loading

موسوعة قانون المرافعات

الاحكام

1- النص فى المادة 68 من قانون الإثبات يدل على أن الشهادة التى تصلح سنداً للحكم مقصورة على إخبار الشاهد عن وقائع علم بها لأنه عاينها لنفسه أو سمعها بأذنه أو وقائع استفاضت وعلم بها من جماعة لا يتصور تواطئهم فاستقر فى وجدانه صدقها ، ولا يعد من قبيل الشهادة ما يستطرد إليه الشاهد من تخمينات وظنون واستنتاجات فكل ذلك من قبيل الاستخلاص والاستنباط المنوط بمحكمة الموضوع وحدها .

(الطعن رقم 1109 لسنة 66 جلسة 1997/10/20 س 48 ع 2 ص 1139 ق 211) 

2- لما كانت المطعون ضدها قد تنازلت عن سماع بقية شهودها ولم يعترض الطاعنان على ذلك ولم يتمسكا بسماع شهودهما فأحالت المحكمة الدعوى إلى المرافعة ، وكان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة ، أن قواعد الإثبات غير متعلقة بالنظام العام مما يجيز الإتفاق على مخالفتها صراحة أوضمنا ، ويعتبر سكوت الخصم عن الاعتراض على الإجراء مع قدرته على إبدائه قبولا ضمنياً له ، وكان لا يعيب الحكم إستناده فى قضائه إلى شهادة شاهد المطعون ضدها فإن النعى عليه بالخطأ فى تطبيق القانون أو الإخلال بحق الدفاع لا يكون له أساس .

(الطعن رقم 666 لسنة 49 جلسة 1985/02/11 س 36 ع 1 ص 241 ق 55)

3- قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة فى الأحوال التى يجب فيها الإثبات بالكتابة ليست من النظام العام  فيجوز الإتفاق صراحة أو ضمناً على مخالفتها  ولقاضى الموضوع السلطة التقديرية فى إستخلاص القبول الضمنى من سلوك الخصم  ولا يخضع فى ذلك لرقابة محكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة .

(الطعن رقم 157 لسنة 38 جلسة 1973/04/24 س 24 ع 2 ص 667 ق 117)

4- قواعد الإثبات ليست من النظام العام ، ومتى كان الثابت أن محكمة أول درجة أصدرت حكمها بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات صورية سند الدين ، وقد ارتضى الطاعن هذا الحكم و نفذه دون أن يطعن عليه بالطريق المناسب ، فإن النعى على الحكم المطعون فيه بمخالفة قواعد الإثبات ، يكون غير مقبول .

(الطعن رقم 40 لسنة 37 جلسة 1971/12/09 س 22 ع 3 ص 1008 ق 169)

5- طلب إجراءات التحقيق ليس حقاً للخصوم يتحتم إجابتهم إليه فى كل حال وإنما هو من الرخص التى تملك محكمة الموضوع عدم الإستجابة إليها متى وجدت فى أوراق الدعوى و مستنداتها ما يكفى لتكوين عقيدتها دون أن تلتزم ببيان سبب الرفض .

(الطعن رقم 322 لسنة 52 جلسة 1985/11/21 س 36 ع 2 ص 1025 ق 212)

6- الحكم الذى يجيز الإثبات بطريق معين من طرق الإثبات لا يجوز - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حجية الأمر المقضى فى خصوص جواز الإثبات بهذا الطريق إلا إذا كان قد حسم النزاع بين الخصوم على وسيلة الإثبات بعد أن تجادلوا فى جوازها أو عدم جوازها . وإذ كان يبين من الرجوع إلى الحكم الصادر بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفى سداد ثمن المبيع أنه أجاز للمطعون عليه بعد أن قدم صورة من تحقيقات شكوى إدارية ، أن يثبت بالبينة أن الطاعن لم يسدد له ثمن المبيع ، وإستند الحكم فى ذلك إلى أن ما جاء بالشكوى الإدارية من أقوال يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ، وكان الطاعن لم يجادل فى وسيلة الإثبات أمام محكمة الإستئناف فإن الحكم المذكور لا يكون قد أنهى الخصومة كلها أو جزء منها ، مما لا يجوز معه الطعن فيه إلا مع الطعن فى الحكم الصادر فى الموضوع ، عملاً بنص المادة 378 من قانون المرافعات السابق .

(الطعن رقم 65 لسنة 37 جلسة 1972/03/09 س 23 ع 1 ص 349 ق 55)

7- إذا كان مؤدى نص المادة 3/173 من القانون المدنى أن مسئولية متولى الرقابة عن الأعمال غير المشروعة التى تقع ممن تجب عليه رقابتهم هى مسئولية ، مبناها خطأ مفترض إفتراضا قابلاً لإثبات العكس ومن ثم يستطيع متولى الرقابة أن ينفى هذا الخطأ عن نفسه بأن يثبت أنه قام بواجب الرقابة بما ينبغى من العناية وأنه إتخذ الإحتياطات المعقولة ليمنع من نيطت به رقابته من الإضرار بالغير وأنه بوجه عام لم يسىء تربيته فإن فعل إنتفى الخطأ المفترض فى جانبه وإرتفعت عنه المسئولية كما يستطيع أيضاً أن ينفى مسئوليته بنفى علاقة السببية بإثبات أن الضرر كان محال واقعاً ولو قام بما يفرضه عليه القانون من واجب الرقابة بما ينبغى من العناية ، وإذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعن تمسك أمام محكمة الإستئناف بنفى مسئوليته عن الفعل الصادر الذى وقع من إبنه القاصر مؤسساً ذلك على أنه لم يقصر فى واجب الرقابة المفروض عليه بما ينبغى من العناية وأنه لم يسىء تربيته ، فضلاً عن تمسكه بنفى علاقة السببية بين الخطأ المفترض فى جانبه وبين الضرر الذى أحدثه الفعل على أساس أن الفعل الذى سبب الضرر كان مفاجأة من شأنها أن تجعل وقوع الضرر مؤكداً حتى ولو لم يهمل فى واجب الرقابة بما ينبغى من حرص و عناية و طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات دفاعه ، وكان هذا الدفاع جوهرياً قد يتغير به أن صح وجه الرأى فى الدعوى فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يعن بالرد عليه يكون معيباً بالقصور .

(الطعن رقم 420 لسنة 44 جلسة 1977/12/15 س 28 ع 2 ص 1815 ق 310)

8- لئن كان طلب التحقق بشهادة الشهود جائزاً تقديمه فى أية حالة تكون عليها الدعوى بإعتباره من وسائل الدفاع التى يجوز إبداؤها لأول مرة أمام محكمة الإستئناف . إلا أنه متى كانت محكمة أول درجة قد أمرت بإجرائه و أحضر الخصم المكلف بالإستئناف وتقاعس خصمه عن إحضار شهود للنفى ، فإنه لا على محكمة الإستئناف إذا لم تستجب إلى طلبه إحالة الدعوى إلى التحقيق من جديد طالما أن محكمة أول درجة قد مكنته من نفى الوقائع المراد إثباتها بالبينة .

(الطعن رقم 11 لسنة 47 جلسة 1979/04/25 س 30 ع 2 ص 196 ق 221)

9- إن إجراء التحقيق لإثبات وقائع يجوز إثباتها بالبينة - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - ليس حقاً للخصوم تتحتم إجابتهم إليه فى كل حالة ، بل هو أمر متروك لمحكمة الموضوع ترفض الإجابة إليه بما لها من سلطة التقدير إذا لم تكن بها حاجة إليه ، لو كان غير مجد بالنظر إلى ظروف الدعوى وما هو ثابت فيها من الأدلة والوقائع التى تكفى لتكوين عقيدتها ، و بحسبها أن تبين فى حكمها الأسباب التى إعتمدت عليها فى رفض هذا الطلب .

(الطعن رقم 239 لسنة 36 جلسة 1970/12/10 س 21 ع 3 ص 1227 ق 200)

10- إنه و إن كانت محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة الخصوم إلى ما يطلبونه من إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ما يجوز إثباته بشهادة الشهود ، إلا أنها ملزمة إذا رفضت هذا الطلب أن تبين فى حكمها ما يسوغ رفضه .

(الطعن رقم 156 لسنة 48 جلسة 1981/05/21 س 32 ع 2 ص 1573 ق 284)

شرح خبراء القانون

إجراءات الشهادة :

حدد القانون إجراءات معينة لسماع الشهود بإجراءات تحقیق معينة، ومن المقرر في قضاء النقض أن التحقيق الذي يصح للمحكمة أن تتخذه سنداً أساسياً لحكمها هو الذي يجري وفقاً للأحكام التي رسمها القانون لشهادة الشهود في المواد 68 وما بعدها من قانون الإثبات ، والتي توجب أن يحلف الشاهد اليمين القانونية ، وأن يحدث التحقيق أمام المحكمة ذاتها أو بمعرفة قاضی تندبه لذلك، وأن تمكن المحكمة طالب التحقيق من إثبات ادعائه وخصمه من نفي ما قد يثبته الأول ، والتي بينت كيف توجه الأسئلة إلى الشاهد بمعرفة المحكمة، وأن يجيب أولاً عن أسئلة الخصم الذي استشهد به ثم عن اسئلة الخصم الآخر، إلى غير ذلك من الضمانات التي تكفل حسن سير التحقيق توصلاً إلى الحقيقة، أما ما يقدم من إخبارات مكتوبة خارج مجلس القضاء لصالح أحد طرفي الخصومة ولو كانت موثقة، وما يجري سماعه من شهود بمحضر الشرطة أو التحقيقات الإدارية أو أمام الخبير فلا يعد تحقيقاً بالمعنى المقصود ولا إقراراً، وبالتالي لا ينهض وحده سنداً أساسياً للحكم ، وانما قد تصلح قرينة يجب أن تعزز بدليل أو قرينة أخرى .

طلب سماع الشاهد :

ليس لأحد الخصوم أن يستشهد بشاهد إلا بناء على حكم من المحكمة، وهذا الحكم يصدر إما بناء على طلب الخصم أو من تلقاء نفس المحكمة، وقد أجاز القانون للمحكمة في الأحوال التي يجيز فيها القانون الإثبات بشهادة الشهود أن تستمع إلى شهود دون طلب من أي من الخصمين، وذلك «متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة» (مادة 70 من قانون الإثبات)، وهي عندئذٍ تستدعي من تری لزوم سماع شهادته، وإذا قدم الخصم طلباً لسماع شهود، فإن هذا الطلب - كأي طلب عارض - يمكن أن يقدم كتابة أو يبدي شفوياً في الجلسة، ويجب أن يتضمن الطلب الوقائع التي يراد إثباتها بشهادة الشهود بدقة (مادة 68 إثبات) . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة : 201 )

كيف تحال القضية إلى التحقيق لسماع الشهود : 

فى الأحوال التى يجيز فيها القانون الإثبات بالبينة ، ويرى القاضى أن هذا الإثبات مستساغ على النحو الذي بيناه ، يجوز للمحكمة ، من تلقاء نفسها متى رأت فى ذلك فائدة  للحقيقة أو بناء على طلب الخصم ، أن تأمر بالإثبات بالبينة، والحكم الذى يصدر بإحالة القضية إلى التحقيق لسماع الشهود يجب أن يبين فى منطوقه كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها ، واليوم الذى يبدأ فيه التحقيق ، والميعاد الذى يجب أن يتم فيه  م 68 – 71  من قانون الاثبات الجديد  . وهذا هو ما يسمى بالتحقيق الفرعي . الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني  المجلد الأول ، الصفحة : 428 )

1- يجب أن يكون الإثبات بشهادة الشهود جائزة في الأصل وفقاً لقواعد القانون المدني أو القانون التجاري حسب الأحوال .

 ويجب أن تكون الوقائع المراد إثباتها متصلة في الدعوى منتجة فيها جائز قبولها وفقاً للمادة 2 ويجب أن ترى المحكمة لزوم هذا الإثبات، وكون الإثبات وكون الواقعة متعلقة بموضوع النزاع منتجة فيها واضح أنها مسألة موضوعية يجب ترك تقديرها لقاضي الموضوع فلا يصح الطعن في هذا التقدير .

( الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات، الطبعة الثانية ص 217- والمستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة ص 550 ).

2- وفقاً للنص المتقدم لا يكفي أن يطلب التحقيق بعبارات عامة مبهمة وذلك ليتسنى للمحكمة تحديد هذه الوقائع وتقدير أهميتها ومبلغ تأثيرها في وجه الفصل في الخصومة - ويكون طلب الإثبات بشهادة الشهود في أية حالة كانت عليها الدعوى ويجوز طلبه أمام محكمة ثاني درجة إذا لم يسبق تحقيق الوقائع المراد إثباتها أمام محكمة أول درجة أو كان من المصلحة استيفاء تحقيق سبق إجراؤه وذلك لأن طلب الإثبات بشهادة الشهود من الوسائل الجديدة فيجوز تقديمها لأول مرة أمام محكمة الإستئناف .

(العشماوي في قواعد المرافعات الجزء الثاني ص 536). ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه،  طبعة 2014، 2015 دار محمود،  المجلد :  الثاني ، الصفحة : 88 )

لكل من طرفي الخصوم أن يطلب إجراء التحقيق فيطلبه المدعي ليثبت مزاعمه والمدعي عليه ليثبت دفاعه ويحصل الطلب بإبدائه كتابة أو شفاهة بالجلسة ، وقد اشترط النص أن يبين طالباً الإثبات بالشهود وقائع الدعوى التي يريد إثباتها وذلك لتتضح غير المتنازع فيها ، والوقائع التي لا يجوز إثباتها بالبينة والوقائع التي قد تكفي ظروف الدعوي الأخرى في إثباتها دون حاجة لإجراء تحقيق والوقائع التي لا يثمر إثباتها في الدعوى والوقائع غير المتعلقة بالدعوى (رسالة الإثبات لنشأت ص 430 ).

وإذا لم يبين طالب التحقيق الوقائع التي يريد إثباتها بالبينة جاز للمحكمة أن تلفت عن طلبه لعدم إمكانها تقدير توافر الشروط اللازمة لقبوله .

ويكون طلب الإثبات بشهادة الشهود في أية حالة كانت عليها الدعوي ويجوز طلبه أمام محكمة ثاني درجة إذا لم يسبق تحقيق الوقائع المراد إثباتها أمام محكمة أول درجة أو كان من المصلحة استيفاء تحقيق سبق إجراؤه ، وذلك لأن طلب الإثبات بشهادة الشهود من الوسائل الجديدة فيجوز تقديمها لأول مرة أمام الاستئناف (مرافعات العشماوي ، الجزء الثاني ص 536) .

 ولا يجوز التقدم بطلب سماع الشهود إلى محكمة النقض ، كما لا يجوز بعد سماع الشهود طلب إعادة سماعهم مرة أخرى ، أو طلب مناقشتهم أمام محكمة الدرجة الثانية وإن كان هذا لا يمنعها من إعادة سماعهم إذا وجدت لذلك مبرراً ، غير أنه إذا كانت محكمة أول درجة قد أمرت بإجراء التحقيق وأحضر الخصم المكلف بالإثبات شهوده وتقاعد خصمه عن إحضار شهود نفيه ، فإن المحكمة الاستئنافية لا تكون ملزمة بطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق من جديد ما دام أن محكمة أول درجة قد مكنته من نفي الوقائع المراد إثباتها بالبينة فلم يفعل . (سليمان مرقص ، الطبعة الرابعة ، الجزء الثاني ص 27 وما بعدها ).

ويجب توافر أربعة شروط لتكون الإحالة على التحقيق جائزة : أولها ، أن تكون الوقائع المراد إثباتها متعلقة بالدعوى ومتنازعها فيها وشرط كون الوقائع المراد إثباتها متعلقة بالدعوى هو شرط عام بالنسبة لكل طرق الإثبات ، وقد نصت عليه صراحة المادة 2 من قانون الإثبات التي وردت ضمن الأحكام العامة في إجراءات الإثبات ، وثانيها : أن يكون إثباتها منتجاً ، أي مؤدياً لإثبات المزاعم أو الدفاع ، وقد نص قانون الإثبات علي هذا الشرط في المادة 2 وهو شرط عام ينتظم كل طلب بإجراء الإثبات، وثالثها، أن يكون القانون يجيز إثبات هذه الوقائع بشهادة الشهود والمرجع في ذلك إلى أحكام قانون الإثبات أو غيره من القوانين الموضوعية ، ورابعها : ألا ترى المحكمة انتفاء الداعي إلى التحقيق لأن في الدعوى من الأدلة الأخرى ما يكفي لتكوين اقتناعها ، فالمحكمة أن ترفض طلب الإثبات بالشهادة ولو كانت الوقائع مما يجوز إثباتها بالشهادة وكانت متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها إذا لم تكن هناك فائدة ترجي من التحقيق كما إذا استبان من الأدلة الأخرى المقدمة في الدعوى أن الحق ثابت في جانب أحد الخصوم، أو ثبت من ظروف الدعوى عدم جدية الإدعاء ويستفاد هذا الشرط بمفهوم المخالفة من نص المادة 70 من أن المحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة فمفهوم هذا النص أنها إن لم تر في الإثبات بشهادة الشهود فائدة في الكشف عن الحقيقة كان لها أن ترفض طلب الإثبات بالشهادة غير أنه يجب عليها في هذه الحالة أن تبين في حكمها الأسباب التي اعتمدت عليه في رفض هذا الطلب .

أما إذا لم تتوافر الشروط الأربعة المتقدمة ، قضت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصم الآخر برفض الإثبات بالشهادة .

وإذا لم تكن الوقائع متعلقة بالدعوي أو متنازعها فيها ولا الإثبات منتجاً ولا جائز القبول ، تحكم المحكمة ، ولو من تلقاء نفسها ، بعدم قبول طلب الإثبات بشهادة الشهود ( المرجع السابق ص27، ورمزي سيف ، الطبعة الثامنة ص 638 ) .

وإذا كانت الوقائع مما لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود وجب على المحكمة أن ترفض الإحالة إلى التحقيق إذا تمسك الخصم بذلك ، ودفع بعدم جواز الإثبات بشهادة الشهود، أما إذا لم يبد هذا الدفع فإنه لا يجوز للمحكمة أن ترفض الإحالة إلى التحقيق من تلقاء نفسها، بحجة أن القانون لا يجيز الإثبات بالبينة ( قارن العشماوي ، الجزء الثاني ص 537 ).

 كذلك فإنه من باب أولى لا يجوز للمحكمة أن ترفض الإحالة على التحقيق باعتبار أن القانون لا يجيز الإثبات بشهادة الشهود إذا قبل الخصم تحقيق الوقائع المذكورة بهذا الطريق، ذلك أنه من المستقر عليه فقهاً وقضاء أن عدم جواز الإثبات بشهادة الشهود غیر متعلق بالنظام العام، وإنما قصد به حماية مصلحة الخصوم الخاصة، ولذلك لهم التنازل عن التمسك بهذا الدفع .

هذا ومن المقرر أنه في حالة تطبيق قواعد الشهادة في الشريعة الإسلامية ليس من شان القاضي أن يلفت نظر الشاهد لاستكمال شروط تحمل الشهادة صراحة أو ضمناً .

(نقض 15 نوفمبر لسنة 1967 . وقد أوردناه في التعليق علي المادة 87).

ويتمتع القاضي بسلطة واسعة في تقدير ما إذا كانت الوقائع متعلقة بالحق ومنتجة في الإثبات وهذه السلطة لا يتمتع بها في الإثبات بالكتابة ذلك أن الكتابة المعدة للإثبات تشمل عادة على الوقائع المتعلقة بالحق المدعي به والتي تكون منتجة في الإثبات لأنها إنما أعدت للوفاء بهذه الأغراض ، أما في الإثبات بالبينة فيتسع المجال للقاضي في تقدير ما إذا كانت الوقائع التي استدعى الشهود من أجلها متعلقة بالدعوى ومنتجة في الإثبات والغالب أن يكون الشهود لم يعدوا للشهادة من قبل فإذا توخوا الأمانة في شهاداتهم فإنهم لا يشهدون إلا علي الوقائع التي يتفق أن يكونوا قد رأوها أو سمعوها وهذه الوقائع قد تكون متعلقة بالحق وقد لا تكون متعلقة به وإذا كانت متعلقة به ، فقد تكون منتجة في الإثبات أو لا تكون كل هذا متروك لتقدير القاضي ولكن يوجب أن تكون هناك أسباب كافية لتبرير هذا التقدير ، ويكون التسبيب قاصراً إذا لم يواجه دفاع الخصم ولم يحققه مع حاجته إلى التحقيق .

ولا يجوز أن يكون مجرد التخوف من فساد ذمة الشهود سبباً في حرمان مدعي الحق من إثبات دعواه بالبينة .

 ولا يجوز للمحكمة أن ترفض طلب الإحالة للتحقيق اكتفاء بافتراض الأقوال التي سيدلي بها الشاهد أو بناء على طالب الإحالة إلى التحقيق سبق أن قرر أمام محكمة أول درجة أنه ليس لديه شهود، وليس بلازم أن يكون رفض المحكمة طلب التحقيق صريحاً ، بل يجوز أن يكون ضمنياً ، وفي هذه الحالة تسبيب الرفض ضمنياً .

وإذا أجابت المحكمة طالب التحقيق لطلبه ، وأصدرت بذلك حكماً تمهيدياً فإنها ليست ملزمة بتحرير أسباب لحكمها عملاً بالمادة 5 إثبات .

ومن المقرر أن قاضي الموضوع ولا يخضع في تقديره إجابة طلب التحقيق أو رفضه كلياً أو جزئياً لرقابة محكمة النقض إلا في الحالات الآتية :

 1- إذا أسس رفضه علي عدم جواز إثبات الواقعة المطلوب تحقيقها بالبينة .

 2- إذا قضي بالإحالة للتحقيق في واقعة لا يجوز فيها الإثبات بالبينة ، سواء كان ذلك من تلقاء نفسه أو بناء علي طلب الخصم ما لم يتنازل الخصم الأخر عن التمسك بهذا الحق .

 3- إذا بني حكمه على أسباب غير سائغة .

والجدير بالذكر أن إغفال المحكمة طلب الإحالة للتحقيق وعدم التحدث عنه أصلاً ، أو عدم ردها عليه ولو ضمناً يجعل حكمها مشوباً بقصور يبطله .

وإذا رفضت محكمة أول درجة الإحالة للتحقيق لأسباب موضوعية ، أو أغفلت الرد عليه فلا تثريب على محكمة الاستئناف إن استجابت للطلب ، لأن الاستئناف ينقل الدعوى إلي محكمة الاستئناف بما أبداه المستأنف عليه من دفوع أو دفاع أمام محكمة أول درجة ، طالما لم يثبت تنازله عن هذا الطلب عملاً بالمادة 232 مرافعات. التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية،  الجزء الثاني ،  الصفحة : 717 )

بیان الوقائع التي يراد إثباتها :

لكل من طرفي الخصومة أن يطلب إحالة الدعوى على التحقيق، فيطلبه المدعي ليثبت دعواه، ويطلبه المدعى عليه لإثبات دفاعه .

ويكون طلب الإحالة إلى التحقيق شفاهة بالجلسة أو كتابة في مذكرة من الخصم .

واشترط النص أن يبين الخصم الوقائع التي يريد إثباتها بشهادة الشهود. فلا يكفي أن يطلب الخصم إحالة الدعوى إلى التحقيق بعبارات عامة مبهمة، وذاك ليتسنى للمحكمة تحديد هذه الوقائع وتقدير أهميتها ومبلغ تأثيرها في وجه الفصل في الدعوى .

وإذا لم يبين طالب التحقيق الوقائع التي يريد إثباتها بالبينة، حاز المحكمة أن تلتفت عن طلبه لعدم إمكانها تقدير توافر الشروط اللازمة لقبوله .

وهذا لا يمنعها بداهة من إحالة الدعوى إلى التحقيق إذا أمكنها الوقوف على الوقائع المراد إثباتها .

ويكون طلب الإثبات بشهادة الشهود في أية حالة تكون عليها الدعوى، ويجوز التقدم به أمام محكمة ثاني درجة إذا لم يسبق تحقيق الوقائع المراد إثباتها أمام محكمة أول درجة أو كان من المصلحة استيفاء تحقيق سبق إجراؤه وذلك لأن طلب الإثبات بشهادة الشهود من الوسائل الجديدة فيجوز تقديمها لأول مرة أثناء نظر الاستئناف .

ولا يجوز التقدم بطلب سماع الشهود إلى محكمة النقض، كما لا يجوز بعد سماع الشهود طلب إعادة سماعهم مرة أخرى، أو طلب مناقشتهم أمام محكمة الدرجة الثانية وإن كان هذا لا يمنعها من إعادة سماعهم إذا وجدت لتلك مبرراً، غير أنه إذا كانت محكمة أول درجة قد أمرت بإجراء التحقيق وأحضر الخصم المكلف بالإثبات شهوده وتقاعس خصمه عن إحضار شهود نفيه، فإن المحكمة الاستئنافية لا تكون ملزمة بطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق من جديد مادام أن محكمة أول درجة قد مكنته من نفي الوقائع المراد إثباتها بشهادة الشهود فلم يفعل .

محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة طلب الإحالة إلى التحقيق :

محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة الخصم إلى ما يطلبه من إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات وقائع يجوز إثباتها بشهادة الشهود، إذا رأى القاضي من ظروف الدعوى ما يكفي لاقتناعه، غير أنه إذا رفض طلب الإحالة إلى التحقيق كان من واجبه أن يبين في حكمه الأسباب التي دعته إلى عدم إجابة هذا الطلب وإلا كان حكمه مشوباً بالقصور في التسبيب مما يبطله .

عدم جواز الإثبات بشهادة الشهود لا يتعلق بالنظام العام :

قاعدة عدم جواز الإثبات بشهادة الشهود فيما يجب إثباته بالكتابة، لا تتعلق بالنظام العام. ومن ثم يجب على الخصم التمسك بها كما يجوز له التنازل عنها صريحة أو ضمناً .

فإذا طلب المدعى إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات تصرف يجب إثباته بالكتابة، ولم يدفع المدعى عليه بعدم جواز الإثبات بشهادة الشهود كان للمحكمة أن تحيل الدعوى على التحقيق، وإذا كان المدعى عليه لم يعد هذا الدفع وأحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، كان للمدعى عليه الاعتراض على الإحالة إلى التحقيق قبل سماع شهود المدعي، فإذا لم يعترض سقط حقه في الدفع بعدم جواز الإثبات بشهادة الشهود . ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود،  المجلد : الثاني  ،  الصفحة  : 1169 )

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة : 93     

(مادة 48) : 

على الخصم الذي يطلب الإثبات بشهادة الشهود أن يبين الوقائع التي يريد إثباتها كتابة أو شفاهاً في الجلسة ، وعدد شهوده وأسماءهم. 

 ( م (68) إثبات مصري ، و(68) بینات سوري وأضافت : «وأن يسمي شهوده على أن لا يتجاوز عددهم الخمسة في الواقعة الواحدة ، إلا إذا أجازت له المحكمة ذلك» . 

المذكرة الإيضاحية : 

أريد بهذا النص أن يبين طالب الإثبات بالشهود وقائع الدعوى التي يريد إثباتها؛ وذلك لتتضح الوقائع غير المتنازع فيها ، والوقائع التي لا يجوز إثباتها بالبينة والوقائع التي قد تكفي ظروف الدعوى الأخرى في إثباتها دون حاجة لإجراء تحقيق ، والوقائع التي لا يثمر إثباتها في الدعوى ، والوقائع غير المتعلقة بالدعوى . 

 

ويكون طلب الإثبات بشهادة الشهود في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو أمام محكمة ثاني درجة ، وقد رئي إقتداء بقانون البينات السوري ، وإتساقاً مع حكم المادة التالية (50) من هذا القانون - وجوب أن يبين طالب الإثبات عدد شهوده وأسماءهم . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس والعشرون ، الصفحة / 214

شَهَادَةٌ

التَّعْرِيفُ:

مِنْ مَعَانِي الشَّهَادَةِ فِي اللُّغَةِ: الْخَبَرُ الْقَاطِعُ، وَالْحُضُورُ وَالْمُعَايَنَةُ وَالْعَلاَنِيَةُ، وَالْقَسَمُ، وَالإِْقْرَارُ، وَكَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَالْمَوْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. يُقَالُ: شَهِدَ بِكَذَا إِذَا أَخْبَرَ بِهِ وَشَهِدَ كَذَا إِذَا حَضَرَهُ، أَوْ عَايَنَهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَدْ يُعَدَّى الْفِعْلُ (شَهِدَ) بِالْهَمْزَةِ، فَيُقَالُ: أَشْهَدْتُهُ الشَّيْءَ إِشْهَادًا، أَوْ بِالأَْلِفِ، فَقَالَ: شَاهَدْتُهُ مُشَاهَدَةً، مِثْلُ عَايَنْتُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْحُضُورِقوله تعالي فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآْيَةِ: «وَشَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِقوله تعالي وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)  

قَالَ الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ مَعْنَاهَا: «وَقَوْلُهُ( أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) ، يَعْنِي مُشَاهَدَةَ الْبَصَرِ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْقَسَمِ أَوِ الْيَمِينِقوله تعالي فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).

قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: «الشَّهَادَةُ مَعْنَاهَا الْيَمِينُ هَاهُنَا.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ الْقَاطِعِقوله تعالي وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا.

وَاسْتِعْمَالُهَا بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الإِْقْرَارِقوله  تعالي شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ).

أَيْ مُقِرِّينَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْسِ هِيَ الإِْقْرَارُ.

وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ أَيْضًا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ. (وَهِيَ قَوْلُنَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) وَتُسَمَّى الْعِبَارَةُ (أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) بِالشَّهَادَتَيْنِ.

وَمَعْنَاهُمَا هُنَا مُتَفَرِّعٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ (الإِْخْبَارُ وَالإِْقْرَارُ)، فَإِنْ مَعْنَى الشَّهَادَةِ هُنَا هُوَ الإِْعْلاَمُ وَالْبَيَانُ لأَِمْرٍ قَدْ عُلِمَ وَالإِْقْرَارُ الاِعْتِرَافُ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الأَْنْبَارِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ: «أَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. وَأُبَيِّنُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ أَنَّ مُحَمَّدًا مُبَلِّغٌ لِلأَْخْبَارِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ  وَسُمِّيَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِالتَّشَهُّدِ، وَهُوَ صِيغَةُ (تَفَعَّلَ) مِنَ الشَّهَادَةِ.

وَقَدْ يُطْلَقُ (التَّشَهُّدُ) عَلَى (التَّحِيَّاتِ) الَّتِي تُقْرَأُ فِي آخِرِ الصَّلاَةِ.

جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّصلي الله عليه وسلم  كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْعَلاَنِيَةِقوله تعالي عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ). أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الآْيَةِ: «السِّرُّ وَالْعَلاَنِيَةُ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِقوله تعالي فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ).

فَهُوَ شَهِيدٌ قَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ الشَّهَادَةَ، جَمْعُهُ شُهَدَاءُ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ: اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الإِْخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ).

وَاسْتَعْمَلُوا اللَّفْظَ فِي الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَبَيَانُهُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهِيدٌ).

وَاسْتَعْمَلُوهُ فِي الْقَسَمِ كَمَا فِي اللِّعَانِ، (وَبَيَانُهُ فِي اللِّعَانِ).

كَمَا اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الإِْخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ مَوْضُوعُ الْبَحْثِ فِي هَذَا الْمُصْطَلَحِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِ الشَّهَادَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى.

فَعَرَّفَهَا الْكَمَالُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارُ صِدْقٍ لإِِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ.

وَعَرَّفَهَا الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهَا : إِخْبَارُ حَاكِمٍ مِنْ عِلْمٍ لِيَقْضِيَ بِمُقْتَضَاهُ.

وَعَرَّفَهَا الْجَمَلُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ بِلَفْظِ أَشْهَدُ.

وَعَرَّفَهَا الشَّيْبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا: الإِْخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْتُ.

وَتَسْمِيَتُهَا بِالشَّهَادَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ، لأَِنَّ الشَّاهِدَ يُخْبِرُ عَنْ مَا شَاهَدَهُ وَالإِْشَارَةُ إِلَيْهَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما  - قَالَ: «ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.

وَتُسَمَّى «بَيِّنَةً» أَيْضًا؛ لأَِنَّهَا تُبَيِّنُ مَا الْتَبَسَ وَتَكْشِفُ الْحَقَّ فِي مَا اخْتُلِفَ فِيهِ.

وَهِيَ إِحْدَى الْحُجَجِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الدَّعْوَى.

أَلْفَاظٌ ذَاتُ صِلَةٍ:

الإِْقْرَارُ:

الإِْقْرَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الإِْخْبَارُ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْمُخْبِرِ.

الدَّعْوَى:

الدَّعْوَى: قَوْلٌ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْقَاضِي يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ قِبَلِ الْغَيْرِ أَوْ دُفْعُ الْخَصْمِ عَنْ حَقِّ نَفْسِهِ.

فَيَجْمَعُ كُلًّا مِنَ الإِْقْرَارِ وَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، أَنَّهَا إِخْبَارَاتٌ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا: أَنَّ الإِْخْبَارَ إِنْ كَانَ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ عَلَى الْمُخْبِرِ، وَيَقْتَصِرُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ فَإِقْرَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ، فَإِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ فِيهِ نَفْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ نَفْعٌ فِيهِ لأَِنَّهُ إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لَهُ فَهُوَ الدَّعْوَى، انْظُرْ: الْمَوْسُوعَةَ الْفِقْهِيَّةَ مُصْطَلَحَ (إِقْرَارٌ) (6 67.

الْبَيِّنَةُ:

الْبَيِّنَةُ: عَرَّفَهَا الرَّاغِبُ بِأَنَّهَا: الدَّلاَلَةُ الْوَاضِحَةُ عَقْلِيَّةً أَوْ مَحْسُوسَةً. وَعَرَّفَهَا الْمَجْدَوِيُّ الْبَرَكَتِيُّ بِأَنَّهَا: الْحُجَّةُ الْقَوِيَّةُ وَالدَّلِيلُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْبَيِّنَةُ فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ. وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ أَرْبَعَةَ شُهُودٍ، وَتَارَةً ثَلاَثَةً بِالنَّصِّ فِي بَيِّنَةِ الْمُفَلِّسِ، وَتَارَةً شَاهِدَيْنِ وَشَاهِدًا وَاحِدًا وَامْرَأَةً وَاحِدَةً وَنُكُولاً وَيَمِينًا أَوْ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ، وَتَكُونُ شَاهِدَ الْحَالِ (أَيِ الْقَرَائِنَ) فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ.

وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَذَا أَعَمَّ مِنَ الشَّهَادَةِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ.

تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، لقوله تعالي وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا). ). وقوله تعالي ).وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ). وَقَوْلُهُ (وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).

وَلأَِنَّ الشَّهَادَةَ أَمَانَةٌ فَلَزِمَ أَدَاؤُهَا كَسَائِرِ الأَْمَانَاتِ. فَإِذَا قَامَ بِهَا الْعَدَدُ الْكَافِي (كَمَا سَيَأْتِي) سَقَطَ الإِْثْمُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنِ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أَثِمُوا كُلُّهُمْ.

وَإِنَّمَا يَأْثَمُ الْمُمْتَنِعُ إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالشَّهَادَةِ، وَكَانَتْ شَهَادَتُهُ تَنْفَعُ.

فَإِذَا تَضَرَّرَ فِي التَّحَمُّلِ أَوِ الأَْدَاءِ، أَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ لاَ تَنْفَعُ، بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، أَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، لقوله تعالي وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ.وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم  : «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لاَ يَحْصُلُ مِنْهُ. وَقَدْ يَكُونُ تَحَمُّلُهَا وَأَدَاؤُهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَرْضًا عَيْنِيًّا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُ ذَلِكَ الْعَدَدِ مِنَ الشُّهُودِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْحُكْمُ، وَخِيفَ ضَيَاعُ الْحَقِّ.

وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ، أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ فَتُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ أَدَاءٌ ف 26 ح 2 ص 340 لِبَيَانِ الْخِلاَفِ فِي أَفْضَلِيَّةِ الشَّهَادَةِ أَوِ السَّتْرِ.

مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ:

ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا الْكِتَابُ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى:(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ).

وَقَوْلُهُ(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).

وَقَوْلُهُ(وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ).

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ – رضي الله عنه  - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ لَهُ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ.

وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنه  - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ». وَالْبَيِّنَةُ هِيَ الشَّهَادَةُ.

« قَدِ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا لإِِثْبَاتِ الدَّعَاوَى »

أَمَّا الْمَعْقُولُ: فَلأَِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ بَيْنَ النَّاسِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا.

أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ:

أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خَمْسَةُ أُمُورٍ: الشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ لَهُ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَالْمَشْهُودُ بِهِ، وَالصِّيغَةُ.

وَرُكْنُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اللَّفْظُ الْخَاصُّ، وَهُوَ لَفْظُ (أَشْهَدُ) عِنْدَهُمْ.

سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ:

سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ طَلَبُ الْمُدَّعِي الشَّهَادَةَ مِنَ الشَّاهِدِ، أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّ الْمُدَّعِي إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُدَّعِي كَوْنَهُ شَاهِدًا.

حُجِّيَّةُ الشَّهَادَةِ:

الشَّهَادَةُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ تُظْهِرُ الْحَقَّوَلاَ تُوجِبُهُ وَلَكِنْ تُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمُقْتَضَاهَا لأَِنَّهَا إِذَا اسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا مُظْهِرَةٌ لِلْحَقِّ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ.

شُرُوطُ الشَّهَادَةِ:

لِلشَّهَادَةِ نَوْعَانِ مِنَ الشُّرُوطِ:

شُرُوطُ تَحَمُّلٍ.

وَشُرُوطُ أَدَاءً.

فَأَمَّا شُرُوطُ التَّحَمُّلِ: فَمِنْهَا:

أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَاقِلاً وَقْتَ التَّحَمُّلِ، فَلاَ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لاَ يَعْقِلُ؛ لأَِنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ عِبَارَةٌ عَنْ فَهْمِ الْحَادِثَةِ وَضَبْطِهَا، وَلاَ يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلاَّ بِآلَةِ الْفَهْمِ وَالضَّبْطِ، وَهِيَ الْعَقْلُ.

أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، فَلاَ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنَ الأَْعْمَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ تَحَمُّلِهِ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ إِذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَقَطَعَ بِأَنَّهُ صَوْتُ فُلاَنٍ.

أَنْ يَكُونَ التَّحَمُّلُ عَنْ عِلْمٍ، أَوْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِلشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنَفْسِهِ لاَ بِغَيْرِهِ: لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما  قَالَ: ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  «الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.

وَلاَ يَتِمُّ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْعِلْمِ، أَوِ الْمُعَايَنَةِ، إِلاَّ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ، كَالنِّكَاحِ، وَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَتُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُعَايَنَةُ.

وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا رَآهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ إِلاَّ إِذَا تَذَكَّرَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَ مِنْهُ، لأَِنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَتْمَ يُشْبِهُ الْخَتْمَ، كَثِيرًا مَا يَقَعُ التَّزْوِيرُ، فَلاَ مُعَوَّلَ إِلاَّ عَلَى التَّذَكُّرِ.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى جَوَازِ شَهَادَتِهِ عَلَى مَا يَجِدُهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَاضِي يَجِدُ فِي دِيوَانِهِ شَيْئًا لاَ يَحْفَظُهُ، كَإِقْرَارِ رَجُلٍ أَوْ شَهَادَةِ شُهُودٍ، أَوْ صُدُورِ حُكْمٍ مِنْهُ وَقَدْ خُتِمَ بِخَتْمِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْضِي بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِهِ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ لِلتَّحَمُّلِ: الْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالإِْسْلاَمُ، وَالْعَدَالَةُ، حَتَّى لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ صَبِيًّا عَاقِلاً، أَوْ عَبْدًا، أَوْ كَافِرًا، أَوْ فَاسِقًا، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْفَاسِقُ، فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني ، الصفحة / 226

إِثْبَاتُ الإْحْصَانِ:

يَثْبُتُ الإْحْصَانُ فِي الرَّجْمِ بِالإْقْرَارِ الصَّحِيحِ وَهُوَ مَا صَدَرَ مِنْ عَاقِلٍ مُخْتَارٍ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ بِالإْحْصَانِ عَاقِلاً مُخْتَارًا؛ لأِنَّ الْمُكْرَهَ وَالْمَجْنُونَ لاَ حُكْمَ لِكَلاَمِهِمَا.

كَمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ، وَيَرَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَزُفَرُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي إِثْبَاتِ الإْحْصَانِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ؛ لأِنَّهُ حَالَةٌ فِي الشَّخْصِ لاَ عَلاَقَةَ لَهَا بِوَاقِعَةِ الزِّنَى، فَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ بِالإْحْصَانِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الزِّنَى.

وَلَكِنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا يَرَيَانِ أَنَّ الإْحْصَانَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَكَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ: تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَجَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا، وَلَوْ قَالَ: دَخَلَ بِهَا يَكْفِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لأِنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ الدُّخُولُ بِحَرْفِ الْبَاءِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لاَ يَكْفِي؛ لأِنَّ الدُّخُولَ يُطْلَقُ عَلَى الْخَلْوَةِ بِهَا.

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩