loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات الجديد عن هذا الحكم أنه :

« أضاف المشروع في المادة (70) منه فقرة جديدة إلى نص المادة (190) المقابلة لها في قانون المرافعات القائم، تتيح للقاضي استدعاء من يرى سماع شهادته إظهاراً للحقيقة ولو لم يستشهد به أحد من الخصوم، على أن يكون له هذا الحق كلما أمر بإجراء الإثبات بشهادة الشهود، سواء كان ذلك من تلقاء نفسه إعمالاً لحكم الفقرة الأولى من نفس المادة، أو استجابة لطلب الخصوم، وقد قصد المشروع من حكم الفقرة التي أضافها توكيد الدور الايجابي للقاضي، ومنحه مزيداً من الفاعلية في توجيه الدعوى في إحدى مراحلها الهامة، حتى يتمكن من تحري الحقيقة واستخلاصها نقية مما يغلقها به مسلك الخصوم حسبما تمليه عليهم مصلحة كل منهم الخاصة في الإثبات ».

كما جاء بتقرير لجنة الشئون التشريعية بمجلس الأمة عن مشروع قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 أنه :

قد أضيفت فقرة جديدة إلى المادة 70 من المشروع المقابلة للمادة 190 من قانون المرافعات المذكور أيضاً تقضي بأن « المحكمة في جميع الأحوال كلما أمرت بالإثبات بشهادة الشهود أن تستدعي للشهادة من ترى لزوماً لسماع شهادته لإظهار الحقيقة » وهذه الفقرة توضح أكثر من إضافة فإن الفقرة الأولى من هذه المادة التي تعطي للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود» تتسع لهذا المعنى وهو معنی مراد لواضعي المرافعات القائم الذين أجازوا أيضاً في المادة 114 منه للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بإدخال أنواع من الأشخاص في الدعوى للكفالة وهذا وذاك مظهر لفكرة واحدة هي تمكين القاضي من الهيمنة على إحقاق الحق وتفادي التواطؤ أو الغش أو التقدير من جانب الخصوم، وهذا وذاك مظهر لفكرة واحدة هي تمكين القاضي من الهيمنة على الدعوى والوصول إلى الحقيقة فيها غير مقيد بمسلك الخصوم .

 

الاحكام

1- متى قدم الخصم ورقة في الدعوى فإنه يكون متمسكاً بما لهذه الورقة من قوة في الإثبات، فإذا استبان لمحكمة الموضوع من الورقة وجود مبدأ ثبوت بالكتابة فلها إعمالاً للرخصة المخولة لها بالمادة 70 من قانون الإثبات أن تأمر من تلقاء نفسها بالإثبات بشهادة الشهود متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة .

( الطعن ربقم 7188 لسنة 90 ق - جلسة 26 / 3 / 2024 )

2- لما كان الطاعنون لم يطلبوا أمام محكمة الموضوع إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ما يدعونه وكان الحق المخول لمحكمة الموضوع فى المادة 70 من قانون الإثبات من أن لها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى التحقيق للإثبات بشهادة الشهود متروك لمطلق تقديرها ولا تخضع فيه لرقابة محكمة النقض فإنه لا يقبل النعى بأن الحكم المطعون فيه لم يتخذ هذا الإجراء ويكون النعى عليه بالقصور فى التسيب والفساد فى الاستدلال على غير أساس .

(الطعن رقم 79 لسنة 56 جلسة 1991/01/15 س 42 ع 1 ص 212 ق 38) 

3- المدعى المكلف بإثبات دعواه و تقديم الأدلة التى تؤيد ما يدعيه أما الحق المخول للمحكمة فى المادة 70 من قانون الإثبات بأن تأمر المحكمة من تلقاء نفسها بالإحالة إلى التحقيق فهو حق جوازى لها متروك لمطلق تقديرها ، لما كان ذلك ، وكان البين من الأوراق أن الطاعنة لم تطلب من محكمة الإستئناف إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ما تدعيه فليس لها من بعد أن تعيب على المحكمة عدم إتخاذها هذا الإجراء من تلقاء نفسها ، إذ الأمر فى إتخاذ هذا الإجراء أو عدم إتخاذه يكون عندئذ من إطلاقاتها .

(الطعن رقم 1073 لسنة 51 جلسة 1990/12/26 س 41 ع 2 ص 1010 ق 329) 

4- إذ كانت الطاعنة لم تطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ما تدعيه وكان الحق المخول للمحكمة فى المادة 70 من قانون الإثبات من أن لها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثباتها بشهادة الشهود متروك لمطلق رأيها وتقديرها لا تخضع فيه لرقابة محكمة النقض ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع - بعدم الإختصاص المحلى - إستناداً إلى أن الطاعنة لم تقدم دليلاً على أنها تقيم فى غير المحل الوارد بصحيفة الدعوى يكون قد إلتزم صحيح القانون .

(الطعن رقم 38 لسنة 45 جلسة 1977/01/12 س 28 ع 1 ص 232 ق 51) 

شرح خبراء القانون

حكم المحكمة بسماع الشهود :

يخضع الحكم بسماع الشهود أو بعبارة أخرى - باجراء التحقيق - لتقدير المحكمة . فلها أن ترفض إصداره إذا وجدت – حسب تقديرها - أن الواقعة المراد إثباتها بشهادة الشهود لا تصلح محلاً للإثبات اطلاقاً أو بهذا الدليل ، أو وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها وذلك وفقاً للقواعد العامة السالف بيانها، ولها أن تصدر قراراها بالرفض من تلقاء نفسها، ولكن هل تلتزم المحكمة ببيان سبب رفض الطلب ذهبت بعض أحكام النقض إلى أن طلب إجراء التحقيق ليس حقاً للخصوم ، فللمحكمة رفض الطلب ولا تلتزم ببيان سبب الرفض، وذهبت أحكام نقض أخرى على العكس إلى أنه يجب على المحكمة إذا رفضت طلب إجراء التحقيق أن تبين ما يسوغ رفضها للطلب ، ولا يكفي تسبيباً لحكم الرفض القول بأنه طلب غير جدي إذ يعتبر هذا قصوراً في التسبيب .

وفي تقديرنا أن المحكمة ملزمة بتمكين الخصم من إثبات أو نفي أية واقعة منتجة في النزاع (ادعاءً أو دفاعاً) بأية وسيلة يطلبها ما دامت هذه الوسيلة من وسائل الإثبات الجائزة قانوناً ومنها طلب الإحالة إلى التحقيق ما دام لا يوجد في أوراق الدعوى والأدلة المطروحة على المحكمة ما لا يكفي لتكوين عقيدتها بشأنها. ولهذا فإن على المحكمة إذا قدم لها طلب بإجراء التحقيق ورأت رفضه أن تبين الأسباب التي تستند إليها في قرارها في نطاق ذلك الحق المقرر للخصوم، ويجب ألا يتضمن الحكم برفض طلب سماع شهود ما يخالف القانون ، فإذا لم تستجب المحكمة إلى طلب الإحالة إلى التحقيق استناداً إلى عدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة ، في حين أن طلب التحقيق يتعلق بإثبات واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات ، ورتب الحكم على هذا رفض دعوى الطاعن ، فإن الحكم يكون مشوباً بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة : 202 )

يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بإجراء التحقيق إذا رأت ذلك لازماً لتكوين اقتناعها بشرط أن تكون الواقعة التي تريد تحقيقها مما يجوز إثباته بالبينة قانوناً. ( الدكتور محمد حامد فهمي في المرافعات المدنية والتجارية طبعة 1938  ص 578) . ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه،  طبعة 2014، 2015 دار محمود،  المجلد :  الثاني ، الصفحة : 92 )

يقصد بعبارة في جميع الأحوال الواردة في الفقرة الثانية من المادة أن يكون الأمر بالإثبات من المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم علي حد سواء .

ولا يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود في الحالات التي لا يجيز فيها القانون ذلك غير أنه إذا طلب أحد الخصوم إحالة الدعوي للتحقيق للإثبات بشهادة الشهود في هذه الحالة ولم يدفع خصمه بعدم جواز الإثبات بالبينة فإن المحكمة لا تملك إلا أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود لأن قواعد الإثبات كما سبق كررنا ليست من النظام العام ما لم تكن الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالنظام العام كتقاضي المؤجر خلو رجل من المستأجر .

 وإذا أمرت المحكمة من تلقاء نفسها بالإحالة علي التحقيق ، ثم تمسك أحد الخصوم بعد ذلك وقبل سماع الشهود بعدم جواز الإثبات بالبينة، فإن الحكم الصادر من المحكمة لا يعتبر قطعياً في جواز الإثبات بشهادة الشهود، وبذلك لا يقيدها في هذا الشأن ، ويتعين على المحكمة أن تعدل عنه . ( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية،  الجزء الثاني ،  الصفحة :734 )

للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بالإثبات بشهادة الشهود :

أجازت الفقرة الأولى من المادة للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بالتحقيق في الأحوال التي يجيز فيها القانون الإثبات بشهادة الشهود متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة، طالما أن الوقائع التي أحيلت للتحقيق وقائع مادية يجوز إثباتها بكل طرق الإثبات .

وهذا الحكم كان منصوصاً عليه في المادة (190) من قانون المرافعات الملغى. وحكمة هذا النص أنه متى طرحت الدعوى على المحكمة وجب عليها الفصل فيها فإذا رأت أنه لا يمكن ذلك إلا بعد إحالتها إلى التحقيق لا يسوغ منعها من ذلك .

للمحكمة أن تستدعى للشهادة من ترى لزوماً لسماع شهادته إظهاراً للحقيقة :

أجازت الفقرة الثانية من المادة للمحكمة في جميع الأحوال، كلما أمرت بالإثبات بشهادة الشهود، أن تستدعى للشهادة من ترى لزوماً لسماع شهادته إظهاراً للحقيقة، ولو لم يستشهد به أحد من الخصوم .

وهذا الحق يثبت للمحكمة سواء كان التحقيق بناء على طلب الخصم عملاً بالفقرة الأولى من المادة أو من تلقاء نفس المحكمة عملاً بالفقرة الثانية منها .

وهذا الحق الذي خوله القانون للمحكمة جوازى لها متروك لمطلق رأيها وتقديرها تقديراً لا تخضع فيه لرقابة محكمة النقض .

وهذا الحكم لم يكن منصوصاً عليه في المادة (190) من قانون المرافعات الملغي . ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود،  المجلد : الثاني  ،  الصفحة  : 1185 )

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 94 ، 95 ، 39 ، 40 ، 105     

(مادة 51) :

 للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجيز القانون فيها الإثبات بشهادة الشهود متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة . 

كما يكون لها في جميع الأحوال ، كلما أمرت بالإثبات بشهادة الشهود أن تستدعي للشهادة من ترى لزوماً لسماع شهادته إظهاراً للحقيقة . 

( م (70) إثبات مصري ، وم (49) إثبات سوداني ، و(70) بينات سوري وقد اكتفت بالفقرة الأولى ، وانظر م (60) - (1) إثبات. سوداني ) . 

المذكرة الإيضاحية : 

هذا النص يتيح للقاضي إستدعاء من يرى سماع شهادته إظهاراً للحقيقة ، ولو لم يستشهد به أحد من الخصوم توكيداً للدور الإيجابي للقاضي ومنحه مزيداً من الفاعلية في توجيه الدعوى في إحدى مراحلها الهامة ، حتى يتمكن من تحري الحقيقة وإستخلاصها نقية مما يغلفها من مسلك الخصوم ، حسبما تمليه عليهم مصلحة كل منهم الخاصة في الإثبات . 

وأضيفت الفقرة الثانية في قانون الإثبات المصري الحالي إذ لم تكن في قانون المرافعات القديم م (190) ، وهي في حقيقتها توضح أكثر منها إضافة ؛ لأن الفقرة الأولى تتسع المعنى الفقرة الثانية ، والفكرة هي تمكين القاضي من الهيمنة على الدعوى والوصول إلى الحقيقة فيها غير مقيد بمسلك الخصوم . 

ويقصد بعبارة: «في جميع الأحوال»، الواردة في الفقرة الثانية من المادة أن يكون الأمر بالإثبات من المحكمة من تلقاء نفسها ، أو بناء على طلب الخصوم على حد سواء . 

(مادة 5) : 

للقاضي في حدود ما نص عليه في هذا القانون تقدير البينات ، والأخذ منها بما يراه محققاً للعدل . 

المذكرة الإيضاحية : 

1- وظيفة القاضي هي إحقاق الحق ، ومن ثم وجب إتاحة الفرصة له كي ينظر فيها يقدم إليه من الأدلة ، وأن يتحقق من صدقها ، وأن يأخذ منها ما يراه محققاً للعدل ، ولكن في حدود ما نص عليه في هذا القانون . 

2- وقد بين ذلك ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية ، ومما قاله في هذا الصدد: 

«وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود ، فرقهم وسألهم : كيف تحملوا الشهادة؟ وأين تحملوها؟ وذلك واجب عليه متى عدل عنه أثم وجار في الحكم ، وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سأل المدعي عن سبب الحق وأين كان؟ ونظر في الحال ، هل يقتضي صحة ذلك؟ وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله والمدعى عليه ، وجب عليه أن يستكشف الحال ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال» . (ص (24) وما بعدها ) . 

« والذي اختص به إياس وشريح مع مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم : الفهم في الواقع والإستدلال بالأمارات وشواهد الحال ، وهذا الذي فات كثيراً من الحكام فأضاعوا كثيراً من الحقوق» (ص (34) ). 

والمقصود أن الشريعة لا ترد حقاً ، ولا تكذب دليلاً ، ولا تبطل أمارة صحيحة ، وقد أمر الله سبحانه بالتثبت والتبين في خبر الفاسق ، ولم يأمر برده جملة». (ص (24)). 

 ( وانظر أيضاً من نفس الكتاب ص (61). والسنهوري ، الوسيط، ج (2) ص (35) ). 

3- والمقصود بالبينات هنا طرق الإثبات ، سواء كانت الشهادة أو غيرها ، كما ورد في المذكرة الإيضاحية الخاصة بالمادة (3) من هذا القانون ، وانظر ابن القيم ، الطرق الحكمية ص (12) و(24) ) . 

4- وقد روعي أيضاً مع إطلاق حرية القاضي في تقدير الأدلة - تحديد هذه الحرية ، وذلك بالقيود التي نص عليها في هذا القانون ، فمثال ذلك أنه لا يجوز إثبات عكس الثابت بالكتابة إلا بالكتابة ؛ وذلك تطبيقاً للمذهب المختلط الذي أخذ به القانون في الإثبات جمعاً بين الإطلاق والتقييد ، کما سلف البيان في المذكرة الإيضاحية العامة للقانون . 

(مادة 77) : 

إذا لم توافق الشهادة الدعوى ، أو لم تتوافق أقوال الشهود مع بعض - أخذت المحكمة من الشهادة بالقدر الذي تقتنع بصحته في حدود موافقة الشهادة للدعوى بعد تکامل نصاب الشهادة . 

( م (501) عراقي . وانظر المواد من (1706) إلى (1715) من المجلة . وأحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (364) وما بعدها ) . 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس والعشرون ، الصفحة / 245

سَمَاعُ الشَّهَادَةِ:

الشَّهَادَةُ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِمَا عَلِمَهُ الشَّاهِدُ لقوله تعالي  وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً(وَقَوْلِهِ - جَلَّ ذِكْرُهُ (  إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)  وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ إِخْوَةِ يُوسُفَ( وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا)  وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  «إِذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلاَّ فَدَعْ.(

وَالْعِلْمُ الَّذِي تَقَعُ بِهِ الشَّهَادَةُ يَحْصُلُ بِطَرِيقَتَيْنِ:

أ - الرُّؤْيَةُ:

وَتَكُونُ فِي الأَْفْعَالِ كَالْغَصْبِ وَالإِْتْلاَفِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالإِْكْرَاهِ وَنَحْوِهَا، كَمَا تَكُونُ فِي الصِّفَاتِ الْمَرْئِيَّةِ مِثْلِ الْعُيُوبِ فِي الْمَبِيعِ وَالْمُؤَجَّرِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ.

ب - السَّمَاعُ: وَهُوَ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: سَمَاعُ الصَّوْتِ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي الأَْقْوَالِ سَوَاءٌ أَكَانَ السَّامِعُ مُبْصِرًا أَمْ غَيْرَ مُبْصِرٍ مِثْلُ مَا يَقَعُ بِهِ إِبْرَامُ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ وَالسَّلَمِ وَالرَّهْنِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى سَمَاعِ كَلاَمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، إِذَا عَرَفَهَا السَّامِعُ وَتَيَقَّنَ أَنَّهَا مَصْدَرُ مَا سَمِعَ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَة).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس والعشرون ، الصفحة / 214

شَهَادَةٌ

التَّعْرِيفُ:

مِنْ مَعَانِي الشَّهَادَةِ فِي اللُّغَةِ: الْخَبَرُ الْقَاطِعُ، وَالْحُضُورُ وَالْمُعَايَنَةُ وَالْعَلاَنِيَةُ، وَالْقَسَمُ، وَالإِْقْرَارُ، وَكَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَالْمَوْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. يُقَالُ: شَهِدَ بِكَذَا إِذَا أَخْبَرَ بِهِ وَشَهِدَ كَذَا إِذَا حَضَرَهُ، أَوْ عَايَنَهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَدْ يُعَدَّى الْفِعْلُ (شَهِدَ) بِالْهَمْزَةِ، فَيُقَالُ: أَشْهَدْتُهُ الشَّيْءَ إِشْهَادًا، أَوْ بِالأَْلِفِ، فَقَالَ: شَاهَدْتُهُ مُشَاهَدَةً، مِثْلُ عَايَنْتُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْحُضُورِقوله تعالي فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآْيَةِ: «وَشَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِقوله تعالي وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)  

قَالَ الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ مَعْنَاهَا: «وَقَوْلُهُ( أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) ، يَعْنِي مُشَاهَدَةَ الْبَصَرِ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْقَسَمِ أَوِ الْيَمِينِقوله تعالي فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).

قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: «الشَّهَادَةُ مَعْنَاهَا الْيَمِينُ هَاهُنَا.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ الْقَاطِعِقوله تعالي وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا.

وَاسْتِعْمَالُهَا بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الإِْقْرَارِقوله  تعالي شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ).

أَيْ مُقِرِّينَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْسِ هِيَ الإِْقْرَارُ.

وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ أَيْضًا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ. (وَهِيَ قَوْلُنَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) وَتُسَمَّى الْعِبَارَةُ (أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) بِالشَّهَادَتَيْنِ.

وَمَعْنَاهُمَا هُنَا مُتَفَرِّعٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ (الإِْخْبَارُ وَالإِْقْرَارُ)، فَإِنْ مَعْنَى الشَّهَادَةِ هُنَا هُوَ الإِْعْلاَمُ وَالْبَيَانُ لأَِمْرٍ قَدْ عُلِمَ وَالإِْقْرَارُ الاِعْتِرَافُ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الأَْنْبَارِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ: «أَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. وَأُبَيِّنُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ أَنَّ مُحَمَّدًا مُبَلِّغٌ لِلأَْخْبَارِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ  وَسُمِّيَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِالتَّشَهُّدِ، وَهُوَ صِيغَةُ (تَفَعَّلَ) مِنَ الشَّهَادَةِ.

وَقَدْ يُطْلَقُ (التَّشَهُّدُ) عَلَى (التَّحِيَّاتِ) الَّتِي تُقْرَأُ فِي آخِرِ الصَّلاَةِ.

جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّصلي الله عليه وسلم  كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْعَلاَنِيَةِقوله تعالي عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ). أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الآْيَةِ: «السِّرُّ وَالْعَلاَنِيَةُ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِقوله تعالي فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ).

فَهُوَ شَهِيدٌ قَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ الشَّهَادَةَ، جَمْعُهُ شُهَدَاءُ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ: اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الإِْخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ).

وَاسْتَعْمَلُوا اللَّفْظَ فِي الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَبَيَانُهُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهِيدٌ).

وَاسْتَعْمَلُوهُ فِي الْقَسَمِ كَمَا فِي اللِّعَانِ، (وَبَيَانُهُ فِي اللِّعَانِ).

كَمَا اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الإِْخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ مَوْضُوعُ الْبَحْثِ فِي هَذَا الْمُصْطَلَحِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِ الشَّهَادَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى.

فَعَرَّفَهَا الْكَمَالُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارُ صِدْقٍ لإِِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ.

وَعَرَّفَهَا الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: بِأَنَّهَا إِخْبَارُ حَاكِمٍ مِنْ عِلْمٍ لِيَقْضِيَ بِمُقْتَضَاهُ.

وَعَرَّفَهَا الْجَمَلُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ بِلَفْظِ أَشْهَدُ.

وَعَرَّفَهَا الشَّيْبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا: الإِْخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْتُ.

وَتَسْمِيَتُهَا بِالشَّهَادَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ، لأَِنَّ الشَّاهِدَ يُخْبِرُ عَنْ مَا شَاهَدَهُ وَالإِْشَارَةُ إِلَيْهَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما  - قَالَ: «ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.

وَتُسَمَّى «بَيِّنَةً» أَيْضًا؛ لأَِنَّهَا تُبَيِّنُ مَا الْتَبَسَ وَتَكْشِفُ الْحَقَّ فِي مَا اخْتُلِفَ فِيهِ.

وَهِيَ إِحْدَى الْحُجَجِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الدَّعْوَى.

أَلْفَاظٌ ذَاتُ صِلَةٍ:

الإِْقْرَارُ:

الإِْقْرَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الإِْخْبَارُ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْمُخْبِرِ.

الدَّعْوَى:

الدَّعْوَى: قَوْلٌ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْقَاضِي يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ قِبَلِ الْغَيْرِ أَوْ دُفْعُ الْخَصْمِ عَنْ حَقِّ نَفْسِهِ.

فَيَجْمَعُ كُلًّا مِنَ الإِْقْرَارِ وَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، أَنَّهَا إِخْبَارَاتٌ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا: أَنَّ الإِْخْبَارَ إِنْ كَانَ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ عَلَى الْمُخْبِرِ، وَيَقْتَصِرُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ فَإِقْرَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ، فَإِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ فِيهِ نَفْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ نَفْعٌ فِيهِ لأَِنَّهُ إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لَهُ فَهُوَ الدَّعْوَى، انْظُرْ: الْمَوْسُوعَةَ الْفِقْهِيَّةَ مُصْطَلَحَ (إِقْرَارٌ) (6 67.

الْبَيِّنَةُ:

الْبَيِّنَةُ: عَرَّفَهَا الرَّاغِبُ بِأَنَّهَا: الدَّلاَلَةُ الْوَاضِحَةُ عَقْلِيَّةً أَوْ مَحْسُوسَةً. وَعَرَّفَهَا الْمَجْدَوِيُّ الْبَرَكَتِيُّ بِأَنَّهَا: الْحُجَّةُ الْقَوِيَّةُ وَالدَّلِيلُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْبَيِّنَةُ فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ. وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ أَرْبَعَةَ شُهُودٍ، وَتَارَةً ثَلاَثَةً بِالنَّصِّ فِي بَيِّنَةِ الْمُفَلِّسِ، وَتَارَةً شَاهِدَيْنِ وَشَاهِدًا وَاحِدًا وَامْرَأَةً وَاحِدَةً وَنُكُولاً وَيَمِينًا أَوْ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ، وَتَكُونُ شَاهِدَ الْحَالِ (أَيِ الْقَرَائِنَ) فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ.

وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَذَا أَعَمَّ مِنَ الشَّهَادَةِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ.

تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، لقوله تعالي وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا). ). وقوله تعالي ).وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ). وَقَوْلُهُ (وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).

وَلأَِنَّ الشَّهَادَةَ أَمَانَةٌ فَلَزِمَ أَدَاؤُهَا كَسَائِرِ الأَْمَانَاتِ. فَإِذَا قَامَ بِهَا الْعَدَدُ الْكَافِي (كَمَا سَيَأْتِي) سَقَطَ الإِْثْمُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنِ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أَثِمُوا كُلُّهُمْ.

وَإِنَّمَا يَأْثَمُ الْمُمْتَنِعُ إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالشَّهَادَةِ، وَكَانَتْ شَهَادَتُهُ تَنْفَعُ.

فَإِذَا تَضَرَّرَ فِي التَّحَمُّلِ أَوِ الأَْدَاءِ، أَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ لاَ تَنْفَعُ، بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، أَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، لقوله تعالي وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ.وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم  : «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لاَ يَحْصُلُ مِنْهُ. وَقَدْ يَكُونُ تَحَمُّلُهَا وَأَدَاؤُهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَرْضًا عَيْنِيًّا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُ ذَلِكَ الْعَدَدِ مِنَ الشُّهُودِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْحُكْمُ، وَخِيفَ ضَيَاعُ الْحَقِّ.

وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ، أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ فَتُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ أَدَاءٌ ف 26 ح 2 ص 340 لِبَيَانِ الْخِلاَفِ فِي أَفْضَلِيَّةِ الشَّهَادَةِ أَوِ السَّتْرِ.

مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ:

ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا الْكِتَابُ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى:(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ).

وَقَوْلُهُ(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).

وَقَوْلُهُ(وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ).

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ – رضي الله عنه  - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ لَهُ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ.

وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنه  - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ». وَالْبَيِّنَةُ هِيَ الشَّهَادَةُ.

«قَدِ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا لإِِثْبَاتِ الدَّعَاوَى».

أَمَّا الْمَعْقُولُ: فَلأَِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ بَيْنَ النَّاسِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا.

أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ:

أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خَمْسَةُ أُمُورٍ: الشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ لَهُ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَالْمَشْهُودُ بِهِ، وَالصِّيغَةُ.

وَرُكْنُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اللَّفْظُ الْخَاصُّ، وَهُوَ لَفْظُ (أَشْهَدُ) عِنْدَهُمْ.

سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ:

سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ طَلَبُ الْمُدَّعِي الشَّهَادَةَ مِنَ الشَّاهِدِ، أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّ الْمُدَّعِي إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُدَّعِي كَوْنَهُ شَاهِدًا.

حُجِّيَّةُ الشَّهَادَةِ:

الشَّهَادَةُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ وَلاَ تُوجِبُهُ وَلَكِنْ تُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمُقْتَضَاهَا لأَِنَّهَا إِذَا اسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا مُظْهِرَةٌ لِلْحَقِّ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ.

شُرُوطُ الشَّهَادَةِ:

لِلشَّهَادَةِ نَوْعَانِ مِنَ الشُّرُوطِ:

شُرُوطُ تَحَمُّلٍ.

وَشُرُوطُ أَدَاءً.

فَأَمَّا شُرُوطُ التَّحَمُّلِ: فَمِنْهَا:

أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَاقِلاً وَقْتَ التَّحَمُّلِ، فَلاَ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لاَ يَعْقِلُ؛ لأَِنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ عِبَارَةٌ عَنْ فَهْمِ الْحَادِثَةِ وَضَبْطِهَا، وَلاَ يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلاَّ بِآلَةِ الْفَهْمِ وَالضَّبْطِ، وَهِيَ الْعَقْلُ.

أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، فَلاَ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنَ الأَْعْمَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ تَحَمُّلِهِ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ إِذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَقَطَعَ بِأَنَّهُ صَوْتُ فُلاَنٍ.

أَنْ يَكُونَ التَّحَمُّلُ عَنْ عِلْمٍ، أَوْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِلشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنَفْسِهِ لاَ بِغَيْرِهِ: لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما  قَالَ: ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  «الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.

وَلاَ يَتِمُّ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْعِلْمِ، أَوِ الْمُعَايَنَةِ، إِلاَّ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ، كَالنِّكَاحِ، وَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَتُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُعَايَنَةُ.

وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا رَآهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ إِلاَّ إِذَا تَذَكَّرَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَ مِنْهُ، لأَِنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَتْمَ يُشْبِهُ الْخَتْمَ، كَثِيرًا مَا يَقَعُ التَّزْوِيرُ، فَلاَ مُعَوَّلَ إِلاَّ عَلَى التَّذَكُّرِ.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى جَوَازِ شَهَادَتِهِ عَلَى مَا يَجِدُهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَاضِي يَجِدُ فِي دِيوَانِهِ شَيْئًا لاَ يَحْفَظُهُ، كَإِقْرَارِ رَجُلٍ أَوْ شَهَادَةِ شُهُودٍ، أَوْ صُدُورِ حُكْمٍ مِنْهُ وَقَدْ خُتِمَ بِخَتْمِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْضِي بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِهِ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ لِلتَّحَمُّلِ: الْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالإِْسْلاَمُ، وَالْعَدَالَةُ، حَتَّى لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ صَبِيًّا عَاقِلاً، أَوْ عَبْدًا، أَوْ كَافِرًا، أَوْ فَاسِقًا، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْفَاسِقُ، فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ.

وَأَمَّا شُرُوطُ الأَْدَاءِ: فَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الشَّاهِدِ.

وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الشَّهَادَةِ.

 وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَشْهُودِ بِهِ.

وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى النِّصَابِ (أَيْ عَدَدِ الشُّهُودِ).

أَوَّلاً: مَا يَرْجِعُ إِلَى الشَّاهِدِ:

أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ أَهْلاً لِلشَّهَادَةِ، وَذَلِكَ بِتَوَفُّرِ شُرُوطِهَا فِيهِ. وَمِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ:

1- الْبُلُوغُ:

فَلاَ تَصِحُّ شَهَادَةُ الأَْطْفَالِ وَالصِّبْيَانِ لقوله تعالي وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ).

وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنَ الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ - صلي الله عليه وسلم  -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ»( ). وَلأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يُؤْمَنْ عَلَى حِفْظِ أَمْوَالِهِ، فَلأََنْ لاَ يُؤْمَنَ عَلَى حِفْظِ حُقُوقِ غَيْرِهِ أَوْلَى( ).

وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ: أَنْ يَتَّفِقُوا فِي شَهَادَتِهِمْ، وَأَنْ لاَ يَدْخُلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ، وَاخْتُلِفَ فِي إِنَاثِهِمْ.

2- الْعَقْلُ:

فَلاَ تَصِحُّ شَهَادَةُ غَيْرِ الْعَاقِلِ إِجْمَاعًا، لأَِنَّهُ لاَ يَعْقِلُ مَا يَقُولُهُ وَلاَ يَصِفُهُ.

وَسَوَاءٌ أَذَهَبَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ وَذَلِكَ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمُحَصِّلٍ وَلاَ تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ: «وَلأَِنَّهُ لاَ يَأْثَمُ بِكَذِبِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلاَ يُتَحَرَّزُ مِنْهُ.

3- الْحُرِّيَّةُ:

فَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، كَسَائِرِ الْوِلاَيَاتِ، إِذْ فِي، الشَّهَادَاتِ نُفُوذُ قَوْلٍ عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ نَوْعُ وِلاَيَةٍ؛ وَلأَِنَّ مَنْ فِيهِ رِقٌّ مُشْتَغِلٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ فَلاَ يَتَفَرَّغُ لأَِدَاءِ الشَّهَادَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: رِقٌّ ج 23 ص 81.

4- الْبَصَرُ:

فَلاَ تَصِحُّ شَهَادَةُ الأَْعْمَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ شَهَادَةُ الأَْعْمَى فِي الأَْفْعَالِ؛ لأَِنَّ طَرِيقَ الْعِلْمِ بِهَا الْبَصَرُ، وَكَذَا فِي الأَْقْوَالِ إِلاَّ فِيمَا يَثْبُتُ بِالاِسْتِفَاضَةِ؛ لأَِنَّهَا مُسْتَنَدُهَا السَّمَاعُ وَلَيْسَ الرُّؤْيَةَ، وَإِلاَّ فِي التَّرْجَمَةِ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي لأَِنَّهُ يُفَسِّرُ مَا سَمِعَهُ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الأَْقْوَالِ دُونَ الأَْفْعَالِ فِيمَا لاَ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مِنَ الأَْقْوَالِ إِذَا كَانَ فَطِنًا، وَلاَ تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الأَْصْوَاتُ، وَتَيَقَّنَ الْمَشْهُودَ لَهُ، وَالْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الأَْعْمَى إِذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ لأَِنَّهُ رَجُلٌ عَدْلٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَالْبَصِيرِ؛ وَلأَِنَّ السَّمْعَ أَحَدُ الْحَوَاسِّ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْيَقِينُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَنْ أَلِفَهُ الأَْعْمَى، وَكَثُرَتْ صُحْبَتُهُ لَهُ، وَعَرَفَ صَوْتَهُ يَقِينًا، فَيَجِبُ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ، فِيمَا تَيَقَّنَهُ كَالْبَصِيرِ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِ حُصُولِ الْيَقِينِ فِي بَعْضِ الأَْحْوَالِ.

وَذَهَبَ زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) إِلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ؛ لأَِنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إِلَى السَّمَاعِ، وَلاَ خَلَلَ فِيهِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الأَْعْمَى لَوْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً تَحْتَاجُ إِلَى الْبَصَرِ، وَهُوَ بَصِيرٌ، ثُمَّ عَمِيَ فَإِنْ تَحَمَّلَ عَلَى رَجُلٍ مَعْرُوفٍ بِالاِسْمِ وَالنَّسَبِ يُقِرُّ لِرَجُلٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بَعْدَمَا عَمِيَ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ تَيَقَّنَ صَوْتَهُ لِكَثْرَةِ إِلْفِهِ لَهُ صَحَّ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَهُوَ بَصِيرٌ، ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ، جَازَ الْحُكْمُ بِهَا عِنْدَهُمْ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ مَعْنًى طَرَأَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلاَ يُمْنَعُ الْحُكْمُ بِهَا، كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ أَوْ غَابَا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ فِي الْحَالَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ؛ لأَِنَّ قِيَامَ الأَْهْلِيَّةِ شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِتَصِيرَ حُجَّةً.

5- الإِْسْلاَمُ:

الأَْصْلُ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مُسْلِمًا فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى مُسْلِمٍ أَمْ عَلَى غَيْرِ مُسْلِمٍ، لقوله تعالي وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ). وَقَوْلُهُ(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَيْسَ مِنَّا وَلأَِنَّهُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ يُؤْمَنُ مِنْهُ الْكَذِبُ عَلَى خَلْقِهِ.

وَعَلَى هَذَا الأَْصْلِ جَرَى مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ أَحْمَدَ.

لَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنْ هَذَا الأَْصْلِ شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ فَقَدْ أَجَازُوهَا عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَْرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ)

وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ شَهَادَةَ الذِّمِّيِّينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ، وَشَهَادَةَ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى أَمْثَالِهِمْ.

وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا.

6- النُّطْقُ:

فَلاَ تَصِحُّ شَهَادَةُ الأَْخْرَسِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِ إِذَا عُرِفَتْ إِشَارَتُهُ وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ قَبُولَ شَهَادَةِ الأَْخْرَسِ إِذَا أَدَّاهَا بِخَطِّهِ.

7- الْعَدَالَةُ:

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي اشْتِرَاطِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ لقوله تعالي وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).وَلِهَذَا لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ.

وَالْعَدَالَةُ عَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ بِالْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ وَأَدَاءِ الأَْمَانَةِ وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ وَأَنْ يَكُونَ صَلاَحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ وَهِيَ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَبُولِ.

وَعَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ بِالصَّلاَحِ فِي الدِّينِ وَهُوَ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ بِرَوَاتِبِهَا، وَاجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَعَدَمُ الإِْصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا أَيْضًا اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ بِفِعْلِ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكِ مَا يُدَلِّسُهُ وَيَشِينُهُ.

وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ الْمُرُوءَةَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا. وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَدَالَةٌ)

وَالْعَدَالَةُ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَبُولِ عَلَى الْقَاضِي لاَ جَوَازِهِ. فَإِذَا تَوَفَّرَتْ فِي الشَّاهِدِ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ بِشَهَادَتِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا كَانَ الأَْغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ وَالأَْظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةُ وَالْمُرُوءَةُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الأَْغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ وَالأَْظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ وَخِلاَفَ الْمُرُوءَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ.

8- التَّيَقُّظُ: أَوِ الضَّبْطُ:

لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ لاَ يَضْبِطُ أَصْلاً أَوْ غَالِبًا لِعَدَمِ التَّوَثُّقِ بِقَوْلِهِ، أَمَّا مَنْ لاَ يَضْبِطُ نَادِرًا وَالأَْغْلَبُ فِيهِ الْحِفْظُ وَالضَّبْطُ فَتُقْبَلُ قَطْعًا؛ لأَِنَّ أَحَدًا لاَ يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ.

9- أَلاَّ يَكُونَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ:

وَذَلِكَ لقوله تعالي وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.

فَإِنْ تَابَ وَأَصْلَحَ:

فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ لقوله تعالي  بَعْدَ الآْيَةِ السَّابِقَةِ مُبَاشَرَةً(إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَلَوْ تَابَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَتُقْبَلُ فِيمَا عَدَاهُ إِنْ تَابَ.

وَمَنَاطُ الْخِلاَفِ فِي هَذِهِ الآْيَةِ فِي وُرُودِ الاِسْتِثْنَاءِ بَعْدَ مَذْكُورِينَ أَيَشْمَلُهُمْ كُلَّهُمْ أَمْ يَعُودُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ؟

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الاِسْتِثْنَاءَ يَعُودُ إِلَى الأَْخِيرِ وَهُوَ هُنَا التَّوْبَةُ مِنَ الْفِسْقِ فَقَطْ.

وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يَعُودُ إِلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ.

وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِ عُمَرَ – رضي الله عنه - لِمَنْ جَلَدَهُ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِقَوْلِهِ: تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ.

وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ.

10- الذُّكُورَةُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ:

يُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ

لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: «مَضَتِ السُّنَّةُ بِأَنْ لاَ شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ »

11- عَدَمُ التُّهْمَةِ:

لِلتُّهْمَةِ أَسْبَابٌ مِنْهَا:

أ - أَنْ يَجُرَّ بِشَهَادَتِهِ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ ضُرًّا، فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَارِثِ لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ انْدِمَالِهِ، وَلاَ الضَّامِنِ لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ بِالأَْدَاءِ، وَلاَ الإِْبْرَاءِ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلآْخَرِ وَخَالَفَ فِي هَذَا الشَّافِعِيَّةُ. 

ب - الْبَعْضِيَّةُ: فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَصْلٍ لِفَرْعِهِ، وَلاَ فَرْعٍ لأَِصْلِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ.

ح - الْعَدَاوَةُ: فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَدَاوَةِ هُنَا، الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ لاَ الدِّينِيَّةُ، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ، وَالسُّنِّيُّ عَلَى الْمُبْتَدِعِ، وَكَذَا مَنْ أَبْغَضَ الْفَاسِقَ لِفِسْقِهِ لاَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَالْعَدَاوَةُ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ أَنْ تَبْلُغَ حَدًّا يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ وَيَفْرَحُ لِمُصِيبَتِهِ، وَيَحْزَنُ لِمَسَرَّتِهِ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَيُخَصُّ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ عَلَى الآْخَرِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ لِعَدُوِّهِ إِذْ لاَ تُهْمَةَ.

د - أَنْ يَدْفَعَ بِالشَّهَادَةِ عَنْ نَفْسِهِ عَارَ الْكَذِبِ، فَإِنْ شَهِدَ فَاسِقٌ وَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ ثُمَّ تَابَ بِشُرُوطِ التَّوْبَةِ فَشَهَادَتُهُ الْمُسْتَأْنَفَةُ مَقْبُولَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ أَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ الَّتِي رُدَّتْ لَمْ تُقْبَلْ.

هـ - الْحِرْصُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْمُبَادَرَةِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى، وَذَلِكَ فِي غَيْرِ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ.

و - الْعَصَبِيَّةُ، فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عُرِفَ بِهَا وَبِالإِْفْرَاطِ فِي الْحَمِيَّةِ كَتَعَصُّبِ قَبِيلَةٍ عَلَى قَبِيلَةٍ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ رُتْبَةَ الْعَدَاوَةِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ.

وَاسْتَدَلُّوا لاِشْتِرَاطِ عَدَمِ التُّهْمَةِ( ) بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم  «لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلاَ خَائِنَةٍ وَلاَ ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ لأَِهْلِ الْبَيْتِ.

ثَانِيًا: مَا يَرْجِعُ مِنْ شُرُوطِ الأَْدَاءِ إِلَى الشَّهَادَةِ نَفْسِهَا وَمِنْ ذَلِكَ:

اشْتِرَاطُ وُجُودِ الدَّعْوَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ مِنَ الْمُدَّعِي أَوْ نَائِبِهِ. أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا وُجُودُ الدَّعْوَى عَلَى رَأْيِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

مُوَافَقَتُهَا لِلدَّعْوَى (كَمَا سَيَرِدُ تَفْصِيلُهُ).

الْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ فِيمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ.

اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ (كَمَا سَيَرِدُ تَفْصِيلُهُ).

تَعَذُّرُ حُضُورِ الأَْصْلِ (وَهَذَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) كَمَا سَيَأْتِي.

أَنْ تُؤَدَّى بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ. بِأَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ بِكَذَا وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَكْفِي مَا يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ عِلْمِ الشَّاهِدِ كَأَنْ يَقُولَ: رَأَيْتُ كَذَا أَوْ سَمِعْتُ كَذَا وَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ.

ثَالِثًا: مَا يَرْجِعُ مِنْ شُرُوطِ الأَْدَاءِ إِلَى الْمَشْهُودِ بِهِ:

يُشْتَرَطُ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ:

أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، فَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ بِمَجْهُولٍ فَلاَ تُقْبَلُ. وَذَلِكَ لأَِنَّ شَرْطَ صِحَّةِ قَضَاءِ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَعْلُومًا.

كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ مَالاً أَوْ مَنْفَعَةً فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّمًا شَرْعًا.

رَابِعًا: مَا يَرْجِعُ مِنْ شُرُوطِ الأَْدَاءِ إِلَى نِصَابِ الشَّهَادَةِ:

يَخْتَلِفُ عَدَدُ الشُّهُودِ فِي الشَّهَادَاتِ بِحَسَبِ الْمَوْضُوعِ الْمَشْهُودِ بِهِ:

أ - مِنَ الشَّهَادَاتِ مَا لاَ يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ، لاَ امْرَأَةَ بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ فِي الزِّنَا، لقوله تعالي (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ). الآْيَةَ.

وقوله تعالي ( لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ). الآْيَةَ.

وقوله تعالي وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

ب - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى مَنْ عُرِفَ بِغِنًى أَنَّهُ فَقِيرٌ لأَِخْذِ زَكَاةٍ فَلاَ بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ ثَلاَثَةِ رِجَالٍ، يَشْهَدُونَ لَهُ.

لِحَدِيثِ قَبِيصَةَ «حَتَّى يَقُومَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاَنًا فَاقَةٌ.

ج - وَمِنْهَا مَا يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ لاَ امْرَأَةَ فِيهِمَا، وَهُوَ مَا سِوَى الزِّنَى مِنَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَحَدِّ الْحِرَابَةِ، وَالْجَلْدِ فِي الْخَمْرِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَلاَ يُقْصَدُ مِنْهُ مَالٌ: كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالإِْيلاَءِ، وَالظِّهَارِ، وَالنَّسَبِ، وَالإِْسْلاَمِ،

وَالرِّدَّةِ، وَالْجَرْحِ، وَالتَّعْدِيلِ، وَالْمَوْتِ وَالإِْعْسَارِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوِصَايَةِ، وَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ لاَ امْرَأَةَ فِيهِمَا.

وَدَلِيلُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى شَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ فِي الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْوَصِيَّةِ.

فَأَمَّا الطَّلاَقُ وَالرَّجْعَةُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).

وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَقَوْلُهُ(إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ).

وَأَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ فِي النِّكَاحِ: «لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ.

وَرَوَى مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ بِأَنَّهُ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَلاَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ.

وَقِيسَ عَلَيْهَا مَا شَارَكَهَا فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ.

د - وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: مَا يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ، أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ هُوَ مَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَقُّ مَالاً أَمْ غَيْرَ مَالٍ، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ.

وَدَلِيلُهُ قوله تعالي وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ).وَقَصَرَ الْجُمْهُورُ قَبُولَ شَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ أَوِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عَلَى مَا هُوَ مَالٌ أَوْ بِمَعْنَى الْمَالِ، كَالْبَيْعِ، وَالإِْقَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ، وَالضَّمَانِ، وَالْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ، كَالْخِيَارِ، وَالأَْجَلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَأَجَازُوا فِيهِ أَنْ يَثْبُتَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي.

وَدَلِيلُهُمْ فِي ذَلِكَ «أَنَّهُ صلي الله عليه وسلم  قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ.

وَلَمْ يُجِزِ الْحَنَفِيَّةُ الْقَضَاءَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لأَِنَّ الآْثَارَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذَا الشَّأْنِ لاَ تَثْبُتُ عِنْدَهُمْ.

هـ - وَمِنْهَا مَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ، وَهُوَ الْوِلاَدَةُ وَالاِسْتِهْلاَلُ وَالرَّضَاعُ، وَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ الأَْجَانِبُ مِنَ الْعُيُوبِ الْمَسْتُورَةِ.

وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَثْبُتُ بِهِ هَذِهِ الأُْمُورُ مِنَ النِّسَاءِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ:

الأَْوَّلُ: ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ فِي الْوِلاَدَةِ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا، وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ غَيْرِ الْقَابِلَةِ إِلاَّ مَعَ غَيْرِهَا.

وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.

الثَّانِي: ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ عَدْلَةٍ قَابِلَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، إِلاَّ وِلاَدَةَ الْمُطَلَّقَةِ فَلاَ تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ الْوَاحِدَة اسْتِدْلاَلاً بِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ – رضي الله عنه  - «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ.

وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ – رضي الله تعالي  - أَنَّهُمَا أَجَازَا شَهَادَتَهَا.

الثَّالِثُ: ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالْحَكَمُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَلاَ يُشْتَرَطُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُنَّ لَمَّا قُمْنَ فِي انْفِرَادِهِنَّ مَقَامَ الرِّجَالِ، وَجَبَ أَنْ يَقُمْنَ فِي الْعَدَدِ مَقَامَ الرِّجَالِ، وَأَكْثَرُ عَدَدِ الرِّجَالِ اثْنَانِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ عَدَدِ النِّسَاءِ اثْنَتَيْنِ.

الرَّابِعُ: هُوَ مَا حُكِيَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ أَنَّهُ تُقْبَلُ ثَلاَثُ نِسْوَةٍ، وَلاَ يُقْبَلُ أَقَلُّ مِنْهُنَّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَنَسٍ. وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ ضَمَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ إِلَى الرَّجُلِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لاَ يَنْفَرِدْنَ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَبْدَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَنْفَرِدْنَ فِيهِ فَيَصِرْنَ ثَلاَثًا.

الْخَامِسُ: ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَعَطَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: لأَِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ أَجَازَ الشَّهَادَةَ انْتَهَى بِأَقَلِّهَا إِلَى شَاهِدَيْنِ، أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَأَقَامَ الثِّنْتَيْنِ مَقَامَ رَجُلٍ، حَيْثُ أَجَازَهُمَا فَإِذَا أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا يَغِيبُ عَنِ الرِّجَالِ لَمْ يَجُزْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُجِيزُوهَا إِلاَّ عَلَى أَصْلِ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الشَّهَادَاتِ، فَيَجْعَلُونَ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ تَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ، وَإِذَا فَعَلُوا لَمْ يَجُزْ إِلاَّ أَرْبَعٌ، وَهَكَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ ذِكْرُهُ - وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.

و - وَمِنْهَا مَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بِمُفْرَدِهِ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ اسْتِدْلاَلاً بِحَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما  - قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلاَلَ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  .

أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ.

وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما  - أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلاَلَ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ وَأَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلاَلُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غَدًا.

وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ مِنْ غَيْمٍ أَوْ غُبَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطَّبِيبِ الْوَاحِدِ فِي الشِّجَاجِ، وَالْبَيْطَارِ فِي عُيُوبِ الدَّوَابِّ.

وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِمَا إِذَا كَانَ بِتَكْلِيفٍ مِنَ الإِْمَامِ.

وَقَيَّدَهُ الْحَنَابِلَةُ بِمَا إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ.

حُكْمُ الإِْشْهَادِ:

فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الإِْشْهَادِ عَلَى الْعُقُودِ بَيْنَ عُقُودِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا: فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى أَنَّ الإِْشْهَادَ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَاجِبٌ وَشَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، لِقَوْلِهِ  «لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ.

وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الإِْشْهَادَ غَيْرُ وَاجِبٍ إِذَا تَمَّ الإِْعْلاَنُ.

أَمَّا عُقُودُ الْبُيُوعِ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو مُوسَى الأَْشْعَرِيُّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالضَّحَّاكُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَمُجَاهِدٌ إِلَى أَنَّ الإِْشْهَادَ وَاجِبٌ.

قَالَ عَطَاءٌ: أَشْهِدْ إِذَا بِعْتَ وَإِذَا اشْتَرَيْتَ بِدِرْهَمٍ أَوْ نِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ ثُلُثِ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُوَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ.

وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ، إِلَى أَنَّ الأَْمْرَ فِي لقوله تعالي (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ)  لِلنَّدْبِ وَلَيْسَ لِلْوُجُوبِ، لِوُرُودِ الآْيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الأَْمْرَ فِيهَا مَحْمُولٌ عَلَى الاِسْتِحْبَابِ.

وَلِمَا وَرَدَ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُ بَاعَ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  جَمَلَهُ وَاسْتَثْنَى ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ.

فَدَلَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ.

وَقَدْ بَاعَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  وَأَشْهَدَ، وَبَاعَ فِي أَحْيَانٍ أُخْرَى وَاشْتَرَى، وَرَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وَلَمْ يُشْهِدْ.

وَلَوْ كَانَ الإِْشْهَادُ أَمْرًا وَاجِبًا لَوَجَبَ مَعَ الرَّهْنِ لِخَوْفِ الْمُنَازَعَةِ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: (وَالْوُجُوبُ فِي ذَلِكَ قَلِقٌ، أَمَّا فِي الدَّقَائِقِ فَصَعْبٌ شَاقٌّ، وَأَمَّا مَا كَثُرَ فَرُبَّمَا يَقْصِدُ التَّاجِرُ الاِسْتِئْلاَفَ بِتَرْكِ الإِْشْهَادِ، وَقَدْ يَكُونُ عَادَةً فِي بَعْضِ الْبِلاَدِ، وَقَدْ يُسْتَحَى مِنَ الْعَالِمِ وَالرَّجُلِ الْكَبِيرِ الْمُوَقَّرِ فَلاَ يُشْهِدُ عَلَيْهِ، فَيَدْخُلُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الاِئْتِمَانِ، وَيَبْقَى الأَْمْرُ بِالإِْشْهَادِ نَدْبًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِي الأَْغْلَبِ مَا لَمْ يَقَعْ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْهُ).

مُسْتَنَدُ عِلْمِ الشَّاهِدِ:

الأَْصْلُ فِي الشَّهَادَةِ أَنْ تَكُونَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ، لقوله تعالي (إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.

وقوله تعالي حِكَايَةً عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ(وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا).

فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الشَّهَادَةَ تَكُونُ بِالْعِلْمِ، وَلاَ تَصِحُّ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ.

وَيُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما  - قَالَ: «ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهَا أَقْوَى أَسْبَابِ الْعِلْمِ وَهِيَ الْمُشَاهَدَةُ وَالْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ.

لَكِنَّ الأُْمُورَ الْمَشْهُودَ بِهَا قَدْ تَتَفَاوَتُ فِيمَا بَيْنَهَا فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ بِهَا:

فَمِنْهَا مَا شَأْنُهُ أَنْ يُعَايِنَهُ الشَّاهِدُ كَالْقَتْلِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالْغَصْبِ، وَالرَّضَاعِ، وَالزِّنَى، وَشُرْبِ الْخَمْرِ.

فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ هَذِهِ الأُْمُورَ إِلاَّ بِالْمُعَايَنَةِ بِبَصَرِهِ.

فَمِنْهَا أُمُورٌ لاَ يَصِحُّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إِلاَّ بِالسَّمَاعِ وَالْمُعَايَنَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ فِي عُقُودِ النِّكَاحِ، وَالْبُيُوعِ، وَالإِْجَارَاتِ، وَالطَّلاَقِ؛ لأَِنَّ الأَْصْوَاتَ قَدْ تَشْتَبِهُ، وَيَكْتَفِي الْحَنَابِلَةُ فِيهَا بِالسَّمَاعِ إِذَا عَرَفَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَقِينًا وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ كَلاَمُهُمَا.

وَمِنْهَا مَا يَحْصُلُ عِلْمُهُ بِهَا عَنْ طَرِيقِ سَمَاعِ الأَْخْبَارِ الشَّائِعَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْمُسْتَفِيضَةِ، كَالنَّسَبِ، وَالْمِلْكِ، وَالْمَوْتِ، وَالْوَقْفِ.

فَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا مُعْتَمِدًا عَلَى التَّسَامُعِ.

الاِخْتِلاَفُ فِي الشَّهَادَةِ:

الشَّهَادَةُ إِذَا وَافَقَتِ الدَّعْوَى قُبِلَتْ، وَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ؛ لأَِنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا يُوَافِقُهَا وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا.

وَيَنْبَغِي اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ فِيمَا بَيْنَهُمَا لِتَكْمُلَ الشَّهَادَةُ.

فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ دِينَارًا، وَشَهِدَ الآْخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا: فَلاَ تَكْمُلُ الشَّهَادَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ.

وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَذَهَبَ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إِلَى أَنَّ الاِتِّفَاقَ فِي الْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ.

فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ وَالآْخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلِ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ، لأَِنَّهُمَا اخْتَلَفَا لَفْظًا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلاَفِ الْمَعْنَى لأَِنَّهُ يُسْتَفَادُ بِاللَّفْظِ، وَهَذَا لأَِنَّ الأَْلْفَ لاَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الأَْلْفَيْنِ، بَلْ هُمَا جُمْلَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ فَحَصَلَ عَلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَصَارَ كَمَا إِذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَالِ.

وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الأَْلْفِ إِذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الأَْلْفَيْنِ.

وَهُوَ رَأْيُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.

لأَِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الأَْلْفِ، وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ فَيَثْبُتُ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا، فَصَارَ كَالأَْلْفِ وَالأَْلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ.

أَمَّا إِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالآْخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ: قُبِلَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى الأَْلْفِ عِنْدَ الْجَمِيعِ حَتَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاِتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا لَفْظًا وَمَعْنًى؛ لأَِنَّ الأَْلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ جُمْلَتَانِ عُطِفَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُْخْرَى وَالْعَطْفُ يُقَرِّرُ الأَْوَّلَ.

وَمَتَى كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلٍ فَاخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي زَمَنِهِ، أَوْ مَكَانِهِ، أَوْ صِفَةٍ لَهُ تَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِعْلَيْنِ لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمَا.

مِثْلَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ دِينَارًا يَوْمَ السَّبْتِ، وَيَشْهَدَ الآْخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ دِينَارًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ بِدِمَشْقَ، وَيَشْهَدَ الآْخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ بِمِصْرَ، أَوْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَبْيَضَ وَيَشْهَدَ الآْخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَسْوَدَ: فَلاَ تَكْمُلُ الشَّهَادَةُ؛ لأَِنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ شَاهِدَانِ.

تَعَارُضُ الشَّهَادَاتِ:

قَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الْخَصْمَيْنِ مُدَّعِيًا وَيُقِيمُ عَلَى دَعْوَاهُ بَيِّنَةً (شَهَادَةً) كَامِلَةً، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ أَوْ فِي مِلْكٍ مُقَيَّدٍ بِذِكْرِ سَبَبِ التَّمَلُّكِ.

فَإِنْ كَانَتَا فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ، لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ سَبَبُ التَّمَلُّكِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الدَّعْوَى تَارِيخًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا أَوْ فِي يَدِهِمَا مَعًا.

أ - فَإِنْ كَانَ الشَّيْءُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا: فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ أَحْمَدَ لِقَوْلِهِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

وَلأَِنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَذُو الْيَدِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَجَعَلَ جِنْسَ الْبَيِّنَةِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَهُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْخَارِجُ، فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتُرَدُّ بَيِّنَةُ الْيَدِ؛ وَلأَِنَّهَا أَكْثَرُ إِثْبَاتًا، لأَِنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْخَارِجِ، وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ لاَ تُثْبِتُهُ، لأَِنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ لَهُ بِالْيَدِ، وَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ إِثْبَاتًا كَانَتْ أَقْوَى.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ؛ لأَِنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَانِ، فَتَبْقَى الْيَدُ دَلِيلاً عَلَى الْمِلْكِ، وَدَلِيلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ  صلي الله عليه وسلم  اخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلاَنِ فِي دَابَّةٍ أَوْ بَعِيرٍ، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهَا لَهُ نَتْجُهَا، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ.

ب - أَمَّا إِذَا كَانَ الشَّيْءُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا:

فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْظَرُ: إِنْ: لَمْ يُؤَرِّخَا وَقْتًا: قُضِيَ بِالشَّيْءِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لاِسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ، وَكَذَا إِذَا أَرَّخَا وَقْتًا بِعَيْنِهِ. وَإِذَا أُرِّخَتْ إِحْدَاهُمَا تَارِيخًا أَسْبَقَ مِنَ الثَّانِيَةِ: فَالأَْسْبَقُ أَوْلَى، لأَِنَّهُمَا يُعْتَبَرَانِ خَارِجَيْنِ، لِوُجُودِهَا عِنْدَ غَيْرِهِمَا، فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِمَا وَصْفُ (الْمُدَّعِي) فَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُمَا، وَيُحْكَمُ لِلأَْسْبَقِ؛ لأَِنَّ الأَْسْبَقَ يُثْبِتُ الْمِلْكِيَّةَ فِي وَقْتٍ لاَ يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ: إِنْ تَعَذَّرَ تَرْجِيحُ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِوَجْهٍ مِنَ الْمُرَجِّحَاتِ، وَالْحَالُ؛ أَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا: سَقَطَتَا؛ لِتَعَارُضِهِمَا، وَبَقِيَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ حَائِزِهِ. وَفِي ذَلِكَ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَيْنًا وَهِيَ فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَهُوَ مُنْكِرٌ وَلَمْ يَنْسِبْهَا لأَِحَدِهِمَا، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، وَكَانَتَا مُطَلَّقَتِي التَّارِيخِ أَوْ مُتَّفِقَتَيْهِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا مُطْلَقَةً وَالأُْخْرَى مُؤَرَّخَةً: سَقَطَتِ الْبَيِّنَتَانِ، لِتَنَاقُضِ مُوجِبِيهِمَا وَلاَ مُرَجِّحَ، وَيَحْلِفُ صَاحِبُ الْيَدِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا.

وَفِي قَوْلٍ: تُسْتَعْمَلُ الْبَيِّنَتَانِ، وَتُنْزَعُ الْعَيْنُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ، وَعَلَى هَذَا تُقْسَمُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ مُنَاصَفَةً فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُرَجَّحُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ.

وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ: تُوقَفُ حَتَّى يَبِينَ الأَْمْرُ أَوْ يَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَنْكَرَ الثَّالِثُ دَعْوَى الْمُدَّعِيَيْنِ، فَقَالَ: لَيْسَتْ لَهُمَا وَلاَ لأَِحَدِهِمَا: أُقْرِعَ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لأَِحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ: حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنَ الْمُدَّعِيَيْنِ بَيِّنَةٌ: تَعَارَضَتَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي عَدَمِ الْيَدِ، فَتَسْقُطَانِ لِعَدَمِ إِمْكَانِ الْعَمَلِ بِإِحْدَاهُمَا.

ج - أَمَّا إِذَا كَانَ الشَّيْءُ فِي يَدِهِمَا مَعًا:

فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ( ) إِلَى التَّفْصِيلِ:

فَإِنْ لَمْ تُؤَرَّخَا تَارِيخًا، وَكَذَا إِذَا أُرِّخَتَا تَارِيخًا مُعَيَّنًا وَكَانَ تَارِيخُهُمَا سَوَاءً: قُضِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ الآْخَرِ؛ لأَِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا النِّصْفِ خَارِجٌ فَهُوَ مُدَّعٍ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي.

وَإِنْ أُرِّخَتْ إِحْدَاهُمَا دُونَ الأُْخْرَى: قُضِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلاَ عِبْرَةَ بِالتَّارِيخِ لِلاِحْتِمَالِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ لِصَاحِبِ التَّارِيخِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ فِي أَيْدِيهِمَا كَمَا كَانَتْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ تَسَاقُطُ الْبَيِّنَتَيْنِ، إِذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى بِهَا مِنَ الآْخَرِ، وَقِيلَ: تُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ الْقِسْمَةِ، وَلاَ يَجِيءُ الْقَوْلُ بِالْوَقْفِ، إِذْ لاَ مَعْنَى لَهُ، وَفِي الْقُرْعَةِ وَجْهَانِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ الْمُتَنَازِعَيْنِ إِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَتَسَاوَتِ الْبَيِّنَتَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ: تَعَارَضَتَا وَتَسَاقَطَتَا؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَنْفِي مَا تُثْبِتُهُ الأُْخْرَى، فَلاَ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا، وَلاَ بِإِحْدَاهُمَا فَتَتَسَاقَطَانِ، وَيَصِيرُ الْمُتَنَازِعَانِ كَمَنْ لاَ بَيِّنَةَ لَهُ، فَيَتَحَالَفَانِ، وَيَتَنَاصَفَانِ مَا بِأَيْدِيهِمَا.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِلَى تَرْجِيحِ إِحْدَاهُمَا بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ فِي الْبَيِّنَةِ الأَْصْلِيَّةِ لاَ الْمُزَكِّيَةِ، وَفِي رَأْيِ بَعْضِهِمْ تُرَجَّحُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ إِذَا أَفَادَتِ الْكَثْرَةُ الْعِلْمَ، بِحَيْثُ تَكُونُ الْكَثْرَةُ جَمْعًا يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ.

وَإِنْ كَانَتَا فِي مِلْكٍ مُقَيَّدٍ بِسَبَبِهِ:

وَذَلِكَ بِأَنْ يُذْكَرَ الْمِلْكُ عَنْ طَرِيقِ الإِْرْثِ مَثَلاً أَوْ عَنْ طَرِيقِ الشِّرَاءِ أَوِ النِّتَاجِ.

فَفِي الإِْرْثِ يُقْضَى بِهِ لِلْخَارِجِ، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا أَسْبَقَ، فَيُقْضَى بِهِ لِلأَْسْبَقِ.

أَمَّا إِذَا كَانَا خَارِجَيْنِ، بِأَنْ كَانَ الشَّيْءُ عِنْدَ غَيْرِهِمَا: فَيُقْسَمُ الشَّيْءُ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُقْضَى بِهِ لِلأَْسْبَقِ إِذَا ذَكَرَا تَارِيخًا.

وَفِي الشِّرَاءِ: إِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ صَاحِبِهِ وَلاَ تَارِيخَ لَهُمَا، وَكَذَا إِنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا سَوَاءٌ، تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا، وَيُتْرَكُ الشَّيْءُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ: فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ، وَإِذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ يُقْضَى لَهُمَا بِالشَّيْءِ نِصْفَيْنِ.

وَفِي النِّتَاجِ: بِأَنْ يَذْكُرَ أَنَّ هَذِهِ النَّاقَةَ نَتَجَتْ عِنْدَهُ، أَيْ: وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ، فَيَكُونُ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى إِذَا لَمْ يُؤَرِّخَا، أَوْ أَرَّخَا وَقْتًا وَاحِدًا؛ لأَِنَّ النِّتَاجَ لاَ يَتَكَرَّرُ.

لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي نَاقَةٍ، فَقَالَ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: نَتَجَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ عِنْدِي. وَأَقَامَا بَيِّنَةً فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ.

أَمَّا مَا يَتَكَرَّرُ سَبَبُهُ، كَالْبِنَاءِ، وَالنَّسْجِ، وَالصُّنْعِ، وَالْغَرْسِ: فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى. أَمَّا إِذَا ذَكَرَ أَحَدُهُمَا الْمِلْكَ وَالآْخَرُ النِّتَاجَ: فَبَيِّنَةُ النِّتَاجِ أَوْلَى لأَِنَّهَا تُثْبِتُ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ لِصَاحِبِهِ.

وَجَاءَ فِي مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ مَا يَلِي:

أ - إِذَا ادَّعَى أَحَدُ الشَّخْصَيْنِ الْمِلْكَ بِالاِسْتِقْلاَلِ وَادَّعَى الآْخَرُ الْمِلْكَ بِالاِشْتِرَاكِ فِي مَالٍ، وَالْحَالُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَصَرِّفٌ أَيْ ذُو يَدٍ: فَبَيِّنَةُ الاِسْتِقْلاَلِ أَوْلَى.

ب - تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ التَّمْلِيكِ عَلَى بَيِّنَةِ الْعَارِيَّةُ.

ج - تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْبَيْعِ عَلَى بَيِّنَةِ الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَالإِْجَارَةِ وَتُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الإِْجَارَةِ عَلَى بَيِّنَةِ الرَّهْنِ.

د - تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ عَلَى بَيِّنَةِ مَرَضِ الْمَوْتِ.

هـ - تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْعَقْلِ عَلَى بَيِّنَةِ الْجُنُونِ أَوِ الْعَتَهِ.

و - تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْحُدُوثِ عَلَى بَيِّنَةِ الْقِدَمِ.

كَثْرَةُ الْعَدَدِ وَقُوَّةُ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ:

إِذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنَ الْمُرَجِّحَاتِ سِوَى كَثْرَةِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُْخْرَى بِأَنْ كَانَتِ الأُْولَى عَشَرَةَ شُهُودٍ وَكَانَتِ الثَّانِيَةُ شَاهِدَيْنِ فَقَطْ، أَوْ تَرَجَّحَتْ إِحْدَاهُمَا بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ بِأَنْ كَانَتْ أَظْهَرَ زُهْدًا وَأَوْفَرَ تَحَرُّجًا مِنَ الأُْخْرَى.

فَهَلْ تَتَرَجَّحُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُْخْرَى؟.

ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى تَرْجِيحِهَا بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ وَقُوَّةِ الْعَدَالَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلُ جُمْهُورِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُغَلَّبُ الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ الزَّائِدَةِ فِي الْعَدَدِ وَالْعَدَالَةِ وَإِنَّمَا هُمَا سَوَاءٌ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى عَدَدِ الشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ.

وَبِقَوْلِهِ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).

فَمَنَعَ النَّصُّ مِنَ الاِجْتِهَادِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ؛ وَلأَِنَّهُ لَمَّا جَازَ الاِقْتِصَارُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ، وَعَلَى قَبُولِ الْعَدْلِ مَعَ مَنْ هُوَ أَعْدَلُ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لِزِيَادَةِ الْعَدَدِ وَقُوَّةِ الْعَدَالَةِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثلاثون ، الصفحة / 10

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الشَّاهِدِ عَدْلاً:

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشُّهُودِ أَنْ يَكُونُوا عُدُولاً فِي التَّحَمُّلِ وَالأْدَاءِ لقوله تعالى : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) ؛ وَلأِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ بِالتَّوَقُّفِ عَنْ نَبَأِ الْفَاسِقِ فِي قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا).

وَالشَّهَادَةُ نَبَأٌ فَيَجِبُ التَّثَبُّتُ.

وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم  : «لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلاَ خَائِنَةٍ وَلاَ مَحْدُودٍ فِي الإْسْلاَمِ، وَلاَ ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» ، وَلأِنَّ دِينَ الْفَاسِقِ لَمْ يَزَعْهُ عَنِ ارْتِكَابِ مَحْظُورَاتٍ فِي الدِّينِ، فَلاَ يُؤْمَنُ أَنْ لاَ يَزَعَهُ عَنِ الْكَذِبِ فَلاَ تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِشَهَادَتِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَدْلَ لَيْسَ شَرْطًا فِي أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ، وَالْمَالِكِيَّةُ يُوَافِقُونَهُمْ فِي هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ، فَإِذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَهُوَ فَاسِقٌ ثُمَّ تَابَ مِنْ فِسْقِهِ ثُمَّ شَهِدَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتُبْ فَيُمْنَعُ مِنَ الأْدَاءِ؛ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ.

وَالْعَدَالَةُ الْمَشْرُوطَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لأِدَاءِ الشَّهَادَةِ هِيَ الظَّاهِرَةُ، أَمَّا الْعَدَالَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَهِيَ الْبَاطِنَةُ الثَّابِتَةُ بِالسُّؤَالِ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ بِالتَّعْدِيلِ، وَالتَّزْكِيَةِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَهُمْ، مَا لَمْ يَطْعَنِ الْخَصْمُ فِي الشُّهُودِ، أَوْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ لاَ يَكْتَفِيَ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ، بَلْ يَسْأَلُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ؛ لِدَرْءِ الْحُدُودِ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إِذَا لَمْ يَطْعَنِ الْخَصْمُ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لاَ يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ حَالِ الشُّهُودِ، بَلْ يَعْتَمِدُ عَلَى الْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ لقوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) ؛ وَلأِنَّ الْعَدَالَةَ الْحَقِيقِيَّةَ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا فَيَجِبُ الاِكْتِفَاءُ بِالظَّاهِرَةِ.

وَذَهَبَ صَاحِبَاهُ: إِلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ.

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (شَهَادَةٌ ف 22)

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩