1- النص فى المادة 69 من قانون الإثبات على أن الإذن لأحد الخصوم بإثبات الواقعة بشهادة الشهود يقتضى دائماً أن يكون للخصم الآخر الحق فى نفيها بهذا الطريق لا يعنى أن المشرع يلقى على عاتق هذا الأخير عبء نفى الواقعة المراد إثباتها و إنما هو يعطيه رخصة إتباع ذات الطريق فى دحض تقريرات شهود الإثبات لتوازن المحكمة بين أقوال الفريقين وترجح بينهما فإذا لم يستعمل هذه الرخصة أو أطرحت المحكمة أقوال دليل شهوده لا ينشأ عن ذلك دليل يعفى خصمه من عبء الإثبات أو يزيل عدم كفاية ما شهد به شهود هذا الأخير فى ثبوت الواقعة المكلف بإثباتها .
(الطعن رقم 1344 لسنة 48 جلسة 1982/04/15 س 33 ع 1 ص 413 ق 74)
2- النص فى المادة 69 من قانون الإثبات على " الإذن لأحد الخصوم إثبات الواقعة بشهادة الشهود يقتضى دائماً أن يكون للخصم الآخر الحق فى نفيها بهذا الطريق " يدل على أن لهذا الخصم رغم سكوت الحكم عن الإذن أن ينفى ما أذن لخصمه بإثباته وأن يطلب إلى المحكمة سماع شهوده فى هذا الخصوص ، ولما كانت أوراق الطعن قد خلت مما يفيد طلب الطاعن من محكمة الإستئناف سماع شهوده عن واقعة التأجير للآخرين خلاف .... فلا يجوز التحدى بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 673 لسنة 46 جلسة 1981/04/25 س 32 ع 1 ص 1251 ق 230)
3- متى كان الحكم التمهيدى إذ قضى بإحالة الدعوى على التحقيق قد أذن للمشترى - المطعون عليه الأول - فى أن يثبت صورية عقد البيع الصادر من نفس البائع - المطعون عليه الثانى - عن ذات العين المبيعة الى مشترين آخرين - الطاعنين - كما أذن للبائع فى نفى هذه الصورية ، إلا أنه أغفل النص على الإذن للمشتريين الآخرين فى نفيها . فإن ذلك لايبطل الحكم ولا يسقط حق هذين المشتريين فى نفى صورية عقدهما . ذلك لأنهما إنما يستمدان هذا الحق من القانون وفقا للمادة 181 من قانون المرافعات - القديم - وهى تنص على أنه " إذا أذنت المحكمة لأحد الأخصام بإثبات شىء بالبينة كان للخصم الآخر الحق دائماً فى إثبات عدم صحة ذلك الشىء بالبينة أيضاً " ومن مقتضى ذلك أن يكون لهما رغم سكوت الحكم التمهيدى عن الإذن لهما فى نفى الصورية أن يطلبا الى المحكمة عند التحقيق سماع شهودهما إن كان لهما شهود . إلا أنه لما كان هذا الحق مقررا لمصلحتهما وكان الواقع فى الدعوى هو أنهما اقتصرا على النعى فى صحيفة استئنافهما على الحكم الابتدائى الذى أسس على ما استخلصه الحكم التمهيدى من التحقيق - اقتصرا على النعى على الحكم الابتدائى بالبطلان فى هذا الخصوص ولم يطلبا الى محكمة الاستئناف فى عريضة استئنافهما سماع شهودهما ولم يقدما الى محكمة النقض صورة رسمية من مذكرتهما الختامية أمام محكمة الاستئناف ليثبتا أنهما تمسكا لديها بهذا الطلب فانه يكون سائغا ما استخلصه الحكم الاستئنافى من عدولهما عن طلب إحالة الدعوى على التحقيق من جديد لسماع شهودهما اكتفاء بالتحقيق الذى أجرته محكمة الدرجة الأولى . ومن ثم يكون النعى على هذا الحكم بالبطلان على غير أساس .
(الطعن رقم 33 لسنة 19 جلسة 1950/12/21 س 2 ع 1 ص 191 ق 37)
والحكم الذي يسمح لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود یعنی ضمناً السماح للطرف الآخر بنفي نفس الواقعة بشهادة الشهود (مادة 69 إثبات). وتسمى هذه شهادة النفي، ويكون لهذا الطرف الحق في أن يستشهد بشهود ليس فقط لنفي الواقعة التي يثبتها خصمه، بل أيضاً لإثبات وقائع أخرى تتعارض مع تلك الواقعة أو تفقدها قيمتها في القضية .
فإذا لم يكتف المدعى عليه بإنكار الوقائع التي يستند إليها المدعي وإنما قدم هو وقائع جديدة، فإن عليه بالنسبة لهذه الوقائع - إن أراد إثباتها بشهادة الشهود - أن يقدم طلباً لسماع شهود بشأنها، وأن يصدر قرار من القاضي بذلك، ويسمى هذا بالتحقيق المقابل، وعلى خلاف شهادة النفي التي من حق المدعى عليه، فإن الشهادة المقابلة قد تأذن بها المحكمة وقد لا تأذن، ومن ناحية أخرى يجب في التحقيق المقابل أن يتضمن الحكم به الوقائع التي يرد عليها التحقيق، وعندما يسمح بشهادة مقابلة، يكون من حق المدعي تقديم شهادة نفي ضدها.( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني ، الصفحة : 204 )
1- مفهوم النص أنه إذا أجيز لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود فإن ذلك يقتضي دائماً أن يكون للخصم الآخر الحق في نفيها بهذا الطريق، حتى ولو لم يصرح منطوق الحكم بذلك.
2- وقيل بأنه كلما أذنت المحكمة لأحد الخصوم بإثبات واقعة بالبينة أو أمرته بإثباتها كان للخصم الآخر الحق في إثبات عدم صحة هذه الواقعة بالبينة أيضاً بغير حاجة إلى استئذان المحكمة في ذلك ولا إلى إذن منها لأن الإذن لأحد طرفي الخصومة في الإثبات يقتضي الإذن للآخر في النفي، ويسمى التحقيق الذي يقصد به إثبات عدم صحة الواقعة المأذون بإثباتها « تحقيق النفي » ولكن ذلك الحق قاصر على نفي ما يسعى الخصم إلى إثباته فلا يشمل إثبات واقعة أخرى يقصد بثبوتها الرد على مزاعمه، فإذا أذن للمدعي مثلاً بإثبات دينه بالبينة كان للمدعى عليه أن ينفي الواقعة المزعوم أن الدين نشأ منها ولكن ليس له أن يثبت بموجب هذا الحكم انقضاء الدين بل يجب عليه إذا أراد ذلك أن يستصدر حكماً بتحقيق الواقعة التي يزعم انقضاء الدين بها .
( الدكتور محمد حامد فهمي في المرافعات المدنية والتجارية طبعة 1938 - ص 579 ) . ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015 دار محمود، المجلد : الثاني ، الصفحة : 89 )
يقتضي الإذن لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود أن يكون للخصم الأخر الحق في نفيها بالشهادة أيضاً سواء نص على ذلك في الحكم الصادر بالشهادة أو لم ينص لأن ذلك ويعتبر من مقتضيات حق الدفاع ، ولكن ذلك يقتصر علي نفي الوقائع المأمور بإثباتها ولا يبيح للخصم أن يثبت غيرها من الوقائع بشهادة الشهود فإذا حكمت المحكمة في دعوى بطلب دین هو ثمن أشياء مدنية بالإذن للمدعي بإثبات واقعة البيع بالشهادة فإنه يكون للمدعي عليه أن ينفي هذه الواقعة بالشهادة ولكن لا يكون له أن يثبت براءة ذمته بالوفاء بشهادة الشهود ، فإن أراد ذلك كان عليه أن يطلب من المحكمة الإذن له بذلك وأن يستصدر حكماً به وإذا أذنت المحكمة للمدعي بإثبات الواقعة التي يزعم أنها أنشأت الدين المطلوب كان للمدعي عليه نفي تلك الواقعة، ولكن ليس له أن يثبت بموجب هذا الحكم انقضاء الدين بل يجب عليه إذا أراد ذلك أن يستصدر حكماً بتحقيق الواقعة التي يزعم انقضاء الدين بها، ولا يترتب البطلان إذا أغفل الحكم الصادر بالإحالة على التحقيق السماح للخصم الآخر في نفي ما يثبته خصمه كما أن هذا الإغفال لا يسقط حق في إعلان شهود النفي وسماعهم فإذا أحضر شهوده كانت المحكمة ملزمة بسماعهم .
وإذا أذن الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود ولم يمكن الخصم الأخر من نفيها بهذا الطريق كانت الإجراءات باطلة إلا أن هذا البطلان لا يتعلق بالنظام العام ويتعين علي الخصم صاحب المصلحة فيه أن يتمسك به فلا تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها ولا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض ، وبطلان تحقيق الإثبات لا يؤثر في ذاته في صحة تحقيق النفي والعكس صحيح لأن كل إجراء منهما مستقل عن الأخر . هذا ويلاحظ أن التمسك ببطلان التحقيق لا يجدي ولا يكون له محل إذا لم يرتكز الحكم الموضوعي علي نتيجته. ويذهب الأستاذان محمد عبد الوهاب العشماوي إلى أنه لا يجوز التمسك بالبطلان المتعلق بمصلحة الخصوم الخاصة ، ومنها إجراءات الإثبات أمام محكمة ثاني درجة إلا إذا سبق التمسك به أمام محكمة أول درجة ويعارض الدكتور أبو الوفا هذا الرأي قائلاً أنه لا يجوز الأخذ به على إطلاقه لأن العبرة في هذا الصدد هي بسقوط حق التمسك بالبطلان أو عدم سقوطه ، فإذا كان الخصم لم يسقط حقه في التمسك بهذا البطلان أو عدم سقوطه أمام محكمة الدرجة الأولى فإن له أن يتمسك به أمام محكمة ثاني درجة ولكن محكمة النقض أخذت بالرأي الأول .
والجدير بالذكر أن كلاً من الإذن بالإثبات والإذن بالنفي إنما يجب أن ينصب فقط على الواقعة أو الوقائع التي عينها الحكم وأذن في إثباتها ونفيها ، فلا يجوز للخصم الذي صرح له بالإثبات أن يتطرق إلى إثبات وقائع أخري ، كما يتعين على الخصم الآخر أن يقتصر على نفي نفس الواقعة التي صرح لخصمه في إثباتها ، ولا يجوز أن يتجاوز ذلك بإثبات أو نفي وقائع خلاف تلك التي أبيح لخصمه إثباتها أو كان إثباتها يمحو الآثار القانونية المترتبة عليها ويتعين عليه إن أراد ذلك أن يتقدم بطلب مستقل لتحقيق هذه الوقائع الأخرى وأن تأذن له المحكمة في إثباتها ولخصمه في نفيها، فإذا صرح للمدعي في إثبات أنه أقرض المدعي عليه مبلغاً معيناً بشهادة الشهود وأنكر عليه الأخير ذلك اقتصر حقه علي نفي واقعة القرض ، ولا يجوز له في ذات التحقيق وبناء علي نفس التصريح أن يثبت واقعة القرض ما لم يطلب إلي المحكمة ذلك بحكم جديد ، أما إذا رفع الدعوي بأنه وفي القرض وصرحت له المحكمة بإثبات الوفاء فإن حقه يقتصر علي ذلك ولا يجوز له في ذات التحقيق أن يثبت أن القرض باطل لعيب من عيوب الرضاء مثلاً ما لم تصدر المحكمة حكماً جديداً بذلك بناء على طلبه .
وحق الخصم الأخر في نفي ما أثبته خصمه ليس معناه أن المشرع يلقي عليه عبء نفي الواقعة المراد إثباتها وإنما هو يعطيه رخصة إن شاء استعملها وقدم شهود نفي لدحض أقوال شهود الإثبات وإن شاء لم يستعملها غير أنه إذا لم يستعمل هذه الرخصة ولم يقدم شهوداً أو إذا لم تطمئن المحكمة لأقوال شهود النفي فإن ذلك لا يعفي خصمه من عبء الإثبات أو يزيل عدم كفاية ما شهد به شهود الإثبات في ثبوت الواقعة المكلف بها، كما أنه يجوز للمحكمة أن تطرح أقوال شهود الإثبات لعدم اطمئنانها إليها رغم أن الخصم الأخر تقاعد عن تقديم شهود نفي، أو كان قد قدمهم وكانت شهادتهم غير كافية أو لم تطمئن المحكمة لأقوالهم .
ويجب في جميع الأحوال على الخصم الذي يحرص على استعمال حقه في نفي ما يشهد عليه خصمه أن يبين أسماء شهوده ، وأن يطلب سماعهم ولا يكفي أن يحضر بجلسة التحقيق ويقرر أنه يحتفظ لنفسه في نفي ما يقرره شهود الإثبات وإن كان هذا لا يمنعه من مناقشتهم وتجريحهم إذا اقتضت مصلحته ذلك . ( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء الثاني ، الصفحة : 730)
حق الخصم في نفي ما يثبته الخصم الآخر :
تقضى المادة بأن الإذن لأحد الخصوم في إثبات واقعة بشهادة الشهود يقتضي دائماً أن يكون للخصم الآخر الحق في نفيها بهذا الطريق. وفي هذا ضمان كبير اتخذ ضد تحيز الشهود أو ضعف ذاكرتهم أو عدم دقتهم عن طريق إيجاد ضرب من التوازن بين شهود الإثبات وشهود النفي .
ويثبت للخصم الآخر الحق في نفي ما يثبته الخصم بهذا الطريق، حتى ولو لم ينص في منطوق الحكم على ذلك، لأن حق الخصم الآخر في النفي مستمد من القانون ومن ثم إذا لم ينص في منطوق الحكم على حق الخصم الآخر في النفي كان له أن يعلن شهوده أو يطلب من المحكمة سماع شهوده، فإن هو تقاعس عن ذلك، فإن ذلك لا يعفي خصمه من عبء الإثبات أو يزيل عدم كفاية ما شهد به شهود الإثبات في ثبوت الواقعة المكلف بإثباتها .
ومفاد ذلك أنه لا يترتب على عدم النص في منطوق حكم التحقيق، على التصريح للخصم بالنفي ، ثمة بطلان .
غير أنه لا يقبل من الخصم الآخر التحدث عن ذلك أمام محكمة النقض .
لا يجوز للخصم أن يثبت وقائع جديدة مستقلة عن الوقائع المأمور بإثباتها :
إذا قضت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي دعواه، ولم تصرح للمدعى عليه بالنفي، فقد ذكرنا سلفاً أن من حقه سماع شهوده لنفي ما كلف المدعي بإثباته .
غير أن حق المدعى عليه يقتصر على نفس ما يثبته المدعی، فلا يجوز له إثبات وقائع جديدة مستقلة عنها فمثلاً إذا كان زيد يطالب بكراً بتعويض عن اعتداء وقع منه عليه أثناء مشاجرة، وحصل على حكم تمهيدي بإثبات واقعة الاعتداء بشهادة الشهود. ففي هذه الحالة يكون لبكر الحق في أن يثبت بشهادة الشهود من غير أي حكم يصدر بذلك أنه لم يكن بمكان المشاجرة عند وقوع الحادث لأنه بذلك ينفي مباشرة الواقعة المنسوبة إليه، ولكن إذا كان بكر يعترف بوقوع الاعتداء منه ولكنه يدعی بدفع التعويض عنه لزيد أو تنازل الأخير عنه أو حصول صلح عليه، فليس له في هذه الحالة حق قانوني في إثبات هذه الوقائع بشهادة الشهود مالم يعرضها على المحكمة ويحصل على حكم بجواز إثباتها بشهادة الشهود، وذلك لأنها لا تؤدي إلى نفي الوقائع التي أذن لزيد بإثباتها بشهادة الشهود، فهذه الوقائع لم تكن محل تقدير أو مناقشة أو حكم، وإنما يجوز أن تكون محل تحقيق آخر مستقل فمن الواجب أن تعرض على المحكمة للوقوف على جواز أو عدم جواز إثباتها بشهادة الشهود وتصدر حكماً بذلك .
عدم تمكين الخصم من نفى ما يثبته الخصم الآخر يرتب بطلان الإجراءات :
تقرر المادة (69) قاعدة جوهرية يترتب على مخالفتها الإخلال بحقوق الخصم المقرر تحقيق النفي لصالحه، فإذا بنى الحكم في الموضوع على النتيجة المستخلصة من التحقيق ولم تمكن المحكمة الخصم الآخر من نفي ما ادعاه خصمه بطريق إثبات النفي اعتبر الحكم مبنياً على إجراءات باطلة، وهذا البطلان لصالح المقرر تحقيق النفي لصالحه، ومن ثم وجب عليه التمسك به .
والتمسك ببطلان التحقيق لا يكون له محل إذا لم يرتكز الحكم الموضوعي على نتيجته . ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود، المجلد : الثاني ، الصفحة : 1179 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 93 ، 94
(مادة 50) :
الإذن لأحد الخصوم بإثبات الواقعة بشهادة الشهود يقتضي دائماً أن يكون للخصم الآخر الحق في نفيها بهذا الطريق .
( م (69) إثبات مصري ، م (58) بينات سوري ، و م (6) إثبات سوداني وهي عامة ونصها : «الإذن لأحد الخصوم بإثبات واقعة معينة يقتضي دائماً أن يكون للخصم الآخر الحق في نفيها» ، و م (186) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ونصها : «إذا قدم أحد الخصوم بينة لإثبات واقعة ، كان للخصم الآخر الحق دائماً في إثبات عدم صحة تلك الواقعة بكافة طرق الإثبات وتتبع جميع إجراءات الإثبات في حق الخصوم على السواء») .
المذكرة الإيضاحية :
يقتضي الإذن لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود أن يكون للخصم الآخر الحق في نفيها بالشهادة أيضاً سواء نص على ذلك في الحكم الصادر بالشهادة أو لم ينص؛ لأن ذلك يعتبر من مقتضيات حق الدفاع ولكن ذلك يقتصر على نفي الوقائع المأمور بإثباتها ولا يبيح للخصم أن يثبت غيرها من الوقائع بشهادة الشهود فإذا حكمت المحكمة في دعوى بطلب دین هو ثمن أشياء مبيعة بالإذن للمدعي بإثبات واقعة البيع بالشهادة ، فإنه يكون للمدعى عليه أن ينفي هذه الواقعة بالشهادة ، ولكن لا يكون له أن يثبت براءة ذمته بالوفاء بشهادة الشهود . فإن أراد ذلك كان عليه أن يطلب من المحكمة الإذن له بذلك وأن يستصدر حكماً به. وإذا أذنت المحكمة للمدعي بإثبات الواقعة التي يزعم أنها أنشأت الدين المطلوب كان للمدعي نفي تلك الواقعة ولكن ليس له أن يثبت بموجب هذا الحكم إنقضاء الدين ، بل يجب عليه إذا أراد ذلك أن يستصدر حكماً بتحقيق الواقعة التي يزعم إنقضاء الدين بها . ولا يترتب البطلان إذا أغفل الحكم الصادر بالإحالة على التحقيق السماح للخصم الآخر في نفي ما يثبته خصمه ، كما أن هذا الإغفال لا يسقط حقه في إعلان شهود النفي وسماعهم . وإذا أذن لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود ، ولم يمكن الخصم الآخر من نفيها بهذا الطريق - كانت الإجراءات باطلة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 214
شَهَادَةٌ
التَّعْرِيفُ:
- مِنْ مَعَانِي الشَّهَادَةِ فِي اللُّغَةِ: الْخَبَرُ الْقَاطِعُ، وَالْحُضُورُ وَالْمُعَايَنَةُ وَالْعَلاَنِيَةُ، وَالْقَسَمُ، وَالإِْقْرَارُ، وَكَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَالْمَوْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. يُقَالُ: شَهِدَ بِكَذَا إِذَا أَخْبَرَ بِهِ وَشَهِدَ كَذَا إِذَا حَضَرَهُ، أَوْ عَايَنَهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ يُعَدَّى الْفِعْلُ (شَهِدَ) بِالْهَمْزَةِ، فَيُقَالُ: أَشْهَدْتُهُ الشَّيْءَ إِشْهَادًا، أَوْ بِالأَْلِفِ، فَقَالَ: شَاهَدْتُهُ مُشَاهَدَةً، مِثْلُ عَايَنْتُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ: قوله تعالي فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآْيَةِ: «وَشَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِ: قوله تعالي وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)
قَالَ الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ مَعْنَاهَا: «وَقَوْلُهُ( أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) ، يَعْنِي مُشَاهَدَةَ الْبَصَرِ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْقَسَمِ أَوِ الْيَمِينِ: قوله تعالي فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).
قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: «الشَّهَادَةُ مَعْنَاهَا الْيَمِينُ هَاهُنَا.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ الْقَاطِعِ: قوله تعالي وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا.
وَاسْتِعْمَالُهَا بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الإِْقْرَارِ: قوله تعالي شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ).
أَيْ مُقِرِّينَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْسِ هِيَ الإِْقْرَارُ.
وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ أَيْضًا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ. (وَهِيَ قَوْلُنَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) وَتُسَمَّى الْعِبَارَةُ (أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) بِالشَّهَادَتَيْنِ.
وَمَعْنَاهُمَا هُنَا مُتَفَرِّعٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ (الإِْخْبَارُ وَالإِْقْرَارُ)، فَإِنْ مَعْنَى الشَّهَادَةِ هُنَا هُوَ الإِْعْلاَمُ وَالْبَيَانُ لأَِمْرٍ قَدْ عُلِمَ وَالإِْقْرَارُ الاِعْتِرَافُ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الأَْنْبَارِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ: «أَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. وَأُبَيِّنُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ أَنَّ مُحَمَّدًا مُبَلِّغٌ لِلأَْخْبَارِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُمِّيَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِالتَّشَهُّدِ، وَهُوَ صِيغَةُ (تَفَعَّلَ) مِنَ الشَّهَادَةِ.
وَقَدْ يُطْلَقُ (التَّشَهُّدُ) عَلَى (التَّحِيَّاتِ) الَّتِي تُقْرَأُ فِي آخِرِ الصَّلاَةِ.
جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ. صلي الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْعَلاَنِيَةِقوله تعالي عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ). أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الآْيَةِ: «السِّرُّ وَالْعَلاَنِيَةُ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: قوله تعالي فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ).
فَهُوَ شَهِيدٌ قَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ الشَّهَادَةَ، جَمْعُهُ شُهَدَاءُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ: اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الإِْخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ).
وَاسْتَعْمَلُوا اللَّفْظَ فِي الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَبَيَانُهُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهِيدٌ).
وَاسْتَعْمَلُوهُ فِي الْقَسَمِ كَمَا فِي اللِّعَانِ، (وَبَيَانُهُ فِي اللِّعَانِ).
كَمَا اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الإِْخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ مَوْضُوعُ الْبَحْثِ فِي هَذَا الْمُصْطَلَحِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِ الشَّهَادَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
فَعَرَّفَهَا الْكَمَالُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارُ صِدْقٍ لإِِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ.
وَعَرَّفَهَا الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهَا : إِخْبَارُ حَاكِمٍ مِنْ عِلْمٍ لِيَقْضِيَ بِمُقْتَضَاهُ.
وَعَرَّفَهَا الْجَمَلُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ بِلَفْظِ أَشْهَدُ.
وَعَرَّفَهَا الشَّيْبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا: الإِْخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْتُ.
وَتَسْمِيَتُهَا بِالشَّهَادَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ، لأَِنَّ الشَّاهِدَ يُخْبِرُ عَنْ مَا شَاهَدَهُ وَالإِْشَارَةُ إِلَيْهَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما - قَالَ: «ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.
وَتُسَمَّى «بَيِّنَةً» أَيْضًا؛ لأَِنَّهَا تُبَيِّنُ مَا الْتَبَسَ وَتَكْشِفُ الْحَقَّ فِي مَا اخْتُلِفَ فِيهِ.
وَهِيَ إِحْدَى الْحُجَجِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الدَّعْوَى.
أَلْفَاظٌ ذَاتُ صِلَةٍ:
الإِْقْرَارُ:
الإِْقْرَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الإِْخْبَارُ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْمُخْبِرِ.
الدَّعْوَى:
الدَّعْوَى: قَوْلٌ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْقَاضِي يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ قِبَلِ الْغَيْرِ أَوْ دُفْعُ الْخَصْمِ عَنْ حَقِّ نَفْسِهِ.
فَيَجْمَعُ كُلًّا مِنَ الإِْقْرَارِ وَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، أَنَّهَا إِخْبَارَاتٌ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا: أَنَّ الإِْخْبَارَ إِنْ كَانَ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ عَلَى الْمُخْبِرِ، وَيَقْتَصِرُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ فَإِقْرَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ، فَإِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ فِيهِ نَفْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ نَفْعٌ فِيهِ لأَِنَّهُ إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لَهُ فَهُوَ الدَّعْوَى، انْظُرْ: الْمَوْسُوعَةَ الْفِقْهِيَّةَ مُصْطَلَحَ (إِقْرَارٌ) (6 67.
الْبَيِّنَةُ:
الْبَيِّنَةُ: عَرَّفَهَا الرَّاغِبُ بِأَنَّهَا: الدَّلاَلَةُ الْوَاضِحَةُ عَقْلِيَّةً أَوْ مَحْسُوسَةً. وَعَرَّفَهَا الْمَجْدَوِيُّ الْبَرَكَتِيُّ بِأَنَّهَا: الْحُجَّةُ الْقَوِيَّةُ وَالدَّلِيلُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْبَيِّنَةُ فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ. وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ أَرْبَعَةَ شُهُودٍ، وَتَارَةً ثَلاَثَةً بِالنَّصِّ فِي بَيِّنَةِ الْمُفَلِّسِ، وَتَارَةً شَاهِدَيْنِ وَشَاهِدًا وَاحِدًا وَامْرَأَةً وَاحِدَةً وَنُكُولاً وَيَمِينًا أَوْ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ، وَتَكُونُ شَاهِدَ الْحَالِ (أَيِ الْقَرَائِنَ) فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ.
وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَذَا أَعَمَّ مِنَ الشَّهَادَةِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ.
تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، لقوله تعالي وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا). ). وقوله تعالي ).وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ). وَقَوْلُهُ (وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).
وَلأَِنَّ الشَّهَادَةَ أَمَانَةٌ فَلَزِمَ أَدَاؤُهَا كَسَائِرِ الأَْمَانَاتِ. فَإِذَا قَامَ بِهَا الْعَدَدُ الْكَافِي (كَمَا سَيَأْتِي) سَقَطَ الإِْثْمُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنِ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أَثِمُوا كُلُّهُمْ.
وَإِنَّمَا يَأْثَمُ الْمُمْتَنِعُ إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالشَّهَادَةِ، وَكَانَتْ شَهَادَتُهُ تَنْفَعُ.
فَإِذَا تَضَرَّرَ فِي التَّحَمُّلِ أَوِ الأَْدَاءِ، أَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ لاَ تَنْفَعُ، بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، أَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، لقوله تعالي وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ.. وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لاَ يَحْصُلُ مِنْهُ. وَقَدْ يَكُونُ تَحَمُّلُهَا وَأَدَاؤُهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَرْضًا عَيْنِيًّا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُ ذَلِكَ الْعَدَدِ مِنَ الشُّهُودِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْحُكْمُ، وَخِيفَ ضَيَاعُ الْحَقِّ.
وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ، أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ فَتُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ أَدَاءٌ ف 26 ح 2 ص 340 لِبَيَانِ الْخِلاَفِ فِي أَفْضَلِيَّةِ الشَّهَادَةِ أَوِ السَّتْرِ.
مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ:
ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ.
أَمَّا الْكِتَابُ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى:(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ).
وَقَوْلُهُ: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).
وَقَوْلُهُ(وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ).
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ – رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ». وَالْبَيِّنَةُ هِيَ الشَّهَادَةُ.
« قَدِ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا لإِِثْبَاتِ الدَّعَاوَى »
أَمَّا الْمَعْقُولُ: فَلأَِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ بَيْنَ النَّاسِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا.
أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ:
أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خَمْسَةُ أُمُورٍ: الشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ لَهُ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَالْمَشْهُودُ بِهِ، وَالصِّيغَةُ.
وَرُكْنُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اللَّفْظُ الْخَاصُّ، وَهُوَ لَفْظُ (أَشْهَدُ) عِنْدَهُمْ.
سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ:
سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ طَلَبُ الْمُدَّعِي الشَّهَادَةَ مِنَ الشَّاهِدِ، أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّ الْمُدَّعِي إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُدَّعِي كَوْنَهُ شَاهِدًا.
حُجِّيَّةُ الشَّهَادَةِ:
الشَّهَادَةُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ وَلاَ تُوجِبُهُ وَلَكِنْ تُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمُقْتَضَاهَا لأَِنَّهَا إِذَا اسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا مُظْهِرَةٌ لِلْحَقِّ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ.
شُرُوطُ الشَّهَادَةِ:
لِلشَّهَادَةِ نَوْعَانِ مِنَ الشُّرُوطِ:
شُرُوطُ تَحَمُّلٍ.
وَشُرُوطُ أَدَاءً.
فَأَمَّا شُرُوطُ التَّحَمُّلِ: فَمِنْهَا:
أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَاقِلاً وَقْتَ التَّحَمُّلِ، فَلاَ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لاَ يَعْقِلُ؛ لأَِنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ عِبَارَةٌ عَنْ فَهْمِ الْحَادِثَةِ وَضَبْطِهَا، وَلاَ يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلاَّ بِآلَةِ الْفَهْمِ وَالضَّبْطِ، وَهِيَ الْعَقْلُ.
أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، فَلاَ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنَ الأَْعْمَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ تَحَمُّلِهِ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ إِذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَقَطَعَ بِأَنَّهُ صَوْتُ فُلاَنٍ.
أَنْ يَكُونَ التَّحَمُّلُ عَنْ عِلْمٍ، أَوْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِلشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنَفْسِهِ لاَ بِغَيْرِهِ: لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم «الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.
وَلاَ يَتِمُّ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْعِلْمِ، أَوِ الْمُعَايَنَةِ، إِلاَّ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ، كَالنِّكَاحِ، وَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَتُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُعَايَنَةُ.
وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا رَآهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ إِلاَّ إِذَا تَذَكَّرَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَ مِنْهُ، لأَِنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَتْمَ يُشْبِهُ الْخَتْمَ، كَثِيرًا مَا يَقَعُ التَّزْوِيرُ، فَلاَ مُعَوَّلَ إِلاَّ عَلَى التَّذَكُّرِ.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى جَوَازِ شَهَادَتِهِ عَلَى مَا يَجِدُهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَاضِي يَجِدُ فِي دِيوَانِهِ شَيْئًا لاَ يَحْفَظُهُ، كَإِقْرَارِ رَجُلٍ أَوْ شَهَادَةِ شُهُودٍ، أَوْ صُدُورِ حُكْمٍ مِنْهُ وَقَدْ خُتِمَ بِخَتْمِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْضِي بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِهِ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ لِلتَّحَمُّلِ: الْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالإِْسْلاَمُ، وَالْعَدَالَةُ، حَتَّى لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ صَبِيًّا عَاقِلاً، أَوْ عَبْدًا، أَوْ كَافِرًا، أَوْ فَاسِقًا، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْفَاسِقُ، فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ.

