loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 25 لسنة 1968:

وقد جاء بها تعليقاً على هذا النص أن المشروع قد أورد حجية الأمر المقضي في فصل مستقل عن الفصل الخاص بالقرائن وأن جمعها في الباب الرابع منه ذلك أن حجية الأمر المقضي وإن اشتركت مع القرائن القانونية في الأساس واتحدت معها في أن استنباطها مبني على الغالب من الأحوال إلا أنها تختلف عنها في أنه لا يجوز إثبات عكسها بأي طريق من طرق الإثبات ولو بالإقرار أو اليمين وهو ما جعل الفقه الحديث يعتبرها من القواعد الموضوعية وعملاً على إستقرار الحقوق لأصحابها ومنعاً لتضارب الأحكام نص المشروع في المادة 101 منه المقابلة للمادة 405 من القانون القائم «القانون المدني» على تعلق حجية الأمر المقضي بالنظام العام تقضي بها المحكمة من تلقاء نفسها وإذا كان تعلق حجية الأمر المقضي بالنظام العام مسلم به بالنسبة للأحكام الجنائية بسبب ما للعقوبات وقواعد الإجراءات الجنائية من صلة به، فإن هذه الحجية تقوم في المسائل المدنية على ما يفرضه القانون من صحة مطلقة في حكم القضاء رعاية لحسن سير العدالة وإتقاء لتأييد المنازعات وضماناً للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وهي أغراض تتصل إتصالاً وثيقاً بالنظام العام وغني عن البيان أن إقرار الخصم على حق التنازل عن هذه الحجية ومنع القاضي من إثارتها من تلقاء نفسه يمكن لاحتمال تعارض الأحكام وتجديد المنازعات وهو احتمال قصد المشرع إلى اتقائه.

 كما جاء بتقرير لجنة الشئون التشريعية بمجلس الأمة أن المشروع لم يدخل على قواعد الإثبات الموضوعية المقررة في القانون المدني جديداً إلا في أمور قليلة تفصيلية أهمها................... إعتبار حجية الأمر المقضي ملزم للخصوم وللقاضي أن يجري موجبها من تلقاء نفسه ولو لم يتمسك الخصم بها. فقد استحدث المشروع فقرة بالمادة 101 منه المنقولة عن المادة 405 من القانون المدني ونص هذه الفقرة تقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها. وبديهي أن المحكمة تجري موجب هذه الحجية لا أن يصدر حكم بهذه الصيغة فإنها تحكم بعدم قبول الدعوى أو بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل إذا كانت الدعوى قد رفعت بعد سابقة صدور الحكم في موضوعها مع وحدة الخصوم والسبب وينبني على ذلك أنه لا يجوز للخصم أن يتنازل عن الحكم الصادر لمصلحته إلا إذا تنازل عن الحق الثابت لهذا الحكم وانتهى بهذا التنازل النزاع الذي تناوله الحكم.

مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 405 الملغاة من القانون المدني والمقابلة للمادة 101 من قانون الإثبات عدا الحكم الوارد في الفقرة الثانية منهما:

1- تتصل حجية الشيء المقضي به بآثار الأحكام ويدخل تنظيمها من هذا الوجه في قانون المرافعات. بيد أن تقنين المرافعات المصري قد أغفل هذا التنظيم، في حين عرض له التقنين المدني المصري في المادة 232/ 297 ولم تقتصر هذه المادة على إقامة قرينة الحجية دون جواز قبول أي دليل لنقضها، بل تناولت أيضاً موضوع هذه الحجية وشروطها. وهذا هو منحى التقنين الفرنسي، والتقنين الإيطالي ( المادة 1351) والتقنين الهولندي ( المادة 1954 ) والتقنين الإسباني ( المادة 1252) والتقنين الكردي في المادة 1241 ) والتقنين المراكشي ( المادة 451) والمشروع الفرنسي الإيطالي ( المادة 302). على أن التقنين البرتغالي لايدرج حجية الشيء المقضي به في عداد القرائن ( المواد 2502 - 2505) بل يدخلها في نطاق الأدلة الكتابية.

والواقع أن حجية الشيء المقضي به تنطوي على معنى الدليل، وإن كانت قاعدة من قواعد نظام القضاء، ولذلك رؤى إبقاء النص الخاص بها في مشروع التقنين المدني بين النصوص الخاصة بالقرائن القانونية، على غرار ما هو متبع في أكثر التقنينات.

2- وقوام حجية الشيء المقضي به هو ما يفرضه القانون من صحة مطلقة في حكومة القاضي. فهذه الحجية تفترض تنازعاً بين المصالح يستتبع الترافع إلى القضاء، وليس شك في أن صحة الحكومة لاتعتبر حتماً تقتضيه طبيعة الأشياء، ذلك أن القضاة تعوزهم العصمة شأنهم في هذه الناحية شأن البشر كافة. بيد أن المشرع أطلق قرينة الصحة في حكومة القاضي، رعاية لحسن سير العدالة وإتقاء لتأبيد الخصومات.

فأساس هذه القرينة هو النص المقرر لحجية الشيء المقضي به، وقد نصت المادة 232 / 297 من التقنين المدني صراحة على أن (الأحكام التي صارت انتهائية تكون حجة بالحقوق الثابتة بها ولا يجوز قبول إثبات على ما يخالفها).

ويرمي الشارع من وراء تقرير حجية الشيء المقضي به إلى كفالة حسن سير العدالة وضمان الاستقرار من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. فحكومة القضاء يجب أن تضع حداً لكل نزاع مادامت طرق الطعن المقررة قد استنفدت بإزائها، ويجب كذلك أن تكون بمأمن من التعارض مع حكومة لاحقة، وهو أمر يصبح يسير الوقوع لو أبيح عود الخصوم أنفسهم إلى عين الدعوى التي قضى فيها نهائياً.

3- وينحصر أثر القرينة القانونية الخاصة بحجية الشيء المقضي به في تخويل الخصوم حق ( الدفع بسبق الفصل ) وتخويل المحاكم حق إثارته من تلقاء نفسها. ويراعى أن هذا الدفع يعتبر دفعاً قطعياً بعدم القبول، يترتب عليه ( إمتناع التقاضي) بالنسبة لكل طلب أو إدعاء جديد بين الخصوم أنفسهم، متى اتحد مع ما سبق الفصل فيه سبياً وموضوعاً. وعلى هذا النحو يمتنع على الخصوم الترافع إلى القضاء لإعادة طرح نزاع سبق الفصل فيه.

4 - وقد يصح التساؤل عما إذا كان من الواجب تخويل القاضي حق إثارة الدفع بسبق الفصل من تلقاء نفسه، على أن نتيجة هذا التساؤل تتوقف على تعيين طبيعة قوة الشيء المقضي به من حيث صلتها بالنظام العام. والواقع أن الفصل في أمر هذه الصلة يرتبط بالغرض المقصود من تقرير حجية الأحكام وما تسفر عن تحصيله. وقد تقدم أن هذه الحجية شرعت كفالة لحسن سير العدالة وضمان الاستقرار من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. وهذان الغرضان مجتمعين يتعلقان، دون شك، بالنظام العام. ثم إنها بنيت على قرينة قاطعة لا يجوز نقض دلالتها بأي. دلیل عكسی، ولو كان هذا الدليل إقراراً أو يميناً، وهذا هو ما قضى به التقنين المصري إذ نص في المادة 232 / 297 على أنه ( لا يجوز قبول إثبات على ما يخالفها ).

وإذا كان امتناع إقامة الدليل العكسي لنقض حجية الشيء المقضي به مسلماً في الفقه والقضاء المصري بوجه عام ( استئناف مختلط 29 أبريل 1896 ب 8 ص 253. و 27 أبريل 1922 ب 34 ص 373، و 16 مایو 1923 ب 35 ص 453 )، فصله هذه الحجية بالنظام العام قد أثارت على نقيض ذلك خلافاً غير يسير. ففريق أول من الفقهاء على أن قرينة حجية الشيء المقضي به هي أبرز مثال للقرائن المتعلقة بالنظام العام. وفريق ثان لا يتحرج - رغم المشي مع رأي الفريق الأول - من الجزم بأن الإنتفاع بقرينة الحجية لا صلة له بالنظام العام. وفريق ثالث يرى : أن هذه القرينة تقوم على أسس تتعلق بالنظام العام، ثم يشفع هذا الرأي بدعوى إنعقاد الإجماع على استثناء المسائل المدنية من هذا الحكم، وتخويل الخصوم حق التنازل عن الدفع بحجية الشيء المقضي به فيها، وكذلك إنكار حق القاضي في إثارة هذا الدفع من تلقاء نفسه.

وينص التقنين المراکشی صراحة ( المادة 452 ) على وجوب تمسك الخصم ذي المصلحة بالدفع بحجية الشيء المقضي به، ولا يجيز للقاضي أن يثيره من تلقاء نفسه. وينص التقنين البرتغالى ( المادة 2504 ) على أن حجية ما يصدر من الأحكام من المحاكم الجنائية تكون بمثابة قرينة قانونية يجوز أن تنقض دلالتها بإثبات العكس. وهذا هو ما اختاره التقنين الهولندي في هذا الشأن (المادة 1955 )  أما القضاء المصرى فلم يستقر على رأي، فبعض الأحكام على تخويل القاضي حق إثارة الدفع بحجية الشيء المقضي به من تلقاء نفسه ( استئناف مختلط 22 فبراير 1911 ب 23 ص 197) وبعض على أن هذه الحجية لا تتعلق بالنظام العام ( إستئناف مختلط 14 نوفمبر 1922 ب 35 ص 22 ) وبعض على أنها تتعلق به ( إستئناف مختلط 19 يناير 1926 ب 38 ص 181).

على أن التسليم بتعلق تلك الحجية بالنظام العام، بالنسبة للأحكام الجنائية بسبب ما للعقوبات وقواعد الإجراءات من صلة به، يدعو إلى إعادة النظر في كيفية إعمال الحكم نفسه في المسائل المدنية. فمن المسلم أن أساس حجية الشيء المقضي به في هذه المسائل لا يتصل بالمصلحة العامة في جملته فحسب، بل هو يرتبط إرتباطاً أولياً بالنظام العام، لأن قوامه كفالة حسن سير العدالة. وغني عن البيان أن إقرار الخصوم على حق التنازل عن هذه الحجية، ومنع القاضى من إثارة الدفع به من تلقاء نفسه، يمكن لاحتمال تعارض الأحكام وتجديد المنازعات، وهو احتمال قصد القانون إلى اتقائه.

ويراعي أخيراً أن قرينة حجية الحكومة تفضى إلى امتناع التقاضى بين الخصوم أنفسهم، إذا اتحدت الخصومة التي صدرت فيها هذه الحكومة مع الخصومة الجديدة سبباً وموضوعاً. ويتفرع على ذلك امتناع قبول أي دليل عكسي لنقض حجية هذه القرينة، ولو كان هذا الدليل إقراراً أو يميناً.

الأحكام

1- النص في المادة 101 من قانون الإثبات على أن "الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية ... وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها" يُعد خروجًا على الأصل الذي يعطي لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها والموازنة بينها ثم الأخذ بما تقتنع به واطراح ما عداه بأسباب سائغة بما في ذلك الأدلة التي سبق طرحها في دعوى سابقة، لأن تقدير الأدلة في ذاته لا يحوز حجية، إلا أن النص ألزم المحكمة مهما كان اقتناعها بألا تقضي في دعوى على خلاف حكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي وذلك حماية للنظام القضائي ومنعًا لتضارب الأحكام وتجديد المنازعات وتأبيدها حسبما أفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني، وليس لأن الحكم الحائز على قوة الأمر المقضي صحيح على سبيل الحتم، وفى ذلك تقول المذكرة الإيضاحية "إن القضاة تعوزهم العصمة، شأنهم في هذه الناحية شأن البشر كافة، بيْد أن المشرع أطلق قرينة الصحة في حكم القاضي رعايةً لحسن سير العدالة وضمان الاستقرار من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، وهذان الفرضان مجتمعان يتعلقان دون شك بالنظام العام ثم إنها بُنيت على قرينة قاطعة لا يجوز نقض دلالتها بأي دليل عكسي ولو كان هذا الدليل إقرارًا أو يمينًا" وكل ذلك لحماية النظام القضائي ومنع تضارب الأحكام، وهيَ أمور واجبة ولو جانبت العدالة في نزاع بذاته .

( الطعن رقم 5511 لسنة 91 ق جلسة 23 / 2 / 2025 )

2 ـ المقرر ــــ فى قضاء محكمة النقض ــــ ولئن كان القرار الهندسى الصادر من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط قرار عينى يتعلق بذاتية العقار الصادر فى شأنه إلا أن مفاد نص المادة 101 من قانون الإثبات يدل على أن حجية الأحكام القضائية فى المسائل المدنية لا تقوم إلا بين من كانوا طرفاً فى الخصومة حقيقة أو حكماً ولا يستطيع الشخص الذى صدر لمصلحته حكم سابق الاحتجاج به على من كان خارجاً عن الخصومة ولم يكن ممثلاً فيها وفقاً للقواعد القانونية المقررة فى هذا الشأن ويجوز لغير الخصم فى هذا الحكم التمسك بعدم الاعتداد به ، مما مفاده أنه يتعين لوجود التعارض بين الحكمين بالمعنى المشار إليه وحدة الخصوم فيهما بحيث يكون كلا الحكمين حجة عليهم .

(الطعن رقم 1118 لسنة 74 جلسة 2017/05/03) 

3 ـ المقرر ــ فى قضاء محكمة النقض ــ أنه وفقاً لحكم المادة 101 من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية أنه لا يحوز الحكم السابق قوة الأمر المقضى بالنسبة للدعوى اللاحقة إلا إذا اتحد الموضوع فى كل من الدعويين ، واتحد السبب المباشر الذى تولدت عنه كل منهما ، فضلاً عن وحدة الخصوم ، فإذا ما تخلف أحد هذه الشروط امتنع تطبيق قاعدة قوة الأمر المقضى .

(الطعن رقم 11633 لسنة 80 جلسة 2015/06/21)  

4 ـ المقرر- فى قضاء محكمة النقض - أن السبب فى معنى تلك المادة (المادة 101 من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية ) هو الواقعة التى استمد منها المدعى الحق فى الطلب والذى لا يتغير بتنفيذ الأدلة الواقعية والحجج القانونية التى يستند إليها الخصوم .

(الطعن رقم 11633 لسنة 80 جلسة 2015/06/21)

  المقرر فى قضاء محكم النقض أن النص فى المادة 101 من قانون الإثبات على أن الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينتقص هذه الحجية ، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا فى نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً وتقضى المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها ــ يدل ـــ على أن حجية الأحكام القضائية فى المسائل المدنية لا تقوم إلا بين من كان طرفاً فى الخصومة حقيقة أو حكماً ، ولا يستطيع الشخص الذى صدر لمصلحته حكم سابق الاحتجاج به على من كان خارجاً عن الخصومة ولم يكن ممثلاً فيها وفقاً للقواعد القانونية المقررة فى هذا الشأن ويجوز لغير الخصوم فى هذا الحكم التمسك بعدم الاعتداد به .

(الطعن رقم 814 لسنة 72 جلسة 2014/02/25)

6 ـ إذ كان البين من مدونات الحكمين الإبتدائى والمطعون فيه أن الشركة الطاعنة تمسكت بأنه سبق وأن قضى ضدها للمطعون ضدهم فى الدعوى رقم ...... لسنة 2008 مدنى المحلة الكبرى واستئنافيها رقمى ..... ، ..... لسنة 3 ق - طنطا - مأمورية المحلة الكبرى - بأن تؤدى لهم مبلغ أربعين ألف جنيه عن وفاة مورثهم فى حادث سيارة وهو المبلغ المحدد قانوناً وقدمت دليل ذلك بما يكون معه هذا المبلغ قد تقرر للمطعون ضدهم بموجب هذا الحكم وتلزم بأدائه لهم وبما يمنع من إقامه دعوى جديدة قبلها للمطالبة بتعويض عن ضرر مرتد وكان الحكم المطعون فيه وإن سلم بأسبابه بالتزامه بحدود مبلغ التأمين المحدد فى القانون رقم 72 لسنة 2007 إلا أنه وقد قضى بإلزامها بأن تؤديه لهمواطرح دفاع الشركة الطاعنة على ما ذهب إليه من أنها لم تقدم دليل الوفاء به ونهائية ذلك الحكم مع أنه بافتراض عدم الوفاء به لا يحول دون سلوك طريق التنفيذ الجبرى كما أن مصدر إلزامها بمبلغ التأمين ليس نص المادة 101 من قانون الإثبات وإنما نص المادة (8) من القانون رقم 72 لسنة 2007 فإنه يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 15287 لسنة 79 جلسة 2013/01/06)

7 ـ وفقاً لنص المادة 101 من قانون الإثبات لا يحوز الحكم حجية الأمر المقضى إلا إذا اتحد الموضوع والخصوم والسبب فى الدعوى التى سبق الفصل فيها والدعوى المطروحة فإذا تخلف أحد هذه العناصر كان الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها غير متوافر الأركان .

(الطعن رقم 2326 لسنة 80 جلسة 2012/03/27 س 63 ص 505 ق 78) 

8 ـ مؤدى نص المادة 101 من قانون الإثبات – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – أن الأصل أن حجية الأمر المقضى لا ترد إلا على منطوق الحكم ولا تلحق بأسباب الحكم إلا إذا كانت مرتبطة بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً وفيما فصل فيه الحكم بصفة صريحة أو ضمنية حتمّية ، وكانت أسباب الحكم قد تضمنت قضاءً بأحقية الطاعن فى ضم مدة خدمته من 1 /9 /1934 حتى 1 /9 /1950وتمت تسوية معاشه على هذا الأساس وهى مسألة مرتبطة بالمنطوق وتكمله بحيث لا يمكن فصلها عنه بما يغنى عن إيرادها بالمنطوق ويكون النعى بهذا الوجه على غير أساس .

(الطعن رقم 8538 لسنة 64 جلسة 2009/09/29 س 60 ص 811 ق 135)

9 ـ مفاد النص فى المادة 101 من قانون الإثبات يدل على أن المسألة الواحدة بعينها متى كانت أساسية وكان ثبوتها أو عدم ثبوتها هو الذى يترتب عليه القضاء بثبوت الحق فى الدعوى أو بانتفائه ، فإن هذا القضاء يحوز قوة الشئ المحكوم به فى تلك المسألة الأساسية بين الخصوم أنفسهم ويمنعهم من التنازع فيها بأى دعوى تالية يثور فيها هذا النزاع ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها فى الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها ، وعلة ذلك احترام حجية الحكم السابق صدوره فى نفس الدعوى ، إذ هو أجدر بالاحترام وحتى لا يترتب على إهدارها تأبيد المنازعات وعدم استقرار الحقوق لأصحابها .

(الطعن رقم 499 لسنة 74 جلسة 2009/05/25 س 60 ص 646 ق 106) 

10 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض– إنه يشترط لقيام حجية الشيء المقضى وفقاً لنصالمادة 101 من قانون الإثبات التى لا تجيز معاودة النظر فى نزاع سبق الفصل فيه أن تتحقق وحدة الموضوع و الخصوم و السبب ، و يعد موضوع الدعويين متحداً إذا كان الحكم الصادر فى الدعوى الثانية مناقضاً للحكم السابق و ذلك بإقرار حق أنكره هذا الحكم أو بإنكار حق أقره فيتناقض الحكم الثانى مع الحكم الأول ، و القول بوحدة الموضوع فى الدعويين هو مسألة موضوعية تستقل بالفصل فيها محكمة الموضوع و لا معقب على حكمها متى كانت قد اعتمدت فيه على أسباب من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها .

(الطعن رقم 9559 لسنة 65 جلسة 2008/06/08 س 59 ص 647 ق 113)  

11-  نص المادة 101 من قانون الإثبات المقابلة للمادة 405 من القانون المدنى هو خروج على الأصل الذى يعطى لمحكمة الموضوع السلطة التامة فى فهم الواقع فى الدعوى وتقدير أدلتها والموازنة بينها ثم الأخذ بما تقتنع به واطراح ما عداه بأسباب سائغة بما فى ذلك الأدلة التى سبق طرحها فى دعوى سابقة ، لأن تقدير الأدلة فى ذاته لا يحوز حجية .

(الطعن رقم 2204 لسنة 76 جلسة 2007/09/10 س 58 ص 671 ق 115)

12 ـ النص ( فى المادة 101 من قانون الإثبات المقابلة للمادة 405 من القانون المدنى ) ألزم المحكمة - مهما كان اقتناعها – بألا تقضى فى دعوى على خلاف حكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضى وذلك حماية للنظام القضائي ومنعاً لتضارب الأحكام وتجديد المنازعات وتأبيدها حسبما أفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون المدنى ، وليس لأن الحكم الحائز على قوة الأمر المقضى صحيح على سبيل الحتم – وفى ذلك تقول المذكرة الإيضاحية " إن القضاة تعوزهم العصمة ، شأنهم فى هذه الناحية شأن البشر كافة ، بيد أن المشرع أطلق قرينة الصحة فى حكومة القاضى رعاية لحسن سير العدالة ، واتقاءً لتأبيد الخصومات " ثم أضافت أن " هذه الحجية شرعت كفالة لحسن سير العدالة ، وضمان الاستقرار من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية وهذان الفرضان مجتمعان يتعلقان دون شك بالنظام العام ثم إنها بنيت على قرينة قاطعة لا يجوز نقض دلالتها بأى دليل عكسى ولو كان هذا الدليل إقراراً أو يميناً " وكل ذلك لحماية النظام القضائي ومنع تضارب الأحكام ، وهى أمور واجبة ولو جانبت العدالة فى نزاع بذاته .

(الطعن رقم 2204 لسنة 76 جلسة 2007/09/10 س 58 ص 671 ق 115)  

13 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض – أن مفاد نص المادة 101 من قانون الإثبات أن الحكم النهائى السابق يحوز حجية الأمر المقضى المانعة من نظر النزاع فى الدعوى اللاحقة إذا اتحد الموضوع والسبب والخصوم ، وأن المقصود بسبب الدعوى هو الواقعة التى يستمد منها المدعى الحق فى الطلب .

(الطعن رقم 57 لسنة 74 جلسة 2005/04/17 س 0 ص 0 )

14 ـ المقرر وفقاً لحكم المادة 101 من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية أنه لا يحوز الحكم السابق قوة الأمر المقضى بالنسبة للدعوى اللاحقة إلا إذا اتحد الموضوع فى كل من الدعويين واتحد السبب المباشر الذى تولدت عنه كل منهما فضلاً عن وحدة الخصوم فإذا ما تخلف أحد هذه الشروط امتنع تطبيق قاعدة قوة الأمر المقضى .

(الطعن رقم 783 لسنة 71 جلسة 2003/12/23 س 54 ع 2 ص 1388 ق 248) 

15 ـ السبب فى معنى المادة 101 من قانون الإثبات هو الواقعة التى استمد منها المدعى الحق فى الطلب والذى لا يتغير بتغير الأدلة الواقعية والحجج القانونية التى يستند إليها الخصوم، وكان الثابت من الأوراق أن الدعوى – التى صدر فيها الحكم السابق - أقامها من يدعى ..... باعتباره مقاولاً من الباطن ضد كل من الشركة الطاعنة – كرب عمل – والمطعون ضده الأول – المقاول الأصلى – بطلب إلزام الأولى بأن تؤدى له مبلغ 12159 جنيهاً خصماً من المستحق للأخير لديها عن عملية إنشاء العمارتين ..... ، ..... بمدينة العبور وفقاً لما تقضى به المادة 662 / 1 من القانون المدنى وسببها هو عقد المقاولة من الباطن المحرر بينه وبين المطعون ضده الأول والمؤرخ 28 من مارس سنة 1990 بينما الدعوى – التى صدر فيها الحكم التالى – أقامتها الشركة الطاعنة على المطعون ضده الأول بطلب إلزامه بأن يؤدى لها مبلغ 580ر149205 جنيهاً قيمة ما استحق لها طرفه نفاذاً لعقد المقاولة الأصلى المحرر بينهما فى 14 من يونيه سنة 1990 وملحقه المؤرخ 24 من نوفمبر سنة 1990 عالجها المطعون ضده الأول بإقامة دعوى فرعية انتهى فيها وفق طلباته الختامية إلى إلزامها بأن تؤدى له باقى مستحقاته عن هذين العقدين ومقداره 2ر342605 جنيهاً وبذلك فإن سبب هذه الدعوى يكون عقدى المقاولة الأصلى وملحقه وهو سبب يختلف عن الدعوى السابقة وإذ انتهى الحكم المطعون فيه صحيحاً إلى عدم الاعتداد بحجية الحكم الصادر فى الدعوى السابقة فإنه لا يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 783 لسنة 71 جلسة 2003/12/23 س 54 ع 2 ص 1388 ق 248)

16 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض – أن نص المادة 101 من قانون الإثبات يدل على أن حجية الأحكام القضائية فى المسائل المدنية لا تقوم إلا بين من كان طرفاً فى الخصومة حقيقة أو حكماً ولا يستطيع الشخص الذى صدر لمصلحته حكم سابق الاحتجاج به على من كان خارجاً عن الخصومة ولم يكن ممثلاً فيها وفقاً للقواعد القانونية المقررة فى هذا الشأن، ويجوز لغير الخصوم فى هذا الحكم التمسك بعدم الاعتداد به

(الطعن رقم 10881 لسنة 66 جلسة 2003/12/14 س 54 ع 2 ص 1348 ق 239) 

17 ـ إن ما قررته المادة 249 من قانون المرافعات من إجازة الطعن بالنقض استثناءً فى أى حكم انتهائى أياً كانت المحكمة التى أصدرته فصل فى نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضى يندرج ضمن مخالفة القانون باعتبار الحكم فى هذه الحالة مخالفاً للقاعدة القانونية المنصوص عليها فى المادة 101 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 فيما نصت عليه من أن الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق , ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا فى نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً , وتقضى المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها , ويتوافر التناقض إذا ما فصل الحكم الثانى فى ذات المسألة خلافاً للحكم الأول أو لمقتضاه حتى ولو كانت الطلبات فى الدعويين مختلفة طالما أن المسألة الأساسية بينها واحدة .

(الطعن رقم 524 لسنة 68 جلسة 2003/01/28 س 54 ع 1 ص 289 ق 51) 

18 ـ النص فى المادة 101 من قانون الإثبات علي أن "الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق, ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية, ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا فى نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلا وسببا وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها.

(الطعن رقم 3371 لسنة 62 جلسة 2001/06/17 س 52 ع 2 ص 890 ق 176)

19 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن النص فى المادة 101 من قانون الإثبات يدل على أن المسألة الواحدة بعينها متى كانت أساسية وكان ثبوتها أو عدم ثبوتها هو الذي يترتب عليه القضاء بثبوت الحق المطلوب فى الدعوى أو انتفائه فإن هذا القضاء يحوز قوة الشيء المحكوم به فى تلك المسألة الأساسية بين الخصوم أنفسهم ويمنعهم من التنازع بطريق الدعوى أو الدفع فى شأن أي حق آخر يتوقف ثبوته أو انتفاؤه على ثبوت تلك المسألة السابق الفصل فيها بين هؤلاء الخصوم أنفسهم أو على انتفائها.

(الطعن رقم 5459 لسنة 66 جلسة 2001/01/28 س 52 ع 1 ص 205 ق 43) 

20 ـ من المقرر بنص المادتين 454 ، 455 من قانون الإجراءات الجنائية أن قوة الأمر المقضى سواء أمام المحاكم الجنائية أو المحاكم المدنية لا تكون إلا للأحكام النهائية بعد صيرورتها باتة متى توافرت شرائطها القانونية و أنه ليس للأمر الصادر من النيابة العامة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية فى الجريمة المبلغ عنها حجية أمام المحكمة الجنائية فى دعوى البلاغ الكاذب عن هذه الجريمة .

(الطعن رقم 1314 لسنة 49 جلسة 1980/01/02 س 31 ع 1 ص 17 ق 2)

21 ـ من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أنه إذا صدر حكم حائز قوة الأمر المقضى بثبوت حق فى دعوى سابقة بالبناء على مسألة أولية فإن الحكم يحوز الحجية فى تلك المسألة بين الخصوم أنفسهم و يمنعهم من التنازع بطريق الدعوى أو الدفع فى شأن أى حق آخر يتوقف ثبوته أو إنتفاؤه على ثبوت أو نفى تلك المسألة الأساسية السابق الفصل فيها بين الخصوم أنفسهم ، فإن الحكم المطعون فيه إذ إنتهى فى قضائه إلى رفض دعوى الطاعنة بمطالبة الشركة المطعون ضدها بالرسوم الجمركية المستحثة عن ذات العجز فى الرسالة موضوع النزاع يكون قد أهدر الحجية التى أضفاها الحكم النهائى - الذى قضى برفض معارضة الشركة و تأييد قرار الغرامة لوجود عجز غير مبرر فى الرسالة - السابق صدوره فى الدعوى رقم 584 لسنة 1967 تجارى كلى الإسكندرية علىالمسألة الأساسية الواحدة فى الدعويين و هى وجود أو نفى العجز فى الرسالة موضوع التداعى .

(الطعن رقم 109 لسنة 43 جلسة 1980/01/28 س 31 ع 1 ص 313 ق 63

22 ـ متى كان يبين من الحكم الصادر فى الدعوى رقم ... المودعة صورته الرسمية ملف الطعن أنه عرض فى أسبابه للخلاف الذى قام بين الطرفين حول تحديد الأجر الإضافى الذى يأخذ حكم الأجر الأصلى وفقا للمادة 1 مكرراً من القانون رقم 133 لسنة 1961 - المضافة بالقانون رقم 175 لسنة 1961 - و بت فى هذا الخلاف بتقريره أن ذلك الأجر الإضافى لا يصح أن يجاوز أجر ساعتين إضافيتين يوميا ، و كان قضاء ذلك الحكم فى هذه المسألة الأساسية و قد صدر نهائيا و حاز قوة الشىء المحكوم فيه ، يمنع الخصوم أنفسهم من التنازع فيها فى أية دعوى تالية تكون فيها تلك المسألة هى بذاتها الأساس فيما يدعيه أى من الطرفين قبل الآخر من حقوق مترتبة عليها ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه فى الدعوى على أن أجر الطاعن الإضافى يأخذ حكم الأجر الأصلى مهما بلغت ساعات العمل الإضافية التى تقاضى عنها الطاعن ذلك الأجر يكون قد أعاد النظر فى ذات المسألة التى فصل فيها الحكم المشار إليه و ناقض هذا الحكم الذى سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم و حاز قوة الشىء المحكوم فيه و يكون الطعن بالنقض فيه جائزاً رغم صدوره من محكمة إبتدائية بهيئة إستئنافية عملاً بالمادة الثالثة من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات و إجراءات الطعن أمام محكمة النقض الذى رفع الطعن فى ظله .

(الطعن رقم 66 لسنة 38 جلسة 1974/03/02 س 25 ع 1 ص 459 ق 74)

23 ـ المنع من إعادة نظر النزاع فى المسألة المقضى فيها يشترط فيه أن تكون المسألة واحدة فى الدعوين ، ولا تتوافر هذه الوحدة إلا أن تكون المسألة المقضى فيها نهائياً مسألة أساسية لا تتغير ، وبشرط أن يكون الطرفان قد تناقشا فيها فى الدعوى الأولى ، وإستقرت حقيقتها بينها بالحكم الأول إستقراراً مانعاً . وإذ كانت الطاعنات قد أسسن دفاعهن فى الدعوى الراهنة على أن قيامهن بدفع الريع عن الأرض موضع النزاع كان كرها عنهن توقياً من توقيع الحجز الإدراى على أموالهن وما يترتب على ذلك من إجراءات البيع الإدارى ، وإن شهودهن شهدوا بوضع يدهن ومورثهن من قبل على هذه الأرض المدة الطويلة المكسبة للملكية ، وهى مسألة لم تكن مطروحة على المحكمة فى الدعوى السابقة - المرفوعة بطلب براءة ذمتهن من المبلغ الذى يطالب به المطعون عليهما مقابل أجرة أرض النزاع ، والمقضى برفض الدفع بسقوط الحق فى المطالبة به وبرفض الدعوى تأسيساً على أنه ريع لا يسقط الحق فى المطالبة به إلا بالتقادم الطويل - ولم يناقشها خصوم تلك الدعوى ولم يعرض لها الحكم الصادر فيها ، وبالتالى لا يكون مانعاً من نظرها والفصل فيها فى الدعوى الراهنة ، ذلك أن ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضى .

(الطعن رقم 74 لسنة 39 جلسة 1974/12/19 س 25 ع 1 ص 1477 ق 250)

24 ـ متى كان الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ ... ... و الذى قضى بإلغاء الحكم المستأنف و برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى قد نقض ، و كان الحكم الصادر بتاريخ ... ... و الذى قضى بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الإدعاء بالتزوير و الحكم الأخير الصادر بتاريخ ... ... و الذى قضى بتزوير الإقرار المؤرخ ... ... مؤسسين على الحكم الأول ، فإنه يتعين نقض هذين الحكمين كأثر لنقضه عملاً بالمادة 271 من قانون المرافعات .

(الطعن رقم 120 لسنة 41 جلسة 1975/05/21 س 26 ع 1 ص 1053 ق 200)

25 ـ المسألة الواحدة بعينها إذا كانت أساسية و كان ثبوتها أو عدم ثبوتها هو الذى ترتب عليه القضاء بثبوت الحق المطالب به فى الدعوى أو بإنقضائه ، فإن هذا القضاء - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يحوز قوة الشىء المحكوم به فى تلك المسألة الأساسية بين الخصوم أنفسهم و يمنعهم من التنازع بطريق الدعوى أو بطريق الدفع فى شأن أى حق آخر يتوقف ثبوته أو إنتفائه على ثبوت تلك المسألة الكلية السابق الفصل فيها بين هؤلاء الخصوم أنفسهم أو على إنتفائها - لما كان ما تقدم ، و كان الحكم المطعون فيه قد رفض القضاء للطاعن ، بفروق الأجرة المستحقة له عن مدة تالية على أساس ما إستقر له بموجب الحكم الصادر فى الدعوى رقم ... ... ... عمال جزئى الإسكندرية و الإستئناف رقم ... ... ... عمال مستأنف الإسكندرية من حق فى فروق أجرة حدد مقدرها الحكم المشار إليه عن المدة من 1962/1/1 حتى نهاية سبتمبر سنة 1966 لإستكمال أجره ليتساوى بالأجر المحدد لزميله المقارن به خلال ذات الفترة و ما لهذا القضاء من حجيته قولاً منه أن هذه الحجية قاصرة على فترة النزاع التى تعرض لها الحكم المذكور و لا يمتد أثرها إلى غير الفترة الزمنية التى صدر بشأنها ، مع أنه لا إعتبار لإختلاف المدة المطالب بفروق الأجر عنها فى الدعويين ما دام الأساس فيها واحدا ، ذلك الأساس الذى فصل فيه الحكم السابق بإستحقاق الطعن لهذه الفروق ، فإنه يكون قد فصل فى النزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم و حاز قوة الأمر المقضى .

(الطعن رقم 316 لسنة 43 جلسة 1980/01/13 س 31 ع 1 ص 142 ق 32)

26 ـ يشترط للقول بوحدة المسألة فى الدعويين أن تكون أساسية لا تتغير و أن يكون الطرفان قد تناقشا فى الدعوى الأولى و إستقرت حقيقتها إستقراراً مانعاً ، و إذ كان الثابت من مدونات حكم محكمة الدرجة الأولى أن موضوع الدعوى السابقة هو تعيين مصف للشركة لتحديد المركز المالى لكل شريك ، و قضى فيها بتعيين المصفى و مهمته تقييم مبانى الورشة فقط التى تسلمها الطاعن دون الأرض المقامة عليها لتحديد نصيب المطعون ضدهم الأربعة الأول ، و قد خلص هذا الحكم - المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه - إلى رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى تأسيساً على أن الموضوع فى كل من الدعويين مختلف عن الآخر و أضاف الحكم المطعون فيه أن القضاء السابق لم يمس عقد الإيجار ، لما كان ذلك و كان تقييم مبانى المنشأة لا يعتبر مسألة كلية شاملة يندرج فيها حق إيجار الأرض المقامة عليها ، و هو ما لم يكن معروضاً على المحكمة فى دعوى التصفية ، و بالتالى لم يكن محل منازعة من الخصوم فإن النعى يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 790 لسنة 50 جلسة 1981/02/21 س 32 ع 1 ص 573 ق 111)

27 ـ المنع من إعادة نظر النزاع المقضي فيه يستلزم أن تكون المسألة واحدة فى الدعويين ويشترط لتوافر هذه الوحدة أن تكون المسالة المقضي فيها نهائياً مسألة أساسية لا تتغير وأن تكون هي بذاتها الأساس فيما يدعيه اي من الطرفين قبل الأخر فى الدعوى الثانية فإن مؤدي ذلك أن مجال قاعدة الإلتزام بحجية الأحكام هو صدور حكم سابق فى ذات المسألة المطروحة فى دعوي تالية مرددة بين ذات الخصوم فيتقيد الحكم الصادر فيها بالحكم السابق عليها , أما حيث تكون المحكمة قد فصلت بحكم واحد فى دعويين منضمتين متحدين فى الطلب فلا مجال لاعمال قاعدة الحجية فى نطاق هاتين الدعويين .

(الطعن رقم 896 لسنة 54 جلسة 1991/12/18 س 42 ع 2 ص 1905 ق 300)

28 ـ مـــــؤدى نص المادة التاسعة من قانون الإثبات – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – أن حكم الإثبات لا يحوز قوة الأمر المقضيطالما خلت أسبابه من حسم مسألة أولية متنازع عليها بين الخصوم وصدر بالبناء عليها حكم الإثبات ، ومن ثم يجوز للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات إذا ما وجدت فى أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها للفصل فى موضوع النزاع ، كما لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء بعد تنفيذه . لما كان ذلك ، وكان الحكم التمهيدي الذي أصدرته المحكمة بتاريخ 25 من فبراير سنة 2010 بندب خبير هو من إجراءات الإثبات وليس من الأحكام التي تحوز الحجية ، ومن ثم تملك المحكمة العدول عنه ، وإذ انتهت المحكمة فى قضائها إلي العدول عن هذا الحكم وحكمت فى موضوع الدعوى بعد أن رأت فى أوراقها ما يكفي لتكوين عقيدتها للفصل فيها ، فإن النعي يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 3234 لسنة 82 جلسة 2016/12/13)

29 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض -إن من شروط الأخذ بقرينة قوة الأمر المقضي ، وفقاً للمادة 101 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 ، وحدة الموضوع ، بين الدعوى التي سبق الفصل فيها والدعوى المطروحة ، بحيث تكون المسألة المقضي فيها نهائياً ، مسألة أساسية لا تتغير، يكون الطرفان قد تناقشا فيها فى الدعوى الأولى ، واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول ، استقراراً جامعاً مانعاً ، وتكون هي بذاتها الأساس ، فيما يدعيه بعد ، فى الدعوى الثانية أي الطرفين قبل الآخر ، من حقوق متفرعة عنها .

(الطعن رقم 11610 لسنة 84 جلسة 2015/12/07)

30 ـ لما كان الحكم أيضاً قد عرض لدفع الطاعن الثالث بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بصدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وأطرحه فى قوله " وحيث أنه عن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية ضد المتهم الثالث المذكور لسبق صدور أمر من جهة الفحص والتحقيق بإدارة الكسب غير المشروع بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فى الشكوى رقم .... لسنة ... سرى كسب غير المشروع فهو من قبيل الدفع بقوة الشئ المحكوم فيه ويتعلق بالنظام العام . ولما كان من المقرر أن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الذي يحوز الحجية التي تمنع من العودة إلى الدعوى العمومية هو الذي تصدره سلطة تحقيق بعد اتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق ولا يصح افتراضه أو أخذه بالظن وكان قرار هيئة الفحص والتحقيق بحفظ الشكوى هو أمر حفظ غير ملزم ولها حق الرجوع فيه . ولما كان ذلك ، وكان الثابت بالشكوى المقدمة لهيئة الفحص فى الكسب غير المشروع لم يتم التحقيق فيها ولم تكن مسبوقة بأي إجراء من إجراءات التحقيق وتم حفظها ، ثم فإن هذه القرارات الصادرة بشأنها لا تعدو أن تكون أوامر بالحفظ غير ملزمة لجهة التحقيق ، بل لها حق الرجوع فيها بلا قيد أو شرط بالنظر إلى طبيعتها الإدارية ، يضاف إلى ذلك اختلاف وحدة الخصوم والموضوع والسبب فى الشكوى المشار إليها عن الدعوى الماثلة ، وعليه يكون هذا الدفع قائم على غير أساس .. ". لما كان ذلك ، وكان الأمر الصادر من سلطة التحقيق بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية له حجيته التي تمنع من العودة إلى الدعوى الجنائية ما دام قائماً لم يلغ فلا يجوز مع بقائه قائماً إقامة الدعوى الجنائية عن ذات الواقعة التي صدر فيها لأن له فى نطاق حجيته المؤقتة ما للأحكام من قوة الأمر المقضي ، والأصل أن الأمر بعدم وجود وجه يجب أن يكون صريحاً ومدوناً بالكتابة ، إلا أنه قد يستفاد استنتاجاً من تصرف أو إجراء آخر إذ كان هذا التصرف أو الإجراء يترتب عليه حتماً وبطريق اللزوم العقلي ذلك الأمر .

(الطعن رقم 14934 لسنة 83 جلسة 2014/02/04)

31 ـ لما كان ما أثير فى شأن القضاء فى دعوى مماثلة ببراءة شخص آخر مردوداً بأن تقدير الدليل فى دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى لأن قوة الأمر المقضي للحكم فى منطوقة دون الأدلة المقدمة فى الدعوى ، ولانتفاء الحجية بين حكمين فى دعويين مختلفتين من حيث الخصوم أو الموضوع أو السبب فى كل منهما .

(الطعن رقم 14934 لسنة 83 جلسة 2014/02/04)

32 ـ من المقرر أن الحكم هو القرار الصادر من محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً فى منازعة مطروحة عليها بخصومة رفعت إليها وفقاً للقانون ، وهو بهذه المثابة يختلف عن الأوامر والقرارات التي يدخل إصدارها فى وظيفة القاضي الولائية وأن القرار الذى يصدر من المحكمة بما لها من سلطة ولائية لا يعد حكماً ما لم ينص القانون على خلاف ذلك . لما كان ذلك ، وكان البيِّن من الأوراق أن الدعوى الجنائية أحيلت بداءة إلى محكمة الجنح وأثير أمامها أن لدى المجنى عليه عاهة مستديمة فقررت المحكمة إحالة الدعوى إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها فيها ، وكان هذا القرار فى حقيقته حكماً قطعياً لا يجوز العدول عنه إلى أن يقوم الدليل على إلغائه وهو ما خلت منه الأوراق وكان من المقرر بنص المادة 405/3 أن جميع الأحكام الصادرة بعدم الاختصاص يجوز استئنافها ، وكان ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن يعد طعناً على الحكم الصادر من محكمة الجنح بعدم الاختصاص والإحالة وهو ما تمتنع إثارته أمام محكمة الجنايات ، لأن هذا الحكم قد حاز قوة الأمر المقضي به بعدم استئنافه فى الميعاد المقرر قانوناً ، ومن ثم فلا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض

(الطعن رقم 3168 لسنة 75 جلسة 2013/02/18)

33 ـ يشترط للتمسك بحجية الأمر المقضى - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة إتحاد الموضوع و الخصوم و السبب فى الدعوى التى سبق الفصل فيها و الدعوى المطروحة ، و إذ كان الطاعن و المطعون ضدها مدعى عليهما أمام لجنة الفصل فى المنازعات الزراعية و لم يكن أحدهما خصماً للآخر ، فإن شرط إتحاد الخصوم يكون قد تخلف و يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب صحيح القانون إذ لم يعتد بحجية قرار اللجنة المشار إليها .

(الطعن رقم 676 لسنة 48 جلسة 1982/12/20 س 33 ع 2 ص 1210 ق 219)

34 ـ للحكم الصادر ضد المورث حجية الأمر المقضى قبل الوارث إذا إستند فى الحق الذى يدعيه إلى تلقيه عن هذا المورث.

(الطعن رقم 1323 لسنة 59 جلسة 1994/03/30 س 45 ع 1 ص 584 ق 115)

35 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مناط حجية الحكم الصادر فى إحدى الدعاوى فى دعوى تالية سواء كان الحكم السابق صادرا فى ذات الموضوع أو فى مسألة كلية شاملة أو فى مسألة أساسية واحدة فى الدعويين أن يكون الحكم السابق صادرا بين الخصوم أنفسهم فى الدعوى التالية مع اتحاد الموضوع والسبب فى الدعويين، فلا تقوم الحجية متى كان الخصمان فى الدعوى الأولى قد تغير أحدهما أو كلاهما فى الدعوى التالية حتى ولو كان الحكم السابق صادرا فى موضوع غير قابل للتجزئة، إذ لا يستفيد الخصم منه أو يضار به إلا إذا تدخل أو أدخل فى الدعوى وأصبح بذلك طرفا فى هذا الحكم.

(الطعن رقم 1139 لسنة 56 جلسة 1992/07/19 س 43 ع 1 ص 970 ق 201)

36 ـ المنع من إعادة النزاع فى المسألة المقضى فيها يستلزم أن تكون المسألة واحدة فى الدعويين . و إذ يشترط لتوافر هذه الوحدة أن تكون المسألة المقضى فيها نهائياً مسألة أساسية لا تتغير و تكون هى بذاتها الأساس فيما يدعيه فى الدعوى الثانية ، و كان النزاع الذى طرح على محكمة الجنح يتعلق بقبول أو عدم قبول الدعوى المدنية من المطعون عليه الأول ضد الطاعن ، و إذ إنتهت محكمة الجنح إلى عدم قبول الدعوى المدنية لأنها غير مختصة بنظرها و ذلك تأسيسا على أن المطلوب ليس هو التعويض عن إرتكاب جنحه ، و كان لا علاقة لهذا القضاء بموضوع الدعوى الذى فصل فيه الحكم المطعون فيه- و هو قيمة الشيكات المحولة إلى المطعون عليه الأول - فإن هذا الحكم لا يكون فيه إفتئات على الحكم السابق لإختلاف المسألة التى قضى فيها كل منهما . و إن إستطرد الحكم السابق إلى القول بأن الشيكات إسمية فلا يجوز تظهيرها إذ يعد ذلك منه تزيدا غير لأزم للفصل فى الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية أمام محكمة الجنح بعد أن أورد الأسباب التى تحمل قضاءه فى هذا الخصوص .

(الطعن رقم 561 لسنة 34 جلسة1968/12/31 س 19 ع 3 ص 1616 ق 247)

37 ـ الأصل أن القانون يسرى بأثر فورى على المراكز القانونية التى تتكون بعد نفاذه،سواء فى نشأتها أو فى إنتاجها آثارها أو فى إنقضائها وهو لا يسرى على الماضى، فالمراكز القانونية التى نشأت واكتملت فور تحقق سببها قبل نفاذ القانون الجديد كالميراث تخضع للقانون القديم الذى حصلت فى ظله، أما المراكز القانونية التى تنشأ وتكتمل خلال فترة تمتد فى الزمان، فإن القانون القديم يحكم العناصر والآثار التى تحققت فى ظله ,فى حين يحكم والقانون الجديد العناصر والاثار التى تتم بعد نفاذه ولئن كانت المراكز القانونية الاتفاقية تظل خاضعة للقانون القديم الذى نشأت فى ظله بإعتبارأنه تعبير عن إرادة ذوى الشأن فى نشرها أو فى آثارها أو فى انقضائها إلا أن هذا مشروط بألا يكون القانون الجديد قد أخضع المراكز القانونية سالفة البيان لقواعد آمرة، فحينئذ يطبق القانون الجديد فورا على ما لم يكن قد أكتمل من عناصرها وعلى آثار هذه المراكز الحاضرة والمستقبلة كما يحكم انقضاءها لما كان ذلك وكانت الأحكام الخاصة بتعيين أسباب الإخلاء تسرى بأثر فورى على ما لم يستقر من مراكز وقت نفاذها وإن نشأت فى ظل القانون القديم.

(الطعن رقم 1980 لسنة 54 جلسة 1993/01/31 س 44 ع 1 ص 383 ق 68)

38 ـ لما كانت المطعون ضدها قد أقامت الدعوى الماثلة تأسيساً على هجر الطاعن لها و كانت قد طلبت التطليق فى الدعوى رقم 1454 لسنة 1986 كلى أحوال شخصية جنوب القاهرة لزواج الطاعن بأخرى، واعتدائه عليها بالضرب و السب، كما أنه وإن اتحد سبب التطليق فى الدعوى المطروحة والدعوى رقم 3228 لسنة 1991 كلى أحوال شخصية شمال القاهرة إذ أسست المطعون ضدها كل منهما على الهجر، إلا أن الثابت من الأوراق أنها استندت فى الدعوى الراهنة على الهجر الذي استطال إلى ما بعد صدور الحكم فى الدعوى المذكورة، و من ثم فإن صدور الحكمين فى الدعويين السابقتين لا يحول دون رفع الدعوى المطروحة، إذ أقيمتا على وقائع مغايرة لتلك التى أسست عليها الدعوى الماثلة؛ و إذ انتهى الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه إلى عدم قبول الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، فإنه يكون قد خلص إلى قضاء صحيح فى هذا الخصوص، و من ثم فإن النعي يكون على غير أساس.

(الطعن رقم 499 لسنة 64 جلسة 1999/02/15 س 50 ع 1 ص 237 ق 44)

39 ـ لا يقبل الإدعاء بإنعدام قضاء صدر من المحكمة فى دعوى أو طعن سواء كان ذلك الإدعاء قدم إليها بدعوى مبتدأة أو بدفع أو أنها تعرضت له من تلقاء نفسها لأن ذلك أيضاً ينال من حجية الأحكام و يفتح الطريق أمام الخصوم للعبث بها ما لم تكن مما يقبل الطعن عليه فيكون سبيل المحكوم عليه للإدعاء بذلك هو الطريق القانونى المرسوم للطعن عليه .

(الطعن رقم 416 لسنة 52 جلسة 1983/02/13 س 34 ع 1 ص 465 ق 102)

40 ـ لكى يجوز التمسك بحجية الحكم يتعين كشرط أساسى أن يكون هناك حكم قضائى صادر من جهة قضائية لها ولاية فى النزاع المطروح عليها وأن يظل هذا الحكم قائماً ولم يتم إلغاءه من جهة القضاء المختصة.

(الطعن رقم 306 لسنة 59 جلسة 1993/04/29 س 44 ع 2 ص 293 ق 18)

41 ـ الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها أصبح بمقتضى المادة 116 من قانون المرافعات متعلقاً بالنظام العام ، تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها ، و يسرى هذا الحكم على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى قبل تاريخ العمل بقانون المرافعات ، و ذلك عملاً بالمادة الأولى من هذا القانون ، و لا محل للتحدى بحكم المادة 2/405 من القانون المدنى التى كانت تقضى بأنه لا يجوز للمحكمة أن تقضى بعدم جواز نظر الدعوى من تلقاء نفسها ، ذلك أن هذه المادة و قد وردت فى الباب السادس من الكتاب الأول من القسم الأول من القانون المدنى قد ألغت بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1968 بإصدار قانون الإثبات ، و حلت محلها المادة 101 من قانون الإثبات التى نصت على حجية الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى و جعلت هذه القاعدة متعلقة بالنظام العام ، تقضى المحكمة بها من تلقاء نفسها . و إذ كان الحكم الإبتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه قد صدر فى 1969/10/28 بعد العمل بأحكام قانون المرافعات الجديد و إلتزم هذا النظر ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتأييده يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح .

(الطعن رقم 320 لسنة 41 جلسة 1975/05/21 س 26 ع 1 ص 1062 ق 202)

41 - إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعنة أقامت دعواها بطلب الحكم ببطلان وشطب العلامة التجارية رقم 224297 على منتجات الفئة " 6 " الخاصة بالطاعنة في حين أن حكم محكمة النقض وحكم المحكمة الإدارية العليا سالفي البيان خاص بالعلامتين التجاريتين رقمي 233319 ، 274733 محل منتجات الفئة " 16 " ومن ثم فلا يحوزا حجية الأمر المقضي به في تلك الدعوى ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد طبق صحيح القانون .

( الطعن رقم 4838 لسنة 89 ق جلسة 23 / 2 / 2020 )
 
42 -المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن الحجية المناعة لا تثبت وفقًا لنص المادة 101 من قانون الإثبات إلا للأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى فيما فصلت فيه من حقوق فى نزاع قام بين الخصوم أنفسهم بدون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلًا وسببًا ، وكان الأمر الذى يصدره القاضى فى طلب ذوى الشأن وضع الصيغة التنفيذية على أحكام المحكمين هو فى حقيقته أمر على عريضة يصدره قضاة الأوامر الوقتية بما لهم من سلطة ولائية ، وعلى ذلك فإن تلك الأوامر لا تخضع لأحكام الأوامر على العرائض المنصوص عليها بالباب العاشر من قانون المرافعات من حيث إن إصدارها يكون بإجراء وقتى فى غيبة الخصوم دون تسبيب ودون مساس بأصل الحق المتنازع عليه ، ومن حيث إجراءات التظلم فيها والطعن على الأحكام الصادرة فيها والأوامر على العرائض على النحو المتقدم لا يستنفذ القاضى الآمر سلطته بإصدارها إذ يجوز له مخالفتها بأمر جديد مسبب ، كما يجوز لذوى الشأن عند رفض طلبهم التقدم باستصدار أمر جديد أو التظلم لنفس القاضى الآمر بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى والأوامر على العرائض بهذه لمثابة لا تحوز ثمة حجية مانعة ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر واعتد بالأمر الوقتى الصادر على عريضة بالرفض وأنزله منزلة الأحكام الصادرة من القضاء فى موضوع الدعوى بموجب سلطتهم القضائية واعتبره ذا حجية مانعة من معاودة بحث طلب تزييل حكم التحكيم بالصيغة التنفيذية ، ورتب على ذلك وبعد إلغاء الحكم المستأنف القضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر فى التظلم رقم 2 لسنة 116 ق قضائية تحكيم القاهرة فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن على أن يكون مع النقض الإحالة .

 ( الطعن رقم 11533 لسنة 76 ق - جلسة 20 / 3 / 2023 )
 
43-المقرر - في قضاء هذه المحكمة – أن النص في المادة 101 من قانون الإثبات على أن "الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً"، يدل على أن مناط حجية الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي هو وحدة الموضوع والخصوم والسبب بحيث إذا تخلف أحد هذه الشروط انتفت تلك الحجية، كما أن من المقرر أن حجية الحكم تقتصر على ما فصل فيه من الحقوق وما لم تفصل فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي.
 
 ( الطعن رقم 12750 لسنة 78 ق - جلسة 19 / 6 / 2023 )
 
43 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مفاد المادة 275 من قانون المرافعات أنه يتعين لكي تكون المنازعة متعلقة بالتنفيذ أن يكون التنفيذ جبرياً ، وأن تكون المنازعة متعلقة بالتنفيذ أو مؤثرة في سير إجراءاته ، أما المنازعات التي لا تمس إجراء من إجراءات التنفيذ أو سيره أو جريانه فلا تعتبر منازعة في التنفيذ في حكم هذه المادة ، وبالتالي لا تدخل في الاختصاص النوعي لقاضي التنفيذ. وأن محكمة الموضوع مُلزمة بإعطاء الدعوى وصفها الحق وإسباغ التكييف القانوني الصحيح عليها دون تقيد بتكييف الخصوم لها في حدود سبب الدعوى ، وأن العبرة في التكييف هي بحقيقة المقصود من الطلبات فيها لا بالألفاظ التي صيغت بها هذه الطلبات ، وأن نص المادة 101 من قانون الإثبات يدل على أن حجية الأحكام القضائية في المسائل المدنية لا تقوم إلا بين من كان طرفاً في الخصومة حقيقةً أو حكماً ، ولا يستطيع الشخص الذي صدر لمصلحته حكم سابق الاحتجاج به على من كان خارجاً عن الخصومة ولم يكن ممثلاً فيها وفقاً للقواعد القانونية المقررة في هذا الشأن ، ويجوز لغير الخصوم في هذا الحكم التمسك بعدم الاعتداد به . لما كان ذلك ، وكان البين من الأوراق أن الطاعن أقام دعواه بطلب عدم الاعتداد بالحكم الصادر في الدعوى رقم ۷۸ لسنة ۲۰۰۹ أسرة الدرب الأحمر في حقه لكونه خارج عن خصومته ولملكيته العقار الصادر بشأنه ذلك الحكم ، فإن حقيقة طلباته هي عدم الاعتداد بذلك الحكم في مواجهته لملكيته لعقار التداعي دون المساس بتنفيذ ذلك الحكم الذى لم يطرح النزاع بشأنه على المحكمة ، ومن ثم فإن هذه الدعوى تتعلق بطلب موضوعي وليست من دعاوى التنفيذ ، ولا يختص بنظرها قاضي التنفيذ ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا الـنـظــر وأَيَّدَ الـحـكــم الابتدائي القاضي بعدم اختصاص المحكمة نوعياً بنظر الدعوى وإحالتها لقاضي التنفيذ فإنه يكون معيباً ، بما يوجب نقضه دون الحاجة لبحث باقي أسباب الطعن.

(الطعن رقم 15604 لسنة 87 ق - جلسة 18 / 11 / 2023)

44- الحجية المانعة لا تثبت وفقاً لنص المادة 101 من قانون الإثبات إلا للأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي فيما فصلت فيه من حقوق في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً، وكان الثابت من الأوراق أن محكمة أول درجة قد قضت بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمطعون ضدهم من الثاني وحتى الأخير لرفعها على غير ذي صفة، ولم يطعن أحد على هذا الشق من الحكم بالاستئناف فأصبح حائزاً لقوة الأمر المقضي ومن ثم فإنه لا يقبل اختصامهم في الطعن بالنقض .

( الطعن رقم 12605 لسنة 85 ق - جلسة 31 / 7 / 2024 )

45 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن القاضي وهو يصدق على الصلح لا يكون قائماً بوظيفة الفصل في خصومة بل تكون مهمته مقصورة على إثبات ما حصل أمامه من اتفاق وتوثيقه بمقتضى سلطته الولائية ، وليس بمقتضى سلطته القضائية ، ومن ثم فإن هذا الاتفاق لا يعدو أن يكون عقداً وليس حكماً له حجية الشيء المحكوم به ، وإن أعطى شكل الأحكام عند إثباته ، ومن ثم لا يجوز الطعن فيه بطرق الطعن المقررة للأحكام ، وإنما يجوز رفع دعوى مبتدأة ببطلانه إلى المحكمة المختصة طبقاً للقواعد العامة ، وأن للغير الذى أضر الصلح بحقوقه عن طريق الغش أن يرفع دعوى أصلية ببطلانه أو يبدي الدفع بالبطلان بالتدخل في الدعوى التي حصل فيها الصلح ، وأن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها عملا بالمادة 101 من قانون الإثبات أن يكون الحكم السابق الذي فصل في ذات النزاع بين الخصوم أنفسهم قد حاز قوة الأمر المقضي ، وذلك بعدم قابليته للطعن فيه بإحدى طرق الطعن العادية ، لما كان ذلك ؛ وكان الثابت من الأوراق أن الحكم المحاج به رقم ... لسنة 2015 مدني كلي شمال القاهرة في الدعوى المطروحة قضي بلإحاق محضر الصلح بمحضر الجلسة وإثبات محتواه وجعله في قوة السند التنفيذي ، ومن ثم فهو ليس له حجية الشيء المحكوم به ، اذ هو لا يعدو أن يكون عقداً بين طرفيه - وإن صدر من محكمة لها ولاية القضاء - ووظيفة القاضي مقصورة على التصديق عليه ولا تمتد إلى الفصل بين الخصوم ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بقضائه بعدم جواز نظر الدعوي لسابقة الفصل فيها بالحكم المار بيانه ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يعيبه ويوجب نقضه. 

( الطعن رقم 6644 لسنة 88 ق - جلسة 11 / 6 / 2023 )
 
شرح خبراء القانون
فكرة حجية الأمر المقضى تعريف الحجية وأثرها :لم يتعرض المشرع في مصر أو في فرنسا لوضع تعريف محدد لحجية الأمر المقضي، على أنه يمكن القول بأنه يقصد بحجية الأمر المقضي فكرة قانونية مؤداها أن الحكم القضائي إذ يطبق إرادة القانون في الحالة المعينة فإنه يحوز الفاعلية سواء أمام المحكمة التي أصدرته أو أمام المحاكم الأخرى بحيث إذا رفع أحد الخصوم نفس الدعوى التي فصل فيها الحكم مرة أخرى تعين عدم قبولها، وإذا أثير ما قضى به الحكم أمام القضاء وجب التسليم به دون بحث مجدد. وعلى هذا إذا صدر حكم بتقرير الملكية ل (أ) وإلزام (ب) برد العين المغتصبة إلى المالك، فلا يجوز بعد صدور هذا الحكم أن يرفع (ب) دعوی على (أ) مدعياً أنه هو المالك. فإن رفع مثل هذه الدعوى، فإنها تكون غير مقبولة. ومن ناحية أخرى، إذا رفع (أ) دعوى على (ب) يطالبه بالتعويض عن الضرر الذي أحدثه في العين، فليس للمحكمة أن تبحث فيما إذا كان (أ) مالكاً للعين أم لا بل عليها أن تسلم بالتقرير الذي تضمنه الحكم الأول في هذا الخصوص. فحجية الأمر المقضي تبدو في أثرين أحدهما سلبي والآخر إيجابي هما: 1- أثر سلبي - عدم جواز إعادة النظر في الدعوى : إذا صدر الحكم في الدعوى فلا يجوز رفع نفس الدعوى مرة أخرى لمناقشة ما فصل فيه الحكم، ولا يجوز هذا ولو قدمت في الخصومة الجديدة أدلة واقعية أو أسانيد قانونية لم يسبق إثارتها في الخصومة الأولى، وبالتالى لم يبحثها الحكم الصادر فيها. ولهذا إذا رفع شخص دعوى ملكية على أساس عقد بيع اشتري بموجبه المال محل النزاع، واستند إلى ورقة مكتوبة، ورفضت الدعوى، فلا يجوز له إعادة رفع الدعوى على أساس نفس عقد البيع مستند إلى دليل إثبات آخر، ولو كان هذا الدليل هو اليمين الحاسمة. وعدم جواز إعادة النظر في الدعوى يقيد القاضي الذي تطرح عليه الدعوى من جديد، كما يقيد الخصوم فيها. ويستوي أن يكون الخصم قد كسب الدعوى أم خسرها. ولهذا فإنه إذا رفع شخص على آخر دعوى تعويض يطالب فيها بمبلغ ألف جنيه، فحكم له بها. فلا يجوز له أن يعيد رفع نفس الدعوى مطالباً بمبلغ أكبر. فإذا رفعت الدعوى مرة أخرى إلى القضاء رغم سبق الفصل فيها، فإن للخصم الآخر أن يدفع هذه الدعوى بالتمسك بحجية الأمر المقضي. وهو ما يسمى بالدفع بالحجية. وهذا الدفع لا يرمي إلى مجرد منع إصدار حكم مخالف للحكم السابق، وإنما إلى منع إصدار حكم جديد أياً كان مضمونه فيما فصل فيه الحكم السابق وحاز الحجية. على أن هذا الأثر السلبي لحجية الأمر المقضي، لا يعني عدم جواز المساس بالحكم. وإنما يكون المساس بالحكم بطرق الطعن التي رسمها القانون. أما خارج هذه الطرق، فلا يجوز المساس بالحكم بأية وسيلة. ولهذا من المقرر أنه لا يجوز رفع دعوى ببطلان الحكم لما فيه من إهدار لحجيته. وسندرس هذه القاعدة عند دراسة الطعن في الأحكام. وقد بحثت في هذا الصدد مشكلة جواز رفع دعوى تعويض عن الحكم غير العادل. ونعتقد أنه ما لم يوجد نص قانوني يجيز مثل هذه الدعوى في بعض الحالات فلا يجوز رفعها، ذلك أن التعويض عن الحكم مهما كان غير عادل فيه مساس بحجيته. فلاشك أن الحكم بالتعويض لا يتصور إلا إذا ثبت أن الحكم الأول غير عادل، وهو ما يعني إعادة بحث موضوع النزاع مرة أخرى. 2- أثر إيجابي إحترام ما قضى به الحكم : وهذا الأثر يسرى أيضاً في مواجهة الخصوم والقاضي. فللمحكوم له الذي أكد الحكم حقه أن يتمتع بحقه وبمزاياه، وإذا رفع دعوى استناداً إلى هذا الحكم، فعلى القاضي احترام ما قضى به الحكم. ولهذا إذا حكم بعزل الوكيل ورفع الموكل دعوى لمطالبته بالمستندات التي تحت يده، فيجب على المحكمة التي تنظر الدعوى أن تسلم بما قضى به الحكم من عزل الوكيل فلا تناقشه من جديد. وإذا حكم بإلزام شخص بالتعويض دون تحديد، فليس للمحكمة التي يطلب منها تحديد مبلغه أن تناقش مرة أخرى مبدأ مسئولية المدعى عليه. وقد ذهب البعض إلى إنكار هذا الأثر الإيجابي للحجية كأثر متميز، وذلك على أساس أن الأثر الإيجابي هو إنعكاس للأثر السلبي. إذ يترتب على الأثر السلبي نفسه عدم جواز بحث المسألة التي فصل فيها الحكم السابق من جديد. ولكن في الواقع الأثر الإيجابي يعني أكثر من هذا، فهو ليس مجرد عدم بحث هذه المسألة من جديد، وإنما يتضمن التزام القاضى بما قرره الحكم السابق بصدد هذه المسألة. وإذا شئنا الدقة، فيجب القول بأن الأثر الإيجابي هو الذي يستغرق الأثر السلبي، فاحترام ما قضى به الحكم السابق يؤدي إلى عدم الحاجة إلى حكم جديد، أي انعدام المصلحة في دعوى جديدة. تمييز فكرة الحجية: يجب التحديد فكرة حجية الأمر المقضي أن نميز بينها وبين بعض الأفكار القانونية التي قد تختلط بها. وذلك على النحو التالي : أولاً- حجية الأمر المقضي واستنفاد سلطة القاضي بالنسبة لمسألة معينة : يجب تمييز حجية الأمر المقضي عن فكرة أخرى قد تختلط بها وهي فكرة استنفاد سلطة القاضي. فلضمان حسن سير الخصومة لتحقيق هدفها في منح الحماية على وجه منظم دون معوق، من المقرر أنه إذا فصلت المحكمة في مسألة من المسائل المعروضة عليها انقضت سلطتها بشأنها، وبالتالي خرجت هذه المسألة عن ولايتها. فيصبح القاضي ولا ولاية له بها. فليس له بحث هذه المسألة، وبالتالي ليس له العدول عن الحكم أو تعديله، وليس للخصوم إثارة هذه المسألة أمامه من جديد ولو باتفاقهم. ولأن الفكرتين مختلفتان في هدفهما فهما يختلفان أيضاً في مجال عملهما: فالحجية تعمل خارج الخصومة، أي بعد انتهائها، لضمان استقرار الحماية القضائية التي منحها الحكم؛ أما استنفاد سلطة القاضي فإنه يكون بالنسبة لكل مسألة يفصل فيها داخل الخصومة. ونتيجة لهذا فإن الحجية يبدو أثرها بالنسبة للخصومات المستقبلة، فهي تضمن الحماية القضائية في المستقبل ضد ما يمسها؛ أما ما يقرره القاضي داخل الخصومة فأثره يقتصر على هذه الخصومة وحدها ويتصل باستنفاد سلطة القاضي بالنسبة لما يقرره فيها. ولهذا فإن ما يقرره في هذا الشأن يمكن إثارته من جديد في خصومة مستقبلة، مادام هذا لا يمس بالحماية القضائية التي اكتسبها الأطراف لمال معين من الخصومة السابقة. ولأن استنفاد سلطة القاضي يجعل القاضي ولا ولاية له، فإن انتفاء الولاية يتعلق بالنظام العام يقضي به القاضي من تلقاء نفسه. وللتفرقة بين الفكرتين أهمية عملية، ذلك أن الحجية لا تلحق إلا بالحكم القضائي الذي يقبل الدعوى أو يرفضها أي الذي يمنح حماية قضائية، دون الأعمال التي تصدر أثناء الخصومة تمهيداً لهذه الحماية. وعلى العكس، فإن استنفاد سلطة القاضي يحدث بالنسبة لكل حكم يحسم مسألة موضوعية كانت أو إجرائية داخل الخصومة، وسنرى هذا بالتفصيل عند دراسة نطاق الحجية. ثانياً - حجية الأمر المقضي وقوة الأمر المقضي : نتيجة لاستنفاد سلطة القاضي، فإن الحكم الذي يصدره يحوز الحجية فلا يجوز المساس به على أنه إذا كان من مصلحة المجتمع عدم المساس بالأحكام القضائية، فإن هناك حقيقة لا يمكن إغفالها في كل تنظيم قانونی وهي أن الأحكام تصدر من قضاة. وهؤلاء بشر غير معصومين من الخطأ. وللتوفيق بين هذين الاعتبارين، حرصت التشريعات المختلفة على تنظيم طرق الطعن ضد الأحكام. ولكنها لم تفتح طرق الطعن إلى ما لا نهاية ولم تجزها ضد كل الأحكام، بل عمدت إلى رسم طرق معينة وبقيود يجب احترامها. وليس معنى إمكان الطعن في الحكم أي إمكان المساس به، أنه لا يحوز الحجية. فهو يحوز هذه الحجية بمجرد صدوره، ولكن يمكن المساس بالحكم بطريق الطعن الذي ينص عليه القانون. والحكم الذي لا يقبل الطعن فيه بالمعارضة أو بالاستئناف يوصف بأنه حائز لقوة الأمر المقضي. ولهذا يجب التمييز بين حجية الأمر المقضي وقوة الأمر المقضي. فالحجية تثبت للحكم بمجرد صدوره، أما قوة الأمر المقضي فإنها لا تثبت للحكم إلا إذا كان لا يقبل الطعن فيه بالمعارضة أو بالاستئناف، وذلك سواء صدر لا يقبل الطعن فيه بأي من هذين الطريقين، أو أصبح كذلك بإنقضاء مواعيد الطعن أو برفض الطعن أو عدم قبوله. ويحوز الحكم قوة الأمر المقضي ولو كان يقبل الطعن فيه بطريق طعن غير عادي (النقض أو التماس إعادة النظر)، أو طعن فيه فعلاً بهذا الطريق. وعلى هذا فإن الحكم يمكن أن يكون حائزاً لحجية الأمر المقضي، دون أن تتوافر فيه قوة الأمر المقضي. ويلاحظ أن التفرقة بين الحجية والقوة ليست تفرقة في الدرجة، بل إن الأمر يتعلق بفكرتين مختلفتين تخدم كل منهما غرضاً مختلفاً. فالحجية هي صفة للحماية القضائية التي يمنحها القضاء أي للأثر القانوني الذي يحدثه الحكم القضائي، أما قوة الأمر المقضي فهي صفة في هذا الحكم كعمل إجرائي في الخصومة. والحجية كصفة للحماية التي يمنحها القضاء تنتج بالنسبة للمستقبل خارج الخصومة التي صدر فيها الحكم. أما القوة كصفة للحكم فإن أهميتها إنما تكون داخل هذه الخصومة للدلالة على مدى ما يتمتع به الحكم من عدم قابليته للطعن بطرق معينة. وهذه التفرقة ليست واضحاً تماماً لدى بعض الفقهاء. وقد وقع المشرع في مصر في خطأ الخلط بين الأمرين. فنجده في المادة 101 من قانون الإثبات سالفة الذكر ينص على أن «الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة... الخ» : والمقصود في هذا النص حجية الأمر المقضي لا قوته. ثالثاً - حجية الأمر المقضي والقوة التنفيذية للحكم : حجية الأمر المقضي هي صفة للحماية القضائية التي يحصل عليها الشخص بواسطة الدعوى التي تنتهي بحكم قضائي. أما القوة التنفيذية فهی صفة في الحكم أو في غيره من السندات تخول الحصول على الحماية القضائية بواسطة التنفيذ الجبري. وعلى هذا فإن الحجية نهائية لطريق حماية قضائية، في حين أن القوة التنفيذية هي مفترض لطريق آخر للحماية القضائية، لأنه إذا كان الحكم الصادر هو حكم إلزام فإنه لا يكفي لحماية من حصل عليه حيازة الحكم لحجية الأمر المقضي، بل يلزم منح الحكم قوة تنفيذية لكي يحصل المحكوم له على الحماية القضائية الكاملة لحقه بواسطة التنفيذ الجبري. وقد يرى المشرع أحياناً عدم منح القوة التنفيذية لحكم الإلزام بمجرد صدوره أي لمجرد حيازته حجية الأمر المقضي، بل يقتضي عدم قابليته للطعن بطرق الطعن العادية. ومن ناحية أخرى، فإن المشرع قد يرى منح القوة التنفيذية لغير أحكام القضاء. فيستطيع صاحب الحق أن يحصل على الحماية القضائية بواسطة التنفيذ الجبري، دون سبق حصوله على حكم قضائى. و من كل ما تقدم يتضح أنه لا تلازم بين الحجية والقوة التنفيذية : (أ) فالقوة التنفيذية لا تكون إلا لحكم الإلزام، في حين أن الحجية تثبت لكافة أحكام القضاء (بالتحديد الذي سنراه فيما بعد). (ب) تثبت الحجية الحكم الإلزام فور صدوره، في حين أن القوة التنفيذية قد لا تثبت لهذا الحكم رغم حيازته الحجية. فالقانون المصرى لا يخول حكم الإلزام قوة تنفيذية إلا إذا كان حائزاً لقوة الأمر المقضي، أو نافذاً معجلاً. (ج) حجية الأمر المقضي لا تكون إلا لأحكام القضاء. أما القوة التنفيذية فإنها تثبت أيضاً لغير أحكام القضاء من السندات التي قد ينص القانون على منحها القوة التنفيذية. ومن هذه المحررات الموثقة. د) حجية الأمر المقضي ملازمة للحكم، أما تنفيذه فلا يكون - هو أو غيره من السندات التي لها القوة التنفيذية - إلا بعد وضع الصيغة التنفيذية. رابعاً - حجية الأمر المقضي والقوة الثبوتية للحكم : يتطلب القانون تدوين الحكم القضائي في ورقة. فالكتابة شكل لازم لصحة الحكم. وورقة الحكم سند رسمی له ما للسندات الرسمية من قوة في الإثبات، أي أنها «حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته أو وقعت من ذوى الشأن فى حضوره ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً» (مادة 101 من قانون الإثبات). والتفرقة بين حجية الأمر المقضي، وهذه القوة الثبوتية لورقة الحكم واضحة. فالحجية يرتبها الحكم باعتباره عملاً قضائياً مانحاً للحماية القضائية، أما القوة الثبوتية فإنها تكون للورقة الرسمية باعتبارها صادرة من موظف رسمى. ولهذا : (أ) تكون حجية الأمر المقضي نسبية أي لا تسري إلا في مواجهة من كان طرفاً في الخصومة التي انتهت بالحكم القضائي. أما القوة الثبوتية فإنها شأن القوة الثبوتية لأي سند رسمی تكون أيضاً في مواجهة الغير. (ب) لا تلحق الحجية إلا بالقرار الذي يتضمنه منطوق الحكم أو الأسباب المرتبطة به إرتباطاً لا يقبل التجزئة إذ هو وحده الذي يمنح الحماية. أما القوة الثبوتية فإنها تكون لجميع ما أثبته القاضي في ورقة الحكم مما قام به أو وقع من ذوى الشأن في حضوره وفي حدود سلطته واختصاصه. (ج) تظل للحكم حجيته حتى يلغى بطريق من طرق الطعن التي نص عليها القانون، أما القوة الثبوتية فإنها تزول عن طريق حكم بالتزوير. الفصل الثاني نطاق حجية الأمر المقضي لأن حجية الأمر المقضي أثر للحكم الذي يمنح الحماية القضائية، فإن نطاقها بالضرورة محدود. ذلك أن الحماية القضائية إنما تمنح نتيجة لدعوي قضائية، ولهذا فالحجية لا تكون أثراً إلا للحكم القضائي الذي يفصل في هذه الدعوى. ومن ناحية أخرى، فإن الحكم له عناصر مختلفة فهو يتكون من قرار (منطوق) وأسباب لهذا القرار ووقائع. والحجية لا تكون إلا للقرار دون عناصر الحكم الأخرى. وأخيراً، فإن الحماية القضائية تمنح لمركز قانوني معين نتيجة لدعوى ترفع إلى القضاء). ومن هنا فإن الحجية تقتصر على هذا المركز المحكوم فيه محدداً بالنظر إلى الدعوى، كما تقتصر على أطراف الدعوى الذين مثلوا أمام القضاء. وذلك كله على التفصيل التالي : - أولاً - الحجية للحكم القضائي الذي يفصل في دعوى قضائية : تكون حجية الأمر المقضي أثراً للحكم القضائي دون غيره من الأعمال القانونية. ولهذا من المسلم به أن العمل التشريعي أو العمل الإداري لا يرتبان هذه الحجية. وتثبت الحجية للحكم القضائي سواء كان حكماً وطنياً صدر من محكمة مصرية أو محكمة أجنبية. وتثبت الحجية للحكم الأجنبي ولو لم يصدر أمر بتنفيذه في مصر. ولهذا يمكن أن يحتج بالحكم الأجنبي أمام المحكمة المصرية ولو لم يصدر أمر بتنفيذه. على أنه يجب على المحكمة التي يحتج أمامها بالحكم الأجنبي أن تتحقق من صدوره من جهة ذات ولاية في اصداره وفقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي الواردة في قانون هذه الجهة عملاً بالمادة 22 مدنی مصرى، أو بحسب قواعد القانون الدولي الخاص في مصر، وأنه ليس فيه ما يخالف النظام العام المصري، وأنه لم يصدر في مصر حكم واجب النفاذ في نفس الموضوع وبين ذات الخصوم. ومن ناحية أخرى، فإن الحجية لا تكون للأعمال الولائية. وتكون الحجية للعمل القضائي سواء تضمن قضاء مدنياً أم قضاء جنائياً أو إدارياً. ويستوي أن يكون العمل صادراً من القضاء العام أو من محكمين، كما يستوي أن يكون القضاء العام قضاء عادياً أو قضاء إستثنائياً أو هيئة إدارية ذات اختصاص قضائي في حدود هذا الاختصاص. وقد استقر القضاء على أن الحجية لا تثبت للعمل القضائي إلا إذا صدر في حدود الولاية القضائية للجهة التي أصدرته. فالعمل الصادر من جهة قضاء خارج حدود ولايتها لا حجية له أمام الجهة صاحبة الولاية فيما فصل فيه هذا العمل. أما إذا صدر الحكم من جهة قضائية لها ولاية إصداره فإن الحكم يحوز الحجية ولو كان مخالفاً لقواعد الاختصاص. على أن الحجية لا تثبت لجميع الأعمال القضائية. فهي من ناحية لا تكون لأعمال التنفيذ الجبري رغم أنها أعمال قضائية، إذ هذه لا تحتوي على عنصر القرار. ومن ناحية أخرى فإنه بالنسبة لأعمال خصومة التحقيق لا تكون الحجية لجميع أعمال القاضي، وإنما تثبت فقط للعمل الذي يفصل في الدعوى القضائية. وهو ما تشير إليه المادة 101 من قانون الإثبات بنصها على أن الأحكام «تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق». ولهذا فإن ما يقرره القاضي بالنسبة لما يعرض – أثناء الخصومة - من مشاكل إجرائية أو موضوعية، سواء تعلقت بالواقع أو بالقانون، ليس له حجية الأمر المقضي. ذلك أن مثل هذه القرارات لا تفعل سوى التحضير للعمل القضائي الفاصل في الدعوى، فهي لا تمنح أية حماية قضائية. وهذه القرارات بعضها لا يلزم القاضي الذي أصدرها، فله أن يعدل عنها، كما أن له ألا ينفذها. وأن نفذها فلا يتقيد بنتيجتها عند الفصل في الدعوى. وهذه هي الأحكام المتعلقة بسير الخصومة مثل الحكم بوقف الخصومة أو بانقطاعها والأحكام المتعلقة بتحقيق الدعوى مثل الحكم بندب خبير أو بالانتقال للمعاينة أو إحالة الدعوى للتحقيق. وهذه لا خلاف في أنها لا تحوز حجية الأمر المقضي. ولكن هناك قرارات أخرى غير هذه لا تفصل في الدعوى ومع هذا تلزم القاضي الذي أصدرها فلا يجوز له العدول عنها من هذه الأحكام التي تفصل في المسائل الإجرائية كالحكم ببطلان صحيفة الدعوى أو برفض الدفع بالبطلان، والحكم بسقوط الخصومة أو برفض الدعوى بالسقوط، والحكم بعدم الاختصاص بالدعوى أو برفض الدفع بعدم الاختصاص، أو الحكم الصادر في مسألة موضوعية - سواء تعلقت بالواقع أو بالقانون - كانت محل نزاع بين الخصوم فحسمها القاضي بحكم قبل الفصل في الدعوى. كما هو الحال بالنسبة لتكييف العقد أو بتحديد القانون الواجب التطبيق على الوقائع. ويذهب الفقه التقليدي، يؤيده القضاء، إلى أن هذه الأحكام تحوز حجية الأمر المقضي. وذلك على أساس أنها تحسم النزاع في المسائل التي فصلت فيها. ويترتب على هذا أنه لا يجوز للمحكمة العدول عما قضت به فيها. وليس للخصوم بعد ذلك إثارتها من جديد. وهذه النتائج في ذاتها صحيحة ولكنها - في تقديرنا - لا ترتبط بحجية الأمر المقضي. وإنما ترتبط بنظام قانوني آخر هو استنفاد القاضي لسلطته. وهذا النظام يختلف - كما قدمنا - عن حجية الأمر المقضي. ولما كانت حجية الأمر المقضي تتعلق بالحماية القضائية، وكانت هذه القرارات لا تفصل في دعوى وبالتالي لا تمنح أية حماية قضائية، فإنه يجب القول أن نظام حجية الأمر المقضي لا ينطبق عليها. ويترتب على هذا نتيجة هامة وهي أن هذه القرارات لا يجوز المساس بها بالنسبة للخصومة التي صدرت فيها. ولكن ليس لها أية قوة خارج هذه الخصومة. وعلى هذا إذا أصدرت المحكمة حكماً في مسألة إجرائية كالحكم باختصاصها بالدعوى فلا يجوز لها أن تعدل عنه ولهذا فإنه يتعين عليها التصدي لنظر الدعوى. ولكن هذا الحكم لا يقيد أية محكمة أخرى تعرض عليها نفس الدعوى في خصومة أخرى. كذلك الأمر بالنسبة للحكم الصادر في مسألة موضوعية، قبل الفصل في الدعوى، فهذا الحكم لا يجوز المساس به في الخصومة التي صدر فيها أيا كانت درجة التقاضي التي صدر فيها، ولكنه لا حجية له خارج هذه الخصومة. ولهذا فإن الحكم بجواز الاثبات بالبينة يقيد القاضي الذي أصدره فليس له العدول عنه ولا يجوز اثارة هذه المسألة مرة أخرى أمامه أو أمام أي قاض آخر في نفس الخصومة إلا وفقاً لطرق الطعن التي ينص عليها القانون. ولكن هذا الحكم لا يحوز حجية خارج الخصومة التي صدر فيها. وتثبت الحجية للحكم الفاصل في الدعوى بمجرد صدوره، ولو كان قابلاً للطعن عليه بالاستئناف. على أن قضاء النقض في مصر قد استقر على أن هذه الحجية تقف بمجرد رفع الاستئناف عن الحكم. ليس فقط بالنسبة لما قضى به لغير صالح المستأنف ورفع عنه الاستئناف ولكن أيضاً بالنسبة لما تضمنته أسباب الحكم المستأنف من رفض لدفع أو دفاع المستأنف ضده أغناه صدور حكم لصالحه فى الدعوى عن استئنافه، ولم يتنازل عنه صراحة أو ضمناً. حجية الحكم في المسائل الأولية : قد تثار أمام القاضي قبل الفصل في دعوى مسألة أولية، أي مسألة محل نزاع يعتبر الفصل فيها لازماً لإمكان الفصل في الدعوى. ولأن الفصل في هذه المسألة لا يعتبر فصلاً في الدعوى، فإن الحكم الصادر فيها لا يحوز حجية الأمر المقضي. فهو حكم تنحصر فاعليته داخل الخصومة التي يصدر فيها، ويمكن المناقشة فيما فصل فيه من جديد في خصومة ثانية. على أن المسألة الأولية قد تصلح في ذاتها محلاً لدعوى تقريرية، وعندئذ فإن إثارتها كمسألة أولية في الخصومة لا يخفى طبيعتها فتعتبر دعوى تقريرية فرعية، ويكون الحكم الصادر فيها – وأن فصل في مسألة أولية - حكماً فاصلاً في دعوى وبالتالي حائزاً لحجية الأمر المقضي. فإذا كانت هذه المسألة الأولية مسألة أساسية يترتب على ثبوتها أو عدم ثبوتها ثبوت الحق المطلوب في الدعوى أو انتفاؤه، فإن حجية الأمر المقضي لا تكون فقط بالنسبة لهذه المسألة الأساسية، وإنما أيضاً بالنسبة لأي حق آخر متوقف ثبوته أو إنتفاؤه على ثبوت تلك المسألة السابق الفصل فيها بين الخصوم أنفسهم أو على إنتفائها وتطبيقاً لهذا قضى بأنه إذا حكم بأحقية العامل إعانة الغلاء عن مدة معينة. فإن هذا الحكم تكون له حجية بالنسبة المسألة أولية أساسية هي أن أجر العامل أجر أساسي لا يشمل إعانة غلاء المعيشة وأنه يستحق إعانة غلاء المعيشة فلا يجوز لحكم تال أن يناقض هذه الحجية بالنسبة لإستحقاق هذا العامل إعانة غلاء معيشة عن مدة عمل لاحقة على المدة التي شملها الحكم السابق. كما حكم بأن ثبوت ملكية المتقاسمين للمال الشائع يعتبر مسألة أولية في الحكم الصادر بالقسمة بينهم عيناً أو بطريق التصفية، فيحوز الحجية ولا يجوز لهم من بعده أن يتنازعوا في تلك الملكية أساساً أو مقدار. وتكون المشكلة الآن هي تحديد متى تعتبر المسألة الأولية محلاً لدعوى تقريرية فرعية، ومتى لا تعتبر كذلك. وقد سبق الإجابة على هذا التساؤل عند دراسة الدعوى التقريرية، فلا يصلح محلاً للدعوى مجرد تقرير واقعة قانونية إلا إذا نص القانون على ذلك، كما هو الحال بالنسبة لدعوى تحقيق الخطوط أو دعوى التزوير. ولهذا فإنه إذا حدث التمسك بتحقيق الخطوط أو حدث الإدعاء بالتزوير كطلب عارض أثناء خصومة، فإن حكم القاضي فيه يعتبر فصلاً في دعوى تقريرية يحوز الحجية. ويأخذ حكم الواقعة القانونية الصفات المتصلة بشخص أو بشيء أو بعمل، ومن هذه تحديد سن الشخص أو تحديد صفته كتاجر. كذلك وصف الشيء بأنه منقول أو عقار، قابل للقسمة أو غير قابل لها. وأيضاً صفة العمل كعمل تجاري أو مدني. فإذا أثيرت هذه المسائل في خصومة أخرى، فإن الحكم الذي فصل فيها كمسألة أولية في خصومة سابقة لا يحوز الحجية في الخصومة الجديدة. وعلى العكس، يكون للحكم الصادر في المسألة الأولية حجية الأمر المقضي إذا تعلقت المسألة بمركز قانوني بالمعنى الواسع كما هو الحال بالنسبة للجنسية أو بمركز الشخص في الأسرة. أو تعلقت برابطة قانونية تكون الدعوى متعلقة بحق ناشیء عنها، كما لو رفعت للمطالبة بالتزام معين فأثيرت كمسألة أولية صحة العقد المولد للإلتزام. أو تعلقت برابطة قانونية يعتبر وجودها شرطاً لوجود الرابطة محل الدعوى. كما لو رفعت دعوى بشأن صحة إيجار من الباطن إذ هذا الايجار يفترض صحة الايجار الأصلي، أو يعتبر وجودها غير متصور مع وجود الرابطة محل الدعوى. وعلى العكس، فإنه إذا كان الفصل في الدعوى لا يفترض الفصل في المسألة الأولية أولاً، فإن قرار المحكمة بشأنها لا يحوز الحجية. وتطبيقاً لهذا حكم بأنه لما كان القانون لا يشترط في المؤجر أن يكون مالكاً، فإنه إذا رفعت دعوى للمطالبة بأجرة عقار فدافع المدعى عليه بأنه هو مالك العقار وليس المدعي، فإن بحث ملكية العين المؤجرة لا يعد مسألة أساسية يجب على المحكمة حسمها قبل الفصل في المنازعة، ولا يكون لبحث الملكية من المحكمة حجية الأمر المقضي. على أنه يلاحظ أن الحكم في مسألة أولية مما تصلح محلاً لدعوى تقريرية لا يعتبر فصلاً في دعوى، وبالتالي لا يحوز حجية الأمر المقضي، إلا إذا كانت هذه المسألة قد أثيرت أمام القاضي من أحد الخصوم. فإذا لم تكن قد أثيرت أمام القاضي، فإن الحكم الفاصل في الدعوى الأصلية - وإن فصل ضمناً في المسألة الأولية كمسألة لازمة للفصل في الدعوى - لا يحوز الحجية. ولهذا إذا رفع شخص دعوى ريع. ولم يثر نزاع على الملكية فإن الحكم في دعوى الريع لا يمنع من نظر دعوى الملكية بعد ذلك. حجية الحكم الضمني : أثارت مشكلة حجية الحكم الضمني خلافاً في القضاء والفقه. لاشك أن المحكمة تستطيع أن تعبر عن قرارها بالنسبة لغير الفصل في الدعوى الأصلية صراحة أو ضمناً. فالمحكمة عندما تصدر حكماً في موضوع الدعوى تحكم بهذا ضمناً بأنها مختصة بالدعوى، كما تحكم ضمناً بأن صحيفة الدعوى صحيحة. كذلك إذا عرضت على المحكمة دعويان إحداهما لا تقوم إلا بفرض قبول الأخرى، فإن الحكم في هذه الأخيرة برفضها يعتبر حكماً ضمنياً بأنه لا محل للدعوى الأولى. وتطبيقاً لهذا حكم بأن رفض الدعوى الأصلية بالمسئولية يعتبر حكماً ضمنياً فاصلاً في دعوى الضمان الفرعية المرفوعة من المدعى عليه في الدعوى الأصلية بأنه لا محل لها. وإنما المشكلة يمكن حصرها في أمرين : الأول : متى يوجد حكم ضمني بالنسبة لمسألة معينة ؟ يمكن القول إن الحكم الصريح للمحكمة يعتبر أنه فصل ضمناً في كل مسألة يفرضها حتماً القرار الذي يشتمل عليه الحكم. كذلك يعتبر الحكم قراراً ضمنياً بكل ما يعتبر نتيجة ملازمة للقرار الصريح. وتطبيقاً لهذا فإن الحكم في موضوع الطعن يتضمن قضاء ضمنياً بقبول الطعن شكلاً ولو لم يرد له ذكر في عباراته. وإذا قضى الحكم برفض دعوى صحة التعاقد لأن المدعي لم ينفذ إلتزامه بدفع الثمن، فإن هذا القضاء يتضمن بطريق اللزوم الحتمي أن الإلتزام بدفع الثمن قائم ولم ينقض. وإذا قضى بأحقية البائع في باقي الثمن وإلزام المشتري بأدائه فإن هذا يتضمن حتماً أن المشترى لا يحق له حبس المبيع. وإذا قضى الحكم للورثة ببطلان عقد البيع المسجل الصادر من المورث بعد تسجيل طلب الحجر، فإن هذا الحكم يتضمن حتماً قضاء باستحقاقهم ملكية المبيع دون المشتري وعدم أحقيته فيها. فإذا لم تكن «المسألة» مفترضة بالنسبة للقرار الصريح أو نتيجة ملازمة له، فلا يعتبر أنه قد فصل فيها ضمناً. وتطبيقاً لهذا حكم بأنه إذا طعن في عقد بيع بالبطلان لانعدام أهلية المشتري، فأثار المدعى عليه أن التصرف يخفي وصية. فقضت المحكمة بصحة العقد دون أن تتعرض لمسألة إخفائه وصية، فإن هذا الحكم لا يعتبر حكماً ضمنياً في هذه المسألة، لأن الطعن في التصرفات بأنها تخفي وصية لا يتعارض مع الحكم بصدور العقد من ذي أهلية، بل أن الطعن بالوصية يفترض صدور التصرف من ذي أهلية. كما حكم بأن رفض محكمة الطعن لطلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه دون إشارة إلى شكل الطعن لا يعتبر حكماً ضمنياً بقبول الطعن شكلاً، ما دامت المحكمة قد قررت صراحة إرجاء الحكم في الشكل إلى حين الفصل فيما أثير حول صدور الحكم المطعون فيه بناء على غش من الخصوم. الثاني : هل يجوز الحكم الضمنى حجية الأمر المقضي ؟ وحل هذا الأمر يكون بالنظر لما إذا كان هذا الحكم قد فصل في دعوى أم لا. فإذا كانت هناك دعوى أمام المحكمة، فإن فصلها في هذه الدعوى يحوز الحجية، ولو كان قراراً ضمنياً. ولا يشترط أن يكون رفع الدعوى صريحاً. فقد يرفع المدعي دعوى أمام المحكمة، فيعرض على المحكمة صراحة حقه الذي يطالب به ويعرض ضمناً الرابطة القانونية المركبة مصدر هذا الحق فتكون هذه الرابطة - بصورة ضمنية - محلاً للدعوى. وبالتالى يحوز الحكم الضمني الصادر بشأنها حجية الأمر المقضي. وتعتبر المطالبة بحق مطالبة ضمنية بتأكيد الرابطة مصدر هذا الحق إذا كان هذا الحق هو الحق الرئيسي أو الأساسي الذي تولده الرابطة. وهكذا مثلاً فإن الحكم في دعوى موضوعية بتسليم العين المؤجرة إلى المستأجر يحوز الحجية بشأن صحة العقد، والحكم في دعوى الإلزام بدین معين يحوز الحجية بشأن تقرير صحة الرابطة مصدر هذا الدين. فإذا لم يكن الحكم الضمني فاصلاً في دعوى، فإن هذا الحكم لا يحوز الحجية، شأنه في هذا شأن الحكم الصريح. حجية الحكم الوقتي : يذهب البعض إلى أن الأحكام الوقتية (المستعجلة) لا حجية لها وذلك على أساس أنها لا تقيد قاضي الموضوع. والصحيح - في رأينا - أن هذه الأحكام تحوز حجية الأمر المقضي بالمعنى الفني الدقيق ذلك أن الحكم الوقتي يمنح حماية قضائية. حقيقة أن هذه الحماية مؤقتة، ولكن توقيتها إلى حين الحصول على الحماية النهائية لا يمنع من كونها حماية قضائية. وإذا كان الحكم الوقتى لا يقيد محكمة الموضوع إذ لا حجية له بالنسبة لثبوت الحق الموضوعي أو نفيه. فمراد هذا ليس عدم حيازة الحكم الوقتي للحجية، وإنما مرده أن الدعوى الموضوعية تختلف عن الدعوى الوقتية التي صدر فيها الحكم الوقتي. على أنه يلاحظ أن الدعوى الوقتية تحتوي بطبيعتها على عنصر الإحتمال، سواء بالنسبة للحق أو المركز القانوني أو بالنسبة للإعتداء الواقع عليه. وعندما يفصل القاضي في الدعوى الوقتية فإنه يصدر قراره إلا علي أساس وجود الحق أو الإعتداء، وإنما على أساس إحتمال هذا الوجود. وهو في هذا يقرر على أساس الظروف الحالية القائمة عند نظره الدعوى. فإذا تغيرت هذه الظروف فإن تقديره بالضرورة يكون قابلاً للتغير. وعلى هذا فتغير الظروف قد يقتضي تغيراً في التقدير. ولهذه الطبيعة الخاصة للحكم الوقتى، فإن من المقرر أن حجية الحكم الوقتي لا تمنع - عند تغير الظروف - من إمكان إصدار حكم وقتی مختلف يجابه الظروف الجديدة. وليس معنى هذا عدم حيازة الحكم الوقتي لحجية الأمر المقضي، ولكن معناه أن الحماية القضائية التي يمنحها الحكم الوقتي، لأنه يمنحها لمواجهة ظروف وقتية، فإن هذه الحماية لا يلزم - من الناحية الإجتماعية - استقرارها إذا تغيرت الظروف. فإذا لم تتغير الظروف التي صدر فيها الحكم الوقتى، فلا يجوز «إثارة النزاع الذي فصل فيه القاضي المستعجل من جديد». فيكون للحكم الوقتی حجية الأمر المقضي إلا إذا تغيرت أشخاص الدعوى أو سببها أو موضوعها. ثانياً : الحجية لمنطوق العمل القضائي : يشتمل العمل القضائي الذي يفصل في دعوى على عناصر ثلاثة : المنطوق وهو القرار الذي يصدره القاضي في الدعوى أو في جزء منها، والأسباب وهي ما يستند إليه هذا القرار : والوقائع وهي تسجيل لوقائع الخصومة : المدعى والمدعى عليه ومن يمثلهما وما قدم من طلبات أو دفوع أو أدلة إثبات وما مرت عليها الخصومة من مراحل، إلى غير ذلك مما حدث من وقائع أثناء الخصومة. ومن المقرر أن حجية الأمر المقضي تكون للمنطوق دون غيره من العناصر. وعلة هذا واضحة، فهذا الجزء وحده هو الذي يتضمن قرار القاضي بمنح الحماية القضائية. على أنه يجب أن يلاحظ أن المسألة يجب ألا تؤخذ من ناحية شكلية. فقد تشتمل الأسباب بسبب عدم دقة الصياغة أو بسبب تعدد الطلبات المرتبطة بعضها ببعض على قرار، وعندئذ نكون بصدد أمر مقضى وإن ورد في الأسباب. ويكون لهذا الأمر حجية الأمر المقضي. ومن ناحية أخرى، فإن المقصود بالمنطوق قد لا يتضح إلا بالرجوع إلى الأسباب، وعندئذ تكون الحجية للمنطوق بالتحديد الذي يتضح من الأسباب إذ تكون هذه الأسباب مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالمنطوق». كذلك الأمر بالنسبة للوقائع، فهذه الوقائع لا حجية لها. ولكن هذه الوقائع تحتوي على تحديد عناصر الدعوى وما قدم في القضية من طلبات ودفوع، ولهذا قد يلزم الرجوع إليها لتكملة المنطوق، فتعتبر حجية الأمر المقضي للمنطوق على النحو الذي بينته الوقائع. ومثال هذا أن يقضي بما طلبه المدعى دون تحديد فيرجع إلى صحيفة الدعوى لتحديد المطلوب. ثالثاً : الحجية تقتصر على الشيء المقضي فيه : تتحدد حجية الأمر المقضي بالمركز القانوني الذي أكده القرار، أي بالشيء المقضي فيه. ويتحدد الشيء المقضي فيه موضوعياً بعنصري المحل والسبب في الدعوى. فإذا كان محل الدعوى أو سببها في الخصومة الجديدة مختلفاً عن محلها أو سببها في الدعوى التي سبق القضاء فيها في الخصومة السابقة، فلا حجية لهذا القضاء في الخصومة الجديدة. وتعبر المادة 101 من قانون الإثبات عن ذلك بقولها «ولا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع. تعلق بذات الحق محلاً وسبباً». والعبرة ليست فقط بعنصري الدعوى السابقة. فيشترط أن تكون هذه الدعوى محلاً للقرار السابق. وبعبارة أخرى لمحكمة النقض «يكون الأمر كذلك إذا كان الحكم السابق صادراً في نزاع يتحد مع النزاع اللاحق محلاً وسبباً. ويكون المحل متحداً إذا كان الحكم الثاني - إذا ما صدر - مؤيداً للحكم السابق أو مثبتاً لحق نفاه أو نافياً لحق أثبته. كما يكون السبب متحداً إذا ثبت أن الخصم تمسك به صراحة أو ضمناً في النزاع السابق وفصلت فيه المحكمة صراحة أو ضمناً بالقبول أو بالرفض». فما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم حائز لحجية الأمر المقضي. ويثير هذا الشرط بعض المشاكل أهمها : (أ) الأصل أن إختلاف أي من العنصرين بين الدعوى التي فصل فيها الحكم والدعوى الجديدة يعني أن الدعوى ليست واحدة، وبالتالي لا يجوز التمسك بالحجية كأثر للحكم السابق. لكن هناك بعض الدعاوى - كما قدمنا - لا أهمية لعنصر السبب بالنسبة لها. وهذه هي دعاوى التقرير السلبية، کدعوى براءة الذمة. ولهذا فإنه أياً كان السبب في الدعوى الجديدة، ومهما اختلف عن سبب الدعوى التي فصل فيها الحكم، فإن الدعوى الجديدة لا تقبل. على أنه يشترط عندئذ أن يكون السبب في الطلب الجديد مرتبطة بوقائع كانت موجودة عند صدور الحكم، وليس بوقائع حدثت بعد الحكم. فإذا كان السبب هو وقائع حدثت بعد صدور الحكم، فإن الحكم السابق لا تكون له حجية بالنسبة له. وتطبيقاً لهذا إذا حكم في دعوى براءة ذمة من دين معين لانقضائه بالوفاء بأن الدين موجود، فلا يجوز التمسك بعد صدور الحكم بأن الدين قد انقضى قبل صدور الحكم بالتقادم، إذ الحكم يؤكد أن الدين قائم عند صدوره. وعلى العكس، يمكن التمسك بأن الدين انقضى بعد صدور الحكم بالوفاء أو بالتقادم. فمثل هذا السبب الطارئ لا يكون للحكم السابق حجية بالنسبة له. (ب) قد يحدث ألا يكون هناك تطابق بين الطلب وبين مضمون الحكم. ويكون هذا إذا قضى الحكم في أقل من المطلوب أو في أكثر منه. وفي هذا الصدد يجب إجراء التفرقة التالية : 1- إذا كان الطلب واحداً ولكنه يحتوي على أكثر من عنصر، ولم يأخذ الحكم في اعتباره جميع العناصر المكونة للطلب، فعندئذ يكون للحكم حجيته حتى بالنسبة لعناصر الطلب التي لم يبحثها. 2- إذا تعددت الطلبات، وأغفل القاضي الفصل في إحداها. الرأي الراجح أن الحكم لا يحوز الحجية إلا بالنسبة للطلبات التي فصل فيها، أما بالنسبة للطلب الذي لم يفصل فيه فلا حجية للحكم بشأنه. ولهذا يمكن تقديم نفس الدعوى التي تضمنها هذا الطلب مرة أخرى. وعلة هذا أنه يلزم للكلام عن الحجية أن يوجد حكم قضائي، وبالنسبة للطلب الذي أغفل الفصل فيه لم يصدر أي حكم. وهذا الرأي هو الذي قننته صراحة المادة 193 مرافعات مصری. 3- إذا حكم القاضي في أكثر من المطلوب، بأن حكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه. فعندئذ يعتبر هذا الحكم معيباً، ولكنه يحوز حجية الأمر المقضي. وتظل له حجيته حتى يلغي. - رابعاً - الحجية تقتصر على أطراف الخصومة التي فصل فيها الحكم: لأن الحجية تقتصر على التقرير الذي يتضمنه الحكم بالنظر إلى الدعوى التي صدر فيها، فإن حجية الأمر المقضي لها نطاق شخصی. فالحكم له حجية فقط بين أطراف المركز الموضوعي الذي تحميه الدعوى على النحو الذي عرضت به في الخصومة. فمن ناحية، لا يهم فى تحديد النطاق الشخصي للحجية من يقوم بنشاط في الخصومة إذا لم يكن طرفاً في المركز القانوني المشار إليه كمحل للحماية بواسطة الدعوى، ذلك أن هذا الطرف هو وحده الذي يكون الحكم الصادر في الدعوى صالحاً لإنتاج آثار قانونية تتعلق بمركزه القانوني. ومن ناحية أخرى لا يكفي أن تكون الدعوى متعلقة بمركز قانونی لشخص حتى يكون الحكم الصادر فيها حجة في مواجهته. فمن يعتبر طرفاً في مركز قانونی محل نزاع أمام القضاء لا يكون الحكم حجة في مواجهته مادام ليس طرفاً في الخصومة التي صدر فيها هذا الحكم. ذلك أن الحجية إنما تكون للحكم الفاصل في الدعوى كما عرضت على القضاء، أي في نطاق الخصومة التي صدر فيها. ولأن العبرة بأطراف الدعوى المعينة التي صدر فيها. الحكم، فمن المقرر أنه إذا اشتملت الخصومة الواحدة على دعويين، فإن الحكم الصادر في الدعوى الأولى لا يكون حجة في مواجهة من ليس طرفاً فيها، ولو كان قد اختصم في الدعوى الثانية؛ وبالتالي كان طرفاً في نفس الخصومة التي صدر فيها الحكم في الدعوى الأولى. وعادة أطراف الدعوى هم أنفسهم أطراف المركز القانوني محل التقرير، فإذا إختلفوا فإن الحجية تكون فقط في مواجهة أطراف الدعوى دون أطراف المركز القانوني. فإذا رفع دائن دعوى ضد مدينه، فإن الحكم بقبول هذه الدعوى يقرر حق الدائن في مواجهة المدين. ويكون لهذا الحكم حجية في مواجهة المدعى والمدعى عليه. وهما أنفسهما طرفا الحق محل التأكيد (الدائن والمدين). أما إذا رفع شخص دعوى إستحقاق في مواجهة المغتصب، وصدر حكم بقبول الدعوى، فإن هذا الحكم يقرر للمدعي حق الملكية. وهو حق يوجد في مواجهة الجميع. ولكن الحجية لا تكون في مواجهة الجميع، وإنما فقط في مواجهة طرفي الدعوى. وعلة هذا أن الحماية القضائية إنما تمنح نتيجة للدعوى ويتحدد نطاقها بحدود هذه الدعوى التي فصل فيها الحكم. وتكون الحجية في مواجهة أطراف الخصومة، دون ممثليهم فيها. فإذا كان أحد الخصوم ممثلاً في الخصومة بشخص آخر، فلا يحتج في مواجهة هذا الممثل القانوني بالحكم ذلك أنه لا يعتبر طرفاً في الخصومة بالمعنى الصحيح. وعلى هذا إذا رفع الوصی دعوى ملكية نيابة عن القاصر، ورفضت الدعوى، فإن هذا الحكم لا يمنع الوصي من أن يرفع دعوى الملكية على المدعى عليه في الدعوى الأولى مطالبة بالملكية لنفسه. ومن ناحية أخرى، فإن الحجية تثبت في مواجهة أطراف الخصومة، ولو اختلف شخص من يمثلهم فيها. فالحكم الصادر ضد قاصر يمثله وليه أو وصية يكون حجة على القاصر في خصومة تالية ولو كان القاصر قد بلغ سن الرشد وكان ماثلاً بنفسه فيها. كذلك إذا صدر حكم ضد شخص ثم توفي، فإن الحكم يكون حجة فى مواجهة الحارس على تركته الذي اختصم في الخصومة الجديدة بهذه الصفة. وتنص المادة 101 من قانون الإثبات المصري على هذا التحديد لحجية الأمر المقضي، إذ تقضي بأنه «لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم». وفضلاً عن أطراف الخصومة، من المقرر أن الحجية تمتد إلى خلفائهم سواء كان الخلف خلفاً عاماً أم خلفاً خاصاً، وتشير إلى هذا صراحة المادة 2909 مدني إيطالي، ولكن المبدأ مسلم دون حاجة إلى نص. ويلاحظ أن الخلافة - عامة أو خاصة - لا ترد على الحجية وحدها، وإنما هي ترد على المركز القانوني الذي تتعلق به (في جانبيه الإيجابي والسلبي الدعوى التي صدر فيها الحكم. ونتيجة لهذا فإن الحجية إنما تكون في مواجهة الخلفاء في الدعوى محل الخصومة. فإذا حصلت الخلافة الخاصة قبل بدء الخصومة، فإن الحكم الصادر في مواجهة الطرفين لا يكون حجة في مواجهة هذا الخلف. وعلى العكس، يكون الحكم حجة إذا كان التصرف قد حدث أثناء الخصومة أو بعد صدور الحكم فيها. وإذا كانت العين محل الخلافة عقاراً فإنه يجب للاحتجاج بالحكم في مواجهة الخلف الخاص أن تكون صحيفة الدعوى قد سجلت قبل تسجيل التصرف إلى الخلف. فإذا لم تكن مسجلة قبله، أو لم تكن مسجلة على الإطلاق، فإن الحكم لا يحتج به على الخلف الخاص ولو صدر بعد تسجيل التصرف. ولهذا فإن الحكم الذي يصدر ضد البائع بإعتباره مالكاً للعين المبيعة يكون حجة على المشتري الذي لم يكن قد سجل عقد شرائه قبل صدوره، وذلك تأسيساً على إعتبار المشتري ممثلاً في شخص البائع له في تلك الدعوى وإعتباره خلفاً خاصاً له ولا عبرة بحسن أو بسوء نية المشتري. أما إذا كان المشتري قد سجل عقد شرائه قبل صدور الحكم فإن الملكية تكون قد إنتقلت إليه بالتسجيل، ولا يكون المشتري خلفاً للبائع في هذا الحكم. وفيما عدا طرفي الدعوى المحكوم فيها وخلفائهما، لا حجية للحكم القضائي. فالحجية لا تسري في مواجهة الغير. وهذا المبدأ مقرر منذ القانون الروماني. فليس لغير أطراف الدعوى التي صدر فيها الحكم التمسك بالحكم لمصلحته، كما أنه لا يجوز التمسك به ضده. فإن حدث التمسك بالقضاء إضراراً بأحد من الغير كان لهذا الأخير الدفع بنسبية الأحكام، أي الدفع بأن حجية القضاء لا تسري في مواجهته لأنه من الغير. ولا تكون للحكم حجية بالنسبة للغير ولو كانت المسألة المقضي فيها مسألة كلية شاملة أو مسألة أصلية أساسية، فالحكم بالنسبة لهذه المسألة لا حجية له إلا بين الخصوم أنفسهم. كما أن الحكم لا تكون له حجية في مواجهة الغير، ولو كان صادراً في موضوع غير قابل للتجزئة. على أنه يلاحظ أن القول بعدم سريان الحجية بالنسبة للغير لا يعني عدم إحترام القضاء منه. فالقضاء يجب احترامه من الجميع، بمعنى أن الجميع ملزمون بأن يسلكوا على أساس وجود هذا القضاء ولو أصابهم ضرر واقعی منه، ومن حقهم أيضاً أن يبنوا تصرفاتهم على أساس وجوده بالنسبة للمركز القانوني الذي قرره بين أطراف الدعوى التي صدر فيها. وهكذا إذا صدر حكم في دعوى ملكية بين (أ) و(ب) مقرراً أن (أ) هو مالك العقار، فإن مستأجر العقار ملزم بإحترام هذا القضاء، ومن حقه أن يستند إليه. فعليه أن يدفع أجرة العقار إلى (أ) وتبرأ ذمته بهذا الدفع ولو كان قد استأجر العقار من (ب). على أن هذا الإحترام لا يعني أن لهذا القضاء حجية في مواجهة المستأجر. فهذا الأخير من الغير. ولهذا يستطيع هو رغم صدور الحكم - أن يرفع دعوى على (أ) للمطالبة بالملكية لنفسه. ومن ناحية أخرى، فإن من الغير من يعتبر الحكم حجة في مواجهته، فالواقع أن الغير بالنسبة للحجية ينقسم إلى ثلاثة أنواع : (أ) فهناك غير لا يحتج بالحجية في مواجهته. وهو من لا يهمه التقرير القضائي على الإطلاق. فإذا حصل (أ) على حكم بالملكية في مواجهة (ب)، فإن (ج) الذي لا تربطه علاقة قانونية بأيهما تتأثر بهذا الحكم، لا يمسه الحكم، ويستطيع أن يدعى الملكية لنفسه. (ب) وهناك غير تمتد إليه حجية الأمر المقضي، ويحدث هذا إذا كانت هناك رابطة قانونية أو مركز قانونی متعدد الأطراف، لكل طرف أن يرفع الدعوى بشأنه، ولكن إذا رفعت الدعوى من أحدهم وفصل فيها لم يجز رفعها مرة أخرى من الأطراف الآخرين؛ ومن هذه دعوی شهر إفلاس التاجر، إذ يجوز لكل دائن للمدين المفلس أن يرفع هذه الدعوى، فإذا رفعت الدعوى من أحد الدائنين وفصل فيها بحكم قضى بشهر إفلاس المدين، فإنه يمتنع على أي دائن آخر رفع دعوى جديدة بشهر إفلاسه. كذلك الأمر بالنسبة لدعوى الحسبة، فالحكم الصادر فيها يمنع من رفع نفس الدعوى مرة أخرى. ومن أمثلتها أيضاً الدعوى التي تكون للدائنين المتضامنين أو ضد المدينين المتضامنين، ففي هذه الحالة إذا إنتهت الدعوى لصالح المدعى فلا يجوز لغيره ممن لم يشترك في الدعوى أن يرفعها. كما يحدث أيضاً إذا كان الغير في مركز قانوني يعتمد على المركز الذي قرره الحكم القضائي؛ وذلك كما في حالة الكفيل الذي تمتد إليه حجية الحكم الصادر في مواجهة المدين بالنسبة لتقرير وجود الدين؛ وحالة المستأجر من الباطن بالنسبة للحكم الصادر ببطلان عقد الإيجار الأصلي. (ج) وهناك غير وإن لم تمتد إليه الحجية، إلا أنه يتأثر بهذه الحجية من الناحية الفعلية. فيصيبه ما يمكن تسميته بالأثر الإنعكاسي لحجية الأمر المقضي. ومن هؤلاء دائنو المحكوم عليه. فإذا صدر حكم بملكية (أ) لشيء معين في مواجهة (ب)، فإن دائني (أ) يستطيعون التنفيذ عليه. وقد ثار الخلاف حول الحكم الصادر بشأن حالة الشخص. فإذا صدر حكم يقرر الأبوة أو البنوة أو رابطة الزوجية أو يفسخ هذه الرابطة، أو صدر حكم يقرر جنسية معينة لشخص. في جميع هذه الحالات تتقرر حالة للشخص، وهذه الحالة لا يمكن إلا أن يعترف بها من الجميع. وقد قيل أن الأحكام التي تتعلق بحالة الشخص لها حجية مطلقة. ذلك أن الشخص لا يمكن أن يعتبر زوجاً وغير زوج، مصري وغير مصري. وقيل بوجوب التفرقة في هذا الشأن بين الأحكام المقررة للحالة المدنية والأحكام المنشئة لهذه الحالة. فالحكم المنشيء كالحكم بالطلاق أو بإبطال الزواج له حجية مطلقة، أما الحكم المقرر فحجيته نسبية. والصحيح أن هذه الأحكام - سواء كانت مقررة أو منشئة - لها حجية نسبية. حقيقة أن الحالة المدنية بالنظر إليها في ذاتها لا يمكن أن تكون إلا مطلقة. ولكن هذه الحالة تعتبر مركزاً قانونياً يهم بصفة أساسية أشخاصاً معينين. فحالة الزوجية تهم الزوج والزوجة، وحالة الأبوة الشرعية تهم الولد والوالدين. فإذا رفعت الدعوى، وحصل التأكيد القانوني في مواجهة هؤلاء، فإن الحجية تتكون في مواجهتهم دون غيرهم. أما الآخرون فإنهم يجب عليهم احترام الحالة التي تقررت فهم يتأثرون بهذا التقرير من الناحية الفعلية. أي يتأثرون بالتقرير كواقعة حدثت. دون أن يعني هذا إمتداد الحجية إليهم. ولهذا إذا صدر حكم يقرر الأبوة الشرعية، فإنه يجوز لولد أخر لم يكن طرفاً في الخصومة أن يرفع الدعوى منكراً هذه الصفة على أساس أن هذا التقرير فيه إعتداء على مركزه القانوني كوارث. تكييف حجية الأمر المقضي : وفقاً لنص المادة 405 مدنی مصری، تعتبر حجية الأمر المقضي قرينة قانونية، إذ يذكر النص صراحة أنه «لا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة»، وأنه «لا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها». كما أن النص نفسه قد ورد في المجموعة المدنية ضمن النصوص الخاصة بالقرائن القانونية. وهذا التكييف لحجية الأمر المقضي هو نفس التكييف الذي أخذ به القانون الفرنسي بإيراده النص على حجية الأمر المقضي في المادة 305 مدنی ضمن النصوص الخاصة بالإثبات بالقرائن القانونية. والواقع أن القول بأن حجية الأمر المقضي تعتبر قرينة قانونية يعني النظر إليها كأحد أدلة الإثبات. فهي دليل إثبات على ما قضى به الحكم، وهذا التصوير للحجية لا يمكن التسليم به. فمن ناحية، دليل الإثبات يهدف بحكم وظيفته إلى تكوين إقتناع القاضي حول وجود واقعة معينة، أما الحجية فهي لا تسعى لإقناع القاضي بأية واقعة، وإنما ترمي - بالنسبة للقاضي - إلى الزامه باحترام الحكم السابق صدوره في الدعوى. ومن ناحية أخرى فإن دليل الإثبات ينصب بطبيعته على وقائع معينة، أما حجية الأمر المقضي فإنها لا تتعلق بالوقائع التي أثبتها الحكم وإنما تتعلق بما يتضمنه من تقرير. وأخيراً فلأن دليل الإثبات يرمي إلى تكوين إقتناع القاضي، فإنه يقبل دائماً الدحض بدلیل عكسي. وهذا لا ينطبق على حجية الأمر المقضي، فهذه الحجية لا تقبل الدحض بأي دليل ولو كان الإقرار أو اليمين الحاسمة، ولا يقال إن حجية الأمر المقضي قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس. فهذا القول في الواقع يعني أن الأمر لا يتعلق بدليل إثبات، وبالتالي لا يتعلق بقرينة قانونية وإنما بقاعدة قانونية موضوعية. والواقع أن إعتبار حجية الأمر المقضي قرينة قانونية يقوم على نظرية معينة حول أساس الحجية مفادها أن الحجية أساسها أن الحكم القضائي يعتبر فيما يقرره عنواناً على الحقيقة. وقد رأينا خطأ هذا الأساس. والخلاصة أن حجية الأمر المقضي لا تعتبر قرينة قانونية، وبالتالي لا تعتبر دليل إثبات، وإنما هي قاعدة موضوعية يقررها القانون للحماية القضائية التي يمنحها الحكم القضائي. وهذا الإتجاه الصحيح هو الذي تبناه قانون الإثبات المصرى الجديد. فقد حرص هذا القانون على التمييز بين القرائن وحجية الأمر المقضي. ففي الباب الرابع تحت عنوان «القرائن وحجية الأمر المقضي»، خصص الفصل الأول للقرائن، والفصل الثاني لحجية الأمر المقضي. وفي المادة 101 منه، نص على أنه «... ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية» مستبدلاً كلمة الحجية بكلمة «القرينة» التي كانت تحتوي عليها المادة 405 مدنی. تعلق حجية الأمر المقضي بالنظام العام : تنص المادة 405 مدني مصري على أنه «لا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة (حجية الأمر المقضي) من تلقاء نفسها»، ومعنى هذا أن حجية الأمر المقضي كانت - في تصور المشرع المصري - لا تتعلق بالنظام العام. وهذا أيضاً ما كان يسلم به غالبية الفقه، والقضاء في مصر. ولا يزال مسلماً به في فرنسا. وهذا الرأي يقوم على فكرة اعتبار الحجية قرينة قانونية أي دليل إثبات على الحق الموضوعي. وكما أن للشخص أن ينزل عن حقه، فإن له أن ينزل عن الحجية بإعتبارها دليلاً على إثبات هذا الحق. ويضيف البعض أنه لا خوف من هذا النزول على النظام العام. من ناحية، لأن الاستقرار يتأكد بإتفاق الخصوم اللاحق للحكم الذي يرتضونه؛ ومن ناحية أخرى، لأن الأطراف ليس لهم النزول عن الحجية إذا تعلق الأمر بمركز قانوني ليس لهم تعديله أو بحق ليس لهم التصرف فيه. وقد رأينا فساد تصوير الحجية كقرينة قانونية. والواقع أن الحجية التي يقررها القانون للأمر المقضي لم تقرر لصالح الخصوم، وإنما هي مقررة للصالح العام الذي يدعو إلى استقرار الحماية القضائية التي يمنحها القضاء، وهذا الصالح العام الذي يقف وراء تقرير حجية الأمر المقضي يؤدي إلى إعتبار هذه الحجية متعلقة بالنظام العام. فللقاضي - بل عليه - أن يتمسك بها من تلقاء نفسه، فإذا عرضت عليه دعوی سبق صدور حكم فيها فيجب عليه أن يحكم بعدم قبولها، ولا يؤثر في هذا نزول الخصوم عن الحجية ولا اتفاقهم. حقيقة أن للخصم أن ينزل عن حقه ولو كان مؤكداً في حكم قضائي، كما أن له أن يتفق مع خصمه على تنظيم مختلف لعلاقتهما. ولكن حجية الحكم شيء مختلف. فالمسألة الأولى تتعلق بحق خاص أما الثانية فهي تتعلق بإحدى مرافق الدولة العامة، فالدولة تنظم القضاء وتعطي لكل شخص إمكانية الإلتجاء إليه، ولكن لا تكون له هذه الإمكانية إلا مرة واحدة بالنسبة لنفس الدعوى. ولا يمكن القول بقيام القضاء بالفصل في الدعوى أكثر من مرة إذا ارتأى الخصوم هذا، لما فيه من تعطيل لمرفق القضاء. ومن ناحية أخرى، فإن القاضي يطبق القانون، ويجب على القضاة الآخرين إحترام هذا التطبيق ولو أراد الخصوم عدم إحترامه. لهذا فإن الفقه الحديث يسلم الآن بتعلق الأمر المقضي بالنظام العام، وهذا هو الحل الذي نادينا به من قبل في مصر، داعين لتعديل نص المادة 405 من المجموعة المدنية، وهو ما استجاب إليه المشرع المصري بنصه في المادة 101 من قانون الإثبات الجديد على أن «تقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها». ونتيجة لهذا، فإن النيابة العامة أن تثير حجية الحكم السابق ووجوب التقيد بها، ويعتبر باطلاً أي إتفاق بين الخصوم على عدم التقيد بهذه الحجية.(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الأول، الصفحة : 321 ) حجية الأمر المقضي تكون غالباً فى صورة دفع بعدم جواز سماع الدعوى، أو بعدم قبولها، لسبق الفصل فيها. وكان هذا التكييف يقتضى أن يدرس الموضوع فى مباحث قانون المرافعات مع سائر أوجه الدفع بعدم قبول الدعوى. والدفع بعدم جواز سماع الدعوى لسبق الفصل فيها أساسه على كل حال قاعدة موضوعية، لا قرينة قانونية. ولكن التقنين المدنى الجديد –وهو فى ذلك يساير التقنين المدني السابق والتقنين المدني الفرنسي والتقنينات المدنية الحديثة - خرج بحجية الأمر المقضي من أن تكون قاعدة موضوعية إلى جعلها قرينة قانونية. وهى قرينة قانونية قاطعة، فقد نص صراحة على عدم جواز قبول دليل ينقض هذه القرينة. ولما كان المشرع، كما قدمنا، هو الذى يمسك فى يده زمام القواعد الموضوعية والقرائن القانونية، إلى منزلة القاعدة الموضوعية، ويهبط إن شاء بالقاعدة الموضوعية إلى مرتبة القرينة القانونية، فلا بد إذن من بحث حجية الأمر المقضي متصلة بالقرائن القانونية، نزولاً على حكم القانون. حجية الأمر المقضي وقوة الأمر المقضي : ولما كانت التعبيرات الفنية فى هذا الموضوع مضطربة، وقد أدى إضطرابها إلى وقوع كثير من اللبس، وجب البدء فى تحرير هذه التعبيرات، وتنقية الموضوع مما يحوطه من إبهام وإضطراب. فيجب التمييز بين حجية الأمر المقضي وقوة الأمر المقضي. فحجية الأمر المقضي معناه أن للحكم حجية فيما بين الخصوم وبالنسبة إلى ذات الحق محلاً وسبباً. فيكون الحكم حجة فى هذه الحدود، حجة لا تقبل الدحض ولا تتزحزح إلا بطريق من طرق الطعن فى الحكم، وتثبت هذه الحجية لكل حكم قطعي، أى لكل حكم موضوعى يفصل فى خصومة،وسواء كان هذا الحكم نهائياً أو ابتدائياً، حضورياً أو غيابياً. وتبقى للحكم حجيته إلى أن يزول، فإن كان غيابياً حتى يزول بإلغائه فى المعارضة، وإن كان ابتدائياً حتى يزول بإلغائه فى الاستئناف، وإن كان نهائياً حتى يزول بنقضه أو بقبول التماس إعادة النظر فيه. وقوة الأمر المقضي مرتبة يصل إليها الحكم إذا أصبح نهائياً غير قابل لا للمعارضة ولا للاستئناف، أي غير قابل للطعن فيه بطريق من طرق الطعن الإعتيادية، وإن ظل قابلاً للطعن فيه بطريق غير إعتياديه. ويجب التمييز فى كثير من العناية بين حجية الأمر المقضي وقوة الأمر المقضي، فكثيراً ما يقع الخلط بينهما فى الفقه والقضاء والتشريع، وكثيراً ما تستعمل إحدى العبارتين ويكون المقصود بها العبارة الأخرى. والتقنين المدنى الجديد نفسه قد وقع فى هذا الخلط حين قال فى الفقرة الأولى من المادة 405 : " وثانيهما في الفقرة الأولى من المادة 101 : الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضي " وهو يقصد " حجية الأمر المقضي ". فالحكم القطعي، نهائياً كان أو ابتدائياً، حضورياً أو غيابياً، تثبت له حجية الأمر المقضي كما قدمنا، لأنه حكم قضائى فصل فى خصومة. ولكن هذا الحكم لا يحوز قوة الأمر المقضي إلا إذا أصبح نهائياً غير قابل لا للمعارضة ولا للاستئناف، بأن كان فى ذاته غير قابل للطعن، أو كان يقبل الطعن وإنقضت مواعيده، أو طعن فيه ورفض الطعن. ففى جميع هذه الأحوال يكون الحكم نهائياً حائزاً لقوة الأمر المقضي، ولو كان قابلاً للطعن بطريق غير اعتيادي كما أسلفنا. أما إذا كان الحكم قابلاً للمعارضة أو للاستئناف فإنه لا يحوز قوة الأمر المقضي، ولكن تكون له حجية الأمر المقضي، وتبقى هذه الحجية قائمة ما دام الحكم قائماً، حتى لو طعن فيه بالمعارضة أو الاستئناف. فإذا ألغى نتيجة للطعن، زال وزالت معه حجيته. أما إذا تأيد، ولم يعد قابلاً لا للمعارضة ولا للاستئناف، بقيت له حجية الأمر المقضي يكون حتماً حائزاً لحجية الأمر المقضي، والعكس غير صحيح. ويتبين كذلك أن الحكم القطعي فى أدنى مراتبه –وهي مرتبة الحكم الابتدائي الغيابي - يكون : أولاً : له حجية الأمر المقضي، ولا تزول هذه الحجية إلا بإلغاء الحكم عن طريق الطعن فيه. ثانياً : ليست له قوة الأمر المقضي، إلى أن يصبح نهائياً، فيجوز هذه القوة بالإضافة إلى الحجية. ثالثاً : على أن الحكم، حتى إذا وصل إلى هذه المرتبة من القوة، يبقى، بالرغم من حيازته لحجية الأمر المقضي ولقوة الأمر المقضي، معرضاً للإلغاء عن طريق طعن غير اعتيادي. فإذا لم يلغ، أو فات الميعاد دون أن يطعن فيه، أو كان منذ البداية غير قابل للطعن فيه بطريق غير اعتيادي، استقر له الحجية والقوة على وجه غير قابل للزوال 1 و 2. الدفع بحجية الأمر المقضي و التمسك بحجية الأمر المقضي : والذى نقف عنده هو حجية الأمر المقضي، فهو وحده الذى يعنينا هنا. فللحكم حجية على الخصوم تمنع من طرق النزاع بينهم من جديد. ومتى صدر حكم، ولو كان حكماً ابتدائياً غيابياً، وجب على الخصوم احترامه، فلا يجوز لأحد منهم أن يجدد النزاع بدعوى مبتدأة. ولو رفعت هذه الدعوى لم يجز قبولها، بل تدفع بحجية الأمر المقضي، ويطلب الحكم بعدم جواز سماعها لسبق الفصل فيها. ولكن حجية المر المقضي لا تمنع من الطعن فى الحكم بالطرق المقررة، سواء كانت طرقاً عادية أو طرقاً غير عادية. وعند ذلك يطرح النزاع من جديد أمام القضاء، المحكمة ذاتها التى أصدرت الحكم أو محكمة أعلى فتؤيد الحكم أو تلغيه. ولكنها فى الحالتين لا تكون قد أصدرت حكماً قائماً إلى جانب الحكم الأول، فهى إذا أيدته بقى الحكم واحداً، وإذا ألغته زال الحكم الأول وبقى الحكم الثانى وحده، فالذى لا يجوز، بمقتضى حجية الأمر المقضي، هو رفع دعوى مبتدأة بالخصومة ذاتها، أو رفع دعوى ببطلان الحكم الذى ثبتت له الحجية. بل إنه لا يجوز، بعد أن تدفع الدعوى الجديدة بحجية الأمر المقضي، أن يطلب المدعى استجواب خصمه للحصول منه على إقرار بأن الحكم الذى صدر فى الدعوى الأولى غير صحيح، أو أن يوجه إليه اليمين الحاسمة ليحلف على أن هذا الحكم صحيح فيما يعلم فالحكم عنوان الحقيقة، ولا تدحض حجيته حتى بالإقرار أو اليمين. وقد أخذ الفقه أخيراً يميز، فى حجية الأمر المقضي، بين الدفع بهذه الحجية وبين التمسك بها. فهذان شيئان منفصلان. الأول هو، كما رأينا، دفع موضوعى يهدف إلى عدم قبول الدعوى الجديدة، والمدعى عليه هو الذى يدفع به هذه الدعوى. أما الثانى فليس بدفع، بل هى حجية الأمر المقضي ذاتها يتمسك بها المدعى فى دعوى يقيمها هو. فقد يكون مجنياً عليه فى جريمة وصدر حكم جنائى بإدانة المتهم، فيتمسك فى دعوى التعويض المدنية التي يرفعها ضد المحكوم عليه بحجية الحكم الجنائى فيما يتعلق بالوقائع التى فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً م 102 من قانون الإثبات. وقد يستصدر حكماً من المحكمة الشرعية بثبوت نسبة من المورث فى مواجهة الورثة، ثم يرفع على هؤلاء الورثة دعوى إستحقاق لنصيبه فى الإرث، يتمسك فيها بحجية الحكم الصادر من المحكمة الشرعية ففى الحالتين يتمسك بحجية الأمر المقضي كمدعي – ولا يدفع بها كمدعى عليه - أمام المحكمة المدنية. غير أنه فى الحالة الأولى يتمسك بحجية الأمر المقضي فى حكم صدر من محكمة جنائية، وفى الحالة الثانية يتمسك بهذه الحجية فى حكم صدر من محكمة شرعية. ويجوز أن يتمسك بهذه الحجية أمام المحكمة المدنية فى حكم صدر من محكمة مدنية أخرى. ويتحقق ذلك في الفرض الآتي : يحصل المستأجر على حكم بصحة عقد الإيجار فى مواجهة المؤجر، وقبل أن يتسلم العين المؤجرة يبيعها المؤجر من آخر، فيرفع المستأجر دعوى على المشترى يطالبه فيها بتسليمه العين، ويتمسك فى هذه الدعوى بحجية الحكم الصادر بصحة عقد الإيجار فى الدعوى السابقة. وقد قيل، إمعاناً فى التمييز بين التمسك بحجية الأمر المقضي والدفع بهذه الحجية، إن لكل منهما شروطاً تتميز عن شروط الآخر. فالشروط الواجب توافرها فى الحكم لتثبت له الحجية، وسنذكرها فيما يلي، هي شروط التمسك بحجية الأمر المقضي. أما شروط الدفع فهى الشروط الواجب توافرها فى الخصوم والمحل والسبب، التى سيرد ذكرها تفصيلاً. وقيل أيضاً إن هناك أحكاماً يمكن فيها التمسك بالحجية دون الدفع، وهي الأحكام التي يقتصر فيها القاضى على أن يقرر ثبوت بعض الوقائع أو نفيها دون إصدار أمر إلى الخصوم، كالحكم بصحة التوقيع والحكم بصحة التعاقد. وعلى العكس من ذلك هناك أحكام يمكن فيها استعمال الدفع دون التمسك بالحجية، وهى الأحكام التي يقتصر فيها القاضي على إصدار أمر للخصوم دون أن يقرر شيئاً من حيث ثبوت الوقائع المتنازع عليها أو نفيها، كالحكم بتعيين خبير أو بالإحالة على التحقيق أو بفرض نفقة مؤقتة. على أننا لا نرى الإغراق فى التمييز ما بين الدفع بحجية الأمر المقضي والتمسك بهذه الحجية. فهما وجهان متقابلان لشيء واحد. وحجية الأمر المقضي قد يتمسك بها المدعى كما رأينا فى الأمثلة المتقدمة، وقد يتمسك بها المدعي عليه كدفع يطلب فيه دعم جواز سماع الدعوى لسبق الفصل فيها وهذا ما يقع فى الغالب. وفى الحالتين تبقى حجية الأمر المقضي شيئاً واحداً، له شروط واحدة، دفعاً كان أو غير دفع. - الأساس الذى تقوم عليه حجية الأمر المقضي : تقوم حجية الأمر المقضي، دفعاً كانت أو غير دفع، كما صورها المشرع فى التقنين المدني المصري، على أساس قرينة قانونية قاطعة، ما فى ذلك من شك. فقد جاء نص المشرع صريحاً فى هذا المعنى، إذ يقرر أن " الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة ". فالمشرع يفرض فرضاً غير قابل لإثبات العكس أن الحكم هو عنوان الحقيقة، وأن الحقيقة القضائية قرينة قاطعة على الحقيقة الواقعة. قد تنحرف الحقيقة القضائية، فى القلة النادرة من الأحوال، عن الحقيقة الواقعة، ولكنها فى الكثرة الغالبة من الأحوال تطابقها. فتقول القرينة إذن –ككل قرينة قانونية أخرى - على الراجح الغالب الوقوع. ووجب أن تكون هذه القرينة قاطعة لا يجوز دحضها، بصريح النص، لاعتبارين أساسيين : الاعتبار الأول : أن الحكم متى فصل في خصومة كان لابد من الوقوف عنده، لوضع حد لتجدد الخصومات والمنازعات. فلا يجوز للخصم المحكوم عليه أن يعيد طرح النزاع على القضاء بدعوى مبتدأه. ولو سمح القانون بذلك لما أمكن أن يقف عند حد. إذ يصبح لكل من الخصمين أن يجدد النزاع مرة بعد أخرى هذا يحصل على حكم لمصلحته، ثم يعيد خصمه طرح النزاع بدعوى جديدة وقد حصل هو الآخر على حكم لمصلحته، ثم يعود الخصم الأول إلى تجديد النزاع فيحصل على حكم ثالث، وهكذا. فتتأبد الخصومات والمنازعات، وليس هذا من مصلحة الناس في شيء. الاعتبار الثاني : أنه إذا سمع القانون بتجديد النزاع بدعاوى مبتدأه، لجاز لكل من الخصمين أن يحصل على حكم يتعارض مع الحكم الذى حصل عليه الخصم الآخر. فتقوم أحكام متعارضة فى ذات النزاع وبين نفس الخصوم. ولاشك فى أن هذا التعارض يجعل من المتعذر تنفيذ الأحكام القضائية، إذ لا يعرف على وجه اليقين من مِن الخصمين صاحب الحق، فكل منهما قد قضى لصالحه. هذا إلى أن التعارض ما بين الأحكام من شأنه أن يغض من كرامة القضاء، وأن يفقده احترامه في النفوس. والصحيح أن حجية الأمر المقضي، كما قدمنا، قاعدة موضوعية العلة فيها قد إختفت، ولم تعد بارزة كما تبرز العلة إلى جانب القرينة القانونية. و هى، ككل قاعدة موضوعية أخرى، قد استغرقت عليها، ولم يعد للعلة محل للعمل معها. فالمشرع، عندما يقرر حجية الأمر المقضي يقرر –كما يقرر فى أية قاعدة موضوعية - أن الحقيقة التى قررها الحكم هى الحقيقة الواقعة، ما فى ذلك من معدى ولا من مناص، كما يقرر أن حائز المنقول مالك له، وأن من حائز عقاراً مدة معينة يكون هو المالك، وما إلى ذلك من القواعد الموضوعية التى سبقت الإشارة إليها. والذى يقطع فى أن حجية الأمر المقضي ينبغى أن تكون قاعدة موضوعية لا قرينة قانونية، أن هذه الحجية لا تدحض، كما رأينا، لا بالإقرار ولا باليمين. وهذه علامة حاسمة على أنها قاعدة موضوعية، فالقرائن القانونية ولو كانت قاطعة تدحض دائماً، كما قدمنا، بالإقرار واليمين. ومهما يكن من أمر، فالمشرع هو الذى يمسك بزمام القواعد الموضوعية والقرائن القانونية، كما سبق القول، وقد رأى أن يجعل من حجية الأمر المقضي قرينة قانونية، فلابد من التسليم بهذا التكييف، وقد مضت الإشارة إلى ذلك. - حجية الأمر المقضي ليست من النظام العام فى المسائل المدنية : قد يبدو لأول وهلة، بعد أن استعرضنا الاعتبارين الأساسيين اللذين تقوم عليهما حجية الأمر المقضي، أن هذه الحجية هى من النظام العام، فوضع حد لتجدد الخصومات، وعدم جواز قيام أحكام متعارضة مما يغض من كرامة القضاء، كل هذه اعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة. ولو قلنا إن حجية الأمر المقضي هى من النظام العام لترتب على ذلك أن الخصوم لا يملكون النزول عن التمسك بها للخصوم، بل ويجوز للخصوم أن يتمسكوا بها لأول مرة أمام محكمة النقض. أما إذا لم تتعلق حجية الأمر المقضي بالنظام العام، فإن عكس هذه النتائج هو الذى يترتب فيجوز للخصوم النزول عنها، ولا يجوز للقاضي إثارتها من تلقاء نفسه إذا لم تتمسك بها الخصوم، ولا يجوز للخصوم أن يتمسكوا بها لأول مرة أمام محكمة النقض. هناك مسألة انعقد عليها الإجماع، هى أن حجية الأمر المقضي تعتبر من النظام العام فى المسائل الجنائية، أى فى حكم يصدر من محكمة جنائية ويحتج به أمام محكمة جنائية. والعلة في ذلك ظاهرة. فإن الحكم الذى يصدر فى جريمة بالإدانة أو بالبراءة يعنى النظام العام فى المقام الأول، ولا يجوز أن يترك أمر هذا الحكم للخصوم يتصرفون فيه كما يشاءون. بل متى صدر الحكم الجنائى وجب أن تكون له حجية مطلقة، لا بالنسبة إلى الخصوم فحسب، بل أيضاً فى حق الكافة. ذلك أن المتهم إنما يدان أو يبرأ بإسم المجتمع ولمصلحة المجتمع العليا، فالمجتمع ممثل دائماً فى المحاكم الجنائية. ولهذه المحاكم سلطة واسعة فى تحرى الحقائق، فما تكشفه منها يكون أقرب إلى الصدق، وهو حجة على المحاكم المدنية والجنائية، بل هو حجة على الناس جميعاً. ومن ثم كان للقاضى فى الدعوى الجنائية أن يثير من تلقاء نفسه حجية الأمر المقضي ولو لم تتمسك بها الخصوم، ويجوز للخصوم التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض، ولا يجوز لهم النزول عنها. أما فى الدعوى المدنية، ولو كانت تنظر أمام المحاكم الجنائية، فيكاد الإجماع ينعقد على أن حجية الأمر المقضي ليست من النظام العام. بل هى لا تعدو أن تكون دليلاً على الحق، والخصم يملك الحق نفسه، ويملك النزول عنه، ويستطيع أن يتفق مع خصمه على الطرق التى تتبع لإثباته كما قدمنا. فيجوز إذن للخصم أن ينزل عن حجية الأمر المقضي، ولا يجوز للقاضي إثارتها من تلقاء نفسه إذا لم يتمسك بها الخصم، ولا يجوز للخصم التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض، وإن كان يجوز له التمسك بها فى أية حالة كانت عليها الدعوى أمام محكمة الموضوع فى الدرجة الابتدائية وفى الدرجة الاستئنافية. وقد قضت الفقرة الثانية من المادة 405 من التقنين المدنى، تأييداً لهذا الحكم، بأنه لا يجوز للمحكمة أن تأخذ بحجية الأمر المقضي من تلقاء نفسها. حجية الأمر المقضي لا تمنع من تفسير الحكم ولا من تصحيحه : ولا تمنع حجية الأمر المقضي من تفسير الحكم الذى ثبتت له هذه الحجية، وفقاً للأوضاع المقررة فى تقنين المرافعات م 192، ولا من الفصل فيما عسى أن تكون المحكمة قد أغفلت الفصل فيه من بعض الطلبات الموضوعية م 193 مرافعات، ولا من تصحيح ما عسى أن يكون قد وقع فى الحكم من أخطاء مادية بحته، كتابية كانت أو حسابية، م 191 مرافعات بشرط ألا يتخذ التصحيح ذريعة لإعادة النظر فى موضوع الحكم. الصور المختلفة لحجية الأمر المقضي : ولحجية الأمر المقضي صور مختلفة. فقد يحتج بحكم جنائى أمام محكمة جنائية، وهذا لا شأن لنا به وهو من مباحث القانون الجنائى. والذى يعنينا هو أن يحتج بالحكم أمام محكمة مدنية، سواء صدر هذا الحكم من محكمة مدنية أو من محكمة جنائية. أما الإحتجاج بالحكم الصادر من محكمة جنائية أمام محكمة مدنية – وهو ما عرضت له المادة 102 من الاثبات إذ تنص على أنه " لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا فى الوقائع التى فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيما ضرورياً " – فقد مضى القول فيه في الجزء الأول من الوسيط. فلا يبقى إلا الإحتجاج بحكم صادر من محكمة مدنية أمام محكمة مدنية. وهذا الذى نقتصر عليه فى بحثنا هنا. قانون الاثبات : أخذ حكم جديد مغاير لما كانت تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 405 من القانون المدني الملغاة واعتبر الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها من النظام العام فنص في المادة 101 على ما يأتي. "الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة. ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا فى نزاع قام بين الخصوم أنفسهم، دون أن تتغير صفاتهم، وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً". "ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها". ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 232/ 297. ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في قانون البينات السوري المادة 90، وفي التقنين المدني العراقي المادة 503، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني المادة 304، وفي التقنين المدنى الليبى المادة 393. ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1351. شروط قيام حجية الأمر المقضي : ويتبين من نص التقنين المدنى المصرى المقدم الذكر أن هناك شروطاً يجب أن تتوافر لقيام حجية الأمر المقضي. وهذه الشروط قسمان : قسم يتعلق بالحكم، وآخر يتعلق بالحق المدعى به. الشروط الواجب توافرها في الحكم شروط ثلاثة : لا تقوم حجية الأمر المقضي إلا إذا توافرت فى الحكم شروط ثلاثة : أولاً : أن يكون حكماً قضائياً. ثانياً : أن يكون حكماً قطعياً. ثالثاً : أن يكون التمسك بالحجية فى منطوق الحكم لا فى أسبابه. حكم قضائي حكم صادر من جهة قضائية : يجب للتمسك بحجية الأمر المقضي أن يكون هناك حكم صادر من جهة قضائية. فالفتوى – أياً كانت جهة الإفتاء – لا حجية لها. والقرار الإدارى، وهو صادر من جهة إدارية لا من جهة قضائية، لا تكون له حجية الأمر المقضي. فيجوز للجهة الإدارية التى أصدرته، أو جهة إدارية أعلى منها، أن تسحبه. ولكن هناك جهات إدارية ذات اختصاص قضائى، كلجان مخالفات الرى ولجان الشياخات ولجان الإجارات، فهذه تكون القرارات الصادرة منها حائزة لحجية الأمر المقضي ما دامت قد صدرت فى حدود اختصاص الجهة التى أصدرتها. ولا حجية لهذه القرارات فيما جاوز هذه الحدود. فمجالس التأديب جهات إدارية ذات اختصاص قضائى، ولكن اختصاصها مقصور على المحاكمة التأديبية، فلا تحول القرارات الصادرة من الهيئات التأديبية إذن دون المحاكمة أمام المحاكم الجنائية بالنسبة إلى العقوبة الجنائية، ولا دون المحاكمة أمام المحاكم المدينة بالنسبة إلى التعويض. ولا يكون لقرارات الحفظ الصادرة من النيابة العامة أو قاضى التحقيق أو غرفة الإتهام حجية الأمر المقضي. فلابد إذن أن يصدر الحكم من جهة قضائية. ويستوفى فى ذلك أن تكون جهة القضاء مدنية أو تجارية أو شرعية أو مالية أو إدارية. كما يستوى أن تكون جهة قضاء عادية أو جهة قضاء استثنائية، فثبت حجية الأمر المقضي للأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية، وذلك بشرط ألا تجاوز الجهات الإستثنائية حدود اختصاصها. كذلك تثبت حجية الأمر المقضي لجهة قضاء كانت موجودة ثم ألغيت، كمجلس الأحكام في الماضي وكالمحاكم المختلطة وكالمحاكم الشرعية. ويكون للحكم الصادر من المحكمتين حجية الأمر المقضي، إذ التحكيم جهة قضاء نظمها القانون. أما الحكم الصادر من محكمة أجنبية، ففى فرنسا يحوز حجية الأمر المقضي إذا ذيل بالصيغة التنفيذية، وفى مصر يميل القضاء إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل. ويحوز الحكم حجية الأمر المقضي حتى لو كان مشوباً يعيب فى الشكل، أو صادراً ضد خصم غير أهل للتقاضي، أو اشتمل على خطأ فى تطبيق القانون، وحتى لو كان البطلان بسبب مخالفة النظام العام، ما لم يكن الحكم مشوباً بالغش أو كان نتيجة تواطؤ بين الخصمين. - وجهة قضائية لها الولاية فى الحكم الذى أصدرته : ويجب أن تكون جهة القضاء التى أصدرت الحكم له الولاية فى الحكم الذى أصدرته. فإذا لم تكن للمحكمة ولاية، لم يكن لحكمها حجية الأمر المقضي. ومن ثم لا تثبت حجية الأمر المقضي لحكم صدر من محكمة مدنية أو مجلس ملى فى مسألة تدخل فى ولاية المحاكم الشرعية، ولا لحكم صدر من محكمة شرعية أو مجلس ملى فى مسألة تدخل فى ولاية المحاكم الوطنية، ولا لحكم صدر من محكمة مدنية فى مسألة تدخل فى ولاية القضاء الإدارى. على أنه إذا صدر الحكم من محكمة لا ولاية لها، كانت له مع ذلك حجية الأمر المقضي بالنسبة إلى هذه المحكمة أو إلى غيرها من محاكم الجهة ذاتها، ولكن لا حجية للحكم بالنسبة إلى الجهات القضائية الأخرى. ويكون للحكم حجية الأمر المقضي إذا صدر من محكمة لها الولاية فى إصداره، حتى لو كانت هذه المحكمة غير مختصة، سواء رجع عدم الاختصاص إلى الموضوع أو رجع إلى المكان. فالحكم الصادر من محكمة مدنية تكون له حجية الأمر المقضي ولو كان المختص هو القضاء التجارى. كذلك الحكم الصادر من محكمة جزئية تكون له هذه الحجية ولو كان المختص هو المحكمة الكلية. ومن باب أولى يحوز حجية الأمر المقضي الحكم الصادر من محكمة كلية وهو من اختصاص محكمة كلية أخرى، أو من محكمة جزئية وهو من اختصاص محكمة جزئية أخرى. - وبموجب سلطتها القضائية لا سلطتها الولائية : ثم إن المحكمة ذات الولاية يجب أن تكون قد أصدرت الحكم بموجب سلطتها القضائية لا بموجب سلطتها الولائية. ومعرفة ما إذا كان الحكم صادراً بموجب السلطة القضائية للمحكمة من مباحث قانون المرافعات. ولكن يمكن القول بوجه عام أن العبرة بطبيعة الموضوع الذى يصدر فيه أمر القاضى وطبيعة ما يجريه القاضى فى إصداره، فإن كان الأمر يتعلق بخصومة بين طرفين فصل فيها فهو قضاء، وإلا فهو أمر ولائى. فالتصديق على الصلح، وإجراء القسمة قضائياً، والتصديق على القسمة إذا كان بين الشركاء غائب أو كان بينهم من لم تتوافر فيه الأهلية م 840 مدنى، وتصديق المحكمة الحسبية على الحساب الذي يقدمه الأوصياء والقوام، كل هذه أوامر تصدر من المحكمة بموجب سلطتها الولائية فلا تحوز حجية الأمر المقضي، وذلك ما لم تفصل فى خصومة بين طرفين. فإذا فصلت المحكمة فى المنازعات التى قد تعترض دعوى القسمة م 838 مدنى، فهذا فصل فى خصومة يحوز حجية الأمر المقضي. أما التصديق على الصلح مع المفلس فقد كانت محكمة الاستئناف المختلطة تميل إلى اعتباره منطوياً على فصل فى خصومة، فيحوز حجية الأمر المقضي. والحكم بتعيين وصى أو قيم فى غير خصومة، وإقامة ناظر على الوقف في غير خصومة كذلك، كل هذه أوامر ولائية لا تحوز حجية الأمر المقضي. أما الحكم بتوقيع الحجز فهو حكم قطعي يحوز حجية الأمر المقضي. والإذن للأوصياء والقوام في مباشرة التصرفات، والإذن في إستبدال الوقف، لا يعتبر أى منهما حكماً قضائياً، بل هو أمر ولائي لا يحوز حجية الأمر المقضي، إذ هو لا يفصل فى خصومة بل يمكن من إجراء تصرف معين. وكذلك الحكم بمرسى المزاد ليس إلا إجراء تصرف فى العين التى رسا فيها المزاد، فهو أمر ولائي لا يحوز حجية الأمر المقضي. والأمر الصادر من رئيس المحكمة بإعطاء الدائن حق اختصاص بعقارات مدينه، وقائمة التوزيع بين الدائنين فى غير ما يفصل فيه من مناقضات ومعارضات، كل هذه أوامر ولائية لا تحوز حجية الأمر المقضي. كذلك تعتبر أوامر ولائية لا تحوز حجية الأمر المقضي قرارات لجان المعافاة من الرسوم القضائية، وأوامر رئيس محكمة القضاء الإدارى بتقصير المواعيد، أما حكم محكمة القضاء الإدارى بوقف تنفيذ أمر إدارى، وكذلك حكم محكمة النقض بوقف تنفيذ حكم نهائى، فهذا فصل فى خصومة يحوز حجية الأمر المقضي. حكم قطعي الحكم القطعي والحكم النهائي : لا تكون حجية الأمر المقضي إلا لحكم قطعي، وهو الحكم الصادر فى الموضوع بالبت فيه، ولو كان حكماً ابتدائياً غيابياً قابلاً للطعن فيه بالمعارضة وبالاستئناف. ولا ضرورة، حتى تكون للحكم حجية الأمر المقضي، أن يصبح الحكم القطعي حكماً نهائياً، باستنفاده لطرق الطعن العادية من معارضة واستئناف. فالحجية تثبت للحكم الغيابى ثبوتها للحكم الحضوري، وللحكم الابتدائي ثبوتها للحكم النهائي، وتثبت للحكم النهائي حتى لو طعن فيه بالنقض أو بالتماس إعادة النظر أو باعتراض الخارج عن الخصومة. وقد سبق أن أشرنا إلى وجوب التمييز بين حجية الحكم ونهائيته، فالنهائية لا شأن لها بالحجية، بل هى تتصل بقابلية الحكم للتنفيذ . متى يثبت للحكم القطعي حجية الأمر المقضي : وكل حكم قطعي بت فى الخصومة يحوز حجية الأمر المقضي. فالحكم القطعي الصادر في الموضوع بالبت فيه، كله أو بعضه، تكون له هذه الحجية. كذلك ثبت الحجية للحكم القطعي الذى يبت فى الدفع، سواء كان الدفع موضوعياً أو شكلياً، كالحكم بعدم الاختصاص وبعدم قبول الدعوى وبعدم جواز نظر الدعوى وببطلان صحيفة الدعوى. وتثبت الحجية كذلك للحكم القطعي الذى يبث فى نزاع يتصل بإجراءات الدعوى، كالحكم بسقوط الخصومة وبانقضائها بمضى المدة وبتركها وباعتبار الدعوى كأن لم تكن. ولكن هناك أحكاماً قطعية لا تبت فى الخصومة على وجه حاسم، فهذه لا تحوز حجية الأمر المقضي. مثل ذلك الأحكام التمهيدية، فالحكم بغرامة تهديدية لا يحوز حجية الأمر المقضي، إذ أن الغرامة التهديدية تحوز إعادة النظر فيها بالزيادة أو الإنقاص أو الإلغاء (م 213 و 214 مدنى ). ومثل ذلك أيضاً الحكم برفض الدعوى بالحالة التى هى عليها فإنه لا يحوز الحجية إذ هو لم ينه النزاع على وجه حاسم، وإن كانت له حجية فهى حجية مقصورة على الحالة التى كانت عليها الدعوى حين رفعها أول مرة، فيجوز رفع الدعوى من جديد بعد تصحيح هذه الحالة أو تغيرها. كذلك الحكم بإخراج خصم من الدعوى، أو بعدم قبول تدخله، لا يحوز حجية الأمر المقضي فى موضوع الدعوى، لأنه لم يبت فى هذا الموضوع أصلاً، بل اقتصر على البت فى رفض اشتراك شخص معين فى خصومة قائمة، والحكم بذلك لا يمنع هذا الشخص من رفع دعوى مستقلة بطلباته دون أن يدخل فى الخصومة التى حكم برفض اشتراكه فيها. الأحكام الصادرة قبل الفصل فى الموضوع : أما الأحكام الصادرة قبل الفصل فى الموضوع - فهى ليست بأحكام قطعية، ولا تحوز حجية الأمر المقضي . وهذه الأحكام هى : الأحكام التحضيرية، والأحكام التمهيدية، والأحكام الوقتية. - الأحكام التحضيرية : وهى أحكام تسبق الحكم فى الموضوع تحضيراً لهذا الحكم، دون أن تبين رأى المحكمة فى نقطة النزاع. وذلك كالحكم بتعيين خبير لمعاينة محل النزاع، أو الحكم بإنتقال المحكمة إلى محل النزاع، أو الحكم بالإحالة على التحقيق. مثل هذه الأحكام لا تكون له حجية الأمر المقضي، بل يجوز للمحكمة العدول عنها بعد إصدارها وقبل تنفيذها، وإذا هى نفذتها لم تتقيد بالنتيجة التى أدت إليها. - الأحكام التمهيدية : وهى أحكام تسبق الحكم فى الموضوع تمهيداً لهذا الحكم، وتبين رأى المحكمة فى نقطة النزاع. وذلك كالحكم بتعيين خبير لتقدير الضرر الذى أصاب المدعى، أو بإحالة القضية على التحقيق لإثبات وقوع الفعل الموجب للمسئولية، فإن المحكمة إذا قضت بذلك قبل أن تقضى فى قيام المسئولية ذاتها تكون، دون أن تقطع فى قيام المسئولية، قد كشفت عن ميلها للقضاء بذلك، ومن أجل هذا عينت خبيراً لتقدير الضرر أو أحالت القضية على التحقيق لإثبات وقوع الفعل الموجب للمسئولية. وكان الأمر فى تقنين المرافعات السابق أن الكم التمهيدي، إذا أصدرته المحكمة من تلقاء نفسها دون طلب أحد من الخصوم، فلا تكون له حجية الأمر المقضي، ويجوز للمحكمة العدول عن تنفيذه. أما إذا كان صادراً بناء على طلب أحد الخصوم، فإنه يعتبر قد فصل فى أمر تنازع فيه، وتثبت له الحجية، فلا يجوز للمحكمة العدول عن تنفيذه. على أنه إذا نفذ فى الحالتين لم يقيد المحكمة بالنتيجة التى أدى إليها. ولكن قانون الإثبات الجديد نص في المادة 9 منه على أن " للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات، بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر. ويجوز لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء، بشرط أن تبين أسباب ذلك فى حكمها ". فألحق الحكم التمهيدى بالحكم التحضيري، وأنزل الحكمان منزله سواء فى جواز عدول المحكمة عن تنفيذ الحكم بعد إصداره، ولو كان حكماً تمهيدياً صدر بناء على طلب أحد الخصوم. وقد نبذ تقنين المرافعات الجديد تقسيم الأحكام إلى تحضيرية وتمهيدية بعد أن سوى بينهما فى الحكم. فلا يحوز الحكم التمهيدي حجية الأمر المقضي، سواء أصدرته المحكمة من تلقاء نفسها أو صدر بناء على طلب أحد الخصوم، ففى الحالتين يجوز للمحكمة العدول عن تنفيذه، وإذا هى نفذته لم تتقيد بالنتيجة التى أدى إليها كما سبق القول. غير أنه يجوز أن يتضمن الحكم التمهيدى – أو الحكم التحضيرى – حكماً قطعياً يفصل فى مسألة من مسائل النزاع، فيحوز هذا الحكم القطعي في هذه الحالة حجية الأمر المقضي. وذلك كالحكم الصادر بإحالة القضية على التحقيق، قد تصرح فيه المحكمة بجواز إثبات الحق المتنازع فيه بالبينة، أو بتحميل أحد الخصمين عبء الإثبات، أو برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، أو بغير ذلك من الأحكام القطعية. - الأحكام الوقتية : وهى أحكام تسبق الحكم فى الموضوع للفصل فى مسائل وقتية لا تمس جوهر النزاع. وذلك كالحكم فى دعاوى إثبات الحالة، والحكم بالحراسة، والحكم بنفقة وقتية للمصاب حتى يفصل فى دعوى التعويض، والحكم بإلزام ناظر الوقف أن يدفع لأحد المستحقين نفقة شهرية إلى أن يفصل فى دعوى الحساب. ويعتبر الحكم الصادر من قاضى الأمور المستعجلة أو فى المسائل المستعجلة حكماً وقتياً لا يحوز حجية الأمر المقضي. على أنه يلاحظ ألا محل للمساس بحكم وقتى إذا بقى سببه قائماً، ولا يجوز العدول عنه إلا إذا تغيرت الظروف التى أدت إلى إصداره. فالحكم الوقتى تكون له إذن حجية مؤقتة، وتبقى هذه الحجية ما دام سببه المؤقت قائماً، فإذا زال السبب زالت الحجية. التمسك بالحجية فى منطوق الحكم لا فى أسبابه منطوق الحكم : لا تثبت الحجية فى الأصل إلا لمنطوق الحكم دون أسبابه، والمنطوق هو الجزء من الحكم الذى يفصل فى نقط النزاع. وقد يفصل المنطوق فى بعض نقط النزاع، لا على وجه صريح، بل بطريق ضمنى، فثبت الحجية لهذا المنطوق الضمنى ما دام هو النتيجة الحتمية للمنطوق الصريح. فالحكم الذي يقضي بصحة الإجراءات التي اتخذت لتنفيذ سند تكون له حجية الأمر المقضي فى صحة هذا السند ونفاذه، لأنه ما دام قد حكم بصحة الإجراءات التي اتخذت لتنفيذ سند فإن هذا يقتضى ضرورة صحة هذا السند وقابليته للتنفيذ. أما الحكم الذى يصدر برفض دعوى الاستحقاق لعجز المدعي عن إثبات ملكيته للعين فلا تثبت له حجية الأمر المقضي، إذا أتيح للمدعى أن يصبح هو الحائز، فأقام الخصم الآخر دعوى الاستحقاق بدوره وأراد أن يستند إلى الحكم الأول لإثبات ملكيته، لأن هذا الحكم إنما قضى بأن خصمه غير مالك والحكم بذلك لا يستتبع حتماً أن يكون هو المالك. لكن إذا كان هذا الخصم الآخر قد تمسك فى الدعوى الأولى بملكيته للعين، وأمكنه إثبات سبب الملكية، ورفضت دعوى المدعى على هذا الأساس، كان لهذا الحكم الأول حجية الأمر المقضي فى الدعوى الثانية. كذلك يشمل المنطوق الذى تثبت له الحجية ما قضى به فى الدعوى الأصلية وفى الدعاوى والدفوع التبعية. فإذا دفع المدعى عليه الدعوى. بدفع، أو أقام دعوى عارضة. أو أثيرت مسألة أولية من أى الخصمين، فقضى الحكم فى كل هذا، فإن المنطوق الصادر فى جميع هذه المسائل الفرعية تكون له حجية الأمر المقضي كالمنطوق الصادر فى الدعوى الأصلية. على أن المنطوق لا تكون له حجية الأمر المقضي إلا حيث يفصل فى مسألة واقع لا في مسألة قانون. ويجب أن يفصل فى نزاع كان محل مناقشة بين الخصمين، وتقدم فيه كل منهما بدفاعه وطلباته. أما ما عسى أن يرد فى المنطوق من عبارات عارضة لم تكن محل مناقشة، فليست لها حجية الأمر المقضي. مثل ذلك أن يقضى الحكم على المدين بدفع فوائد الدين دون أن يناقش مقدار هذا الدين بين الخصمين في الدعوى، فالمنطوق الذي يرد فيه ذكر مقدار الدين على نحو عارض لا تكون له حجية الأمر المقضي بالنسبة إلى هذه المسألة. أسباب الحكم : أما أسباب الحكم فلا تكون لها حجية الأمر المقضي فيما عرضت له من المسائل، أياً كانت هذه المسائل، ومهما بلغ من صراحة الأسباب، ما لم تكن هذه المسائل قد ذكرت فى منطوق الحكم قبولاً أو رفضاً على النحو الذى بيناه فيما تقدم. على أن هناك من الأسباب ما تكون له الحجية. وهى الأسباب التى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمنطوق الحكم، تحدد معناه أو تكمله، بحيث لا يقوم المنطوق بدون هذه الأسباب، وبحيث إذا عزل عنها صار مبهماً أو ناقصاً. على أن أسباب الحكم التى لا تحوز حجية الأمر المقضي، وهى التى لا تتصل اتصالاً وثيقاً بالمنطوق، قد يتمسك بها الخصوم أنفسهم فى دعوى أخرى تالية، وتكون من بين أدلة الإثبات التى يتقدمون بها، فيقدر القاضى دلالتها كما يقدر أى دليل آخر. وقائع الدعوى : أما وقائع الدعوى فهى فى الأصل لا حجية لها فى دعوى أخرى. وإنما هى حجة بما جاء فيها فى نفس الدعوى إذا طعن فى الحكم بالنقض، فتتقيد محكمة النقض بما أثبتته محكمة الموضوع من الوقائع ولا تستطيع أن تحيد عنها. ولا تبسط رقابتها إلى فى مسائل القانون. ولكن قد تكمل بعض وقائع الدعوى منطوق الحكم بحيث يكون المنطوق ناقصاً بدونها، فتكون للوقائع عندئذ حجية الأمر المقضي فيما تكمل فيه المنطوق. الشروط الواجب توافرها فى الحق المدعى به شروط ثلاثة : لا يكون للحكم حجية الأمر المقضي إلا إذا توافر أيضاً فى الحق المدعى به شروط ثلاثة : أولاً اتحاد الخصوم. ثانياً اتحاد المحل. ثالثاً اتحاد السبب. وهذا هو ما نصت عليه المادة 101 من قانون الإثبات الجديد فيما قدمناه إذ تقول "ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا فى نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم، وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً". اتحاد الخصوم الحكم حجة على الخصوم أنفسهم : لا يكون للحكم حجية إلا بالنسبة إلى الخصوم أنفسهم، فالحكم كالعقد لا يسرى أثره إلا فى حق من كان طرفاً فيه، ولا يمتد هذا الأثر إلى الغير. فإذا حصل المستأجر على حكم ضد المؤجر بتسليمه العين المؤجرة، فإن هذا الحكم لا يكون حجة إلا على من كان خصماً فى الدعوى، أى من المؤجر والمستأجر. أما غير هذين، كالمشترى للعين المؤجرة، فلا يكون الحكم حجة عليه، وله بالرغم من هذا الحكم أن يرفع دعوى على المستأجر يطالبه فيها بالعين إذا لم يكن لعقد الإيجار تاريخ ثابت سابق على البيع. أما المؤجر، وهو أحد الخصوم فى الحكم، فلا يستطيع أن يرفع الدعوى من جديد على المستأجر ليطرح نفس النزاع الذي سبق أن فصل فيه الحكم. ويرجع اشتراط اتحاد الخصوم فى حجية الأمر المقضي إلى مبدأ حياد القاضى الذى أسلفنا الإشارة إليه، لا إلى الخشية من تعارض الأحكام. فقد كان يكفى لمنع تعارض الأحكام أن نشترط اتحاد المحل واتحاد السبب، فيكون الحكم فى مسألة معينة حجة فى نفس المسألة متى اتحد المحل والسبب، فيكون الحكم فى مسألة معينة حجة فى نفس المسألة متى اتحد المحل والسبب، ويمتنع بذلك صدور حكم متعارض مع الحكم الأول. ولكننا اشترطنا أيضاً اتحاد الخصوم، حتى إذا ما اختلف الخصوم لا يكون الحكم حجة ولو مع اتحاد المحل والسبب. ذلك بأن الخصوم فى الحكم الأول هم الذين تقدموا بإثبات ادعاءاتهم ودفوعهم بالطرق التى ارتأوها والتى كانت فى أيديهم، والقاضى محايد فى كل ذلك، يترك الخصوم إلى أنفسهم يقوم كل بما يستطيع القيام به لإثبات ما يدعيه. فلا يجوز أن يكون الحكم الذى يصدره فى هذا الجو المحايد حجة على خصوم آخرين لم يدخلوا فى الدعوى الأولى، ولم يتمكنوا من تقدير ما بأيديهم من وسائل لإثبات ما يدعون. والحقيقة القضائية ليست حقيقة مطلقة، بل هى حقيقة نسبية كما سبق القول. - وعلى الخصوم بنفس صفاتهم : والمراد باتحاد الخصوم هو اتحادهم قانوناً لا طبيعة. فإذا كان لأحد الخصوم نائب مثله فى الدعوى – وكيل أو وصي أو قيم أو سنديك أو غير ذلك - فالحك حجة على الأصيل لا على النائب. ولا تمنع هذه الحجية النائب من أن يعود إلى رفع الدعوى من جديد بصفته أصيلاً لا نائباً. فإذا طالب (ب) بحق ادعاه لابنه بصفته ولياً عليه، فرفضت دعواه، فإن هذا الحكم لا يمنع الأب من أن يعود إلى المطالبة بهذا الحق لنفسه هو بصفته أصيلاً. والحكم على سنديك بهذه الصفة ليس حجة عليه بصفته الشخصية. والحكم على مستحق فى الوقف ليس حجة على الوقف ذاته، ولا مقاصة بين حق للوقف ودين على أحد المستحقين. والحكم على خصم بصفته صاحب الحق المدعى به لا يكون حجة عليه إذا رفع الدعوى من جديد باعتباره متنازلاً له عن هذا الحق من صاحبه. - وهو حجة على خلف الخصوم : وليس الحكم حجة على الخصوم وحدهم، بل هو حجة أيضاً على خلف الخصم، سواء كان الخلف عاماً أو خاصاً. فهو حجة على الخلف العام. وتكون له حجية الأمر المقضي بالنسبة إلى ورثة كل من الخصمين، والموصى لهم بجزء من مجموع التركة. فهؤلاء يكونون محكوماً لهم أو محكوماً عليهم تبعاً لما إذا كان السلف هو الخصم الذى كسب الدعوى أو الخصم الذي خسرها. ولكنهم لا يكنون خلفاً عاماً إلا باعتبار أنهم يتلقون هذا الحق من مورثهم. فلو أن المورث باع عيناً واحتفظ بحيازتها وبحق الانتفاع فيها، ثم رفع عليه المشترى دعوى يطلب الحكم فيها بصحة البيع، فحكم له بذلك، فإن هذا الحكم لا يكون حجة على الورثة الذين يتمسكون بأن البيع حقيقته وصية تزيد على الثلث، مستندين فى ذلك إلى المادة 917 من التقنين المدنى. ذلك بأن الورثة، وهم يطعنون فى البيع، يستعملون حقاً خاصاً بهم لاحقاً تلقوه عن مورثهم، فلا يكون الحكم الصادر فى مواجهة مورثهم حجة عليهم. وهو حجة على الخلف الخاص. ويشترط فى ذلك أن يكون الحكم متعلقاً بالعين التى انتقلت إلى الخلف الخاص، وأن تكون الدعوى التى صدر فيها الحكم قد رفعت وسجلت صحيفتها قبل انتقال العين إلى الخلف الخاص. مثل ذلك أن يصدر حكم على مالك أرض بوجود حق ارتفاق على هذه الأرض، وبعد رفع الدعوى وتسجيل صحيفتها، يبيع المالك الأرض، فيكون الحكم فى هذه الحالة حجة على المشترى لأنه الخلف الخاص للبائع. أما إذا كان تسجيل البيع سابقاً على تسجيل صحيفة الدعوى التى صدر فيها الحكم، فلا يكون المشترى خلفاً خاصاً، ولا يكون الحكم حجة عليه. كما هو حجة على الدائنين : ويكون الحكم حجة أيضاً على دائني الخصم. فإذا صدر حكم على شخص باستحقاق العين التي وضع يده عليها، فإن هذا الحكم يكون حجة على دائني هذا الشخص، ومن ثم لا تعتبر العين مملوكة لمدينهم، ولا يستطيعون التنفيذ عليها. ويستوي في ذلك أن تكون حقوق الدائنين تالية لرفع دعوي الاستحقاق أو سابقة عليها. كذلك إذا صدر الحكم في دعوى الاستحقاق لصالح المدين وقضي برفض دعوي المستحق، فإن هذا الحكم يكون حجة للدائنين.وإذا كان المدين يمثل دائنه في الأحكام التي تصدر عليه أو له، فإن الدائن علي العكس من ذلك لا يمثل المدين ويترتب علي ذلك أنه إذا رفع الدائن دعوى باسم مدينه، مستعملاً حق المدين وفقاً للمادة 235 من التقنين المدني، فإن الحكم الذي يصدر في هذه الدعوى لا يكون حجة علي المدين ما لم يكن قد أدخل في الدعوى، وبذلك قضت المادة 235 سالفة الذكر إذ نصت علي أنه " لا يشترط إعذار المدين لاستعمال حقه، ولكن يجب إدخاله خصماً في الدعوى ". ولا يكون الحكم كذلك حجة علي الدائنين الآخرين إلا إذا أدخلهم المدعي عليه في الدعوى . علي أن تمثيل المدين لدائنه، في الأحكام التي تصدر عليه، لا يستقيم في جميع الأحوال. فهناك أحوال ثلاثة يكون الدائن فيها من الغير بالنسبة إلي الحكم الذي يصدر ضد المدين، ولا يسري هذا الحكم في حقه : الحالة الأولي إذا تواطأ المدين مع خصمه في الدعوى التي صدر فيها الحكم ضده، أو تعمد خسارة الدعوى إضراراً بدائنه، أو أهمل إهمالاً جسيماً في الدفاع عن حقه. ففي هذه الحالة يحق للدائن أن يطلب اعتباره من الغير، فلا يسري الحكم في حقه. وهذا ما يفعله الدائن أيضاً في الدعوى البوليصية عندما يطعن في التصرف الصادر من مدينة إضراراً بحقه. وهو إذا كان يلجأ في اعتبار التصرف غير سار في حقه إلى الدعوي البوليصية، فإنه يلجأ في اعتبار الحكم غير سار في حقه إلي اعتراض الخارج عن الخصومة - وتنص الفقرة الأولي من المادة 450 من تقنين المرافعات على أنه " يجوز لمن يعتبر الحكم الصادر فى الدعوى حجة عليه، ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها، أن يعترض علي هذا الحكم بشرط إثبات غش من كان يمثله أو تواطئه أو إهماله الجسيم ". وسنرى فيما يلي أن الغير الذي لا يسري الحكم في حقه، كالدائن المتضامين والمدين المتضامنين، يستطيع أيضاً أن يلجأ إلي اعتراض الخارج عن الخصومة. ولكن هناك فرقاً جوهرياً بين الدائن والغير. فالحكم الصادر ضد المدين يسري في حق الدائن، إلي أن يتمكن هذا من إلغائه عن طريق اعتراض الخارج عن الخصومة، وهو الطريق الوحيد المفتوح أمامه لتحقيق هذا الغرض أما الغير - والحكم لا يسري في حقه - يستطيع أن يتجاهل هذا الحكم دون أن يلجأ إلي اعتراض الخارج عن الخصومة، ويستطيع أن يرفع دعوى مبتدأة دون أن يحتج عليه بالحكم فهو غير سار في حقه كما قدمنا. ويلاحظ أن الدائن، عندما يطعن في الحكم الصادر ضد المدين باعتراض الخارج عن الخصومة، إنما يستعمل حقا خاصا به جعله القانون لحمايته، لا حقاً مستمداً من المدين. وهذا هو أيضاً ما يفعل في الدعوى البوليصية، فهو يستعمل حقاً خاصاً به، لا حقاً مستمداً من المدين، عندما يطعن في التصرف الصادر من هذا المدين. ويلاحظ أن قانون المرافعات الجديد قد استبعد من أحكامه الطعن في الأحكام بطريق اعتراض الخارج عن الخصومة والتى كان ينص عليها قانون المرافعات السابق في المواد من 450 - 456 وعالج بها حالتين : أولهما، حالة من يعتبر الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه ولم يكن قد أدخل او تدخل فيها اذا ثبت غش من كان يمثله أو تواطؤه او اهماله الجسيم وهذه الحالة أوردها المشرع ضمن حالات التماس اعادة النظر في الفقرة الثامنة من المادة 241 مرافعات جديد إذ رأى المشرع أن هذه الحالة تنطوى على تظلم من شخص معتبر ممثلا في الخصومة وإن لم يكن خصماً فيها فيكون التظلم من الحكم أقرب الى الالتماس في هذه الحالة منه الى الاعتراض أما الحالة الثانية التى يعالجها قانون المرافعات السابق في اعتراض الخارج عن خصومه فكانت خاصة بالدائنين والمدينين المتضامنين أو في التزام غير قابل للتجزئة اذا صدر حكم على دائن أو مدين اخر منهم فقد رأى المشرع أن القواعد العامة ونص المادة 296 من التقنين المدني تغني عن النص عليها في قانون المرافعات جديد ذلك أن التضامن يقوم فيما يفيد وليس فيما يضر. الحالة الثانية إذا صدر حكم فيما بين المدين وأحد دائنيه بأن للدائن حق امتياز أو حق أولوية من أي نوع كان. فإن هذا الحكم لا يكون حجة علي بقية الدائنين. ذلك أن التفاصيل ما بين الدائنين أمر يخص هؤلاء الدائنين وحدهم، ولا يمثلهم فيه المدين. فالدائن الذي لا يدخل خصماً في الدعوى لا يكون الحكم بتأخره عن دائن آخر حجة عليه. بل إن الحكم بصحة الدين الصادر في مواجهة المدين لا يمنع دائناً آخر لنفس المدين من أن يطغى في هذا الدين بالصورية. والدائن، وهو يتمسك بصحة الدين أو بحق الأولوية، إنما يستعمل هنا أيضاً حقاً خاصاً به، لاحقاً مستمداً من المدين. الحالة الثالثة الدائن المرتهن لا يمثله المدين، بالنسبة إلي العين المرهونة، إذا كان حق الرهن قد أصبح نافذاً في حق الغير قبل رفع الدعوى، فإذا رفعت على المدين دعوى باستحقاق العين المرهونة، وكسب المدعي دعواه، فإن الحكم الصادر باستحقاق العين المرهونة، وكسب المدعي دعواه، فإن الحكم الصادر باستحقاق العين لا يكون حجة على الدائن المرتهن الذي قيد رهنه قبل تسجيل صحيفة دعوى الاستحقاق، ما لم يكن هذا الدائن قد أدخل خصماً في هذه الدعوى. ونري من ذلك أن الدائن المرتهن يعامل، بالنسبة إلى العين المرهونة، معاملة الخلف الخاص. ولكنه ليس حجة علي الغير : أما غير الخلف العام والخلف الخاص والدائن العادي، فلا يكون الحكم حجة عليه.فالغيرية في الحكم لا تختلف في جوهرها عن الغيرية في العقد . ومن الأمثلة على الغير، الذي لا يسري في حقه الحكم الصادر ضد المدين، المالك في الشيوع، والمدين المتضامن، والدائن المتضامن، والكفيل، والوارث بالنسبة إلى سائر الورثة. فلو صدر حكم ضد أحد الملاك في الشيوع، فإن لا يكون حجة علي بقية الملاك في الشيوع الآخرين ما داموا لم يختصموا في الدعوى. أما المدينون المتضامنون أو الدائنون المتضامنون، والكفلاء ولو كانوا متضامنين، فإن الحكم الصادر لمصلحة أحد منهم يفيد الباقي، ولكن الحكم الصادر ضد أحد لا يكون حجة علي الباقين. وقد طبقت المادة 296 من التقنين المدني هذا المبدأ على المدينين المتضامنين، فنصت على ما يأتي : " 1 - إذا صدر حكم علي أحد المدينين المتضامنين، فلا يحتج بهذا الحكم علي الباقين. 2 - أما إذا صدر الحكم الصالح أحدهم، فيستفيد منه الباقون، إلا إذا كان الحكم مبنياً على سبب خاص بالمدين الذي صدر الحكم لصالحه ". والأصل في ذلك أن التضامن فيه معنى النيابة فيما ينفع لا فيما يضر.وكالتضامن عدم قابلية الالتزام للتجزئة. أما الورثة فلا يمثل بعضهم بعضاً، ولا يسري الحكم الصادر في مواجهة أحدهم في حق الباقي، إلا إذا ثبت أن الوارث قد كان خصماً في الدعوي باعتباره ممثلاً للتركة. وقد قضت محكمة النقض بأن القاعدة الشرعية التي تقضي بأن الوارث ينتصب خصماً عن باقي الورثة في الدعاوي التي ترفع من التركة أو عليها قد تكون صحيحة ممكناً الأخ بها لو أن الوارث الواحد كان قد خاصم أو خوصم في الدعوي طالباً الحكم للتركة نفسها بكل حقها أو مطلوبا في مواجهته الحكم علي التركة نفسها بكل ما عليها، أما إذا كانت دعوي الوارث لم يكن مقصوده الأول منها سوى تبرئة ذمته من نصيبه في الدين، ذلك النصيب المحدد المطلوب منه في الدعوى، فإن الواحد أنه يعمل لنفسه فقط في حدود هذا النصيب المطلوب منه ولمصلحته الشخصية فقط في تلك الحدود، لا لمصلحة عموم التركة كنائب شرعي عنها وقائم في الخصومة مقامها ومقام باقي الورثة. وقد قدمنا أن الغير لا يجبر علي الطعن في الحكم الصادر ضد المدين باعتراض الخارج عن الخصومة، لأن هذا الحكم ليس حجة عليه ولا يسري في حقه، فهو في غير حاجة إلى مهاجمته. ولكنه مع ذلك يستطيع أن يستبق الحوادث وأن يهاجم هذا الحكم، فيطعن فيه باعتراض الخارج عن الخصومة، ويؤكد عن طريق القضاء أنه من الغير بالنسبة إليه فلا يجوز أن يسري في حقه. ولا يشترط لنجاح هذا الطعن إثبات التواطؤ أو الغش أو الإهمال الجسيم كما يشترط لك في نجاح طعن الدائن. وقد نصت المادة 241 من قانون المرافعات في فقرتيها 7، 8 على أنه يجوز للخصوم أن يلتمسوا إعادة النظر في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية إذا صدر الحكم على شخص طبيعي أو اعتباري لم يكن ممثلاً تمثيلاً صحيحاً في الدعوى وذلك فيما عدا حالة النيابة الاتفاقية ولمن يعتبر الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه ولم يكن قد ادخل او تدخل فيها بشرط اثبات غش من كان يمثله او تواطئه أو إهماله الجسيم ويلاحظ ان هناك أحكاماً لا تثبت لها الحجية حتى بالنسبة إلى أشخاص دخلوا في الدعوى وهناك على العكس من ذلك أحكام تثبت لها الحجية حتى بالنسبة إلي أشخاص لم يدخلوا. مثل الحالة الأولي أن يكون الشخص الذي دخل في الدعوى ليس خصماً حقيقياً فيها. ومثل الحالة الثانية أن يكون الحكم شيئا لحالة مدنية، كالحكم الصادر بتوقيع الحجر فأنه يكون حجية على الناس كافة، من دخل الدعوي ومن لم يدخل، وسيأتي تفصيل ذلك. إتحاد المحل العبرة بما طلبه الخصم لا بما لم يطلبه أو بما احتفظ به : ولا يكون للحكم حجية الأمر المقضي إلا بالنسبة إلى المحل ذاته الذي سبق طلبه في الدعوى التي صدر فيها الحكم. فإذا رفعت دعوى جديدة بهذا المحل ذاته، أمكن دفعها بحجية الأمر المقضي. ويترتب على ذلك أن الحكم بتعويض عن ضرر يمنع من تجديد المطالبة بالتعويض عن نفس الضرر، ولكنه لا يمنع من الحكم بتعويض آخر عن ضرر استجد من نفس العمل الضار. وإذا صدر حكم يقضي بصحة عقد إيجار، فلا يجوز بعد ذلك للمؤجر أو للمستأجر أن يرفع الدعوي من جديد يناقش في حجة هذا العقد. أما إذا صدر للمؤجر باستحقاق الأجرة عن مدة معينة، فإن هذا الحكم لا يجوز حجية الأمر المقضي بالنسبة إلي استحقاق الأجرة عن مدة أخرى، إذ محل الدعوى هنا يختلف عن المحل في الدعوى الأولي. وإذا قضي في حساب الدين عن مدة مضت، فلا يجوز الرجوع إلى حساب الدين مرة أخري وإعادة تقدير ريع الأرض المرهونة والموازنة بين هذا الريع والفائدة عن المدة التي قضي في حسابها. ووحدة المحل تبقى قائمة، أيا كانت التغيرات التي تصيب هذا المحل بعد ذلك من نقص أو زيادة أو تعديل. والقاعدة في معرفة ما إذا كان محل الدعويين متحداً أن يتحقق القاضي من أن قضاءه في الدعوى الجديدة لا يعدو أن يكون مجرد تكرار للحكم السابق فلا تكون هناك فائدة منه، أو أن يكون مناقضاً للحكم السابق سواء بإقرار حق أنكره أو بإنكار حق أقره فيكون هناك حكمان متناقضان. والعبرة بطلبات الخصوم التي فصل فيها الحكم. فإذا لم يطلب الخصم الحكم على المدين وكفيله المتضامن بالتضامن، فإن الحكم الصادر باعتبار الكفيل غير متضامن لا يمنع من العودة إلي المطالبة بالتضامن، فإن هذا طلب جديد لم يكن موضوعاً للخصومة الأولي. كذلك إذا حفظ المدعي لنفسه الحق في بعض الطلبات، فالحكم فيما قدمه من الطلبات لا يمنعه من رفع دعوى جديدة للمطالبة بما احتفظ به من قبل. الحكم في شيء حكم فيما يتفرع عنه : والحكم في شيء يعتبر حكماً فيه وفيما يتفرغ عنه. فلا يجوز رفع الدعوى من جديد للمطالبة بما يتفرع عن شيء حكم برفضه. ويترتب على ذلك أنه إذا صدر حكم برفض الادعاء بملكية عين أو برفض الإدعاء بالدين، فلا يجوز بعد ذلك رفع الدعوى من جديد للمطالبة بريع العين أو بفوائد الدين. وإذا صدر حكم ببطلان سند الدين، فلا تجوز المطالبة بعد ذلك بقسط جديد غير القسط الذي صدر فيه الحكم السابق. الحكم في الكل والحكم في الجزء : كذلك إذا كان الكل مكوناً من أجزاء تعتبر، بطبيعتها أو بطريق العادة، غير متجزئة، فالحكم في الكل حكم في الجزء، والحكم في الجزء حكم في الكل. فإذا حكم برفض دعوى الملك في أرض زراعية بما يتبعها من أبنية وآلات ومواسير ونحو ذلك، فلا تجوز المطالبة بعد ذلك بملكية شيء من هذه الأشياء التابعة. والحكم بالدين حكم بكل قسط من أقساطه. والحكم بصحة بيع حجة في بيع كل عنصر من عناصره . والحكم في جزء من التركة حجة في جميع أجزائها. ومع ذلك فإن الحكم في الكل لا يتضمن حتماً الحكم في الجزء. فإذا صدر حكم برفض إدعاء الملكية في أرض، لم يمنع ذلك من ادعاء الملكية في جزء شائع في الأرض، ما لم يكن الحكم السابق قد بت في أن المدعي لا يملك الأرض ولا أي جزء منها. والحكم برفض إدعاء الملكية لا يمنع من إدعاء حق ارتفاق أو حق انتفاع. كذلك الحكم في الجزء لا يتضمن حتما الحكم في الكل. فالحكم برفض إدعاء حق ارتفاق أو حق انتفاع لا يمنع من ادعاء الملكية كاملة. والحكم برفض الفوائد لا يمنع من المطالبة برأس المال. الحكم في صفة عارضة : وإذ قضي الحكم في طلب، وكان قضاؤه هذا يستلزم الفصل في صفة عارضة للخصم، فلا يكون الحكم حجة في دعوى أخري تثار فيها هذه الصفة من جديد. مثل ذك أن تقضي المحكمة التجارية باختصاصها بنظر نزاع بين شخصين، على أساس أن المدعي عليه تاجر. فصفة التاجر التي خلعها الحكم على المدعى عليه – وهي صفة عارضة - لا تحوز حجية الأمر المقضي في دعوى أخرى يطلب فيها نفس المدعي شهر إفلاس نفس المدعى عليه. وللمحكمة في الدعوى الثانية أن ترفض شهر الإفلاس، على أساس أن المدعي عليه ليس بتاجر. - الحكم في الحالة المدنية : والحكم الذي يقر لأحد الخصوم حالة مدنية يخضع هو أيضاً لحجية الأمر المقضي وما تصطبغ به هذه الحجية من النسبية فلا يكون لهذا الحكم حجية إلا فيما بين الخصوم، ولا تتعدى حجيته إلي الغير. وقد كان القضاء الفرنسي إلى عهد قريب يذهب إلي أن هذا الحكم تكون له حجية مطلقة، فيسري في حق الناس كافة، خصوماً كانوا أو غير خصوم. فإذا خلع الحكم علي شخص صفة الأب أو الأبن أو الزوج أو المحجور أو الوصي أو غير ذلك من الصفات التي تتعلق بالحالة المدنية، كان الحكم حجة على جميع الناس في هذه الصفة. ذلك بأن الحالة المدنية لا تقبل التجزئة ولا يجوز أن تبقى قلقة مضطربة يحتج بها على بعض دون بعض. ولكن القضاء الفرنسي عدل أخيراً عن هذا الرأي في حكم له مشهور. وقرر أن الحكم في الحالة المدنية حجيته هو أيضاً نسبية فيما بين الخصوم، ولا تتعدي هذه الحجية إلى الغير . على أن هناك نوعاً من الأحكام تأبى طبيعته إلا أن تكون له حجية مطلقة. وهذه هي الأحكام التي تنشيء الحالة المدنية ولا تقتصر على الكشف عنها. فالحكم بالطلاق، والحكم بإبطال الزواج، والحكم بالحجر، والحكم بتعيين وصي أو قيم، كل هذه أحكام تنشيء حالة مدنية جديدة، وهي بطبيعتها تسري في حق الناس كافة، ولذلك يهيئ لها القانون عادة أوضاعاً معينة تكفل لها العلانية. وقد ذهب القضاء في مصر أيضاً إلي أن الأحكام التي تنشيء الحالة المدنية تكون حجة على الناس كافة. إتحاد السبب تحديد معنى السبب : ويجب أخيراً، حتي يكون للحكم حجية الأمر المقضي، أن يتحد السبب. والسبب هو المصدر القانوني للحق المدعي به أو المنفعة القانونية المدعاة. وهو لا يعدو أن يكون الواقعة المراد إثباتها، واقعة مادية، أو تصرفاً قانونياً، وقد سبق بيان ذلك. فالمستأجر حين يطالب المؤجر بتسليم العين المؤجرة يكون السبب في دعواه هو عقد الإيجار فإذا رفضت دعواه علي هذا الأساس، لم يجز له أن يعود إلي رفعها من جديد مستنداً إلي عقد الإيجار مرة أخرى، أي إلي نفس السبب الذي استند إليه في الدعوى السابقة، وإلا دفعت دعواه بحجية الأمر المقضي. أما إذا رفع دعوى جديدة بتسليم العين، ولكن استند في طلبه إلى سبب جديد، كعقد بيع مثلا، فإن الدعوى الجديدة لا يجوز دفعها بحجية الأمر المقضي لاختلاف السبب، فقد كان في الدعوى الأولي إيجاراً وهو الدعوى الثانية بيع. كذلك إذا طالب شخص بتسليم عين بسبب الميراث ورفضت دعواه، فإن هذا لا يمنعه من العودة إلي المطالبة بها بسبب الوصية وإذا رفضت الدعوى بملكية عين بسبب الشراء فلا مانع من المطالبة بها ثانية بسبب التقادم المكسب. بل لا يوجد ما يمنع من المطالبة بملكية العين ذاتها بسبب عقد بيع آخر غير عقد البيع الذي رفضت الدعوى الأولى على أساسه، فإن المماثلة بين السببين لا تمنع من ازدواجهما، وحجية الأمر المقضي تقتضي أن يكون السبب التالي هو عين السبب الأول فلا يكفي أن مماثلاً له. وإذا كان تعدد السبب يمنع من التمسك بحجية الأمر المقضي، فمن باب أولي يكون تعدد كل من السبب والمحل مانعاً من التمسك بهذه الحجية. ويترتب على ذلك أن الحكم الصادر في دعوى من دعاوى وضع اليد لا يكون حجة في دعوى الملكية، ففي الدعوي الأولي المحل هو الحيازة والسبب هو وضع اليد مدة محدودة، وفي الدعوي الثانية المحل هو الملكية والسبب هو وضع اليد مدة أطول أو سبب آخر غير وضع اليد. - وجوب الإبقاء على شرط اتحاد السبب مع عدم التوسع فيه : واتحاد السبب كشرط في حجية الأمر المقضي من شأنه أن يضيق من هذه الحجية، وأن يجعل العود إلي التقاضي ممكناً في ذات الموضوع وبيت نفس الخصوم بدعوى أن السبب مختلف. هذا إلي ما ينطوي عليه تحديد معنى السبب، في كثير من الحالات، من دقة وخفاء سنرى أمثلة منها فيما يلي. وقد نزع بعض الفقهاء إلي القول بإمكان حذف هذا الشرط من شروط حجية الأمر المقضي، دون أن يختل الأساس الذي تقوم عليه هذه الحجية. وقال آخرون بإدماج المحل والسبب في شرط واحد، فيكون هذا الشرط هو وحدة المسائل المتنازع فيها. والصحيح في نظرنا أن هناك اعتبارين متعارضين لا بد من التوفيق بينهما. فمن ناحية، تقضي نسبة الحقائق القضائية أن نعتد بسبب الحق المدعى به، فالحكم الذي يرفض الملكية بسبب الميراث لا يمكن أن يعتبر عنوان الحقيقة في رفض الملكية بسبب الوصية. ومن ناحية أخري، يقضي الاعتبارات الجوهرية التي تقوم عليها حجية الأمر المقضي - وهو عدم تأييد المنازعات - ألا نتوسع كثيراً في فكرة السبب، وأن نجمع ما بين الأسباب المتقاربة التي يستدعي بعضها بعضاً فلا يفكر الخصم في أحدها دون أن يفكر في الآخر، فندمجها جميعاً في سبب واحد، ولا نجعل من تنوعها ما يخل بوحدة السبب. وسنسير على هذه الخطة، ونتبين أهميتها بوجه خاص عند الكلام في وحدة عيوب الرضاء كسبب المطالبة ببطلان العقد، وعند الكلام في وحدة أنواع المسئولية كسبب للمطالبة بالتعويض. فلا بد إذن من الإبقاء على شرط اتحاد السبب، مع عدم التوسع فيه. فإذا تعدد السبب، لم يجز التمسك بحجية الأمر المقضي، حتى لو اتحد المحل. لكن إذا اتحد السبب - مع اتحاد المحل والخصوم - جاز التمسك بحجية الأمر المقضي، حتي لو تعددت أدلة الإثبات على هذا السبب الواحد، أو تعددت الدعاوي التي تنشأ من هذا السبب الواحد. فيجب إذن مواجهة الحالات الآتية : 1 وحدة المحل مع تعدد السبب وهنا لا يجوز التمسك بحجية الأمر المقضي 2- وحدة السبب مع تعد الأدلة، وهذا لا يمنع من قيام حجية الأمر المقضي 3 - وحدة السبب مع تعدد الدعاوي، وهذا أيضاً لا يمنع من قيام حجية الأمر المقضي. - وحدة المحل مع تعدد السبب : قد يتحد المحل في الدعويين ويتعدد السبب. وعند ذلك لا يكون للحكم الصادر في الدعوى الأولي حجية الأمر المقضي في الدعوى الثانية كما قدمنا، إذ أنه بالرغم من توافر شرط اتحاد المحل قد اختل شرط اتحاد السبب. وأكثر ما يتحد المحل ويتعدد السبب في العمل يقع في أحوال أربع : 1 - يكون المحل المتحد هو بطلان العقد وتتعدد أسباب البطلان. 2 - يكون المحل المتحد هو انقضاء الالتزام وتتعدد أسباب الانقضاء. 3 - يكون المحل المتحد هو حق الملكية وتتعدد أسباب كسبها. 4 - يكون المحل المتحد هو قيام التزام وتتعدد مصادره. فقد يطالب شخص ببطلان عقد، ويجعل سبب البطلان عيباً في الشكل أو عيباً في الرضاء أو نقصاً في الأهلية أو خللاً في المحل أو خللاً في السبب. فهذه جملة من الأسباب الرئيسية للبطلان، إذا تمسك بسبب منها ورفضت دعواه، لم يمنعه ذلك من رفع دعوى جديدة يتمسك فيها بسبب آخر. فإذا تمسك بعيب في الشكل وقضي بصحة الشكل، جاز أن يتمسك بعيب في الرضاء وإذا تمسك بخلل في المحل، لم يمنعه الحكم برفض دعواه من رفع دعوى جديدة يتمسك فيها بخلل في السبب. علي أنه لا تجوز المبالغة، كما قدمنا، في تنويع السبب الرئيسي الواحد من أسباب البطلان، وإلا فقدت حجية الأمر المقضي قيمتها ولم تمنع من تأييد الخصومات. فالعيب في الشكل لا يتعدد سببه، مهما تعددت صور هذا العيب. والعيب في الرضاء لا يتعدد، أيا كان هذا العيب غلطاً وتدليساً أو إكراها . ونقص الأهلية لا يتعدد، أياً كان السبب الذي يرجع إليه نقص الأهلية قصراً أو سفهاً أو غفلة أو عتها. وهكذا قل عن سائر الأسباب الرئيسية للبطلان. فإذا طعن شخص ببطلان عقد للتدليس ورفضت دعواه، لم يجز له أن يعود في دعوى جديدة يطعن في العقد بالإكراه. والضابط لوحدة السبب في البطلان هو، فيما نري أن يكون هناك سبب رئيسي واحد، إذا انقسم إلي أسباب فرعية فإن كل سبب منها يستدعي السبب الآخر، بحيث ترتسم كل هذه الأسباب الفرعية في مخيلة الخصم مندمجة في هذا السبب الرئيسي، فلا يفكر في واحد منها دون أن يفكر في الباقي، فتتحقق وحدة السبب في هذا السبب الرئيسي. وهو يستغرق كل الأسباب الفرعية التي تندمج فيه، فلا يتعدد السبب بتعددها، ويكون الحكم في أي سبب منها حكماً في الباقي ومن ثم إذا طعن الخصم في العقد بالغلط دون غيره من عيوب الرضاء، فالحكم برفض دعواه للغلط حكم برفض الدعوى للتدليس وللإكراه، ذلك بأنه عندما طعن في العقد بالغلط لابد أن يكون قد استعرض بطريق التداعي التدليس والإكراه فاستبعدهما واقتصر على الغلط. إذ الطعن في العقد بالغلط ينفي الطعن فيه بالتدليس، فالتدليس غلط وقع فيه الخصم بسبب طرق احتيالية استعملت ضده، وما دام لا يطعن في العقد إلا بالغلط فهو ينفي ضمناً أن هناك طرقاً احتيالية أوقعته في هذا الغلط. كذلك الطعن في العقد بالغلط ينفي الطعن فيه بالإكراه، لأن دعوى الغلط تفترض وقوع الخصم في وهم من غير علم بالواقع، فهي لا تتفق مع دعوى الغلط تفترض خضوع الخصم للتعاقد عن علم بالواقع. ونرى من ذلك كيف أن الغلط والتدليس والإكراه عيوب فرعية، يستدعي كل عيب منها العيب الآخر، وترتسم جميعا في مخيلة الخصم مندمجة في سبب رئيسي واحد. فإذا اقتصر الخصم علي عيب منها، فإنه بذلك يكون قد استبعد العيبين الآخرين. علي أنه قد يحدث أن يطعن الخصم في العقد بالغلط، جاهلاً وقت الطعن أنه إنما وقع في هذا الغلط بسبب طرق احتيالية نصبها له خصمه. فإذا كشف، بعد صدور الحكم برفض دعواه للغلط، عن هذه الطرق الاحتيالية، جاز له أن يرفع دعوى جديدة بالتدليس، علي أن يثبت أنه لم يكشف عن هذا التدليس إلا بعد صدور الحكم في دعوى الغلط. كذلك يجوز أن يكون قد أكره على جانب من العقد وغلط في جانب آخر، فرفع دعوى الإكراه قبل أن يكشف عن غلطه. فإذا صدر حكم في دعوى الإكراه، فإن هذا لا يمنعه من أن يرفع دعوى الغلط، علي أن يثبت أنه لم يكشف عن هذا الغلط إلا بعد صدور الحكم في دعوى الإكراه. وقد يطالب شخص بانقضاء التزام، ويجعل سبب الانقضاء الوفاء أو المقاصة الإبراء أو التقادم أو غير ذلك من أسباب انقضاء الالتزام. فإذا تمسك بالوفاء جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالمقاصة، أو تمسك بالإبراء جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالتقادم، وهكذا فلا يوجد ترتيب خاص للتمسك بأسباب الانقضاء أو بأسباب البطلان، إلا ما يقتضيه حسن الدفاع من الناحية الواقعية لا من الناحية القانونية. فيجوز التمسك بسبب من أسباب البطلان قبل التمسك بسبب من أسباب الانقضاء. كما يجوز التمسك بسبب من أسباب الانقضاء قبل التمسك بسبب من أسباب البطلان. كما يجوز أخيراً التمسك بأي سبب من أسباب البطلان أو الانقضاء قبل التمسك بسبب آخر منها. ويترتب علي ذلك أنه يجوز التمسك بالغلط ثم بالمقاصة، أو التمسك بالمقاصة ثم بالغلط، أو التمسك بالتدليس ثم بعدم مشروعية السبب، أو التمسك بالتجديد ثم باتحاد الذمة. ولا يوجد مانع قانوني من التمسك مثلا بالوفاء ثم بالإبراء، إلا أن مركز من يتمسك بالوفاء أولاً ثم يتمسك بالإبراء بعد ذلك يكون ضعيفاً من الناحية الواقعية لما بين الدعويين من تعارض. وقد يطالب شخص بملكية عين، ويجعل سبب الملكية هو العقد أو الوصية أو الشفعة أو التقادم أو غير ذلك من أسباب كسب الملكية. فإذا تمسك بالعقد، جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالوصية. وإذا تمسك بالتقادم، جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالشفعة. وقد يطالب شخص آخر بالتزام قام في ذمته، ويجعل مصدر هذا الالتزام العقد أو العمل غير المشروع أو الإثراء بلا سبب أو غير ذلك من مصادر الالتزام. فإذا تمسك بالعقد، جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالعمل غير المشروع. وإذا تمسك بالإثراء بلا سبب، جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالعقد. وإذا تمسك بالعمل غير المشروع، جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالإثراء بلا سبب. ونرى، جريا على الخطة التي نسير عليها، أن العمل غير المشروع، بل المسئولية في مجموعها، سبب رئيسي واحد لا يتعدد بتعدد أنواع المسئولية. فرفض دعوى المسئولية عن عمل معين يمنع من رفع دعوى جديدة بالمسئولية عن نفس العمل، ولو كيفت المسئولية في الدعوي الأولي بأنها مسئولية عقدية وفي الدعوى الثانية بأنها مسئولية تقصيرية، ومن باب أولى لو كيفت في الدعوي الأولي بأنها مسئولية تقصيرية قائمة على خطأ ثابت وفي الدعوى الثانية بأنها مسئولية تقصيرية قائمة على خطأ مفروض. ففي كل هذه الأحوال، السبب الرئيسي الذي يجب الوقوف عنده هو العمل الذي نشأت عنه المسئولية، عقدية كانت أو تقصيرية، وهذا العمل هو لم يتغير في جميع الصور المتقدمة. - وحدة السبب مع تعدد الأدلة : وقد يتحد السبب وتتعدد عليه الأدلة. فيكون السبب في هذه الحالة واحداً، مهما تعددت أدلته، واقعية كانت هذه الأدلة أو قانونية. وعند ذلك يكون للحكم الصادر في الدعوى الأولي حجية الأمر المقضي في دعوي أخري، عاد فيها الخصم إلي نفس السبب، ولكن ليقيم عليه دليلا آخر، فلا يقبل منه ذلك. وقد رأينا فيما قدمناه عن دعوي المسئولية تطبيقا لهذه القاعدة. فالسبب في هذه الدعوى هو – كما قدمنا - العمل الذي نشأت عنه المسئولية، وهو واحد لا يتعدد، وإنما تتعدد أدلته فتارة تستند المسئولية إلي العقد، وطوراً إلي الخطأ الثابت، وثالثة إلي الخطأ المفروض، وليست هذه كلها إلا أدلة متعددة لسبب واحد هو قيام المسئولية. ففي دعوى المسئولية إذن السبب هو قيام المسئولية، والمحل هو التعويض. ومن ادعى التخلص من دين بالوفاء، وأراد أن يقدم علي ذلك بينة حكم بعدم جواز سماعها، وقضي عليه بالدين، لا يجوز له بعد ذلك أن يرفع دعوى جديدة متمسكاً بالسبب نفسه وهو الوفاء، وإن قدم عليه هذه المرة دليلاً مكتوباً كمخالصة بالدين. ذلك أن السبب هنا – وهو الوفاء - لم يتغير، وأن تغير الدليل عليه من بينة إلي ورقة مكتوبة. علي أنه إذا رفع الدائن دعوي بالدين، ولم يدفع المدين بالوفاء فقضي بالدين، ولم يتناول الحكم إلا البحث في وجوده ولم يعرض للوفاء به، فإن هذا الحكم لا يجوز حجية الأمر المقضي بالنسبة إلي الوفاء. ومن ثم يجوز للمدين، إذا عثر بعد ذلك علي مخالصة بالدين، أن يرفع دعوي جديدة يطالب فيها الدائن برد ما دفع إليه دون حق. أما إذا دفع المدين بالوفاء، وعرض الحكم لهذا الدفع وقضي برفضه، فإن هذا الحكم يحوز حجية الأمر المقضي بالنسبة إلي الوفاء أيضاً، ولا يجوز للمدين إذا عثر بعد ذلك على مخالصة بالدين رفع دعوى جديدة باسترداد ما دفع دون حق. وإذا ادعى شخص ملكية عين بسبب الشراء مستنداً إلى ورقة مكتوبة لإثبات عقد البيع له، فرفضت دعواه، لم يجز أن يرفع دعوى جديدة ليثبت صحة البيع بورقة أخري أو بالبينة ولو كانت قيمة العين تجيزها، وذلك بأن سبب الملكية – وهو عقد البيع - لم يختلف، بل الاختلاف هو في أدلة الإثبات، وهذا لا يجيز تجديد المنازعة. وحدة السبب مع تعدد الدعاوى : وقد ينشأ عن السبب الموحد دعويان لصاحب الشأن الحق في اختيار إحداهما، فإذا اختار واحدة ورفض طلبه فيها كان للحكم بالرفض حجية الأمر المقضي بالنسبة إلى الدعوى الأخري، فتكون هذه غير مقبولة إذا رفعت. مثل ذلك الاستغلال. فقد قضت المادة 129 من التقنين المدني بأن المتعاقد المغبون الذي استغله المتعاقد للقاضي له أن يطلب إبطال العقد أو إنقاص التزاماته، فإذا اختار إبطال العقد، وحكم برفض دعواه، فإن هذا الحكم يجوز حجية الأمر المقضي في دعوى جديدة يرفعها المتعاقد ويطلب فيها إنقاص التزاماته. ذلك بأن الحكم بالرفض قد استنفد السبب المشترك للدعويين معاً، وهو الاستغلال. والعكس صحيح، فإذا رفضت دعوى إنقاص التزاماته، لم يجز سماع دعوى الإبطال. ومثل ذلك أيضاً ما نصت عليه المادة 438 من التقنين المدني من أنه " إذا نقصت قيمة المبيع قبل التسليم لتلف أصابه، جاز للمشتري إما أن يطلب فسخ البيع إذا كان النقص جسيما بحيث لو طرأ قبل العقد لما تم البيع، وإما أن يبقى البيع مع إنقاص الثمن ". فهنا أيضاً إذا خسر المشتري دعواه في إنقاص الثمن، كان الحكم حجة تمنع من قبول دعوى الفسخ. أما إذا خسر دعوي الفسخ لعدم وصول النقص في المبيع إلي الحد المطلوب من المسألة، فإن هذا لا يمنع من رفع دعوى إنقاص الثمن. كذلك إذا خسر مدعي الاستحقاق دعواه في استحقاق نصيب شائع، كان الحكم حجة تمنعه من أن يرفع دعوى القسمة في نفس العين الشائعة، إذ أن سبب الاستحقاق هو نفس سبب القسمة - وهو ملكية النصيب الشائع - فإذا استنفد هذا السبب في دعوى الاستحقاق، فقد استنفده أيضاً في دعوى القسمة. ويلاحظ في الأمثلة المتقدمة أن المحل في الدعويين مختلف ففي الاستغلال، محل الدعوي الأولي هو إبطال العقد، بينما المحل في الدعوى الأخرى هو إنقاص الثمن. وفي التلف الجزئي للمبيع، محل الدعوي الأولي هو فسخ العقد، ومحل الدعوى الأخرى هو إنقاص الثمن. وفي ملكية النصيب الشائع، محل الدعوي الأولي هو استحقاق هذا النصيب، ومحل الدعوى الأخري هو قسمة العين الشائعة. ومع أن المحل مختلف، فإن الحكم في الدعوى الأولي حجة في الدعوى الأخرى كما رأينا. ويمكن تعليل ذلك بأن الحكم الذي رفض الدعوي الأولي تضمن رفض الدعوى الأخرى، إذ استنفذ السبب المشترك للدعويين كما سبق القول، فيكون للحكم حجية، لا باعتباره قد فصل صراحة في الدعوى الأولي، بل باعتباره قد فصل ضمناً في الدعوي الأخرى. خاتمة – فكرتان رئيسيتان في حجية الأمر المقضي : وبعد فإن هناك فكرتين رئيسيتين تنتظمان كل ما قدمناه من شروط في حجية الأمر المقضي. الفكرة الأولي هي ضرورة حسم النزاع ووضع حد تنتهي عنده الخصومات. فما دام قد صدر في النزاع حكم قضائي قطعي، فإنه يجوز حجية الأمر المقضي في منطوقة لا في أسبابه، وذلك حتي نقف بالتقاضي عند حد معقول، فلا يتكرر النزاع مرة بعد أخري دون أن يحسم وهذه الفكرة الرئيسية الأولي هي التي تنتظم الشروط الواجب توافرها في الحكم. والفكرة الثانية هي الحيلولة دون التناقض في الأحكام مع مراعاة النسبية في الحقيقة القضائية. فما دام الحكم قد صدر ما بين نفس الخصوم، وفي ذات المحل، ولعين السبب، فالتقاضي مرة أخري يؤدي إلي حكم، إن اتفق مع الحكم الأول فلا حاجة لنا به، وإن خالفه وقعنا فيما نخشاه من التناقض. وهذه الفكرة الرئيسية الثانية هي التي تنتظم الشروط الواجب توافرها في الحق المدعى به.(الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني المجلد الأول، الصفحة : 813) معنى قوة الشيء المحكوم به : يقول المستشار أحمد نشأت بأن معنى قوة الشيء المحكوم به أو قوة الأمر المقضي أن الحكم متى أصبح نهائية يعتبر قرينة قانونية قاطعة على صحة ما قضى به لا تقبل إثبات ما ينقضها وذلك لأن الحكم النهائي يجب أن يعتبر حكماً صحيحاً للضمانات التي أوجدها الشارع في الإجراءات وفي جعل القضاء درجتين فضلاً عن الالتماس والنقض وفي اختيار القضاة ولأن المصلحة العامة تقضي بذلك لأننا إذا سمحنا لكل متنازعين أن يرفعا أمرهما إلى القضاء مرة بعد أخرى هيهات أن يصدر كم يرضيهما كليهما................ ومن أجل هذا قضت محكمة النقض في العديد من أحكامها بأن قوة الأمر المقضي تعلو على اعتبارات النظام العام وينبني على ذلك أنه متى فصل في نزاع بحكم نهائي لا يصح للمحكوم عليه أن يلجأ إلى القضاء مرة أخرى وإذا خالف ذلك فعلى المحكمة أن تقضي بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها دون بحث في موضوعها مرة أخرى مهما قدم لها من المستندات والأدلة.( المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة الجزء الثاني ص 203 وما بعدها). خامساً : الفرق بين حجية الأمر المقضي وقوة الأمر المقضي: يجب التمييز بين حجية الأمر المقضي وقوة الأمر المقضي فحجية الأمر المقضي معناه أن حاز الحكم حجية بين الخصوم وبالنسبة إلى ذات الحق محلاً وسبباً فيكون الحكم في هذه الحدود حجية لا تقبل الدحض ولا تتزحزح إلا بطريق من طرق الطعن في الحكم وتثبت هذه الحجية لكل حكم قطعي أي لكل حكم موضوعي يفصل في خصومة سواء كان هذا الحكم نهائياً أو ابتدائياً حضورياً أو غيابياً وتبقى للحكم حجيته إلى أن يزول فإن كان غيابياً حتى يزول بإلغائه في الاستئناف وإن كان نهائياً حتى يزول بنقضه أو بقبول التماس إعادة النظر فيه. أما قوة الأمر المقضي فهي مرتبة يصل إليها الحكم إذا أصبح نهائياً غير قابل لا للمعارضة ولا للاستئناف أي غير قابل للطعن فيه بطريق من طرق الطعن الاعتيادية وأن ظل قابلاً للطعن فيه بطريق غير اعتيادي.. وقد خلط المشرع في المادة 101 من قانون الإثبات حين نص على أن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي) وهو يقصد «حجية الأمر المقضي» ذلك أن الحكم القطعي نهائياً كان أو ابتدائياً حضورياً أو غيابياً تثبت له حجية الأمر المقضي لأنه حكم قضائي فصل في خصومة. ولكن هذا الحكم لا يحوز قوة الأمر إلا إذا أصبح نهائياً غير قابل للمعارضة ولا للاستئناف فإن كان في ذاته غير قابل للطعن أو كان يقبل الطعن وانقضت مواعيده أو طعن فيه ورفض الطعن ففي جميع هذه الأحوال يكون الحكم نهائياً حائزاً لقوة الأمر المقضي ولو كان قاب الطعن بطريق غير اعتيادي................ ومن ثم يتبين أن كل حكم يحوز قوة الأمر المقضي يكون حتماً حائزاً لحجية الأمر المقضي والعكس غير صحيح. الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 819 وما بعدها) سادساً : الشروط الواجب توافرها في الحكم حتى يحوز حجية: يجب توافر ثلاثة شروط في الحكم: أولاً : أن يكون هناك حكم قضائي. ثانياً : أن يكون الحكم قطعياً. ثالثاً : أن يكون التمسك بالحجية في منطوق الحكم دون أسبابه. وفيما يلي تفصيل لكل شرط: أولاً : أن يكون حكم قضائي: يجب أن يكون هناك حكم بمعنى الكلمة أي حكم صادر من جهة قضائية بموجب سلطتها القضائية وأن يكون لهذه الجهة القضائية الولاية في الحكم الذي أصدرته ومن ثم فإن الفتوى أياً كانت جهة الإفتاء لا حجية لها والقرار الإداري وهو صادر من جهة إدارية لا من جهة قضائية لا تكون له حجية الأمر المقضي وكذلك لا تكون لقرارات الحفظ الصادرة من النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام حجية الأمر المقضي فلابد إذن أن يصدر الحكم من جهة قضائية ويستوي في ذلك أن تكون جهة القضاء مدنية أو تجارية أو شرعية أو مالية أو إدارية. أو من جهات القضاء الاستثنائي كالأحكام التي تصدرها المحاكم العسكرية بشرط ألا تجاوز هذه الجهات الاستثنائية حدود اختصاصها بل إن الحجية تثبت حتى للأحكام التي صدرت من جهات قضائية كانت قائمة ثم ألغيت مثل المحاكم المختلطة، ويكون للحكم الصادر من المحكمين حجية الأمر المقضي إذ التحكيم جهة قضاء نظمها القانون وإذا كان لابد من صدور حکم قضائي من جهة قضائية بما لها من سلطة قضائية ولائية فإنه يجب أن تكون تلك الجهة مختصة اختصاصاً متعلقاً بالوظيفة أي ينبغي أن يكون لها ولاية في الحكم الذي أصدرته فإذا لم يكن للمحكمة ولاية فلا يكون لحكمها حجية الأمر المقضي. ولا يمنع من اعتبار الحكم حكماً بمعنى الكلمة حائزاً لحجية الشيء المحكوم به صدوره من هيئة قضائية استئنافية كالأحكام التي تصدر من لجان الإيجارات ولجان الري والترع والجسور ومتى صدر الحكم من جهة قضائية لها الولاية في إصداره فإنه يحوز الحجية حتى ولو كانت المحكمة التي أصدرته غير مختصة اختصاصاً نوعياً أو محلياً ويجوز الحكم الأمر المقضي متى توافرت الشروط السابقة حتى ولو كان معيباً بعيب يؤدي إلى بطلان بسبب خطأ في الإجراءات التي بني عليها أو في إجراءات إصداره وتحريره أو غير ذلك. فالسبيل إلى إصلاح هذه العيوب هو الطعن في الأحكام طبقاً للقواعد المقررة لذلك. ويلاحظ أنه إذا منح المشرع الاختصاص بنظر نزاع ما للجنة ذات اختصاص قضائي كلجنة تقدير القيمة الإيجارية للأماكن عملاً بقانون المساكن أو لجنة الطعن بمصلحة الضرائب ولم يحصل التظلم من قراراتها في الميعاد المقرر في التشريع أمام المحاكم العادية أو أمام أية هيئة قضائية متخصصة يحددها القانون فإن هذه القرارات تعتبر عندئذ باتة غير قابلة لأي طعن وتكون لها بطبيعة الحال كامل الحجية. ثانياً : أن يكون الحكم قطعياً: يجب أن يكون الحكم قطعياً أو باتاً كالحكم بالحق المدعى به كله أو بعضه أو كالفصل قطعياً في أي نقطة بالدعوى متنازع عليها بحيث لا يصح الرجوع في حكمها فيها أو تعديله ولو كان الحكم خاطئاً فليس من الضروري أن يكون الحكم صادراً في موضوع الدعوى ذاته فالحكم ببطلان صحيفة الدعوى يجوز حجية الشيء المحكوم به وكذلك الحكم الصادر بعدم قبول الدعوى أو بعدم جواز نظرها أو بسقوطها بمضي المدة أو بسقوط الخصوم أو تركها والحكم بعدم الاختصاص والحكم في أي دفع سواء كان متعلقاً بالموضوع أو بالإجراءات والدفع بطلب الإحالة للارتباط أو لوجود الدعوى بمحكمة جزئية أو عدم جواز الإثبات بالبينة أو توجيه اليمين الحاسمة أو دخول خصم ثالث في الدعوى إلا إذا تغيرت الظروف التي أدت إلى إصداره هذا بالنسبة للحكم واشترط كونه قطعياً وحجية الأمر المقضي تثبت للحكم القطعي حتى ولو كان قابلاً للطعن فيه بالمعارضة والاستئناف فلا يلزم أن يكون الحكم نهائياً أي حائزاً لقوة الأمر المقضي فالحجية تثبت للأحكام حتى ولو لم تكن نهائية. ثالثاً: تقتصر الحجية أساساً على منطوق الأحكام القطعية دون أسبابها ودون وقائع الدعوى : الأصل أن الحجية تقتصر على منطوق الحكم أما الأسباب فهي تشمل الحجج القانونية والأدلة الواقعية التي بني عليها ومع ذلك فإن الأسباب المكملة للمنطوق والمعتبرة معه وحدة لا تتجزأ أو المتصلة به اتصالاً حتمياً أو المرتبطة به ارتباطاً وثيقاً لا يقبل التجزئة تكتسب الحجية معه دون الأسباب الزائدة فهذه لا حجية لها. وما يرد في الأسباب على غير سبيل أحد الخصوم بطرق عرضي كما وأن قضاء الحكم بصورة ضمنية وخاصة في الدفوع يحوز الحجية أما وقائع الدعوى فلا حجية لها في دعوى أخرى مع مراعاة أن محكمة الموضوع لا تحكم إلا في إطار الوقائع التي يلي بها الخصوم ويكتسب منطوق الحكم الحجية بمجرد صدوره ولو كان قابلاً للطعن فيه أو طعن فيه فعلاً إذ أن نفاذ الحكم غير تنفيذه. والخلاصة في هذا أن الأصل هو ثبوت الحجية لمنطوق الحكم إلا أن الحجية قد ثبتت للأسباب كذلك إذا اتصلت الأسباب المنطوق اتصالاً وثيقاً أما بالنسبة للوقائع فقد يحدث أن تكتمل بعض وقائع الدعوى منطوق الحكم بحيث يكون المنطوق ناقصاً بدونها وفي هذه الحالة تكون الوقائع حجية الأمر المقضي فيما تكمل فيه المنطوق. في تفصيل ذلك الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 835 وما بعدها. والدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات طبعة 1981 ص 137 وما بعدها. والمستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة الجزء الثاني ص 208 وما بعدها والدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات طبعة 1981 ص 252 ). سابعاً : شروط الدفع بحجية الأمر المقضي: نصت المادة 101 من قانون الإثبات (......... ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق ذات الحق محلاً وسبياً) ومفاد ذلك أنه يشترط الدفع بحجية الأمر المقضي ضرورة أن يتوافر في كلا الدعويين اتحاد الخصوم بصفاتهم واتحاد المحل واتحاد السبب وذلك على التفصيل الآتي: 1- اتحاد الخصوم: إذا اختلفت الخصوم انتفى الاحتجاج عليها بحجية الشيء المقضي به ولو كانوا شركاء في الملك أو في الدين المقضي به مادام لم يسبق تمثيلهم في الخصومة، ويجب هنا عدم الخلط بين اتحاد طرفي الخصوم في الدعوى واتحاد الأشخاص الذين يباشرونها فقد يكون الخصوم متحدين مع اختلاف الأشخاص والعكس بالعكس فإذا رفع زید دعوى بملكية عقار وقضى برفضها فلا يقبل من ورثته مباشرتها لأنه بالرغم من اختلاف الأشخاص فالقانون يعتبر الخصوم متحدين في هذه الحالة لأن الورثة يمثلون شخص مورثهم وكذلك الدائنون العاديون لا يجوز لهم أن يباشروا دعاوى مدینهم نيابة عنه إذا كان قد سبق أو باشرها وأخفق فيها ويحتج على الخلفاء الخصوصيين بالأحكام التي صدرت ضد الخلف عنه ما داموا تلقوا الحق عنه بعد صدورها وتعلقت هذه الأحكام بالحقوق التي آلت إليهم وإذا رفع زید دعوى باسمه الخاص ببطلان عقد وصيته وأخفق فيها جاز له مباشرتها ثانياً بصفته وصياً على عمرو لأن اتحاد أشخاص الخصوم لا يحول دون العودة للنزاع إذا اختلفت الصفة التي يخاصمون بها، ولا تقوم حجية الأحكام القضائية في المسائل المدنية إلا بين من كان طرفاً فيها حقيقة أو حكماً وعلى ذلك لا يجوز للخارج من الخصومة أن يتمسك بحجية الحكم السابق صدوره لمصلحة شخص آخر غيره اعتماداً على وحدة (الموضوع العشماوي في قواعد المرافعات الجزء الثاني ص 744). وخلاصة ذلك أن الحكم لا يعتبر حجة على الخصوم الحقيقيين في الدعوى فحسب بل هو أيضاً حجة على خلفائهم سواء كانت الخلافة عامة أو خاصة بل ويكون الحكم حجة أيضاً على الدائنين إلا إذا صدر الحكم نتيجة لتواطؤ المدين مع خصمه أضرار بالدائن فإن هذا الحكم لا يكون حجة على الدائن أما بالنسبة للغير أي غير الخلف العام والخلف الخاص والدائن العادي فلا يكون الحكم عليه ولا تختلف الغيرية هنا في جوهر ما عن الغيرية في العقد (الدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات طبعة 1981 ص 148 وما بعدها) كما يلاحظ أن هناك أحكاماً لا تثبت لها الحجية حتى بالنسبة إلى أشخاص دخلوا في الدعوى وهناك على العكس من ذلك أحكام تثبت لها الحجية حتى بالنسبة إلى أشخاص لم يدخلوا مثل الحالة الأولى أن يكون الشخص الذي دخل في الدعوى ليس خصماً حقيقياً فيها ومثل الحالة الثانية أن يكون الحكم منشئاً لحالة مدنية كالحكم الصادر بتوقيع الحجز فإنه يكون حجة على الناس كافة من دخل الدعوى ومن لم يدخل. (الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 891 وما بعدها) 2- اتحاد المحل: تقتصر حجية الحكم على ما طلب في الدعوى التي صدر فيها فيجب للتمسك بحجية الأمر المقضي به أن يكون محل الدعوى الجديدة هو ذات محل الدعوى التي فصل فيها الحكم فإذا رفعت دعوى بطلب إبطال عقد أو الحكم بملكية عين وقضى برفضها امتنع على المدعي أن يرفع دعوى جديدة لإبطال ذات العقد أو للحكم له بملكية ذات العين ولكن يجوز له أن يرفع دعوى بقسمة العقد أو بانقضاء الالتزام الناشئ عنه في الحالة الأولى أو يدعي من جديد بحق انتفاع على ذات العين أو بملكية عين أخرى في حيازة المدعى عليه ووحدة المحل تبقى قائمة أيا كانت التغيرات التي تصيب هذا المحل بعد ذلك من نقص أو زيادة أو تعديل القاعدة في معرفة ما إذا كان محل الدعويين متحداً أن يتحقق القاضي من أن قضاءه في الدعوى الجديدة لا يعدو أن يكون مجرد تكرار للحكم السابق فلا تكون هناك فائدة أو أن يكون مناقضاً للحكم السابق فلا تكون هناك فائدة منه أو أن يكون مناقضاً للحكم السابق بإقرار حق أو إنكار حق أقره فيكون هناك حكمان متناقضان. (الدكتور محمود جمال الدين زكي في الوجيز في النظرية العامة للالتزامات الطبعة الثالثة ص 1164 والدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد، الأول ص 895 ). 3- اتحاد السبب: ويقصد باتحاد السبب اتحاد الأساس القانوني الذي تبنى عليه الدعوى فالسبب هنا هو المصدر الذي يتولد عنه موضوع الدعوى ويلاحظ أن الطلب قد يكون واحداً في الدعويين ويكون كذلك عن نفس الشيء ولكن أساسه يختلف فلا يكون الحكم الأول حجية في الدعوى الثانية فيجب أن التفرقة بين الموضوع والسبب فإذا رفعت دعوى بطلب بطلان التصرف على أساس الغلط كان موضوع الدعوى هنا وهو البطلان وسبب الدعوى هو الغلط فإذا رفضت في هذه الحالة لا يوجد ما يمنع أن ترفع دعوى للمطالبة بالبطلان نفس موضوع الدعوى الأول» ولكن على أساس الإكراه أو التدليس لأن هذه معايرة للسبب الأول وهو الغلط الدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات طبعة 1981 ص 154) ويلاحظ عدم الخلط بين السبب والأدلة أو الحجج التي يتمسك بها الإنسان الإثبات وجود السبب فاختلاف السبب هو الذي يؤثر في قوة الشيء المحكوم به أما اختلاف الأدلة فلا وقد تتعدد الأبلة فلا وقد تتعد الأدلة لإثبات السبب الواحد كالقرض يمكن إثباته بالكتابة وشهادة الشهود والقرائن في بعض الأحوال والإقرار واليمين وقد أوجب الشارع في المادة 101 من قانون الإثبات عدم اختلاف السبب ولم يوجب عدم اختلاف الأدلة والحجج. (المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الجزء الثاني ص 293) ثامناً : الحجية من النظام العام : نصت المادة 101 في فقرتها الأخيرة على أنه «وتقضى المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها» وتقوم هذه الحجية وكما جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون الإثبات على ما يفرضه القانون من صحة مطلقة في حكم القضاء رعاية لحسن سير العدالة وضماناً للاستقرار الاقتصادي و الاجتماعي وهي أغراض تتصل اتصالاً وثيقاً بالنظام العام ومن ثم فإنه يتعين على القاضي بعدما يتحقق من توافر الشروط الواردة بالمادة 101 من قانون الإثبات القضاء بعدم قبول الدعوى أو بعلم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها ويكون ذلك ولو من تلقاء نفسه. (الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015، دار محمود، المجلد : الثاني، الصفحة : 206) يجب التمييز بين حجية الأمر المقضي وقوة الأمر المقضي، فحجية الأمر المقضي معناها أن للحكم حجية فيما بين الخصوم، وبالنسب إلي ذات الحق محلاً وسبباً، وأما قوة الأمر المقضي فهي المرتبة التي يصل إليها الحكم إذا أصبح نهائياً غير قابل للطعن فيه بطريق من طرق الطعن الاعتيادية، وإن ظل قابلاً للطعن فيه بطريق غير اعتيادي فالحكم القطعي نهائياً كان أو ابتدائياً حضورياً أو غيابياً، تثبت له حجية الأمر المقضي إلا إذا أصبح نهائياً غير قابل للطعن فيه بطريق اعتيادي، وإلا فإنه لا يحوز هذه القوة ولكن تكون له حجية الأمر المقضي. وتبقى هذه الحجية قائمة ما دام الحكم قائماً، فإذا ما طعن فيه بطريق اعتيادي كاستئناف اعتيادي أوقفت حجيته فإذا ألغى نتيجة للطعن زال وزالت معه حجيته. أما إذا تأيد ولم يعد قابلاً للطعن بطريق اعتيادي بقيت له حجية الأمر المقضي وأضافت لها قوة الأمر المقضي، ومن ثم يتبين أن كل حكم يحوز قوة الأمر المقضي يكون حتماً حائزاً لحجية الأمر المقضي والعكس غير صحيح والمهم في هذا الأمر هو حجية الأمر المقضي إذ تصبح للحكم حجية علي الخصوم تمنع من طرح النزاع بينهم من جديد ولو كان الحكم ابتدائياً فلا يجوز لأحد منهم أن يجدد النزاع بدعوى مبتدأة وتكون الدعوة المبتدأة غير مقبولة ويجوز للخصوم إبداء هذا الدفع وعلى المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولكن حجية الأمر المقضي لا تمنع من الطعن في الحكم بالطرق المقررة. وتثبت للحكم حجية سواء أكان صادراً في طلبات أصلية مفتتحة للخصومة أو في طلبات عارضة أو عند التدخل أو اختصام الغير. وتمسك الخصم بحجية حكم نهائي أمام محكمة الدرجة الأولي يعد مطروحاً على محكمة الاستئناف اعتباراً بأن الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بما فيها من أدلة ودفوع وأوجه دفاع، وفي حالة ما إذا كان الحكم لم يصبح نهائيا وقدم لمحكمة الموضوع فإن هذا لا يمنعها من أن تأخذ بأسبابه كدليل في الدعوى ما دامت قد اقتنعت بصحة النظر الذي ذهب إليه وليس على أساس أن له حجية تلزمها. هذا ونلاحظ أن المشرع في هذه المادة قد خلط بين حجية الأمر المقضي وقوة الأمر المقضي ولا جدال أن المقصود هو حجية الأمر المقضي، وهذا ظاهر مما أوردته المذكرة الإيضاحية حينما أشارت إلي حجية الأمر المقضي. وحتى تثبت للحكم الحجية يجب أن تتوافر فيه ثلاثة شروط: الشرط الأول : أن يكون الحكم قضائياً أي صادراً من جهة قضائية بموجب سلطتها القضائية ويستوي في ذلك أن تكون هذه الجهة هي القضاء العادي كالمحاكم المدنية أو جهة القضاء الإداري كالمحاكم الإدارية، أو تكون هيئة قضائية استثنائية كالمجالس العسكرية أو تكون هيئة إدارية ذات اختصاص قضائي كمجلس مراجعة تقدير الإيجارات الذي ألغى ولجان الفصل في المنازعات الزراعية التي ألغيت، ويجب أن تكون المحكمة قد أصدرت الحكم بموجب سلطتها القضائية لا بموجب سلطتها الولائية، فالتصديق على الصلح وإجراء القسمة قضائياً، والتصديق على القسمة إذا كان بين الشركاء غائب أو كان بينهم من لم تتوافر فيه الأهلية، وتصديق المحكمة على الحساب الذي يقدمه الأولياء والأوصياء والقوام. كل هذه الأوامر تصدر من المحكمة بموجب سلطتها الولائية فلا تجوز حجية الأمر المقضي وكذلك الحكم بتعيين وصي أو قيم في غير خصومة، وإقامة ناظر علي الوقف في غير خصومة وجميع الأحكام الصادرة من محاكم الأحوال الشخصية في مسائل الولاية علي المال لا تجوز حجية لأنها ليست إلا قرارات وقتية يجوز العدول عنها أو إصدار ما يخالفها. وأحكام النفقات تعتبر ذات حجية مؤقتة فتزول بزوال الأسباب التي دعت إلي إصدارها، والإذن للأولياء والأوصياء والقوام في مباشرة التصرفات والحكم بمرسى المزاد والأمر الصادر من رئيس المحكمة بإعطاء الدائن حق اختصاص وقائمة التوزيع بين الدائنين في غير ما يفصل فيه من مناقضات ومعارضات وقرارات لجان المعاناة من الرسوم القضائية. كل هذه تعتبر أوامر ولائية لا تحوز حجية الأمر المقضي. الشرط الثاني : أن يكون الحكم قطعياً وهو الصادر في الموضوع بالبت فيه ولو كان حكماً ابتدائياً، فإذا لم يبت الحكم في الخصومة علي وجه حاسم لم يجز حجية الأمر المقضي كالحكم بغرامة تهديدية والحكم برفض الدعوى بالحالة التي هي عليها والحكم بإخراج خصم من الدعوى أو بعدم قبول تدخله، أما الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع فهي ليست بأحكام قضائية ولا تحوز حجية الأمر المقضي كأحكام الإثبات كالإحالة للتحقيق وتعيين خبير والحكم الصادر باستجواب الخصوم، والحكم في دعاوى إثبات الحالة والحكم بالحراسة القضائية، والحكام الصادرة من قاضي الأمور المستعجلة لا تجوز حجية الأمر المقضي إلا في حدود ما لها من صفة مؤقتة دون المساس بالحق. ويعتبر قطعياً فتثبت له الحجية الحكم الذي يبت في دفع سواء أكان الدفع موضوعياً أم شكلياً كالحكم بالاختصاص والحكم بعدم قبول الدعوى أو بعد جواز سماعها والحكم ببطلان صحيفة الدعوى والحكم بقبول الاستئناف شكلاً. ويعتبر حكماً قطعياً كذلك فتثبت له الحجية الحكم الذي يبت في نزاع يتصل بإجراءات الخصومة كالحكم بسقوط الخصومة وبإنقضائها بمضي المدة وبترکها وباعتبار الدعوى كأن لم تكن. والحكم بوقف السير في الدعوى لاتخاذ إجراء ضروري حكم قطعي. غير أنه إذا تضمن الحكم الصادر بإجراء الإثبات قضاء قطعياً كما لو دفع أمام المحكمة بعدم جواز الإثبات بالبينة وحكمت برفض الدفع وبإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الواقعة المدعى بها بشهادة الشهود ففي هذه الحالة يكون الحكم قد حسم النزاع بين الخصوم علي وسيلة الإثبات بعد أن تجادلوا في جواز أو عدم جوازها فيكون للحكم في هذه الحالة حجية الأمر المقضي في هذه المسألة وذلك أمام المحكمة التي أصدرته ولا يجوز لها العدول عنه، وكذلك الحكم الصادر بندب خبير لتقدير قيمة الضرر الذي أصاب المدعي بعد أن بينت المحكمة في أسبابها أن المدعى عليه هو المتسبب في هذا الضرر. الشرط الثالث : أن يكون الحكم صادراً من محكمة مختصة اختصاصاً يجعل لها ولاية في إصداره، فالحكم الذي يصدر من محكمة مدنية في مسألة يختص بها القضاء الجنائي لا تكون له حجية الأمر المقضي وكالحكم الذي يصدر من محكمة جنائية في مسألة مدنية لا تختص بها والحكم الذي يصدر من جهة القضاء العادل في المسائل الإدارية التي يختص بها القضاء الإداري، ففي هذه الصورة تعتبر قواعد الاختصاص متعلقة بالوظيفة أي بولاية القضاء، أما قواعد الاختصاص النوعي فهي وإن كانت تتعلق بالنظام العام شأنها في ذلك شأن قواعد الاختصاص المتعلقة بالولاية إلا أن مخالفتها لا تمنع من ثبوت الحجية للحكم، فلو أن حكماً صدر من محكمة جزئية في دعوى من اختصاص المحكمة الابتدائية فإن هذا الحكم يحوز حجية الأمر المقضي أمام جهات القضاء الأخرى، فضلاً عن الجهة التي أصدرته، كذلك تثبت الحجية لحكم صادر من محكمة غير مختصة بإصداره اختصاصها محلياً. وتثبت الحجية للحكم ولو كانت المحكمة قد قضت بأكثر مما طلبه الخصم أو قضت بما لم يطلبه ولو أن الحكم في هذه الحالة يكون قابلاً للطعن فيه بالتماس إعادة النظر. وإذا أغفلت المحكمة الحكم في طلب موضوعي بشرط أن يكون إغفالاً كلياً جاز للخصم صاحب المصلحة أن يعيد تقديم الطلب إلى ذات المحكمة التي أغفلت الفصل فيه بالإجراءات المعتادة لإقامة الدعوى أمامها عملاً بالمادة 193 مرافعات، ولا يعتبر الحكم في باقي الطلبات رفضا لتلك الطلبات الموضوعية الي أغفلت المحكمة الفصل فيها إغفالاً كلياً، وبالتالي لا يجوز هذا الحكم حجية بالنسبة لما أغفلت المحكمة الفصل فيه. وإذا أدلى الخصم بطلب أصلي وطلب احتياطي، ورفضت المحكمة الطلب الأول وقضت في الثاني فإن الحجية تتوافر للحكمين، أما إذ أقضت في الطلب الأصلي بإجابته ولم تر محلاً بطبيعة الحال لنظر الطلب الاحتياطي فإن الحكم الأصلي هو الذي يجوز الحجية وحده. وثبوت الحجية للحكم لا يقدح فيه أن تكون المحكمة التي أصدرته قد أخطأت في تطبيق القانون حتى ولو كان خطؤها بالحكم في مسألة متعلقة بالنظام العام إذ أن حجية الأحكام تعلو على قواعد النظام العام، وإذا كان الحكم مشوباً بأى عيب من العيوب التي يكون جزاؤها بطلان الحكم فلا تزول عنه حجيته إلا إذا طعن فيه بإحدى الطرق المقررة للطعن في الأحكام، وألغي بناء علي هذا الطعن، أما الأحكام المعدومة فلا تحوز حجية كما سنبين بعد ذلك. أجزاء الحكم التي تثبت لها الحجية : يتكون الحكم من أجزاء ثلاثة هي : 1- المنطوق وهو الذي يتضمن ما قضت به المحكمة في النزاع المعروض عليها. 2 - الأسباب وهي التي تعرض فيها المحكمة حجج الخصوم وتناقشها وتبين الحجج التي استندت إليها فيما قضت به. 3- الوقائع وهي التي تشمل على عرض الموضوع النزاع. والأصل أن منطوق الحكم هو الذي تثبت له الحجية لأنه تتمثل فيه الحقيقة القضائية غير أنه يشترط في ثبوت حجية الشيء المحكوم فيه لما يرد في منطوق الحكم أن يكون قد ورد فيه بصيغة الحكم والفصل نتيجة لبحث وموازنة، فإذا أورد الحكم في منطوقه بعض العبارات العارضة التي تشمل أمراً لم تتناوله مرافعة الخصوم ولم يرد في طلباتهم، فمثل هذه العبارات لا تحوز حجية الشيء المحكوم فيه ما دامت لم ترد فيه بصيغة الحكم والفصل. ومثل ذلك أن تحكم المحكمة بإلزام شخص بتقديم حساب، وأن تذكر أن أصل أحد الديون مقداره كذا مع أن هذا المقدار لم يكن محل مرافعة أحد من الخصوم، أو أن تحكم المحكمة في مسألة أصلية وتقضي بصفة إجمالية برفض ما عدا ذلك من الطلبات فإن هذه العبارة الأخيرة لا تسري إلا على الطلبات التي ناقشتها المحكمة. وقد يفصل المنطوق في بعض نقط النزاع بطريق ضمني فتثبت الحجية لهذا المنطوق الضمني ما دام هو النتيجة الحتمية للمنطوق الصریح فالحكم الذي قضى بصحة الإجراءات التي اتخذت لتنفيذ سند تكون له حجية الأمر المقضي في صحة هذا السند ونفاذه لأن الحكم بصحة الإجراءات يقتضي ضرورة صحة السند وقابليته للتنفيذ، كذلك يشمل المنطوق الذي تثبت له الحجية ما قضی به لا في الدعوى الأصلية فحسب بل أيضاً في الدعاوى والدفوع التبعية فإذا دفع المدعى عليه الدعوى بدفع أو أقام دعوى عارضة أو أثيرت مسألة أولية من أي من الخصمين فقضى الحكم في كل هذا، فإنه في جميع هذه المسائل الفرعية تكون له حجية الأمر المقضي كالمنطوق الصادر في الدعوى الأصلية. أما أسباب الحكم فلا تكون لها في الأصل حجية الأمر المقضي غير أن هناك من الأسباب ما تكون له الحجية وهي الأسباب التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمنطوق الحكم، تحدد معناه أو تكمله، بحيث لا يقوم المنطوق بدون هذه الأسباب. وبحيث إذا بعزل عنها صار مبهماً أو ناقصاً، أما إذا كانت المحكمة قد عرضت تزيداً في بعض أسباب الحكم إلي مسألة خارجة عن حدود النزاع المطروح عليها أو لم تكن بها حاجة إليها للفصل في الدعوى فإن ما عرضت له من ذلك في أسباب حكمها لا تكون له حجية الأمر المقضي ( تراجع الأمثلة الواردة في أحكام النقض ). أما وقائع الدعوى فهي في الأصل لا حجية لها في دعوى أخرى، وإنما هي حجة بما جاء فيها في نفس الدعوى. وإذا طعن في الحكم بالنقض فتتقيد محكمة النقض بما أثبتته محكمة الموضوع من الوقائع، ولا تبسط رقابتها إلا في مسائل القانون، ولكن قد تكمل بعض وقائع الدعوى منطوق الحكم بحيث يكون المنطوق ناقصاً بدونها فتكون للوقائع عندئذ حجية الأمر المقضي فيما تكمل فيه المنطوق وقد قضي بأنه إذا لم يوضح في منطوق الحكم مقدار الشيء المحكوم به وكان هذا المقدار مبيناً في عريضة افتتاح الدعوى وفي وقائع الحكم، ولم ينازع فيه الخصم، ولم تمس المحكمة من جهتها المقدار المذكور بأي نقصان، فإنه يتعين اعتبار وقائع الحكم ومنطوقه مكونين في هذه النقطة لمجموع واحد لا يتجزأ بحيث يكون للحكم فيما يختص بذلك المقدار حجية الأمر المقضي. ولا ينبغي أن يمتد نطاق الحجة إلي أكثر مما فصل فيه الحكم، كما لا ينبغي أن يقصر دون ذلك ويجب أخذ وقائع الدعوى في الاعتبار عند تحديد نطاق الحكم، فالحكم بمنطوقه وأسبابه ووقائعه كل يساعد في مجموعه علي تحديد نطاق ما تم الفصل فيه. ويذهب رأي في الفقه الحديث إلى وجوب الاعتداد بوحدة المسألة المحكوم فيها دون الاعتداد بوحدة المحل ووحدة السبب كل علي حده لما يكتنف هذا المعيار الأخير من غموض. (رسالة الدكتور أحمد الصاوي). حجية الشيء المحكوم فيه لا تمنع من تصحيح الخطأ المادي في الحكم: هذا ونحب أن ننوه بأن حجية الشيء المحكوم فيه لا تحول دون تصحيح خطأ مادي وقع في الحكم كتابياً أو حسابياً، وذلك طبقاً لما نص عليه في المادة 191 مرافعات بشرط أن يشمل الحكم سواء في منطوقه، أو في أسبابه العناصر اللازمة لهذا التصحيح بحيث لا تكون هناك حاجة مطلقاً للبحث في الموضوع مرة أخرى. حجية الأحكام المستعجلة : من المقرر أن الأحكام المستعجلة لا تؤثر في محكمة الموضوع عند نظر الدعوى أو أصل الحق ولا تحوز أمامها حجية الشيء المحكوم فيه، بل أن لها أن تعدل أو تغير فيها كما لها ألا تعتبرها، ومن ثم فلمحكمة الموضوع على الرغم من صدور حكم مستعجل يفيد صحة إجراءات التنفيذ التي اتخذها الدائن أن تعتبر الإجراءات المذكورة غير صحيحة وتقضي بإلزام الدائن بتعويض عنها، ويستثنى من ذلك الأحكام التي تصدر في دعاوى إثبات الحالة، فإنها تبقى دائماً هي وتقارير الخبراء الذين عينوا فيها محل اعتبار محكمة الموضوع عند الحكم في أصل الحق الذي أسس عليها بشرط صدورها في حدود القانون، وعن أمور مستعجلة حقيقية. غير أنه رغم أن الأحكام التي تصدر في الإجراءات المستعجلة وقتية إلا أنها تقيد القضاء المستعجل وتلزم طرفي الخصومة فليس للأول أن يعدل بقرار ثان عما قضى به أولا وكذلك ليس للأخيرين أن يرفعوا دعوى ثانية بذات الموضوع أمام المحكمة المستعجلة بقصد الوصول إلى حكم مانع أو معدل للحكم الأول الصادر في الدعوى الأولى إلا إذا حصل تغيير أو تعديل في الوقائع المادية أو في المركز القانوني للطرفين أو لأحدهما. حجية الأحكام التي تنشئ الحالة المدنية والأحكام التي تقرها : الأحكام التي تنشئ الحالة المدنية هي وحدها التي تكون لها حجة علي الناس كافة دون التي تقرها، وقد قضت محكمة النقض بالآتي " لما كان المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأحكام التي تنشئ الحالة المدنية هي وحدها التي تكون حجة علي الناس كافة دون تلك التي تقرها، وكان الحكم الصادر بتقدير سن المورث وتحديد تاريخ ميلاده التقريبي يقر حالة ولا ينشئها باعتبار أنه لا يقصد منه سوى إثبات ميلاد المطلوب قيد اسمه بدفاتر المواليد ونسبته إلى أمه وأبيه "، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثارته الطاعنة بسبب النعي في قوله ". أما السن التقديرية للمورث الثابتة بالمستخرج الرسمي وبناء علي حكم قضائي فإنه كما قالت محكمة أول درجة وبحق فإن تقدير السن إنما يخضع للظواهر الجسمانية والتي تختلف من شخص لآخر وذلك أمر ملموس للآن ولم يقطع به الطب العلمي برأي قاطع فلا يستطيع أحد تقدير السن بما يطابق واقع تاريخ الميلاد عند جهالته، ومن أجل هذا جرى فقهاء المذهب الحنفي بأنه لا يحلف علي السن لأنه كما سبق القول مما لا يدخل تحت العلم اليقيني الذي يرد عليه التحليف ".. وكان هذا الذى أورده الحكم يكفي للرد على دفاع الطاعنة المؤسس علي واقعة ظنية لا يسوغ ابتناء الأحكام عليها، فإن النبي عليه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب يكون على غير أساس. (نقض 7 / 3 / 1979 سنة 20 ص 753). حجية الحكم الصادر بوقف الدعوى تعليقياً : نصت المادة 1/ 129 مرافعات على أنه " في غير الأحوال التي نص فيها القانون على وقف الدعوى وجوباً أو جوازاً يكون للمحكمة أن تأمر بوقفها كلما رأت تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة أخرى يتوقف عليها الحكم ". ونصت الفقرة الثانية من المادة على أنه " بمجرد زوال سبب الوقف يكون للخصوم تعجيل الدعوى. ونصت المادة 16 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 على أنه " إذا دفعت قضية مرفوعة أمام المحكمة بدفع يثير نزاعاً تختص بالفصل فيه جهة قضاء أخرى، وجب على المحكمة إذا رأت ضرورة الفصل في الدفع قبل الحكم في موضوع الدعوى أن توقفها وتحدد للخصم الموجه إليه الدفع ميعاداً يستصدر فيه حكماً نهائياً من الجهة المختصة وإن لم تر لزوماً لذلك أغفلت الدفع وحكمت في موضوع الدعوى. وتنص الفقرة الثانية على أنه " إذا قصر الخصم في استصدار حكم نهائي في الدفع في المدة المحددة كان للمحكمة أن تفصل في الدعوى بحالتها ". وهذه المادة تختلف عن المادة 129 في أنها توجب على المحكمة عند القضاء بالوقف التعليقي أن تحدد للخصم ميعادا يستصدر فيه الحكم النهائي من الجهة المختصة، وفي أنها لا تكفي للقول بتقصير هذا الخصم بمجرد مضي الميعاد الذي حددته دون استصدار الحكم النهائي بل تستلزم أن يكون ذلك راجعا لتقصيره، وفي أنها تجيز عند المخالفة الفصل في الدعوى بحالتها دون انتظار صدور ذلك الحكم بما يتيح للطرف الآخر تعجيل الدعوى بعد انتهاء مدة الوقف، ويطلب الفصل فيها بحالتها لمضي الأجل دون صدور الحكم بتقصير من خصمه، وهذا الجزاء وإن لم تنص عليه المادة 129 مرافعات إلا أنه يتفق والقواعد العامة. وقد اختلف الشراح في مدى سريان كل من المادتين والرأي الذي اعتنقناه أن الكل منهما مجالها بمعنى أن مادة قانون السلطة القضائية لا تنطبق إلا إذا كان النزاع الذي أثير أمام المحكمة تختص به جهة قضاء أخرى، كما إذا كان النزاع مطروحة على جهة قضاء عادي ودفع أمامها بدفع يدخل في اختصاص المحكمة الدستورية كعدم دستورية القانون المطبق أو دفع أمامها بدفع يدخل في اختصاص القضاء الإداري، أما إذا كان النزاع الذي رفعت به الدعوى يدخل في اختصاص جهة القضاء التابعة لها المحكمة، ولكنها من اختصاص محكمة أخرى، كما إذا رفعت دعوى القسمة أمام محكمة جزئية وأثير فيها نزاع على الملكية وكانت قيمة الدعوى تزيد على خمسة آلاف جنيه فإن نص المادة 129 مرافعات هو الذي يطبق. وإذا قضت المحكمة بالوقف التعليقي فإن هذا الحكم قطعي فيما يتضمنه من عدم جواز الفصل في الدعوى قبل البت في الإجراء الآخر الذي أوقفت الدعوى بسيبه ويتعين على المحكمة احترام هذا الحكم وعدم معاودة النظر في الدعوى حتى يقدم لها الدليل على تنفيذ ذلك الحكم. (راجع أحكام النقض التي وردت في الوقف التعليقي). حجية الحكم الصادر من المحكمة الاستئنافية بإلغاء الحكم المستأنف وإعادة الدعوى لمحكمة أول درجة : في حالة ما إذا أصدرت محكمة أول درجة حكما أنهت فيه الدعوى أمامها لقبولها دفعاً شكلياً بحتاً منعها من نظر الدعوى كالدفع بعدم قبول الدعوى لأن الدائن لم يتبع إجراء معيناً يتعين عليه أن يلجه قبل أن يطرق باب القضاء أو الدفع بعدم قبول الدعوى لأن الدائن لم يلجأ لطريق استصدار أمر الأداء أو لأن المدعي لم يقم بإعلان رغبته في الأخذ بالشفعة ورأت المحكمة الاستئنافية إلغاء الحكم، فإنه يتعين عليها أن تعيد الدعوى لمحكمة أول درجة الفصل فيها مجدداً، وهذا الحكم يقيد محكمة أول درجة ويلزمها بنظر الدعوى من جديد ولا يجوز لها أن تحتج بأنها سبق أن أصدرت حكماً أنهت فيه النزاع أمامها لأن الحكم الاستئنافي أسبغ عليها اختصاصاً جديداً وألغى حكمها، وإلغاء الحكم يزيل حجيته. (راجع في شرح هذا الأمر بتفصيل أحكام النقض الكثيرة التي صدرت في هذا الموضوع في مؤلفنا في التعليق على قانون المرافعات، الطبعة التاسعة، الجزء الثاني ص 418 وما بعدها). حجية أحكام المحكمة الدستورية : أولاً : أحكام المحكمة الدستورية تسري على الكافة : 1- من المقرر أن الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية هي دعاوى عينية توجه الخصومة فيها إلى النصوص التشريعية التي طعن عليها بمخالفة الدستور، وبالتالي فإن حجيتها لا يقتصر أثرها علي الخصوم في الدعاوى التي صدرت فيها بل يسري على الكافة بما فيها جميع سلطات الدولة. ( نقض 24 / 11 / 1993 )، وقد أوردناه في الأحكام التي صدرت بصدد حجية الأحكام من المحكمة الدستورية. ثانياً : حجية الحكم بعدم دستورية قانون أو نص تشريعي وأثره علي الأحكام السابقة : إذا قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون أو نص تشريعي، فإن هذا الحكم لا يسري إلا من اليوم التالي لنشره عملاً بالمادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا، وكانت دوائر محكمة النقض قد اختلفت فيما بينها في أثر حكم المحكمة الدستورية فذهب بعضها إلى انسحاب هذا الأثر إلي المستقبل والعلاقات السابقة على صدوره إلا الحقوق التي استقرت بحكم نهائي بينما لم تكتف بعض دوائر أخرى بإنسحاب هذا الأثر للحقوق التي استقرت بحكم نهائي بل اشترطت فوق ذلك أن يكون هذا الحكم باتاً أي استنفد كافة طرق الطعن بما فيها النقض، وكان يترتب على ذلك نتائج خطيرة إذ في حالة التقيد بالحكم النهائي فإن محكمة النقض لا يتسنى لها أن تعمل أثر حكم المحكمة الدستورية في الدعاوى المطروحة عليها أما في حالة اشتراط أن يكون الحكم باتاً فإنه يجوز لمحكمة النقض في هذه الحالة أن تطبق حكم المحكمة الدستورية وإزاء احتدام هذا الخلاف عرض الأمر على الهيئة العامة للدوائر المدنية بمحكمة النقض فأصدرت في 17 / 5 / 1999 حكما هاما من أحدث أحكامها أخذت فيه بالرأي الأخير (الطعن لسنة قضائية). وتأسيساً على حكم الهيئة العامة سالف البيان إذا صدر حكم نهائي استناداً لنص تشريعي معين وطعن على هذا الحكم بالنقض وقبل أن تفصل محكمة النقض في الطعن أصدرت المحكمة الدستورية حكماً بعدم دستورية هذا النص الذي أسس عليه الحكم فإنه يتعين علي محكمة النقض في هذه الحالة أن تنقض الحكم ثم تحيل الدعوى لمحكمة الموضوع أو أن تتصدى للفصل فيها إذا توافرت شروط ذلك. وغني عن البيان أنه بمجرد صدور حكم المحكمة الدستورية فإنه يتعين على جميع المحاكم على اختلاف درجاتها من باب أولي التقيد به سواء كانت محاكم القضاء العادي أو القضاء الإداري أو اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي. ثالثاً : قضاء المحكمة الدستورية بتعيين محكمة مختصة بنظر النزاع يسبغ الولاية من جديد على هذه المحكمة ولو كانت قد أصدرت قبل ذلك حكماً فيها بعدم اختصاصها : إذا قضت المحكمة المدنية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى تأسيساً على أن الاختصاص معقود لجهة قضائية أخرى كمحكمة القضاء الإداري مثلاً إلا أن المحكمة الأخيرة قضت بدورها بعدم الاختصاص ثم عرض النزاع على المحكمة الدستورية لتحديد الجهة المختصة بنظر النزاع وقضت بتعيين محكمة مختصة بنظره فإن هذا الحكم يسبغ الولاية من جديد علي هذه المحكمة لو كانت قد أصدرت فيها حكما بعدم اختصاصها، ولا يجوز لها في هذه الحالة أن تقضي بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، وبذلك قضت المحكمة الدستورية العليا قائلة " وحيث إن النزاع حول تقدير القيمة الإيجارية للوحدات التي يستأجرها المدعى عليهم من المدعية قد طرح علي القضاء العادي ثم علي القضاء الإداري فتخلت كل من هاتين الجهتين القضائيتين عن نظره، مما يتوافر به مناط طلب تعيين الجهة المختصة بالفصل في موضوع الدعوى، ولا يؤثر في ذلك إعادة النزاع على القضاء العادي مرة أخرى وصدور حكم بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بعدم الاختصاص واستئناف هذا الحكم الأخير، ذلك أن المشرع إذ ناط بالمحكمة الدستورية العليا دون غيرها - في البند (ثانياً) من المادة 25 من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - الفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة القضائية إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين منها، وتخلت كلتاهما عن نظرها، فإن مقتضي الحكم الصادر منها بتعيين الجهة المختصة إسباغ الولاية من جديد علي هذه الجهة بحيث تلتزم بنظر الدعوى غير مقيدة بسبق اختصاصها - ولو كان هذا الحكم قد أصبح نهائياً - أو بصدور حكم بعدم جواز نظر الدعوى قوامه سبق الحكم بعدم اختصاصها. ( الحكم الصادر بجلسة 7 / 3 / 1981 في القضية رقم 17 لسنة 1 ق تنازع). أحكام الشريعة الإسلامية لا تكون واجبة التطبيق إلا إذا أخرجها المشرع في نصوص محددة : رغم أن الدستور نص في المادة الثانية منه على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، إلا أن هذا النص ليس واجب الإعمال بذاته لأنه لا يعدو كما قالت محكمة النقض دعوة للمشرع لكي يتخذ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يصدره من قوانين وتأسيساً على ذلك لا يجوز للمحاكم أن تمتنع عن تطبيق نص قانوني بحجة مخالفته لأحكام الشريعة. ومن ناحية أخرى لا يجوز للمحاكم أن تطبق مبدأ ورود في الشريعة يخالف مبادئ التشريع الوضعي، أما إذا كان هذا المبدأ لم يرد في القوانين الوضعية ولا يخالف مبادئها فلا تثريب على المحكمة إن أخذت به إعمالاً للقواعد العامة المنصوص عليها في مدخل القانون. فتاوى الجمعية العمومية بقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة ليست لها حجية: هذه الفتاوى وإن كانت ملزمة للجانبين الذين ثارت بينهما المنازعة الصادرة بشأنها الفتوى، إلا أنها لا تعد أحكاما وليست لها حجية الأمر المقضي وهذا ما قضت به المحكمة الدستورية العليا قائلة : تنص المادة 66 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 72 على أن : تختص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بإبداء الرأي مسبباً في المسائل والموضوعات الآتية : " المنازعات التي تنشأ بين الوزارات أو بين المصالح العامة، أو بين هذه الجهات بعضها البعض، ويكون رأي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في هذه المنازعات ملزماً للجانبين "، ومؤدى هذا النص أن المشرع لم يسبغ على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ولاية القضاء في المنازعات التي تقوم بين فروع السلطة التنفيذية وهيئاتها، وإنما عهد إليها بمهمة الإفتاء فيها بإبداء الرأي مسبباً على ما يفصح عنه صدر النص. ولا يؤثر في ذلك ما أضفاه المشرع على رأيها من صفة الإلزام الجانبين لأن هذا الرأي الملزم لا يتجاوز حد الفتوى ولا يرقى به نص المادة 66 المشار إليه إلي مرتبة الأحكام، ذلك أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ليست من بين ما يتألف منه القسم القضائي لمجلس الدولة، ولا تتبع عند طرح المنازعة عليها الإجراءات التي رسمها قانون المرافعات أو أية قواعد إجرائية أخرى تقوم مقامها وتتوافر بها سمات إجراءات التقاضي وضماناته، كما لا يجوز الرأي الذي تبديه بشأنها حجية الأمر المقضي. (الحكم الصادر بجلسة 17 يناير سنة 1981 في القضية رقم 15 لسنة 1 ق تنازع ). القرارات التي تصدرها اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي تعتبر أحكام قضائية : قضت بذلك المحكمة الدستورية العليا قائلة : " لما كانت القرارات التي تصدرها اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي، وهي تمارس عملاً قضائياً أسنده إليها المشرع تعتبر بحسب طبيعتها أحكاما قضائية وليست قرارات إدارية. وكان مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي إذ يباشر - في صدد اعتماد قرارات هذه اللجنة - ما اختص به بنص صريح في القانون، فإن ما يتولاه في هذا الشأن يتداخل مع عمل اللجنة، وهو عمل قضائي على ما سلف بيانه، بحيث تلحق الصفة القضائية ما يصدره المجلس من قرارات ". ( الحكم الصادر بجلسة 7 فبراير سنة 1981 في القضية رقم 9 لسنة 1 ق دستورية ). الأمر بتوقيع الحجز التحفظي لا يعد حكماً: قضت المحكمة الدستورية العليا بأن " الأمر الصادر من رئيس محكمة القضاء الإداري بتوقيع الحجز التحفظي على زجاجات مقلدة - طبقاً لنص المادة 49 من القانون رقم 132 لسنة 1949 الخاص ببراءات الاختراع والنماذج الصناعية المعدل بالقانون رقم 650 لسنة 1955 - لا يعد حكماً، لأنه لم يصدر في خصومة انعقدت أمام القضاء، وإنما صدر بموجب السلطة الولائية اللقاضي، ولم يحسم به النزاع بين الطرفين، كما أنه لا يجوز حجية الأمر المقضي ". ( الحكم الصادر بجلسة 7 / 3 / 1981 في القضية رقم 18 سنة 1 ق تنازع). حجية الأحكام المؤقتة : من المقرر أن الأحكام المؤقتة ليست لها حجية مثال ذلك الطلب الذي يقدم للمحكمة الاستئنافية بوقف نفاذ الحكم المستأنف، فالقضاء في هذا الطلب سواء بالرفض أو القبول هو قضاء وقتي لا يقيد المحكمة عند نظر الموضوع ولها أن تقضي على خلافه. ( نقض 19 / 1 / 1971 سنة 22 ص 17). ومن المقرر أن الأحكام الصادرة بالنفقة في مسائل الأحوال الشخصية لها حجية مؤقتة تزول بزوال أسبابها. حجية الأحكام الصادرة برفض الدعوى بحالتها : ومن المقرر أن الأحكام التي تصدر برفض الدعوى بحالتها لها حجية موقوتة ولا يجوز معاودة طرح النزاع متى كانت ظروف الدعوى لم يطرأ عليها تغيير. حجية الأحكام الصادرة في دعاوى الحيازة : كما أن الأحكام الصادرة في دعوى الحيازة تحوز حجية مؤقتة ولا تحوز حجية عند نظر الدعوى الموضوعية المتعلقة بأصل الحق لأن الدعوى الأخيرة تختلف موضوعاً وسبباً عن دعوى الحق. رفع أكثر من دعوی متحدتين في الخصوم والموضوع والسبب قبل أن يصبح الحكم الصادر في إحداهما نهائي: قد يحدث أن يرفع شخص دعوی معينة، ويقضي فيها ابتدائياً برفض دعواه فيستأنف الحكم، وفي الوقت ذاته يرفع دعوى جديدة على نفس الخصم في الدعوى السابقة وبذات الطلبات ولنفس السبب. وهنا يثور البحث حول أثر الحكم السابق في الدعوى الجديدة. أصدرت محكمة النقض في هذا الصدد عدة أحكام محصلها أن رفع الاستئناف يوقف حجية الحكم المستأنف، وبالتالي تكون الدعوى الثانية مقبولة، ويجوز للمحكم أن تفصل فيها على خلاف الحكم السابق، طالما أن الاستئناف لم يفصل فيه. (نقض 20 / 11 / 1979، نقض 17 / 5 / 1980، 18 / 4 / 1968، وسترد هذه الأحكام في نهاية التعليق على المادة ). والرأي عندنا أن هذه الأحكام محل نظر ذلك أن المشرع يهدف دائماً إلي منع صدور أحكام متعارضة وألا تنشغل المحاكم بالفصل فى نزاع موضوعه واحد وسببه واحد بين ذات الخصوم أكثر من مرة، وهذه الحكمة من التشريع تناهض ما انتهت إليه أحكام محكمة النقض، ومن ثم فنرى اتساقاً مع محكمة التشريع أن تقضي المحكمة التي رفعت إليها الدعوى الأخيرة بوقفها عملاً بالمادة 129 مرافعات وذلك منعاً من تضارب الأحكام ولحسن سير العدالة، ولا يقدح في ذلك أن المشرع قد أجاز الطعن بالنقض لتضارب حكمين نهائيين. فإنه لم يقصد أن يبيح نظر دعويين عن موضوع واحد وبين ذات الخصوم حتى يصدر فيهما حكمان متناقضان ولكن المشرع تصور أن يصدر الحكمان من محكمتين خطأ دون أن تدري التي أصدرت الحكم الأخير بالحكم السابق. أثر قبول الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها : يترتب على قبول الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها أن تحسم الخصومة وتقف المحكمة عند حد قبول الدفع ولا تتعرض للموضوع، وقد استقرت أحكام النقض على ذلك. حجية الأحكام أقوى من النظام العام : الشرح: لا يجوز للمحكمة أن تمتنع عن الأخذ بقوة الأمر المقضي بحجة أن ذلك يتعارض مع النظام العام لأن قوة الأمر المقضي تسمو على اعتبارات النظام العام، وعلى ذلك استقر قضاء النقض وفي حكم لها قالت ( أنه وإن كان يجوز للمطعون عليه، كما يجوز للنيابة العامة ولمحكمة النقض، أن يثير في الطعن ما يتعلق بالنظام العام، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون وارداً على ما رفع الطعن في الحكم المطعون فيه، فإذا قضى الحكم المطعون فيه بقبول الاستئناف شكلا، ثم قضى قضاءه في الموضوع، وكان تقرير الطعن لم يحو إلا نعياً على ما قضى به الحكم في موضوع الاستئناف بناء علي تعلقه بالنظام العام ذلك لأن ما قضي به من قبول الاستئناف شكلا هو قضاء قطعي لم يكن محلا للطعن فحاز قوة الأمر المقضي وهو تسمو على قواعد النظام العام. (نقض 21 / 6 / 1972 سنة 23 ص 1142، ونفس المبدأ نقض 16 / 7 / 1992، الطعن رقم 933 لسنة 58 قضائية). جواز النزول عن الحكم بعد صدوره : وحجية الحكم وإن كانت أقوي من النظام العام إلا أن ذلك لا يتعارض مع جواز نزول من صدر لصالحه الحكم عن الحق الثابت به. حجية الأحكام الصادرة في مسائل الأحوال الشخصية في الفقه الإسلامي : الشرح: لا شك أن الأحكام الصادرة في مسائل الأحوال الشخصية من المحاكم الشرعية قبل إلغائها تقييد القضاء المدني فيما فصلت فيه في حدود اختصاصها الولائي وبالقدر الذي تكون المحكمة الشرعية قد فصلت فيه حتى لو كانت المحكمة الشرعية قد أخطأت في قضائها مادامت هي المختصة أصلاً. (نقض مدني 11 / 3 / 1937، مجموعة عمر رقم 421، ص 770). (نقض مدني 19 / 5 / 1949 مجموعة عمر رقم 421 ص 770). غير أنه بعد إلغاء المحاكم الشرعية فقد أصبح الاختصاص بنظر الأحوال الشخصية فرعاً من القضاء العادي تختص به بعض الدوائر في المحاكم المدنية، وعلى ذلك فلم يعد هناك محل لبحث حجية حكم صادر من محكمة أحوال شخصية أمام مدنية مادام أنها خاضعة لفرع واحد من القضاء العادي إنما يثور البحث في حجية الحكم الصادر في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية في نزاع ثار بين الخصوم بعد هذا الحكم وهل يجوز العودة لمناقشة ما سبق أن فصلت فيه المحكمة في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية خصوصاً بعد أن أصبحت قوة الأمر المقضي من النظام العام طبقا للمادة 101 إثبات والمادة 116 مرافعات ونرى أن المشرع قد فرق في الإثبات بين الدليل وإجراءات الدليل، فأخضع إجراءات الإثبات كبيان الوقائع وكيفية إجراء التحقيق وغير ذلك من الإجراءات الشكلية لقانون الإثبات الذي حل محل قانون المرافعات القديم، أما قواعد الإثبات المتصلة بذات الدليل كبيان الشروط الموضوعية اللازمة لصحته وبيان قوته وأثره القانوني فقد أبقاها المشرع على حالها خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية، والحكمة التي ابتغاها المشرع من ذلك هي احترام ولاية القانون الواجب التطبيق حتى لا يكون هناك إخلال بحق المتخاصمين في تطبيق شريعتهم، ونظراً لأن حجية الأمر المقضي تعتبر من قواعد الإثبات المتصلة بذات الدليل وبيان قوته وأثره القانوني فإنه ينبغي الرجوع فيها إلي الراجح في الفقه الحنفي عملاً بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والراجح في الفقه الإسلامي أن مبدأ حجية الأمر المقضي أمر لا يجهله الفقه فقد جاء في الأشباه والنظائر "لا يصح رجوع القاضي عن قضائه، فلو قال رجعت عن قضائي، أو في تلبيس الشهود أو أبطلت حكمي، لم يصح، والقضاء ماض، كما في الخافية "، وقيده في الخلاصة بما إذا كان مع شرائط الصحة، وفي الكنز بما إذا كان بعد دعوى صحيحة وشهادة مستقيمة. وجاء أيضاً في الأشباه والنظائر في مكان آخر".. المقضي عليه في حادثة لا تسمع دعواه ولا بينته، إلا إذا ادعي تلقي الملك من المدعي أو الإنتاج أو برهن علي إبطال القضاء، كما ذكره العمادي، والدفع بعدم القضاء بواحد مما ذكر صحيح، وينتقض القضاء، فكما لا يسمع الدفع قبله يسمع بعده ". لكن بهذه الثلاث وعلي ذلك فإن قضاء القاضي لا ينقض برجوع الشاهد عن شهادته بعد القضاء حتى قبل تنفيذ الحكم إلا في القصاص والحدود لأنها تدرأ بالشبهات غير أنه علي حجية الأمر المقضي في الفقه الإسلامي استثناءات بلغت من الكثرة هذا جعل الفكرة السائدة أن الفقة الإسلامي لا يغير المبدأ ذاته غير أن هذا القول غير صحيح ذلك أن الاستثناءات الكثيرة التي ترد علي المبدأ ليست في الواقع إلا وجوها للطعن في الحكم تقابل وجوه الطعن المعترف بها في القوانين الحديثة، وخاصة أن المبدأ ذاته لا يعتبر في الفقه الإسلامي من النظام العام، وترتيباً على ذلك فإن الدعوى متى فصلت بالوجه الشرعي مستوفيا شروطها الشرعية لا تنقض إلا في الاستثناءات العديدة التي أوردها الفقهاء. ويقول الأستاذ علي قراعة إنه إذا زاد المدعي علي ما يصدر منه أولاً بأن أحضر بينة علي دعواه بعد عجزه عنها أو دفع المدعي عليه دعوى المدعي قبل من كل منهما ما أتي به وإن كان بعد الحكم والقضاء وينقض به الحكم الأصلي متى ثبت الدليل لدى القاضي، ولكن نقض الحكم بالدفع مشروط بشرطين : الأول : أن يبرهن الدافع على بطلان القضاء الأول، والثاني. ألا يمكن التوفيق بين دفع المدعى عليه والدعوة الأصلية ( الاشتباه والنظائر ص 119،126، 127، وطرق القضاء في الشريعة الإسلامية للأستاذ أحمد إبراهيم ص 404، 407 والوسيط في شرح القانون المدني للدكتور السنهوري الجزء الثاني، الطبعة الأولى حاشية ص 640، 641 والأصول القضائية في المرافعات الشرعية للأستاذ علي قراعة ص 57). ومن الاستثناءات الواردة على حجية الأمر المقضي في مسائل الأحوال الشخصية ما نصت عليه المادة 6 من القانون رقم 1929/ 25 والتي تتضمن أنه إذا رفعت دعوى تطليق للضرر ورفضت جاز رفعها بعد ذلك. أما بالنسبة للأحكام الصادرة في النفقات أياً كان نوعها فإن حجيتها مؤقت يرد عليها التغيير والتبديل والإسقاط بتغير دواعيها غير أن حجيتها تظل باقية طالما أن دواعي النفقة وظروف الحكم بها لم يتغير. رابعاً : حجية الحكم الصادر من قاض غير مسلم على مسلم في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية : إذا صدر الحكم من قاض غير مسلم على مسلم في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية فإنه يكون باطلاً ويجوز الطعن فيه إذا كان جائزاً استئنافه، أما إذا لم يطعن فيه وأصبح نهائياً فإنه تكون له حجيته ويتقيد به القاضي في كل نزاع يثار حول ما فضل فيه بعد ذلك، وقد تعرضت محكمة إسكندرية الابتدائية لهذا الأمر في حكمها الصادر في الدعوي رقم 42 / 1967 مستأنف أحوال شخصية كلي إسكندرية بجلسة 28 / 3 / 1968 والذي حرر أسبابه المستشار الديناصوري إذا كان عضواً بالدائرة التي أصدرت الحكم وجاء في الحكم ما يلي : وحيث إن أحد طرفي عقد الزواج مسلم في غير خلف علي إسلامه فالحكم في أحواله الشخصية للشريعة الإسلامية باتفاق الآراء، وحيث إن الرأي قد اختلف في الحكم الذي يصدر قاض غير مسلم في نزاع خاص بمسألة من مسائل الأحوال الشخصية إذا كان أحد المتخاصمين مسلما فذهب رأي إلى أن الحكم صحيح تأسيساً على أن محكمة النقض جرت على عدم التفريق في الولاية على الأحوال الشخصية للمسلمين بين القاضي المسلم وغيره من القضاة، وأن هذا النظر منها قد تأيد بالحكم الصادر من دائرة فحص الطعون في الطعن رقم 42 / 49 قضائية وبالحكم الصادر من دائرة المواد المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية في الطعن رقم 28 / 26 قضائية، وهناك رأي آخر يري أن هذا الحكم يعتبر باطلاً ويستندون في ذلك إلى ما يأتي : إن نص المادة 19 من المرسوم بالسنهوري قانون 78/ 1931 بترتيب المحاكم الشرعية تقضي بأن التعيين في وظيفة القضاة الشرعي يبين بقانون، كما أن المادة 280 من القانون المذكور نصت على أن تصدر الأحكام طبقاً للمدون في هذه اللائحة ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة ما عدا الأحوال التي ينص فيها قانون المطعم الشرعية على قواعد خاصة فيجب فيها أن تصدر الأحكام طبقاً لتلك القواعد ومقتضى النصين : أنه ما لم ينص على حكم معين في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أو في قانون آخر خاص بالمحاكم الشرعية فالأحكام التي تصدر من تلك المحاكم محكومة بأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وأنه بالتالي إلى أن يصدر قانون خاص بشروط التعيين في وظيفة القضاء الشرعي فإن تلك الشروط موكولة كذلك بنص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة إلا أنه منذ صدور القانون 78 / 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية إلى إلغاء تلك المحاكم بالقانون رقم 462 لسنة 1955 لم يصدر قانون خاص بشروط التعيين في وظيفة القضاء الشرعي، ولكن التزم ولي الأمر في تعيين رجال القضاء الشرعي حكم المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية فتقيد في تعيينهم - كنص الشارع - بأرجح الأقوال من مذهب إلي حنيفة وهو – كغيره من المذاهب - يشترط في القاضي لصحة توليته القضاء شروطا عديدة منها الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والبصر والنطق والسمع وعدم الحد في قذف والذكوره... الخ. والقول بغير ذلك غير مستساغ، إذ لو قيل وقد نصت المادة 19 من القانون 78/ 1931 على أن شروط التعيين في وظيفة القضاء الشرعي تبين بقانون فإنه إلي أن يصدر القانون الموعود تكون حرية ولي الأمر مطلقة في شروط تولية رجال القضاء الشرعي، لجاز لولي الأمر بهذا الإطلاق أن يولي في القضاء الشرعي غير المسلم والمجنون والمحدود في القذف والأنثى وغير هؤلاء من المنهي شرعا عن صلاحيتهم لولاية القضاء وهو ما لم يقل به أحد أو يجري به عمل التزاماً محتماً لحكم المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي لم تقيد إطلاقاً تولي ولي الأمر من نصوص القانون سواها، ويستطرد أصحاب الرأي قائلين في التدليل علي أنه -- لما ألغيت المحاكم الشرعية وغيرها من قضاء الأحوال الشخصية بالقانون 462/ 1955 لم يبغ الشارع بهذا الإلغاء غير توحيد جهات القضاء وتنسيق الإجراءات من غير أدنى مساس بالأحكام الموضوعية أو بقواعد النظام العام فنص في المادة الأولي من القانون المذكور على أن تلغي المحاكم الشرعية والمجالس الملية وتحال الدعاوي المنظورة أمامها للمحاكم الوطنية لاستمرار النظر فيها وفقاً للأحكام قانون المرافعات، كما نص في المادة السادسة منه على أن تصدر الأحكام في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية والوقف التي كانت أصلاً من اختصاص المحاكم الشرعية طبقاً لما هو مقرر في المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم المذكورة. أما بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين والمتحدي الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية منتظمة وقت صدور هذا القانون فتصدر الأحكام في نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم، ثم كشف عن مكنون هذين النصين في المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور
الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون التقاضي والإثبات ، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة  166 ، 167.

 (مادة 147): 

 1- الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة. ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم، دون أن تتغير صفاتهم، وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً. 

2- وتقضى المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها. 

(م (405) مدني مصري، و م (101) إثبات مصري، و(1840) من المجلة). 

المذكرة الإيضاحية: 

1- تتصل حجية الشيء المقضي به بآثار الأحكام ولم تقتصر هذه المادة على إقامة قرينة الحجية دون جواز قبول أي دليل لنقضها، بل تناولت أيضاً موضوع هذه الحجية وشروطها وهذا هو منحى بعض التقنيات الأجنبية على أن التقنين البرتغالي لا يدرج حجية الشيء المقضي به في عداد القرائن، بل يدخلها في نطاق الأدلة الكتابية والواقع أن حجية الشيء المقضى به تنطوي على معنى الدليل، وإن كانت قاعدة من قواعد نظام القضاء، ولذلك رئي إبقاء النص الخاص بها في هذا المشروع بين النصوص الخاصة بالقرائن الشرعية، على غرار ما هو متبع في أكثر التقنينات. 

2- وقوام حجية الشيء المقضي به هو ما يفرضه القانون من صحة مطلقة في حكم القاضي، فهذه الحجية تفترض تنازعاً بين المصالح يستتبع الترافع إلى القضاء، وليس شك في أن صحة الحكم لا تعتبر حتماً تقتضيه طبيعة الأشياء ، ذلك أن القضاة تعوزهم العصمة شأنهم في هذه الناحية شأن البشر كافة بيد أن المشروع أطلق قرينة الصحة في حكم القاضي فأساس هذه القرينة هو النص المقرر لحجية الشيء المقضي به. 

ويرمي الشارع من وراء تقرير حجية الشيء المقضي به إلى كفالة حسن سير العدالة وضمان الاستقرار من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية فحكم القضاء يجب أن يضع حداً لكل نزاع ما دامت طرق الطعن المقررة قد استنفدت بإزائها ويجب كذلك أن تكون بمأمن من التعارض مع حكم لاحق - وهو أمر يصبح يسير الوقوع لو أبيح عود الخصوم أنفسهم إلى عين الدعوى التي قضى فيها نهائياً . 

3- وينحصر أثر القرينة القانونية الخاصة بحجية الشيء المقضي به في تحويل الخصوم حق الدفع بسبق الفصل، وفي تحويل المحاكم حق إثارته من تلقاء نفسها - ويراعى أن هذا الدفع يعتبر دفعاً قطعياً بعدم القول، يترتب عليه «امتناع التقاضي بالنسبة لكل طلب أو ادعاء جديد بين الخصوم أنفسهم متى اتحد مع ما سبق الفصل فيه سبباً وموضوعاً». وعلى هذا النحو يمتنع على الخصوم الترافع إلى القضاء لإعادة طرح نزاع سبق الفصل فيه. 

4- وفيما يتعلق بالفقرة الثانية من هذه المادة فإن المراد أن المحكمة تحكم بعدم قبول الدعوى، أو بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها إذا كانت الدعوى قد رفعت بعد سابقة صدور حكم في موضوعها مع وحدة الخصوم والسبب. 

وينبني على ذلك أنه لا يجوز للخصم أن يتنازل عن الحكم الصادر لمصلحته، إلا إذا تنازل عن الحق الثابت بهذا الحكم، وانتهى بهذا التنازل النزاع الذي تناوله الحكم. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والعشرون ، الصفحة / 22

دَلِيلٌ

التَّعْرِيفُ:

الدَّلِيلُ لُغَةً: هُوَ الْمُرْشِدُ وَالْكَاشِفُ، مِنْ دَلَلْتُ عَلَى الشَّيْءِ وَدَلَلْتُ إِلَيْهِ.

وَالْمَصْدَرُ دُلُولَةٌ وَدَلاَلَةٌ، بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا. وَالدَّالُّ وَصْفٌ لِلْفَاعِلِ.

وَالدَّلِيلُ مَا يُتَوَصَّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى الْعِلْمِ بِمَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ وَلَوْ ظَنًّا، وَقَدْ يَخُصُّهُ بَعْضُهُمْ بِالْقَطْعِيِّ.

وَلِذَلِكَ كَانَ تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِأَنَّهُ «أَدِلَّةُ الْفِقْهِ» جَارِيًا عَلَى الرَّأْيِ الأَْوَّلِ الْقَائِلِ بِالتَّعْمِيمِ فِي تَعْرِيفِ الدَّلِيلِ بِمَا يَشْمَلُ الظَّنِّيَّ؛ لأَِنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ الَّتِي هِيَ أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الإِْجْمَالِيَّةِ تَشْمَلُ مَا هُوَ قَطْعِيٌّ، كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَمَا هُوَ ظَنِّيٌّ كَالْعُمُومَاتِ وَأَخْبَارِ الآْحَادِ وَالْقِيَاسِ وَالاِسْتِصْحَابِ. وَمِنْ هُنَا عَرَّفَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَفِي الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّهُ: «طُرُقُ الْفِقْهِ»؛ لِيَشْمَلَ الْقَطْعِيَّ وَالظَّنِّيَّ.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الأَْمَارَةُ:

الأَْمَارَةُ فِي اللُّغَةِ: الْعَلاَمَةُ وَزْنًا وَمَعْنًى - كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ - وَهِيَ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ: مَا أَوْصَلَ إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ ظَنِّيٍّ.

وَلَمْ يُفَرِّقِ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الأَْمَارَةِ وَالدَّلِيلِ. وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ: الأَْمَارَةُ مَا يُؤَدِّي النَّظَرُ الصَّحِيحُ فِيهِ إِلَى الظَّنِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَقْلِيًّا أَمْ شَرْعِيًّا. أَمَّا الْفُقَهَاءُ فَالأَْمَارَاتُ الْعَقْلِيَّةُ عِنْدَهُمْ أَدِلَّةٌ كَذَلِكَ.

ب - الْبُرْهَانُ:

الْبُرْهَانُ: الْحُجَّةُ وَالدَّلاَلَةُ، وَيُطْلَقُ خَاصَّةً عَلَى مَا يَقْتَضِي الصِّدْقَ لاَ مَحَالَةَ. وَهُوَ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ مَا فَصَلَ الْحَقَّ عَنِ الْبَاطِلِ، وَمَيَّزَ الصَّحِيحَ مِنَ الْفَاسِدِ بِالْبَيَانِ الَّذِي فِيهِ.

ج - الْحُجَّةُ:

الْحُجَّةُ: الْبُرْهَانُ الْيَقِينِيُّ، وَهُوَ مَا تَثْبُتُ بِهِ الدَّعْوَى مِنْ حَيْثُ الْغَلَبَةُ عَلَى الْخَصْمِ.

وَالْحُجَّةُ الإِْقْنَاعِيَّةُ، هِيَ الَّتِي تُفِيدُ الْقَانِعِينَ الْقَاصِرِينَ عَنْ تَحْصِيلِ الْمَطَالِبِ بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَرُبَّمَا تُفْضِي إِلَى الْيَقِينِ بِالاِسْتِكْثَارِ

الأَْدِلَّةُ الْمُثْبِتَةُ لِلأَْحْكَامِ:

الأَْدِلَّةُ الْمُثْبِتَةُ لِلأَْحْكَامِ نَوْعَانِ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، الَّتِي تَرْجِعُ إِلَيْهَا أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الإِْجْمَالِيَّةُ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَثِيرٌ جَمَعَهَا الْقَرَافِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ الذَّخِيرَةِ، مِنْهَا: الاِسْتِحْسَانُ، وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ، وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ، وَالْعُرْفُ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَالاِسْتِصْحَابُ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَغَيْرِهَا وَيُقْصَدُ بِالأَْحْكَامِ: الأَْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ الْخَمْسَةُ: الْوُجُوبُ، وَالنَّدْبُ، وَالإِْبَاحَةُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْحُرْمَةُ. وَالأَْحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ: كَالشَّرْطِ، وَالْمَانِعِ، وَالسَّبَبِ وَنَحْوِهَا.

الدَّلِيلُ الإِْجْمَالِيُّ وَالدَّلِيلُ التَّفْصِيلِيُّ:

عَرَّفَ الأُْصُولِيُّونَ أُصُولَ الْفِقْهِ لَقَبًا بِأَنَّهُ «أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الإِْجْمَالِيَّةُ» مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَوْضُوعَهُ الأَْدِلَّةُ الإِْجْمَالِيَّةُ، وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، وَهِيَ الأَْدِلَّةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا، وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ أَدِلَّةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا إِلاَّ أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الأَْرْبَعَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَهِيَ الاِسْتِحْسَانُ، وَالاِسْتِصْحَابُ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَالاِسْتِصْلاَحُ. وَعِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ يَبْحَثُ فِي إِثْبَاتِ حُجِّيَّةِ الأَْدِلَّةِ وَطُرُقِ دَلاَلَتِهَا عَلَى الأَْحْكَامِ.

وَالدَّلِيلُ إِنْ نُظِرَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الأَْحْكَامِ كَانَ دَلِيلاً إِجْمَالِيًّا، وَإِنْ نُظِرَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الأَْحْكَامِ كَانَ دَلِيلاً تَفْصِيلِيًّا. وَمِثَالُ ذَلِكَ قوله تعالي  وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ. فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَمْرٌ، وَأَنَّ الأَْمْرَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ، كَانَ دَلِيلاً إِجْمَالِيًّا.

وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِوُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ كَانَ دَلِيلاً تَفْصِيلِيًّا.

الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ وَالدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ:

تَنْقَسِمُ الأَْدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ وَالدَّلاَلَةُ:

قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلاَلَةِ، كَبَعْضِ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ).

وَقَطْعِيُّ الثُّبُوتِ ظَنِّيُّ الدَّلاَلَةِ، كَبَعْضِ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي يُخْتَلَفُ فِي تَأْوِيلِهَا.

وَظَنِّيُّ الثُّبُوتِ قَطْعِيُّ الدَّلاَلَةِ، كَأَخْبَارِ الآْحَادِ ذَاتِ الْمَفْهُومِ الْقَطْعِيِّ.

وَظَنِّيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلاَلَةِ، كَأَخْبَارِ الآْحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا ظَنِّيٌّ.

وَرَتَّبَ أُصُولِيُّو الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ:

فَبِالْقِسْمِ الأَْوَّلِ يَثْبُتُ الْفَرْضُ، وَبِالْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ، وَبِالْقِسْمِ الرَّابِعِ يَثْبُتُ الاِسْتِحْبَابُ وَالسُّنِّيَّةُ.

وَهَذَا التَّقْسِيمُ جَارٍ عَلَى اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ. وَيُنْظَرُ فِي تَفْصِيلِ مَا تَقَدَّمَ: الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ فِي مَوَاضِعِهِ. وَكَذَلِكَ مُصْطَلَحُ: «اسْتِدْلاَل» «وَتَرْجِيح».

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الحادي والأربعون ، الصفحة / 168

الدَّفْعُ مِنَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِأَنَّ لَهُ بَيِّنَةً لَمْ يَعْلَمْهَا:

إِذَا قَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: لَدَيَّ بَيِّنَةٌ لَمْ أَعْلَمْهَا قَبْلَ الْحُكْمِ وَطَلَبَ سَمَاعَهَا وَنَقْضَ الْحُكْمِ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَلاَ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، فَقَدْ سُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى دَيْنًا فِي تَرِكَةِ مَيِّتٍ وَصَدَّقَهُ الْوَارِثُ فِي ذَلِكَ وَضَمِنَ لَهُ إِيفَاءَ الدَّيْنِ، ثُمَّ ادَّعَى الْوَارِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ كَانَ قَضَى الْمَالَ فِي حَيَاتِهِ وَأَرَادَ إِثْبَاتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، قَالَ: لاَ تَصِحُّ دَعْوَاهُ وَلاَ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُسْمَعُ مِنْ بَيِّنَتِهِ، فَإِنْ شَهِدَتْ بِمَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فُسِخَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لاَ يُسْمَعُ مِنْهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إِنْ قَامَ بِهَا عِنْدَ ذَلِكَ الْقَاضِي الْحَاكِمِ نَقَضَهُ، وَإِنْ قَامَ عِنْدَ غَيْرِهِ لَمْ يَنْقُضْهُ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي وَتَعْدِيلِهَا فَقَدْ أَقَامَهَا فِي أَوَانِ إِقَامَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى قَضَى الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي وَسَلَّمَ الْمَالَ إِلَيْهِ، نُظِرَ إِنْ لَمْ يُسْنِدِ الْمِلْكَ إِلَى مَا قَبْلَ إِزَالَةِ الْيَدِ فَهُوَ الآْنَ مُدَّعٍ خَارِجٌ، وَإِنْ أَسْنَدَهُ وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَةِ الشُّهُودِ وَنَحْوِهَا فَهَلْ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَهَلْ تُقَدَّمُ بِالْيَدِ الْمُزَالَةِ بِالْقَضَاءِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا نَعَمْ، وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ الأْوَّلُ لأِنَّهَا إِنَّمَا أُزِيلَتْ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَقَدْ ظَهَرَتِ الْحُجَّةُ، فَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحُكْمِ لِلْمُدَّعِي وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ وَقُدِّمَتْ عَلَى الصَّحِيحِ لِبَقَاءِ الْيَدِ حِسًّا.

ي- إِذَا لَمْ يُعَيَّنِ الْقَاضِي مِنْ قِبَلِ وَلِيِّ الأْمْرِ:

إِذَا اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ قَدْ خَلاَ مِنْ قَاضٍ عَلَى أَنْ يُقَلِّدُوا عَلَيْهِمْ قَاضِيًا، فَإِنْ كَانَ إِمَامُ الْوَقْتِ مَوْجُودًا بَطَلَ التَّقْلِيدُ، وَمِنْ ثَمَّ تَبْطُلُ جَمِيعُ أَحْكَامِهِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ ثَمَّةَ إِمَامٌ صَحَّ التَّقْلِيدُ وَنُفِّذَتْ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ تَجَدَّدَ بَعْدَ نَظَرِهِ إِمَامٌ لَمْ يَسْتَدِمِ النَّظَرَ إِلاَّ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يُنْقَضْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (قَضَاء ف 23).

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩