loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 406 الملغاة من القانون المدني والمقابلة للمادة 102 من قانون الإثبات :

1- استلهم المشروع في صياغة هذه المادة أحكام المادة 303 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، والمادة 1956 من التقنين الهولندي ، والمادة 2502 من التقنين البرتغالى . ويراعى أن حجية الأحكام الجنائية تنطوي على معنى الإطلاق من ناحية ومعنى الإقتصار من ناحية أخرى :

(ا) فهی مطلقة بمعنى أن ما تقضى به المحاكم الجنائية يكون ملزما للكافة ، ولذلك نصت المادة 19 فقرة 1 من تقنين تحقيق الجنايات المختلط على إلزام المحكمة المدنية بالفصل طبقا لما قضى به نهائياً من المحكمة الجنائية و إذا استلزم الفصل في الدعوى المرفوعة أمامها معرفة ما إذا كانت هناك جريمة قد ارتكبت ومن ينسب إليه ارتكابها . ونصت المادة نفسها في فقرتها الثانية على إلزام المحكمة المدنية بوقف الفصل في الدعوى المدنية المترتبة على وقوع الجريمة ، إذا رفعت الدعوى الجنائية قبل الفصل فيها نهائياً ، وذلك اتقاء لتعارض الأحكام .

(ب) وهي قاصرة بمعنى أن نطاق إلزامها لا يجاوز ما قضى به فعلاً ، أي ما فصل فيه الحكم. ففي حالة عدم الحكم بعقوبة - وهي الحالة التي تواجهها المادة 303 من المشروع الفرنسي الإيطالي - يجوز للقاضي المدني أن يحكم على المتهم بالتعويض ، دون أن ينطوى حكمه هذا على تعارض مع الحكم الجنائي . فالواقع أن عدم القضاء بالعقوبة قد يرجع إلى انقضاء الدعوى العمومية بموت المتهم أو بالتقادم أو بالعفو الشامل ، و إزاء ذلك لايحكم القاضي بالعقوبة لتوافر هذا السبب أو ذاك، دون أن يفصل في الواقعة التي أسست عليها الدعوى الجنائية . وما دام القاضي الجنائي قد اقتصر على الفصل في أن الواقعة المنسوبة إلى المتهم يمتنع توقيع عقوبة بشأنها، فللقاضي المدني ، والحال هذه ، أن يقضي بالتعويض ، دون أن يعارض بذلك ما قضى به جنائياً ، وأن يؤسس قضاءه على الواقعة نفسها ، بوصفها تقصيراً مدنياً وقع من المتهم . ثم إن الحكم بالبراءة قد لا ينفي قيام التقصير المدني أيضاً ، إذ ليس ثمة تلازم بين المسئولية الجنائية والمسئولية المدنية . فيجوز أن يقتصر نطاق الدعوى العمومية على فعل معين لا يستتبع مسئولية جنائية ، ولكنه يستتبع مسئولية مدنية ، وفي هذه الحالة تفصل المحكمة الجنائية في المسئولية الجنائية وحدها ، وتقضى بالبراءة ، ولو أن الواقعة التي فصلت فيها أو وقائع أخرى لم تنظر فيها قد تكون أساساً لدعوى مدنية . فيجوز مثلاً أن يبرأ المتهم من جريمة مخالفة قواعد المرور ، مع الحكم عليه بالتعويض عن تقصير مدني لا يصدق عليه وصف الجريمة . فإذا اقتصر القاضي الجنائي على الفصل في أن الواقعة المنسوبة إلى المتهم لا تعتبر جريمة ، جاز للقاضى المدني أن يقضي بالتعويض دون أن يناقض بذلك ما قضى به جنائياً .

2 - فالشرط الجوهري في انتفاء حجية الأحكام الجنائية الصادرة بالبراءة ، أو بإنتفاء وجه استيفاء العقوبة ، أمام المحاكم المدنية ، هو انتصار القاضي الجنائي على الفصل في الواقعة الجنائية دون الفصل في نسبتها. ويتحقق هذا الشرط متى قضى الحكم بأن الواقعة لم يعد وجه لإستيفاء العقوبة بشأنها ، أو أنها ليست ما يقع تحت طائلة العقاب (البراءة) . ولكن لو فرض أن القاضى أسس البراءة على نفي نسبة الواقعة إلى المتهم، كان لحكمه قوة الشيء المقضي به بشأن هذه النسبة ، و تعين على القاضي المدني أن يفصل طبقاً لهذا القضاء ، وفقا لما تقضى به المادة 19 من تقنين تحقيق الجنايات المختلط.. ويستفاد هذا الحكم ضمناً من المادة 306 من هذا التقنين ، إذ تنص على أنه إذا بريء المتهم وألزم بتعويضات للمدعى بالحق المدني يكون تقدير المصاريف الواجب الحكم بها عليه للمدعي بالحق المدني المذكور حسب القواعد المقررة في المواد المدنية والتجارية . وقد استند الفضاء بوجه خاص إلى هذه المادة وقضى بإلزام المتهم بالتعويضات رغم الحكم براءته ( جنح المنصورة 5 مايو سنة 1938 جريدة المحاكم المختلطة : 4 يونية سنة 1938. واستئناف مختلط 27 مارس سنة 1907 ب 19 ص 187 ) ورغم تقادم الدعوى العمومية ( استئناف مختلط 19 مايو سنة 1927 ب 39 ص 488) .

الأحكام

 1- المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مفاد ما نصت عليه المادتان 456 من قانون الإجراءات الجنائية، و102 من قانون الإثبات أن الحكم الصادر في المواد الجنائية تكون له حجية في الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية متى كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية، وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله، فإذا فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تلتزمها في بحث الحقوق المدنية المتصلة بها لكى لا يكون حكمها مخالفاً للحكم الجنائي السابق له .

( الطعن رقم 19328 لسنة 91 ق - جلسة 1 / 9 / 2022 ) 

 2- إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعنة أقامت دعواها بطلب الحكم ببطلان وشطب العلامة التجارية رقم 224297 على منتجات الفئة " 6 " الخاصة بالطاعنة في حين أن حكم محكمة النقض وحكم المحكمة الإدارية العليا سالفي البيان خاص بالعلامتين التجاريتين رقمي 233319 ، 274733 محل منتجات الفئة " 16 " ومن ثم فلا يحوزا حجية الأمر المقضي به في تلك الدعوى ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد طبق صحيح القانون .

 

( الطعن رقم 4838 لسنة 89 ق جلسة 23 / 2 / 2020 )
 

3 ـ مفاد نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض ـــ أن الحكم الصادر فى المواد الجنائية لا تكون له حجية فى الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية إلا إذا كان فصل فصلاً لازماً فى وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفى الوصف القانونى لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله ، وأن مفهوم الحجية بمعناه آنف البيان مقصور على منطوق الحكم بالبراءة أو بالإدانة بالنسبة لمن كان موضع محاكمة وعلى الأسباب التى لا يقوم الحكم بدونها ولا تمتد الحجية إلى الأسباب التى لم تكن لازمة لقضائه بهذه البراءة أو تلك الإدانة , وأن ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضى .

( الطعن رقم 6959 لسنة 76 ق - جلسة 2013/07/02 )

4 ـ متى كان العمل الضار الذى أسس عليه المدعى طلبه التعويض يمثل جريمة رفعت بشأنها دعوى جنائية وكانت هناك مسألة مشتركة بين الدعويين المدنية والجنائية تحتم وقف الدعوى المدنية لحين الفصل فى الدعوى الجنائية عملاً بنص المادتين 265 /1 ، 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات حتى لو كان الضرر المدعى به غير مؤثم كما فى حالة الإتلاف بإهمال للسيارات قبل تعديل المادة 378 عقوبات بالقانون 169 لسنة 1981 أو لم يرد ذكر للمضرور فى وصف النيابة للتهمة أو حتى لم يكن المتهم طرفاً فى الدعوى المدنية كما هو الحال فى شأن الدعوى المباشرة التى يرفعها المضرور على شركات التأمين فى حالة التأمين الإجبارى من حوادث السيارات إذ العبرة دائماً هى بكون الفعل محل المحاكمة الجنائية هو بذاته أساس دعوى المدعى بطلب التعويض .

( الطعن رقم 4586 لسنة 66 ق - جلسة 2009/07/13 )

5 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض – أنه إذا ترتب على الفعل الواحد مسئوليتان جنائية ومدنية ورفعت دعوى المسئولية أمام المحكمة المدنية فإن رفع الدعوى الجنائية سواء قبل رفع الدعوى المدنية أو أثناء السير فيها يوجب على المحكمة المدنية عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة 265 من قانون الإجراءات الجنائية أن توقف السير فى الدعوى المرفوعة أمامها الى أن يتم الفصل نهائياً فى الدعوى الجنائية ، وإذ كان هذا الحكم يتعلق بالنظام العام ويعتبر نتيجة لازمة لمبدأ تقيد القاضى المدنى بالحكم الجنائي فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانونى ونسبتها إلى فاعلها والذى نصت عليه المادة 456 من ذلك القانون والمادة 102 من قانون الإثبات ، فإنه يتأدى منه بالضرورة أن يكون قيام الدعوى الجنائية فى هذه الحالة مانعاً قانونياً من متابعة السير فى إجراءات خصومة الدعوى المدنية التى يجمعها مع الدعوى الجنائية أساس مشترك . وإذا رفعت الدعوى المدنية ثم صدر حكم بوقفها إعمالاً لما يوجبه القانون فى هذا الصدد فإن من أثر هذا الحكم القطعى أن يمتنع الخصوم عن اتخاذ أى إجراء يستهدف به معاودة عرض الخصومة على المحكمة قبل زوال المانع القانونى .

( الطعن رقم 6590 لسنة 72 ق - جلسة 2004/03/14 - س 55 ع 1 ص 294 ق 56 )

6 ـ إذ كان الواقع الثابت فى الدعوى أن الفعل غير المشروع الذى أدى الى إصابة المطعون ضدهما قد نشأ عنه فى الوقت ذاته جريمة تحرر عنها محضر الجنحة رقم .. سنة 1998 أطفيح وهو بعينه الخطأ المؤسس عليه طلب التعويض عن إصابتهما فيعتبر بالتالى هذا الخطأ مسألة مشتركة بين الدعويين الجنائية والمدنية ولازماً للفصل فى كلتيهما فيتحتم على المحكمة المدنية أن توقف الدعوى المطروحة عليها حتى يفصل فى تلك المسألة من المحكمة الجنائية عملاً بنص المادتين 265/1 ، 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات وهو ما فعلته محكمة أول درجة تطبيقاً لهذه النصوص فأصدرت حكماً بوقف الدعوى تعليقاً بتاريخ 29/1/2000 لحين تقديم ما يفيد تصرف النيابة فى قضية الجنحة وما يفيد نهائية قرار الحفظ وإذ ثبت من الشهادة الرسمية المقدمة من المطعون ضدهما أن النيابة العامة قررت بتاريخ 3/5/1998 حفظ الدعوى الجنائية لانقضائها بوفاة المتهم فإنه اعتباراً من اليوم التالى لذلك الحكم يكون المانع القانونى ( المانع القانونى من السير فى الدعوى المدنية ) قد زال مما كان يتحتم معه على المطعون ضدهما اتخاذ إجراءات السير فى الخصومة خلال الأشهر الستة التالية للحكم وإذ تقاعس المطعون ضدهما عن تعجيل السير فى الدعوى – على غير ما يحمله – حتى أعلنا به الطاعنة فى 12/3/2000 بعد انقضاء المدة المقررة لسقوط الخصومة فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر وقضى برفض الدفع بسقوط الخصومة يكون معيباً .

 ( الطعن رقم 6590 لسنة 72 ق - جلسة 2004/03/14 - س 55 ع 1 ص 294 ق 56 )

7 ـ النص فى المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية على أن "يكون للحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية فى موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو بالإدانة قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية فى الدعاوى التي لم يكن قد فصل فيها نهائياً فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعليها- ويكون للحكم بالبراءة هذه القوة سواء بني على انتفاء التهمة أو عدم كفاية الأدلة ولا تكون له هذه القوة إذا كان مبنياً على أن الفعل لا يعاقب عليه القانون"، والنص فى المادة 102 من قانون الإثبات على أن "لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا فى الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله ضروريا" مفاده أن حجية الحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية فى موضوع الدعوى الجنائية أمام المحكمة المدنية مقصورة- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- على منطوق الحكم بالبراءة أو بالإدانة بالنسبة لمن كان موضوع محاكمة وعلى الأسباب التي لا يقوم الحكم بدونها ولا تمتد الحجية إلى الأسباب التي لم تكن لازمة لقضائه بهذه البراءة أو تلك الإدانة وأن ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي .

( الطعن رقم 5219 لسنة 62 ق - جلسة 2000/03/26 - س 51 ع 1 ص 474 ق 84 )   

8ـ النص فى المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية و المادة 102 من قانون الإثبات-مفاده- و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن الحكم الجنائي تكون له حجية فى الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية طالما كان قد فصل فصلاً لازماً فى وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية و المدنية، و فى الوصف القانوني لهذا الفعل و نسبته إلى فاعله فإذا فصلت المحكمة الجنائية فى هذه الأمور يمتنع على المحكمة المدنية أن تعيد بحثها و يتعين عليها أن تعتد بها و تلتزمها فى بحث الحقوق المدنية المتعلقة بها لكي لا يكون حكمها مخالفاً للحكم الجنائي السابق له، و كان الثابت من الحكم الصادر فى قضية الجنحة رقم ......... لسنة 1994 مصر الجديدة أن المطعون ضدها أقامتها ضد الطاعن بطريق الأدعاء المباشر، لأتهامه لها بأرتكاب جريمة الزنا و طلبت عقابة بعقوبة البلاغ الكاذب، و قد حكمت محكمة الجنح ببراءته مما أسند إليه، فإن مؤدى ذلك أن المحكمة الجنائية لم تفصل فى الاساس المشترك بين الدعويين الجنائية و دعوى التطليق المطروحة، لأن قوام الأولى ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها و أن يكون الجاني عالماً بكذبها و منتوياً السوء و الإضرار بالمجني عليه، و قوام الثانية طبقاً للمادتين 9 ، 14 من شريعة الروم الأرثوذكس- التي ينتمي إليها طرفي الدعوى- هو التصدع الجسيم فى الحياة الزوجية الذي يستحيل معه استمرارها على طالب الطلاق، والهجر من جانب أحد الزوجين عن قصد سئ مدة ثلاث سنوات، مما لا حجية معه للحكم الجنائي فى هذا الخصوص .

( الطعن رقم 435 لسنة 66 ق - جلسة 2000/03/21- س 51 ع 1 ص 443 ق 79 )

9ـ إذ كان البين من الحكم الصادر فى الجنحة..... سنة.... جنح مستأنف المعادي أنه لم يفصل فى موضوع الدعوى المدنية وإنما انتهى إلى إحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة لما أورده فى أسبابه من أن الفصل فى هذه الدعوى يستلزم تحقيقاً موضوعياً يخرج عن نطاق اختصاص المحكمة الجنائية، ومن ثم فإنه لا يحوز حجية أمام المحكمة المدنية، ولا ينال من ذلك ما تزيد إليه الحكم فى منطوقه حيث اتبع عبارة (إلغاء الحكم بشأن رفض الدعوى المدنية) بكلمة (وبقبولها) فتلك إشارة لا حجية لها لأن الحكم أوردها تزيداً فى معرض التأكيد على أن المحكمة لا تساير قضاء محكمة أول درجة فيما انتهى إليه من رفض الدعوى المدنية، وإلا لما اتبع تلك الكلمة بالإحالة إلى المحكمة المدنية المختصة لتقول كلمتها فيها.

( الطعن رقم 345 لسنة 68 ق - جلسة 1999/04/20 - س 50 ع 1 ص 535 ق 106 )

10- المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مؤدى نص المادة 265/1 من قانون الإجراءات الجنائية أنه إذا ترتب على الفعل الواحد مسئوليتان جنائية ومدنية ورفعت دعوى المسئولية المدنية أمام المحكمة المدنية فإن رفع الدعوى الجنائية سواء قبل رفع الدعوى المدنية أو أثناء السير فيها, يوجب على المحكمة المدنية أن توقف السير فى الدعوى المرفوعة أمامها إلى أن يتم الفصل نهائياً فى الدعوى الجنائية, وهذا الحكم متعلق بالنظام العام ويجوز التمسك به فى أية حالة تكون عليها الدعوى, ويعتبر نتيجة لازمة لمبدأ تقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها والذي نصت عليه المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات، وهو ما يتأدى منه بالضرورة أن يكون قيام الدعوى الجنائية فى هذه الحالة مانعاً قانونياً من متابعة السير فى إجراءات الدعوى المدنية التي يجمعها مع الدعوى الجنائية أساس مشترك.

( الطعن رقم 2887 لسنة 62 ق - جلسة 1999/02/02 - س 50 ع 1 ص 167 ق 30 ) 

 11- مفاد ما نصت عليه المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية من أن يكون للحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية فى موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو الإدانة قوة الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم المدنية فى الدعوى التي لم يكن قد فصل فيها نهائياً فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها. ويكون للحكم بالبراءة هذه القوة سواء بني على انتفاء التهمة أو عدم كفاية الأدلة, والمادة 102 من قانون الإثبات من أنه لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا فى الوقائع التي فصل فيها ذلك الحكم وكان فصله فيها ضرورياً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن حجية الحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية فى موضوع الدعوى الجنائية أمام المحاكم المدنية مقصورة على منطوق الحكم الصادر بالبراءة أو الإدانة بالنسبة لمن كان موضع محاكمة وعلى الأسباب التي لا يقوم الحكم بدونها ولا تمتد إلى الأسباب التي لم تكن لازمة لقضائه بهذه البراءة أو تلك الإدانة.

( الطعن رقم 9263 لسنة 66 ق - جلسة 1998/10/20 - س 49 ع 2 ص 616 ق 150 ) 

12 ـ مؤدى حكم المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات أن الحكم الصادر فى المواد الجنائية لا تكون له حجية فى الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية إلا إذا كان قد فصل فصلاً لازماً فى وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعوى الجنائية والمدنية وفى الوصف القانونى لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله ، وأن الحكم الجنائي الصادر بالبراءة إذا كان مبنياً على أن الفعل لا يعاقب عليه القانون سواء لانتفاء القصد الجنائي أو لسبب آخر فإنه لا تكون له حجية الشئ المحكوم فيه أمام المحكمة المدنية وبالتالى فإنه لا يمنع تلك المحكمة من البحث فيما إذا كان هذا الفعل مع تجرده من وصف الجريمة قد نشأ عنه ضرر يصح أن يكون أساساً للتعويض ذلك أن القاضى المدنى لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا فى الوقائع التى فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً .

( الطعن رقم 8487 لسنة 66 ق - جلسة 1997/06/23 - س 48 ع 2 ص 970 ق 185 ) 

13- الحكم الصادر فى المواد الجنائية تكون له حجية فى الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية كلما كان قد فصل فصلاً لازماً فى وقوع الفعل المكون للأساس المشترك من الدعويين الجنائية والمدنية . وفى الوصف القانونى لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله فإذا فصلت المحكمة الجنائية فى هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تلتزمها فى بحث الحقوق المدنية المتصلة بها لكى لا يكون حكمها مخالفاً للحكم الجنائي السابق له . وإذ كان الثابت من الحكم الصادر فى الدعوى الجنائية أنها رفعت على حارس المزلقان بتهمتى القتل الخطأ والتسبب فى حصول حادث للقطار فقضت المحكمة بإدانته وقد صار الحكم إنتهائياً بتأييده ولما كان الفعل غير المشروع الذى رفعت الدعوى الجنائية على أساسه هو بذاته الذى نشأ عنه إتلاف السيارة والذى يستند إليه الطاعن فى دعواه المدنية الراهنة فإن الحكم الجنائي المذكور إذ قضى بإدانة حارس المزلقان لثبوت الخطأ فى جانبه يكون قد فصل فصلاً لازماً فى وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفى الوصف القانونى لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله ، فيحوز فى شأن هذه المسألة المشتركة حجية الشىء المحكوم فيه أمام المحكمة المدنية وتتقيد به هذه المحكمة و يمتنع عليها أن تخالفه أو تعيد بحثه ، وإذا لم يعتد الحكم المطعون فيه بحجية الحكم الجنائي فى هذا الخصوص فقضى على خلافه برفض دعوى الطاعن بمقوله : " أن خطأ قائد السيارة يستغرق خطأ حارس المزلقان " فإنه يكون قد خالف القانون و أخطأ فى تطبيقه .

( الطعن رقم 729 لسنة 40 ق - جلسة 1979/01/17 - س 30 ع 1 ص 233 ق 55 )

14- لا تختص المحكمة الجنائية بالتعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائي المسند إلى المتهم. فإذا كانت المحكمة قد برأت المتهم من التهمة المسندة إليه (السب غير العلني) لعدم ثبوتها فإن ذلك يستلزم حتماً رفض طلب التعويض لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت فى حق من نسب إليه. أما الحكم بالتعويض ولو قضى بالبراءة فشرطه ألا تكون البراءة قد بنيت على عدم حصول الواقعة أصلاً أو على عدم صحتها أو عدم ثبوت إسنادها إلى المتهم لأنه فى هذه الأحوال لا تملك المحكمة أن تقضي بالتعويض على المتهم لقيام المسئوليتين الجنائية والمدنية معاً على ثبوت حصول الواقعة وصحة إسنادها إلى صاحبها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بالبراءة على عدم توافر أركان الجريمة المسندة إلى المطعون ضده، فإن هذه الأسباب بذاتها فى هذه الحالة تكون أسباباً للحكم برفض دعوى التعويض.

( الطعن رقم 985 لسنة 44 ق - جلسة 1974/10/07 - س 25 ص 648 ق 140 )

15 ـ مؤدى نص المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية ، 406 من القانون المدنى أن الحكم الصادر فى المواد الجنائية تكون له حجيته فى الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية كلما كان قد فصل فصلا لازما فى وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفى الوصف القانونى لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله . ومتى فصلت المحكمة الجنائية فى هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تعتبرها وتلزمها فى بحث الحقوق المدنية المتصلة بها كى لايكون حكمها مخالفاً للحكم الجنائي السابق له . فإذا كانت المحكمة الجنائية قد قضت ببراءة المتهم من جريمة تزوير السند وبرفض الدعوى المدنية قبله وأسست قضاءها فى ذلك على أن التهمة محوطة بالشك مما مفاده أن الحكم بالبراءة بنى على عدم كفاية الأدلة ، وأصبح هذا الحكم انتهائيا فإنه ما كان يجوز للحكم المطعون فيه أن يجيز الادعاء بتزوير ذلك السند وأن يقضى برده و بطلانه

( الطعن رقم 221 لسنة 28 ق - جلسة 1963/05/23 - س 14 ص 715 ق 102 )

16- المقرر - فى قضاء محكمة النقض – أنه إذ كان مفاد نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات أن الحكم الصادر فى المواد الجنائية تكون له حجيته فى الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية كلما كان قد فصل فصلاً لازماً فى وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفى الوصف القانونى لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله ، فإذا فصلت المحكمة فى هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تعتبرها وتلتزمها فى بحث الحقوق المدنية المتصلة بها لكى لا يكون حكمها مخالفاً للحكم الجنائي السابق له .

( الطعن رقم 11048 لسنة 81 ق - جلسة 2013/11/19 ) 

17- المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن مؤدى نص المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية ، 102 من قانون الإثبات " أن الحكم الصادر فى المواد الجنائية تكون له حجية فى الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية كلما كان قد فصل فصلاً لازماً فى وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفى الوصف القانونى لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله ومتى فصلت المحكمة الجنائية فى هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تعتبرها وتلتزمها فى بحث الحقوق المدنية المتصلة بها كى لا يكون حكمها مخالفة للحكم الجنائى السابق له " .

 

( الطعن رقم 19514 لسنة 85 ق - جلسة 27 / 12 / 2021 ) 

18 - المُقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنَّ مُؤدى نص المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية، 102 من قانون الإثبات أنَّ الحُكمَ الصادرَ في المواد الجنائية لا تكون له حُجية مُلزمة في الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية، إلَّا إذا كان قد فصل فصلًا لازمًا في وُقوع الفعل المُكوِّن للأساس المُشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية، وفي الوصف القانوني لهذا الفعل، ونسبته إلى فاعله. فإذا فصلت المحكمة الجنائية بحُكمٍ باتٍ في هذه المسائل، امتنع على المحاكم المدنية مُخالفة الحُكم الجنائي فيما سبق له الفصل فيه. وتقتصـر هذه الحُجية على منطوق الحُكم الصادر بالإدانة أو بالبراءة، وعلى أسبابه المُؤدية إليه بالنسبة لِمَا كان موضوع المُحاكمة، دُون أنْ تلحق الحُجية الأسباب التي لم تكن ضرورية للحُكم بهذه البراءة أو الإدانة. لمَّا كان ذلك، وكان قضاء المحكمة الجنائية ببراءة المُتهم من تُهمة تبديد مبلغ نقدي، لانتفاء رُكن التسليم، ليست له حُجية أمام المحكمة المدنية بشأن التزامه بالوفاء بذلك المبلغ، طالما قدَّم الدائن الدليل على ثُبوت هذا الدَين، وعَجَزَ المدين عن نفيه. وكان الثابتُ من مُدونات الحُكم المطعون فيه أنَّ الحُكمَ الصادرَ في الجُنحة رقم .... لسنة ٢٠١٣ جُنح مُستأنف بنها، قد قضـى ببراءة المطعون ضده من تُهمة تبديد مبلغ "ثلاثمائة ألف" جُنيه، اتهمه الطاعن بأنَّه تسلَّمه منه على سبيل الأمانة، على سندٍ من تشكك الحُكم في صِحة تسلُّم المطعون ضده لذلك المبلغ، ولم يتطرق لبحث واقعة المديونية في ذاتها؛ إذ إنَّ الفصل في هذه الواقعة ليس ضروريًا ولا لازمًا للفصل في الجريمة المُسندة إلى المُتهم؛ ومِن ثَمَّ فإنَّ حُكمَ البراءة المُشار إليه لا تكون له حُجية في هذا الخُصوص أمام المحاكم المدنية، ولا يمنع هذه الأخيرة من بحث مدى التزام المطعون ضده بالوفاء بذلك المبلغ، إذا ما قدَّم الطاعنُ دليلًا على ثُبوت هذه المديونية، وعجز المطعونُ ضده عن نفيها. وإذ خَالفَ الحُكمُ المطعونُ فيه هذا النظر، وأقام قضاءه برفض دعوى الطاعن، تقيدًا بحُجية الحُكم الجنائي، الصادر ببراءة المطعون ضده من تُهمة تبديد ذلك المبلغ؛ فإنَّه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، وشابه القُصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، وهُو ما يعيبه ويُوجب نقضه، على أنْ يكون مع النقض، الإحالة.

( الطعن رقم 8426 لسنة 87 ق - (الدائرة المدنية )  - جلسة 2 / 2 / 2023 ) 

 19- مؤدى نص المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية 102 من قانون الإثبات أن الحكم الصادر في المواد الجنائية لا تكون له حجية ملزمة في الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية إلا إذا كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله ، فإذا فصلت المحكمة الجنائية بحكم بات في هذه المسائل امتنع على المحاكم المدنية مخالفة الحكم الجنائي فيما سبق له الفصل فيه وتقتصر هذه الحجية على منطوق الحكم الصادر بالإدانة أو بالبراءة وعلى أسبابه المؤدية إليه بالنسبة لما كان موضوع المحاكمة دون أن تلحق الحجية الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بهذه البراءة أو الإدانة .

( الطعن رقم 21316 لسنة 88 ق - جلسة 18 / 2 / 2024 )

20- مؤدى نص المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية و 102 من قانون الإثبات أن الحكم الصادر في المواد الجنائية تكون له حجية في الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية، كلما كان قد فصل فصلًا لازمًا في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله، ومتى فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأمور، فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تعتبرها وتلتزمها في بحث الحقوق المدنية المتصلة بها كي لا يكون حكمها مخالفًا للحكم الجنائي .

( الطعن رقم 5131 لسنة 93 ق - جلسة 21 / 5 / 2024 )

21-  إذا ترتب على الفعل الواحد مسئوليتان جنائية ومدنية ورُفعت دعوى المسئولية أمام المحكمة المدنية، فإن رفع الدعوى الجنائية سواء قبل رفع الدعوى المدنية أو أثناء السير فيها يُوجب على المحكمة المدنية عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة 265 من قانون الإجراءات الجنائية أن توقف السير في الدعوى المرفوعة أمامها إلى أن يتم الفصل نهائياً في الدعوى الجنائية، وإذ كان هذا الحُكم يتعلق بالنظام العام ويُعتبر نتيجة لازمة لمبدأ تقيُد القاضي المدني بالحُكم الجنائي فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها والذى نصت عليه المادة 456 من ذلك القانون والمادة 102  من قانون الإثبات، فإنه يتأدى منه بالضرورة أن يكون قيام الدعوى الجنائية في هذه الحالة مانعاً قانونياً من مُتابعة السير في إجراءات خصومة الدعوى المدنية التي يجمعها مع الدعوى الجنائية أساس مُشترك، وإذا رُفعت الدعوى المدنية ثم صدر حُكم بوقفها إعمالاً لما يُوجبه القانون في هذا الصدد، فإن من أثر هذا الحُكم القطعي أن يمتنع الخصوم عن اتخاذ أي إجراء يستهدف به مُعاودة عرض الخصومة على المحكمة قبل زوال المانع القانوني . 

( الطعن رقم 1579 لسنة 90 ق - جلسة 25 / 9 / 2024 )

22- مفاد نص المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية، 102 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 أنَّ الحُكم الصادر في المواد الجنائية تكون له حجيته قِبَل الكافة وأمام المحكمة المدنية كلما كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المُكوِّن للأساس المُشترك بين الدعويين المدنية والجنائية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله، فإذا فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأُمور وأسَّست قضاءها ببراءة قائد السيارة من تهمة القتل أو الإصابة الخطأ على السبب الأجنبي، وكان فصل الحُكم الجنائي في سبب وقوع الحادث لازماً لقضائه بالبراءة، فتكون له قُوة الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم المدنية فيمتنع عليها أنْ تُعيد بحثها ويتعيَّن عليها أنْ تتقيد بها وتلتزمها في بحث الحُقوق المدنية المُتصلة بها كي لا يكون حُكمها مُخالفاً للحُكم الجنائي السابق صُدوره . 

( الطعن رقم 22577 لسنة 89 ق - جلسة 25 / 9 / 2024 )

23- مؤدى نص المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية و 102 من قانون الإثبات أن الحكم الصادر في المواد الجنائية لا تكون له حجية ملزمة في الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية إلا إذا كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفى الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله فإذا فصلت المحكمة الجنائية بحكمٍ باتٍ في هذا المسائل امتنع على المحاكم المدنية مخالفة الحكم الجنائى فيما سبق له الفصل فيه وتقتصر هذه الحجية على منطوق الحكم الصادر بالإدانة أو البراءة وعلى أسبابه المؤدية إليه بالنسبة لما كان موضوع المحاكمة دون أن تلحق الحجية الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بهذه البراءة أو الإدانة .

( الطعن رقم 10866 لسنة 91 ق - جلسة 19 / 1 / 2025 )

شرح خبراء القانون

حتى يحوز الحكم الجنائي حجية الشيء المحكوم فيه أمام القضاء المدني يلزم أن يكون صادراً في موضوع الدعوى العمومية أي أن يكون صادراً بالبراءة أو بالإدانة وهذا ما أكدته صراحة المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية بقولها «يكون للحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية في موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو بالإدانة قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية...» ويلاحظ أنه ليس كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يحوز الحجية أمام القضاء المدني وبعبارة أخرى فإن الحكم الذي يحوز الحجية أمام القضاء المدني يلزم أن يكون صادرة في الموضوع ولكن ليست كل الأحكام الصادرة في الموضوع تحوز الحجية أمام القضاء المدني ولعل هذا المعنى ما قصده المشرع في المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية بقوله «يكون للحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية في موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو بالإدانة قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية... فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها» فالأحكام الجنائية الصادرة في الموضوع فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها هي التي تحوز الحجية أمام القضاء المدني أما الأحكام الصادرة في الموضوع والتي لا تحوز الحجية أمام القضاء المدني فمثلها أن تحكم المحكمة بالبراءة كلما رأت أن القانون لا يعاقب على الفعل المنسوب إلى المتهم سواء كان عدم العقاب لانعدام أحد أركان الجريمة أو لوجود سبب من أسباب الإباحة أو مانع من موانع المسئولية أو موانع العقاب أو سقوط الدعوى العمومية فالمحكمة في حالة التقادم مثلاً عليها أن تقضي بالبراءة وليس مجرد القضاء بسقوط الدعوى.( الدكتور إدوار غالي الذهبي في حجية الحكم الجنائي أمام القضاء المدني الطبعة الثانية 1981 ص 160 ، 164 )

ثالثاً : يشترط لإعمال نص المادة 102 ما يلي :

1) أن يكون قد صدر حكم جنائي من محكمة جنائية ويستوي أن يكون صادرة من محكمة الجنايات أو محكمة الجنح أو محكمة المخالفات.

2) أن يكون الحكم الجنائي حكماً قطعياً على أن يستخلص القضاء الثابت به من منطوقه وأسبابه المكملة له.

3) أن يكون الحكم الجنائي باتاً غير قابل للطعن فيه بالإستئناف أو النقض أما لإستنفاذ طرق الطعن فيه أو لفوات مواعيدها، وعلى المحكمة المدنية مراعاة هذه الشروط المتقدمة من تلقاء نفسها.

4) أن يكون صدور الحكم الجنائي سابقة على نظر الدعوى المدنية .

5) أن يقدم نزاع جديد باتحاد الموضوع والسبب والأطراف أمام محكمة غير جنائية سواء كانت مدنية أو تجارية أو إدارية أو محكمة أحوال شخصية أما إذا طرح ذات النزاع الجنائي أمام محكمة جنائية أخرى فإن الحكم الجنائي يحوز حجية الشيء المقضي به برمته عملاً بالأصل العام في التشريع.

6) أن يكون ما يتقيد به القاضي المدني هو الوقائع التي فصل فيها الحكم الجنائي وكان فصله فيها ضرورياً وبداهة يشترط أن تكون متعلقة بالخصم المتهم أي أن القاضي المدني يتقيد بما فصل فيه القاضي الجنائي متعلقة بالوقائع دون القانون.  (الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص الإثبات الثانية ص 267 وما بعدها).

رابعا: بالنسبة للأمر الجنائي فهو لا يتمتع بما للأحكام من حجية فهو كقرار قضائي له قوته فيحسم النزاع على نحو يشبه الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية في إنهاء الدعوى الجنائية في حدود معينة ولكنه ليس حكماً ولا يتمتع لذلك بحجية الأحكام على أنه إذا تمت المحاكمة بناء على اعتراض الخصم فإن الحكم الذي يصدر تكون له حجية واجبة الإحترام .

( البيان للأستاذين صلاح حمدي ولبيب حلیم الطبعة الأولى ص 194).(الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه،  طبعة 2014، 2015  دار محمود،  المجلد :  الثاني ، الصفحة : 234 )

من المقرر أنه إذا وقعت جريمة جنائية وسببت ضرراً للغير فإنه ينشأ عنها دعویان: دعوى جنائية والثانية مدنية ، ولا نزاع في أن هاتين الدعويين متميزتان لاختلافهما في الموضوع والخصوم على الأقل . فموضوع الدعوى الجنائية توقيع العقاب، والخصم فيها المجتمع الذي تمثله النيابة العامة ، في حين أن موضوع الدعوى المدنية التعويض والخصم فيها المصاب ، وكان مقتضى ذلك ألا يكون للحكم الصادر في إحدى الدعويين حجية في الدعوى الأخرى غير أنه مما لا يقبل أن تحكم المحكمة الجنائية بإعدام شخص لإدانته في جناية معينة ثم تأتي المحكمة المدنية فتقضي برفض دعوى التعويض الموجهة إلي تركته ، لذلك رأي المشرع أن يتفادى التعارض بين الأحكام الجنائية والأحكام المدنية بأن يجعل للأحكام الجنائية حجية أمام المحاكم المدنية لأنها تتعلق بحريات الأفراد وسلامتهم وهو أمر يمس مصلحة المجتمع ، ولهذا أراد الشارع أن يجعلها محل ثقة مطلقة وأن تبقى آثارها نافذة على الدوام فزود المحاكم الجنائية في صدد تحري الحقيقة بسلطة أوسع كثيراً من سلطة المحاكم المدنية واعتبر ما تقرره المحاكم الجنائية من حقائق قضائية أقرب إلى الحقائق الواقعة مما تقرره المحاكم المدنية فحتم على المحاكم المدنية أن توقف الفصل في الدعاوى الناشئة عن جرائم جنائية إذا رفعت الدعوى الجنائية قبل الفصل في الدعوى المدنية ، ولم يجعل لحكمها الصادر في الدعوى المدنية قبل رفع الدعوى الجنائية أي أثر على هذه الدعوى ثم حرم عليها عند الفصل في الدعوى المدنية أن تتشكك أو تعيد النظر في شيء مما أثبتته المحكمة الجنائية في حكمها وكان إثباته ضرورياً للفصل في الدعوى الجنائية ، ولهذا قررت محكمة النقض في أحكامها الكثيرة المتواترة أن الحكمة الجنائية وبناء علي الحكمة التشريعية المنصوص عليها في المادة 102 إثبات بتقيد القاضي المدني بكل ما فصل فيه الحكم الجنائي فصلاً قاطعاً لازماً للفصل في الدعوى المدنية ، وذلك كله حتى لا تناقض المحكمة المدنية ما قررته القاعدة الصحيحة في حجية الحكم الجنائي الإنتهائي ، وأن هذه الحجية تقوم كلما فصل الحكم الجنائي فصلا شاملاً ولازماً في المسائل التالية .

1 - في تحقيق الفعل الذي يكون الأساس المشترك لكلتا الدعويين الجنائية والمدنية .

2 - وفي الوصف القانوني لهذا الفعل.

3 - وفي إدانة وعدم إدانة المتهم بإرتكاب الفعل.فإذا فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأمور جميعاً أصبح باب بحثها مغلقاً أمام المحاكم المدنية وتعين علي تلك المحاكم أن تعتبرها ثابتة وتسير في بحث الحقوق المدنية المترتبة عليها على هذا الأساس بحيث يكون حكمها متناسقاً مع الحكم الجنائي السابق صدوره .

فإذا قضت المحكمة بالإدانة أي بوقوع الفعل الذي يكون أساس الدعوى و بوصفه بأنه جريمة معينة وبنسبته إلى المتهم فإنه يتعين علي المحكمة المدنية أن ترتبط بهذا القضاء فتعتبر هذه الأمور ثابتة ولو كانت الدعوى مرفوعة علي المسئول الذي لم يكن ممثلاً في الدعوى الجنائية ، ولا يكون أمامها بعد ذلك إلا أن تبحث في تقدير التعويض المترتب عليها غير أن القاضي المدني يتقيد بما فصل فيه القاضي الجنائي من الوقائع دون القانون فلا يتقيد بالتكييف القانوني الذي أسبغه القاضي الجنائي على هذه الوقائع من الناحية الجنائية فإذا حكم القاضي الجنائي ببراءة سائق السيارة من تهمة القتل الخطأ لأن الوقائع التي ثبتت لا يمكن تكييفها من الناحية الجنائية بأنها خطأ معاقب عليه لم يتقيد القاضي بهذا التكييف الجنائي بل يلتزم التكييف المدني وهو يفترض الخطأ في جانب السائق المسئولية الشيئية ولا يتقيد القاضي المدني بالوقائع التي فصل فيها الحكم الجنائي ، إلا إذا كان الفصل فيها ضرورياً لقيام الحكم الجنائي أما ما لم يكن ضرورياً من هذه الوقائع فلا يتقيد به القاضي المدني مهما أكده القاضي الجنائي ، فإذا صدر حكم جنائي بالإدانة وعرض لركن الضرر وأنكر وقوعه لم يتقيد القاضي المدني بهذا إلا إذا كان وقوع الضرر أو عدم وقوعه من شأنه أن يؤثر في منطوق الحكم الجنائي فإذا قال القاضي الجنائي أن ضرراً ما لم يقع علي المجني عليه ولم يكن وقوع الضرر ركناً في الجريمة ، لم تقيد القاضي المدني بما قاله القاضي الجنائي وله أن يثبت في حكمه أن المجني عليه قد أصابه ضرر إذ لا خوف من التعارض ما بين الحكمين الجنائي والمدني لأنه حتى لو أصيب المجني عليه بضرر فإن الحكم الجنائي يبقي مع ذلك صحياً وإذا حكم القاضي الجنائي بان الضرر لم يقع وبني على ذلك أن الجريمة شروع الا فعل تام تقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي ولم يستطع أن يقول أن الضرر قد وقع لأن هذا يتعارض مع الحكم الجنائي في مسألة لو صح فيها الحكم المدني لا نهدم الحكم الجنائي وهو يقوم علي أن الجريمة شروع لا فعل تام ، وإذا أثبت الحكم الجنائي وقوع الضرر فإن كان وقوعه غير مؤثر في الحكم كما لو كان حكماً في مخالفة من مخالفات المرور لم يتقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي وله أن يثبت في حكمه أن الضرر لم يقع لأنه حتى لو صح هذا لم ينهدم الحكم الجنائي.

هذا ونلفت النظر إلى أن الإتلاف بإهمال لم يكن معاقباً عليه قبل تعديل المادة 378 من قانون العقوبات بالقانون رقم 169 سنة 1981 ، ولذلك فقد قضت محكمة النقض أنه إذا كان الضرر المطلوب تعويضه ناشئاً عن إتلاف سيارة وهي واقعة غير مؤثمة قانوناً لأن القانون الجنائي لا يعرف جريمة إتلاف المنقول بإهمال فإن الفعل المكون للجريمة (مثل القيادة الخطرة أو عدم إتباع قواعد المرور) لا يكون هو السبب في الضرر وإنما ظرفاً ومناسبة له (الحكم رقم 10) ورتبت على ذلك أن الحكم الجنائي الصادر في هذه الحالة لا يقيد القاضي المدني إلا أن المشرع أدخل أخيرا تعديلا على المادة 378 بالقانون رقم 169 لسنة 1981 أنف الذكر وأصبح نصها الآتي : يعاقب بغرامة لا تتجاوز 50 جنيهاً كل من ارتكب فعلا من الأفعال المبينة بالفقرات التي عددتها ، ومنها الفقرة السادسة ونصها "من تسبب بإهمال في إتلاف شيء من منقولات الغير" و علي ذلك إذا قدمت النيابة العامة قائد السيارة للمحكمة الجنائية بتهمة أنه تسبب بإهماله في إتلاف سيارة شخص آخر صدمها بسيارته ، وطلبت عقابه بالمادة 378 عقوبات، وقضت المحكمة الجنائية بإدانة المتهم فإن هذا الحكم يقيد المحكمة المدنية إذا رفعت أمامها بعد ذلك دعوى بالتعويض على قائد السيارة الذي حكم بإدانته فيتعين عليها أن تقضي عليه بالتعويض .

أما إذا قضت المحكمة الجنائية بالبراءة فيجب التفرقة بين صورتين : الصورة الأولي أن يؤسس القاضي الجنائي البراءة علي نفي نسبة الواقعة إلى المتهم ، أو أنه لم يترتب عليها ضرر في الحالات التي يكون فيها الضرر ركناً في الجريمة الجنائية أو بأنه لا توجد علاقة سببية بين الخطا والضرر المدني فإنه يتعين عليه في هذه الحالة أن يرفض دعوى التعويض ، فإذا قضت المحكمة الجنائية بتبرئة مالك عقار من تهمة عدم قيامه بترميم خلل في الشرفة مع علمه بذلك وتسببه في إصابة أخر وأسست حكمها على عدم وقوع خطأ من جانبه لقيامه بإصلاح الشرفة فإن هذا يقيد القاضي المدني ولا يجوز له أن يبحث الإدعاء بأن الخطأ الذي نفى قيامه الحكم الجنائي قد وقع فعلاً .

وإذا قضت المحكمة الجنائية ببراءة متهم بتزوير عقد وبنت حكمها على عدم وقوع تزوير فإن هذا يمنع نظر دعوى تزوير هذا العقد التي يرفعها بصفة فرعية من كان مدعياً بالحق المدني في وجه المتمسك بالعقد الذي كان متهماً في الدعوى الجنائية.

والصورة الثانية : أن يكون سبب البراءة هو عدم كفاية الأدلة على سند الواقعة . أي ضد المتهم ، وقد اختلف الشراح في صدد هذه الحالة فذهب الرأي الراجح في الفقه أن القاضي المدني يرتبط بالحكم الجنائي كما في الصورة السابقة (رسالة الإثبات للأستاذ نشأت الجزء الثاني ص 169، والإثبات للمستشار محمد عبد اللطيف ، الجزء الثاني ص 232 والإثبات في المواد المدنية للدكتور عبد المنعم الصدة ص 168).

ويرى البعض الآخر أن القاضي المدني لا يتقيد بالحكم الجنائي ولا يمنع المحكمة المدنية من إعادة البحث في الموضوع لعلها تظفر بإثبات ما يبرر حكمها بالتعويض لأن تقرير المحكمة الجنائية أنها لم تستطع إثبات الخطأ لا يجزم بعدم وقوعه ولا يتعارض مع قيام المحكمة المدنية بإثباته (ذهني جزء 2 ص 476 ورأي في الفقه الفرنسي).

وقد ذهب الدكتور سليمان مرقس إلي أن المشرع حسم هذا الخلاف وأخذ في شأنه بالرأي الأول بما نصت عليه في المادة 456 إجراءات جنائية من أن حكم البراءة تكون له قوة الشيء المحكوم فيه سواء بني على انتفاء التهمة أو علي عدم كفاية الأدلة . (مؤلفة في أصول الإثبات ، الطبعة الخامسة ، الجزء الثاني ص 294 وما بعدها) وهذا القول سدید.

أما محكمة النقض فإنها تأخذ بالرأي الأول (الأحكام أرقام 4 ، 38 ، 46 من الأحكام المدنية).

وإذا كان الحكم بالبراءة مبنياً على أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون ففي هذه الحالة يتقيد القاضي المدني بهذا التكييف القانوني فلا يجوز له أن يقرر أن الواقعة تندرج تحت إحدى الجرائم المنصوص عليها في القوانين الجزائية ، ولكن ذلك لا يمنعه من أن يقرر أن الواقعة تكون في نظر القانون المدني فعلاً ضاراً يستوجب المسئولية المدنية فإذا كانت الدعوى الجنائية قد أقيمت على المتهم بتهمة الإتلاف قبل تعديل المادة 378 فقضت المحكمة بالبراءة على أساس انتفاء ركن العمد فإن ذلك لا يمنع المضرور من المطالبة بالتعويض أمام القضاء المدني على أساس إصابته بضرر من هذا الفعل يستوجب المسئولية المدنية ، وكذلك إذا حكمت المحكمة الجنائية ببراءة المتهم من جريمة النصب لعدم توافر ركن الإحتيال، فإن ذلك لا يمنع المضرور من مطالبة المتهم بالتعويض أمام القاضي المدني علي اعتبار أن الفعل يكون غشاً أو تدليساً يوجب المسئولية المدنية ، وبهذا أخذت محكمة النقض المدنية في أحكامها الحديثة (الأحكام أرقام 31، 58، 66).

وفي حالة ما إذا قضت المحكمة الجنائية بالبراءة في جرائم الإهمال كجريمة القتل الخطأ والجرح الخطأ وأسست قضاءها على عدم توافر ركن الخطأ فقد اختلف الفقهاء فيري معظمهم أن القاضي المدني لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا في حدود ما فصل فيه من نفي نوع الخطأ الجنائي ، وعلى ذلك يجوز له الحكم بالتعويض إذا كان الفعل في حد ذاته يستوجب المسئولية إذ لا تناقض بين الحكم المدني الصادر بالتعويض وبين الحكم الجنائي الصادر بالبراءة لأن الخطأ المدني يختلف عن الخطأ الجنائي لأن القانون الجنائي لا يعرض إلا للخطا الجسيم حالة أن الشخص يسأل عن الخطأ المدني أياً كانت درجته.(الإثبات لنشأت ، الطبعة السادسة رقم 720 ، والإثبات للصدة ص 276 ، وسليمان مرقص في مقال منشور بمجلة القانون والاقتصاد للسنة 15 ص 203 ، وشرح قانون العقوبات للأستاذ أحمد أمين ، الطبعة الثانية ص 370) وذهب الرأي الأخر إلي أن القاضي المدني يتقيد بالحكم الجنائي الصادر بالبراءة فيكون حجة ينفي الخطأ أياً كانت درجته وأيا كانت صورته لأن صور الخطأ الواردة في المادتين 238، 244 عقوبات وإن كانت تبدو في ظاهرها أنها وردت علي سبيل الحصر إلا أنها استوعبت جميع صور الخطأ بكافة درجاته فلا محل للقول بوجود خطأ مدني بعد نفي الخطأ الجنائي لأن الخطأ واحد في المسئوليتين المدنية والجنائية ، فإذا انتفى الخطأ الجنائي امتنع القاضي المدني أن يبحث في وجود خطأ مدني (المسئولية الجنائية للدكتور القللي ص 226، وحجية الحكم الجنائي للدكتور إدوار غالي ص 207).

وقد أخذت محكمة النقض بالرأي الأخير بدائرتيها المدنية والجنائية

(نقض مدني 14 / 12 / 1939 ، ونقض جنائي 8 / 3 / 1943 ، وقد وردا في نهاية التعليق على المادة).

أما إذا كان الحكم بالبراءة مبنياً على الفصل في الواقعة أساس الدعوى دون الفصل في نسبتها إلى المتهم فإنه في هذه الحالة تنتفي حجية الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية فيجوز للقاضي المدني أن يحكم على المتهم بالتعويض لأن حكمه هذا لا ينطوي علي تعارض مع الحكم الجنائي فقد يكون الحكم بالبراءة راجعاً إلي انقضاء الدعوى العمومية بموت المتهم أو بالعفو الشامل أو بالتقادم ، فيكون للقاضي المدني حينئذ أن يقضي بالتعويض علي أساس أن الواقعة المنسوبة إلى المتهم تقصير مدني ، وإذا وصف الحكم الجنائي الخطأ بأنه عمد أو غير عمد فإن القاضي المدني يتقيد بهذا الوصف لأن وصف الخطأ بأنه عمد أو غير عمد من شأنه أن يؤثر في وصف الجريمة ذاتها ، وإذا وصف الحكم الجنائي الخطأ بأنه جسيم أو يسير ، فإن هذا ليس من شأنه أن يؤثر في الحكم الجنائي وإن أثر في تقدير العقوبة فلا يتقيد به القاضي المدني لأن الخطأ الجسيم من الناحية الجنائية ليس هو حتما الخطأ الجسيم من الناحية المدنية. (يراجع فيما تقدم الوجيز للسنهوري ص 382 والإثبات للصدة ص 165، ورسالة الإثبات لنشأت ، الجزء الثاني ص 199 وما بعدها ، وأصول الإثبات في المواد المدنية لسليمان مرقص ، الطبعة الرابعة ، الجزء الثاني ص 288 وما بعدها).

على أنه يشترط في الحكم الجنائي الذي يتقيد به القاضي المدني أن يكون حكماً نهائياً صادراً في الموضوع فلا يجوز أن يكون حكماً تحضيرياً أو تمهيدياً أو قراراً صادراً من النيابة العامة.

غير أن محكمة النقض في أحكامها الأخيرة المتواترة التي استقرت عليها لم تكتف بأن يكون الحكم الجنائي نهائياً ، بل اشترطت لكي يكون له قوة الشيء المحكوم به أن يكون باتاً لا يجوز الطعن فيه بالإستئناف أو النقض.

ويشترط لتقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي أن يصدر الحكم الجنائي قبل أن يفصل نهائياً في الدعوى المدنية وهذا مؤدي ما نصت عليه المادة 456 إجراءات جنائية فإذا رفعت الدعوى المدنية قبل أن يحكم نهائياً في الدعوى الجنائية وجب على القاضي المدني وقف الدعوى المدنية حتى يفصل نهائياً في الدعوى الجنائية وذلك عملاً بالمادة 265 إجراءات جنائية ، وإذا صدر حكم من المحكمة المدنية وطعن عليه بالإستئناف ، وأثناء نظر الاستئناف رفعت الدعوى الجنائية فإنه يتعين علي المحكمة المدنية وقف الدعوى في الإستئناف حتى يقضي نهائياً في الدعوى الجنائية ، أما إذا كان قد فصل نهائيا في الدعوى المدنية قبل رفع الدعوى الجنائية ففي هذه الحالة تستقر الحقوق نهائياً بين الطرفين ولا يمكن أن يؤثر عليها أي حكم جنائي صدر لاحقاً للحكم المدني ، غير أن الحكم المدني النهائي الذي يصدر قبل الفصل في الدعوى الجنائية لا يقيد المحكمة الجنائية.

والجدير بالذكر أن قاعدة حجية الحكم الجنائي ليست قاصرة علي الدعوى المدنية البحتة بل تمتد هذه الحجية إلى الدعاوى المختلفة سواء كانت مدنية بحتة أو تجارية أو دعاوى أحوال شخصية أو دعاوى أمام القضاء الإداري أو دعاوى أمام هيئات التحكيم أصدرت فيها أحكاماً قبل إلغائها ، ذلك أن المشرع حينما عبر بلفظ المدنية قصد تفرقة القضاء الجنائي عن غيره أياً كان نوعه (حجية الحكم الجنائي أمام القضاء المدني للدكتور إدوار غالي ص 151).

 وإذا أدعى المضرور مدنيا أمام محكمة الجنح الجزئية بمبلغ يزيد على خمسمائة جنيه وقضت المحكمة ببراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية فاستأنف المضرور الدعوى المدنية ولم تستأنف النيابة الحكم الجنائي وبذلك أصبح نهائياً فإن استئناف الحكم في الشق المدني منه يعيد طرح النزاع من جديد أمام الهيئة الإستئنافية في الحدود التي استؤنف عنها الحكم فيجوز لها أن تناقش من جديد ما إذا كان المتهم قد ارتكب الجريمة أم لا ويكون لها أن تقضي في الدعوى المدنية على خلاف الشق الجنائي من الحكم ولها أن تحكم بالتعويض على المتهم الذي قضى ببراءته.

وفي حالة ما إذا قضى من محكمة الجنح الجزئية بالعقوبة الجنائية والتعويض للمدعي المدني فاستأنف المتهم الدعوى المدنية فقط وقضت محكمة الجنح المستأنفة بإلغاء الحكم في الشق الخاص بالتعويض المدني وبرفض الدعوى المدنية فإن الحكم الصادر من محكمة الجنح المستأنفة في الحالين هو الذي تكون له حجية أمام المحكمة المدنية.

ويتعين ملاحظة أن حجية الحكم الجنائي وإن كانت مطلقة فيما فصل فيه في الدعوى الجنائية أي أنها تسري علي الكافية إلا أن الحكم الصادرة في الدعوى المدنية المرفوعة أمام المحكمة الجنائية حجية قاصرة على من كان خصماً فيها دون غيره.

أما بالنسبة للأحكام التي تصدر من المحكمة الجنائية بتعويض مؤقت سواء كانت محكمة الجنايات أو محكمة الجنح فإن هذه الأحكام قطعية وتحسم الخصومة في أمر هام هو مبدأ استحقاق التعويض ، ومن ثم فإن هذا الحكم يجوز حجيته في هذا الخصوص ، وإذا رفع المحكوم له دعوى جديدة أمام المحكمة المدنية بتكملة التعويض انحصرت مهمة المحكمة في تقدير قيمة هذا التعويض فقط ، ولا يجوز لها أن تعيد بحث الخطأ أو الضرر أو علاقة السببية بينهما .

ويشترط في الحكم الجنائي الذي يقيد القضاء المدني أن يكون صادرة في دعوى جنائية من محكمة مختصة بها اختصاصاً ولائياً وسواء كانت تلك المحكمة محكمة جنائية عادية أو استثنائية كمحكمة القيم ، أو كانت محكمة مدنية جعل لها القانون اختصاصاً جنائياً كالدعاوي الخاصة بجرائم التعدي على هيئة المحكمة أو على أحد أعضائها أو أحد الموظفين بالمحكمة وجرائم شهادة الزور وجرائم الإخلال بنظام الجلسات ، ولا يكفي أن يكون صادر من محكمة جنائية إذا كان لا يتعلق بالدعوى الجنائية، كما هو الشأن في الحكم الصادر في الدعوى المدنية حتى لو تقيدت فيه المحكمة بما قضت به في الدعوى الجنائية فلا يسري عليه تقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي ، وإنما تكون لهذا الحكم حجية الأحكام المنصوص عليها في المادة 101 بشرط توافر وحدة الموضوع والسبب والخصوم.

وبالنسبة للحكم الصادر من المحكمة الجنائية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى الجنائية فلا حجية له على النحو الذي سنوضحه بعد ذلك.

ولا يكون للحكم الجنائي حجية أمام القضاء المدني في شأن أي واقعة لا يتوقف على ثبوتها تكييفي الفعل المشترك فالحكم بإدانة متهم لإصداره شيكاً بدون رصيد لا تكون له حجية أمام القاضي المدني في دعوى المستفيد بطلب الحكم له بقيمة الشيك ، والأحكام الصادرة في دعاوي تأديبية ، كذلك فإنه يجب أن يصدر الحكم الجنائي من محكمة وطنية لا من محكمة أجنبية فلا يتقيد القضاء المدني بالحكم الصادر من المحكمة الأخيرة ، ويجب أن يكون الحكم الجنائي مكتملاً عناصر وجوده فالحكم المعدوم لا حجية له أمام القضاء المدني ، أما الحكم الباطل فإنه يقيد القضاء المدني متى حاز حجية الأمر المقضي.

ويتعين على من يتمسك بحجية الحكم الجنائي أن يقدم للمحكمة المدنية الدليل على دعواه وقد جرت العادة على أن يطلب الخصم ضم الدعوى الجنائية إلا أنه الأفضل له أن يقدم صورة رسمية من الحكم لأنه هو المكلف بإثبات دعواه ولأن المحكمة يجوز لها أن ترفض طلب ضم الدعوى الجزائية بحجة أن طلب غير جدي أو أن طالبه يبغي كسب الوقت ، أما إذا قدم الصورة الرسمية من الحكم فإن المحكمة تكون ملزمة بالرد على دفاع المتهم إن لم تشأ الأخذ به ، ولا يكفي تقديم صورة رسمية من منطوق الحكم بل يتعين تقديم صورة من الحكم بجميع مشتملاته .

حجية الحكمين الجنائيين المتناقضين :

 ثار الخلاف بين المحاكم في حالة صدور حكمين جنائيين متناقضين فاتجه بعضها إلي أن الحجية تثبت للأول بإعتبار أن الثاني باطل بينما قضى البعض الأخر أن الحجية تثبت للثاني باعتبار أنه قد نسخ الأول ، إلا أن محكمة النقض حسمت هذا الخلاف ولم تأخذ بأي الرأيين وقضت في صراحة ووضوح بأن المحكمة المدنية لا تتقيد بأي من الحكمين و عليها أن تجتهد في حكمها وذلك أخذا بمبادئ الشريعة الإسلامية وأسست قضاءها على أن العلة في تقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي هي تفادي التعارض بين الحكمين فإذا ما شاب التناقض حكمين جنائيين فإن القاضي لا يلزم بإتباع أحدهما وإنما يلجأ لقواعد الشريعة علي النحو المتقدم والتي أهدرت الحكمين وألزمت القاضي بالاجتهاد في دعواه المدنية . ( الحكم رقم 93 من هذا المؤلف).

وغني عن البيان أنه يتعين لإهدار الحكمين أن يكون كل منهما باتاً ، أما إذا كان أحدهما باتاً والأخر غير ذلك تقيدت المحكمة بالبات دون الآخر.

حجية الأحكام الصادرة من القضاء العسكري :

الأحكام الصادرة من القضاء العسكري تقييد جهة القضاء المدني كالأحكام الجنائية الصادرة من جهة القضاء العادي سواء بسواء إلا أنه يشترط لذلك شرطان : أولهما : أن تكون صادرة في حدود اختصاصها ، أما إذا خرجت علي ذلك فلا تقيده ، وثانيهما : أن تكون باتة ، ذلك أن المادة 84 من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 82 لسنة 1968 قد نصت علي أن تصبح الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها على الوجه المبين في هذا القانون ، كما نصت المادة 112 منه على أنه بعد إتمام التصديق لا يجوز إعادة النظر في أحكام المحاكم العسكرية إلا بمعرفة السلطة الأعلى من الضابط المصدق وهي رئيس الجمهورية أو من يفوضه، ونصت المادة 118 من ذات القانون على أن يكون الحكم الصادر من المحاكم العسكرية بالبراءة أو بالإدانة قوة الشيء المقضي طبقاً للقانون بعد التصديق عليها قانونا ، ومؤدي هذا النصوص جميعاً أن الأحكام العسكرية لا تصبح نهائية إلا بعد التصديق عليها ، أما المادة 114 من نفس القانون فقد نصت على أن يقدم التماس إعادة النظر كتابة في ظرف خمسة عشر يوما من تاريخ إعلان الحكم بعد التصديق أو تاريخ النطق بالحكم المصدق عليه قانوناً .. فيدل علي أن الحكم النهائي لا يصبح باتاً إلا بعد استنفاد طريق الطعن فيه بالتماس إعادة النظر أو فوات ميعاده. ( أحكام النقض من رقم 34 مكررا حتى رقم 36 مكرر من أحكام النقض المدني التي وردت على هذه المادة وكذلك الحكم رقم 82 ).

حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم الإدارية :

من المقرر أن حجية الحكم الجنائي أمام القضاء الإداري إنما تقتصر على ما أثبته من وقائع دون تكييفها القانوني فإذا عرض الحكم الجنائي عند فصله في جريمة جنائية لبعض مسائل مما تدخل أصلاً بطبيعته في ولاية جهة قضائية أخرى وكان عرضه لها لازماً وضرورياً للفصل في الجريمة الجنائية فإن حجيته المطلقة فيما يتعلق بتلك المسائل تقتصر على ما أثبته من الوقائع التي تتعلق بها تلك المسائل دون تكييفه إياها التكييف القانوني ، واستنادا لذلك إذا قضت المحكمة الجنائية بالبراءة في جريمة دخول البلاد دون ترخيص فإن ذلك لا يصلح دليلاً للتحدي به في سبيل إثبات الجنسية . (أصول الإثبات لسليمان مرقص ، الطبعة الرابعة ، المجلد الثاني ص 296 وما بعدها ، وحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في أول مايو سنة 1965 ، مجموعة المحكمة المذكورة 10-1199-115).

إذا نص القانون على اختصاص جهتي قضاء مختلفتين بنظر نزاع جنائي معين فإن صدور حكم من إحداها تكون له حجية الأمر المقضي أمام المحاكم المدنية :

من المقرر أن بعض القوانين الخاصة أجازت إحالة جرائم معينة إلي محاكم خاصة ، وقد استقر الفقه والقضاء على أن ذلك لا يسلب المحاكم العادية ولايتها بالفصل في تلك الجرائم ما دام أن القانون لم يرد به أي نص على انفراد المحكمة الخاصة بالاختصاص سواء كان متعاقب عليها بمقتضى قانون عام أو خاص ، مثال ذلك ما نص عليه قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 إذا ناط بالمحاكم العسكرية نظر نوع معين من القضايا ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين إلا أنه لم يؤثر هذه المحاكم دون غيرها بالإختصاص أو يحظرهما على المحاكم العادية كما هو الشأن في قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972  الذي خص الدوائر المدنية والتجارية بمحكمة النقض دون غيرها بالفصل في طلبات رجال القضاء والنيابة العامة ، وقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 بشأن الأحداث إذ أنه في المادة 122 منه خص محكمة الأحداث دون غيرها بالنظر في الجرائم التي توجه أو تعرضه للإنحراف.

فإذا كان الإختصاص لإحدى جهتي قضاء على النحو المتقدم وصدر الحكم من إحداها تقيدت به المحكمة المدنية على الفور متى توافرت فيه الشروط التي سبق أن أوضحناها، ويثور البحث في حالة ما إذا أصدرت كل جهة قضاء حكماً في الجريمة مثال ذلك أن تصدر المحكمة العسكرية حكماً وتصدر محكمة الجنايات بدورها حكماً آخر.

في تقديرنا إنه إذا صدر الحكمان متوافقين فلا صعوبة في الأمر، ولكن الصعوبة سيثور في حالة ما إذا كان الحكمان متناقضين ، ونرى في هذه الحالة عدم إعمال حجية أيهما لأن التناقض أفقد كلا مقوماته على النحو الذي سبق أن أوضحناه في حالة صدور حكمين متناقضين من جهة قضاء واحدة.

ويدق البحث في حالة ما إذا صدر الحكمان متطابقين في المنطوق إلا أن كلا منها أسس قضاءه على أسباب تختلف عن أسباب الأخر . نرى أنه يجب على المحكمة المدنية أن تركن إلي أسباب الحكم الذي صدر أولاً بإعتبار أنه هو الذي أستقرت حجيته قبل الأخر.

لا يجوز للمسئول أن يناقش في دعوى تكملة التعويض ثبوت مساءلته عن التعويض.

في حالة ما إذا صدر حكم جنائي بات بإدانة المتهم وإلزامه بالتضامن مع المسئول عن الحقوق المدنية بأداء التعويض المؤقت للمضرور فلا يجوز لهذا المسئول في الدعوى التي يرفعها المضرور لتكملة التعويض أن يعود لمناقشة ثبوت مسئوليته عن التعويض ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها أو أثيرت ولم يبحثها الحكم لأن الحكم الجنائي البات لا تقتصر حجيته أمام المحاكم المدنية على ما فصل فيه في الدعوى الجنائية بل تمتد حجيته إلي قضائه في المسألة الأساسية التي حسمها في الدعوى المدنية بثبوت مساءلة عن التعويض.

الحكم الجنائي الصادر ضد الحدث بإدانته له حجية أمام المحاكم المدنية : نص قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 على تعريف الحدث والعقوبات التي توقع عليه فإذا صدر حكم جنائي نهائي على الحدث في جريمة ما قتل خطأ أو إصابة خطأ فإن هذا الحكم يقيد المحكمة المدنية حتى لو كان قد صدر بالتسليم أو إيداع الحدث إحدى المؤسسات ، غير أنه من ناحية أخرى فإن هذا الحكم وإن كان حجة على الحدث إلا أنه لا يجوز رفع الدعوى المدنية عليه بالتعويض وإنما ترفع علي ممثله القانوني سواء كان وليه الشرعي أو وصية وفي هذه الحالة تتقيد المحكمة المدنية بحجية الحكم الجنائي بوقوع خطأ من الحدث ورابطة السببية بين الخطأ والقتل أو الإصابة الخطأ ولا يتبقي أمامها إلا الحكم بالتعويض.

وجدير بالذكر أنه لا يجوز الإدعاء مدنياً أمام محكمة الأحداث عملا بصريح نص المادة 129 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 سالف الذكر.

الحالات الثلاث التي تقضي فيها المحكمة الجنائية ببراءة مرتكب الفعل الضار ويمتنع عليها أو على المحكمة المدنية بعد ذلك أن تقضي عليه بالتعويض :

 إذ قضت المحكمة الجنائية ببراءة المتهم من التهمة المسندة إليه فأنه لا يجوز لها الحكم في الدعوى المدنية التبعية بالتعويض في حالات ثلاث :
أولها : أن تكون البراءة قد بنيت على عدم حصول الواقعة أصلاً .
وثانيها : أن تكون قد بنيت على عدم صحة الواقعة.
وثالثها : أن تكون قد بنيت على عدم ثبوت إسناد الواقعة إلي المتهم ، ففي هذه الأحوال لا تملك المحكمة إن تقضي بالتعويض على المتهم اعتباراً بأن قوام المسئوليتين الجنائية والمدنية كلتيهما هو ثبوت حصول الواقعة وصحة نسبتها إلى مقارفها وتأسيساً على ذلك إذا قضت المحكمة ببراءة المتهم وأسست قضاءها على عدم ثبوت نسبة الاتهام إلى المتهم فإن مصير الدعوى المدنية الحتمي هو رفضها. (المسئوليتان الجنائية والمدنية في القتل والإصابة الخطأ للمستشار الدناصوري والدكتور الشواربي ص 1222 وما بعدها).

وتسري المبادئ السابقة أمام المحكمة المدنية إذا قضت المحكمة الجنائية بالبراءة ورفضت الدعوى المدنية بعد ذلك أمام القضاء المدني.

وقد سبق أن أوضحنا أن الحكم الجنائي الصادر ببراءة المتهم لانتفاء الخطأ في جانبه لا يحول دون المضرور ومطالبة شركة التأمين بالتعويض استناداً إلي مسئولية المؤمن له عن الحادث بإعتباره حارساً للشيء الذي تسبب في قتل المجني عليه أو إصابته ومطالبة شركة التأمين بالتعويض استناداً إلي مسئولية المؤمن له عن الحادث بإعتباره حارساً للأشياء .

الحكم الصادر من المحكمة الجنائية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى الجنائية لا حجية له لا أمام القضاء المدني ولا أمام القضاء الجنائي :

إذا أصدرت المحكمة الجنائية حكماً في الدعوى الجنائية بعدم اختصاصها بنظرها لأي سبب فإن هذا الحكم لا حجية له لأنه لا يترتب عليه انقضاء الدعوي الجنائية ، بل تبقي ويجوز رفعها أمام المحكمة المختصة الفصل في موضوعها بحكم نهائي ولا قيد على النيابة العامة في ذلك حتى ولو كان الحكم بعدم الإختصاص لم يصبح نهائياً .

 قضاء المحكمة الجنائية بعدم قبول الدعوى المدنية التبعية لعدم قبول الدعوي الجنائية لا يمنع من رفعها بعد ذلك أمام القضاء المدني :

نصت المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية إلا بناء علي شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه أو من وكيله الخاص إلي النيابة العامة أو إلي أحد مأموري الضبط القضائي في الجرائم المنصوص عليها في المواد : 185، 274 ، 277، 279، 292، 303، 306، 307، 308 من قانون العقوبات وكذلك فى الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون.

ولا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة بمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

وعلى ذلك إذا أقسام المضرور - دعواه المدنية أمام المحكمة الجنائية طالباً تعويضه عما أصابه من ضرر ناشئ عن جريمة نسبت إلى المتهم من بين الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة وقضت بعدم قبولها لرفعها بعد الميعاد فإن هذا لا يحول بين المدعي والمحكمة المدنية إذا ما عن له أن يلجأ إليها بعد ذلك ليطالب بتعويض ما أصابه من ضرر وذلك بشرط ألا تكون الدعوى المدنية قد انقضت بالتقادم المنصوص عليه في المادة 172 مدني.

وهذا المبدأ يطبق على كافة الدعاوى المدنية التي ترفع أمام القضاء المدني بعد أن قضت المحكمة الجزائية في الدعوى الجنائية بعدم القبول لعيب في الشكل أو - الإجراءات. (المسئوليتان الجنائية والمدنية في القتل والإصابة الخطأ للمستشار الدناصوري والدكتور الشواربي ، الطبعة الثانية ص 1125).

تقدير الدليل في الدعوى الجنائية لا يحوز قوة الأمر المقضي في دعوى أخرى جنائية أو مدنية :

من المقرر أن تقدير الدليل في الدعوى الجنائية لا يحوز الأمر المقضي في دعوى أخرى مدنية أو جنائية ، فإذا كانت المحكمة الجنائية في أسباب حكمها قد تشككت في قضية مقتل أو إصابة خطأ في صحة الإعتراف الصادر من المتهم وإدانته استناداً لأقوال الشهود فإن هذا لا يمنع محكمة أخرى مدنية أو جنائية من أن تستند إلى اعتراف المتهم ، كذلك فإنه إذا استنتجت المحكمة من واقعة مطروحة عليها استنتاجاً ما فإن هذا الإستنتاج لا يحوز حجية ولا يمنع محكمة أخرى من أن تستنبط من واقعة مماثلة ما تراه.

لا حجية فيما تزيد فيه الحكم الجنائي في أسبابه :

سبق أن ذكرنا أن حجية الحكم الجنائي أمام القضاء المدني إنما تقتصر على أمرين أولهما: منطوق الحكم سواء صدر بالإدانة أو البراءة ، وثانيهما: الأسباب المؤدية إليه بالنسبة لما كان موضوع المحاكمة، أما الأسباب التي تزيد فيها الحكم أي الأسباب غير الضرورية التي يستقيم الحكم بدونها فليست لها أي حجية وتأسيساً على ذلك إذا قضت المحكمة ببراءة قائد السيارة لإنتقاء الخطأ في جانبه إلا أنها تزيدت بعد ذلك إلى تقرير خطأ المجني عليه فإن ما قرره الحكم بهذا التزيد لا حجية له لأنه غير لازم لقضائه.

الحكم الجنائي الغيابي الذي انقضى بمضي المدة ليست له حجية أمام المحاكم المدنية :

من المقرر أن الأحكام الغيابية في الجنح - كما سبق أن بينا - تسقط بمضي خمس سنين عملاً بالمادة 2 / 528 إجراءات جنائية فإذا صدر حكم غيابي ولم يتم الطعن فيه لا بالمعارضة ولا بالاستئناف ولم يتخذ شأنه أي إجراء آخر، ومضت المدة المقررة لإنقضائه فإن هذا الحكم لا يكتسب أمام المحكمة المدنية قوة الشيء المحكوم به فإذا صدر حكم غيابي بإدانة قائد السيارة عن تهمة قتل أو إصابة ورفع المضرور دعوي مدنية يطالب فيها بالتعويض استناداً حجية الحكم الجنائي إلا أن المدعى عليه قدم شهادة يبين فيها انقضاء هذا الحكم بمضي المدة فلا يجوز للمحكمة أن تستند لهذا الحكم وإنما عليها أن تبحث أركان دعوى التعويض من خطأ وضرر وعلاقة السببية فإذا ثبت توافرها قضت بالتعويض الذي تراه وإن ثبت لها تخلف ركن من أركان المسئولية المدنية قضت برفض الدعوى.

وغنى عن البيان أنه ليس هناك ما يمنع المحكمة المدنية - رغم انقضاء الحكم الجنائي الغيابي - أن تستند إلي محضر الجنحة الذي حرر عن الواقعة بل أنه في معظم الأحوال يكون هو عماد حكمها سواء قضت بالقبول أو الرفض.

وجدير بالذكر - أن تقادم دعوى التعويض أمر لا يتصل بالنظام العام ، ولا يجوز للمحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها .

الحكم الجنائي في الدعويين الجنائية والمدنية التبعية التالي للحكم الأول في ذات موضوع الدعويين وضد نفس المتهم معدوم الحجية متى كان موافقاً للحكم الأول :

نصت المادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية علي أن ( تنقضي الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم المرفوعة عليه والوقائع المسندة إليه بصدوره حكم نهائي فيها بالبراءة أو بالإدانة ) ونصت الفقرة الثانية علي أنه ( إذا صدر حكم في موضوع الدعوى الجنائية فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن في هذا الحكم بالطرق المقررة في القانون ). فإذا صدر حكم في الدعوى الجنائية والدعوى المدنية التابعة لها فإنهما ينقضيان ولا يجوز النظر في أحداهما لأن المحكمة استنفدت ولايتها بالنسبة لهما فإذا صدر بعد ذلك حكم تال للحكم الأول في ذات الموضوع وضد نفس المتهم المحكوم عليه كان صادر من محكمة لا ولاية لها بنظر النزاع ويعد معدوماً لصدوره في غير خصومة ، وبالتالي لا يجوز قوة الأمر المقضي فإذا أقامت النيابة الدعوى الجنائية ضد المتهم في تهمة قتل أو إصابة خطأ وأمرت بنسخ صورة المحضر وتخصيصها لواقعة أخرى وأثناء نظر الدعوى الجنائية أدعي المضرور مدنياً وقضت المحكمة في الدعويين المدنية والجنائية سواء بالبراءة ورفض التعويض أو بالإدانة وبالتعويض إلا أنه حينما ورد للنيابة صورة المحضر الذي أمرت بنسخه غفلت عما سبق أن أجرته قبل ذلك في أصل المحضر وقيدت الصورة ضد المتهم نفسه وعن ذات الواقعة وقدمته للمحكمة الجنائية وأدعي المضرور بدوره مدنياً فقضت المحكمة في الدعويين . بحكم جديد فهذا الحكم الأخير يعد كما سلف القول معدوماً ، ويتعين على المحكمة عدم الإعتداد بحجيته ، ولا يلزم لذلك الطعن فيه أو رفع دعوي بطلان أصلية إذ يكفي إنكاره والتمسك بعدم وجوده في أي دعوى يراد فيها التمسك بحجيته.

 الحكم الجنائي المعدوم لا حجية له على خلاف الحكم الباطل :

من المقرر أن الحكم الجنائي المعدوم لا حجية له أمام القضاة المدني ولا الجنائي . أما الحكم الباطل فإن له حجية سواء أمام المحاكم المدنية أو الجنائية ، ويمتنع عليها أن تبحث أسباب العوار التي تلحق بهذا الحكم.

 وقف الدعوى المدنية المرفوعة بالتعويض حتى يفصل في الدعوى الجنائية لا يؤدي لإنقضاء الخصومة في الدعوى المدنية ولو زادت مدة الوقف على ثلاث سنوات.

ذكرنا قبل ذلك أنه إذا رفع المضرور دعوى أمام المحكمة المدنية يطالب فيها بتعويض عن فعل ناشئ عن جريمة وتبين لها أن الدعوى الجنائية عن ذات الفعل ما زالت منظورة فإنه يتعين على المحكمة المدنية عملاً بنص المادة 265 /1 من قانون الإجراءات الجنائية أن تقضي بوقف دعواها إلى أن يفصل نهائياً في الدعوى الجنائية ولم تكتف محكمة النقض بأن يكون الحكم الجنائي نهائياً بل اشترطن أن يكون باتاً فإذا نزلت المحكمة المدنية على حكم القانون وقضت بوقف دعواها وحينما صدر الحكم الجنائي وأصبح باتاً وعجل رافع الدعوى السير فيها فقد كان الخصوم يدفعون بإنقضاء الخصومة فيها عملاً بالمادة 140 مرافعات تأسيساً على أنه قد مضت ثلاث سنوات على آخر إجراء فيها وهو الحكم بوقف الدعوى وكانت محكمة النقض قد أصدرت عدة أحكام متتالية قضت فيها - استرشاداً بالمذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات الملغي - بأن مدة إنقضاء الخصومة لا يرد عليها الوقف أياً كان سببه وحجتها في ذلك أن المشرع صدر نص المادة 140 مرافعات بعبارة " في جميع الأحوال " مما يعتبر في نظرها خروجاً على المبادئ العامة (الحكم الصادر بجلسة 8 / 12 / 1982 في الطعن رقم 1822 لسنة 50 قضائية والأحكام الأخرى التي نحت منحاه ) وقد سايرت المحاكم على إختلاف درجاتها - الجزئية والابتدائية والاستئنافية - محكمة النقض وكانت تقضي بإنقضاء الخصومة إذا مضت ثلاث سنوات بين تاريخ الوقف حتى تعجيل الدعوى وكان يترتب على ذلك ضياع حقوق المضرورین بسبب إجراء فرضه القانون ولا دخل لهم به لأن وقف الدعوى في هذه الحالة تقضي به المحكمة وجوباً ويترتب عليه قيام مانع قانوني يحول دون اتخاذ إجراءات السير في الخصومة ، ويظل هذا المانع قائما حتى يقضي في الدعوى الجنائية ويصبح الحكم الصادر فيها باتاً ، لذلك وجدنا حلا لهذه المشكلة مؤداه أنه يتعين على الخصوم أن يعجلوا الدعوى الموقوفة وبذلك ينقطع تقادم الخصومة فيها إلا أن إحدى الدوائر أصدرت في سنة 1984 حكماً بالرأي العكسي مما دعا إحدى الدوائر بمحكمة النقض أن تعرض هذا الخلاف على الهيئة العامة للمواد المدنية بمحكمة النقض وحينما عرض عليها الأمر قضت وبحق بالعدول عن المبدأ الذي سبق أن اعتنقته محكمة النقض ردحاً من الزمن وقضت بأن الحكم بوقف السير في الدعوى المدنية لحين الفصل نهائياً في الدعوى الجنائية التي يجمعها معا أساس مشترك يوجب عدم احتساب مدة الوقف في مدة انقضاء الخصومة واستطردت أنه لا يقدح في رأيها تصدير المادة 140 من قانون المرافعات بعبارة في جميع الأحوال لأن هذه العبارة لا تعني الخروج على المبادئ الأساسية المقررة كأصل عام في التشريعات الإجرائية والموضوعية للتقادم المسقط وإنما قصارى ما تعنيه هو انطباق النص على الخصومة في جميع مراحلها - عدا مرحلة الطعن بالنقض التي حرص الشارع على إستثنائها بالنص الصريح في الفقرة الثانية من تلك المادة - وفي الحالات التي يكون فيها عدم موالاة السير في الخصومة مرجعه إلى مطلق إرادة الخصوم أو إلى قلم كتاب المحكمة ، وهي حالات میز الشارع فيها انقضاء الخصومة عن سقوطها الذي نص عليه في المادة 134 من قانون المرافعات جزاء إهمال المدعي وحده السير فيها، ولو أنه أراد إستثناء مدة انقضاء الخصومة من الوقف لنص على ذلك صراحة كما فعل في المادة 16 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة لإنقضاء الدعوى الجنائية ونظراً لأهمية هذا الحكم فقد أوردناه جميعه بعد هذا الشرح مباشرة. (المسئوليتان المدنية والجنائية في القتل والإصابة الخطأ للمستشار الدناصوري والدكتور الشواربي ، الطبعة الثانية ، ص 1134).

يجوز للمجني عليه رغم أنه لم يدع مدنياً أن يعلن المتهم بالحكم الجنائي الغيابي حتى يتوصل لأن يصبح هذا الحكم باتاً :

مؤدى نصوص المواد 62، 77، 78، 79، 81، 82، 83، 89، 271، 270، 292 ، من قانون الإجراءات الجنائية أن المجني عليه - حتى لو لم يدع مدنياً - يعد خصما في الدعوى الجنائية ذاتها إذ أوجب المشرع على النيابة أن تعلنه بأمر الحفظ إن صدر وبجلسات التحقيق وله أن يحضر بنفسه أو أن يوكل عنه محامياً ويبدي ما شاء من دفاع ودفوع ، كما أن له أن يحضر أمام المحكمة وناقش الشهود ويطلب ندب خبير وذلك اعترافا بما له من حق في أن يسعى الإنزال العقاب بالمتهم ، كما أن مؤدى المادتين 102 إثبات ، 456 إجراءات جنائية أن الحكم الجنائي يعتبر حجة على المضرور والمجني عليه إذا ما عن لهما رفع دعوى التعويض وتوجب المادة الأخيرة وقف الدعوى المدنية حتى بحكم نهائية في الدعوى الجنائية فإذا صدر حكم غيابي بإدانة المتهم في جريمة قتل أو إصابة خطأ فإنه يجوز للمجني عليه أن يعلنه به حتى يتوصل لأن يصير الحكم الجنائي باتاً ولا يقدح في ذلك ما نصت عليه المادة 1 / 461 إجراءات جنائية من أن تنفيذ الأحكام الجنائية يكون بناء على طلب النيابة ، ذلك أن هذا الشرط إنما يتصرف إلى طالب تنفيذ الحكم واجب النفاذ لا إلى طالب إعلان الحكم الغيابي . وإن رفع المجني عليه دعواه المدنية بالتعويض وأوقفت المحكمة دعواه حتى يصبح الحكم الجنائي باتاً بعد أن تبين لها أنه صدر غيابياً ولم يعلن للمتهم فإنه يجوز للمجني عليه في هذه الحالة ومن باباً أولى أن يعلن المتهم بالحكم الغيابي. (المسئوليتان الجنائية والمدنية في القتل والإصابة الخطأ للمستشار الدناصوري والدكتور الشواربي الطبعة الثانية).

الحكم الجنائي البات بإلزام المتهم وشركة التأمين بالتضامم بأداء التعويض المؤقت يحوز حجية في دعوى تكملة التعويض بصدد مسئوليتها بإعتبارها الشركة المؤمنة على السيارة التي تسببت في الحادث :

وفي حالة ما إذا أقيمت الدعوى الجنائية ضد قائد السيارة بتهمة قتل أو إصابة خطأ وأدخل شركة التأمين في الدعوى باعتبارها الشركة المؤمنة على السيارة التي تسببت في إحداث الضرر وصدر الحكم بإلزام المتهم وشركة التأمين بالتضامم أن يؤديا للمضرور تعويضاً مؤقتاً وأصبح هذا الحكم باتاً يحوز حجية في شأن ثبوت مسئولية الشركة المذكورة عن التعويض بإعتبارها الشركة المؤمنة على مخاطر السيارة التي تسببت في إحداث الضرر الذي لحق بالمضرور ، فإذا أقام المضرور بعد ذلك دعوى مدنية بتكملة التعويض فلا يجوز لشركة التأمين أن تثير منازعة مؤداها أنها ليست هي الشركة المؤمنة على السيارة لأن الحكم الجنائي قد حسم هذه المسألة وقضاؤه يقيد القضاء المدني في هذا الشأن.

الحكم للمضرور بالتعويض المؤقت لا يقيد شركة التأمين – في دعوى تكملة التعويض - إلا بالنسبة لتعويض الأضرار الناشئة عن وفاة أو إصابة الأشخاص :

من المقرر وفقاً للمادة الخامسة من القانون رقم 652 لسنة 1955 أن التأمين الإجباري من المسئولية الناشئة عن حوادث السيارات لا يشمل إلا الأضرار الناشئة عن وفاة أو إصابة الأشخاص ولا يمتد لتغطية الأضرار التي تحدثها السيارة بالأشياء والأموال ، فإذا حكم للمضرور بتعويض مؤقت عما أصابه من ضرر من جراء حادث سيارة ورفع بعد ذلك دعوى بتكملة التعويض ضد شركة التأمين عما أصابه من أضرار بسبب إصابته وأيضا بالنسبة لما أصابه من ضرر بسبب تلف سيارته ، فإن الحكم بالتعويض المؤقت يقيد المحكمة بالنسبة للطلب الأول وتلزم بالحكم بتكملة التعويض ولا يقيدها بالنسبة للطلب الثاني وتقضي برفضه.

ويسري المبدأ السابق إذا رفع المضرور دعوى تكملة التعويض، عما أصابه بسبب قتل أحد ذويه خطأ ممن يستحق عنهم التعويض وعما أصاب القتيل من ضرر بسبب تلف سيارته فتجيب المحكمة الطلب الأول وتقضي بتكملة التعويض حسبما تقدره وترفض الطلب الثاني.

 قضاء المحكمة الجنائية ببراءة المتهمين لعدم ثبوت التهمة لا حجية له في دعوى مطالبة المضرور للمتبوع عن خطأ تابعه الذي تعذر تعيينه من بين تابعيه :

من المقرر أنه يكفي لمساءلة المتبوع عن أعمال تابعه غير المشروعة أن يثبت أن الحادث وقع من خطأ التابع ولو تعذر تعيينه من بين تابعيه ، فإذا أقامت النيابة الدعوى الجنائية على عاملين من عمال مصنع معين بتهمة قتل أو إصابة خطأ عامل آخر أو شخص أجنبي عن المصنع فقضت المحكمة ببراءتهما لعدم ثبوت التهمة قبلهما فإن هذا الحكم ليس له حجية في حالة ما إذا أقام المضرور دعوى تعويض ضد المتبوع (صاحب المصنع ) تأسيساً على أن أحد عمال مصنعه الذي تعذر تعيينه هو الذي تسبب في إصابته أو في قتل مورثه خطأ.

 فإذا نشبت مشاجرة بين عمال أحد المرافق وتبادلوا التقاذف بالأحجار فأصابت إحداها شخصاً كان يمر بالقرب من مكان المشاجرة كان المتبوع مسئولاً عن الإصابة حتى ولو تعذر تعيين الجاني مادام قد ثبت أن الإصابة حدثت من أحد عمال هذا المرفق.

الشهادة الصادرة من جدول الجنح كافية للتدليل على ثبوت حجية الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية :

في حالة ما إذا صدر حكم جنائي في جريمة قتل أو إصابة خطأ، وأقام المضرور بعد ذلك دعوى مدنية بالتعويض عن ذات الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين وأمرت المحكمة بضم الدعوى الجنائية إلا أنه تعذر ذلك إما لأنها فقدت وإما لأنها أرسلت للمستغني أو لغير ذلك من الأسباب فإن الشهادة الصادرة من جدول الجنح تكفي للدلالة على حجية الحكم الجنائي بشرط أن تتضمن وصف ومواد الإتهام الذي وجه للمتهم ومنطوق الحكم الصادر من المحكمة، سواء بالإدانة أو البراءة وإن كان بالإدانة فيبين بها العقوبة التي صدرت عليه وأن الحكم قد صار بات ذلك أن جدول الجنح لاشك في أنه دفتر رسمي وقد أعد خصيصا لإثبات البيانات الخاصة بالدعاوى الجنائية ، ومن ثم فإن الشهادة الصادرة منه كافيه إذا تضمنت البيانات السابقة ، أما إذا خلت من أي بيان منها فلا تكفي للتدليل على الحجية .

وغني عن البيان أن المحكمة المدنية لا تكتفي بشهادة الجدول إلا إذا تعذر ضم الجنحة بسبب من الأسباب التي سبق أن عددناها .

الحكم الجنائي الصادر ضد مرتكب الفعل الضار بإلزامه بتعويض مؤقت للمضرور ليست له حجية قبل شركة التأمين التي لم تختصم في الدعوى :

في حالة ما إذا أقامت النيابة الدعوى الجنائية ضد المتهم بتهمة القتل أو الإصابة الخطأ وأدعى المضرور مدنياً قبل المتهم وقضت المحكمة بالعقوبة والتعويض المؤقت فإن هذا الحكم لا يكون حجة على شركة التأمين لأنها لم تختصم في الدعوى ولا تتغير مدة تقادم دعوى التعويض قبلها بصدور ذلك الحكم لأن الإجراء القاطع للتقادم - على النحو الذي وضحناه فيما سبق - يجب أن يكون متعلقاً بالحق المراد اقتساؤه ومتخذا بين نفس الخصوم بحيث إذا تغاير الحقان أو اختلف الخصوم لا يترتب عليه هذا الأثر ، إلا أنه من ناحية أخرى فإن التقادم يقف طوال مدة المحاكمة الجنائية.

قضاء المحكمة المدنية برفض دعوى التعويض على المسئول الذي قضى بإدانته من المحكمة الجنائية بزعم أن خطأ المجني عليه استغرق خطأ المسئول يعد مخالفة لحجية الحكم الجنائي :

إذا قضت المحكمة الجنائية بإدانة المسئول ، ورفع المضرور أو ورثته دعوی بالتعويض ، فلا يجوز للمحكمة المدنية أن تقضي برفضها على سند من أن خطأ المضرور قد استغرق خطأ المسئول لأن الحكم الجنائي فصل في وقوع خطأ من المسئول فيلزم المحكمة المدنية أن تتقيد بهذا الرأي الذي قضت به المحكمة الجزئية.

 فإذا قضت المحكمة الجنائية بإدانة المتهم في جريمة قتل خطأ فلا يجوز للمحكمة المدنية أن تقضي برفض دعوى التعويض على سند من أن خطأ المجني عليه الذي تمثل في اندفاعه يجري لعبور الطريق العام ، رغم اكتظاظه بالسيارات ، قد استغرق خطأ المتهم في قيادة السيارة بسرعة.

قضاء المحكمة الجنائية ببراءة المتهم وتسبيب حكمها على عدم وقوع خطأ منه ولخطأ المجني عليه يقيد المحكمة المدنية في شقه الأول ولا يقيدها في شقه الثاني :

من المقرر كما سبق أن ذكرنا أن حجية الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية مقصورة على منطق الحكم الصادر بالإدانة أو البراءة وعلى أسبابه المؤدية إليه بالنسبة لما كان موضع المحاكمة دون أن تلحق الحجية الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بهذه البراءة أو تلك الإدانة فإذا قضى الحكم ببراءة المتهم من تهمة القتل أو الإصابة الخطأ لإنتفاء الخطأ في جانبه ففي ذلك ما يكفي لإقامته ، أما تطرقه بعد ذلك لخطأ المجني عليه فهو تزيد لم يكن ضرورياً لقضائه وبالتالي فلا حجية له أمام المحاكم المدنية.

استبعاد الحكم الجنائي مساهمة المجني عليه أو الغير في الخطأ أو تقريره مساهمته فيه لا يقيد المحكمة المدنية :

أن حجية الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية تقتصر على المسائل التي كان فصله فيها ضرورياً لقيامه وهي خطأ المتهم ورابطة السببية بين الخطأ والضرر ، فإذا استبعد الحكم الجنائي مساهمة المجني عليه في الخطأ أو قرر مساهمته فيه فإن ذلك لا يقيد المحكمة المدنية لأن تقرير الحكم قيام هذه المساهمة من المجني عليه أو نفيها لا يؤثر في قيام الجريمة وإنما ينحصر تأثيره في تقدير القاضي للعقوبة وتحديدها بين حديها الأدنى والأقصى وهو غير ملزم ببيان الأسباب التي من أجلها قدر عقوبة معين ، طالما أن هذه العقوبة تتراوح بين حديها المنصوص عليها في المادة التي بينت العقوبة ، فإذا أورد الحكم الجنائي في مدوناته أن المجني عليه ساهم في الخطأ فإن للقاضي المدني أن يقرر أن الضرر نشأ عن فعل المتهم وحده وإذا نفي الحكم الجنائي عن المجني عليه أو للغير مساهمته في إحداث الضرر فإنه يجوز للقاضي المدني يقرر أن المجني عليه أو الغير أسهم في إحداث الضرر ليراعى ذلك في تقدير التعويض إعمالاً للمادة 1 /  216 مدني والتي جرى نصها على أنه لا يجوز القاضي أن ينقص مقدار التعويض أو لا يحكم بتعويض ما إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه.

يجوز للمحكمة المدنية أن تنقص التعويض بمقدار مساهمة المجني عليه في الخطأ رغم صدور الحكم الجنائي بإدانة المسئول :

وفقاً للمادة 102 من قانون الإثبات فإن الحكم الصادر في المواد الجنائية تكون له حجيته أمام المحكمة المدنية كلما فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل وفي نسبته إلى فاعله ، فإذا قضت المحكمة الجنائية بإدانة المتهم في جريمة إصابة خطأ أو قتل خطأ ، فلا يجوز للمحكمة المدنية عند بحث دعوى التعويض أن تنفي عن المتهم الخطأ لكي لا يكون حكمها مخالفاً للحكم الجنائي غير أنه يجوز أن تقرر أن المجني عليه ساهم في وقوع الخطأ. وهذا القول منها لا يعد مناقضاً للحكم الجنائي لأن مساهمة المجني عليه في الخطأ لا ينفي مسئولية المتهم ما دام أن خطاه لم يستغرق خطأ المجني عليه ، وعلى ذلك يجوز للمحكمة المدنية أن تقرر في حكمها أنه أنقصت التعويض قبل المتهم لخطأ المجني عليه دون أن يكون في هذا الرأي الذي قررته أي مساس بحجية الحكم الجنائي.(المسئوليتان الجنائية والمدنية في القتل والإصابة الخطأ للمستشار الدناصوري والدكتور الشواربي ص 1145 وما بعدها).

الحكم ببراءة قائد السيارة ورفض الدعوى المدنية التبعية ليست له حجية بالنسبة لدعوى التعويض التي ترفع قبل شركة التأمين استناداً للمسئولية الشيئية :

 إذا أقامت النيابة الدعوى الجنائية ضد قائد السيارة بتهمة القتل أو الإصابة الخطأ وأدعي المضرور مدنياً وقضت المحكمة الجنائية ببراءة السائق مما أسند إليه وبرفض الدعوى المدنية قبله لإنتفاء الخطأ وأقام المضرور دعوى أخرى ضد شركة التأمين يطالب فيها بالتعويض عن الضرر الذي أصابه نتيجة تأسيساً على المسئولية الشيئية فإن الحكم الجنائي ليست له حجية في الدعوى المدنية لأن المحكمة الجنائية لم تفصل في الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية لأنه في الأولي خطأ جنائي واجب الإثبات وفي الثانية خطأ مفترض في جانب حارس السيارة والذي تتحقق مسئوليته ولو لم يقع منه أي خطأ شخصي لأنها مسئولية ناشئة عن حراسة الشيء وليست ناشئة عن الجريمة وبالتالي يجوز في هذه الحالة للمضرور من الحادث الذي وقع من السيارة المؤمن عليها إجبارياً الرجوع على شركة التأمين المؤمن لديها بدعوى مباشرة بالتعويض وفقاً لقانون التأمين الإجباري من حوادث السيارات رقم 652 لسنة 1955.(المسئوليتان الجنائية والمدنية في القتل والإصابة الخطأ للدناصوري والشواربي ، الطبعة الثانية ص 1148)

إذا قضت المحكمة الجنائية بإدانة المتهم بتهمة الإصابة أو القتل الخطأ فإن هذا الحكم يكون له حجية في المطالبة بالتعويض عن إتلاف السيارة متى كان الفعل الذي سبب القتل أو الإصابة هو بذاته الذي نشأ عن إتلاف السيارة :

في حالة ما إذا ارتكب المتهم خطأ أدي إلي قتل أو إصابة شخص أو أكثر وفي الوقت نفسه إتلاف السيارة التي كانوا يركبونها وأقامت النيابة الدعوى الجنائية ضد المتهم بتهمة القتل أو الإصابة فقط وصدر الحكم بإدانته فإن هذا الحكم يكون له حجية إذا ما طالب المضرور بتعويض عن تلف السيارة متى كان الفعل الذي سبب القتل أو الإصابة هو الذي نشأ عن إتلاف السيارة مثال ذلك أن يرتكب قائد سيارة خطأ يصدم أخري فيتسبب في قتل أو إصابة أحد ممن فيها وإتلاف السيارة فإذا صدر حكم جنائي بإدانته عن القتل أو الإصابة الخطأ ورفع صاحب السيارة أو ورته دعوي مدنية يطالبون فيها بتعويض عن الإتلاف فإن الحكم الجنائي يقيد القضاء المدني لأن الفعل الذي سبب القتل أو الإصابة الخطأ هو بذاته عنه إتلاف السيارة والذي أصبح جريمة بعد تعديل المادة 378 عقوبات بالقانون 169 لسنة 1980 ، أما إذا كان المتهم قد أدين عن فعل لم ينشأ عنه إتلاف السيارة فلا يكون للحكم حجية عند المطالبة بالتعويض عن هذا الإتلاف ، مثال ذلك إدانة المتهم بتهمتي قيادة سيارة بحالة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر ومخالفة إشارات المرور ، فهذا الحكم ليس له حجية أمام المحكمة المدنية في إثبات الخطأ عند الفصل في دعوى عن إتلاف السيارة التي اصطدمت بها سيارة المتهم .

الحكم الصادر بإدانة المتهم قيادة سيارته بحالة ينجم عنها الخطر ومخالفة إشارة المرور لا حجية له في دعوى إتلاف السيارة الأخرى التي صدمها :

ومن المقرر أن الحكم الجنائي لا تكون له حجية أمام القضاء المدني إلا فيما فصل فيه فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله فإذا وقعت حادثة تصادم بين سيارتين وتسبب قائد إحداهما في إتلاف الأخرى وأقامت النيابة ضده الدعوى الجنائية بتهمة قيادة سيارته بحالة ينجم عنه الخطر ومخالفة إشارة المرور و قضى بإدانته عنهما فإن هذا الحكم لا حجية له في الدعوى المطالبة بالتعويض عما أصاب السيارة الأخرى من تلف نتيجة خطأ المتهم لأن هذه الواقعة لم ترفع بها الدعوى الجنائية ومن ثم فإن ( الأساس القانوني ) لكل من الدعويين الجنائية والمدنية يختلف في الأولى عن الثانية.

إخلاء مالك السيارة من المسئولية الجنائية عن تهمة القتل أو الإصابة الخطأ لا يخليه من المسئولية المدنية بإعتباره متبوعاً :

إذا وقع حادث قتل أو إصابة خطا وتبين أن مالك السيارة لم يرتكب خطأ ولكن الخطأ وقع من تابعه فإن ذلك وإن كان يعفي مالك السيارة من مسئوليته الجنائية إلا أن لا يعفيه من مسئوليته المدنية مثال ذلك أن يترك مالك السيارة سيارته في الطريق العام في حراسة شخص يعمل عنده فيقودها ويرتكب بها حادث قتل أو إصابة خطأ فلا يمكن أن ينسب هذا الفعل للمالك لإنعدام رابطة السببية بين عمل الحارس وبين جريمة القتل أو الإصابة لأن ترك مالك السيارة سيارته في الطريق العام يحرسها تابع له ليس له أية علاقة أو صلة بالخطأ الذي تسبب عنه القتل الذي وقع من الحارس وحده ، غير أنه من ناحية أخري فإن إخلاء صاحب السيارة من المسئولية الجنائية لا تخليه من المسئولية المدنية ، ذلك أن مسئوليته المدنية تتوافر بجميع عناصرها القانونية ما دام قد ثبت للمحكمة أن الحارس كان يعمل عند المالك ولحسابه وقت أن تسبب بخطئه في قتل المجني عليه أو إصابته عملاً بقواعد مسئولية المتبوع عن عمل تابعه.

القضاء ببراءة التابع لانتفاء الخطأ في جانبه لا يمنع المحكمة المدنية من إلزام المتبوع بالتعويض على أساس مسئوليته بإعتباره حارساً للشيء :

من المقرر أن مسئولية حارس الشيء عملا بالمادة 178 مدني تقوم على أساس خطأ مفترض ووقعه منه افتراض لا يقبل إثبات العكس ، ومن ثم فإن هذه المسئولية لا تنتفي عنه بإثبات أنه لم يرتكب خطاً ما وأنه قام بما ينبغي من العناية والمحيطة حتى لا يقع الضرر من الشيء الذي تسبب في حراسته ، وإنما ترتفع هذه المسئولية إذا أثبت الحارس أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه أن يكون الفعل خارجاً عن الشيء فلا يكون متصلاً بداخليته أو تكوينه ، فإذا كان الضرر راجعاً إلى عيب في الشيء فإنه لا يعتبر ناشئاً عن سبب أجنبي ولو كان هذا العيب خفياً ، وتأسيساً على ما تقدم إذا قضت المحكمة الجنائية ببراءة قائد السيارة من تهمة قتل أو إصابة خطأ تأسيساً علي أن الحادث وقع نتيجة خلل مفاجئ بفرامل السيارة فلم يستطع إيقافها مما أدى إلى اصطدامها بالمجني عليه فأصابته أو قتلته أو نتيجة تلف مفاجئ بعجلة القيادة لم يستطع أن يتحكم في توجيهها وبالتالي منعته من أن ينحني مع الطريق واستمرت السيارة مندفعة حتى اصطدمت بالمجني عليه فأصابته أو قتلته فإن هذا وذاك وإن كان يعتبر أمراً خارجاً عن إرادة المتهم ويعد سبباً أجنبياً للحادث إلا أنه لا يحول دون مطالبة المضرور أمام المحكمة المدنية لمالك السيارة باعتبارها حارساً لها وتقضي له المحكمة بالتعويض الذي تقدره على هذا الأساس.

إذا خول القانون لجهتي قضاء اختصاصاً جنائياً بنظر جرائم معينة فإن الحكم الصادر من إحداها يحوز الحجية :

من المقرر أنه في حالة ما إذا خول القانون لجهتي قضاء مختلفين اختصاصاً بنظر جرائم معينة وصدر الحكم من إحداها ، فإن الحكم الصادر منها يحوز حجية الأمر المقضي ويمنع بعد ذلك أي جهة قضائية أخرى حتى لو كانت الجهة المختصة أيضا بنظر النزاع من الحكم في النزاع ، مثال ذلك ما نص عليه في المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 من اختصاص القضاء العسكري بنظر بعض جرائم غير الحدث إذا ساهم في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون الأحداث ، فإن المشرع لم يفرده بهذا الإختصاص، وإنما يشترك معه فيه القضاء العادي ، فإذا صدر الحكم من إحداهما في جريمة معينة وحاز حجية الأمر المقضى ، فإنه يمتنع على الجهة الأخرى أن تقول كلمتها في هذا النزاع.

الحكم الجنائي الذي فقد قبل أن تستنفذ طرق الطعن فيه لا يجوز حجية :

من المقرر أن الحكم الجنائي الذي فقد ولم يتيسر الحصول على صورة رسمته منه لا يكون له حجية ما دامت طرق الطعن فيه لم تستنفذ إذ كما قالت محكمة النقض أن مجرد صدور حكم لا وجود له لا تنقضي به الدعوى الجنائية ولا تكون له قوة الشيء المحكوم فيه نهائياً مادامت طرق الطعن فيه لم تستنفد عنها طريق النقض وإنما يتعين إعادة المحاكمة.

(نقض 29 / 3 / 1987 سنة 30، الجزء الأول ص 166، وقد سبق أن نشرناه  في حجية الأحكام الجنائية أمام القضاء المدني برقم 30).

ومن ناحية أخرى ففي حالة فقد الحكم بعد استنفاذ طرق الطعن وكانت بيانات الحكم مدرجة بجدول القضايا فإنه يكفي إستخراج شهادة رسمية منه عن هذا الحكم وذلك قياساً على حالة فقد الحكم المدني ، إذ أن محكمة النقض قد اعتبرت هذه الشهادة كافية للاعتداد بحجية الحكم. وغني عن البيان أنه يشترط لكي تثبت الشهادة الصادرة من الجدول حجية الحكم أن تتضمن البيانات اللازمة ومنها اسم المتهم ووصف التهمة التي كانت موجهة إليه ومنطوق الحكم وتاريخ صدوره وما إذا كان حضورياً أو غيابياً .

حجية قرارات النيابة العامة الصادرة في الدعوى الجنائية أمام المحاكم المدنية :

من المقرر أن القرارات التي تصدرها النيابة بناء على محضر جمع الإستدلالات لا حجية لها أمام المحاكم المدنية أو الجنائية ، فيجوز للمدعي المدني أن يحرك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر وذلك بالنسبة للجنح فقط ، كما يجوز له أن يقيم دعوى التعويض أمام المحاكم المدنية ، أما إذا أصدرت قرارها بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية بعد التحقيق سواء في قضايا الجنايات أو الجنح فلا حجية لها أمام المحاكم المدنية ويجوز لها أن تقضي على خلافها سواء كان التعويض عن جناية او جنحة إلا أن هذه القرارات لها حجية أمام المحاكم الجزائية متى أصبحت نهائية ، أي بعد فوات ميعاد التظلم منها من المدعي المدني أمام غرفة المشورة أو صدور قرار من الغرفة بتأييد قرار النيابة أو بعد فوات الميعاد الذي يجوز فيه للنائب العام أن يلغيه او يعدله من تلقاء نفسه أو بناء على تظلم يرفع إليه ، غير أنه إذا كان القرار بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم معرفة الفاعل أو لعدم كفاية الأدلة ، فإن هذا القرار لا يقيد النيابة ولها أن تعدل عنه ما دامت الجريمة لم تسقط بالتقادم وذلك إذا ظهرت أدلة جديدة أو عرف الفاعل.

حجية قرارات النيابة الصادرة في منازعات الحيازة وحجية الأحكام الجنائية والمدنية بصددها :

أولاً : حجية قرارات النيابة : حينما أصدر المشرع القانون 23 لسنة 1992 أضاف به إلى قانون المرافعات المادة 44 مكرراً ، وقد نظر منازعات الحيازة ، وقد نصت على ما يلي :

يجب على النيابة العامة متي عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة ، مدنية كانت أو جنائية ، أن تصدر فيها قرارا وقتياً مسبباً واجب التنفيذ فوراً بعد سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة ، ويصدر القرار المشار إليه من عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة على الأقل.

وعلى النيابة العامة إعلان هذا القرار لذوي الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ  صدوره.

وفي جميع الأحوال يكون التظلم من هذا القرار لكل ذي شأن أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة ، بدعوى ترفع بالإجراءات المعتادة في ميعاد خمسة عشر يوماً من يوم إعلانه بالقرار ، ويحكم القاضي في التظلم بحكم وقتي بتأييد القرار ، أو تعديله أو إلغائه ، وله بناء على طلب المتظلم أن يوقف تنفيذ القرار المتظلم منه إلى أن يفصل في التظلم.

 وهذه المادة مستحدثة ومؤداها أنه في حالة ما إذا قام نزاع مدني أو جنائي على الحيازة بين الخصوم وعرض على النيابة العامة فإنه يتعين عليها أن تصدر فيه قراراً وقتياً مسبباً ، وهو وقتي لأنه معلق على نتيجة التظلم منه أمام قاضي الأمور المستعجلة أو على رفع دعوى أمام محكمة الموضوع إذا اختار صاحب الشأن ذلك.

 والحيازة التي تحميها النيابة ليست الحيازة في مفهوم القانون المدني والتي يحميها بدعاوي الحيازة الثلاثة ، وإنما يقصد بها الحيازة الفعلية - بصرف النظر عن الملكية أو الحيازة القانونية أو الأحقية في وضع اليد - ومؤداها أن تكون يد الحائز متصلة بالشيء اتصالاً فعلياً يجعل الشيء تحت سيطرته المباشرة وأن يكون هذا الاتصال قائما وقت المنازعة على الحيازة . والحكمة من حماية الحيازة الفعلية هي رغبة المشرع في منع الإخلال بالنظام العام من الأشخاص الذين يدعون حقاً لهم على العين ويحاولون أن يستأدوه بأنفسهم ، وعلى ذلك يجوز حماية المستأجر رغم أنه يحوز لحساب المؤجر.

ويتعين أن تكون الحيازة الفعلية الجديرة بالحماية المؤقتة حيازة صحيحة خالية من العيوب على النحو الذي يتطلبه القانون في شروط الحيازة ، فيجب أن تكون ظاهرة وهادئة وواضحة لا يشوبها لبس أو غموض وأن تكون مستمرة غير متقطعة ولا يشترط فيها فترة معينة من الزمن ، ولا يمنع من استمرارها أن يكون واضع اليد ينتفع بالعقار في فترات متقاربة أو متباعدة حسب طبيعة الأشياء ، إنما يشترط في هذه الأفعال الدالة على وضع اليد ، أن تتجدد في الأوقات والظروف المناسبة.

وقد استقر الرأي فقهاً وقضاءً على أنه إذا كان الحائز قد تسلم عين النزاع على يد محضر تنفيذاً لحكم قضائي فإن حيازته تكون فعلية وجديرة بالحماية المؤقتة حتى ولو لم يكن منازعة في الحيازة طرفاً في هذا الحكم أو كان محضر التسليم مشوباً بما يبطله ، إلا أن هذا القول - في تقديرنا - ليس صحيحاً على إطلاقه ، لأنه قد ثبت لنا من الممارسة الفعلية أن كثيرا ما يلجأ الخصم الذي يبغي الحصول على الحيازة من أن يصطنع دليلا ليشد أزره بأن يتواطأ مع غيره على استصدار حكم بأحقيته في الحيازة ، وينفذ هذا الحكم تنفيذاً صوراً  ، وغالباً ما يتم تحرير محضر التسليم في هذه الحالة في مكتب المحضر أو الخصم دون الإنتقال للعين خوفاً من افتضاح أمره ، ثم يدعي الحيازة بعد ذلك في مواجهة الحائز الحقيقي متخذا من محضر التسليم سنداً له.

 كذلك فإن كثيراً من محاضر التسليم كانت تشوبها الصورية رغم صحة الحكم المنفذ به ، وكانت غالبية المحاكم بمجرد تقديم هذا المحضر إليها تستند إليه كدليل على الحيازة الفعلية ، ولا تعير التفاتا لدفع الحائز الحقيقي بصوريته رغم تقديمه الدليل في غالب الأحيان ، لذلك فالرأي عندنا أنه إذا أثير أمام النيابة صورية محضر التسليم الذي حرر تنفيذاً للحكم فإنه يتعين عليها أن تحقق هذا الموضوع سواء بنفسها أو بالشرطة وأن تصدر قرارها على هدى ما تبين لها في أمره إن صورية أو صحة فإن لم تفعل ذلك أو لم يدفع به أمامها الحائز الحقيقي وأبدى هذا الطلب أمام القاضي المستعجل الذي ينظر التظلم تعين عليه بدوره أن يبحث هذا الأمر، غير أنه لا يجوز له إحالة القضية للتحقيق وإنما يقتصر بحثه من ظاهر الأوراق ، وقد يجد فيها الدليل على صحة هذا الدفع ، كما إذا كان قد أجري أخيرا تحقيق إداري أو قضائي شهد فيه رجلا الحفظ اللذين استوقعهما المحضر على محضر التسليم بأن المحضر تحرر في غير مكان التنفيذ وأن المحضر لم ينتقل للعين.

وبالنسبة للتسليم الذي تجريه الشرطة فإن المحاكم تعتبره بدوره دليلاً على الحيازة الفعلية حتى لو لم يكن مدعي الحيازة طرفاً في النزاع الذي صدر فيه القرار مع أن كثيراً منها يتم تحريره في مركز الشرطة أو القسم أو النقطة ، لذلك فإننا نرى أن يطبق عليه ما يطبق على محضر التسليم الذي حرره المحضر عند الدفع بصوريته.

 وقد لا يلجأ الحائز الحقيقي في الحالات السابقة إلى الطعن بالصورية على محضر التسليم الذي حرره المحضر أو رجل الشرطة وإنما يسلك وسيلة أشد عنفاً بأن يطعن عليه بالتزوير إذا كان دليله حاضراً ، وفي هذه الحالة تطبق القواعد آنفة البيان سواء أمام النيابة أو قاضي الأمور المستعجلة .

وبالنسبة للتسليم الحكمي فأمره مختلف ، إذ أنه لا ينقل الحيازة نقلاً فعلياً، . وبالتالي لا يستاهل الحماية المؤقتة.

ومما هو جدير بالذكر أنه لا محل لحماية الحيازة الفعلية التي انتزعت اغتصاباً أو نتيجة تعد ، لذلك اعتبرت محكمة النقض الشخص الذي انتهز فرصة غياب المستأجر الحائز الذي هيأ الأرض للزراعة وقام خلسة ببذر الأرض ، اعتبرته غاصباً على سند من أن مجرد إلقاء البذور في غفلة من الحائز ، لا يترتب عليه اعتباره حائزاً وإنما هو مجرد غش لا يحميه المشرع.(نقض 24 / 1 / 1929 محاماة ۱۰ عدد 6).

 ويتعين أن يكون القرار الصادر من النيابة في الحيازة مسبباً بمعنى أنه يجب على النيابة أن تبين الأسانيد التي ركنت إليها في إصدار القرار فلا يصح التسبيب المبتسر أو القاصر فلا يجوز لها مثلا أن تسبب القرار بأنه ثبت لها من محضر الضبط أو التحقيق الذي لأجرته أن ( فلانا ) هو واضع اليد على العقار ويحوزه حيازة قانونية ، وأن ( الخصم الآخر ) ينازعه بغير حق ، وأن ذلك تأيد بالمعاينة فمثل هذا التسبيب لا يقنع المطلع عليه بل يجب أن يبين مؤدي أقوال الشهود الذين أيدوا من صدر القرار لصالحه وما أسفرت عنه المعاينة وإذا كان ذلك كافياً لدحض دفاع الصادر ضده القرار فلا لزوم للرد عليه ، أما إذا كان دفاعاً جوهرياً فيتعين الرد عليه والجزاء على عدم التسبيب أو التسبيب القاصر هو البطلان لأنه أمر يتعلق بحقوق الخصوم وضمان لهم ، وبالتالي فهو في تقديرنا أمر يتعلق بالنظام العام ، ومن ثم لا يشترط أن يتمسك به الخصوم .

وقد أوجب المشرع أن يصدر القرار من رئيس نيابة على الأقل ، وهذه ضمانة للخصوم فإن أصدره عضو نيابة أقل من ذلك درجة كان باطلاً ، والبطلان هنا في تقديرنا يشبه الإختصاص للمحاكم وبالتالي يتعلق بالنظام العام ، ولا ينال من هذا الرأي القول بأن بطلان نسبي على سند من اختلاف الأحكام التي تنظم اختصاص النيابة عن تلك التي تبين اختصاص المحاكم لأن أمر النيابة في هذه الحالة تكون له حجية إلى أن يلغي من القضاء المستعجل أو العادي على النحو الذي سنبينه.

وغني عن البيان أنه يجوز أن يصدر القرار المحامي العام أو المحامي العام الأول أو مساعد النائب العام أو النائب العام نفسه.

واشترط المشرع أن يسبق صدور القرار سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة كسماع الشهود ، وإجراء المعاينة ، إلا أنه لا يشترط أن تجري النيابة ذلك بنفسها إلا إذا رأت لزوماً لذلك فإن لم تر لزوماً للتحقيق فإنه يجوز لها أن تعتمد في ذلك على محضر جمع الإستدلالات ، ويجوز لها من باب أولى أن تستوفي التحقيق بنفسها أو تندب أحداً من رجال الشرطة لإجرائه أو استيفائه أو تقوم بالتحقيق جميعه ، كما إذا قدمت لها الشكوى ابتداء ورأت الأهمية النزاع أن تحققه بنفسها أو تحقق جزءا منه.

وأوجب المشرع على النيابة إعلان قرارها للخصوم خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره ولا يجوز الاكتفاء بتوقيعهم أو اعلانهم بالعلم بالقرار وتاريخ صدوره.

وذلك عملاً بالمبادئ المقررة في قانون المرافعات من أن العلم بالحكم لا يغني عن إعلانه وأن موعد الطعن فيه - في الحالات التي يوجب فيها القانون الإعلان - لا يبدأ إلا من تاريخ الإعلان. ولم تحدد المادة طريقة الإعلان.

وقد يفسر البعض ذلك بعدم لزوم أن يتم بإعلان على يد محضر والإكتفاء أن يتم بمعرفة رجال الإدارة ، إلا أننا نناهض هذا القول لأن إغفال المشرع النص على طريقة الإعلان لا يحمل إلا معنى واحداً هو الرجوع إلى المبادئ العامة المقررة في قانون المرافعات ، فضلا عن أن الإعلان بمعرفة رجال الإدارة يفتح مجالاً للتلاعب مما قد يترتب عليه ضياع حقوق الخصوم ، وقد تأيد هذا الرأي بالكتاب الدوري رقم 6 لسنة 1992 والصادر من وزير العدل.

ولا يترتب على تجاوز ميعاد الإعلان بإجرائه بعد الثلاثة أيام التي حددتها المادة أي بطلان إذ انه لا يعدو أن يكون ميعاداً تنظيمياً قصد به حث النيابة على سرعة القيام به . ومن المقرر أن النيابة هي المكلفة بالإعلان إلا أنه ليس هناك ما يمنع الخصم الذي صدر لصالحه القرار أن يقوم به إن أراد سرعة حسم النزاع.

وقد ألزم المشرع النيابة بإصدار قرار في أي نزاع على الحيازة سواء شكل هذا النزاع جريمة أو كان مدنياً صرفاً ، وسواء استعملت القوة في سلب الحيازة أم لم تستعمل ، وعلى ذلك لا يجوز للنيابة أن تحفظ الأوراق وتكلف المتضرر بالالتجاء إلى القضاء ، كما كانت تفعل قبل ذلك ، وكذلك لا يجوز لها من باب أولى أن تقيم الدعوى الجنائية على أحد الطرفين أو كلاهما ، وتكتفي بهذا الإجراء بل لابد لها من إصدار قرار بشأن الحيازة فإذا لم تصدر النيابة قراراً كان للمتضرر أن يلجأ لرئيس مصدر القرار طالباً إصداره ولكن لا يجوز له التظلم منه أمام قاضي الأمور المستعجلة لأن التنظيم قاصر على القرار إن صدر ولأن القانون العادي لا يعرف الرفض بالطريق السلبي كما هو الشأن في القرار الإداري.

ونظراً لأن النص قد ورد عاماً ، ومن ثم يتعين على النيابة العامة إصدار قرارها سواء كان المتنازع عليه عقاراً أم منقولاً .

ويجوز للنيابة العامة رغم إصدار قرارها في الحيازة ألا تقف عند هذا الحد، بل لها أن تقيم الدعوى الجنائية على أحد الخصوم سواء بتهمة انتهاك حرمة ملك الغير أو غيرها كجريمة سرقة صاحبت دخول العقار أو تزوير ، وهذا الوضع الأخير منصور ، كما إذا قدم أحد الخصوم سندا للتدليل على حيازته وتبين لها أنه مزور ، ويجب على النيابة أن تحمي من يتضح من الأوراق أنه كان يحوز العقار حيازة فعلية وقت النزاع سواء كان هو الشاكي أو المشكو ذلك أنه قد يكون للمتعرض الحق في الحيازة لكن الحيازة الفعلية لغيره وحاول المتعرض سلبها بالقوة فلا يجوز تمكينه من ذلك ، وبالتالي فلا يجوز لها أن تبحث نية التملك عند وضع يده ، ولا شروط الحيازة القانونية الموضوعية وإنما تمكن صاحب السيطرة الفعلية على الشيء.

والقرار الصادر من النيابة يكتسب حجية حتى يوقف أو يلغي أو يعدل من قاضي الأمور المستعجلة ، أو يقضي على خلافه من محكمة الموضوع على النحو الذي سنوضحه.

ونرى أن قرار النيابة بمجرد صدوره هو بمثابة سند تنفيذي يخضع لما يخضع له كل السندات التنفيذية ومنها أنه يجب إعلانه قبل التنفيذ وأن التنفيذ - كما سبق القول - يتم بواسطة المحضر وتحت إشراف قاضي التنفيذ ، وأن الإشكال الوقتي في تنفيذه جائز ويترتب عليه ما يترتب على الإستشكال في أي سنا تنفيذي ، وبالتالي فإن الإشكال الأول يوقف تنفيذه إلى أن يفصل فيه.

أولاً : حجية حكم قاضي الأمور المستعجلة في التظلم :

وفي حالة صدور قرار من النيابة في الحيازة ، فإن المشرع سلب حق التظلم فيه من أي جهة - خلاف قاضي الأمور المستعجلة - وعلى ذلك إذا حدث تظلم الرئيس مصدر القرار فإنه يحسن به إحالة التظلم الذي ورد إليه القاضي الأمور المستعجلة إن كان قد رفع الظلم أمامه وإلا يحفظ التظلم أما إذا أصدر قرارا فإنه يكون معدوماً ، ويتعين على قاضي الأمور المستعجلة الحكم بعدم الإعتداد به في هذه الحالة لأن مصدره انتزع اختصاصاً ليس له.

وقد حدد المشرع الموعد الذي يتعين رفع التظلم فيه بخمسة عشر يوماً من تاريخ إعلانه به فإن رفع بعد هذا الميعاد تعين علي قاضي الأمور المستعجلة أن يقضي من تلقاء نفسه بعدم قبوله لأن هذا الموعد يتعلق بإجراءات التقاضي وهو يشبه مواعيد الطعن في الأحكام إذ قصد به العمل علي سرعة إنهاء الخصومة حتى لا يظل النزاع سيفاً مسلطاً علي رقبة الخصوم ، وبالتالي فلا يلزم أن يتمسك بهذا الدفع من أقيم ضده التظلم غير أنه يتعين للقضاء بهذا الجزاء أن يكون الإعلان مرفقاً بملف الدعوى حتى يمكن التحقق من تجاوز الميعاد ويغني عنه إقرار رافع التظلم بتاريخ إعلانه به إذ تبين أنه وفقا لهذا الأثر تجاوز الميعاد ، ولا يغني عنه العلم اليقيني بصدور القرار وتاريخ صدوره مادام أن الإعلان لم يتم ، كما إذا كان قد وقع في محضر النيابة بعلمه به.

وغني عن البيان أن التظلم في قرار النيابة إنما يرفع بصحيفة تودع قلم كتاب محكمة الأمور المستعجلة ، وهي الطريقة المعتادة لرفع الدعوى والتي نصت عليها المادة 63 مرافعات ، وليس هناك ما يمنع الصادر ضده القرار أن يرفع تظلمه قبل أن يعلن به ، بل إن هذا الإجراء أشد نفعاً وأقل خطراً .

وقد أجازت هذه المادة القاضي المستعجل بناء على طلب المتظلم أن يوقف تنفيذ قرار النيابة لحين الفصل في الدعوى ، وفي تقديرنا أن ذلك مشروط بأربعة أمور :

أولهــا : أن يطلب المتظلم ذلك في صحيفة دعواه ، أو بطلب عارض فلا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها .
وثانيها : أن يكون من شأن تنفيذ القرار إلحاق ضرر جسيم بالمتظلم ، أما إذا كان تنفيذ القرار لا يصيب المتظلم بضرر جسيم فلا يوقف التنفيذ.
وثالثها : ألا يكون تنفيذ القرار قد تم ، أما إذا كان قد تم تنفيذه تعين علي القاضي أن يقضي بعدم قبول الطلب.

والشرط الرابع لقبول طلب وقف تنفيذ قرار النيابة ألا تكون الدعوى مهيأة للفصل في موضوعها ، ولم يضع المشرع في النص القيود الثلاثة الأخيرة إلا أن أصول التقاضي وإجراءات العدالة تقتضيان إعمالها.

ويثور البحث عما إذا كان وقف التنفيذ يصدر بقرار من المحكمة أم بحكم لأنه إذا صدر بقرار فلا يلزم تسبيبه ، كما لا يجوز الطعن عليه فور صدوره استقلالاً ، أما إذا كان حكما فيلزم أن تدون له أسباب ، كما يجوز الطعن عليه استقلالاً ، بإعتبار أنه أنهي النزاع في شق من الخصومة .

وفي تقديرنا أن الرأي الثاني أقرب إلى الصواب وحجتنا في ذلك واضحة ولن يعيينا تبيانها، ذلك أن الشارع لم يستعمل في المادة 44 مكرراً مرافعات ، عبارة أن تأمر بوقف تنفيذ القرار والتي أوردها في المادة 292 مرافعات التي أجازت للمحكمة الاستئنافية أن تأمر بوقف النفاذ المعجل المشمول به الحكم المستأنف عند التظلم فيه ، وإذ كان الأصل أن ما يصدر من المحكمة في الخصومة من إعطاء أحد طرفيها شيء أو حجية عنه لا يكون إلا بحكم إلا بنا خرج المشرع علي ذلك الأصل العام بنص صريح ، وإذا كان المشرع قد أغفل عبارة أن تأمر وأورد بدلاً منها عبارة أن توقف فإن ذلك لا يكون إلا بحكم ، وإلا لو قيل بغير هذا لكان مؤداه أن المشرع يخلط بين الحكم والقرار وهو ما ينبغي تنزيهه عنه ، هذا فضلا عن أن الأصل أن وقف التنفيذ لا يكون إلا بحكم إلا ما استثناء المشرع بنص خاص .

وإذ كانت المادة 45 مرافعات قد جعلت اختصاص قاضي الأمور المتعطلة مشروط بأمرين :
أولهما : الإستعجال .
وثانيهما : عدم المساس بأصل الحق إلا  أن المشرع خرج علي هذا الأصل بالنسبة للشرط الأول - بخصوص هذا التظلم - وبذلك لم يصبح الاستعجال شرطاً لإختصاصه، أما بالنسبة للأمر الثاني فإنه يتعين الإلتزام به بدليل أن النص قد صرح بأن قضاء الأمور المستعجلة مؤقت ، وعدم تقيد القاضي المستعجل بشرط الإستعجال استثناء لا يجوز القياس عليه ، ولا التوسع في تفسيره.

 وقد خولت المادة لقاضي الأمور المستعجلة أن يصدر حكماً بأحد أمور ثلاثة :

الأول : تأييد القرار.

الثاني : بتعديله.

الثالث : بإلغائه.

ويجب أن يكون حكم القاضي المستعجل مسبباً وإلا كان باطلاً ويجب أن يشمل التسبيب علي الوقائع ودفاع الخصوم والأدلة على الرأي الذي خلص إليه ، فإذا أصدر حكما بتأييد قرار النيابة فإنه لا يجوز له أن يؤسس حكمه علي أن قرار النيابة في محله ويؤيده لأسبابه لأن النيابة ليست درجة تقاضي ، بل لابد له من إنشاء أسباب جديدة تحمل قضاءه وإلا كان مشوباً بالقصور في التسبيب.

والأمر الثاني : مثاله أن يصدر رئيس النيابة قراراً بتمكين أحد الخصوم من طريق ( مشاية ) قام عليه نزاع بين خصمين فيرى القاضي أن ذلك من شأنه أن يحرم الطرف الأخر من حق المرور مع أهميته له ، ومع عدم وضوح الحق في جانب أحدهما فإنه يقضي بتعديل القرار إلى تمكين الطرفين من المرور أو يعهد بهذه المهمة إلي شخص ثالث يختاره لهذا الغرض.

وأما إلغاء القرار فمثاله صدور قرار النيابة بنزع العين المتنازع عليها من يد حائزها وتسليمها إلى الخصم الأخر فيلغي القاضي المستعجل القرار وبذلك تعود العين لحائزها.

وقد ذهب رأي في الفقه إلا أنه في حالة ما إذا كان حكم القاضي المستعجل بإلغاء قرار النيابة فلا يجوز له أن يصدر قراراً جديداً في التنظيم القانوني الجديد لمنازعات الحيازة (للمستشار مصطفى هرجة ص 31). إلا أن هذا القول في تقديرنا تحصيل حاصل ، ذلك أن تعديل قرار النيابة قد يتضمن أحياناً شقين، أولهما : يعد إلغاء القرار ، وثانيهما : إصدار حكم كما هو الشأن فيما إذا قررت النيابة تسليم عين النزاع إلي أحد الخصمين فعدله القاضي بتسليمها إلى شخص أجنبي . فإن الشق الأول يتضمن إلغاء القرار ويتضمن الثاني حكما جديدا بتسليمها لهذا الأجنبي.

الحكم الصادر في التظلم في الحالات الثلاث المتقدمة حكم مؤقت لا يمس أصل الحق وحجيته موقوتة ولا يعتد به أمام محكمة الموضوع ولا يمنعها إذا ما عرض عليها النزاع أن تلغيه أو تقضي بغيره.

ومن ناحية أخرى فإن الحكم في التظلم من قاضي الأمور المستعجلة يجوز رفع إشكال عنه ، ويرفع أمام قاضي التنفيذ شأنه في ذلك شأن باقي الحكام وفقاً القاعدة العامة المنصوص عليها بالمادتين 312، 375 مرافعات ، وتطبق عليه ما يطبق على الإشكالات من قواعد وأحكام.

ويثور التساؤل عما إذا كان يجوز استئناف حكم قاضي الأمور المستعجلة الصادر في التظلم ، وفي تقديرنا أن النص لم يمنع ذلك ، إذا لو أراد المشرع الأورد كلمة ( نهائي ) في عجز عبارة ( كان ) ، أما ولم يذكرها فإنه يكون قد أخضع حكمه في هذا الشأن المبادئ العامة يضاف إلى ذلك أن القرار الذي تصدره النيابة لا يعد - كما سبق القول - صادراً من إحدى درجات التقاضى.

وإذا كان الحكم الصادر من القاضي المستعجل في الحيازة حجيته موقوتة ، إلا أن هذه الحجية تظل قائمة ويتعين احترامها إذا أصبح نهائياً إما لتأييده استئنافياً ، و إما لفوات ميعاد الطعن فيه ، وطالما أن محكمة الموضوع لم تصدر حكما على خلافه ، أما إذا أصدرت المحكمة الإستئنافية حكماً علي خلافه فإن الحكم الصادر منها هو الذي يتمتع بالحجية.

ويدق البحث في حالة ما إذا كان رئيس النيابة قد أصدر قراراً في أمر الحيازة ، وفي الوقت نفسه أحال أحد الخصوم إلي محكمة الجنح وصدر عليه حكم ، وكان هذا الخصم قد تظلم من قرار النيابة أمام قاضي الأمور المستعجلة . في تقديرنا أنه يجب التفرقة بين ما إذا كانت النيابة قد أقامت الدعوى الجنائية بتهمة انتهاك حرمة ملك الغير الأمر المعاقب عليه بالمادة 369 عقوبات ، وبين ما إذا كانت إقامتها بتهمة أخرى کسرقة أو تزوير ، ففي الحالة الأولي فإن الحكم الصادر من محكمة الجنح يقيد القاضي المستعجل بشرط أن يكون قد أصبح باتاً ، أما إذا لم يصبح كذلك فإنه لا يقيده ، ومؤدى ذلك أنه إذا صدر حكم بات بمعاقبة المتهم بتهمة انتهاك حرمة الغير فإن هذا القضاء يكون قاطعاً في أن الحيازة الفعلية كانت للمجني عليه ، وأن المتهم سلبها منه بالقوة أو بداً منه ما يدل على استعمال القوة في سلبها ، ومن ثم فإن القضاء المستعجل يتقيد به لأن الأحكام الجنائية حجة علي الكافة ، ويلتزم بها القضاء المدني والقضاء المستعجل فرع من فروعه لأن ذلك لا يتنافى مع طبيعته.

 أما في الحالة الثانية فإن الحكم الجنائي لا يقيد القاضي المستعجل.

ومن المقرر أن القاعدة التي تقضي بأن يوقف القضاء المدني الدعوى المدنية في حالة ما إذا كانت الدعوى الجنائية التي تكون الأساس المشترك بين الدعويين قد أقيمت لا تطبق بالنسبة للقضاء المستعجل لأنها تتنافى مع طبيعته ولأن في وقف الدعوى، سيترتب عليه أن قرار النيابة يظل نافذاً حتى يفصل من محكمة الجنح وهو ما لم يرده المشرع.

وإذا صدر حكم جنائي نهائي ببراءة المتهم من جريمة التعدي على الحيازة فإنه يتعين التفرقة بين صورتين : الأولى : إذا أسست المحكمة الجنائية البراءة على نفي التعدي علي الحيازة باعتبار أن الحيازة له أصلاً ولم تخرج من يده وأن خصمه كان يحاول انتزاعها منه عنوة وأنه كان يدفع هذا التعدي ، فإن هذا الحكم يحوز حجية ويتعين على قاضي الأمور المستعجلة أن يتقيد به، ويعتبر الوقائع التي وردت به ثابتة ويسير في دعواه علي هذا الأساس ، أما إذا كان سبب البراءة هو عدم كفاية الأدلة علي التعدي علي الحيازة فقد ذهب الرأي الراجح في الفقه الذي أيدته محكمة النقض إلي أن القاضي المدني يرتبط بالحكم الجنائي كما هو الشأن في الحالة السابقة.

وفي حالة ما إذا كان الحكم بالبراءة مبنياً على الفصل في الواقعة أساس الدعوى دون الفصل في نسبتها إلى المتهم ، ففي هذه الحالة لا يتقيد القاضي المستعجل بالحكم ، كما إذا كان حكم البراءة راجعا إلي موت المتهم أو بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم .

وإذا أسس حكم البراءة علي أن المتهم سلب الحيازة بغير استعمال القوة ، فإن ذلك لا يمنع قاضي التظلم من نظر الدعوى لأن اختصاصه ليس مقيداً بإستعمال القوة ، كما لو كان سلب الحيازة قد تم بطريق الغش أو الخديعة أو بتنفيذ حكم لم يكن الحائز طرفاً فيه .

وفي حالة إذا قد المتهم للمحاكمة في دعوى واحدة بتهمة التعدي علي الحيازة ، وتهمة أخرى أو أكثر كإتلاف وسرقة ، وقضت المحكمة في تهمة التعدي على الحيازة بالبراءة ، وفي دعوى السرقة والتزوير بالإدانة أو العكس ، فلا شك أن الحكم الذي يقيد القاضي المستعجل أو الموضوعي هو ذلك الذي يصدر في تهمة الإعتداء علي الحيازة ، أما ما عدا ذلك من تهم نسبت إلي المتهم فإن الحكم الصادر فيها لا يقيد المحكمة المدنية سواء كان بالإدانة أو البراءة.

وإذا تناول الحكم الجنائي أمر الحيازة أمر الحيازة وشروطها الغير لازمة للفصل في الجريمة كان يتحدث عن سبب الحيازة ومدتها واستمرارها وظهورها ويثبت الحيازة أو ينفيها لأي من طرفي الخصومة قبل وقوع الجريمة بمدة ، فإن هذا يعد تزيدا منه غیر متعلق بالجريمة ، وليس ركنا من أركانها ، وبالتالي لا يلزم القاضي المدني ، ومثال ذلك أن يستطرد الحكم الجنائي إلي بحث مدة الحيازة وسببها لو دفع المتهم الدعوى بأن الحيازة كانت له قبل حيازة المجني عليه لها حيازة فعلية وادعى المتهم أنه كان يحوز العين لمدة سنة فأكثر سابقة على حيازة المجني عليه حيازة هادئة وظاهرة ومستمرة ، وأن ذلك كان بسبب صحيح وبنية التملك فإن هذا لا يعد دفعا للدعوى الجنائية ، إذ يكفي لقيام الجريمة أن تكون الحيازة الفعلية للمجني عليه ، وأن تكون قد سلبت منه بالقوة بغض النظر عن حق المتهم في الحيازة ، وقد استقر على ذلك قضاء النقض .

ثانياً : حجية الحكم الصادر من القضاء الموضوعي المدني والجنائي في الحيازة :

وغني عن البيان أن صدور حكم في التظلم لا يمنع من صدر ضده من رفع دعوى منع التعرض أو دعوى استرداد الحيازة الموضوعية أمام المحكمة المختصة ، وعليه أن يثبت أن المجني عليه في واقعة سلب الحيازة كان قد . حصل علي هذه الحيازة بطريقة معيبة ( مادة 963 مدني ) ، وأن يثبت أيضا أنه كان يحوز العين حيازة ظاهرة ومستمرة لمدة سنة وبنية التملك وأنه رفع دعواه قبل مضي سنة من تاريخ حيازة المجني عليه للعين ، وفي هذه الحالة تكون دعواه مقبولة ويقضي له بطلباته ، ومن ثم فإنه هو الذي يحوز الحجية متى أصبح نهائياً حتى ولو كان حكم قاضي الأمور المستعجلة كان قد تأید استئنافياً .

وجدير بالذكر أن تقيد قاض التظلم بالحكم الجنائي مشروط بإتحاد الخصوم في الدعويين ، فإذا حصل نزاع على الحيازة من شخص أخر خلاف الذي صدر عليه الحكم الجنائي فلا يقيده.

ومن ناحية أخرى ، فإنه يشترط لتقيد قاضي التظلم بالحكم الصادر في الدعوى المدنية الموضوعية اتحاد الخصوم والموضوع والسبب ، أما إذا كان هناك خلاف في الموضوع أو الخصوم أو السبب فإن ذلك لا يمنعه من الحكم في الدعوى.

وإذا أصدرت النيابة قراراً في الحيازة فليس هناك من إلزام عليها بتحريك الدعوى الجنائية في خلال ستين يوماً ، كما كان الأمر في النص الملغي إذا أصبح لها الحق في إقامتها في أي وقت تشاء إلي أن تنقضي الدعوى الجنائية كما أن لها ألا تقيمها ، وليس لذلك أدنى تأثير على القرار الذي أصدرته بشأن الحيازة ، بل يظل نافذاً حتى يلغي من قاضي الأمور المستعجلة أو بحكم من قاضي الموضوع على خلافه ، كذلك ليس هناك ما يمنع الخصم الأخر من تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر .

وإذا أقامت النيابة الدعوى الجنائية على أحد الخصوم بتهمة التعدي على حيازة خصمه إلا أنه أقام دعوى موضوعية بأحقيته في الحيازة وقضى في الدعوى الجنائية بالإدانة فإن هذا الحكم يقيد قضاء الموضوع ما دام أنه قد أصبح باتا لأن موضوع الحيازة يكون الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية ، أما إذا قضى بالبراءة فتطبق القواعد التي سبق أن بيناها.

كذلك فإن من المسائل الدقيقة التي يتعين التعرض لها ما إذا صدر حكم من القضاء المستعجل في شأن الحيازة وأصبح نهائياً ثم صدر حكم من محكمة الجنح في الحيازة على خلاف ما قضى به القضاء الأول وأصبح باتا من شأنه تقيد القضاء المدني فما هو الحل لهذه المشكلة ؟ في رأينا أنه يتعين التفرقة بين ما إذا كان الحكم المستعجل لم ينفذ أم أنه نفذ، ففي الحالة الأولى يجوز لمن صدر ضده الحكم المستعجل أن يستشكل في التنفيذ ويؤسس إشكاله على أن أمراً جديداً قد طرأ بعد صدور الحكم. ولم يكن مطروحا علي القضاء المستعجل ، وفي هذه الحالة فإنه يتعين علي قاضي الإشكال وقفن تنفيذ الحكم ، أما إذا كان الحكم قد نفذ فلا مناص من أن يرفع الصادر ضده الحكم دعوى موضوعية بأحقيته للحيازة ويتعين على قضاء الموضوع التقيد بحجية الحكم الجنائي إذا توافرت شروطها ، أما إذا لم ترفع على قضاء الموضوع التقيد بحجية الحكم الجنائي إذا توافرت شروطها ، أما إذا لم ترفع هذه الدعوى فإنه لا يجوز المساس بالحكم المستعجل ، ذلك أنه رغم أن حجيته مؤقتة إلا أنها تظل قائمة واجبة الإحترام ، طالما لم يلغ بقضاء مدني موضوعي .

 وغني عن الذكر أنه يجوز في الحالة الأولى لمن صدر ضده الحكم المستعجل أن يلجأ لمحكمة الموضوع بدلاً من أن يستشكل في التنفيذ .

كذلك من المسائل التي تثير التساؤل ما إذا كان يجوز لمن توزع في حيازته أن يلجأ لقاضي الأمور المستعجلة مباشرة دون أن يسلك طريق النيابة .

في تقديرنا أن الأصل طبقاً للقواعد العامة أن دعوى منع التعرض دعوى موضوعية لا يجوز أن ترفع أمام القضاء المستعجل ، أما دعوى استرداد الحيازة فيختص القضاء المستعجل بنظرها إذا توافر شرطاً اختصاصه ،وهما الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق ، أما بالنسبة للتظلم المستعجل استناداً لهذه المادة فإنه لا يشترط في التظلم الذي يرفع طعناً على قرار النيابة توافر شرط الإستعجال كما تقدم ، ومؤدي ذلك أنه إذا اختار ذلك الذي فاته التظلم من قرار النيابة الإلتجاء للقضاء المستعجل مباشرة فإنه يتعين عليه أن يلتزم بالقواعد العامة على النحو السالف بيانه.

والحكم الصادر من المحكمة الابتدائية بهيئة استئنافية طعناً على الحكم المستعجل الصادر في التظلم من قرار النيابة لا يجوز الطعن عليه بالنقض إلا بالشروط المنصوص عليها في المادة 249 مرافعات.

حجية الأوامر الجنائية : كان من المقرر فقهاً وقضاءً قبل صدور القانون رقم 174 لسنة 1998 أن الأوامر الجنائية التي أصبحت نهائية لها حجية أمام المحاكم المدنية والجنائية على السواء شأنها في ذلك شأن الأحكام الجنائية إلا أنه حينما صدر القانون 174 لسنة 1998 أضاف فقرة أخيرة للمادة 327 إجراءات جنائية نصت على ما يلي " ولا يكون لما قضى به الأمر في موضوع الدعوى الجنائية حجية أمام المحاكم المدنية ، ووفقا لهذا النص فإن الأمر الجنائي أصبح لا حجية له أمام المحاكم المدنية حتى ولو كان نهائيا ، أما بالنسبة للمحاكم الجنائية فتكون له حجية أمامها حتى أصبح نهائياً لأن النص قطع في أن عدم حجية الأمر إنما يكون أمام المحاكم المدنية. (التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية،  الجزء الثالث ،  الصفحة : 1110)

الدعوى الجنائية والدعوى المدنية :

هناك بعض الوقائع التي ينشأ عنها دعویان : دعوى جنائية ودعوى مدنية. فإذا وقعت جريمة ونشأ عنها ضرر لبعض الأشخاص تولدت منها دعویان : دعوى جنائية لتوقيع العقوبة على مرتكبها، ودعوى مدنية لمطالبته بالتعويض.

ويترتب على ذلك احتمال صدور حكمين متعارضين في شأن جريمة واحدة فقد تحكم المحكمة الجنائية بالسجن لإدانة الشخص في جناية معينة، بينما ترفض المحكمة المدنية الحكم بالتعويض بإعتبار أن الجناية لم تقع أو أن المدعى عليه ليس هو مرتكبها .

لذلك رأى المشرع تفادى التعارض بين الأحكام الجنائية والأحكام المدنية على أساس تغليب الحكم الجنائي على الحكم المدني، فجعل الحكم الجنائي حجة أمام المحاكم المدنية ، وعمل على منع صدور حكم مدنی مناقض لحكم جنائي، حيث يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد النظر فيما قضت به المحاكم الجنائية بشأن واقعة معينة ، طبقاً للمادة 1/265 من قانون الإجراءات الجنائية يجب وقف الدعوى المدنية حتى يتم الفصل في الدعوى الجنائية ، فإذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية وجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائياً فى الدعوى الجنائية المقامة قبل رفعها أو أثناء السير فيها .

الحكمة في جعل الحجية للحكم الجنائي :

الحكمة في جعل الحجية للحكم الجنائي هو توافر الضمانات المختلفة التي قررها الشارع في الدعاوى الجنائية ابتغاء الوصول إلى الحقيقة فيها لإرتباطها بالأرواح والحريات .

 وقد أوضحت ذلك محكمة النقض بقولها :

«الحكم الصادر في الدعوى الجنائية يجب أن تكون له حجية المحكوم فيه أمام المحكمة المدنية بالنسبة لما يقتضي الفصل في تلك الدعوى بيانه فيه حسب القانون متى كان مناط الدعوى المدنية ذات الفعل الذي تناوله هذا الحكم. وليست العلة في ذلك اتحاد الخصوم والموضوع والسبب في الدعويين، وإنما هي في الواقع توافر الضمانات المختلفة التي قررها الشارع فی الدعاوى الجنائية ابتغاء الوصول إلى الحقيقة فيها لإرتباطها بالأرواح والحريات - الأمر الذي تتأثر به مصلحة الجماعة لا مصلحة الأفراد مما يقتضي أن تكون الأحكام الجنائية محل ثقة على الإطلاق، وأن تبقى آثارها نافذة على الدوام ، وهذا يستلزم حتما ألا تكون هذه الأحكام معرضة في أي وقت لإعادة النظر في الموضوع الذي صدرت فيه حتى لا يجر ذلك إلى تخطئتها من جانب أية جهة من جهات القضاء وإذ كان تفادى التعارض على الوجه المتقدم هو العلة في تقرير حجية الحكم الجنائي في الدعوى المدنية المتعلق موضوعها به فإن جريمة الإقراض بالربا لا تختلف في هذا الصدد عن غيرها من الجرائم لتوافر هذه الصلة فيها هي أيضاً .

فالحكم الجنائي الصادر على المتهم في جريمة الاعتياد على الإقراض بفوائد ربوية يكون ملزماً القاضي المدني فيما أثبته خاصاً بسعر الفائدة التي حصل الإقراض بها ، لأن مقدار الفائدة عنصر أساسي في هذه الجريمة ، وإذا أبيح للقاضى المدني إعادة النظر فيه تجاز أن يؤدي ذلك إلى وجود التناقض بين الحكمين، المدني والجنائي في أمر هو من مستلزمات الإدانة. وكذلك يكون ملزماً فيما أثبته من وقائع الإقراض لتعلق هذه الوقائع أيضاً - مهما كان عددها – بالإدانة ، إذ القانون لم ينص على عدد المرات التي تكون الاعتياد الأمر الذي يستوجب أن تكون التهمة التى حصل العقاب عليها متضمنة جميع الأفعال الداخلة في الجريمة حتى وقت المحاكمة».

(طعن رقم 49 لسنة 9 ق جلسة 1940 / 5 / 9 ) .

يجب أن يكون الحكم الجنائي الصادر بالإدانة حجيته أمام المحاكم المدنية في الدعوى التي يكون أساسها ذات الفعل موضوع الدعوى التي صدر فيها. وذلك منعا من أن يجيء الحكم المدني على خلاف الحكم الجنائي. فإنه ليس من المقبول في النظام الاجتماعي أن توقع المحكمة الجنائية العقاب على شخص من أجل جريمة وقعت منه ثم تأتي المحكمة المدنية فتقضى بأن الفعل المكون للجريمة لم يقع منه، في حين أن الشارع قد أحاط الإجراءات أمام المحاكم الجنائية - لتعلقها بأرواح الناس وحرياتهم وأعراضهم - بضمانات أكفل بإظهار الحقيقة ، مما مقتضاه أن يكون الحكم متى صدر بالإدانة محل ثقة الناس كافة بصورة مطلقة لا يصح معها بأي حال إعادة النظر في موضوعه. وإذن فإذا قضت المحكمة المدنية المدعى بتثبيت ملكيته للأطيان المتنازع عليها وبنت قضاءها علی رفض ما دفع به المدعى عليه الدعوى تمسكاً بملكيته إياها استناداً إلى عقد بيع سبق الحكم جنائياً بإدانته في تهمة تزويره فإنها لا تكون قد خالفت القانون».

(طعن رقم 21 لسنة 13 ق جلسة 1944 / 1 / 13 ) .

مدى حجية الحكم الجنائي :

يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي بالنسبة للوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً .

ونعرض فيما يلى لشروط التقيد بحجية الحكم الجنائي .

الشروط الأول :أن يكون قد صدر حكم جنائي من محكمة جنائية:
ويستوي أن يكون صادراً من محكمة الجنايات أو محكمة الجنح أو محكمة المخالفات.
ويستوي أن يكون صادر من محكمة تتبع جهة القضاء العادي أو من محكمة استثنائية جنائية أو هيئة قضائية متخصصة في بعض المواد الجنائية.

وإذاً ، فلا يعتد في هذا الصدد بقرارات النيابة العامة كما لا يعتد بالقرارات الصادرة من مجالس تأديب العاملين بالدولة والعمال .

والأمر الجنائي لا يتمتع بما للأحكام من حجية فهو كقرار قضائي به قوته فيحسم النزاع على نحو يشبه الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية في إنهاء الدعوى الجنائية في حدود معينة ولكنه ليس حكماً ولا يتمتع لذلك بحجية الأحكام، على أنه إذا تمت المحاكمة بناء على اعتراض الخصم فإن الحكم الذي يصدر تكون له حجية واجبة الإحترام .

 الشرط الثاني :أن يكون الحكم الجنائي قطعياً :
يشترط لكي يحوز الحكم الجنائي الحجية أن يكون قطعياً ويستخلص القضاء الثابت بالحكم من منطوقه وأسبابه المكملة للمنطوق والمرتبطة به .

الشرط الثالث :أن يكون الحكم الجنائي باتاً :

والحكم الجنائي البات هو الذي لا يجوز الطعن فيه بالاستئناف أو بالنقض، إما لاستنفاد طرق الطعن فيه ، أو فوات مواعيده.

الشرط الرابع :أن يكون الحكم الجنائي سابقاً على الحكم المدني :  

فإذا صدر الحكم في الدعوى المدنية قبل رفع الدعوى الجنائية فإن القاضي الجنائي لا يرتبط به.

فقد نصت المادة 457 من قانون الإجراءات الجنائية على هذا الحكم فقالت: «لا تكون للأحكام الصادرة من المحاكم المدنية قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها».

الشرط السادس :أن يكون الفعل الذي فصل في شأنه جنائيا هو نفسه الذي أثير أمام المحكمة المدنية وبدهي أنه إذا لم يتوافر هذا العنصر المشترك في الدعويين فلا يكون هناك محل للبحث في حجية الحكم الجنائي .

الشرط السابع :أن تكون الوقائع التي يحتج بها بمقتضى الحكم الجنائي قد فصل فيها هذا الحكم حقيقة ، وكان فصله فيها ضرورياً للحكم فى الدعوى الجنائية :

فيجب التفرقة في هذا الشأن بين أنواع ثلاثة من الوقائع :

أولاً : النوع الأول من الوقائع: وقائع فصل فيها الحكم الجنائي فصلاً ضرورياً ولازماً للحكم في الدعوى الجنائية :

وهذا النوع من الوقائع هو وحده الذي يحوز الحجية، ومثال ذلك فيما يتعلق بواقعة الضرر في حالة الحكم بالإدانة أنه إذا أثبت الحكم الجنائي وقوع ضرر وكان الحكم يستند إلى هذه الواقعة ولا تقوم له قائمة إلا بها، كالحكم بالإدانة في تهمة قتل، فإن القاضي المدني يتقيد بهذه الواقعة ولا يستطيع أن ينفى في حكمه وقوع القتل.

أما إذا كان وقوع الضرر ليس لازماً لقيام الحكم الجنائي، بحيث يمكن أن يقوم الحكم إذا لم يقع الضرر، كالحكم في مخالفة المرور ، فإن القاضي المدني لا يتقيد بالحكم الجنائي ، ويكون له أن ينفي في حكمه وقوع الضرر. وإذا نفي الحكم الجنائي وقوع الضرر، وكان الحكم الجنائي يقوم علي انتفاء الضرر ، كما لو اعتبرت الجريمة مجرد شروع وليس جريمة تامة ، فإن القاضي المدني يتقيد بالحكم الجنائي، ولا يستطيع أن يقول إن الضرر قد وقع .

أما إذا كان انتفاء الضرر غیر مؤثر في الحكم الجنائي، كما رأينا في حالة الحكم في مخالفة من مخالفات المرور، فإن القاضي المدني لا يتقيد بالحكم الجنائي .

وإذا سكت الحكم الجنائي عن واقعة الضرر فإن القاضي المدنی يكون حراً في هذا الشأن، فله أن يثبت في حكمه وقوع الضرر أو عدم وقوعه.

وفي هذا النوع من الوقائع، يتعين التفرقة بين الأحكام التي تصدر بناء على هذا النوع من الوقائع بالإدانة وبين الأحكام التي تصدر بالبراءة.

 (أ)- الأحكام الصادرة بالإدانة :

إذا قضت المحكمة الجنائية بالإدانة، أي بأن الفعل المسند إلى المتهم قد وقع منه وبوصفه أنه جريمة معينة وبنسبته إلى المتهم، فإنه يجب على المحكمة المدنية أن ترتبط بهذا القضاء، ولا يجوز لها إعادة البحث في شيء من ذلك جميعاً ، ولو كانت الدعوى المدنية مرفوعة. على المسئول مدنياً الذي لم يكن ممثلاً في الدعوى العمومية إذ أن الحكم الجنائي حجة على الكافة .

الأحكام الصادرة بالبراءة :

نفرق في أحكام البراءة بين ثلاث صور :

الصورة الأولى : إذا قطعت المحكمة الجنائية بأن الواقعة المسندة إلى المتهم لم تقع أصلاً، أو بأنها لم تقع من المتهم بالذات، أو بأنه لم يترتب عليها ضرر، أو بأنه لا توجد بين الضرر وخطأ المتهم علاقة سببية.
في هذه الصور يكون للحكم الجنائي حجية الشيء المحكوم فيه أمام المحكمة المدنية. ولكن يشترط في ذلك أن يكون ما قطع به القاضي الجنائي في هذا الشأن ضرورياً للفصل في الدعوى العمومية بحيث لا يعتبر تعرضه له تزيداً منه. فمثلاً إذا أثبت القاضي الجنائي في حكمه وقوع خطأ من المجني عليه، فإن هذا لا يقيد المحكمة المدنية لأنه لم يكن لازماً له في الفصل في الدعوى العمومية ويعتبر تزيداً منه لا تثبت له حجية الحكم الجنائي.
وكذلك إذا قضت المحكمة الجنائية العسكرية بالبراءة من تهمة تخزين - أقمشة بإعتبار أن التخزين لم يقع وأثبتت في حكمها أن الأقمشة مملوكة إلى آخر غير المتهم، فإن حكمها لا يكون حجة على المحاكم المدنية فيما يتعلق بملكية تلك الأقمشة لأن الفصل في هذه الملكية ليس لازما ولا ضرورياً للفصل في التهمة المنظورة أمامها .

ويستوي أن تكون البراءة إما بسبب انتفاء التهمة عن المتهم أو بسبب عدم كفاية الأدلة على نسبة التهمة إليه.

فكما تقول المادة: يكون للحكم بالبراءة هذه القوة سواء بني على انتفاء التهمة أو على عدم كفاية الأدلة» .

الصورة الثانية:

أن يكون أساس البراعة هو أن الفعل لا يعاقب عليه القانون الجنائي ، فلا يكون لهذا الحكم حجية أمام المحكمة المدنية. ذلك أن القاضي الجنائي في هذه الصورة اقتصر على الفصل في الواقعة الجنائية دون الفصل في نسبتها إلى المتهم. وبذلك يجوز للقاضي المدني أن يحكم على المتهم بالتعويض. ويستوي في هذه الصورة أن يكون أساس البراءة أن الفعل غير معاقب عليه لكونه لا يصدق عليه وصف الجريمة، أو أن يكون أساسها راجعاً إلى انقضاء الدعوى العمومية .

ذلك أنه إذا كانت الوقائع لا تكون جريمة جنائية ، فقد تكون كافية لتكوين خطأ مدنی ، فالفعل الواحد قد يستوجب المسئولية المدنية دون المسئولية الجنائية.

وقد يعتبر الفعل - مع تجريده من وصف الجريمة - إهمالاً يشكل خطأ مدنيا يوجب المسئولية المدنية ، أو قد يتجرد عن وصف الجريمة و ينشأ عنه ضرر يوجب التعويض المدني.

وفي هذه الصورة لا يقيد الحكم بالبراءة المحكمة المدنية .

ثانياً : النوع الثاني من الوقائع :

الوقائع التي تناولها الحكم دون أن يكون ذلك لازما للفصل في الدعوى الجنائية :

إذا تناول الحكم الجنائي وقائع دون أن يكون ذلك لازماً للفصل في الدعوى الجنائية. فإن ما فصل فيه الحكم الجنائي في هذه الوقائع لا يقيد القاضي المدني، لأن القاضي الجنائي ما كان له أن يتعرض لها. فإذا رأى فيها القاضي المدني رأياً آخر فإن حكمه لا يكون في الحقيقة مناقضاً للحكم الجنائي.

فإذا حكمت المحكمة الجنائية في جريمة تزوير بالبراءة تأسيساً على أن المتهم لم يقع منه تزوير، وفي الوقت نفسه قررت أن الورقة مزورة فإن ذلك لا يمنع المحكمة المدنية من الحكم بصحة الورقة، لأن المحكمة الجنائية قضت بتزوير الورقة بلا ضرورة، إذ أنها مادامت قد رأت أن المتهم المقدم لها غير مدان، فلم تكن في حاجة لأن تقرر بتزوير الورقة، إذ لم يكن ذلك ضرورياً بالبراءة وكان زائداً على حاجة الدعوى .

ثالثاً : النوع الثالث من الوقائع :الوقائع التي سكت عنها الحكم :

الوقائع التي يسكت الحكم الجنائي عن تناولها، فلم يتعرض لها بشيء. فإن الحكم المدني يضحى طليقاً فيما يقضي به في شأن هذه الوقائع .

وقف الفصل في الدعوى المدنية حتى يحكم في الدعوى الجنائية :

تنص المادة 265 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: «إذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائياً فى الدعوى الجنائية المقامة قبل رفعها ، أو في أثناء السير فيها.

على أنه إذا أوقف الفصل في الدعوى الجنائية لجنون المتهم يفصل في الدعوى المدنية».  

فالفقرة الأولى من المادة توجب على القاضي المدني أن يقف الفصل في الدعوى المدنية التي ينظرها إلى أن يفصل في الدعوى الجنائية المقامة أمام المحكمة الجنائية. وقد قررها الشارع بإعتبارها نتيجة لحجية الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية. فمقتضى هذه الحجية أن يتقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي، وهذا يوجب عليه أن ينتظر الحكم الجنائي، وإلا كان من المحتمل أن يقع تعارض بين ما يقضي به وبين هذا الحكم الأمر الذي أراد الشارع أن يتلافاه.

والمبدأ الوارد بالمادة يعبر عن قاعدة معروفة تقول: «إن الجنائي يقف المدني».

ويشترط للأخذ بهذه القاعدة، أن يكون الفعل الذي تتناوله الدعوى المدنية هو نفسه الذي تتصلب عليه المحاكمة الجنائية، لأن هذا الفعل إذا اختلف في الدعويين انتفى التعارض بين الحكمين المدني والجنائي. وأن يكون الفعل المبرر لطلب التعويض موضوع محاكمة جنائية قائمة، وإلا لما أمكن وقف الدعوى المدنية انتظاراً محاكمة جنائية قد لا تقوم، وقد يؤدي هذا إلى سقوط الدعوى المدنية بالتقادم. ويشترط ألا يكون قد فصل نهائيا بحكم بات)، في الدعوى الجنائية، وإلا لما كان هناك ما يبرر وقف الدعوى المدنية.

وهذه القاعدة تتعلق بالنظام العام، لأنها تكفل احترام مبدأ حجية الحكم الجنائي  ، فيجب على القاضي أن يأخذ بها من تلقاء نفسه أية حالة كانت عليها الدعوى . (موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود،  المجلد : الثالث،  الصفحة  : 1589)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون التقاضي والإثبات ، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة  167، 168 .

 

  (مادة 148): 

لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها  هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً . 

م (406) مدني مصري، و (102) إثبات مصري، و م (1840) مجلة). 

المذكرة الإيضاحية:

 1- إن حجية الأحكام الجنائية تنطوي على معنى الإطلاق من ناحية، ومعنى الاقتصار من ناحية أخرى:

(أ) فهي مطلقة بمعنى أن ما تقضي به المحاكم الجنائية يكون ملزماً للكافة وذلك اتقاءً لتعارض الأحكام. 

(ب) وهي قاصرة بمعنى أن نطاق إلزامها لا يجاوز ما قضى به فعلاً  ، أي ما فصل فيه الحكم ففي حالة عدم الحكم بعقوبة يجوز للقاضي المدني أن يحكم على المتهم بالتعويض، دون أن ينطوي حكمه هذا على تعارض مع الحكم الجنائي. فالواقع أن عدم القضاء بالعقوبة قد يرجع إلى انقضاء الدعوى العمومية بموت المتهم، أو بالتقادم، أو بالعفو الشامل، وإزاء ذلك لا يحكم القاضي بالعقوبة لتوافر هذا السبب أو ذاك، دون أن يفصل في الواقعة التي أسست عليها الدعوى الجنائية. وما دام القاضي الجنائي قد اقتصر على الفصل في أن الواقعة المنسوبة إلى المتهم - يمتنع توقيع عقوبة بشأنها، فللقاضي المدني - والحالة هذه - أن يقضي بالتعويض، دون أن يعارض بذلك ما قضى به جنائياً ، وأن يؤسس قضاءه على الواقعة نفسها، بوصفها تقصيراً مدنياً وقع من المتهم ثم إن الحكم بالبراءة قد لا ينفي قيام التقصير المدني أيضاً ؛ إذ ليس ثمة تلازم بين المسئولية الجنائية والمسئولية المدنية فيجوز أن يقتصر نطاق الدعوى العمومية على فعل معين لا يستتبع مسئولية جنائية، ولكنه يستتبع مسئولية مدنية. وفي هذه الحالة تفصل المحكمة الجنائية في المسئولية الجنائية وحدها، وتقضي بالبراءة، ولو أن الواقعة التي فصلت فيها أو وقائع أخرى لم تنظر فيها قد تكون أساساً لدعوى مدنية - فيجوز مثلاً أن يبرأ المتهم من جريمة مخالفة قواعد المرور، مع الحكم عليه بالتعويض عن تقصير مدني لا يصدق عليه وصف الجريمة فإذا اقتصر القاضي الجنائي على الفصل في أن الواقعة المنسوبة إلى المتهم لا تعتبر جريمة - جاز للقاضي المدني أن يقضي بالتعويض دون أن يناقض بذلك ما قضى به جنائياً . 

2- فالشرط الجوهري في انتفاء حجية الأحكام الجنائية الصادرة بالبراءة، أو بانتفاء وجه استيفاء العقوبة، أمام المحاكم المدنية - هو انتصار القاضي الجنائي على الفصل في الواقعة الجنائية دون الفصل في نسبتها ويتحقق هذا الشرط متى قضى الحكم بأن الواقعة لم يعد وجه لاستيفاء العقوبة بشأنها، أو أنها ليست مما يقع تحت طائلة العقاب (البراءة) ولكن لو فرض أن القاضي أسس البراءة على نفي نسبة الواقعة إلى المتهم - كان لحكمه قوة الشيء المقضي به بشأن هذه النسبة، وتعين على القاضي المدني أن يفصل طبقاً لهذا القضاء . 

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩