loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية،  الجزء الثاني ) 

يوجب القانون أن يبين في منطوق الحكم الذي يأمر بالتحقيق كل واقعة من الوقائع المطلوب إثباتها وإلا كان باطلاً ، وذلك لأن الإثبات بشهادة الشهود يقوم علي ركنين تعلق الوقائع المراد إثباتها في الدعوى ، وكونها منتجة فيها، ومقتضى هذا أن تكون تلك الوقائع مبينة بالدقة والضبط لينحصر فيها التحقيق وليعلم كل طرف ما هو مكلف بإثباته أو بنفيه . (المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات القديم) .

الاحكام

1- النص فى المادة71من قانون الإثبات على أن "يجب أن يبين فى منطوق الحكم الذى يأمر بالإثبات بشهادة الشهود كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها وإلا كان باطلاً _." يدل على أن الشارع قد قصر ما يجب بيانه فى حكم الإحالة إلى تحقيق على الوقائع التى رأى الحكم إثباتها ثم رتب على إغفالها بطلان الحكم، ولم يوجب بيان الوصف القانونى لهذه الوقائع وبالتالى فإن إيراد هذا الوصف والخطأ فيه لايترتب بطلان هذا الحكم أوالدليل المستمد من التحقيق الذى أجرى بمقتضاه .

(الطعن رقم 2479 لسنة 59 جلسة 1993/12/23 س 44 ع 3 ص 482 ق 373)

2- النص فى المادة 71 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 - يدل وعلى ما جاء بالمذكرة التفسيرية لقانون المرافعات الملغى - بصدد المادة 191 منه المطابقة لها فى الحكم - على أن الإثبات بشهادة الشهود يقوم على ركنين تعلق الوقائع المراد إثباتها بالدعوى ، - وكونها منتجة فيها ، ومقتضى هذا أن تكون تلك الوقائع مبينة بالدقة والضبط لينحصر فيها التحقيق و ليعلم كل طرف ما هو مكلف بإثباته أو بنفيه ، فإذا إستخلصت المحكمة من أقوال الشهود الذين سمعتهم دليلاً عن ثبوت أو نفى واقعة لم يتناولها منطوق حكم التحقيق وتمسك الخصم ببطلان هذا الدليل فإن إستخلاصها هذا يكون مخالفاً للقانون ، إذ أنها إنتزعت من التحقيق دليلاً على خصم لم تمكنه من إثبات عكسه ، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بنفاذ عقد الإيجار المؤرخ 1977/12/1 - الصادر من المطعون ضدها الثانية إلى المطعون ضده الأول - فى حق باقى شركاء العقار الكائن به شقة النزاع والذى رتب عليه رفض دعوى الطاعنين على سند مما إستظهره من أقوال شهود المطعون ضدهما فى التحقيق الذى أجرته المحكمة نفاذاً للحكم الصادر منها بتاريخ 1981/12/28 من حصول قسمة مهايأة بين الشركاء المشتاعين فى العقار " الطاعنون من الثانى حتى الرابع والمطعون ضدهم من الثانية حتى الأخيرة " إختصت بموجبها المطعون ضدها الثانية بشقة النزاع بما يعادل حصتها فى العقار ، فى حين أن البين من منطوق حكم التحقيق الذى أصدرته محكمة الإستئناف فى 1980/12/28 أنه قضى بالإحالة إلى التحقيق لتثبت المطعون ضدها الثانية أن الإتفاق على إدارة العقار لم يكن قائماً قبل رفع الدعوى ولتثبت والمطعون ضده الأول أو عقد الإيجار المؤرخ 1977/11/1 - الصادر من مورث الشركاء إلى الطاعن الأول - هو عقد صورى ، وإذ كان ذلك ، وكانت واقعة حصول قسمة المهايأة بين الشركاء التى خلصت إليها المحكمة الإستئنافية من أقوال الشهود لم تكن محلاً للإثبات والنفى فى منطوق حكم التحقيق المشار إليه فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 1676 لسنة 56 جلسة 1990/12/26 س 41 ع 2 ص 1017 ق 330) 

3- يدل النص فى المادة 71 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 على أن الإثبات بشهادة الشهود يقوم على ركنين ، تعلق الوقائع المراد إثباتها بالدعوى ، وكونها منتجة فيها ، ومقتضى هذا أن تكون تلك الوقائع مبينة بالدقة والضبط لينحصر فيها التحقيق وليعلم كل طرف ما هو مكلف بإثباته أو بنفيه ، فإذا إستخلصت المحكمة من أقوال الشهود الذين سمعتهم دليلاً على ثبوت أو نفى واقعة لم يتناولها منطوق حكم التحقيق وتمسك الخصم ببطلان هذا الدليل ، فإن إستخلاصها هذا يكون مخالفاً للقانون إذ أنها إنتزعت من التحقيق دليلاً على خصم لم تمكنه من إثبات عكسه ، لما كان ذلك وكان البين من منطوق حكم التحقيق الذى أصدرته محكمة الدرجة الأولى ... أنه قضى بالإحالة إلى التحقيق ليثبت المطعون عليهم صحة توقيع المورث بالبصمة على عقد البيع موضوع النزاع و مع ذلك إنتهى الحكم الإبتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه إلى عدم صحة دفاع الطاعنة بصورية عقد البيع بصدوره فى مرض الموت إعتماداً على هذا التحقيق رغم تمسك الطاعنة بعدم صلاحيته فى هذا الخصوص وطلبت إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات دفاعها فيكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 1226 لسنة 53 جلسة 1987/02/25 س 38 ع 1 ص 313 ق 72) 

4- إن المشرع و قد أوجب فى المادة 71 من قانون الإثبات أن يبين فى منطوق الحكم الذى يأمر بالإثبات كل واقعة من الوقائع المطلوب إثباتها وإلا كان باطلاً ، إنما هدف من ذلك وعلى ما جلته المذكرة الإيضاحية للمادة 191 من قانون المرافعات القديم المقابلة للمادة سالفة الذكر إلى أن ينحصر التحقيق فيها ليعلم كل طرف بما هو مكلف بإثباته أو بنفيه ، فالبطلان المترتب على مخالفة هذه القاعدة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مقرر لمصلحة الخصوم وليس متعلقاً بالنظام العام ، ويشترط للتحدى به أمامها أن يكون قد سبق التمسك به أمام محكمة الإستئناف .

(الطعن رقم 673 لسنة 46 جلسة 1981/04/25 س 32 ع 1 ص 1251 ق 230) 

5- أوجبت المادة 71 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 أن يبين فى منطوق الحكم الذى يأمر بالإثبات بشهادة الشهود كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها وإلا كان باطلاً وقد هدفت إلى أن تكون الوقائع معينة بالدقة وبالضبط لينحصر فيها التحقيق وليعلم كل طرف ما هو مكلف بإثباته ونفيه ، لأن الإثبات بشهادة الشهود يقوم على ركنين تعلق الوقائع المراد إثباتها بالدعوى وكونها منتجة فيها ، ولما كان الواقع فى الدعوى أن المطعون عليها قصرت مدعاها على طلب التطليق للضرر بسبب التعدى عليها بالسب والضرب ، وكان الثابت أن محكمة أول درجة أحالت الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها أنها زوجة للطاعن بصحيح العقد الشرعى وأنه دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج ، وأنها لا تزال فى عصمته وفى طاعته ، و أنه يسيئ معاملتها ويعتدى عليها بالسب والقذف والضرب بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما ، وخولت الطاعن النفى ، فإنها تكون قد بينت الوقائع التى يجب أن ينحصر فيها التحقيق ، وهى كلها متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها ، ولا يعيبه أنها أوردت فى الوقائع المراد إثباتها قيام الزوجية رغم ثبوتها بوثيقة رسمية غير مجموده . وإذ لا يعدو ذكرها فى الحكم وجوب أن تكون الزوجية قائمة وقت سماع الشهود وإلا أصبحت دعوى التطليق برمتها غير ذات موضوع ، ولا ينم هذا بمجرده عن عدم إحاطة بموضوع الدعوى أو تقصير فى تمحيص مستنداتها .

(الطعن رقم 8 لسنة 46 جلسة 1979/01/10 س 30 ع 1 ص 176 ق 44) 

6- مفاد ما تقضى به الفقرة الثانية من المادة 71 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 من أنه يجب أن يبين فى منطوق الحكم الذى يأمر بالإثبات ، اليوم الذى يبدأ فيه التحقيق والميعاد الذى يجب أن يتم فيه . والمادة 75 منه من أنه لا يجوز بعد إنقضاء ميعاد التحقيق سماع شهود بناء على طلب الخصوم ، أن الميعاد الذى تحدده المحكمة لإجراء التحقيق خلاله تطبيقاً لهاتين المادتين لا علاقة له بمواعيد المرافعات بإعتبارها الآجال التى يحددها القانون لمباشرة إجراءاتها . وإذ أوضح حكم الإثبات الذى أصدرته محكمة أول درجة أن اليوم المقرر لبدء التحقيق هو 3 من يناير 1972 فإن هذا اليوم ينبغى إحتسابه ضمن الميعاد لأن من الجائز سماع الشهود وإجراء التحقيق فيه بالذات . وتكون نهاية الشهور الثلاثة المحددة لإجراء التحقيق خلالها هو يوم 2 من أبريل 1972 لا اليوم التالى .

(الطعن رقم 13 لسنة 43 جلسة 1975/11/19 س 26 ص 1435 ق 271)

شرح خبراء القانون

وإذا صدر الحكم بالتحقيق ، ولو من تلقاء نفس المحكمة ، فإنه يجب أن يتضمن تحديد الوقائع المأمور بإثباتها تحديداً دقيقاً وإلا كان باطلاً، وعلة هذا التحديد هو التأكد بعد ذلك من أن الشهادة قد حدثت بالنسبة لوقائع أجازت المحكمة إثباتها بشهادة الشهود ، ولكي يعرف القاضي المنتدب للتحقيق حدود سلطته كما تراها المحكمة، كما يجب أن يتضمن الحكم اليوم الذي يبدأ فيه التحقيق وتحديد الميعاد الذي يجب أن يتم فيه (مادة 71 إثبات) ، وذلك حتى لا تستمر إجراءات التحقيق مدة طويلة مما يعطل الفصل في القضية . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة : 203 )

كيف تحال القضية إلى التحقيق لسماع الشهود : 

فى الأحوال التى يجيز فيها القانون الإثبات بالبينة ، ويرى القاضى أن هذا الإثبات مستساغ على النحو الذي بيناه ، يجوز للمحكمة ، من تلقاء نفسها متى رأت فى ذلك فائدة  للحقيقة أو بناء على طلب الخصم، أن تأمر بالإثبات بالبينة، والحكم الذي يصدر بإحالة القضية إلى التحقيق لسماع الشهود يجب أن يبين فى منطوقه كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها ، واليوم الذي يبدأ فيه التحقيق ، والميعاد الذي يجب أن يتم فيه  م 68 – 71  من قانون الإثبات الجديد، وهذا هو ما يسمى بالتحقيق الفرعي .

والإذن لأحد الخصوم فى إثبات واقعة بشهادة الشهود يقتضى دائماً أن يكون للخصم الآخر الحق في نفيها بهذا الطريق  م 71 من قانون الإثبات . فى هذا ضمان كبير اتخذ ضد تحيز الشهود أو ضعف ذاكرتهم أو عدم دقتهم عن طريق إيجاد  ضرب من التوازن بين شهود الإثبات وشهود النفي  .  ( الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني  المجلد الأول ، الصفحة : 428 )

بالنسبة للفقرة الأولى من المادة والخاصة بإثبات الوقائع المأمور بإثباتها - في الحكم وإلا كان باطلاً يلاحظ أن هذا البطلان لا يتصل بالنظام العام وإنما يتمسك به كل خصم في الدعوى على اعتبار أن المقصود من تحديد الوقائع بالدقة والضبط أن ينحصر فيها التحقيق وأن يعلم كل طرف ما هو مكلف بنفيه .

 (الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات الطبعة الثانية ص 225 ).

كما يلاحظ أنه يجوز أن تكتفي المحكمة بالإشارة إلى إثبات الوقائع المذكورة بمحضر الجلسة أو المقدمة كتابة من الخصم الذي يطلب التحقيق فلا يؤدي للبطلان خلو الحكم من هذه الوقائع إذا كانت مبينة بجلاء في طلب التحقيق أو تناولتها المحكمة في وقائع الحكم وأسبابه، والبطلان الناشئ عن خلو الحكم من بيان الوقائع المراد تحقيقها يزول بالنزول عنه صراحة أو ضمناً إذ لا تعلق له بالنظام العام .

( العشماوي في قواعد المرافعات الجزء الثاني هامش ص 36 ). ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه،  طبعة 2014، 2015 دار محمود،  المجلد :  الثاني ، الصفحة : 94 )

يوجب القانون أن يبين في منطوق الحكم الذي يأمر بالتحقيق كل واقعة من الوقائع المطلوب إثباتها وإلا كان باطلاً ، وذلك لأن الإثبات بشهادة الشهود يقوم علي ركنين تعلق الوقائع المراد إثباتها في الدعوى ، وكونها منتجة فيها، ومقتضى هذا أن تكون تلك الوقائع مبينة بالدقة والضبط لينحصر فيها التحقيق وليعلم كل طرف ما هو مكلف بإثباته أو بنفيه . (المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات القديم) .

وواضح من المادة أنها لا ترتب بطلاناً جزاء مخالفة ما أمرت به من تحديد ميعاد لبدء التحقيق ونهايته فهي إن أوجبت في فقرتها الأولى أن يبين في الحكم الذي يأمر بالإثبات بشهادة الشهود كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها ورتبت البطلان جزاء مخالفة هذا جاءت في فقرتها الثانية - وأمرت بوجوب تحديد میعاد يبدأ فيه التحقيق ، وميعاد يتعين أن يتم فيه ولم تنص على البطلان جزاء مخالفة ، ومن ثم إذا لم يحدد في الحكم ميعاد بدء التحقيق فإن سير الدعوى يقف بطبيعة الحال ، وإذا لم تعجل في خلال سنة فإنه تسقط عملاً بقواعد سقوط الخصومة المنصوص عليها في المادة 134 مرافعات وما بعدها وإذا عجلت في خلال هذه السنة جاز الاعتداد بالحكم الصادر بإجراء التحقيق علي أن يبين في الحكم اللاحق التاريخ الذي يبدأ فيه التحقيق .

 وإذا حدد الحكم بداية التحقيق ولم يبين الميعاد الذي يجب أن يتم فيه فلا يترتب على ذلك البطلان ( الإثبات أبو الوفا ص 206 )، والسبب في ذلك في رأينا أن المشرع لم ينص علي البطلان صراحة عندئذٍ منه بأنه إجراء تنظيمي قصد به تحديد أجل لإنتهاء التحقيق حتى لا تنام الدعوى ويرى الدكتور رمزي سيف أن المشرع لا يرتب البطلان جزءاً على عدم اشتمال الحكم على يوم بداية التحقيق وميعاد اتمامه مع أن النص على هذه البيانات ورد في مادة واحدة مع النص على وجوب اشتمال الحكم على الوقائع المأمور بإثباتها وقد رتب المشرع صراحة – علي إغفال هذا البيان الأخير البطلان، ومقتضى ذلك أنه إذا صدر حكم بالتحقيق لم يشتمل علي بيان يوم بدايته وميعاد تمامه فإن الحكم لا يكون باطلاً ، وإنما يكون للخصوم أن يطلبوا تحديده من المحكمة أو من القاضي المنتدب لإجراء الإثبات، كما أن للقاضي المنتدب التحقيق أن يحدد هذا الميعاد من تلقاء نفسه، ( وسيط المرافعات ترمزي سيف ، الطبعة الثامنة ص 641)، هذا ونرى أن البطلان المنصوص عليه في هذه المادة غير متعلق بالنظام العام، كما يلاحظ أن التمسك ببطلان التحقيق لا يجدي ولا يكون له محل إذا لم يرتكز الحكم الموضوعي علي نتيجته .

هذا ومن المقرر أن الانتقال للاطلاع على ملف دعوى أخرى منظورة أمام أي محكمة أو ملف تركة يعتبر من إجراء التحقيق وللمحكمة أن تجيب الخصم لطلبه ولها أن ترفضه متى رأت عدم المبرر لذلك .

ومن المقرر وفقاً لنص المادة 1/5 من قانون الإثبات المعدلة بالقانون 23 لسنة 1992 أن الأحكام الصادرة بإجراء الإثبات لا يلزم تسبيبها ما لم تتضمن قضاء قطعياً فإذا تضمن الحكم الصادر بإجراء الإثبات قضاء قطعياً سواء تعلق ذلك بالمنازعة في جواز الإثبات بطريق معين من طرق الإثبات، أو بغير ذلك من الدفوع التي تثور قبل اتخاذ إجراءات الإثبات، سواء أكان ذلك دفعاً شكلياً كالدفع بعدم الاختصاص أو دفعاً موضوعياً كالدفع بعدم قبول الدعوي لرفعها على غير ذي صفة أو الدفع بسقوط الحق فإنه يتعين تسبيب الأحكام التي تصدر في هذه الدفوع لأن ذلك يعتبر قضاءً قطعياً مستقلاً عن إجراء الإثبات، فإذا قضت المحكمة برفض الدفع بعدم جواز الإثبات بشهادة الشهود وبإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعى دعواه بالبينة والقرائن فإن هذا الحكم يكون قد قطع في شق منه في مسألة قانونية هي جواز الإثبات بالبينة ، وبالتالي يتعين عليها أن تبين في حكمها الأسباب التي استندت إليها في رفض الدفع وإلا كان حكمها باطلاً عملاً بالمادة 167 مرافعات ومن باب أولى إذا فصلت المحكمة في شق من النزاع كما إذا حكمت قطعياً للمدعي في بعض طلباته وأمرت بإحالة الدعوى للتحقيق أو بندب خبير بالنسبة لباقي الطلبات فإنه يتعين تسبيب حكمها في هذا الشق القطعي ( الإثبات لمحمد عبد اللطيف ، الجزء الثاني ص89) . ( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية،  الجزء الثاني ،  الصفحة : 737 )

بيان الحكم الصادر بالإثبات بشهادة الشهود كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها :

أوجبت المادة أن يبين في منطوق الحكم الذي يأمر بالإثبات بشهادة الشهود كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها، والعلة في ذلك أن الإثبات بشهادة الشهود يقوم على ركنين، الأول: تعلق الوقائع المراد إثباتها بالدعوى وكونها منتجة فيها. ومقتضى ذلك تكون الوقائع مبينة بالدقة والضبط لينحصر فيها التحقيق وليعلم كل طرف ما هو مكلف بإثباته أو بنفيه .

ويجوز أن تكتفي المحكمة بالإشارة إلى إثبات الوقائع المذكورة بمحضر الجلسة أو المقدمة كتابة من الخصم الذي يطلب التحقيق. فلا يؤدى للبطلان خلو الحكم من هذه الوقائع إذا كانت مبينة بجلاء في طلب التحقيق أو تناولتها المحكمة في وقائع الحكم وأسبابه لأن الأسباب هي الأصل والمنطوق نتيجة لها .

جزاء مخالفة الحكم المتقدم :

نصت المادة على البطلان جزاء لعدم بيان منطوق الحكم كل واقعة من الوقائع المراد إثباتها.

وهذا البطلان لا يتعلق بالنظام العام. ولا تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها، وإنما يجب أن يتمسك به صاحب المصلحة فيه. ويزول البطلان بالنزول عنه صراحة أو ضمناً .

أثر التعويل على شهادة عن واقعة لم يتناولها الحكم الصادر بالتحقيق :

لا يجوز أن تبنى المحكمة قضاءها على شهادة عن واقعة لم يتناولها منطوق حكم التحقيق، فإن فعلت كان حكمها باطلاً، إلا أن هذا البطلان مقرر لمصلحة الخصوم وليس متعلقاً بالنظام العام، ويجب على صاحب المصلحة التمسك به، كما يسقط الحق فيه بالنزول عنه صراحة أو ضمناً .

بيان الحكم اليوم الذي يبدأ فيه التحقيق والميعاد الذي يجب أن يتم فيه :

أوجبت المادة أن يبين في الحكم الصادر بالتحقيق، اليوم الذي يبدأ فيه التحقيق والميعاد الذي يجب أن يتم فيه، وذلك حتى لا يقف سير الدعوى أمام المحكمة بسبب إحالتها إلى التحقيق .

وهذا الميعاد لا علاقة له بمواعيد المرافعات باعتبارها الآجال التي يحددها القانون لمباشرة إجراءاتها فإن كان الحكم الصادر من المحكمة بالإثبات قد حدد يوم 3 يناير 2008 موعداً لبدء التحقيق على أن ينتهي في خلال ثلاثة أشهر، فإن هذا اليوم ينبغي احتسابه ضمن الميعاد لأن من الجائز سماع الشهود وإجراء التحقيق فيه بالذات وتكون نهاية الشهور الثلاثة المحددة لإجراء التحقيق خلالها والتي لا يجوز بعدها سماع شهود بناء على طلب الخصوم (م 75 إثبات) هو يوم 2 من أبريل سنة2008 لا اليوم التالي .

جزاء عدم بيان الحكم اليوم الذي يبدأ فيه التحقيق والميعاد الذي يجب أن يتم فيه :

لم ترتب المادة (71) البطلان جزاء على مخالفة عدم بيان الحكم اليوم الذي يبدأ فيه التحقيق والميعاد الذي يجب أن يتم فيه، كما فعلت بالنسبة إلى وجوب بيان كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها، فجاء البطلان قاصراً على الحكم الأخير وعلى ذلك لا يترتب البطلان على مخالفة الحكم المذكور .

ولا يكون هناك أمام صاحب المصلحة سوى تعجيل الدعوى وأن يطلب من المحكمة تحديد موعد يبدأ فيه التحقيق وميعاد يجب أن يتم فيه، وذلك عن طريق إصدار حكم تمهيدي يستكمل ما شاب الحكم السابق من نقص .

فإذا لم تعجل الدعوى في خلال ستة أشهر فإنها تسقط عمد بقواعد سقوط الخصومة المنصوص عليها بالمادة (136) مرافعات وما بعدها. ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود،  المجلد : الثاني  ،  الصفحة  : 1190 )

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 95 ، 96    

(مادة 52) : 

يجب أن يبين في منطوق الحكم الذي يأمر بالإثبات بشهادة الشهود كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها وإلا كان باطلاً ، ويبين كذلك في الحكم اليوم الذي يبدأ فيه التحقيق والميعاد الذي يجب أن يتم فيه . 

( م (71) إثبات مصري ، و(71) بينات سوري وقد اقتصرت على وجوب بیان الوقائع وإلا كان باطلاً ، و م (185) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية وقد اقتصرت أيضاً على وجوب بيان الوقائع المراد إثباتها دون ذكر للبطلان ) . 

المذكرة الإيضاحية : 

توجب هذه المادة أن يبين في منطوق الحكم الذي يأمر بالإثبات بالشهود كل واقعة من الوقائع المطلوب إثباتها ، وإلا كان العمل باطلاً ؛ وذلك لأن الإثبات بشهادة الشهود يقوم على ركنين : تعلق الوقائع المراد إثباتها بالدعوى ، وكونها منتجة فيها . ومقتضى هذا أن تكون تلك الوقائع مبينة بالدقة والضبط لينحصر فيها التحقيق ، وليعلم كل طرف ما هو مكلف بإثباته أو بنفيه. 

 

ولتفادي نوم القضية بسبب إحالتها على التحقيق ، أوجبت هذه المادة أن يحدد الحكم الصادر به الجلسة التي يبدأ فيها والميعاد الذي يجب أن يتم فيه . 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس والعشرون ، الصفحة / 214

شَهَادَةٌ

التَّعْرِيفُ:

مِنْ مَعَانِي الشَّهَادَةِ فِي اللُّغَةِ: الْخَبَرُ الْقَاطِعُ، وَالْحُضُورُ وَالْمُعَايَنَةُ وَالْعَلاَنِيَةُ، وَالْقَسَمُ، وَالإِْقْرَارُ، وَكَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَالْمَوْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. يُقَالُ: شَهِدَ بِكَذَا إِذَا أَخْبَرَ بِهِ وَشَهِدَ كَذَا إِذَا حَضَرَهُ، أَوْ عَايَنَهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَدْ يُعَدَّى الْفِعْلُ (شَهِدَ) بِالْهَمْزَةِ، فَيُقَالُ: أَشْهَدْتُهُ الشَّيْءَ إِشْهَادًا، أَوْ بِالأَْلِفِ، فَقَالَ: شَاهَدْتُهُ مُشَاهَدَةً، مِثْلُ عَايَنْتُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْحُضُورِقوله تعالي فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآْيَةِ: «وَشَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِقوله تعالي وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)  

قَالَ الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ مَعْنَاهَا: «وَقَوْلُهُ( أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) ، يَعْنِي مُشَاهَدَةَ الْبَصَرِ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْقَسَمِ أَوِ الْيَمِينِقوله تعالي فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).

قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: «الشَّهَادَةُ مَعْنَاهَا الْيَمِينُ هَاهُنَا.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ الْقَاطِعِقوله تعالي وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا.

وَاسْتِعْمَالُهَا بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الإِْقْرَارِقوله  تعالي شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ).

أَيْ مُقِرِّينَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْسِ هِيَ الإِْقْرَارُ.

وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ أَيْضًا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ. (وَهِيَ قَوْلُنَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) وَتُسَمَّى الْعِبَارَةُ (أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) بِالشَّهَادَتَيْنِ.

وَمَعْنَاهُمَا هُنَا مُتَفَرِّعٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ (الإِْخْبَارُ وَالإِْقْرَارُ)، فَإِنْ مَعْنَى الشَّهَادَةِ هُنَا هُوَ الإِْعْلاَمُ وَالْبَيَانُ لأَِمْرٍ قَدْ عُلِمَ وَالإِْقْرَارُ الاِعْتِرَافُ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الأَْنْبَارِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ: «أَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. وَأُبَيِّنُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ أَنَّ مُحَمَّدًا مُبَلِّغٌ لِلأَْخْبَارِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ  وَسُمِّيَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِالتَّشَهُّدِ، وَهُوَ صِيغَةُ (تَفَعَّلَ) مِنَ الشَّهَادَةِ.

وَقَدْ يُطْلَقُ (التَّشَهُّدُ) عَلَى (التَّحِيَّاتِ) الَّتِي تُقْرَأُ فِي آخِرِ الصَّلاَةِ.

جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّصلي الله عليه وسلم  كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْعَلاَنِيَةِقوله تعالي عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ). أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الآْيَةِ: «السِّرُّ وَالْعَلاَنِيَةُ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِقوله تعالي فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ).

فَهُوَ شَهِيدٌ قَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ الشَّهَادَةَ، جَمْعُهُ شُهَدَاءُ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ: اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الإِْخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ).

وَاسْتَعْمَلُوا اللَّفْظَ فِي الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَبَيَانُهُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهِيدٌ).

وَاسْتَعْمَلُوهُ فِي الْقَسَمِ كَمَا فِي اللِّعَانِ، (وَبَيَانُهُ فِي اللِّعَانِ).

كَمَا اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الإِْخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ مَوْضُوعُ الْبَحْثِ فِي هَذَا الْمُصْطَلَحِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِ الشَّهَادَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى.

فَعَرَّفَهَا الْكَمَالُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارُ صِدْقٍ لإِِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ.

وَعَرَّفَهَا الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: بِأَنَّهَا إِخْبَارُ حَاكِمٍ مِنْ عِلْمٍ لِيَقْضِيَ بِمُقْتَضَاهُ.

وَعَرَّفَهَا الْجَمَلُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ بِلَفْظِ أَشْهَدُ.

وَعَرَّفَهَا الشَّيْبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا: الإِْخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْتُ.

وَتَسْمِيَتُهَا بِالشَّهَادَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ، لأَِنَّ الشَّاهِدَ يُخْبِرُ عَنْ مَا شَاهَدَهُ وَالإِْشَارَةُ إِلَيْهَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما  - قَالَ: «ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.

وَتُسَمَّى «بَيِّنَةً» أَيْضًا؛ لأَِنَّهَا تُبَيِّنُ مَا الْتَبَسَ وَتَكْشِفُ الْحَقَّ فِي مَا اخْتُلِفَ فِيهِ.

وَهِيَ إِحْدَى الْحُجَجِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الدَّعْوَى.

أَلْفَاظٌ ذَاتُ صِلَةٍ:

الإِْقْرَارُ:

الإِْقْرَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الإِْخْبَارُ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْمُخْبِرِ.

الدَّعْوَى:

الدَّعْوَى: قَوْلٌ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْقَاضِي يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ قِبَلِ الْغَيْرِ أَوْ دُفْعُ الْخَصْمِ عَنْ حَقِّ نَفْسِهِ.

فَيَجْمَعُ كُلًّا مِنَ الإِْقْرَارِ وَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، أَنَّهَا إِخْبَارَاتٌ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا: أَنَّ الإِْخْبَارَ إِنْ كَانَ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ عَلَى الْمُخْبِرِ، وَيَقْتَصِرُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ فَإِقْرَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ، فَإِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ فِيهِ نَفْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ نَفْعٌ فِيهِ لأَِنَّهُ إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لَهُ فَهُوَ الدَّعْوَى، انْظُرْ: الْمَوْسُوعَةَ الْفِقْهِيَّةَ مُصْطَلَحَ (إِقْرَارٌ) (6 67.

الْبَيِّنَةُ:

الْبَيِّنَةُ: عَرَّفَهَا الرَّاغِبُ بِأَنَّهَا: الدَّلاَلَةُ الْوَاضِحَةُ عَقْلِيَّةً أَوْ مَحْسُوسَةً. وَعَرَّفَهَا الْمَجْدَوِيُّ الْبَرَكَتِيُّ بِأَنَّهَا: الْحُجَّةُ الْقَوِيَّةُ وَالدَّلِيلُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْبَيِّنَةُ فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ. وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ أَرْبَعَةَ شُهُودٍ، وَتَارَةً ثَلاَثَةً بِالنَّصِّ فِي بَيِّنَةِ الْمُفَلِّسِ، وَتَارَةً شَاهِدَيْنِ وَشَاهِدًا وَاحِدًا وَامْرَأَةً وَاحِدَةً وَنُكُولاً وَيَمِينًا أَوْ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ، وَتَكُونُ شَاهِدَ الْحَالِ (أَيِ الْقَرَائِنَ) فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ.

وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَذَا أَعَمَّ مِنَ الشَّهَادَةِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ.

تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، لقوله تعالي وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا). ). وقوله تعالي ).وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ). وَقَوْلُهُ (وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).

وَلأَِنَّ الشَّهَادَةَ أَمَانَةٌ فَلَزِمَ أَدَاؤُهَا كَسَائِرِ الأَْمَانَاتِ. فَإِذَا قَامَ بِهَا الْعَدَدُ الْكَافِي (كَمَا سَيَأْتِي) سَقَطَ الإِْثْمُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنِ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أَثِمُوا كُلُّهُمْ.

وَإِنَّمَا يَأْثَمُ الْمُمْتَنِعُ إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالشَّهَادَةِ، وَكَانَتْ شَهَادَتُهُ تَنْفَعُ.

فَإِذَا تَضَرَّرَ فِي التَّحَمُّلِ أَوِ الأَْدَاءِ، أَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ لاَ تَنْفَعُ، بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، أَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، لقوله تعالي وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ.وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم  : «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لاَ يَحْصُلُ مِنْهُ. وَقَدْ يَكُونُ تَحَمُّلُهَا وَأَدَاؤُهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَرْضًا عَيْنِيًّا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُ ذَلِكَ الْعَدَدِ مِنَ الشُّهُودِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْحُكْمُ، وَخِيفَ ضَيَاعُ الْحَقِّ.

وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ، أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ فَتُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ أَدَاءٌ ف 26 ح 2 ص 340 لِبَيَانِ الْخِلاَفِ فِي أَفْضَلِيَّةِ الشَّهَادَةِ أَوِ السَّتْرِ.

مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ:

ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا الْكِتَابُ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى:(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ).

وَقَوْلُهُ(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).

وَقَوْلُهُ(وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ).

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ – رضي الله عنه  - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ لَهُ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ ».

وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنه  - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ». وَالْبَيِّنَةُ هِيَ الشَّهَادَةُ.

«قَدِ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا لإِِثْبَاتِ الدَّعَاوَى »

أَمَّا الْمَعْقُولُ: فَلأَِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ بَيْنَ النَّاسِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا.

أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ:

أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خَمْسَةُ أُمُورٍ: الشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ لَهُ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَالْمَشْهُودُ بِهِ، وَالصِّيغَةُ.

وَرُكْنُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اللَّفْظُ الْخَاصُّ، وَهُوَ لَفْظُ (أَشْهَدُ) عِنْدَهُمْ.

سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ:

سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ طَلَبُ الْمُدَّعِي الشَّهَادَةَ مِنَ الشَّاهِدِ، أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّ الْمُدَّعِي إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُدَّعِي كَوْنَهُ شَاهِدًا.

حُجِّيَّةُ الشَّهَادَةِ:

الشَّهَادَةُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ وَلاَ تُوجِبُهُ وَلَكِنْ تُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمُقْتَضَاهَا لأَِنَّهَا إِذَا اسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا مُظْهِرَةٌ لِلْحَقِّ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ.

شُرُوطُ الشَّهَادَةِ:

لِلشَّهَادَةِ نَوْعَانِ مِنَ الشُّرُوطِ:

شُرُوطُ تَحَمُّلٍ.

وَشُرُوطُ أَدَاءً.

فَأَمَّا شُرُوطُ التَّحَمُّلِ: فَمِنْهَا:

أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَاقِلاً وَقْتَ التَّحَمُّلِ، فَلاَ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لاَ يَعْقِلُ؛ لأَِنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ عِبَارَةٌ عَنْ فَهْمِ الْحَادِثَةِ وَضَبْطِهَا، وَلاَ يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلاَّ بِآلَةِ الْفَهْمِ وَالضَّبْطِ، وَهِيَ الْعَقْلُ.

أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، فَلاَ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنَ الأَْعْمَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ تَحَمُّلِهِ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ إِذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَقَطَعَ بِأَنَّهُ صَوْتُ فُلاَنٍ.

أَنْ يَكُونَ التَّحَمُّلُ عَنْ عِلْمٍ، أَوْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِلشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنَفْسِهِ لاَ بِغَيْرِهِ: لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما  قَالَ: ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  «الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.

وَلاَ يَتِمُّ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْعِلْمِ، أَوِ الْمُعَايَنَةِ، إِلاَّ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ، كَالنِّكَاحِ، وَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَتُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُعَايَنَةُ.

وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا رَآهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ إِلاَّ إِذَا تَذَكَّرَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَ مِنْهُ، لأَِنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَتْمَ يُشْبِهُ الْخَتْمَ، كَثِيرًا مَا يَقَعُ التَّزْوِيرُ، فَلاَ مُعَوَّلَ إِلاَّ عَلَى التَّذَكُّرِ.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى جَوَازِ شَهَادَتِهِ عَلَى مَا يَجِدُهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَاضِي يَجِدُ فِي دِيوَانِهِ شَيْئًا لاَ يَحْفَظُهُ، كَإِقْرَارِ رَجُلٍ أَوْ شَهَادَةِ شُهُودٍ، أَوْ صُدُورِ حُكْمٍ مِنْهُ وَقَدْ خُتِمَ بِخَتْمِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْضِي بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِهِ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ لِلتَّحَمُّلِ: الْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالإِْسْلاَمُ، وَالْعَدَالَةُ، حَتَّى لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ صَبِيًّا عَاقِلاً، أَوْ عَبْدًا، أَوْ كَافِرًا، أَوْ فَاسِقًا، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْفَاسِقُ، فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ.

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩