة الاضطرارية يخضع للقواعد العامة :

الإستثناء الوارد بالمادة يسري على انعقاد الوديعة الاضطرارية، إلا أن حكمه لا يسرى على إثبات ردها، فيخضع ذلك للقواعد العامة، فيجب إثبات الرد بالكتابة إذا كانت قيمة الوديعة تجاوز ألف جنيه لأن الإستثناء يقدر بقدره، فلا يستمر العمل به بعد زوال الاضطرار الذي صاحب الوديعة .

(ثانياً)

المانع الأدبي

تعريف المانع الأدبي

لم يعرف الشارع المانع الأدبي، كما لم يذكر موانع على سبيل التمثيل فترك بذلك - كالشأن في المانع المادي - حرية واسعة القضاء في التقدير حسبما يرى من ظروف كل تعاقد، إنما لا يصح التساهل في هذا التقدير - كما ذكرنا في المانع المادي - لأن ذلك إستثناء من قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة والاستثناء لا يجوز التوسع فيه .

والمانع الأدبي لا يقوم على ظروف مادية كتلك التي تقدم ذكرها في المانع المادي وإنما يقوم على ظروف نفسية أي إلى إعتبارات أدبية ترجع إلى الظروف التي انعقد فيها التصرف أو العلاقة التي تربط الطرفين وقت انعقاد التصرف، إذا كان من شأن هذه الظروف أو تلك العلاقة أن تمنع الشخص أدبياً من الحصول على دليل كتابي .

أو بتعبير آخر يتوافر هذا المانع الأدبي كلما كان الشخص يتحرج من الناحية الأدبية أن يطلب من الطرف الآخر في التصرف إعداد دليل كتابي عليه .

والمانع الأدبي أكثر وقوعاً في الحياة العملية من المانع المادي ومثاله - كما سنرى - وجود صلة نسب بين العاقدين كصلة أبوة أو بنوة أو أخوة أو عمومة، كذلك صلة الزوجية والخطبة وعلاقة الخادم بسیده .

غير أن وجود إحدى الصلات السابقة أو ما يماثلها لا يكفي وحده لتحقيق المانع الأدبي. فهذه العلاقة بين المتعاقدين قد تكون مانعاً أدبياً في حالة ولا تكون مانعاً في حالة أخرى .

وقد توجد الصلة ولكن يوجد من الظروف ما يوهن من أثرها بحيث ينتفى بسبب ذلك تحقق المانع من الحصول على كتابة. وقد لا تكون الصلة في ذاتها من الوثوق بحيث يتحقق معها وجود المانع الأدبي من الحصول على كتابة ولكن توجد ظروف أخرى يتحقق معها وجود هذا المانع .

ووجود سند مكتوب لا يمنع من قيام المانع الأدبي إذا توافرت شروطه.

وقاضي الموضوع هو الذي عليه أن يسبر غور كل حالة حتى يستطيع أن يبين ما إذا كانت ظروفها تجعل من المستحيل أدبياً على المدعي أن يحصل على كتابة .

وتختلف التطبيقات القضائية في هذا الشأن بإختلاف ما يتواضع عليه الناس من الناحيتين الخلقية والإجتماعية في البلاد، ولذلك كانت صلة الإستحالة المعنوية بالسنن الجارية والعرف والتقاليد جد وثيقة. فعرف البلد هو المعيار الذي يعتد به القاضي في تقديره، متى كان هذا العرف مستقراً مقطوعاً بوجوده .

ويجب الحذر من الخلط بين المانع الأدبي، والحياء أو المجاملة أو اللياقة، فإن كل ذلك لا يغني عن الدليل الكتابي .

وهناك حالة يقوم فيها المانع الأدبي على العادات الجارية والتقاليد السائدة في المجتمع .

قيام المانع الأدبي على العادة الجارية والتقاليد السائدة :

قيام المانع الأدبي لا يكون معقوداً حتماً بعلاقات الخصوم وقت إنعقاد التصرف، بل قد يرجع إلى العادات الجارية والتقاليد السائدة في المجتمع، ما دام أن هذه التقاليد وتلك العادات مقطوع بوجودها، فلا يكفي أن يقتصر في هذا الصدد على مقتضيات اللياقة .

والأمثلة على ذلك كثيرة منها :

1- علاقة الطبيب بالمريض :

مركز الطبيب لا يسمح له بمطالبة المريض بدليل كتابى على ما يتم الإتفاق عليه بينهما، كما لا يسمح للمريض أيضاً بذلك .

2- علاقة التاجر بعملائه :

علاقة التاجر بعملائه، تمنعه أدبياً بحكم العادة من مطالبتهم بدلیل كتابي عما يورده إليهم من حاجيات منزلية .

3- علاقة التاجر بمستخدميه :

هذه العلاقة تمنع التاجر أدبياً من الحصول من عماله على دليل كتابي بما يعهد به إليهم متعلقاً بتجارته .

4- علاقة العميل والحائك :

هذه العلاقة تمنع أدبياً وبحكم العادة أن يأخذ أحدهما على الآخر دليلاً كتابياً على ما يتفق على حياكته والأجر عنه .

ومثل ذلك إجارة الخدم والتعاقد في المطاعم، وغير ذلك مما تواضع عليه الناس.

 5- إعتياد بعض الناس إيداع أوراقهم لدى شخص معروف بالأمانة والثقة :

وهذا إذا كانت العادة عامة، أي جارية بين فريق من الناس حيث تعتبر قاعدة عامة مصدرها العرف .

أما العادة التي جرى عليها شخصان فيما بينهما من التعامل غير كتابة، ودون أن يوجد ثمة عرف يجيز ذلك، فيمكن اعتبارها حسب ظروف الحال دليلاً على وجود صلة متينة بين المتعاملين جعل من المستحيل أدبياً على أيهما أن يطالب الآخر بكتابة .

وقد قبلت المحكمة إثبات الوديعة بالبينة في قضية امرأة كانت تسكن عند أخرى، واعتادت أن تودع عندها مصاغها مساء وتأخذه صباحاً ، وذلك عندما أنكرته الثانية صباح يوم .

ومن هذا القبيل إعارة الجواهر والحلي والأواني المنزلية بين الأقارب والأصدقاء والجيران، وإعارة المواشي وآلات الزراعة .

وجوب تمسك الخصم بالمانع الأدبي :

قواعد الإثبات مما لا يتعلق بالنظام العام. وقد قرر الإستثناء على وجوب الإثبات بالكتابة في حالة وجود المانع سواء المادي أو الأدبي لمصلحة من يدعي وجود هذا المانع .

ويبني على ذلك أنه لا يجوز للمحكمة التصدى لوجود المانع من تلقاء نفسها وتأمر بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات التصرف .

خضوع وجود المانع لتقدير محكمة الموضوع :

لا يكفي تمسك الخصم بوجود مانع أدبي أو مادي من الحصول على كتابة لتقضي المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الدعوى بشهادة الشهود وإنما يخضع تقدير وجود المانع لتقدير المحكمة، فهو من الأمور التي يستقل بها قاضى الموضوع، على ضوء ما يتبينه من ظروف الدعوى، وله أن يجيز الإثبات بشهادة الشهود أو لا يجيزه .

إلا أنه يتعين عليه في حالة رفض طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق أن يضمن حكمه الأسباب المسوغة لذلك، وإلا كان الحكم مشوباً بالقصور في التسبيب .

(ثالثاً)

فقد الدائن سنده الكتابي بسبب أجنبي لا يد له فيه

القاعدة والحكمة منها ونطاقها :

تقضي المادة (63) فقرة (ب) من قانون الإثبات بأنه :

«يجوز كذلك الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بدليل کتابی ... (ب) إذا فقد الدائن سنده الكتابي بسبب أجنبي لا يد له فيه».

وهذا الإستثناء يفترض أن القواعد المتعلقة بالدليل الكتابي قد روعيت ولكن الإثبات بالكتابة يمتنع بسبب فقد هذا الدليل .

فتختلف هذه الحالة عن الحالة الواردة في الفقرة (أ) من المادة، لأن المدعي في الحالة الأخيرة قد إستحال عليه وقت إنعقاد التصرف أن يحصل على كتابة. أما في حالتنا هذه فنحن أمام إستحالة لاحقة للتصرف يمتنع معها على المدعى أن يقدم الدليل الكتابي، ويجدر أن يكون لها نفس الأثر المترتب على الإستحالة المعاصرة، ما دام أن فقد السند لم يكون بسبب خطأ المدعى. ولعل هذا التقابل بين الحالتين هو الذي حدا بالشارع إلى أن يجمع بينهما في مادة واحدة. والواقع أن المدعي الذي فقد السند المثبت لحقه غير ملوم، فهو لا يلام على قعوده عن إعداد الدليل الكتابي لأنه قد أعده، ولا يلام كذلك على عدم تقديم هذا الدليل لأنه قد فقده بسبب لا يد له فيه .

والإستثناء هنا أوسع مجالاً من الإستثناء المنصوص عليه في الفقرة (أ) من المادة . فهو يعدله في أنه يجيز شهادة الشهود فى إثبات ما يجاوز قيمته ألف جنيه، أو يكون غير محدد القيمة، وفي إثبات ما يخالف أو يجاوز الكتابة، وفي إثبات الحالات الخاصة التي يوجب فيها الشارع الكتابة بنص خاص أياً كانت قيمة التصرف. ويزيد عليها أنه يسرى كذلك بالنسبة إلى التصرفات الشكلية حيث تكون الكتابة مشروطة للإنعقاد باعتبارها ركناً من أركان التصرف، كما هو الحال في الهبة والرهن الرسمي، وذلك لأن الفرض هنا أن الدليل الكتابي قد سبق له الوجود ، مستوفياً شروطه القانونية، ولكن المدعي قد فقد هذا السند بعد ذلك .

ما يشترط لسريان حكم الإستثناء :

يشترط لسريان حكم الإستثناء أن يقوم المدعى بإثبات أمرين :

1) سبق وجود السند الكتابي .

2) فقد السند الكتابي بسبب أجنبي عنه.

فإذا تم للمدعي ذلك جاز له أن يثبت ما يدعيه أي مضمون السند بشهادة الشهود .

ونعرض لهذين الشرطين تفصيلاً فيما يلي :

الشرط الأول :

إثبات سبق وجود السند الكتابي :

يجب على المدعى أن يقيم الدليل على سبق وجود السند الكتابي، وقد اقتصر النص على ذكر الدائن، ويظهر أن المشرع قد تأثر بعبارة الفقرة الرابعة من المادة (1348) فرنسي التي نقل عنها النص المقابل في القانون المدني (م 403) والتي اقتصرت أيضاً على ذكر الدائن، غير أن الحكم في الحقيقة ينصرف إلى المدعى الذي يقع عليه عبء الإثبات، سواء كان هذا المدعى دائناً أو مديناً.

ويقصد بالسند هنا أي سند يثبت دعوى المدعي، سواء أكان موضوع هذه الدعوى هو وجود الحق أو تعديله أو انقضاؤه .

ويجب أن يكون السند الذي فقد دليلاً كاملاً مستوفياً جميع شروطه القانونية .

فإذا كان السند مجرد مبدأ الثبوت بالكتابة فلا يسمح للمدعي بإثبات سبق وجوده بشهادة الشهود أو القرائن، لأن الحكم لا ينصرف إلا إلى السند أي الدليل الكامل، وهو حكم استثنائي لا يتوسع في تفسيره، ولأن الحماية التي تكفل بها هذا الاستثناء يستحقها فقط من لم يقصر في الحصول على دليل كامل. ولكن إذا أقر الخصم بسبق وجود مبدأ الثبوت بالكتابة، فإن هذا الإقرار يقوم مقام الورقة المفقودة، ويكون للقاضي أن يرخص بالإثبات بشهادة الشهود لإكمال ما في الدليل من نقص طبقاً للمادة (62) من قانون الإثبات .

وإذا أقر المدعى عليه بسبق وجود الورقة المدعاة ولكن أنكر توقيعها، إعتماداً منه على إستحالة تحقيق التوقيع من طريق المضاهاة، جاز للمدعى أن يثبت توقيع المدعى عليه بشهادة الشهود والقرائن. وإذا ثبت أن المدعى عليه قد أعدم السند أو حاول إعدامه، كان ذلك قرينة قضائية قوية على أن ذلك السند كان موقعاً منه ومستوفياً سائر الشروط القانونية، إذ لولا ذلك لما حاول المدعى عليه أن يعدمه .

الشرط الثاني :

إثبات فقد السند بسبب أجنبي

يجب إثبات أن ثمة سبباً أجنبياً أدى إلى فقد الدليل الكتابي .

والسبب الأجنبي الذي أدى إلى الفقد قد يكون حادثاً جبرياً أو قوة قاهرة، كحريق أو فيضان، وقد يكون فعل المدعى عليه، كما لو تسبب هذا في إعدام السند بالحيلة أو اختلسه أو استبدل به ورقة أخرى. وقد يكون فعل شخص أجنبي، كما إذا سلم المدعي السند للمحكمة أو لأحد المحامين ثم فقد، والمهم في جميع هذه الصور أن يكون فقد السند راجعاً إلى سبب أجنبي لا يد للمدعى فيه .

أما إذا كان هناك إهمال من جانب المدعي فهذا لا يبرر الإثبات بالشهود، كتمزيق السند أو إلقائه في النار خطأ أو ضياعه أثناء نقل أمتعة من مكان إلى آخر أو حتى سرقته بسبب تركه في محل معرضاً للسرقة .

ولا يخفى أن القوة القاهرة لا تثبت عادة بشهادة الشهود فقط. بل تثبت أيضاً بأثار مادية وقرائن قوية كما هي الحال في الحريق والفيضان والسرقة والإغتصاب... الخ .

والحادث الذي يؤدي إلى فقد السند قد يكون متميزاً عن واقعة الفقد، كما هي الحال مثلاً في حالة الحريق والفيضان وفی هذه الحالة يكون على المدعي أن يثبت الحادث، وهذا الإثبات يكون في الغالب سهلاً . كما يجب عليه أن يثبت أيضاً أن السند قد فقد فعلاً في هذا الحادث، وهذا الإثبات كثيراً ما يكون صعباً ، ولذلك يكفي أن يكون فقد السند مرجحاً أو ثابتاً بصفة عامة كحريق يلتهم منزلاً وما فيه من الأوراق ولو أنه في هذه الحالة ليس من المستحيل أن يكون السند محل النزاع قد أستخلص أو بقى سالماً .

وقد يختلط اختفاء السند بالحادث كما في حالة سرقة السند أو تمزيقه أو إستبدال ورقة أخرى به، وحينئذ يكون إثبات الحادث متضمنا إقامة الدليل على الفقد .

كيفية الإثبات :

إثبات الشرطين سالفي الذكر إنما يرد على وقائع مادية، ومن ثم يجوز إثباتهما بكافة الطرق القانونية ومن بينها شهادة الشهود والقرائن غير أن محكمة الموضوع ليست مجبرة دائماً على الإحالة إلى التحقيق لإثبات الشرطين، فلها أن ترفض ذلك إذا رأت أن الإدعاء كاذب غير جدي بشرط أن تقيم حكمها على أسباب يكون من شأنها تبرير هذا الرفض .

إلا أن سبق وجود الدليل الكتابي المتضمن للعلاقة التي يراد إثباتها (الشرط الأول) لا يعني أنه يجب أن يحصل إثباته بطريقة خاصة وبصفة مستقلة وقبل إثبات السبب الأجنبي وقبل إثبات التصرف بشهادة الشهود التي يشترطه لجوازها سبق وجود الدليل الكتابي فقد الدليل (الشرط الثاني)، لأن في تعاقب وتعدد طرق الإثبات ما يضر بمبدأ الاقتصاد في الأحكام ولهذا لم يفرضه الشارع ولم يتطلبه القضاء إنما يكفي عندما يقتنع القاضي بجدية وصلاحية الإثبات بشهادة الشهود أن ينصب هذا الإثبات في وقت واحد على سبق وجود الدليل الكتابي الضائع وعلى السبب الأجنبي الذي أدى إلى الضياع وعلى التصرف الذي كان ينبغي إثباته بالكتابة ولو لم يثبت ضياع الدليل الكتابي . ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود،  المجلد : الثاني  ،  الصفحة  : 1079 )

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434ه، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 88 ، 89 ، 90 ، 91 ، 39 ، 40 ، 78 ، 79 ، 80 ، 81

(مادة 44) :

يجوز سماع الشهادة فيما كان يجب إثباته بالكتابة :

(أ) إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل کتابي .

(ب) إذا فقد الدائن سنده الكتابي لسبب أجنبي لا يد له فيه .

( م (63) إثبات مصري ، و م (403) مدني مصري ، و م (13) (3) إثبات سوداني ، و م (491) مدني عراقي وقد اقتصر فيها في الفقرة الأولى على المانع المادي وأضيف: «ويعتبر مانعا ماديا ألا يوجد من يستطيع كتابة السند». وبدلا من المانع الأدبي الوارد في الفقرة (أ) نص في الفقرة (ب): «إذا كان العقد مبرما ما بين الزوجين، أو ما بين الأصول والفروع أو ما بين الحواشي إلى الدرجة الرابعة أو بين الزوجين وأبوي الزوج الآخر»، فحصر الموانع الأدبية في الزوجية والقرابة والفقرة (ج) منها تطابق الفقرة (ب) من هذه المادة) ، و(57) بینات سوري ونصها : «يجوز الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية حتى لو كان المطلوب تزيد قيمته على مائة ليرة:

(أ) إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل کتابي .

ويعتبر مانعا ماديا أن لا يوجد من يستطيع كتابة السند ، أو أن يكون طالب الإثبات شخصا ثالثا لم يكن طرفا في العقد . وتعتبر مانعا أدبيا القرابة بين الزوجين ، أو ما بين الأصول والفروع ، أو ما بين الحواشي إلى الدرجة الثالثة ، أو ما بين أحد الزوجين وأبوي الزوج الآخر .

(ب) إذا فقد الدائن سنده المكتوب لسبب لا يد له فيه .

(ج) إذا طعن في العقد بأنه ممنوع بالقانون أو مخالف للنظام العام أو الآداب .

المذكرة الإيضاحية :

- تبين هذه المادة إستثناءين يجوز فيهما الإثبات بالشهادة فيما يجاوز عشرين جنيها ، کما يجوز نقض الثابت بالكتابة والإضافة إليه والشهادة هنا لا تكمل الدليل الكتابي بل تحل محله بعد أن فقد أو إستحال تحصيله .

والواقع أن وجوب الإثبات بالكتابة يفترض إمكان الحصول على الدليل الكتابي ، فإذا حالت ظروف خاصة دون ذلك ، تحتم الإستثناء ؛ إذ لا قبل لأحد بالمستحيل .

ويراعى من ناحية أخرى أن هذا النص يرمي إلى إستبدال الشهادة بالدليل الكتابي ، فهو والحال هذه لا يطبق حيث تكون الكتابة شرطا يترتب على تخلفه بطلان التصرف ، بل يطبق في الأحوال الخاصة التي يتطلب فيها القانون الدليل الكتابي للإثبات ، ولو كانت القيمة أقل من عشرين جنيها .

1- الإستثناء الأول :

وحالة الإستثناء الأولى هي حالة وجود مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل کتابي لإثبات التصرف القانوني ، ويلاحظ فيما يتعلق بالعبارة التي أفرغ فيها الإستثناء أنها عامة و غير مقصورة على الدائن .

فهذا الإستثناء يسري على جميع الإلتزامات التي يتعين إثباتها أمام القضاء بالكتابة ، إذا كان قد امتنع على الدائن أو المدين الذي يقع عليه عبء الإثبات أن يحصل على دليل کتابي .

ولذلك أفرغ المشروع هذا الحكم في عبارة عامة .

أما فيما يتعلق بخصائص الإستحالة فيراعى أن الإستثناء يرد على قاعدة حظر سماع الإثبات بالشهادة ، وهذه القاعدة تطبق بشأن التصرفات القانونية ، دون الوقائع القانونية ويستخلص من ذلك أن هذا الإستثناء لا يطبق إلا على التصرفات القانونية وهي التي تنفرد بوجوب إستعمال الكتابة في إثباتها. ويتفرع على هذا ما يأتي :

(أ) أن إستحالة الحصول على دليل کتابي في هذه الحالة ليست مطلقة بل هي نسبية عارضة .

(ب) أن الإستحالة لا ترجع إلى طبيعة الواقع ، بل ترجع إلى الظروف الخاصة التي انعقد فيها التصرف .

(ج) أن الإستثناء لا يتعلق بالوقائع القانونية التي يمتنع فيها على وجه الإطلاق الحصول على دليل كتابي .

أما فيما يتعلق بطبيعة الإستحالة فقد صرح النص بأنها إما أن تكون مادية وإما أن تكون معنوية ، وتفترض الإستحالة المادية أن التصرف القانوني نشأ في ظروف لم يكن لذي الشأن فيها فسحة من الوقت ، أو وسيلة للحصول على دليل كتابي ، ومن قبيل ذلك ما ينشأ من التصرفات عند الكوارث ، أو الحوادث المفاجئة ، أو النكبات ، أو الحرائق ، أو حوادث الغرق .

وإذا كان القاضي هو المرجع في تقدير الظروف المانعة إلا أن من واجبه أن يبين هذه الظروف عند تسبيبه الإستحالة المادية ، أما الإستحالة المعنوية التي تحول دون الحصول على كتابة ، فلا ترجع إلى ظروف مادية ، بل ترجع إلى ظروف نفسية تتصل بعلاقات الخصوم وقت إنعقاد التصرف ، ومرجع الأمر في تقدير هذه الإستحالة مع ما ينطوي في هذا التقدير من دقة - هو القاضي ، ولكن يتعين عليه أن يسبب تقديره .

وتختلف التطبيقات القضائية في هذا الشأن بإختلاف ما يتواضع عليه الناس من الناحيتين الخلقية والإجتماعية في البلاد ، ولذلك كانت صلة الإستحالة المعنوية بالسنن الجارية والعرف والتقاليد جد وثيقة فعرف البلد هو المعيار الذي يعتد به القاضي في تقديره ، متى كان هذا العرف مستقرا مقطوعا بوجوده ، وبديهي أنه ليس يسوغ الإجتزاء في هذا الصدد بأوامر الصداقة أو مقتضيات اللياقة بمجردها ومن بين ما يمكن أن يساق من أمثلة الإستحالة المعنوية صلة القرابة الوثيقة ، ومركز الطبيب؛ إذ يمتنع عليه أدبيا أن يطالب بدلیل كتابي ، ومركز العميل الشخصي وفقا لعرف البلد ، وصلة العميل بالحانك وفقا للعرف الجاري ، وطبيعة التعاقد في المطاعم والأسواق وإجارة الخدم .

2- الإستثناء الثاني :

يفترض الإستثناء الثاني أن القواعد المتعلقة بالدليل الكتابي قد روعيت ، بيد أن الإثبات بالكتابة قد امتنع بسبب فقد هذا الدليل ، ولكن يشترط في هذه الحالة أن يكون هذا الفقد راجعا إلى سبب لا يد للمدعي فيه ، ومؤدى هذا أن يكون الفقد قد نشأ من جراء حادث جبري أو قوة قاهرة ، وترد على هذا الشرط إلى الرغبة في إستبعاد صور الفقد بسبب يتصل بفعل مدعي الدليل (كإعدام الورقة مثلا) لقطع السبيل على التواطؤ مع الشهود ، وبذلك لا يكون للمدعي أن يتمسك بأي سبب يرجع إلى فعله ، ولو كان هذا الفعل مجرد إهمال أو تراخ .

وغني عن البيان أن نطاق تطبيق هذا الإستثناء أرحب من نطاق سابقه ؛ لأن الدليل الكتابي سبق أن وجد ، وليست المسألة إمتناع تحصيل هذا الدليل بل إمتناع تقديمه ولذلك تجوز إقامة الدليل بالشهادة على وجود سند وصية أو عقد شكلي فقد من جراء حادث جبري أو قوة قاهرة .

أما فيما يتعلق بالدليل على الفقد ، فيقع عبء إقامته على المدعي مبدئيا ، فمن واجبه فضلا عن إثبات الحادث الجبري أو القوة القاهرة أن يقيم الدليل على سبق وجود المحرر ومضمونه وعلى مراعاة شروط الصحة التي يتطلب القانون توافرها فيه ، إن كان هذا المحرر من قبيل المحررات الشكلية ، فإذا تم ذلك للمدعي كان له أن يثبت ما يدعي بالشهادة.

3- إستثناء ثالث :

وهناك إستثناء ثالث رئي عدم النص عليه ، وهو حالة ما إذا طعن في العقد بأن له سببا غير مشروع ، ذلك لأنه يفترض توافر ضرب من ضروب الغش . ومن المعلوم أن الغش يجوز إثباته على وجه الدوام بالشهادة ، وإزاء ذلك لا يوجد ما يدعو إلى إفراد هذا الإستثناء هنا بحكم خاص .

(مادة 5) :

للقاضي في حدود ما نص عليه في هذا القانون تقدير البينات ، والأخذ منها بما يراه محققا للعدل .

المذكرة الإيضاحية :

1- وظيفة القاضي هي إحقاق الحق ، ومن ثم وجب إتاحة الفرصة له كي ينظر فيها يقدم إليه من الأدلة ، وأن يتحقق من صدقها ، وأن يأخذ منها ما يراه محققا للعدل ، ولكن في حدود ما نص عليه في هذا القانون .

2- وقد بين ذلك ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية ، ومما قاله في هذا الصدد:

«وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود ، فرقهم وسألهم : كيف تحملوا الشهادة؟ وأين تحملوها؟ وذلك واجب عليه متى عدل عنه أثم وجار في الحكم ، وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سأل المدعي عن سبب الحق وأين كان؟ ونظر في الحال ، هل يقتضي صحة ذلك؟ وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله والمدعى عليه ، وجب عليه أن يستكشف الحال ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال» . (ص (24) وما بعدها ) .

« والذي اختص به إياس وشريح مع مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم : الفهم في الواقع والإستدلال بالأمارات وشواهد الحال ، وهذا الذي فات كثيرا من الحكام فأضاعوا كثيرا من الحقوق» (ص (34) ).

والمقصود أن الشريعة لا ترد حقا ، ولا تكذب دليلا ، ولا تبطل أمارة صحيحة ، وقد أمر الله سبحانه بالتثبت والتبين في خبر الفاسق ، ولم يأمر برده جملة». (ص (24)).

( وانظر أيضا من نفس الكتاب ص (61). والسنهوري ، الوسيط، ج (2) ص (35) ).

3- والمقصود بالبينات هنا طرق الإثبات ، سواء كانت الشهادة أو غيرها ، كما ورد في المذكرة الإيضاحية الخاصة بالمادة (3) من هذا القانون ، وانظر ابن القيم ، الطرق الحكمية ص (12) و(24) ) .

4- وقد روعي أيضا مع إطلاق حرية القاضي في تقدير الأدلة - تحديد هذه الحرية ، وذلك بالقيود التي نص عليها في هذا القانون ، فمثال ذلك أنه لا يجوز إثبات عكس الثابت بالكتابة إلا بالكتابة ؛ وذلك تطبيقا للمذهب المختلط الذي أخذ به القانون في الإثبات جمعا بين الإطلاق والتقييد ، کما سلف البيان في المذكرة الإيضاحية العامة للقانون .

(مادة 38) :

1- يشترط لقبول الشهادة ألا يكون الشاهد متهما فيها ، بأن كانت تجر له مغنما أو تدفع عنه مغرما .

2- فلا تقبل شهادة الشخص لفرعه ، أو أصله ، أو زوجه ، أو أخيه .

3- وإذا كان بين الشاهد وأحد الخصمين علاقة صداقة أو عداوة ونحوهما - فللمحكمة أن تقبل الشهادة أو تردها وفقا لما تراه .

( انظر من المجلة المواد من (1700) إلى (1703) ، ومن القانون المدني العراقي المواد من (496) إلى (498) ، وابن القيم ، إعلام الموقعين ، ج(1) ص (60) - (96)، أحمد إبراهيم ، طرق القضاء، ص (133) - (135) ) .

المذكرة الإيضاحية :

يشترط إنتفاء التهمة عن الشاهد ؛ لترجيح جانب الصدق على جانب الكذب في الشهادة ، فيشترط ألا يكون فيها جر مغنم للشاهد ، أو دفع مغرم عنه ؛ لأن الأصل في بناء الأحكام القضائية على الشهادة التي لا تفيد إلا ظنا – إنما هو دفع حاجة الناس وإضطرارهم في إثبات حقوقهم إليها ، فوجب أن يراعى في خبر الشهود وفي أحوالهم - ما يرجح صدقهم فيها يشهدون به بالقدر المستطاع .

وعلى ذلك قال أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله : لا تقبل شهادة الأصل لفرعه ، ولا الفرع لأصله ، ولا أحد الزوجين لصاحبه ، ولا الشريك لشريكه فيها هو من شرکتها ، ولا الأجير الخاص لمستأجره ، ولا الصديق لصديقه إذا وصلت صداقتهما إلى درجة أن يتصرف أحدهما في مال الآخر بلا ممانعة ، فإذا لم تصل الصداقة إلى هذا الحد قبلت الشهادة قالوا : وذلك لتمكن التهمة ، فيغلب على الظن كذب الشاهد ويشترط أيضا ألا يكون بين الشاهد والمشهود عليه عداوة دنيوية ؛ لأن العداوة لأجل الدنيا حرام ، فمن إرتكبها لا يؤمن من التقول عليه. أما إذا كانت العداوة دينية فإنها لا تمنع ؛ لأنها تدل على کمال دین الشاهد وعدالته ؛ لأن المعاداة قد تكون واجبة بأن رأى فيه منكرا شرعا ونهاه فلم ينته . وتعرف العداوة الدنيوية بالعرف. قالوا: ومن ذلك ألا يكون الشاهد خصما ، فلا تصح شهادة الوصي لليتيم ، والوكيل للموكل ؛ لأن كل واحد منهما يكون مدعيا وشاهدا ويلحق بهذا شهادة المولى لعبده ؛ لأنها في المعنى شهادة لنفسه. وجعلوا من هذا أيضا شهادة الإنسان على فعل نفسه ، فلو قال الوكيل بالبيع أو الدلال : كنا بعنا هذا المال الذي يدعي المشتري أنه ملكه بسبب الشراء. لا تقبل شهادتهما ، أما لو شهدا بأن العين ملك المدعي ولم يصرحا بقولهما : کنا بعنا . قبلت الشهادة.

( انظر : الدر وتكملة رد المحتار ، والهداية، وشروحها ، وتبيين الحقائق ، والمجلة ، وأحمد إبراهيم ، طرق القضاء : ص (330) ، (331 ) ).

وفي التبصرة وابن جزي ما حاصله : من موانع قبول الشهادة تهمة الشاهد فيها يشهد به ولو كان في ذاته عدلا، ومن ذلك أن يكون في الشهادة جر مغنم له أو دفع مغرم عنه ، كأن يشهد الوصي بدين الميت ، والمنفق عليه بال للمنفق على غيره ، وکشهادة المدين المعسر لرب الدين ، وكأن يشهد من له دين على مفلس أن للمفلس دينا على غيره ؛ ليصل بذلك إلى دينه ، أو يكون في الشاهد ميل طبيعي للمشهود له فلا تقبل شهادة الولد لوالديه ، ولا لأجداده و جداته ، ولا شهادة واحد منهم له ، ولا شهادة الزوج لإمرأته ، ولا شهادتها له، ولا شهادة وصي لمحجوره واختلف في شهادة الأخ لأخيه ، وقيل : تقبل إذا كان عدلا مبررا وقيل : إذا لم يكن تحت صلته واختلف في شهادة الصهر لصهره ، والصديق لصديقه ، وفي شهادة الرجل لابن إمرأته ، وفي شهادة المرأة لإبن زوجها ، وفي شهادة الوالد لأحد ولديه على الآخر ، وفي شهادة الولد لأحد والديه على صاحبه ، أو يكون في الشاهد ميل على المشهود عليه فلا تقبل شهادة العدو على عدوه إذا كانت العداوة في أمر دنيوي من مال ، أو جاه ، أو منصب ، أو خصام ، أو ما في معنى ذلك بخلاف الدينية إلا أن يؤدي إلى إفراط الأذى من الفاسق المعادي لفسقه لمن غضب عليه وهجره الله تعالى ؛ لأن ذلك ربما أورث الشحناء ، وكذا لا تقبل شهادة الخصم على خصمه وكل من لا تقبل شهادته عليه تقبل له ، كالخصم بالنسبة إلى خصمه ، وكل من لا تقبل شهادته له تقبل عليه کالأب بالنسبة إلى إبنه .

( انظر التبصرة، (1): (223) وما بعدها ) .

وفي المهذب : ولا تقبل شهادة الوالدين للأولاد وإن سفلوا ، ولا شهادة الأولاد للوالدين وإن علوا وقال المزني وأبو ثور : تقبل ، ووجهه قوله تعالى : (واستشهدوا شهيدين من رجالكم)، فعم ولم يخص، ولأنهم كغيرهم في العدالة فكانوا كغيرهم في الشهادة، وهذا خطأ لما روى ابن عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي إحنة». (الظنين: المتهم، والإحنة : الحقد). وهذا متهم ؛ لأنه يميل إليه ميل الطبع (والطبع هو السجية بها جبل عليه الإنسان من أصل الخلقة)، ولأن الولد بضعة من الوالد، والآية تخصها با ذکرناه، وتقبل شهادة أحدهما على الآخر في جميع الحقوق. قال : ومن أصحابنا من قال : لا تقبل شهادة الولد على الوالد في إيجاب القصاص وحد القذف ؛ لأنه لا يلزمه القصاص بقتله ، ولا حد القذف بقذفه ؛ فلم يلزمه ذلك بقوله. والمذهب الأول لأنه إنها ردت شهادته له للتهمة ، ولا تهمة في شهادته عليه . ومن عدا الوالدين والأولاد من الأقارب کالأخ والعم وغيرهم - تقبل شهادة بعضهم لبعض ؛ لأنه لم يجعل نفس أحدهما كنفس الآخر في العتق ، ولا ماله كاله في النفقة وكذا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر ؛ لأن النكاح سبب لا يعتق به أحدهما على الآخر بالملك ، فلم يمنع من شهادة أحدهما للآخر ، كقرابة ابن العم ولا تقبل شهادة الزوج على زوجته في الزنا ؛ لأن شهادته دعوى خيانة في حقه فلم تقبل کشهادة المودع على المودع بالخيانة في الوديعة ، ولأنه خصم لها فيما يشهد به فلم تقبل ، كما لو شهد عليها أنها جنت عليه .

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين ((1)، (95) - (96)) ما ملخصه : «شهادة القريب لقريبه لا تقبل مع التهمة ، وتقبل بدونها هذا هو الصحيح ، وقد اختلف الفقهاء في ذلك : فمنهم من جوز شهادة القريب لقريبه مطلقا ، کالأجنبي ، ولم يجعل القرابة مانعة من الشهادة بحال كما يقول أبو محمد بن حزم وغيره من أهل الظاهر ، وهؤلاء يحتجون بالعمومات التي لا تفرق بين أجنبي وقريب. ومنهم طائفة منعت شهادة الأصول للفروع ، والفروع للأصول خاصة ، وجوزت شهادة سائر الأقارب بعضهم لبعض ، وهذا مذهب الشافعي ، وأحمد قال : وليس مع هؤلاء نص صحيح بالمنع. ثم ساق أدلة الشافعي وافية ، وقد تقدم بعضها ثم رد عليها . وقبل ذلك أورد أدلة المجوزين وهي الإستدلال بالنصوص العامة ، كما صنع المزني وأبو ثور فيها تقدم ، ثم نقل عن عمر بن الخطاب وشريح وعمر بن عبد العزيز وغيرهم من السلف الصالح وتابعيهم - قبول شهادة الأصل للفرع ، والفرع للأصل ، والقريب لقريبه ، وأحد الزوجين للآخر . وقال فيما قاله نقلا عن الزهري: لم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح في شهادة الوالد لولده ، ولا الولد لوالده ، ولا الأخ لأخيه ، ولا الزوج لإمرأته . ثم ظهر بعد ذلك من الناس أمور حملت الولاة على إتهامهم، فتركت شهادة من يتهم إذا كانت من قرابة ، وصار ذلك من الولد والوالد ، والأخ والزوج والمرأة - لم يتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان . والصحيح : أنه تقبل شهادة الإبن لأبيه، والأب لإبنه فيما لا شبهة فيه ، وهذا أحد أقوال ثلاثة للإمام أحمد.

وقال المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم في طرق القضاء، ص (335) :

أقول: وعلى هذا فتقدير الشهادة ، وتعرف وجه التهمة فيها - موکول إلى القاضي ، فيرد ما يرى فيه تهمة ، ويقبل ما يراه بريئا منها ، وهذا من الصعوبة بمكان ، والأول أضبط وأسلم. والله أعلم».

( انظر أحمد إبراهيم ، طرق القضاء، ص (330) - (335 ) ) .

وقد رئي الإكتفاء بما ورد في هذه المادة إقتباسا من جملة هذه النصوص .

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الرابع عشر ، الصفحة / 139

الإشهاد:

إشهاد الشهود على التصرفات وسيلة لتوثيقها، واحتياط للمتعاملين عند التجاحد؛ إذ هي إخبار لإثبات حق - والقياس يأبى كون الشهادة حجة في الأحكام لأنه خبر محتمل للصدق والكذب، والمحتمل لا يكون حجة ملزمة؛ ولأن خبر الواحد لا يوجب العلم والقضاء ملزم، فيستدعي سببا موجبا للعلم وهو المعاينة، فالقضاء أولى. لكن ترك ذلك بالنصوص التي فيها أمر للأحكام بالعمل بالشهادة. من ذلك قوله تعالى: ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم).

ولقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الشهود بينة لوقوع البيان بقولهم وارتفاع الإشكال بشهادتهم فقال صلى الله عليه وسلم : «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» قال السرخسي: في ذلك معنيان:

أحدهما: حاجة الناس إلى ذلك؛ لأن المنازعات والخصومات تكثر بين الناس وتتعذر إقامة الحجة الموجبة للعلم في كل خصومة والتكليف بحسب الوسع.

والثاني: معنى إلزام الشهود حيث جعل الشرع شهادتهم حجة لإيجاب القضاء مع احتمال الكذب إذا ظهر رجحان جانب الصدق.

والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم؛ لأن الحاجة داعية إلى الشهادة لحصول التجاحد بين الناس فوجب الرجوع إليها.

والبينات مرتبة بحسب الحقوق المشهود فيها، ولا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء حتى يحصل له به العلم؛ إذ لا يجوز الشهادة إلا بما علم وقطع بمعرفته لا بما يشك فيه، ولا بما يغلب على الظن معرفته.

ولبيان ما يتعلق بالشهادة ينظر في (إشهاد - شهادة).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الحادي والعشرون ، الصفحة / 22

دليل

التعريف:

الدليل لغة: هو المرشد والكاشف، من دللت على الشيء ودللت إليه.

والمصدر دلولة ودلالة، بكسر الدال وفتحها وضمها. والدال وصف للفاعل.

والدليل ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري ولو ظنا، وقد يخصه بعضهم بالقطعي.

ولذلك كان تعريف أصول الفقه بأنه «أدلة الفقه» جاريا على الرأي الأول القائل بالتعميم في تعريف الدليل بما يشمل الظني؛ لأن أصول الفقه التي هي أدلة الفقه الإجمالية تشمل ما هو قطعي، كالكتاب والسنة المتواترة، وما هو ظني كالعمومات وأخبار الآحاد والقياس والاستصحاب. ومن هنا عرفه في المحصول وفي المعتمد بأنه: «طرق الفقه»؛ ليشمل القطعي والظني.

الألفاظ ذات الصلة:

أ - الأمارة:

الأمارة في اللغة: العلامة وزنا ومعنى - كما في المصباح - وهي عند الأصوليين: ما أوصل إلى مطلوب خبري ظني.

ولم يفرق الفقهاء بين الأمارة والدليل. وعند المتكلمين: الأمارة ما يؤدي النظر الصحيح فيه إلى الظن، سواء أكان عقليا أم شرعيا. أما الفقهاء فالأمارات العقلية عندهم أدلة كذلك.

ب - البرهان:

البرهان: الحجة والدلالة، ويطلق خاصة على ما يقتضي الصدق لا محالة. وهو عند الأصوليين ما فصل الحق عن الباطل، وميز الصحيح من الفاسد بالبيان الذي فيه.

ج - الحجة:

الحجة: البرهان اليقيني، وهو ما تثبت به الدعوى من حيث الغلبة على الخصم.

والحجة الإقناعية، هي التي تفيد القانعين القاصرين عن تحصيل المطالب بالبراهين القطعية العقلية وربما تفضي إلى اليقين بالاستكثار

الأدلة المثبتة للأحكام:

الأدلة المثبتة للأحكام نوعان: متفق عليه ومختلف فيه. فالمتفق عليه أربعة وهي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، التي ترجع إليها أدلة الفقه الإجمالية، والمختلف فيه كثير جمعها القرافي في مقدمة الذخيرة، منها: الاستحسان، والمصالح المرسلة، وسد الذريعة، والعرف، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، والاستصحاب، وإجماع أهل المدينة، وغيرها ويقصد بالأحكام: الأحكام التكليفية الخمسة: الوجوب، والندب، والإباحة، والكراهة، والحرمة. والأحكام الوضعية: كالشرط، والمانع، والسبب ونحوها.

الدليل الإجمالي والدليل التفصيلي:

عرف الأصوليون أصول الفقه لقبا بأنه «أدلة الفقه الإجمالية» من حيث إن موضوعه الأدلة الإجمالية، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وهي الأدلة المتفق عليها، وما يتبعها من أدلة مختلف فيها إلا أنها ترجع إلى الأربعة المتفق عليها، وهي الاستحسان، والاستصحاب، وشرع من قبلنا، وقول الصحابي، والاستصلاح. وعلم أصول الفقه يبحث في إثبات حجية الأدلة وطرق دلالتها على الأحكام.

والدليل إن نظر إليه من حيث هو مع قطع النظر عما يتعلق به من الأحكام كان دليلا إجماليا، وإن نظر إليه من حيث ما يتعلق به من الأحكام كان دليلا تفصيليا. ومثال ذلك قوله تعالي وأقيموا الصلاة. فمن حيث إنه أمر، وأن الأمر يفيد الوجوب، كان دليلا إجماليا.

ومن حيث إنه أمر يتعلق بوجوب الصلاة على وجه الخصوص كان دليلا تفصيليا.

الدليل القطعي والدليل الظني:

تنقسم الأدلة السمعية إلى أربعة أقسام من حيث الثبوت والدلالة:

قطعي الثبوت والدلالة، كبعض النصوص المتواترة التي لم يختلف فيها، كقوله تعالى ( تلك عشرة كاملة).

وقطعي الثبوت ظني الدلالة، كبعض النصوص المتواترة التي يختلف في تأويلها.

وظني الثبوت قطعي الدلالة، كأخبار الآحاد ذات المفهوم القطعي.

وظني الثبوت والدلالة، كأخبار الآحاد التي مفهومها ظني.

ورتب أصوليو الحنفية على هذا التقسيم ثبوت الحكم بقدر دليله:

فبالقسم الأول يثبت الفرض، وبالقسم الثاني والثالث يثبت الوجوب، وبالقسم الرابع يثبت الاستحباب والسنية.

وهذا التقسيم جار على اصطلاح الحنفية في التفريق بين الفرض والواجب، خلافا للجمهور. وينظر في تفصيل ما تقدم: الملحق الأصولي في مواضعه. وكذلك مصطلح: «استدلال» «وترجيح».

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 214

شهادة

التعريف:

- من معاني الشهادة في اللغة: الخبر القاطع، والحضور والمعاينة والعلانية، والقسم، والإقرار، وكلمة التوحيد، والموت في سبيل الله. يقال: شهد بكذا إذا أخبر به وشهد كذا إذا حضره، أو عاينه إلى غير ذلك.

وقد يعدى الفعل (شهد) بالهمزة، فيقال: أشهدته الشيء إشهادا، أو بالألف، فقال: شاهدته مشاهدة، مثل عاينته وزنا ومعنى.

ومن الشهادة بمعنى الحضور: قوله تعالي فمن شهد منكم الشهر فليصمه)

قال القرطبي في تفسير هذه الآية: «وشهد بمعنى حضر.

ومن الشهادة بمعنى المعاينة: قوله تعالي وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون)

قال الراغب الأصفهاني في شرح معناها: «وقوله( أشهدوا خلقهم) ، يعني مشاهدة البصر.

ومن الشهادة بمعنى القسم أو اليمين: قوله تعالي فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين).

قال ابن منظور: «الشهادة معناها اليمين هاهنا.

ومن الشهادة بمعنى الخبر القاطع: قوله تعالي وما شهدنا إلا بما علمنا.

واستعمالها بهذا المعنى كثير.

ومن الشهادة بمعنى الإقرار: قوله تعالي شاهدين على أنفسهم بالكفر).

أي مقرين فإن الشهادة على النفس هي الإقرار.

وتطلق الشهادة أيضا على كلمة التوحيد. (وهي قولنا: لا إله إلا الله) وتسمى العبارة (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) بالشهادتين.

ومعناهما هنا متفرع عن مجموع المعنيين (الإخبار والإقرار)، فإن معنى الشهادة هنا هو الإعلام والبيان لأمر قد علم والإقرار الاعتراف به، وقد نص ابن الأنباري على أن المعنى هو: «أعلم أن لا إله إلا الله. وأبين أن لا إله إلا الله، وأعلم وأبين أن محمدا مبلغ للأخبار عن الله عز وجل وسمي النطق بالشهادتين بالتشهد، وهو صيغة (تفعل) من الشهادة.

وقد يطلق (التشهد) على (التحيات) التي تقرأ في آخر الصلاة.

جاء في حديث ابن مسعود: «أن النبي. صلي الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم القرآن.

ومن الشهادة بمعنى العلانيةقوله تعالي عالم الغيب والشهادة). أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في معنى هذه الآية: «السر والعلانية.

ومن الشهادة بمعنى الموت في سبيل الله: قوله تعالي فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين).

فهو شهيد قد رزقه الله الشهادة، جمعه شهداء.

وفي الاصطلاح الفقهي: استعمل الفقهاء لفظ الشهادة في الإخبار بحق للغير على النفس، وبيان ذلك في مصطلح (إقرار).

واستعملوا اللفظ في الموت في سبيل الله وبيانه في مصطلح (شهيد).

واستعملوه في القسم كما في اللعان، (وبيانه في اللعان).

كما استعمل الفقهاء لفظ الشهادة في الإخبار بحق للغير على الغير في مجلس القضاء، وهو موضوع البحث في هذا المصطلح.

واختلفوا في تعريف الشهادة بهذا المعنى.

فعرفها الكمال من الحنفية بأنها: إخبار صدق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء.

وعرفها الدردير من المالكية بأنها : إخبار حاكم من علم ليقضي بمقتضاه.

وعرفها الجمل من الشافعية بأنها: إخبار بحق للغير على الغير بلفظ أشهد.

وعرفها الشيباني من الحنابلة بأنها: الإخبار بما علمه بلفظ أشهد أو شهدت.

وتسميتها بالشهادة إشارة إلى أنها مأخوذة من المشاهدة المتيقنة، لأن الشاهد يخبر عن ما شاهده والإشارة إليها بحديث ابن عباس – رضي الله عنهما - قال: «ذكر عند رسول الله صلي الله عليه وسلم الرجل يشهد بشهادة، فقال لي: يا ابن عباس لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس وأومأ رسول الله صلي الله عليه وسلم بيده إلى الشمس.

وتسمى «بينة» أيضا؛ لأنها تبين ما التبس وتكشف الحق في ما اختلف فيه.

وهي إحدى الحجج التي تثبت بها الدعوى.

ألفاظ ذات صلة:

الإقرار:

الإقرار عند جمهور الفقهاء: الإخبار عن ثبوت حق للغير على المخبر.

الدعوى:

الدعوى: قول مقبول عند القاضي يقصد به طلب حق قبل الغير أو دفع الخصم عن حق نفسه.

فيجمع كلا من الإقرار والدعوى والشهادة، أنها إخبارات.

والفرق بينها: أن الإخبار إن كان عن حق سابق على المخبر، ويقتصر حكمه عليه فإقرار، وإن لم يقتصر، فإما أن لا يكون للمخبر فيه نفع، وإنما هو إخبار عن حق لغيره على غيره فهو الشهادة، وإما أن يكون للمخبر نفع فيه لأنه إخبار بحق له فهو الدعوى، انظر: الموسوعة الفقهية مصطلح (إقرار) (6 67.

البينة:

البينة: عرفها الراغب بأنها: الدلالة الواضحة عقلية أو محسوسة. وعرفها المجدوي البركتي بأنها: الحجة القوية والدليل. وقال ابن القيم: البينة في الشرع: اسم لما يبين الحق ويظهره. وهي تارة تكون أربعة شهود، وتارة ثلاثة بالنص في بينة المفلس، وتارة شاهدين وشاهدا واحدا وامرأة واحدة ونكولا ويمينا أو خمسين يمينا أو أربعة أيمان، وتكون شاهد الحال (أي القرائن) في صور كثيرة.

وبذلك تكون البينة على هذا أعم من الشهادة.

الحكم التكليفي.

تحمل الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية، لقوله تعالي ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا). ). وقوله تعالي ).وأقيموا الشهادة لله). وقوله (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه).

ولأن الشهادة أمانة فلزم أداؤها كسائر الأمانات. فإذا قام بها العدد الكافي (كما سيأتي) سقط الإثم عن الجماعة، وإن امتنع الجميع أثموا كلهم.

وإنما يأثم الممتنع إذا لم يتضرر بالشهادة، وكانت شهادته تنفع.

فإذا تضرر في التحمل أو الأداء، أو كانت شهادته لا تنفع، بأن كان ممن لا تقبل شهادته، أو كان يحتاج إلى التبذل في التزكية ونحوها، لم يلزمه ذلك، لقوله تعالي ولا يضار كاتب ولا شهيد.. وقوله صلي الله عليه وسلم : «لا ضرر ولا ضرار.

وإن كان ممن لا تقبل شهادته لم يجب عليه؛ لأن مقصود الشهادة لا يحصل منه. وقد يكون تحملها وأداؤها أو أحدهما فرضا عينيا إذا لم يكن هناك غير ذلك العدد من الشهود الذي يحصل به الحكم، وخيف ضياع الحق.

وهذا الحكم هو في الشهادة على حقوق العباد، أما حقوق الله فتنظر في مصطلح أداء ف 26 ح 2 ص 340 لبيان الخلاف في أفضلية الشهادة أو الستر.

مشروعية الشهادة:

ثبتت مشروعية الشهادة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.

أما الكتاب. فقوله تعالى:(واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء).

وقوله: (وأشهدوا ذوي عدل منكم).

وقوله(ولا تكتموا الشهادة).

وأما السنة: فأحاديث كثيرة منها حديث وائل بن حجر – رضي الله عنه - أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: «شاهداك أو يمينه.

وحديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنه - أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه». والبينة هي الشهادة.

«قد انعقد الإجماع على مشروعيتها لإثبات الدعاوى».

أما المعقول: فلأن الحاجة داعية إليها لحصول التجاحد بين الناس، فوجب الرجوع إليها.

أركان الشهادة:

أركان الشهادة عند الجمهور خمسة أمور: الشاهد، والمشهود له، والمشهود عليه، والمشهود به، والصيغة.

وركنها عند الحنفية: اللفظ الخاص، وهو لفظ (أشهد) عندهم.

سبب أداء الشهادة:

سبب أداء الشهادة طلب المدعي الشهادة من الشاهد، أو خوف فوت حق المدعي إذا لم يعلم المدعي كونه شاهدا.

حجية الشهادة:

الشهادة حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه ولكن توجب على الحاكم أن يحكم بمقتضاها لأنها إذا استوفت شروطها مظهرة للحق والقاضي مأمور بالقضاء بالحق.

شروط الشهادة:

للشهادة نوعان من الشروط:

شروط تحمل.

وشروط أداء.

فأما شروط التحمل: فمنها:

أن يكون الشاهد عاقلا وقت التحمل، فلا يصح تحملها من مجنون وصبي لا يعقل؛ لأن تحمل الشهادة عبارة عن فهم الحادثة وضبطها، ولا يحصل ذلك إلا بآلة الفهم والضبط، وهي العقل.

أن يكون بصيرا، فلا يصح التحمل من الأعمى عند الحنفية.

وذهب المالكية والشافعية والحنابلة وزفر من الحنفية إلى صحة تحمله فيما يجري فيه التسامع إذا تيقن الصوت وقطع بأنه صوت فلان.

أن يكون التحمل عن علم، أو عن معاينة للشيء المشهود به بنفسه لا بغيره: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ذكر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم «الرجل يشهد بشهادة، فقال لي: يا ابن عباس، لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس وأومأ رسول الله صلي الله عليه وسلم بيده إلى الشمس.

ولا يتم ذلك إلا بالعلم، أو المعاينة، إلا فيما تصح فيه الشهادة بالتسامع، كالنكاح، والنسب، والموت، وغير ذلك مما نص عليه الفقهاء أما ما سوى ذلك فتشترط فيه المعاينة.

ونص الفقهاء على أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد بما رآه من خط نفسه إلا إذا تذكر ذلك وتيقن منه، لأن الخط يشبه الخط، والختم يشبه الختم، كثيرا ما يقع التزوير، فلا معول إلا على التذكر.

وذهب أبو يوسف ومحمد إلى جواز شهادته على ما يجده من خط نفسه وعن أحمد في ذلك روايتان.

وهذه المسألة مبنية على مسألة القاضي يجد في ديوانه شيئا لا يحفظه، كإقرار رجل أو شهادة شهود، أو صدور حكم منه وقد ختم بختمه، فإنه لا يقضي بذلك عند أبي حنيفة، وعندهما يقضي به.

ولا يشترط للتحمل: البلوغ، والحرية، والإسلام، والعدالة، حتى لو كان الشاهد وقت التحمل صبيا عاقلا، أو عبدا، أو كافرا، أو فاسقا، ثم بلغ الصبي، وأعتق العبد، وأسلم الكافر، وتاب الفاسق، فشهدوا عند القاضي قبلت شهادتهم.

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩