loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 408 الملغاة من القانون المدني والمقابلة للمادة 103 من قانون الإثبات :

1 - عني التقنين البرتغالي ( المادة 2409 ) بإيراد تعريف للإقرار، بينما اقتصر التقنين الفرنسي ( المادة 1354) والتقنين الإيطالي (المادة 1355) و التقنين الهولندي ( المادة 1960 ) والتقنين الإسباني ( المادة 1131 ) على ذكر نوعي الإقرار . ويأتي التقنين البرتغالى والتقنين المراكشي بالإقرار في أول مراتب الأدلة ، والظاهر أن هذين التقنينين لا يعتبران الدليل الكتابي إلا صورة من صور الإقرار ، وقد رؤی ایثار تعريف الإقرار بنص خاص في المشروع .

والأصل وجوب إقامة الدليل على كل واقعة قانونية إذا نوزعت أو أنكرت ، ولما كان الإقرار اعترافاً بواقعة قانونية ، فهذه الواقعة لا يجب بعد ذلك إثباتها ، لأنها ليست متنازعة أو مجحودة بل هي مسلمة معترف بها . فالإقرار ليس دليلاً بمعنى الكلمة بل هو وسيلة تقيل من الإلتجاء إلى طرق الإثبات التي شرعها القانون . ويقبل الإقرار ، كقاعدة عامة ، في جميع المواد ولو كانت قيمة المدعى به تجاوز عشرة جنيهات ، ما لم يقض القانون بغير ذلك كما لو كان الإثبات متعلقة بالبيانات التي يلحق بها وصف الرسمية في محرر رسمي ، أو بالتصرفات التي يشترط لإنعقادها شكل خاص ، أو بالمسائل المتصلة بالنظام العام . وبهذه المثابة بدرج الإقرار بين طرق الإثبات ، بوصفه طريقة غير عادي ، يلجأ إليه من تجرد من كل دليل ، وفي نطاق هذا الوصف تظهر أهميته في الإثبات ، وفقاً لما استقر عليه القضاء المصري ( استئناف مختلط 14 يناير سنة 1930 ب 42 ص 185 ) .

2 - وقد اعتد في تعريف الإقرار القضائي بما استقر عليه رأي الفقه والقضاء لأن ما ورد من التعريفات في التقنين الفرنسي ( المادة 1356) والتقنين الإيطالي ( المادتان 1356 و 1360 ) والتقنين الهولندي ( المادتان 1961 و 1963 ) والتقنين البرتغالي ( المادة 2410 ) والتقنين الإسباني ( المادة 1232 ) و المشروع الفرنسي الإيطالي ( المادة 307) تعوزه دقة الأداء .

ويشترط في الإقرار القضائي أن يكون صادراً من الخصم، أثناء السير في الدعوى المتعلقة بالواقعة المدعى بها عليه ، فهذا التحديد وحده تتوافر له مقوماته الذاتية ، وينتفي وجه الحاجة إلى تعريف الإقرار غير القضائي .

ويشترط من ناحية أخرى أن يكون الإقرار إرادياً و أن يتوافر ركن القصد فيه، فإذا صدر الإقرار من الخصم أثناء السير في الدعوى المتعلقة بالواقعة المدعى بها عليه ، فهو يصدر عن إرادة ، لأنه يوجه إلى الخصم الآخر ، ويتوافر فيه ركن القصد ، متى كان المقر يعلم أنه بإقراره هذا يقيل خصمه من إقامة الدليل على الواقعة التي يدعى بها . ففي هذه الحالة وحدها تتوافر للإقرار ضمانات رقابة القضاء وضمانات ظهور النية . ولكن إذا صدر الإقرار أمام القضاء في قضية أخرى ، مدنية كانت أم تجارية أم جنائية ، فليس ثمة ما يستلزم انصراف قصد الخصم إلى أن إقراره قد يثار أمره في دعوى أخرى . ولذلك لا يعتبر مثل هذا الإقرار قضائياً وإن توافرت له ضمانات الرقابة القضائية ، لإنتفاء ركن القصد فيه .

ويجب أن يصدر الإقرار من الخصم أو من يفوض في ذلك بتوكيل خاص . فلا يجوز للوكيل أن يقر عن الموكل، إلا أن يكون قد خول ولاية خاصة ، لأن الإقرار في حقيقته عمل تصرف لاعمل إدارة ، فهو يخرج بذلك من نطاق الوكالة العامة ، ولهذه العلة يشترط توقيع الموكلين أنفسهم على المذكرات التي تقدم من محاميهم إذا كانت تتضمن إقراراً ، إلا أن يكون المحامون مفوضين في الإقرار بتوكيل خاص.

ولم ير وجه لإيراد نص مماثل لنص التقنين المراكشي في المادة 406 بشأن سکوت الخصم وجواز حمله محمل الإقرار . فالواقع أن تقنين المرافعات المصرى ( المادتان 161 / 181 و 162 / 182) يجعل للقاضي إذا امتنع المسئول عن الإجابة على أسئلة مبنية على وقائع متعلقة بالدعوى وجائزة القبول أو تخلف عن الحضور لإستجوابه .... النظر فيما يحتمله ذلك ( والحكم ) بأن هذا الإمتناع مما يؤذنه بإثبات الوقائع المبنية عليها الأسئلة بالبينة ولو كانت الحالة ما لاتجيز القوانين الإثبات فيها بذلك .

وليس شك في أن الأصل في الإقرار أن يكون صريحاً ، وأن الإقتضاء فيه استثناء من حكم هذا الأصل . فلا يجوز قبول الإقرار الضمني ، والحالة هذه ، ما لم يقم دليل يقيني على وجوده ومرماه . وهذا هو المعنى الذي استظهره تقنين المرافعات البلجيكي في المادة 330 إذ فرع على توافر هذه العناصر و جواز اعتبار الوقائع ثابتة .

ويعتبر من قبيل الإقرارات القضائية ، بداهة ، ما يدلى به الخصوم في خلال إجراءات التحقيق الفرعية - الخاصة بحضور الخصوم واستجوابهم عن وقائع معينة - التي تتفرع على دعوى من الدعاوى الأصلية. وفي هذه الحالة يتعين أن يكون للقاضي المنوط به التحقيق سلطة الفصل فيما إذا كان التخلف عن الحضور أو رفض الإجابة يعتبر إقراراً ، وإلا جاز للخصم أن يتخلف عن الحضور فيتسنى له بذلك أن بمجرد هذه الإجراءات من كل فائدة ، مع أنها سبيل الخصم أو القاضي إلى تحصيل الدليل ، من طريق استخلاص الإقرار .

الأحكام

1 ـ المقرر فى قضاء محكمة النقض أن الإقرار القضائي وفقاً لنص المادة 103 من قانون الإثبات هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها أثناء سير الدعوى ، وقد يرد فى صحيفة الدعوى ، وهو حجة قاطعة على المقر .

(الطعن رقم 6788 لسنة 76ق - جلسة 2014/05/13) 

2 ـ المقرر أن مفاد النص فى المادة 103 من قانون الإثبات يدل أن الأصل فى الإقرار أن يكون صريحاً ، وأن الاقتضاء فيه استثناء من حكم هذا الأصل فلا يجوز قبول الإقرار الضمنى ما لم يقم دليل يقينى على وجوده ومرماه ، فإن ما يبديه الخصم فى معرض دفاعه بغير قصد الاعتراف بالحق المدعى به وما يسوقه من فروض جدلية بقصد إثبات أو تدعيم وجهة نظره لا يعتبر إقراراً ضمنياً .

(الطعن رقم 3251 لسنة 81 ق - جلسة 2013/02/20) 

3 ـ مفاد النص فى المادة 103 من قانون الإثبات يدل – وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون المدنى الذى نقلت منه هذه المادة قبل إلغاء المادة 408 مدنى المطابقة –أن الأصل فى الإقرار أن يكون صريحاً ، وأن الاقتضاء فيه استثناء من حكم هذا الأصل ، فلا يجوز قبول الإقرار الضمنى ، ما لم يقم دليل يقينى على وجوده ومرماه ، فإن ما يبديه الخصم فى معرض دفاعه بغير قصد الاعتراف بالحق المدعى به وما يسوقه من فروض جدلية بقصد إثبات أو تدعيم وجهة نظره لا يعتبر إقراراً ضمنياً .

(الطعن رقم 8558 لسنة 64 ق - جلسة 2005/03/28 س 56 ص 320 ق 55)  

4 ـ لئن كان الإقرار المشار إليه بوجه النعي لم يصدر عن الطاعن الثالث على سبيل الجزم واليقين بمسئوليته - وحده - عن التعويض محل الطلب العارض، تسليماً بحق خصمه فيه، وإنما كان افتراضاً جدلياً سلم به الطاعنون احتياطياً لما عسى أن تتجه إليه المحكمة من إجابة خصمهم إلى طلبه، وهو ما لا يعد إقراراً فى مفهوم المادة 103 من قانون الإثبات، الذي يشترط أن يكون مطابقاً للحقيقة .

(الطعن رقم 2972 لسنة 69 ق - جلسة 2000/03/01 س 51 ع 1 ص 380 ق 69) 

5 ـ المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن الإقرار وفقاً لنص المادة 103 من قانون الإثبات هو إعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها و ذلك أثناء السير فى الدعوى مما ينبنى عليه إقالة خصمه من إقامة الدليل على تلك الواقعة و يشترط فيه أن يكون صادراً عن المقرعن قصد الإعتراف بالحق المدعى به فى صيغة تفيد ثبوت الحق المقر به على سبيل الجزم و اليقين و كان تحصيل توافر الأركان اللازمة لإعتبار الإقرار الصادر من أحد الخصوم إقراراً قضائياً ملزما له . و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من الأمور التى يخالطها واقع مما يترك أمر تقديره لمحكمة الموضوع و إذ كان الثابت أن الطاعن لم يتمسك أمامها بهذا الدفاع - إقرار - المطعون ضده الأول بأنه مقيم بالقاهرة حيث يعمل طببياً - فإنه لا يقبل منه التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 1654 لسنة 52 ق - جلسة 1989/01/23 س 40 ع 1 ص 248 ق 52) 

6 ـ الإقرار القضائي وفقاً لنص المادة 103 من قانون الإثبات هو إعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه أثناء سير الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة ، بما ينبنى عليه إقالة خصمه من إقامة الدليل على تلك الواقعة .

(الطعن رقم 538 لسنة 41 ق - جلسة 1982/06/21 س 33 ع 2 ص 795 ق 142) 

7 ـ الإقرار القضائي طبقاً لنص المادة 103 من قانون الإثبات هو إعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها أثناء السير فى الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة بما ينبنى عليه إقالة خصمه من إقامة الدليل على تلك الواقعة و الأصل فى الإقرار أن يكون صريحاً فلا يجوز قبول الإقرار الضمنى ما لم يقم دليل يقينى على وجوده و مرماه .

(الطعن رقم 207 لسنة 49 ق - جلسة 1979/12/22 س 30 ع 3 ص 361 ق 404) ) 

8 ـ الإقرار وفقاً لنص المادة 103 من قانون الإثبات هو إعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها و ذلك أثناء سير الدعوى ، و تحصيل توافر الأركان اللازمة لإعتبار الإقرار الصادر من أحد الخصوم إقراراً قضائياً ملزماً له - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من الأمور التى يخالطها واقع مما يترك أمر تقديره لمحكمة الموضوع ، و إن كان الثابت أن الطاعنة لم تتمسك أمامها بهذا الدفاع ، فإنه لا يقبل منها التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 491 لسنة 44 ق - جلسة 1978/05/31 س 29 ع 1 ص 1367 ق 265) 

9 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الإقرار الوارد بأحد الشكاوى الإدارية يعد إقرار غير قضائى . و يخضع لتقدير القاضى و لا يشترط فى الإقرار غير القضائي أن يكون صادراً للمقر له بل يجوز إستخلاصه من أى دليل أو ورقة من مستندات الدعوى فإنه لا على الحكم إن هو إنتهى فى إستخلاص سائغ إلى أن ما يثبت على لسان الطاعن فى محضر جمع الإستدلالات من أن الأجرة المتعاقد عليها مؤقتة - يكشف عن صدق ما ذهبت إليه المطعون عليها من أن النية إنصرفت عند التعاقد إلى أن قرار لجنة تقدير القيمة الإيجارية هو المعتبر فى تحديد الأجرة و أن ما ورد بالعقد من أجرة مسماة كان موقوتاً بصدور هذا القرار الذى لم يتصل بعلمها عند إبرامها العقد بما ينفى مظنة إرتضائها النزول عن الحد الأقصى للأجرة.

(الطعن رقم 554 لسنة 44 ق - جلسة 1978/05/24 س 29 ع 1 ص 1315 ق 257)

10 ـ يشترط فى الإقرار إن يكون صادراً من المقر عن قصد الإعتراف بالحق المدعى به فى صيغة تفيد ثبوت الحق المقر به على سبيل الجزم و اليقين و أن يكون تعبير المقر تعبيراً عن إرادة جدية حقيقية ، فلا يعد من قبيل الإقرار الملزم ما يصدر عن الشخص من عبارات بقصد التودد أو المجاملة طالما أنه لم يقصد من الإدلاء بها أن يتخذها من وجهت إليه دليلاً عليه .

(الطعن رقم 1062 لسنة 47 ق - جلسة 1978/04/05 س 29 ع 1 ص 949 ق 187)

11 ـ إنه و إن كان الأصل فى الإقرار بوجه عام أنه إعتراف شخص بواقعة من شأنها أن تنتج ضده آثاراً قانونية بحيث تصبح فى غير حاجة إلى الإثبات و ينحسم النزاع فى شأنها و أن الإقرار القضائي قد يرد فى صحيفة الدعوى التى يرفعها المقر ، إلا أنه يشترط فيه ما يشترط فى الأعمال القانونية من وجود الإرادة ، بمعنى أنه يجب أن يدرك المقر مرمى إقراره ، و أن يقصد به إلزام نفسه بمقتضاه و أن يكون مبصراً أنه سيتخذ حجة عليه ، و أن خصمه سيعفى بموجبه من تقديم أى دليل ، فلا يعد من قبيل الإقرار الملزم ما يرد على لسان الشخص تأييداً لإدعائه من أقوال فيها مصلحة لخصمه ، ما دام لم يقصد من إدلائه بهذه الأقوال أن يتخذها خصمه دليلاً عليه ، و لما كان البين من صحيفة الدعوى التى أقامتها المطعون عليها أمام محكمة أول درجة أنها و إن حددت فيها حصول إعتداء عليها بالضرب و تركه منزل الزوجية يوم 1970/5/20 إلا أنها أردفت ذلك بأنه حرر عن هذه الواقعة محضر إدارى لم تذكر رقمه و كانت المطعون عليها قد أوضحت أمام محكمة الإستئناف أن الصحيفة المشار إليها وقع بها خطأ مادى يتعلق بتاريخ الفرقة ، و كان الحكم المطعون فيه قد أوضح فى مدوناته عن أن المحضر الذى إستندت إليه المطعون ضدها صادف محله فى سنة 1969 فإن مجريات الخصومة و مسلك المطعون عليها فيها لا تساعد على حمل التاريخ المثبت فى الصحيفة بإنه إقرار ملزم لها حددت فيه بدء الفرقة و بالتالى فلا تثريب على محكمة الإستئناف إن هى أحالت الدعوى إلى التحقيق طالما لم تجد فيها ما يقيد الإقرار الحاسم للنزاع فى خصومة .

(الطعن رقم 16 لسنة 45 ق - جلسة 1977/03/23 س 28 ع 1 ص 768 ق 137)

12 ـ الأصل فى الإقرار أن يكون صريحاً و أن الإقتضاء فيه إستثناء من حكم هذا الأصل ، فلا يجوز قبول الإقرار الضمنى ما لم يقم دليل يقينى على وجوده و مرماه .

(الطعن رقم 123 لسنة 38 ق - جلسة 1974/02/26 س 25 ع 1 ص 428 ق 70)

13 ـ متى كان الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه برد ما دفع من المعاش بغير حق على أن الطاعن لم ينازع فى صرفه المعاش المقرر له وكانت الدعوى قد تناولت جملة وقائع نازع الطاعن فى بعضها ولم ينازع فى بعضها الآخر فإنه يجوز للمحكمة أن تعتبر عدم منازعته بمثابة التسليم والإقرار الضمني بها.

(الطعن رقم 538 لسنة 25 ق - جلسة 1961/05/04 س 12 ع 1 ص 437 ق 63)

14 ـ يمنع من صحة الإقرار - ولو كان قضائياً - ثبوت أن المقر كاذب فى أصل إقراره.

(الطعن رقم 39 لسنة 29 ق - جلسة 1962/05/23 س 13 ع 1 ص 662 ق 101)

15 ـ يشترط فى الإقرار قضائيا كان أو غير قضائى - و على ما جرى به قضاء محكمة النقض - ما يشترط فى سائر التصرفات القانونية من أن يكون صادرا عن إرادة غير مشوبة بأى عيب من عيوب الرضا لأنه ينطوى على تصرف من جانب واحد و يتضمن نزول المقر عن حقه قبل خصمه فى إثبات ما يدعيه .

(الطعن رقم 72 لسنة 35 - جلسة 1969/03/11 س 20 ع 1 ص 404 ق 65)

16 ـ الإقرار و أن كان لا يجوز للمحامى مباشرته إلا إذا كان مفوضاً فيه غير أنه إذا كان الخصم حاضراً بشخصه و باشر محاميه الإقرار دون إعتراض منه أعتبر الإقرار صادر من الموكل حتى و لو كان عقد وكالة المحامى لا يبيح له ذلك إذ أن حضور الموكل بالجلسة و عدم إعتراضه على الإقرار الذى يسنده إليه الوكيل فى حضوره يعتبر إقراراً من الموكل بهذا التصرف و ذلك طبقاً لصريح نص المادة 79 من قانون المرافعات .

(الطعن رقم 60 لسنة 55 ق - جلسة 1986/05/27 س 37 ع 1 ص 595 ق 124)

17 ـ الإقرار القضائي يمكن أن يكون شفوياً يبديه الخصم من نفسه أمام القضاء أو يكون كتابة فى مذكرة مقدمة منه أثناء سير الدعوى و هو بهذه المثابة يعتبر حجة قاطعة على المقر .

(الطعن رقم 509 لسنة 55 ق - جلسة 1990/05/09 س 41 ع 2 ص 86 ق 186)

18 ـ إبداء الخصم رغبته فى تسوية النزاع لا يفيد حتماً وبطريق اللزوم استمرار هذه الرغبة فى كل الأوقات كما لا يفيد إقراره بحق خصمه .

(الطعن رقم 156 لسنة 33 ق - جلسة 1967/01/17 س 18 ع 1 ص 120 ق 19)

19 ـ الإنذار الرسمى لا يعد إقرارا قضائيا ، لأنه لم يصدر فى مجلس القضاء و الإقرار الذى يصدر فى غير مجلس القضاء يكون ملزما حتما بل يخضع - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لتقدير قاضى الموضوع الذى يجوز له مع تقدير الظروف التى صدر فيها أن يعتبره دليلا كاملا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة ، كما يجوز ألا يأخذ به أصلا .

(الطعن رقم 511 لسنة 41 جلسة 1976/01/27 س 27 ع 1 ص 307 ق 69)

شرح خبراء القانون

لكي يوجد إقرار بالمعنى الصحيح يجب أن يوجد :

أ- إعلان إرادة : فلا يعتبر إقراراً مجرد اتخاذ موقف ايجابي أو سلبي من جانب الخصم ، أو القيام بعمل لا يعتبر إعلاناً كذكر بيان في دفتر تجاری . ويجب أن يصدر هذا الإعلان بنية الإقرار، أي أن يتوافر لدى المقر العلم بأن الواقعة التي يقر بها ليست في صالحه .

ب- أن يكون الإعلان صادراً من خصم : فإذا صدر الاعلان من الغير فإنه لا يعتبر إقراراً وإنما قد يعتبر شهادة .

جـ- أن ينصب الإعلان على وقائع : فالوقائع هي فقط التي تصلح محلاً للإقرار . وهذا يتفق مع القاعدة العامة في تحديد محل الإثبات بصفة عامة . ونتيجة لهذا لا يكون محلاً للإقرار تطبيق قاعدة قانونية ، كما لا يكون محلاً له تكييف الواقعة . فلو أقر شخص بواقعة على أساس أنها هبة ؛ فليس للإقرار أثر إلا بالنسبة لحقيقة الواقعة دون تكييفها القانوني الذي يبقى من سلطة القاضي . ولهذا لا أثر للإقرار بالمسئولية ، إذ هذا ليس إقرار، بواقعة مادية وإنما يقتضي تقدير تطبيق قواعد قانونية على الواقعة وتقدير توافر رابطة سببية . كذلك لا يكون محلاً للإقرار وجود حق موضوعي أو حق في الدعوى فمثل هذا التسليم بطلبات المدعي لا يعتبر إقراراً ولا يقيد القاضي.

د- أن تكون الوقائع محل إدعاء : فإذا لم تكن كذلك ، فان الاعلان بها لا يعد إقراراً . ولهذا فانه إذا أبلغ رب عمل عن وقوع حادث لأحد عماله فان هذا الإبلاغ لا يعتبر إقرار من رب العمل بمسئوليته .

هـ- أن يكون لغير مصلحة المقر : فإذا أعلن شخص حقيقة واقعة ليست ضد مصلحته وإنما اضراراً بالغير فإن هذا لا يعتبر إقراراً . ومثاله أن يعلن المدعى عليه أن آخر قد استلم من المدعي مبلغاً من المال ، فهذا لا يعتبر إقراراً . ويجب أن تكون صفة الإضرار بالمقر واضحة - عند صدور الإقرار - وفقاً للفهم العادي للأمور .

- شروط صحة الإقرار :لكي يكون الإقرار صحيحاً مرتباً لآثاره يجب :

أ- أن يصدر الإقرار من شخص لديه أهلية التصرف في الحق الذي تتعلق به الوقائع محل الإقرار ، أو الصلاحية اللازمة لذلك . وعلة هذا أن الإقرار له من الناحية العملية آثار كتلك التي تترتب على التصرف في الحق .

ب- أن تكون الواقعة محل الإقرار من الجائز إثباتها وفقاً لما سبق بيانه بصفة عامة ولهذا لا يصح الإقرار بدین رهان أو قمار، أو غير ذلك من الأمور التي لا يجوز اقامة الدليل عليها .

جـ- ألا يكون الحق الذي تتصل به الواقعة محل الإقرار مما لا يجوز التصرف فيه ، ويكون المنع من التصرف متعلقة بالنظام العام وعلة هذا أن إجازة الإقرار بالنسبة لهذه الواقعة يؤدي إلى إمكان التواطؤ للتوصل إلى نفس آثار التصرف الذي يمنعه القانون .

د- أن تكون لدى المقر إرادة الإقرار فلا يصدر الإقرار عن إكراه مادي أو معنوي أو نتيجة لغلط يؤدي إلى عدم التطابق بين الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة ، كأن يقول الخصم «أقر» قاصداً أن يقول «أنكر».

نوعا الإقرار: قضائي وغير قضائي :

أولاً - الإقرار القضائي : يتميز الإقرار القضائي بأنه يتم أمام القضاء في نفس الخصومة التي يحدث فيها التمسك به كدليل إثبات . فيجب لتوافر الإقرار القضائي :
1- أن يتم أمام القضاء . فإذا لم يتم أمام القضاء ، فانه لا يعتبر قضائياً، ولا يكفي أن يتم أثناء خصومة بين طرفين إن لم يتم أمام القاضي ، ولهذا فان الخطاب الذي يرسله أحد الطرفين إلى الآخر أثناء الخصومة مقراً فيه بواقعة معينة متصلة بهذه الخصومة لا يتضمن إقرار قضائياً. على أنه يستوي أن يتم الإقرار شفوياً أو كتابة . فان تم شفوياً ، فإنه يثبت في محضر الجلسة، ويمكن أن يتم الإقرار كتابة في صحيفة الدعوى أو في مذكرة موقعة من الخصم وموجهة إلى المحكمة، كما يستوي في الإقرار القضائي أن يتم من تلقاء نفس الخصم ، أو أن يتم أثناء استجوابه. وأخيراً ، فانه يستوي أن يتم أمام قضاء الدولة أو أمام هيئة محكمين على أنه يلاحظ أنه يجب أن تكون المحكمة التي يتم أمامها الإقرار مختصة بنظر الدعوى ، اللهم إلا إذا كان عدم اختصاصها لا يتعلق بالنظام العام فعندئذ يعتبر الإقرار تسليماً ضمنياً باختصاصها وهو جائز لعدم تعلق اختصاصها بالنظام العام .

2- أن يتم الإقرار في نفس الخصومة التي يحدث التمسك فيها به كدليل إثبات . ذلك أنه إذا حدث في خصومة سابقة ، فإن الخصم يحتاج للتمسك به في الخصومة اللاحقة أن يقوم بإثبات حصوله ، وبهذا يتساوى مع الإقرار الذي لا يتم أمام القضاء وتطبيقاً لهذا حكم بأنه لا يعتبر اقراراً قضائياً الإقرار الذي يتم في خصومة سابقة أمام قاضي الأمور المستعجلة .

ثانياً - الإقرار غير القضائي : الإقرار غير القضائي هو الإقرار الذي لا يصدر أمام القضاء أو يصدر في غير الخصومة التي يحدث التمسك فيها به كدليل إثبات، ولهذا فانه إذا حدث التمسك به ، فان على من يتمسك بصدوره أن يثبته، ويكون إثباته وفقاً للقواعد العامة ، فلا يجوز إثباته بشهادة الشهود إلا حيث يجيز القانون الإثبات بهذا الدليل أي إلا إذا تعلقت الواقعة المقر بها بحق لا تزيد قيمته على ألف جنيه أو وجد سبب يبرر الإثبات بشهادة الشهود حيث يجب أصلاً الإثبات بالكتابة .(راجع المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة : 210)

الإقرار

تعريف الإقرار بوجه عام :

الإقرار هو إعتراف شخص بحق عليه لآخر ، سواء قصد ترتيب هذا الحق فى ذمته أو لم يقصد .
فلا يكون إقراراً إنشاء الشخص الحق في ذمته بتصرف قانوني أو بواقعة قانونية ، كالمشترى يلتزم بدفع الثمن ومن يرتكب عملاً غير مشروع يلتزم بالتعويض ، ذلك أن إنشاء الحق غير الإعتراف به . ولما كان إنشاء الحق بتصرف قانوني يحتاج في إثباته إلى ورقة مكتوبة إذا كانت قيمة هذا الحق تزيد على عشرة جنيهات ، فهذه الورقة تكون دليل إثبات لا إقراراً ، لأنها أعدت من مبدأ الأمر لتثبت التصرف القانوني ، وتكون في الغالب معاصرة لنشوئه أو بعد ذلك بوقت قليل أما إذا كتب المدين إقراراً على نفسه بذات الحق ، فإنه لا ينشئ بذلك حقاً في ذمته ، ولكنه يقر بوجود هذا الحق بعد أن نشأ ، ويكتب المقر إقراره عادة بعد نشوء الحق الذي يقر به بوقت غير قصير ، مدفوعاً إلى ذلك باعتبارات متنوعة . فقد يكتب الإقرار بعد نزاع ينتهي في تسويته إلى هذا الإقرار ، وقد يكتبه بعد تصفية حساب قديم ، وقد يكتبه حتى يمكن صاحب الحق من ورثته أن يتقاضى حقه قبل قسمة التركة ، وقد يكتبه حتى يمكن صاحب الحق من ورثته أن يتقاضى حقه قبل قسمة التركة ، وقد يكتبه عندما يحس أنه منيته قد دنت ليترك لصاحب الحق إقراراً بحقه فيبرئ ذمته سواء كتب الإقرار في مرض الموت أو قبل ذلك أما إذا كان السند المثبت للحق قد ضاع أو قدم عليه العهد ، فكتب المدين سنداً مؤيداً للسند الأصلي ، فهذا ليس إقراراً بل هو السند المؤيد الذى بسطنا أحكامه فيما تقدم فالورقة المكتوبة إذن قد تكون سنداً أصلياً ، أو سنداً مؤيداً للسند الأصلى ، أو إقراراً مكتوباً بالدين .

ولا يكون إقراراً ما يسلم به الخصوم اضطراراً على سبيل الإحتياط من طلبات خصمه . فإذا قرر في مذكرة قدمها استعداده لدفع مبلغ من النقود أقل من المبلغ المدعي به بعد أن أنكر وجود الحق في ذمته أصلاً ، ولكنه يعرض هذا المبلغ على خصمه حسماً للنزاع واحتياطاً لما عسى أن تتجه إليه المحكمة من إجابة الخصم إلى بعض طلباته ، فإن هذا لا يكون إقراراً ، لأنه ليس اعترافاً خالصاً بوجود هذا المبلغ في ذمته ، بل هو تسليم جدلي ببعض المدعي به لحسم النزاع . فهو أقرب إلى أن يكون مشروع صلح يعرضه على الخصم ، حتى إذا قبله هذا انحسم النزاع بينهما   .

ولا يكون إقراراً شهادة الشاهد على المدين بوجود الدين في ذمته ، فإن الشاهد يقر بوجود الحق لا في ذمته هو بل في ذمة شخص آخر    .

ولا يكون إقراراً إبداء الخصم رأيه في الحكم القانوني الذى ينطبق على النزاع ، كأن يقرر أن قانوناً أجنبياً معيناً هو الواجب التطبيق . فهو هنا لا يقر بحق ، ولكنه يدلي برأيه في حكم قانوني ، وللمحكمة أن تأخذ برأيه أو لا تأخذ    .

وقد يقع الإقرار على الحق في ذاته ، فيعترف المدين أن في ذمته لآخر مبلغاً معيناً من المال، أو يقع على المصدر الذى أنشأ هذا الحق ، كأن يعترف بوجود عقد قرض ألزمه بهذا المبلغ من المال بل قد يقع الإقرار على ادعاء  أياً كان ، فيعترف المشترى مثلاً بما يدعيه على دائن البائع من أنه يعرف إعسار البائع في الدعوى البوليصية التي يرفعها الدائن على كل من البائع والمشترى، ولذلك يكون من الأدق تعريف الإقرار بأنه اعتراف شخص بإدعاء يوجهه إليه شخص آخر   .

ولكن لا يكون هناك إقرار إذا كانت الواقعة المسلم بها ليست محل إدعاء من جانب الخصم ولا محل إنكار من جانب المقر . فإذا بلغ رب العمل عن وقوع حادث لأحد عماله وفقاً لأحكام قانون إصابات العمل ، فلا يعد هذا إقراراً من جانب رب العمل بمسئوليته عن هذا الحادث   .

وإذا كان يغلب في الإقرار أن يقصد المقر أن يؤخذ بإقراره وأن تترتب في ذمته نتائجه القانونية ، إلا أن وجود هذا القصد عنده لا يشترط لقيام الإقرار . فقد يصدر الإقرار من شخص لمجرد تقرير الواقع دون أن يقصد ، وحتى دون أن يعرف ، النتائج القانونية التي تترتب على هذا الإقرار . بل عن نية الإقرار ذاتها لا تشترط ، فقد يقر الشخص بوقائع لم يكن معترفاً بها وهو في صدد الدفاع عن حقه ، أو وهو في صدد استجواب المحكمة أو الخصم له ، دون أن يشعر أنه قد أدلى بأى إقرار . والمهم أن يكون الإقرار قد صدر عن إختيار لا عن إجبار   .

  صور الإقرار وشكله : وليس للإقرار شكل خاص ، بل عن له صوراً متعددة . فهو قد يكون صريحاً أو ضمنياً . والصريح قد يكون مكتوباً أو شفوياً . وفي جميع الأحوال يكون الإقرار قضائياً أو غير قضائي .

والغالب أن يكون الإقرار صريحاً . فيكون تقريراً  يصدر من المقر بوقائع يعترف بصحتها . وقد يكون هذا التقرير مكتوباً ، ولا يشترط شكل خاص في هذه الكتابة . فيجوز أن يكون الإقرار وارداً في كتاب أو في برقية أو في أية رسالة أخرى يوجهها المقر إلى الطرف الآخر . ويجوز أن يكون في ورقة مستقلة تعطى للمقر له يتخذها سنداً . ويجوز أن يكون وارداً في صحيفة الدعوى ، أو في مذكرة يقدمها الخصم المقر للمحكمة ، أو في طلبات مكتوبة يوجهها الخصم المقر للخصم الآخر . كذلك قد يكون الإقرار شفوياً . فإن كان خارج القضاء ، أمكن الإستشهاد على صدوره بشهود فيما يمكن سماع الشهادة فيه . وإن كان إقراراً قضائياً ، صح أن يكون في أثناء تحقيق أو استجواب أو في الجلسة ذاتها ، وفي هذه الأحوال يدون الإقرار في محضر التحقيق أو محضر الإستجواب أو محضر الجلسة ، فيسهل بذلك التثبت من صدوره ومن مضمونه .

يندر أن يكون الإقرار ضمنياً أو مستخلصاً من مجرد السكوت . فلا يستخلص من تخلف الخصم عن الحضور للإستجواب ولا من امتناعه عن الإجابة عند استجوابه من المحكمة أو من الخصم ، فهذا لا يكون إلا بمثابة مبدأ ثبوت بالكتابة يستكمل بالبينة والقرائن   . وقد نصت المادة 105 من قانون الاثبات ، كما رأينا ، على أن " للمحكمة أن تستجوب من يكون حاضراً من الخصوم ، ولكل منهم أن يطلب استجواب خصمه الحاضر " . ونصت المادة 106 من هذا القانون على أن " للمحكمة كذلك أن تأمر بحضور الخصم لاستجوابه ، سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب خصمه ، وعلى من تقرر استجوابه أن يحضر بنفسه الجلسة التي حددها القرار " . ثم نصت المادة 113 على أنه " إذا تخلف الخصم عن الحضور للإستجواب بغير عذر مقبول ، أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني ، جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن فى الأحوال  التى ما كان يجوز فيها " . أما نكول الخصم عن حلف اليمين أو ردها ، ونكول من ردت عليه اليمين عن حلفها ، فإن ذلك يكون بمثابة الإقرار . وفي الحقوق التي تتقادم بسنة واحدة ، كحقوق التجار والصناع والعمال والخدم ، يقوم التقادم على افتراض الوفاء ، ومن ثم يجب على المدين أن يتمسك بالتقادم وأن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً  م 378 مدني  . فالامتناع عن التمسك بالتقادم يكون بمثابة إقرار ضمني بعدم الوفاء .
كذلك دفع دعوى الدائن بأن الدين قد انقضى لسبب غير الوفاء ، كالمقاصة أو الإبراء ، يكون بمثابة إقرار ضمني بأن الدين لم يوف ، ومن ثم إذا تبين أن الدفع بالمقاصة أو الإبراء غير صحيح لم يجز للمدين أن يلجأ بعد ذلك إلى الدفع بالوفاء   .

ثم إن الإقرار ، في جميع الصور المتقدمة ، قد يكون خارج القضاء ويسمى إقراراً غير قضائي  ، أو يكون أمام القضاء ويسمى إقراراً قضائياً .

الإقرار غير القضائي : لم يعرض التقنين المدنى الجديد ولا التقنين المدني السابق للإقرار غير القضائي . ومعنى ذلك أن الأمر فيه متروك للقواعد العامة . أما التقنين المدني الفرنسي فقد ذكر في المادة 1354 أن الإقرار الذى يحتج به على الخصم إما أن يكون خارج القضاء أو أمام القضاء . ثم نص في المادة 1355 على أن " الادعاء بصدور إقرار شفوى محض خارج القضاء لا يجدى في جميع الأحوال التي لا يجوز فيها إثبات الدعوى بالبينة " . ثم عرض في المادة 1356 للإقرار أمام القضاء وبين أحكامه ، فذكر أنه حجة كاملة على المقر ، وأنه لا تصح تجزئته ، ولا الرجوع فيه إلا لغلط في الواقع    . ويستخلص الفقه الفرنسي من أن المادة 1356 من التقنين المدني الفرنسي بينت أحكام الإقرار القضائي وسكتت عن أحكام الإقرار غير القضائي أن أحكام النوع الأول من الإقرار لا تسرى على النوع الثاني . فالإقرار غير القضائي ليس حجة قاطعة ، ولا هو غير قابل للتجزئة ، ولا غير قابل للرجوع فيه حتى دون إثبات غلط وقع فيه المقر بل هو موكول إلى القاضي ، يقدر ، وفقاً لظروف الدعوى وملابساتها ، قوته فى الإثبات . فله أن يجعل حجة قاطعة أو أن يجرده من هذه الحجية ، وله أن يرفض تجزئته أو أن يجزئه وله ألا يقبل الرجوع فيه أو أن يجيز فيه الرجوع ، ولا يخضع في شيء من ذلك لرقابة محكمة النقض .

وفي القانون المصري أيضاً يخضع الإقرار غير القضائي للقواعد العامة كما قدمنا . ومن ثم يحسن التمييز بين إثبات قيامه وبين حجيته في الإثبات .

فالإقرار غير القضائي يقوم بصدوره من المقر شفوياً أو في ورقة مكتوبة إن كان شفوياً ، وأنكره من نسب إليه ، وجب على من يحتج به أن يثبت أولاً صدوره من خصمه . ويخضع في ذلك للقواعد العامة في الإثبات . وقد نصت المادة 222 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني على أن " الإقرار غير القضائي ، أي الإقرار في غير مجلس القاضي ، يجب إثباته وفقاً للقواعد العامة المختصة بالإثبات " . فإن كانت قيمة الدعوى لا تزيد على عشرة جنيهات ، جاز له إثبات صدور الإقرار من خصمه بالبينة والقرائن وإن زادت قيمة الدعوى على هذا المقدار ، لم يجز إثبات صدور الإقرار إلا بالكتابة وفقاً للقواعد المقررة في هذا الشأن على أنه يصح أن المقر يعترف أمام القضاء بالإقرار الشفوي الصادر منه خارج القضاء ، فيصبح الإقرار غير القضائي ثابتاً بإقرار قضائي ولكنه يبقى مع ذلك إقراراً غير قضائي ، لأن الإقرار هنا ليس إقراراً بالدعوى ذاتها ، بل هو ليس إلا إقراراً غير قضائي ، لأن الإقرار الصادر خارج القضاء ، فيكون أثره محصوراً في هذا النطاق ومن ثم يكون أمام القاضي لإثبات الدعوى إقرار غير قضائي ثبت وجوده ، فيقدر قوته في الإثبات على النحو الذي يقدر به قوة أى إقرار آخر غير قضائي . أما إذا كان الإقرار غير القضائي في ورقة مكتوبة ، كان هذا الإقرار هو الطريق لإثبات الدعوى ذاتها بعد أن ثبت قيامه بهذه الورقة   .

فإذا ما ثبت قيام الإقرار غير القضائي على النحو الذي قدمناه ، كانت له حجية فى الإثبات تتبع إلى حد كبير الصورة التى قامت به فإن قامت به صورة إقرار مكتوب ، فله قوة الكتابة التى تضمنته ، رسمية كانت أو عرفية ، على التفصيل الذى قدمناه فى الكتابة ومن ثم يكون الإقرار غير القضائى الوارد فى ورقة رسمية له حجية الورقة الرسمية . فهو ، من حيث صدوره من المقر ، له حجية كاملة إلى حد الطعن بالتزوير . ومن حيث صحة الإقرار في ذاته ، له حجية على المقر ولكن للمقر إثبات عكس ما جاء في إقراره وأنه لم يكن إلا إقراراً صورياً أو إقراراً متواضعاً عليه بينه وبين خصمه أو نحو ذلك ، على ألا يثبت ذلك إلا بالكتابة لأنه يثبت عكس ما جاء في ورقة مكتوبة . ومن حيث أثره القانوني ، يخضع الإقرار غير القضائي للقواعد العامة إذا لم يرد في شأنه نص خاص . فهو حجة على المقر ما لم يثبت عدم صحته على النحو الذي قدمناه ، وهو قابل للتجزئة ، وهو كذلك قابل للرجوع فيه في الحدود التي تسمح بها القواعد العامة . والمهم في شأنه أنه لما إقراراً صادراً خارج القضاء فإنه للقاضي سلطة واسعة فى تقدير قوته في الإثبات ، ذلك أن صاحبه يكون عادة  أقل حيطة في أمره ، وأقصر تمعناً فى عواقبه ، مما لو كان إقراراً صادراً أمام القضاء فتجزئته تكون أصعب من تجزئة الإقرار القضائي ، ولا تتقيد بالنص الذى ورد في هذه المسألة في شأن الإقرار القضائي ، وذلك حتى يعامل المقر إقراراً غير قضائي في يسر ، فقد يقر بالدين وبانقضائه عن طريق المقاصة ثم لا يتجزأ إقراره إذا رأى القاضي عدم التجزئة والرجوع فيه لغط أو تدليس أو إكراه أن نقض في الأهلية جائز كما هو جائز في الإقرار القضائي ،  بل يصح الرجوع فيه لغلط في القانون .

وإذا كان الإقرار غير القضائي مكتوباً في ورقة عرفية ، كانت له حجية هذه الورقة فهو ، من حيث صدوره من المقر ، له حجية كاملة ولكن إلى حد الإنكار لا إلى حد الطعن بالتزوير . ونم حيث صحة الإقرار فى ذاته من حيث أثره القانوني ، لا فرق في ذلك بين الورقة العرفية والورقة الرسمية ، وما قلناه هناك يقال هنا .

وإن قامت بالإقرار غير القضائي صورة إقرار شفوى ، فأمر إثباته كما قدمنا موكول إلى القواعد العامة . ولكن متى اعتبر القاضي أنه قد ثبت وجب أن تكون حجيته في الإثبات هى نفس حجية الإقرار المكتوب ، ففي الحالتين قد ثبت أن هناك إقراراً غير قضائي قائماً ، فوجب ألا تتغير حجيته في حالة عما هى في الحالة الأخرى . ومن ثم يكون لهذا الإقرار حجية كاملة من حيث صحته في ذاته إلى أن يثبت من نسب إليه الإقرار عدم صحته ، وله الإثبات بجميع الطرق إذا كان الإقرار ذاته قد ثبت بالبينة والقرائن ويكون لهذا الإقرار أخيراً أثره القانوني وفقاً للقواعد العامة ، فيخضع في تجزئته وفي جواز الرجوع فيه للقواعد ذاتها التي يخضع لها الإقرار المكتوب  .

رقابة محكمة النقض : تستقل محكمة الموضوع باستخلاص الإقرار بالحق من الأوراق المطروحة عليها ومن الاعمال الصادرة من الخصوم كما أن لها السلطة المقامة في تفسير إقرارات الخصوم وحسبها أن تبين في حكمها كيف أفادت هذه الأوراق والأعمال المعنى الذى استخلصته وان يكون هذا البيان سائغا ولا تخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض .

الإقرار القضائي : وننتقل الآن إلى الإقرار القضائي ، وهو الذى أفرده التقنين المدني بالذكر ، وعناه وحده بلفظ " الإقرار " ، وخصمه بقواعد تميزه عن الإقرار غير القضائي   .

ويتبين من نص التقنين المدني المصري أن للإقرار أركاناً أربعة :

 1  -إعتراف الخصم .

 2  -بواقعة قانونية مدعى عليه بها .

 3  -أمام القضاء .

 4  -أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة    .

الركن الأول – إعتراف الخصم : الإقرار إعتراف يصدر من المقر والإعتراف تقرير  لواقعة معينة على اعتبار أنها حصلت ولاشك فى أن التقرير على هذا النحو هو عمل مادي ، كالشهادة والكتابة والتوثيق والحلف فالإقرار إذن في أصله عمل مادي ، أي واقعة قانونية  ، وليس بتصرف قانوني .

ولكن الإقرار من جهة أخرى ، ينطوي على نزول من جانب المقر عن حقه في مطالبة خصمه بإثبات ما يدعيه ، كما سنبين فيما يلي . والنزول  تصرف قانوني من جانب واحد فيكون التكييف الصحيح للإقرار إذن هو أنه واقعة مادية تنطوي على تصرف قانون فهو واقعة مختلطة  ، مثله في ذلك مثل الوفاء  والإستيلاء  ، فكلاهما واقعة مادية تنطوي على تصرف قانوني : الوفاء ينطوي على إرادتين متطابقتين في إنهاء الدين ، والإستيلاء ينطوى على إرادة تملك المال محل الإستيلاء  .

ولما كان الإقرار واقعة مادية تنطوي على تصرف قانوني ، أى وقاعة مختلطة كما قدمنا ، كان لكل من هاتين الناحيتين فيه – الواقعة المادية والتصرف القانوني – نتائجه القانونية .

فالإقرار من حيث إنه واقعة مادية لا حاجة في تمامه إلى قبول من الخصم الذى صدر الإقرار لصالحه . وسواء صدر الإقرار أثناء استجواب أو في الجلسة أو ضمن مذكرات القضية وأوراقها ، فإن مجرد صدوره من صاحبه يجعله قائماً لا يتوقف في قيامه على قبول من الخصم الآخر . وإذا كان هذا الخصم الآخر يطلب عادة إثبات الإقرار في المحضر ، فهو يفعل ذلك لا لإظهار قبوله إياه ، بل لتسجيله كما صدر حتى يتيسر الرجوع إليه دون أن يقع اختلاف في مضمونه ويترتب على ذلك أن الإقرار إذا صدر لا يجوز للمقر الرجوع فيه بحجة أن الخصم المقر له لم يظهر بعد قبوله إياه ، إذ الإقرار تام نافذ بمجرد صدوره دون حاجة إلى قبول .

والإقرار من حيث إنه ينطوي على تصرف قانوني من جانب واحد لا يحتاج أيضاً إلى قبول . ثم إنه يجب لصحته نفس الشروط الواجب توافرها لصحة هذا التصرف القانوني . فالمقر ، كما قدمنا ، إنما ينزل عن حقه في مطالبة خمسة بإثبات الواقعة التي يدعيها ، وهذا النزول يجعل هذه الواقعة في غير حاجة إلى الإثبات ، فتصبح مصدراً لإلتزام المقر ومن ثم يشترط لصحة هذا النزول – أى لصحة  الإقرار – ما يشترط لصحة التزام المقر بالواقعة التي أقر بها . فيجب إذن أن يكون المقر أهلاً للإلتزام بهذه الواقعة ، وأن تكون إرادته غير مشوبة بعيب من عيوب الإرادة : غلط أو تدليس أو إكراه . فإذا كان المقر يقر بواقعة قرض مثلاً ، وجب أن يكون قد بلغ سن الرشد وألا يكون محجوراً ، حتى يكون أهلاً للالتزام بالقرض الذي أقر به ويجب ألا يكون قد وقع في غلط جوهرى لا في الواقع ولا في القانون كما لا يجوز أن يكون قد اندفع  إلى إقراره بتدليس أو إكراه وهو الذي يحمل عبء إثبات ذلك إذا ادعاه فإن أثبت أنه لم يكن أهلاً أو أن إقراره قد شابه غلط جوهرى أو تدليس أو إكراه ، كان الإقرار باطلاً ، وكان له الرجوع فيه   .

كذلك ما دام الإقرار ينطوى على تصرف قانوني ، وما دام هذا التصرف هو النزول عن حق ، فإن الإقرار يكون في حكم عمل من أعمال التصرف  ، ويجب للتوكيل فيه أن تصدر وكالة خاصة ، فلا تكفي  الوكالة العامة وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 702 على هذا الحكم صراحة إذ تقول : " لابد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة ، وبوجه خاص في البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء  ، ومن ثم لا يصح الإقرار من وكيل عام . ولا يصح الإقرار الصادر من محامي ، ما لم يكن التوكيل الصادر إلى هذا المحامي منصوصاً فيه على تفويضه في الإقرار . ولا يشترط تعيين محل الإقرار على وجه التخصيص  م 702 فقرة  2 مدني  . أما الولي والوصي والقيم فيصح إقرارهم عن الأصيل في الحدود التي يجوز لهم فيها القيام بأعمال  التصرف ، فيشترط إذن في كثير من الأحوال لصحة هذا الإقرار الحصول على إذن من المحكمة الحسبية أما الإقرار بواقعة قانونية فحجته مقصورة عليم ، إلا إذا كانت الواقعة عملاً من أعمال الإدارة المخولة لهم بحكم القانون .

وأخيراً ما دام الإقرار ينطوي على تصرف قانوني ، فإنه يرد عليه ما يرد على التصرفات القانونية من احتمال الصورية والتواطؤ . فقد يكون الإقرار صورياً تواطأ عليه المقر والمقر له أضراراً بحقوق الغير كالدائنين والخلف ، ويجوز لهؤلاء إثبات الصورية بجميع الطرق ولو بالبينة والقرائن ، فإذا أثبتوها لم ينفذ الإقرار في حقهم . والإقرار الصادر في مرض الموت يعتبر في حكم الوصية ، فلا ينفذ إلا من ثلث التركة  . على أن الإقرار يصح ولو كان خالياً من ذكر سببه السابق عليه ، لأنه ليس منشئاً للحق بل هو مظهر له ، ومن ثم كان حكمه هو ظهور ما أقر به المقر لا ثبوته ابتداء .

 الركن الثاني – واقعة قانونية مدعى بها : ويجب أن ينصب الإقرار على واقعة قانونية مدعى بها على المقر . ولا يلزم أن تكون هذه الواقعة تصرفاً قانونياً ، بل يصح أن تكون واقعة مادية . ولا يلزم كذلك أن تكون الواقعة مصدراً لحق من الحقوق ، بل أية واقعة يمكن الإدعاء بها يجوز فيها الإقرار . وقد رأينا أنه يمكن الادعاء بأية واقعة يترتب عليها أثر قانوني ، كما إذا ادعى الدائن علم المشترى بإعسار المدين البائع في الدعوى البوليصية ، فهذه واقعة يمكن أيضاً أن ينصب عليها الإقرار .

وما دام الإقرار ينطوي على تصرف قانوني كما قدمنا ، وهو ضرب من التصرف في الشئ المقر به من جانب المقر ، لذلك يجب أن يكون محل الإقرار معيناً تعييناً كافياً مانعاً من الجهالة الفاحشة وقد ورد في التقنين المدني العراقي  نص صريح في هذا المعنى ، إذ تقضي الفقرة الأولى من المادة 463 من هذا التقنين بأنه " يشترط ألا يكون المقر به مجهول جهالة فاحشة ، أما الجهالة اليسيرة فلا تكون مانعاً من صحة الإقرار .

ويجب بداهة أن يكون محل الإقرار لا يكذبه ظاهر الحال ، وإلا كان إقراراً صورياً لا قيمة له . وقد ورد في التقنين المدني العراقي أيضاً نص على هذا الحكم ، إذ تقضي المادة 465 من هذا التقنين بأنه " يشترط ألا يكذب ظاهر الحال الإقرار ، فلو أقر شخص ببنوة آخر أكبر منه في السن لا يصح إقراره "    .

ويجب أخيراً أن يكون محل الإقرار مما يجوز التعامل فيه فالإقرار بشئ مخالف للقانون أو للنظام العام أو للآداب غير صحيح ويترتب على ذلك أنه لا يصح الإقرار بفوائد تزيد على الحد المسموح به قانوناً ، ولا الإقرار بإيجار منزل للعهارة ، ولا الإقرار بإتفاق على ارتكاب جريمة . وهذا لا يمنع من قبول هذا الإقرارات فى المسئولية الجنائية .

ويصح الإقرار في التصرف أياً كانت قيمته ، ولو زادت على نصاب البينة ، فالإقرار كما قدمنا حجيته مطلقة .

الركن الثالث – أمام القضاء : وهذا الركن هو الذى يميز الإقرار القضائي عن الإقرار غير القضائي ، ويكمله الركن الرابع وهو أن يكون صادراً أثناء السير في الدعوى .

فالإقرار الذي لا يصدر أمام القضاء لا يعد إقراراً قضائياً . ويعتبر قضاء كل جهة نظمها القانون من جهات القضاء ، فلا يقتصر ذلك على القضاء المدني وحده . ويعتد بالإقرار الصادر أمام القضاء التجاري ، والقضاء الإداري ، والقضاء الشرعي ، والقضاء الملى . كذلك يعتد بالإقرار الصادر في دعوى مسئولية مدنية مرفوعة أمام القضاء الجنائي ، وبالإقرار الصادر أمام قاضي التحضير ، وأمام القاضي المنتدب لوضع التقرير فى محكمة القضاء الإداري والقاضي المنتدب للتحقيق أو للإستجواب بل إن الإقرار يصدر عادة أثناء الاستجواب ، فوجب أن يكون صحيحاً إذا صدر أمام القاضي المنتدب لهذا الغرض .

ويجب أن يصدر الإقرار أمام محكمة مختصة اختصاصاً موضوعياً على الأقل .

ويجوز أن يصدر الإقرار أمام المحكمين  .

ولكن الإقرار الصادر أمام النيابة العامة أو النيابة الحسبية أو الخبير أو المحقق الإدارى لا يعتبر إقراراً قضائياً ، لأن هذه الجهات ليست بجهات قضاء    .

- الركن الرابع - أثناء سير الدعوى : ولا يكفي أن يصدر الإقرار أمام القضاء ، بل يجب أن يصدر أيضاً في خلال إجراءات الدعوى التي يكون الإقرار فيها دليل الإثبات . فيصح أن يكون في صحيفة الدعوى ذاتها ، أو في المذكرات التى تليها ، أو في المذكرات التي يرد بها على الدعوى . ويصح أن يكون أمام القاضي المنتدب للتحقيق . وأكثر ما يكون ، كما قدمنا ، في خلال استجواب تقرره المحكمة . ويجوز أن يصدر أمام المحكمة نفسها في جلسة من جلسات  المرافعة ، كما تجوز أن يصدر عند إبداء الطلبات الختامية وقبل إقفال باب المرافعة . بل يجوز أن يلى أقفال باب المرافعة في مذكرات تقدم من الخصوم يرد فيها بعضهم على بعض ، فيصدر من أحد الخصوم إقرار في مذكرته, وهكذا يجوز أن يصدر الإقرار إلى وقت النطق بالحكم .

ولكن الإقرار الذى يصدر في إحدى الدعاوى ، فيكون فيها إقراراً قضائياً ، لا يكون في دعوى أخرى ، ولو بين الخمسين وفي نفس الواقعة ، له قوة الإقرار القضائي ، ذلك أن الإقرار القضائي مقصور قوته على الدعوى التي صدر فيها ، فإذا تمسك به الخصم المقر له أو الغير في دعوى أخرى تالية ، كان الإقرار بالنسبة إلى هذه الدعوى التالية إقراراً غير قضائي . فلو أن خصماً أقر لخصمه أنه اشترى من الغير الأرض التي ينازعه فيها ، وكان هذا في دعوى من دعاوى الحيازة ، فإن إقراره هذا يعد إقراراً قضائياً في دعوى الحيازة التي صدر فيها الإقرار . ولو أراد الخصم الذى صد ر الإقرار له أن يتمسك بهذا الإقرار في دعوى الملكية ، وهى غير دعوى الحيازة ، كان له أن يفعل ذلك ولكن على أنه إقراراً غير قضائي ، ويستقيم هذا الحكم مع تأصيل الإقرار من أنه نزول من المقر عن حقه في مطالبة خصمه بالإثبات ، فقد نزل المقر في دعوى الحيازة عن مطالبة خصمه بإثبات شرائه للأرض من الغير ، وإذا كان قد نزل عن هذه المطالبة في دعوى الحيازة فلا يستخلص من هذا نزوله عن المطالبة بهذا الإثبات في دعوى الملكية . فهو قد نزل عن المطالبة بالإثبات في دعوى معينة دون غيرها  من الدعاوى ، فأثر النزول يجب أن يكون مقصوراً على هذه الدعوى .

كذلك الإقرار أمام محكمة غير مختصة من ناحية الولاية أو من ناحية الاختصاص الموضوعي لا يعد إقراراً قضائياً ، بخلاف الإقرار أمام محكمة غير مختصة من ناحية المكان ، ذلك أن أحكام الإختصاص من ناحية الولاية ومن ناحية الموضوع تعد من النظام العام أما أحكام الإختصاص من ناحية المكان فليست كذلك . فالإقرار أمام محكمة شرعية في قضية المختص بها هي المحكمة الوطنية لا يكون أمام  هذه المحكمة الأخير إقراراً قضائياً ، بل هو إقرار غير قضائي . والإقرار أمام المحكمة الجزئية في قضية المختص فيها هي المحكمة الكلية يكون إقراراً غير قضائي بالنسبة إلى هذه المحكمة الأخيرة .والإقرار خارج إجراءات الدعوى ولو في الوقت الذى تنظر فيه الدعوى لا يكون إقراراً قضائياً . فلو أن خصماً أرسل كتاباً لخصمه ، أثناء نظر الدعوى القائمة بينهما ، يتضمن إقراراً ، وتمسك الخصم المقر له بهذا الكتاب أمام المحكمة ، فإن الإقرار في هذه الحالة يعد إقراراً غير قضائي . كذلك يعد إقراراً غير قضائي ما يذكر في تظلم مرفوع إلى الجهة الإدارية ولو كان هذا التظلم متعلقاً بدعوى كانت مرفوعة وقت تقديم التظلم أمام محكمة مدنية  . (الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/عبدالرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني  المجلد الأول ، الصفحة : 616)

تعريف الإقرار :

ثانياً- وقد عرف المستشار أحمد نشأت الإقرار بأن الإقرار في القانون هو اعتراف خصم لخصمه بالحق الذي يدعيه مقدراً نتيجته قاصدة إلزام نفسه بمقتضاه وهو سيد الأدلة في المسائل المدنية لأنه يعتبر حجة قاطعة على اشتعال ذمة صاحبه بما أقر به. ويجب الأخذ به في جميع الأحوال مهما كانت قيمة الدعوى ومهما كان فيه من المخالفة لمصلحة المقر الثابتة له بعقد رسمي أو عرفي إلا إذا كان إقراراً بأمر مخالف للنظام العام أو فيه عيب يبطله ويصح القول بأن الإقرار ليس دليلاً وإنما هو يعني عن الأدلة لأنه يعفي مدعي الحق من الإثبات «المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة الجزء الثاني ص 3»، كما عرفه الدكتور سليمان مرقص ف قال بأن الإقرار هو اعتراف شخصي بأمر مدعى عليه به لآخر بقصد اعتبار هذا الأمر ثابتاً في ذمته وإعفاء الآخر من إثباته سواء كان هذا الأمر حقاً مبيناً واقعة قانونية يترتب عليها نشأ حق أو انقضاؤه أو تعديله أو انتقاله ولأن الإقرار يجعل المدعي به غير متنازع ولأنه ملزم بذاته لا بحكم القاضي فإنه لا يعتبر من طرق القضاء إلا تجاوزاً . (الدكتور سليمان مرقص في أصول الإثبات والإجراءات الجزء الأول ص 479 وما بعدها).

وقد يتم الإعتراف أمام القضاء أثناء السير في الدعوى التي حصل فيها الإدعاء فيكون الإقرار قضائية وقد لا يصدر الإقرار في مجلس القضاء أو قد يصدر في مجلس القضاء ولكن في دعوى لا تتعلق بموضوع الإقرار فيكون غير قضائي. الدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات طبعة 1981 ، 162 )

ثالثاً : أركان الإقرار :

يتبين من نص المادة 103 من قانون الإثبات أن للإقرار أركان أربعة هي :

1) اعتراف الخصم.

 2) بواقعة قانونية مدعى عليه بها.

 3) أمام القضاء.

 4) أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة وذلك على التفصيل التالي.

 الركن الأول :اعتراف الخصم

 وهذا هو ما يقضي به النص صراحة إذ يقول «هو اعتراف الخصم» فلابد أني صدر الإقرار من خصم في الدعوى ويجب أن يكون الإقرار بصريح القول ولا يعتبر السكوت إقراراً أو قولاً فالقاعدة القانونية أنه لا ينسب لساكت قول فالسكوت لا يقول شيئاً ومن ثم يكون الإقرار عمل مادي منطوياً على تصرف قانوني من جانب واحد ولذلك لا يشترط قبول خصمه له ما دام أن المقرر أهلا للالتزام بالواقعة التي أقر بها وبالرغم من ذلك فإنه قد يعتبر الإمتناع أو السكوت إقرارة ضمنية في بعض الأحوال كما هو الحال في المادة 118 إثبات إذ أن مفادها أن الامتناع عن اليمين بعد عدم إنكار الواقعة المراد الاستخلاف عليها واعترافاً بها – وما دام الإقرار ينطوي على تصرف قانوني وما دام هذا التصرف هو النزول عن حق فإن الإقرار يكون في حكم عمل من أعمال التصرف ويجب التوكيل فيه أن تصدر وكالة خاصة فلا تكفي الوكالة العامة ومن ثم لا يصح الإقرار من وكيل عام ولا يصح الإقرار الصادر من محام ما لم يكن التوكيل الصادر إلى هذا المحامي منصوصاً فيه على تفويض في الإقرار ولا يشترط تعيين محل الإقرار على وجه التخصيص «م 2 / 702 مدني» وإذا لم يكن من صدر منه الإقرار خصماً في الدعوى بل كان شاهدة مثلاً فلا يعد إقراره إقراراً بالمعنى المقصود .

( الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 634 وما بعدها والبيان للأستاذين صلاح حمد ولبيب حلیم الطبعة الأولى ص201 وما بعدها وقواعد الإثبات الدكتور توفيق حسن فرج طبعة 1981 ص 165 ).

الركن الثاني :واقعة قانونية مدعى بها :

 يجب أن ينصب الإقرار على واقعة قانونية مدعى بها على المقر ولا يلزم أن تكون هذه الواقعة تصرفاً قانونياً بل يصح أن تكون واقعة مادية ولا يلزم كذلك أن تكون الواقعة مصدراً لحق من الحقوق بل أي واقعة يمكن الادعاء بها يجوز فيها الإقرار ويجوز الإقرار بالنسبة لأي حق أياً كان نوعه أو قيمته ولو كانت هذه القيمة تجاوز نصاب اختصاص الحكم إنما هي لا تحكم في النهاية إلا في حدود طلبات الخصوم التي يفترض أنها من اختصاصها وما جاوز حدود طلبات الخصوم من الإقرار يعتبر غير قضائي، ويجب ألا يكذب الإقرار ظروف الحال فلا يصح إقرار شخص ببنوة من هو أكبر منه سناً كما يجب ألا يكون الإقرار مخالفة للنظام العام أو حسن الآداب فلا يصح الإقرار بدین مراهنة أو إتجار أو إيجار منزل للدعارة ولا يقيد أيضاً بالإقرار الذي يتضمن رضاء المستأجر بأداء أجرة تزيد عن الأجرة القانونية للعين المستأجرة لمخالفة النظام العام ولا يضير الإقرار عدم ذكر سببه أو عدم تسجيله إلا أن الإقرار لا يجدي فيما يتطلب فيه القانون الرسمية ويلاحظ أن المقرر لا يعذر بجهله حكم القانون الواجب التطبيق في صدد الوقائع القانونية التي أمر بها ولا يملك الادعاء بهذا الجهل أو الإحتجاج به على خصمه أو سحب إقراره والرجوع فيه بحجة أنه لو كان على علم بالقانون الواجب التطبيق في هذا الصدد ما كان قد أقر بما أقر به .

(الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 644 - والدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات طبعة 1981 ، ص 285 وما بعدها)

الركن الثالث :أمام القضاء

 فإذا أقر شخص أمام أي جهة حكومية أخرى كإحدى جهات الإدارة في تحقيق متعلق بالنزاع فلا يعتبر إقراره قضائية وكذا إقراره أمام النيابة وأمام المجالس الحسبية السابقة أو أمام المحاكم الحسبية الجديدة فيما لا تملك الفصل فيه مادامت هذه الجهات لا تملك سلطة القضاء بالحق المقر به وإنما الإقرار أمام القاضي المنتدب للتحقيق أو للإستجواب وأمام القاضي الجنائي في المسئولية المدنية والإقرار أمام هيئة التحكيم يعتبر إقراراً قضائية وليس الأمر مقصورة على القاضي العادي - المدني أو التجاري أو الجنائي بل كل هيئة يعطيها القانون سلطة الفصل في أمر يعتبر الإقرار أمامها فيما يتعلق بهذا الأمر إقراراً قضائياً كمحاكم القضاء ويجب أن يكون الإقرار أمام المحكمة المختصة أو أمام محكمة غير مختصة في الأحوال التي لا تعتبر فيها الإختصاص من النظام العام إذا الإعتراف يسقط الحق في الدفع بعدم الإختصاص وإلا عد الإعتراف غير قضائي .( المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة الجزء الثاني ص 17 وما بعدها).

 ويقول الدكتور أحمد أبو الوفا في ذلك لأنه يجوز الإعتداد بالإقرار القضائي الصادر أمام محكمة الموضوع أو أمام المحكمة المستعجلة أو أمام قاضي التنفيذ أو أمام قاضي التحقيق أو التحضير أو أمام محكمة الدرجة الثانية أو أثناء نظر الطعن بالنقض أو التماس إعادة النظر وأنه إذا صدر إقرار قضائي أمام محكمة الدرجة الأول فإن هذا الإقرار يلزم محكمة الدرجة الثانية فلا تملك عند استئناف الحكم الصادر من محكمة أول درجة إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ما يخالف هذا الإقرار وأنه لا يعتبر الإقرار الصادر أمام خبير الدعوى أو النيابة العمومية أو أية جهة إدارية أو محقق إداري إقرار قضائية كذلك لا يعتبر إقراراً قضائية الإقرار الصادر أمام هيئة إدارية ذات اختصاص إداري أو قضائي كما في الطعن بمصلحة الضرائب أو كان تقدير القيمة الإيجارية لأن هذه الهيئات لا تعتبر جهة قضائية أو هيئة قضاء ولا تصدر حكماً بالمعنى الإصطلاحي للعبارة ولختصاصها هو اختصاص تمهيدي سابق على إقامة الدعوى أمام محاكم الدرجة الأولى بجهة القضاء العادي ولا يجب هذا الإختصاص ومن الجائز اعتبار الإقرارات الصادرة في هذا الصدد غير قضائية مجرد قرينة أو مبدأ ثبوت بالكتابة.(مؤلفة في التعليق على نصوص قانون الإثبات طبعة 1981 ص 228 وما و بعدها).

الركن الرابع :أثناء سير الدعوى

والدعوى المقصودة هنا هي الدعوى المتعلقة بالواقعة التي حصل عنها الإقرار وعلى ذلك إذا أقر شخص بواقعة لا تتعلق بالدعوى المنظورة أمام المحكمة فلا يعتبر إقرار قضائية فالإقرار الصادر في دعوى لا يؤخذ به في دعوى أخرى باعتباره إقرار قضائية في هذه الدعوى الأخرى .

وإذا ما توافرت الشروط السابقة كان الإقرار قضائية سواء صدر الإقرار من تلقاء نفس الشخص أو على أثر استجوابه وسواء تم الاستجواب بناء على طلب الخصم الآخر أو أمرت به المحكمة من تلقاء نفسها.(الدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات طبعة 1981 ص 166 ).

ثالثاً : خصائص الإقرار :  

الإقرار هو عمل قانوني لأنه اتجاه الإرادة نحو إحداث أثر قانوني هو ثبوت حق في ذمة المقر وإعفاء المقر له من إثبات هذا الحق هو عمل اختياري إذ لا ينشئ الإقرار حقاً جديدة وإنما هو اعتراف أو إخبار بحدوث واقعة معينة في وقت مضى أو بثبوت حق معين قبل تاريخه ومن ثم فهو عمل قانوني من جانب واحد يتم بإرادة واحدة هي إرادة المقر فلا يحتاج إلى قبول من المقرر له ويعتبر الإقرار بمثابة عمل من أعمال التصرف ويترتب على ذلك أنه يعتبر حجة قاصرة أي أنه لا يقيد إلا المقر وخلفاءه ودائنيه.

(في تفصيل ذلك الدكتور سليمان مرقس في أصول الإثبات وإجراءاته الجزء الأول ص 483 وما بعدها). (الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه،  طبعة 2014، 2015 دار محمود،  المجلد :  الثاني ، الصفحة : 257)

 الإقرار هو اعتراف الشخصي بحق عليه لآخر بقصد اعتبار هذا الحق ثابتاً في ذمته وإعفاء الأخر من إثباته ، فإذا كان الإقرار صوریاً صورية مطلقة فلا يعول عليه سواء كانت الصورية بتواطؤ بين المقرر له إضراراً بحقوق الدائنين أو الخلف أو دون تواطؤ، وهو تصرف قانوني إخباري أي أنه يصدر من جانب واحد ويعتبر بمثابة عمل من أعمال التصرف ويترتب على ذلك أن حجيته قاصرة فهو عمل قانوني لأنه اتجاه الإرادة نحو إحداث أثر قانوني هو ثبوت حق في ذمة المقر وإعفاء المقر له من إثبات هذا الحق .

ويشترط في الإقرار ما يشترط في الأحكام القانونية من وجود للإرادة ومحل تنعقد عليه فيحب أولاً أن تتجه إرادة المقر نحو اعتبار الحق المقر به ثابتاً في ذمته وتمكين خصمه من التمسك بهذا الإقرار ، فلا يعتبر من قبيل الإقرار الملزم ما يرد علي لسان الشخص تأييد لإدعاءاته من أقوال فيها مصلحة لخصمه ، ما دام لم يقصد من الإدلاء بهذه الأقوال أن يتخذها خصمه دليلاً عليه ، ولا مناقشة فرض جدلي ، ويجب ثانياً أن تكون إرادة المقر عنها والتعبير إما أن يكون صريحاً وهو لا يشترط فيه لفظ معين ، وإما أن يكون ضمنياً وهو الذي يؤخذ استنتجاً كالإقرار بعدم ملكية الشيء يستفاد ضمناً من استئجاره أو من استعارته والإقرار بعدم الوفاء بالدين يستفاد ضمناً من طلب إجراء المقاصة بينه وبين دين أخر أو من الإدعاء بالإبراء منه أو من الدفع بتقادمه والإقرار بصحة توقيع المحرر يستفاد من عدم إنكاره بمجرد المواجهة به ومن مناقشة موضوعه ويري بعض الشراح أنه قد يستفاد التعبير الضمني من مجرد السكوت كما إذا أدعي على شخص بواقعتين فأنكر إحداهما صراحة وسكت عن الأخرى ، وهذا الرأي محل نظر (راجع التعليق على أحكام النقض التي وردت في نهاية المادة 103). إلا أنه لا ينبغي الأخذ بالإقرار الضمني إلا إذا قام عليه دليل يقيني ، كما إذا نكل الخصم عن يمين وجهت إليه دون أن يردها علي خصمه أو نكل عنها بعد أن ردت عليه ( مادة 118 إثبات ) فلا يعتبر إقراراً قيام من تسبب في حادث في علاج من أصيب ولا عرضه مبلغاً على سبيل التصالح ولا إبدائه رغبته في تسوية النزاع ودياً .

والتعبير الصريح إما يكون شفوياً يدلي به الخصم من تلقاء نفسه أو علي أثر استجواب ، وإما أن يكون مكتوباً في ورقة يسلمها المقر إلي المقر له أو في مذكرة يقدمها إلي القضاء أو في إعلان يوجه إلي الخصم .

ويجب ثالثاً أن يكون المقر شخصاً مميزاً للإقرار لأن الإقرار يعتبر بمثابة عمل من أعمال التصرف فيشترط في المقر أن تتوافر له أهلية التصرف في الحق المقر به.

ويجب أخيراً أن يكون تعبير المقر تعبيراً عن إرادة جدية حقيقية لا يشوبها عيب من عيوب الرضا وهي الغلط والتدليس والإكراه فإذا كان المقر مازحاً انتفي قصده الارتباط بالإقرار ، وكذلك إذا كان تعبيره صورياً فإنه لا يعول عليه.

وإذا أقر الشخص تحت تأثير إكراه أو غلط أو تدليس جاز له إبطال إقراره ويكون ذلك بعدوله عنه بعد إثبات ما شاب رضاه من عيب ، أما محل الإقرار فهو الحق المراد إثباته لخصم سواء أكان الإقرار بالحق مباشرة كما إذا أقر شخص لأخر بأنه مدين له بألف جنيه أم كان من طريق الإقرار بالواقعة القانونية التي ترتب عليها هذا الحق . ويذهب رأي إلى أنه يشترط من المقر به أن يكون مشروعاً ورتب أنصاره على ذلك أن الإقرار برباً فاحش و بدین قمار أو ببيع تركة مستقبلية لا يعول عليه ، ولا يجوز أن يكون محل الإقرار حكماً قانونياً في ذاته ، فإذا أقر شخص بأن نصاً معيناً من نصوص القانون ينطبق عليه فلا يلزم القاضي بتطبيق هذا النص عليه لأن تطبيق القانون موكول إليه وهو الذي يتحرى شروط انطباقه بصرف النظر عن إقرار الخصوم بذلك . ويشترط أن يكون المقر به معينا أو قابلاً للتعيين وإلا فلا يصح الإقرار ولا يرتب في ذمة المقر التزامات .

ويترتب على أن الإقرار عمل قانوني أنه ملزم بذاته لا بحكم القاضي ، وأنه لا يلزم غير المقر وخلفه أي أنه حجية قاصرة على المقر لا تتعداه إلى غيره وفي هذا يختلف عن شهادة الشهود فحجبنها متعدية فإذا أقر أحد الورثة لدائن بدين له علي التركة التزم هو وحده بهذا الدين ، أما إذا أثبت الدائن دينه بالبينة ، فإنه يسري في حق جميع الورثة ومعني أن الإقرار عمل إخباري أنه لا ينشئ حقاً جديداً ، وإنما هو إخبار بحدوث واقعة معينة في وقت مضي أو ثبوت حق معين قبل تاريخه ويترتب على ذلك أن الإقرار لا يجوز تعليقه علي شرط أو إضافته إلي أجل لأن التعليق والإضافة إنما يكونان بالنسبة إلى المستقبل والإقرار إخبار عما سبق .

ويعتبر الإقرار قرينة قانونية على حقيقة المقر به ، وهذه القرينة غير قاطعة إذ يجوز لمن تكون له مصلحة في هدمها أن يثبت كذب الإقرار بل يجوز للقاضي ألا يأخذ بالإقرار إذا كان ظاهر الحال يكذبه فلو أقر شخص ببنوة أخر أكبر منه في السن لا يصح إقراره . ومعنى إن الإقرار عمل قانوني من جانب واحد أنه يتم بإرادة واحدة هي إرادة المقر فلا يحتاج إلى قبول من المقر له ومتى صدر التزم به المقر ولم يعد في إمكانه العدول عنه إلا لسبب من الأسباب التي تبطله ولو كان ذلك قبل أن يتمسك به المقر له .

وللمقر له أن يتمسك بالإقرار أو أن يطرحه ويبطل الإقرار إذا طرحه المقر له وكان المقر به حقاً خالصاً له ، فإن تعلق به حق للغير كأن يكون مشتركاً بينه وبين المقر كالإقرار بالشراء أو بالنسب أو بالنكاح أو بالطلاق فلا يرتد برده .

وإذا قبل المقر له الإقرار ثم رده لا يرتد أي أنه يظل قائماً ويجوز للمقر له أن يعود إلى التمسك به لأن المقر به صار بقبول الإقرار ملكاً خالصاً للمقر فلا تزول هذه الملكية بمجرد الرد .

وإذا رد المقر له الإقرار ، لم يعد له حق التمسك به بعد ذلك لأن الإقرار يبطل بالرد ولا يعود له وجود إلا أن يكون الإقرار مما لا يرتد بالرد فيجوز التمسك به بعد رده كالإقرار بالنسب والزواج والطلاق ، فإذا أقرت الزوجة بطلاقها من زوجها نظير مبلغ معين ورد الزوج الإقرار فإنه لا يرتد ويجوز له أن يعود إلي التمسك به وأن يطالبها بالمبلغ الذي أقرت به دون حاجة إلي صدور إقرار جديد منها .

وإذا رد المقر له كل المقر به بطل حكم الإقرار في الكل ، أما إذا رد مقداراً من المقر به لا يبقى حكم الإقرار في المقدار المردود إذا كان هذا المقدار حقاً خالصاً له ويبقي فيما وراءه ويترتب علي أن الإقرار إخبار بأمر وليس إنشاء لحق أنه لا ترد عليه أحكام الفسخ فيؤخذ به ولو كان قد تضمنه عقد قضي بفسخه .

وبالنسبة للسبب فإن الإقرار يكون صحيحاً ولو خلا من ذكر سببه السابق عليه ، لأنه كما ذكرنا عمل إخباري وليس إنشائياً ولأنه ليس ركناً إلا في الإرادة التي يلتزم بها صاحبها أي في العمل المنشئ للالتزام ، فالإقرار - كما عبرت محكمة النقض - لا يكون سبباً لمدلوله ، وإنما هو دليل تقدم الاستحقاق عليه في زمن سابق ، فحكمه ظهور ما أقر به المقر لا ثبوته ابتداء وبذلك يكون الإقرار صحيحاً نافذاً ولو كان خالياً من ذكر سببه السابق ، وإذا ذكر سبباً للحق المقر به وكان هذا السبب مختلفاً عما يدعيه المقر له فإن هذا لا يؤثر في صحة الإقرار اللهم إلا في حالتين . أولاهما : إذا كان السبب الذي ذكر في الإقرار غير مشروع ، كما إذا ذكر أن سبب الدين هو القرض وتبين أنه نتيجة لعب قمار أو علاقة غير مشروعة، والثانية : إذا كان السبب مستحيلاً كما لو أقر بدين زعم أنه اقترضه من شخص وتبين أن هذا الشخص لم يكن قد ولد .

ويجب عدم الخلط بين المحرر المكتوب المعد مقدماً لإثبات تصرف إنشائي وبين الإقرار المكتوب ذلك أن الإقرار كما سبق أن وضحنا هو إخبار بحق سابق فهو كاشف الحق وليس منشئاً له ، ومن ثم له أحكامه الخاصة في الإثبات التي تميزه عن الأدلة الكتابية الأخرى. (التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية،  الجزء الثالث ،  الصفحة : 1277)

ويجوز أن يكون الإقرار الصريح شفوياً يدلي به الخصم في حديث أو مناقشته أو أثناء استجوابه أمام المحكمة ، ويخضع الإقرار الشفوي الذي يصدر خارج مجلس القضاء للقواعد العامة في الإثبات ، أما الإقرار الشفوي الذي يصدر في مجلس القضاء ، فالمفروض أنه يدون في محضر الجلسة وكذلك لا يعتبر إقراراً ضمنياً مجرد رغبة الخصم في تسوية النزاع أو امتناع الخصم عن الأسئلة الموجهة إليه من المحكمة أو من خصمه بشأن الواقعة محل الإستجواب .

وإذا كان الإقرار صوریاً توطأ عليه المقر له إضراراً بحقوق الغير كالدائنين والخلف فيجوز لهؤلاء إثبات صوريته بكافة طرق الإثبات متى أثبتوا ذلك بطل كل أثر للإقرار في حقهم .

وتعتبر إقرارات المورث صحيحة وملزمة لورثته ، ولكن يجوز لهم أن يثبتوا عدم صحتها ، فإذا كان الإقرار الصادر من المورث ينطوي في حقيقته علي وصية قصد بها إيثار بعض الورثة ، فإن ذلك يعتبر احتمالاً علي القانون ويجوز الباقي الورثة أن يقيموا الدليل على ذلك بكافة طرق الإثبات . ويجب أن يصدر الإقرار القضائي من أحد الخصوم في الدعوى کالمدعي عليه أو المدعي ، أو ممن اختصمه أحد الخصوم الدعوى الأصليين ، أما من اختصم المصلحة العدالة بناء علي أمر من المحكمة ومن تلقاء نفسها عملاً بالمادة 118 مرافعات أو من تدخل في الخصومة تدخلاً انضمامياً دون أن يمتد توجيه الطلبات الموضوعية إليه فلا يعتبر إقراره قضائياً ، أما إقرار المتدخل في الدعوى تدخلاً اختصامياً أو هجومياً فهو إقرار قضائي .

ومن يشهد في دعوى أياً كان نوعها لا يؤخذ إقراره فيها باعتباره إقراراً قضائياً . والخصم الذي يطلب الحكم في مواجهته دون أن توجه إليه طلبات ودون أن ينازع في الدعوي لا يعتبر خصماً ، ومن ثم فإن إقراره لا يعد قضائياً .

ومعنى إن الإقرار يعتبر عملاً من أعمال التصرف - مع أنه عمل إخباري ولا ينشأ به الحق - أنه يثبت به على المقر حق لم يكن من قبل ثابتاً فإعطاء دليل الحق غير الثابت يعدل من الناحية العملية إنشاء هذا الحق لذلك يشترط فيه ما يشترط في التصرف في الحق المقر به من أهلية في التصرف فلا يصح إقرار ناقص الأهلية قاصراً كان أو محجوراً عليه ولا يجوز إقرار الوصي أو القيم عمن يكون تحت ولايته إلا إذا حصل على إذن به من محكمة الأحوال الشخصية للولاية على المال في الحدود التي يقرها القانون ، ولا يسري في حق القاصر عن تصرفات سابقة على الوصاية ، ومن ثم فإن إقرار الوصي بدين أو عين علي المتوفي لا ينفذ في حق القاصر ويجوز إقرار الوصي أو القيم بإعمال الإدارة التي أبرمها والتي تدخل في ولايته قانوناً . ولا يجوز للوكيل الإقرار عن موكله إلا إذا كان مفوضاً في ذلك بنص خاص في التوكيل إذ لا يدخل الإقرار في نطاق الوكالة العامة ما لم يكن الإقرار منصباً على عمل من أعمال الإدارة ( م 702 مدني).

وقد اعتبرت محكمة النقض الإقرار الصادر من المحامي في حضور موكله حجة علي الموكل حتى لو كان عقد الوكالة لا يبيح له ذلك الإقرار وأسست قضاءها على أن حضور الموكل بالجلسة وعدم اعتراضه على الإقرار الذي يسنده إليه الوكيل في حضوره يعتبر إقرار من الموكل بهذا التصرف وفق ما صرحت به المادة 79 من قانون المرافعات ( الحكم رقم 7).

ولا يشترط أن يعين في التوكيل بالإقرار نص الإقرار المقر به بل يكفي أن يذكر فيه أن الوكيل مفوض في الإقرار ، وإذا كانت الوكالة خاصة بتصرف معين ولم يذكر فيها الإقرار فيصح إقرار الوكيل بواقعة صدرت منه شخصياً بمقتضى تلك الوكالة وفي حدودها .

وإذا أقر ممثل الشخص المعنوي بصفته بأمر يتعلق بذلك الشخص المعنوي فين إقراره يلزم ذلك الشخص طالما كان صدوره منه في حدود سلطته واختصاصه .

ويترتب علي أن الإقرار بمثابة عمل من أعمال التصرف أنه لا يترتب عليه أثر إلا إذا توافرت فيه شروط إنتاج إثر التصرف المقر به فإذا كان بملكية عقار وتم الإقرار في صورة ورقة عرفية فلا تنتقل به الملكية ولا تصلح سنداً لرفع دعوي تثبيت ملكية لأن الملكية في العقار لا تنتقل إلا بالتسجيل .

وإقرار المريض مرض الموت يأخذ حكم تصرفه أي حكم الوصية فلا ينفذ إلا في ثلث ماله ما لم يجزه الورثة . ولا تشترط أهلية للمقر له إذ يجوز الإقرار حتى للصغير غير المميز والمجنون ولا يستلزم الإقرار قبول المقر له وإنما يرتد برده فقط .

وقد يصدر الإقرار من الخصم تلقائياً سواء كان خارج مجلس القضاء أو في مجلس القضاء ، وسواء كان جواباً على دعوى أو علي دفع يوجه إليه ، ولكن الغالب أن يكون صدوره منه في أثناء مناقشته في مجلس القضاء سواء كان ذلك بناء على طلب خصمه أو بناء علي أمر المحكمة من تلقاء نفسها بأن تستجوبه المحكمة طبقاً لنص المادة 105 من قانون الإثبات .

وقد تبين لنا أثناء خبرتنا بالمحاكم أن استجواب الخصم كثيراً ما يؤدي إلي الحصول علي إقرار منه بالواقعة المدعى بها أو على الأقل الحصول منه على إجابة تجعل المدعى به قريب الاحتمال وتصلح لاعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة وذلك علي سند من أن إثباتها بمحضر الجلسة على لسان ذلك المستجوب يعتبر كتابة صادرة منه ، كما يجوز اعتبار ذلك قرينة من القرائن القوية التي قد تكفي وحدها للحكم بمقتضاه على النحو الذي وضحنا في شرح المادة 100 من هذا المؤلف. وغني عن البيان أن اعتبار ما صدر من المستوجب مبدأ ثبوت بالكتابة على النحو السابق يجوز تكملته بشهادة الشهود أو قرينة من القرائن .

والإقرار القضائي إما أن يكون شفويا يبديه الخصم من نفسه أو علي أثر استجوابه ، وإما أن يكون كتابة في مذكرة أو في أية ورقة يعلنها لخصمه . ويجب أن يتوافر في الإقرار شرطان فضلاً عن الشروط التي سبق ذكرها في المقدمة حتى بعد إقراراً قضائياً ، الأول : أن يكون أمام المحكمة أي في مجلس القضاء ، والثاني: أن يكون في أثناء سير الدعوى الخاصة بالنزاع على ما حصل الإقرار به.

فبالنسبة للشرط الأول يشترط أن يكون الإقرار صادراً من الخصم أمام جهة قضائية أي أمام محكمة أو هيئة محكمين أو محكم ، فالإقرار الذي يقع أمام جهة إدارية كمجلس التأديب أو مأمور القسم أو أمام النيابة الإدارية أو العامة لا يعتبر إقراراً قضائياً .

ويجب أن يكون الإقرار أمام المحكمة أو الجهة أو الهيئة المختصة بنظر النزاع سواء كانت محكمة تتبع جهة القضاء العادي - مدنية أو جنائية - أو محكمة تتبع جهة القضاء الإداري ، كما أنه يجوز الاعتداد بالإقرار القضائي الصادر أمام محكمة الموضوع أو أمام المحكمة المستعجلة ، أو أمام قاضي التنفيذ، أو أمام قاضي التحقيق ، أو أمام محكمة الدرجة الثانية ، وقد ثار الخلاف بين الشراح عما إذا كان يتعين أن يصدر الإقرار أمام محكمة مختصة بنظر الدعوى فذهب معظمهم إلى وجوب ذلك واستثنوا من هذه القاعدة أن يصدر الإقرار أمام محكمة غير مختصة إذا كان الإختصاص لا يتعلق بالنظام العام وقالوا إن الإقرار يكون صحيحاً ورتبوا علي ذلك أنه لا يعتبر إقراراً قضائياً الإقرار الصادر أمام محكمة القضاء الإداري في منازعة من اختصاص القضاء المدني ، أو الإقرار الصادر أمام القاضي الجزئي في نزاع من اختصاص المحكمة الإبتدائية ( السنهوري ، الجزء الثاني ، الطبعة الثانية ص 646 وما بعدها ، والإثبات لمحمد عبد اللطيف ، الجزء الثاني ص 251).

وذهب رأي آخر إلى أنه يشترط حتى يعتبر الإقرار قضائياً أن تكون المحكمة التي صدر أمامها مختصة بنظر الدعوى أو أصبحت مختصة بنظرها لعدم الاعتراض علي اختصاصها في الوقت المناسب بمعنى أنه متى صدر الإقرار صحيحاً في ذاته أمام محكمة ما ، التصقت به الصفة القضائية ، ولو قضت هذه المحكمة بعدئذ بعدم اختصاصها بنظر الدعوى سواء كان عدم اختصاصها متعلقاً بالوظيفة أو اختصاصاً نوعياً أو قيمياً أو محلياً أو ألغي حكمها الصادر باختصاصها بعدئذ وذلك عملاً بالمادة 110 مرافعات التي تقرر أنه إذا قضت المحكمة بعدم اختصاصها وجب عليها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الإختصاص متعلقاً بالولاية ومقتضى ذلك أن الدعوى تحال بما اشتملت عليه من أحكام فرعية أو موضوعية وبما تم فيها من إجراءات إثبات ، وأن جميع هذه الإجراءات يعتد بها أمام المحكمة المختصة المحالة إليها الدعوى وعلي ذلك إذا أقيمت الدعوى أمام محكمة جزئية وصدر فيها إقرار من أحد خصومها ثم قضت المحكمة بعدم اختصاصها قيميا وبإحالتها إلى المحكمة الإبتدائية فإنه يتعين الإعتداد الإقرار السابق علي أنه إقرار قضائي . وهذه القواعد تطبق عند الإحالة للإرتباط أو الإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أخر عملاً بالمادة 112 مرافعات . ( التعليق على نصوص قانون الإثبات للدكتور أبو الوفا ص 267 وما بعدها ، وسليمان مرقص في أصول الإثبات في الطبعة الخامسة ، الجزء الأول ص 635 وما بعدها ).

في تقديرنا أن الرأي الثاني هو الصحيح لأنه يتمشى مع القواعد الأصلية في قانون المرافعات ومع قواعد العدالة .

وإذا قضت محكمة باختصاصها بنظر دعوى صدر فيها إقرار قضائي ، ثم طعن علي حكمها في الموضوع وفي مسألة الاختصاص وألغي من محكمة الطعن وأحيلت الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى المختصة فإن إلغاء الحكم السابق لا يؤثر في صحة الإقرار القضائي الذي تم في الخصومة التي صدر فيها هذا الحكم الذي ألغي بعدئذ .

وإذا صدر إقرار قضائي أمام محكمة الدرجة الأولي فإن هذا الإقرار يلزم محكمة الدرجة الثانية فلا تملك عند استئناف الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولي إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ما يخالف هذا الإقرار غير أن هذا لا يمنعها من إعمال سلطتها عليه على النحو الذي سنقرره غير أنه استثناء من قاعدة الاعتداد بالإقرار القضائي ولو صدر أثناء نظر خصومة لا تختص بها المحكمة التي صدر الإقرار أمامها ، يستثني من ذلك الهيئات القضائية التي أنشأها المشرع بنص خاص واللجان التي جعل لها القانون اختصاصاً قضائياً ، كما هو الشأن في لجان الري والصرف التي أنشأها القانون رقم 12 لسنة 1984 إذ تختص علي سبيل الاستثناء بما خصها به المشرع من منازعات ، وليست لها ولاية القضاء العامة ، وبالتالي فلا يعتبر الإقرار الذي يصدر أمامها قضائياً إلا إذا كان متعلقاً بخصومة قائمة أمامها ومختصة بها من جميع الوجوه ( التعليق على قانون الإثبات الدكتور أبو الوفا ص 268 ).

وفي حالة ما إذا أدلي الخصم بالإقرار أمام المحكمة شفوياً فإنه يجب عليها إثباته بمحضر الجلسة حتى يتسنى لها أن تستند إليه في قضائها وحتى تستطيع محكمة الإستئناف بدورها أن تعمل سلطتها عليه سواء من ناحية صدوره أو من ناحية صحته أو من ناحية تفسيره ، ولكي تستطيع محكمة النقض بدورها أن تراقب محكمة الموضوع في تكييفها له وما إذا كان يعد إقراراً قضائياً أم لا .

ولما كان الإقرار لا يعتبر قضائياً في دعوى أخرى ولو كان بين ذات الخصوم فإن الإقرار القضائي الصادر في الدعوى المستعجلة لا يعتبر قضائياً بصدد ، الدعوى الموضوعية المتعلقة بأصل الحق ولو كانت بين ذات الخصوم لأن دعوي أصل الحق تختلف سبباً وموضوعاً عن الدعوى المستعجلة ، كما أن الإقرار القضائي أمام قاضي الحيازة لا يعتبر قضائياً عند نظر الدعوى المتعلقة بأصل الحق لأنها تختلف موضوعاً وسبباً عن دعوى الحيازة . ( الوسيط للسنهوري ، الجزء الثاني ، الطبعة الثانية ص 646 وما بعدها ).

ويتعين ملاحظة أن عدم الإعتداد بالإقرار بإعتباره قضائياً لتخلف شرط من شروطه لا يحول دون اعتباره إقراراً غير قضائي .

وبالنسبة للشرط الثاني فيشترط أن يصدر الإقرار في خلال إجراءات الدعوى التي يكون الإقرار فيها دليل الإثبات ، فيصح أن يكون في صحيفة الدعوى ذاتها أو في المذكرات التي تليها أو في المذكرات التي يرد بها على الدعوى ، وأكثر ما يقع الإقرار في خلال استجواب تقرره المحكمة ، ويجوز أن يصدر في جلسة من جلسات المرافعة ، أو عند إبداء الطلبات الختامية وقبل إقفال باب المرافعة ، أما الإقرار في خطاب ولو أثناء نظر الدعوى فلا يعتبر إقراراً قضائياً لأنه لا يكفي أن يكون الإقرار أثناء سير الدعوي المتعلقة بالواقعة أو الحق المقر به ، فالإقرار الصادر في دعوى أخرى ولو بين الخصمين وفي نفس الواقعة ليس له قوة الإقرار القضائي ، فإذا تمسك به الخصم المقر له أو الغير في دعوى أخرى كان الإقرار بالنسبة إلي هذه الدعوى الأخرى إقراراً غير قضائي .

ويقبل الإقرار في أية مرحلة تكون عليها الدعوى أمام محكمة الموضوع سواء أمام المحكمة الإبتدائية ، أو أمام المحكمة الاستئنافية ، ولكن لا يقبل من الخصم الإعتراف بالحق المدعي به لأول مرة أمام محكمة النقض لأنها لا تعتبر درجة من درجات التقاضي فليس لها أن تقبل أدلة جديدة .

ولا يشترط لصحة الإقرار القضائي أن يتم في مواجهة المقر له كما لا يشترط لصحته قبول المقر له لأن الإقرار إسقاط وتصرف قانوني يصدر من جانب واحد.

وإذا صدر حكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء صفة المقر له زال عن الإقرار الذي كان قد صدر فيها وصفه - بإعتباره إقراراً قضائياً - ويعد بمثابة إقرار غير قضائي ، غير أنه لا يسقط بسقوط الخصومة في تلك الدعوى عملاً بالمادة 137 مرافعات ، كذلك لا يسقط في جميع الحالات التي تنقضي فيها الخصومة بغير حكم في موضوعها ، كما لو قضى باعتبار الخصومة كأن لم تكن وفق ما تقضي المواد  70 ، 82 ، 99 مرافعات أو بإعتبار المدعي تاركاً دعواه أو المستأنف تاركاً استئنافه طبقاً للمادة 128/ 2 مرافعات .

وإذا فقد المقر له صفته بعد حصول الإقرار ، كما إذا عزل الممثل القانوني للشركة أو عزل ناظر الوقف ، فمن الواجب الإعتداد بالإقرار بإعتباره قضائياً متى كان قد صدر في الوقت الذي كان فيه صاحب صفة .

ويجوز الإقرار بالنسبة لأي حق أياً كان نوعه أو قيمته ولو كانت هذه القيمة تجاوز نصاب اختصاص المحكمة ، ولكنها لا تحكم في النهاية إلا في حدود طلبات الخصوم التي يفترض أنها من اختصاصها وما جاوز حدود طلبات الخصوم من الإقرار يعتبر غير قضائي .

ولا يضير الإقرار أن يأخذ شكلاً آخر كعقد بيع كما لا يضيره عدم تسجيله غير أنه يتعين ملاحظة أن الإقرار لا يجدي فيما يتطلب فيه القانون شكلاً رسمياً کالرهن الرسمي والهبة في العقار.(التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية،  الجزء الرابع ،  الصفحة : 1281)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434ه، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 51 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55 ، 56 ، 57 ، 58

حجية الإقرار :

الإقرار طريق من طرق القضاء.

والأصل في حجيته الكتاب والسنة ، والإجماع ، والمعقول .

أما الكتاب : فقوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ۚ قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ۖ قالوا أقررنا ۚ قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) [آل عمران: 81]. وقوله تعالى: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) [غافر: 11]. وقوله تعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ۚ إن الله غفور رحيم)[التوبة: 102]. وقوله تعالى: (فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير) [الملك: 11]. وقوله تعالى: (وليملل الذي عليه الحق) [البقرة: 282]، وغير ذلك من الآيات الكريمة .

وأما السنة : فيا روي أن ماعزا أقر بالزنا فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الغامدية ، وقال: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها».

وأما الإجماع : فإن الأمة أجمعت على صحة الإقرار .

وأما المعقول : فلأن الإقرار إخبار على وجه ينفي عنه التهمة والريبة ، فإن العاقل لا يكذب على نفسه كذبا يضر بها .

( انظر ابن قدامة ، المغني ج (5) ص (149). وابن القيم ، الطرق الحكمية ، ص (194) وما بعدها . وأحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (121) - (124)) .

ويلاحظ أن قانون الإثبات المصري اقتصر في بيان أحكام الإقرار على مادتين ، وقد رئي في هذا القانون إيراد أحكامه کاملة وفقا للفقه الإسلامي ، مما استوجب علاجه في إحدى عشرة مادة .

(مادة 15) :

الإقرار هو إخبار الإنسان عن ثبوت حق عليه لآخر .

( المادة (1572) من المجلة ، و(129) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، و(408)من القانون المدني المصري ، و(103) من قانون الإثبات المصري ، و(93) - (95) بينات سوري، و(71) إثبات سوداني ، و(461) مدني عراقي).

المذكرة الإيضاحية :

1- هذه المادة تتناول تعريف الإقرار كما هو في الفقه الإسلامي فلم يفرق فيها بين الإقرار في مجلس القضاء والإقرار في غيره ، بخلاف القانون المدني المصري والعراقي، وقانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية المصري الذي اعتبر الإقرار القضائي فقط ؛ إذ عرف الإقرار بأنه: «إعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه، وذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة». (م (408) مدني مصري ، و (103) إثبات مصري) . ذلك أن الإقرار هو «إخبار الإنسان عن حق عليه لآخر»، فالإقرار لا يختلف في طبيعته إذا كان أمام القضاء عنه إذا كان خارج مجلس القضاء ، والفرق بينهما إنما هو في الثبوت وعدمه ، وهذه هي نظرة الفقه الإسلامي إلى الإقرار على الوجه المفصل في مادة أخرى تالية. ( انظر المواد من (1606) إلى (1611) من المجلة. وأحمد إبراهيم، طرق القضاء ص (222)) .

2- ويلاحظ أن الإقرار إعلان عن إرادة ، فيشترط فيه ما يشترط في كل إعلان عن إرادة. ولكن هذه الإرادة إرادة مخبرة وليست منشئة. وأن محل الإقرار حق ، وأن هذا الحق على المقر للغير ؛ لأنه لو كان على غيره لغيره کان شهادة ، ولو كان لنفسه يكون دعوى .( الكنز ، والزيلعي عليه ، (5): (2). وانظر في الخلاف في كونه إخبارا أو إنشاء ، أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (116) - (121)) .

3- وحكمه اللزوم ، وهو نتيجة لإعتبار الإقرار تصرفا ينعقد بإرادة واحدة لا ضرورة للقبول في ترتيب حكمها ، ومؤدى هذا أنه لا يجوز العدول عن الإقرار إلا بسبب خطأ في الواقع؛ لأن الإقرار يخضع للأحكام العامة في عيوب الرضا بإعتباره تعبيرا عن إرادة المقر . (انظر فيها بعدم (25)) .

وهو أبلغ من الشهادة ؛ إذ قول كل أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره. (انظر ابن فرحون، التبصرة، (2): (39)) .

4- وقد أتي بالإقرار في أول مراتب الأدلة إتباعا للفقه الإسلامي . وقد اتبع هذا المسلك التقنين المراكشي ، والبرتغالي بخلاف التقنين المصري الحالي الذي قدم الكتابة على الإقرارات ، والظاهر أن وجه النظر في ذلك أن الدليل الكتابي هو الغالب صورة من صور الإقرار . (انظر أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (9)) .

(مادة 16) :

يكون الإقرار صراحة أو دلالة ، باللفظ أو الكتابة ، وكذا بالإشارة المعهودة من الأخرس الذي لا يعرف الكتابة .

(م (1582) و (1583) و (1586) - (1)، و(1606) من المجلة، و(128) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية).

المذكرة الإيضاحية :

1- تتناول هذه المادة صيغة الإقرار ، فتقرر أنه قد يكون باللفظ أو الكتابة ، وإذا كان المقر أخرس ، فإن كان لا يعرف الكتابة صح إقراره بإشارته المعهودة ؛ لتعينها طريقا لإفهام مراده . أما إن كان يعرف الكتابة فهل يصح تصرفه بإشارته؟

عند الحنفية روايتان : إحداهما : تصح تصرفاته كلها بإشارته مع قدرته على الكتابة . والأخرى : لا تصح تصرفاته بالإشارة إلا إذا كان عاجزا عن الكتابة. وقد اختار الرواية الثانية جمع من المحققين؛ وذلك لأن الكتابة أدل على المراد من الإشارة ، وأبعد عن الإحتمال، فوجب المصير إليها عند المقدرة عليها . وبهذه الرواية أخذت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية في المادة (128) ، فقد نص فيها على أن: «إقرار الأخرس يكون بإشارته المعهودة ، ولا يعتبر إقراره بالإشارة إذا كان يمكنه الإقرار بالكتابة». وهذا أحوط وأبعد عن الشك والإرتباك .

2- وكما يكون الإقرار صراحة بالقول يكون أيضا بطريق الدلالة ، فلو طلب شخص الصلح عن مال كان طلبه هذا إقرارا بذلك المال ، فإذا قال رجل لآخر : لي عليك ألف فأعطني إياه. فقال المطلوب : صالحني على المبلغ المذكور بسبعمائة. مثلا - فإن هذا يكون إقرارا منه بالألف المطلوب. وكذا إذا إستام شيئا أو إستعاره أو إستأجره كان هذا إقرارا منه دلالة بعدم ملكيته له ؛ لأن الإنسان لا يستام ولا يستعير ولا يستأجر ملك نفسه. (أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (130) - (132)).

(مادة 17) :

يشترط في المقر أن يكون عاقلا بالغا مختارا غير محجور عليه ولا يشترط ذلك في المقر له.

(م (1573) و(1575) من المجلة ، و(124) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، و (96) بینات سوري ، و(462) و (463) - (2) مدني عراقي).

المذكرة الإيضاحية :

الإقرار تصرف إخباري يثبت به على المقر حق لم يكن من قبل ثابتا ، ولما كان إعطاء دليل الحق غير الثابت يعدل من الناحية العملية إنشاء هذا الحق ، فإنه يشترط فيه ما يشترط في التصرف في الحق المقربة من أهلية في المتصرف ، وإختيار فيطبق هنا ما يطبق من أحكام في التصرف الإنشائي بالنسبة إلى القاصر ، والوصي ، والمريض مرض الموت ، وغيرهم.

(انظر ابن فرحون ، تبصرة الحكام ، (2/ (41) . وابن قدامة ، المغني ، (5)/ (149) - (151)) .

وعلى ذلك فلا يصح إقرار الصغير والمجنون والمعتوه ، ولو أجازه الوالي لفقدان أهلية الإلتزام بعباراتهم ، ولا يصح على هؤلاء إقرار أوليائهم وأوصيائهم ؛ لأنه إقرار على الغير وهو باطل ، غير أن الصبي المأذون بالتجارة يكون إقراره صحيحا فيما يتعلق بالتجارة ، كإقراره بالبيع وقبض الثمن . ويشترط في المقر أيضا ألا يكون محجورا عليه بما يمنع من نفاذ التصرفات التي أقر بها ، فإن أقر السفيه أو المدين المحجور عليها بمال لشخص ، فإن الإقرار يتوقف حتى يفك الحجر ؛ وذلك لقيام أهلية المقر المصححة لعبارته وقت الإقرار ، غير أنه وجد مانع الحجر ، فإذا زال المانع ظهر أثر الإقرار ، ويشترط أيضا رضا المقر ، فإن أقر وهو مكره فإقراره باطل ، وكذلك إذا كان هازلا في إقراره ، وكذلك السكران على تفصيل (انظر أحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (137) - (140)) ، ولا يشترط ذلك في المقر له (أحمد إبراهيم، طرق القضاء ، ص (142)).

(مادة 18) :

لا يتوقف الإقرار على قبول المقر له ، ولكن يرتد برده.

( م (1580) من المجلة ، و (98) بينات سوري ، و(466) مدني عراقي ) .

المذكرة الإيضاحية :

1- أخذ المشروع بما نص عليه في المجلة ، وقانون البينات السوري ، والقانوني المدني العراقي ، من أن حق المقر له بما تضمنه الإقرار يثبت بوقوع الإقرار فلا يتوقف على قبوله ، ولكن للمقر له أن يرده كلا أو بعضا ، فيزول حكم الإقرار في المردود ولكن لو قبل المقر له الإقرار ثم رده لا يرتد ؛ لأن المقر به صار ملكا خالصا للمقر له ، ونفي الإنسان ملكه عن نفسه عند عدم المنازع لا يصح. نعم ، لو تصادقا على عدم الحق صح، ولو قبله بعد الرد لا يصح ؛ لأن حكم الإقرار يبطل بالرد ، ولكن هذا في الإقرار الذي يرتد بالرد ، لا في الإقرار الذي لا يرتد بالرد كالنسب والنكاح . ( انظر أحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (127) - (130) ) .

2- والإقرار يصح لكل من الحاضر والغائب بلا قبول ، لكنه لازم في حق المقر بالنسبة للحاضر ، فلا يملك الإقرار به لغيره قبل أن يرده ، وغير لازم في حقه بالنسبة للغائب ، فيجوز له أن يقر به لغيره ، وأما المقر له فالإقرار غير لازم في حقه ، سواء أكان حاضرا أم غائبا ، فله أن يرده في الحالتين على ما تقدم. ( أحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (129) - (130) ) .

(مادة 19) :

يصح الإقرار وإن اختلف المقر والمقر له في سبب المقر به .

( م (1581) من المجلة ، و(125) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، و(467) مدني عراقي ) .

المذكرة الإيضاحية :

تقضي هذه المادة بصحة الإقرار ولو اختلف سبب المقر به بين المقر والمقر له ، كأن يقر شخص لآخر بأن عليه ألف جنيه ثمن مبيع ، فيقبل المقر له على أنه هبة ، فيصح الإقرار بالمقر به رغم إختلاف الطرفين في السبب .

( ابن قدامة، المغني (5) : (163) . وأحمد إبراهيم ، طرق القضاء ص (130) ) .

(مادة 20) :

1- الإقرار المعلق بالشرط باطل .

2- ولكن إذا علق بزمان صالح لحلول الأجل في عرف الناس - يحمل على إقراره بالدين المؤجل .

(م (1584) من المجلة) .

المذكرة الإيضاحية :

تقدم أن الإقرار إخبار بحق ثبت في الماضي ، ويترتب على ذلك أنه لا يجوز تعليقه بالشرط أو إضافته إلى أجل ؛ لأن التعليق والإضافة إنما يكونان بالنسبة إلى المستقبل والإقرار - إخبار عما سبق ( أحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (125) ) .

فلو قال أحد لآخر : إذا وصلت المكان الفلاني أو قضيت مصلحتي الفلانية فإني مدين لك بكذا يكون إقراره هذا باطلا ، ولا يلزمه المبلغ المذكور ، لأنه معلق بشرط ، والشرط أمر مستقبل في حين أن الإقرار إخبار عن ماضي ، ولكن إذا قال : إن أتى أول الشهر الفلاني فإني مدين لك بكذا. يحمل على الإقرار بالدين المؤجل ، ويلزمه أداء المبلغ عند حلول ذلك الوقت ؛ لأن الإقرار علق بزمان صالح لحلول الأجل في عرف الناس ، فلا يتعارض مع الإقرار بدين في الماضي . ( انظر شرح م (1584) من المجلة) .

(مادة 21) :

يشترط في الإقرار ألا يكذبه ظاهر الحال .

( م (1577) من المجلة ، (97) بینات سوري ، و(465) مدني عراقي ) .

المذكرة الإيضاحية :

لصحة الإقرار يشترط ألا يكذبه ظاهر الحال ، ويعود للمحكمة تقدير مطابقة الإقرار الظاهر الحال على ما يبدو لها من وقائع الدعوى ، ومن أمثلة ذلك أن يقر أن فلانا أقرضه مبلغ كذا في شهر كذا ، وكان المقر له قد مات قبل ذلك التاريخ فلا شيء يلزمه .

( أحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (140) ) .

(مادة 22) :

1- إذا صدر الإقرار أمام القاضي بمجلس القضاء فهو بذاته حجة على المقر .

2- أما إذا ادعى صدوره في غير مجلس القضاء ، فتطبق عليه القواعد العامة في الإثبات .

( انظر المادة (129) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمواد (93) و(94) و(95) و(99) و (102) سوري ) .

المذكرة الإيضاحية :

1- الإقرار في الفقه الإسلامي هو «إخبار عن ثبوت حق الغير على نفسه». ( الكنز والزيلعي عليه ، (5)/ (2) ، و م (1572) من المجلة ) وليس فيها بين أيدينا من كتب الفقه الإسلامي التفرقة بين الإقرار القضائي وغير القضائي على النحو الموجود في كتب القانون والذي يظهر منها إنحصار التفرقة بينهما في الثبوت فالإقرار أمام القضاء ثابت بمجرده أما الإقرار في غير مجلس القضاء فيحتاج إلى إثباته ومن وسائل الإثبات الشهادة .

( انظر م (129) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، والفتاوی الهندية ، (4) : (167) وابن القيم ، الطرق الحكمية ، ص (194) - (195) ) .

فإذا ثبت الإقرار الحاصل في غير مجلس القضاء كان، والإقرار في مجلس القضاء ذا أثر واحد ؛ ذلك أن الفرق بين الإقرار القضائي وغير القضائي ليس إلا الثقة في جدية الإقرار القضائي ، فإذا ثبتت جدية وصحة الإقرار غير القضائي تعينت المساواة بينهما في أحكامها ؛ فيؤخذ به ، شأنه في ذلك شأن الإقرار القضائي ؛ لإتحادهما في أن كلا منهما «إخبار الإنسان عن حق عليه لآخر»، فالإقرار لا يستمد أثره من صدوره في مجلس القضاء ، وإنها من صدوره من المقر على الوجه الصحيح شرعا .

وهذا يوافق رأيا في القانون (الصدة ، الإثبات ص (184). وسليمان مرقس أصول الإثبات ، ص (109). وانظر السنهوري ، الوسيط ، (2) : (476) وما بعدها . وأحمد نشأت ، الإثبات ، (12) : (49) ) .

2- وقد نص في الفقرة الأولى على أن الإقرار الصادر أمام القضاء حجة بذاته ، بمعنى أنه لا يحتاج إلى دليل آخر لإثباته ، فهو في ذاته حجة قاطعة صدورا عن الثقة في جديته وصحته ما دام صدر أمام القضاء ولكن ذلك لا يمنع من الطعن فيه بأنه غير صحيح ؛ لأنه تواطأ عليه مع خصمه ، أو أنه وقع نتيجة تدليس أو إكراه ، أو أنه صدر منه وهو ناقص الأهلية ، فإذا ثبت ذلك بالطرق الجائزة قانونا بطل الإقرار ، ولا يكون هذا رجوعا في الإقرار ، بل هو إلغاء قرار ظهر بطلانه .

3- وحتى يكون الإقرار قضائيا يشترط أن يصدر أمام القاضي في مجلس القضاء ( م (129) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، وقارن بالمادة (408) مدني مصري ، و(103) إثبات مصري ) .

أما إذا صدر في غير مجلس القضاء فتسري القواعد العامة في الإثبات کشرط الكتابة فيها زاد على عشرين جنيها ، فإذا ثبت صدور الإقرار فعلا واجتمعت له شروط الصحة - كان هذا الإقرار حجة قاطعة ولو أنه غير قضائي ، شأنه من هذه الناحية شأن الإقرار القضائي تماما. قال في التبصرة ((2) : (40) ) : «لو كتب رسالة لرجل غائب : أن لك علي كذا. لزمه. فإن جحد وقامت البينة أنه كتبه أو أملاه لزمه» .

( انظر أحمد إبراهيم ، طرق القضاء، ص (222) - (225) ) .

وقد نص في المادة (129) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أنه : «لا تقبل دعوى الإقرار الصادر قبل قيام الخصومة أو بعدها إلا إذا كان صدوره أمام قاض بمجلس القضاء، أو كان مكتوبا وعليه إمضاء المقر أو ختمه ، أو وجدت كتابة تدل على صحته» . وقد وضعت هذه القيود تقليلا للدعاوى المزورة ، إذ كان الخصم إذا أعيته الحيلة في إثبات الحق الذي يدعيه يدعي على خصمه أنه أقر به أمام شهود ، وشهود الزور كثيرون ، وشهادتهم على الإقرار بالحق أيسر من شهادتهم بنفس الحق ، فوضعت هذه القيود.

( أحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (133) - (134) وص (183) - (184) ) .

ولكن يلاحظ أن إثبات الإقرار غير القضائي يخضع للأحكام العامة في الإثبات ، ومنها أنه لا يجوز الإثبات فيها زاد على قدر معين ( عشرين جنيها ) إلا بالكتابة .

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434ه، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 45 ، 46 ، 47 ، 48

(مادة 14) :

طرق القضاء هي : الإقرار ، والإستجواب ، والشهادة ، والكتابة ، واليمين ، والقرائن ، والمعاينة ، والخبرة.

المذكرة الإيضاحية :

اختلف الفقهاء في بيان أدلة ثبوت الدعوى ( أي: الحجج الشرعية أو طرق القضاء). وقد حصرها البعض في سبعة هي : البينة ، والإقرار ، واليمين ، والنكول ، والقسامة ، وعلم القاضي ، والقرينة القاطعة (الدر، ورد المحتار). وقال في التكملة : والحاصل أن القضاء في الإقرار مجاز (لأن الحق يثبت به بدون حكم ، وإنما يأمره القاضي بدفع ما لزمه بإقراره، وليس لزوم الحق بالقضاء ، فجعل الإقرار من طرق القضاء إنما هو بحسب الظاهر ، وإلا فالحق يثبت به لا بالقضاء)، والقسامة داخلة في اليمين ، وعلم القاضي مرجوح، والقرينة مما انفرد به ابن الفرس ، فرجعت الحجج التي هي أسباب الحكم إلى ثلاث - أي البينة واليمين والنكول .

(انظر أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (7) - (11) و(219) وما بعدها)

وذكر ابن القيم في الطرق الحكمية خمسة وعشرين طريقا ترجع عند النظر، إلى:

القرائن والعلامات الظاهرة، الشهادة، اليمين، النكول، اليد (أي الحيازة)، الإنكار، الإقرار، الخط، القرعة، القافة (أي: الخبرة في أمور النسب).

وذكر ابن فرحون في التبصرة : الشهادة والخط والإقرار والقرائن والقرعة والقافة .

وفي مجلة الأحكام العدلية نجد أن طرق القضاء هي : الإقرار ، والشهادة ، واليمين ، والنكول ، والخط ، والقرينة القاطعة .

وقد ذكرت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم (78) لسنة 1931 في المادة (123) أربعة أدلة ، هي: الإقرار ، والشهادة ، والنكول عن الحلف، والقرينة القاطعة ولكنها تكلمت في الباب الثالث الخاص بالأدلة على الأدلة الخطية (في الفصل الثاني بعد الإقرار) ، ثم على اليمين والنكول (في الفصل السادس) ، وعلى المعاينة (في الفصل السابع) ، وعلى الخبرة في الفصل الثامن) ، كما تكلمت على إستجواب الخصوم (في الفصل السابع من الباب الثاني م (115) وما بعدها) وبذا زادت الأدلة فيها على الأربعة المذكورة في المادة (123) وذلك على خلاف ما ذهب إليه المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم ؛ إذ قال في طرق القضاء (ص (9) - (10)) : «أقول : إن الناظر فيما جاء في اللائحة في حجية الأوراق الرسمية والعرفية ، وفي استجواب الخصوم ومعاينة المحكمة وأهل الخبرة - يراه لا يخرج عن هذه الحجج الثلاث ؛ إذ كله يرجع إلى الإقرار ، وأن الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان ، وهو الذي يجب التعويل عليه كما سيأتي». ولكن بالرجوع إلى المادة (134) من تلك اللائحة نجد أنها نصت على أن الأوراق الرسمية - أكانت سندات أم محررات - تكون حجة على أي شخص كان فيها تدون بها مما لا يدخلها دائما في الإقرار ، وكذلك إستجواب الخصوم ومعاينة المحكمة وأهل الخبرة لا تدخل دائما في الإقرار .

وبالرجوع إلى القوانين العربية الخاصة بالإثبات نجد أنها : الأدلة الكتابية ، والشهادة ، والقرائن ، والإستجواب ، والإقرار ، واليمين ، والمعاينة ، والخبرة .

(م (1) من قانون البينات السوري ، و(11) من قانون الإثبات السوداني ، وقانون الإثبات المصري ، وانظر السنهوري ، الوسيط ، ج (2) ص (89) وما بعدها) .

وإذا ألقينا نظرة فاحصة وجدنا أن طرق إثبات الدعوى ترجع إلى: الإقرار ، والشهادة ، والكتابة ، واليمين ، والنكول ، والقرينة ، والمعاينة ، والخبرة . أما القسامة - وهي خاصة بالقضاء بالدية - فهي يمين. وأما علم القاضي فالفتوى على أنه ليس طريقا للقضاء لفساد الزمان وهو ما أخذ به هذا القانون في المادة (6) منه. وأما القافة فهي خاصة بالنسب وهو من الأحوال الشخصية وخارج عن نطاق هذا القانون .

وقد جرت بعض التقنينات على عدم النص على طرق القضاء بإعتبار أن ذلك من عمل الفقه ، ولكن تقنينات أخرى جرت على النص عليها ، کلائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، وقانون البينات السوري ، وقانون الإثبات السوري ، وقد روعي إتباع نهج التقنينات الأخيرة في هذا القانون زيادة في البيان .

وقد سار القانون على معالجة طرق القضاء بالترتيب الآتي :

1- الإقرار .

2- إستجواب الخصوم .

3- الشهادة .

4 - الكتابة .

5- اليمين .

6- القرائن .

7- المعاينة .

8- الخبرة .

وقد روعي في هذا الترتيب نظرة الفقه الإسلامي من تقديم الإقرار بوصفه أقوى الأدلة ، يليه الإستجواب بوصفه وسيلة للإقرار ، ثم الشهادة ، ويليها الكتابة لأنها في الغالب إما أن تكون إقرارا أو شهادة، ثم اليمين ، وبقية الأدلة .

وقد خصص باب لكل طريق من هذه الطرق .

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / السادس ، الصفحة / 46

إقرار

التعريف

- من معاني الإقرار في اللغة: الاعتراف. يقال: أقر بالحق إذا اعترف به. وأقر الشيء أو الشخص في المكان: أثبته وجعله يستقر فيه.

وفي اصطلاح الفقهاء، الإقرار: هو الإخبار عن ثبوت حق للغير على المخبر، وهذا تعريف الجمهور.

وذهب بعض الحنفية إلى أنه إنشاء، وذهب آخرون منهم إلى أنه إخبار من وجه، وإنشاء من وجه.

والإقرار عند المحدثين والأصوليين هو: عدم الإنكار من النبي صلي الله عليه وسلم على قول أو فعل صدر أمامه. وتنظر أحكامه في مصطلح (تقرير)، والملحق الأصولي.

الألفاظ ذات الصلة:

أ - الاعتراف:

الاعتراف لغة: مرادف للإقرار. يقال: اعترف بالشيء: إذا أقر به على نفسه. وهو كذلك عند الفقهاء.

يقول قاضي زاده: روي في السنة أن النبي صلي الله عليه وسلم « رجم ماعزا بإقراره بالزنا، والغامدية باعترافها »، « وقال في قصة العسيف: واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فأثبت الحد بالاعتراف. فالاعتراف إقرار، وقال القليوبي: إنه تفسير بالمرادف.

ب - الإنكار:

الإنكار: ضد الإقرار. يقال في اللغة: أنكرت حقه: إذا جحدته.

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي (ر: مصطلح: إنكار).

والمنكر في الاصطلاح: من يتمسك ببقاء الأصل.

ج - الدعوى:

الدعوى في الاصطلاح: مباينة للإقرار، فهي قول مقبول عند القاضي يقصد به طلب حق قبل الغير، أو دفع الخصم عن حق نفسه.

د - الشهادة:

الشهادة هي: الإخبار في مجلس الحكم بلفظ الشهادة لإثبات حق للغير على الغير.

فيجمع كلا من الإقرار والدعوى والشهادة أنها إخبارات، والفرق بينها أن الإخبار إن كان عن حق سابق على المخبر ويقتصر حكمه عليه فإقرار، وإن لم يقتصر: فإما ألا يكون للمخبر فيه نفع، وإنما هو إخبار عن حق لغيره على غيره فهو الشهادة، وإما أن يكون للمخبر نفع فيه، لأنه إخبار بحق له، فهو الدعوى.

كما تفترق من ناحية أن الإقرار يصح بالمبهم ويلزم تعيينه.

أما الدعوى بالمبهم فإن كانت بما يصح وقوع العقد عليه مبهما كالوصية فإنها تصح.

وأما الدعوى على المدعى عليه المبهم فلا تصح، ولا تسمع.

وأما الشهادة بالمبهم فإن كان المشهود به يصح مبهما صحت الشهادة به كالعتق والطلاق، وإلا لم تصح، لا سيما الشهادة التي لا تصح بدون دعوى.

الحكم التكليفي:

الأصل في الإقرار بحقوق العباد الوجوب، ومن ذلك: الإقرار بالنسب الثابت لئلا تضيع الأنساب، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم « قال حين نزلت آية الملاعنة: أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه وفضحه الله على رءوس الأولين والآخرين .

وكذلك الإقرار بالحق الذي عليه للغير إذا كان متعينا لإثباته، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

دليل مشروعية الإقرار:

ثبتت حجية الإقرار بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.

أما الكتاب فقوله تعالى: وليملل الذي عليه الحق أمره بالإملال، فلو لم يقبل إقراره لما كان لإملاله معنى.

وقوله تعالي ( بل الإنسان على نفسه بصيرة) أي شاهد كما قاله ابن عباس.

وأما السنة: فما روي أنه عليه الصلاة والسلام « رجم ماعزا والغامدية بإقرارهما »، فإذا وجب الحد بإقراره على نفسه فالمال أولى أن يجب.

وأما الإجماع: فلأن الأمة أجمعت على أن الإقرار حجة قاصرة على المقر، حتى أوجبوا عليه الحدود والقصاص بإقراره، والمال أولى.

وأما المعقول: فلأن العاقل لا يقر على نفسه كاذبا بما فيه ضرر على نفسه أو ماله، فترجحت جهة الصدق في حق نفسه، لعدم التهمة، وكمال الولاية.

أثر الإقرار:

أثر الإقرار ظهور ما أقر به، أي ثبوت الحق في الماضي، لا إنشاء الحق ابتداء، فلو أقر لغيره بمال والمقر له يعلم أن المقر كاذب في إقراره، لا يحل له أخذ المال عن كره منه فيما بينه وبين الله تعالى، إلا أن يسلمه إياه بطيب نفس منه فيكون تمليكا مبتدأ على سبيل الهبة.

وقال صاحب النهاية ومن يحذو حذوه: حكمه لزوم ما أقر به على المقر.

حجية الإقرار:

الإقرار خبر، فكان محتملا للصدق والكذب باعتبار ظاهره، ولكنه جعل حجة لظهور رجحان جانب الصدق فيه، إذ المقر غير متهم فيما يقر به على نفسه.

قال ابن القيم: الحكم بالإقرار يلزم قبوله بلا خلاف.

والأصل أن الإقرار حجة بنفسه، ولا يحتاج لثبوت الحق به إلى القضاء، فهو أقوى ما يحكم به، وهو مقدم على البينة. ولهذا يبدأ الحاكم بالسؤال عنه قبل السؤال عن الشهادة. قال القاضي أبو الطيب: ولهذا لو شهد شاهدان للمدعي ثم أقر المدعى عليه حكم بالإقرار وبطلت الشهادة. ولذا قيل: إنه سيد الحجج.

على أن حجيته قاصرة على المقر وحده لقصور ولاية المقر عن غيره فيقتصر عليه. فلا يصح إلزام أحد بعقوبة نتيجة إقرار آخر بأنه شاركه في جريمته. وهذا ما جرى عليه القضاء في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم . فقد روي أن « رجلا جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال: إنه قد زنى بامرأة - سماها - فأرسل النبي صلي الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال، فأنكرت فحده وتركها.

غير أن هناك بعض حالات لا بد فيها للحكم بمقتضى الإقرار من إقامة البينة أيضا. وهذا إذا ما طلب تعدي الحكم إلى الغير. فلو ادعى شخص على مدين الميت أنه وصيه في التركة، وصدقه المدين في دعوى الوصاية والدين، فإن الوصاية لا تثبت بهذا الإقرار بالنسبة لمدين آخر ينكر الوصاية وإنما يحتاج إلى بينة.

وفي الدر المختار: أحد الورثة أقر بالدين المدعى به على مورثه، وجحده الباقون، يلزمه الدين كله إن وفت حصته من الميراث به، وقيل: لا يلزمه إلا حصته من الدين رفعا للضرر عنه، لأنه إنما أقر بما يتعلق بكل التركة.

وهو قول الشعبي والبصري والثوري ومالك وابن أبي ليلى، واختاره ابن عابدين، ولو شهد هذا المقر مع آخر أن الدين كان على الميت قبلت شهادته، ولا يؤخذ منه إلا ما يخصه.

وبهذا علم أنه لا يحل الدين في نصيبه بمجرد إقراره، بل بقضاء القاضي عليه بإقراره. يقول ابن عابدين: ولو أقر من عنده العين أنه وكيل بقبضها لا يكفي إقراره، ويكلف الوكيل إقامة البينة على إثبات الوكالة حتى يكون له قبض ذلك.

ثم الإقرار حجة في النسب، ويثبت به النسب إلا إذا كذبه الواقع، كأن يقر بنسب من لا يولد مثله لمثله.

سبب الإقرار:

سبب الإقرار كما يقول الكمال بن الهمام: إرادة إسقاط الواجب عن ذمته بإخباره وإعلامه، لئلا يبقى في تبعة الواجب.

ركن الإقرار:

أركان الإقرار عند غير الحنفية أربعة: مقر، ومقر له، ومقر به، وصيغة وذلك لأن الركن عندهم هو ما لا يتم الشيء إلا به، سواء أكان جزءا منه أم لازما له. وزاد بعضهم كما يقول الرملي: المقر عنده من حاكم أو شاهد، وقال: وهذه الزيادة محل نظر، إذ لو توقف تحقق الإقرار على ذلك لزم أنه لو أقر خاليا بحيث لا يسمعه شاهد، ولم يكن أمام قاض، ثم بعد مدة تبين أنه أقر على هذا الوجه في يوم كذا، لم يعتد بهذا الإقرار، لعدم وجود هذا الركن الزائد، وهو ممنوع، ولذا فإنه لا يشترط.

وأما ركن الإقرار عند الحنفية فهو الصيغة فقط، صراحة كانت أو دلالة، وذلك لأن الركن عندهم: ما يتوقف عليه وجود الشيء، وهو جزء من ماهيته.

المقر وما يشترط فيه:

المقر من صدر منه الإخبار عن ثبوت حق للغير على نفسه وتشترط فيه أمور:

الشرط الأول: المعلومية.

أول ما يشترط لاعتبار الإقرار والأخذ به أن يكون المقر معلوما حتى لو قال رجلان: لفلان على واحد منا ألف درهم لا يصح، لأنه إذا لم يكن معلوما لا يتمكن المقر له من المطالبة، وكذلك إذا قال أحدهما: غصب واحد منا، أو زنا، أو سرق، أو شرب، أو قذف، لأن من عليه الحق غير معلوم ويجبران على البيان.

الشرط الثاني: العقل:

ويشترط في المقر أن يكون عاقلا. فلا يصح إقرار الصبي غير المميز والمجنون والمعتوه والنائم والسكران على تفصيل يأتي بيانه.

إقرار المعتوه:

لا يصح إقرار المعتوه ولو بعد البلوغ، لأن حكمه حكم الصبي المميز، فلا يلتزم بشيء فيه ضرر إلا إذا كان مأذونا له فيصح إقراره بالمال، لكونه من ضرورات التجارة: كالديون، والودائع، والعواري، والمضاربات، والغصوب، فيصح إقراره. لالتحاقه في حقها بالبالغ العامل. بخلاف ما ليس من باب التجارة: كالمهر، والجناية، والكفالة، حيث لا يصح إقراره بها لأنها لا تدخل تحت الإذن.

إقرار النائم والمغمى عليه:

النائم والمغمى عليه إقرارهما كإقرار المجنون، لأنهما حال النوم والإغماء ليسا من أهل المعرفة والتمييز، وهما شرطان لصحة الإقرار.

إقرار السكران:

السكران من فقد عقله بشرب ما يسكر، وإقرار السكران جائز بالحقوق كلها إلا الحدود الخالصة، والردة بمنزلة سائر التصرفات. وهذا عند الحنفية والمزني من الشافعية وأبي ثور إذا كان سكره بطريق محظور، لأنه لا ينافي الخطاب، إلا إذا أقر بما يقبل الرجوع كالحدود الخالصة حقا لله تعالى، لأن السكران يكاد لا يثبت على شيء فأقيم السكر مقامه فيما يحتمل الرجوع فلا يلزمه شيء.

وإن سكر بطريق غير محرم، كمن شرب المسكر مكرها لا يلزمه شيء، وكذا من شرب ما لا يعلم أنه مسكر فسكر بذلك.

وقال المالكية: إن السكران لا يؤاخذ بإقراره، لأنه وإن كان مكلفا إلا أنه محجور عليه في المال. وكما لا يلزمه إقراره - لا تلزمه العقود، بخلاف جناياته فإنها تلزمه.

وقال جمهور الشافعية: إقرار السكران صحيح، ويؤاخذ به في كل ما أقر به، سواء وقع الاعتداء فيها على حق الله سبحانه أو على حق العبد، لأن المتعدي بسكره يجب أن يتحمل نتيجة عمله، تغليظا عليه وجزاء لما أقدم عليه وهو يعلم أنه سيذهب عقله.

أما من تغيب عقله بسبب يعذر فيه فلا يلزم بإقراره، سواء أقر بما يجب فيه الحد حقا لله خالصا أو ما فيه حق العبد أيضا.

وكذا فإنه لا يصح إقرار السكران في رواية عند الحنابلة، قال ابن منجا: إنها المذهب وجزم به في الوجيز وغيره. وجاء في أول كتاب الطلاق عند الحنابلة أن في أقوال السكران وأفعاله خمس روايات أو ستة، وأن الصحيح في المذهب: أنه مؤاخذ بعبارته.

إقرار السفيه:

السفيه بعد الحجر عليه لا يصح إقراره بالمال، لأنه من التصرفات الضارة المحضة من حيث الظاهر، وإنما قبل الإقرار من المأذون للضرورة.

وإذا بلغ الصبي سفيها أو ذا غفلة وحجر عليه بسبب ذلك أو اعتبر محجورا عليه فإنه في تصرفاته المالية الضارة يأخذ حكم الصبي المميز، فإذا تزوج وأقر بأن المهر الذي قرره لها أكثر من مهر المثل فالزيادة باطلة، وهكذا فإن القاضي يرد كل تصرفاته المالية الضارة.

وعلى القول بأن الحجر عليه لا بد من الحكم به ولا يكون تلقائيا بسبب السفه فإن السفيه المهمل - أي الذي لم يحجر عليه - يصح إقراره.

ونص الشافعية على أنه لا يصح إقراره بنكاح، ولا بدين أسند وجوبه إلى ما قبل الحجر، أو إلى ما بعده، ولا يقبل إقراره بعين في يده في حال الحجر، وكذا بإتلاف مال الغير، أو جناية توجب المال في الأظهر. وفي قول عندهم يقبل، لأنه إذا باشر الإتلاف يضمن، فإذا أقر به قبل إقراره، ويصح إقراره بالحد والقصاص لعدم تعلقهما بالمال، وسائر العقوبات مثلهما لبعد التهمة، ولو كان الحد سرقة قطع، ولا يلزمه المال.

وذكر الأدمي البغدادي من الحنابلة: أن السفيه إن أقر بحد أو قود أو نسب أو طلاق لزم - ويتبع به في الحال - وإن أقر بمال أخذ به بعد رفع الحجر عنه.

والصحيح من مذهب الحنابلة: صحة إقرار السفيه بالمال سواء لزمه باختياره أو لا، ويتبع به بعد فك الحجر عنه، وقيل: لا يصح مطلقا، وهو احتمال ذكره ابن قدامة في المقنع في باب الحجر، واختاره هو والشارح.

الشرط الثالث البلوغ.

أما البلوغ فإنه ليس بشرط لصحة الإقرارفيصح إقرار الصبي العاقل المأذون له بالدين والعين، لأن ذلك من ضرورات التجارة، ويصح إقراره في قدر ما أذن له فيه دون ما زاد، ونص الحنابلة على أنه المذهب وعليه جمهور الأصحاب، وهو قول أبي حنيفة.

وقال الشافعي: لا يصح إقراره بحال لعموم الخبر: « رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ ولأنه لا تقبل شهادته، وفي قول عند الحنابلة: إنه لا يصح إقرار المأذون له إلا في الشيء اليسير. إلا أنه لا يصح إقرار المحجور عليه، لأنه من التصرفات الضارة المحضة من حيث الظاهر. ويقبل إقرار الصبي ببلوغه الاحتلام في وقت إمكانه، إذ لا يمكن معرفة ذلك إلا من جهته، وكذا ادعاء الصبية البلوغ برؤية الحيض ولو ادعى البلوغ بالسن قبل ببينة، وقيل: يصدق في سن يبلغ في مثلها، وهي تسع سنين، وقيل: عشر سنين، وقيل: اثنتا عشرة سنة، ويلزمه بهذا البلوغ ما أقر به.

وأفتى الشيخ تقي الدين: فيمن أسلم أبوه، فادعى أنه بالغ، بأنه إذا كان لم يقر بالبلوغ إلى حين الإسلام فقد حكم بإسلامه قبل الإقرار بالبلوغ. وذلك بمنزلة ما إذا ادعت انقضاء العدة بعد أن ارتجعها، وقال: هذا يجيء في كل من أقر بالبلوغ بعد حق ثبت في حق الصبي، مثل الإسلام، وثبوت أحكام الذمة تبعا لأبيه.

الشرط الرابع: فهم المقر لما يقر به.

لا بد للزوم الإقرار واعتباره - أن تكون الصيغة مفهومة للمقر فلو لقن العامي كلمات عربية لا يعرف معناها لم يؤاخذ بها، لأنه لما لم يعرف مدلولها يستحيل عليه قصدها، لأن العامي - غير المخالط للفقهاء - يقبل منه دعوى الجهل بمدلول كثير من ألفاظ الفقهاء، بخلاف المخالط فلا يقبل منه فيما لا يخفى على مثله معناه. وبالأولى لو أقر العربي بالعجمية أو العكس وقال: لم أدر ما قلت، صدق بيمينه، لأنه أدرى بنفسه، والظاهر معه.

الشرط الخامس: الاختيار.

ويشترط في المقر الاختيار، مدعاة للصدق، فيؤاخذ به المكلف بلا حجر، أي حال كونه غير محجور عليه. فإذا أقر الحر البالغ العاقل طواعية بحق لزمه. وقال الحنابلة: إنه يصح من مكلف مختار بما يتصور منه التزامه، بشرط كونه بيده وولايته واختصاصه، ولو على موكله أو مورثه أو موليه.

الشرط السادس: عدم التهمة.

ويشترط في المقر لصحة إقراره أن يكون غير متهم في إقراره، لأن التهمة تخل برجحان الصدق على جانب الكذب في إقراره، لأن إقرار الإنسان على نفسه شهادة. قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم والشهادة على نفسه إقرار. والشهادة ترد بالتهمة ومن أمثلته: ما لو أقر لمن بينه وبينه صداقة أو مخالطة.

وممن يتهم في إقراره المدين المحجور عليه، لإحاطة الدين بماله الذي حجر عليه فيه، وهو ما يعبر عنه بالمفلس.

بل صرح المالكية أن هذا القيد - ألا يكون متهما - إنما يعتبر في المريض ونحوه والصحيح المحجور عليه، لإحاطة الدين بماله الذي حجر عليه فيه.

والصحيح: أن المفلس بالنسبة لما فلس فيه متهم في إقراره، فلا يقبل إقراره لأحد، حيث كان الدين الذي فلس فيه ثابتا بالبينة، لأنه متهم على ضياع مال الغرماء، ولا يبطل الإقرار، بل هو لازم يتبع به في ذمته، ويؤاخذ به المقر فيما يجد له من مال فقط، ولا يحاص المقر له الغرماء بالدين الذي أقر له به المفلس.

ونقل القاضي عن الإمام أحمد أن المفلس إذا أقر، وعليه دين ببينة، يبدأ بالدين الذي بالبينة، لأنه أقر بعد تعلق الحق بتركته، فوجب ألا يشارك المقر له من ثبت دينه ببينة، كغريم المفلس الذي أقر له بعد الحجر عليه، وبهذا قال النخعي والثوري وأصحاب الرأي.

وفصل الشافعية، فقالوا: لو أقر المفلس بعين أو دين وجب قبل الحجر، فالأظهر قبوله في حق الغرماء لانتفاء التهمة الظاهرة، وقيل: لا يقبل إقراره في حق الغرماء، لئلا يضرهم بالمزاحمة، ولأنه ربما واطأ المقر له.

وإن أسند وجوبه إلى ما بعد الحجر لم يقبل في حقهم، بل يطالب بعد فك الحجر. ولو لم يسند وجوبه إلى ما قبل الحجر ولا لما بعده، فقياس المذهب - على ما قاله الرافعي - تنزيله على الأقل، وهو جعله كالمسند إلى ما بعد الحجر.

إقرار المريض مرض الموت:

وممن يتهم في إقراره: المريض مرض موت في بعض الحالات على ما سنبينه في مصطلح (مرض الموت) وإن كان الأصل أن المرض ليس بمانع من صحة الإقرار في الجملة.

إذ الصحة ليست شرطا في المقر لصحة إقراره، لأن صحة إقرار الصحيح برجحان جانب الصدق، وحال المريض أدل على الصدق، فكان إقراره أولى بالقبول غير أن المالكية نصوا على أن من أقر بشيء في صحته: بشيء من المال، أو الدين، أو البراءات، أو قبض أثمان المبيعات، فإقراره عليه جائز، لا تلحقه فيه تهمة، ولا يظن فيه توليج، والأجنبي والوارث في ذلك سواء، وكذا القريب والبعيد والعدو والصديق.

ويقول الحطاب: من أقر بشيء في صحته لبعض ورثته، قدم المقر له بعد موت المقر، ويقيم البينة على الإقرار. قال ابن رشد: هذا هو المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، المشهور في المذهب. ووقع في المبسوط لابن كنانة والمخزومي وابن أبي حازم ومحمد بن مسلمة أنه لا شيء له، وإن أقر له في صحته إذا لم يقم عليه بذلك بينة حتى هلك إلا أن يعرف سبب ذلك، فإن عرف ذلك فبها وإلا فإذا لم يعرف له سبب فلا شيء له، لأن الرجل يتهم أن يقر بدين في صحته لمن يثق به من ورثته على ألا يقوم به حتى يموت. وقيل: إنه نافذ ويحاص به الغرماء في الفلس، وهو قول ابن القاسم في المدونة والعتبية، وقال ابن رشد: لا يحاص به على قول ابن القاسم إن ثبت ميله إليه إلا باليمين، واختار ابن رشد إبطال الإقرار بالدين مراعاة لقول المدنيين.

وعلى هذا فإقرار المريض مرض موت بالحد والقصاص مقبول اتفاقا، وكذا إقراره بدين لأجنبي فإنه ينفذ من كل ماله ما لم يكن عليه ديون أقر بها في حال صحته عند الحنفية والمالكية والشافعية، وأصح الروايات عند الحنابلة، وهو المذهب عندهم، وجزم به في الوجيز، لأنه لم يتضمن إبطال حق الغير وكان المقر له أولى من الورثة، لقول عمر: إذا أقر المريض بدين جاز ذلك عليه في جميع تركته، ولأن قضاء الدين من الحوائج الأصلية، وحق الورثة يتعلق بالتركة بشرط الفراغ. وفي رواية عند الحنابلة: أنه لا يقبل، وفي رواية أخرى عندهم لا يصح بزيادة على الثلث.

قال ابن قدامة: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرار المريض في مرضه لغير وارث جائز، وحكى أصحابنا رواية أخرى أنه لا يقبل، لأنه إقرار في مرض الموت أشبه الإقرار لوارث. وقال أبو الخطاب في رواية أخرى: إنه لا يقبل إقراره بزيادة على الثلث، لأنه ممنوع من عطية ذلك الأجنبي، كما هو ممنوع من عطية الوارث، فلا يصح إقراره بما لا يملك عطيته بخلاف الثلث فما دون. والمقصود بالأجنبي هنا أن يكون غير وارث في المقر فيشمل القريب غير الوارث. ويصرح المالكية بذلك فيقولون: إن أقر لقريب غير وارث كالخال أو لصديق ملاطف أو مجهول حاله - لا يدرى هل هو قريب أم لا - صح الإقرار إن كان لذلك المقر ولد وإلا فلا، وقيل: يصح.

وأما لو أقر لأجنبي غير صديق كان الإقرار لازما كان له ولد أم لا وقال الشافعية: للوارث تحليف المقر له على الاستحقاق.

وأما إقرار المريض لوارث فهو باطل إلا أن يصدقه الورثة أو يثبت ببينة عند الحنفية والمذهب عند الحنابلة، وفي قول للشافعية. وعند المالكية:

إن كان متهما في إقراره كأن يقر لوارث قريب مع وجود الأبعد أو المساوي كمن له بنت وابن عم فأقر لابنته لم يقبل وإن أقر لابن عمه قبل، لأنه لا يتهم في أنه يزري ابنته ويوصل المال إلى ابن عمه. وعلة منع الإقرار التهمة، فاختص المنع بموضعها.

وأطال المالكية في تصوير ذلك والتفريع عليه.

وقالوا: من مرض بعد الإشهاد في صحته لبعض ولده فلا كلام لبقية أولاده إن كتب الموثق أن الصحيح قبض من ولده ثمن ما باعه له، فإن لم يكتب فقيل: يحلف مطلقا. وقيل: يحلف إن اتهم الأب بالميل إليه.

قال المواق لا يقبل إقرار المريض لمن يتهم عليه. وسئل المازري عمن أوصى بثلث ماله، ثم اعترف بدنانير لمعين: فأجاب إن اعترف في صحته حلف المقر له يمين القضاء.

واستدل القائلون ببطلان الإقرار بما روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: « لا وصية لوارث، ولا إقرار له بالدين وبالأثر عن ابن عمر أنه قال: إذا أقر الرجل في مرضه بدين لرجل غير وارث فإنه جائز وإن أحاط بماله، وإن أقر لوارث فهو باطل إلا أن يصدقه الورثة. وقول الواحد من فقهاء الصحابة مقدم على القياس. ولم يعرف لابن عمر في ذلك مخالف من الصحابة فكان إجماعا، ولأنه تعلق حق الورثة بماله في مرضه، ولهذا يمنع من التبرع على الوارث أصلا، ففي تخصيص البعض به إبطال حق الباقين.

وفي كتب الحنابلة: لو أقرت المرأة بأنها لا مهر لها على زوجها لم يصح، إلا أن يقيم بينة أنها أخذته.

إقرار المريض بالإبراء:

إذا أقر المريض أنه أبرأ فلانا من الدين الذي عليه في صحته لا يجوز، لأنه لا يملك إنشاء الإبراء للحال، فلا يملك الإقرار به، بخلاف الإقرار باستيفاء الدين، لأنه إقرار بقبض الدين، وأنه يملك إنشاء القبض فيملك الإخبار عنه بالإقرار وهذا مذهب الحنفية. ويقرب منهم الشافعية إذ يقولون: إذا أبرأ المريض مرض الموت أحد مديونيه، والتركة مستغرقة بالديون، لم ينفذ إبراؤه لتعلق حق الغرماء بينما يقول المالكية في باب الإقرار: وإن أبرأ إنسان شخصا مما قبله أو أبرأه من كل حق له عليه، أو أبرأه وأطلق برئ مطلقا مما في الذمة وغيرها معلوما أو مجهولا. وهذه العبارة بإطلاقها شاملة للمريض وللصحيح، وشاملة للإبراء من دين الصحة وغيره.

الركن الثاني: المقر له، وما يشترط فيه:

المقر له من يثبت له الحق المقر به، ويحق له المطالبة به أو العفو عنه.

واشترط الفقهاء فيه ما يأتي:

الشرط الأول: ألا يكون المقر له مجهولا:

فلا بد أن يكون معينا، بحيث يمكن أن يطالب به، ولو كان حملا. كأن يقول: علي ألف لفلان، أو علي ألف لحمل فلانة، وسيأتي تفصيل الإقرار للحمل. أو يكون مجهولا جهالة غير فاحشة، كأن يقول: علي مال لأحد هؤلاء العشرة، أو لأحد أهل البلد، وكانوا محصورين عند الشافعية، والناطفي وخواهر زاده من الحنفية.

الإقرار مع جهالة المقر له:

أجمع الفقهاء على أن الجهالة الفاحشة بالمقر له لا يصح معها الإقرار، لأن المجهول لا يصلح مستحقا، إذ لا يجبر المقر على البيان، من غير تعيين المستحق، فلا يفيد الإقرار شيئا.

وأما إذا كانت الجهالة غير فاحشة بأن قال: علي ألف لأحد هذين أو لأحد هؤلاء العشر: أو لأحد أهل البلد وكانوا محصورين، فهناك اتجاهان:

الأول: ما ذهب إليه الشافعية، وهو ما اختاره الناطفي وخواهر زاده من الحنفية. أن هذا الإقرار صحيح، لأنه قد يفيد وصول الحق إلى المستحق بتحليف المقر لكل من حصرهم، أو بتذكره، لأن المقر قد ينسى، وهو ما يفهم من مغني ابن قدامة، لأنه مثل بالجهالة اليسيرة.

والثاني: ما ذهب إليه جمهور الحنفية، وهو ما اختاره السرخسي: من أن أي جهالة تبطل الإقرار، لأن المجهول لا يصلح مستحقا، ولا يجبر المقر على البيان، من غير تعيين المدعي.

 

الشرط الثاني: أن تكون للمقر له أهلية استحقاق المقر به حسا وشرعا:

فلو أقر لبهيمة أو دار، بأن لها عليه ألفا وأطلق لم يصح الإقرار، لأنهما ليسا من أهل الاستحقاق.

أما لو ذكر سببا يمكن أن ينسب إليه، كما لو قال: علي كذا لهذه الدابة بسبب الجناية عليها، أو لهذه الدار بسبب غصبها أو إجارتها، فالجمهور على أن هذا الإقرار صحيح، ويكون الإقرار في الحقيقة لصاحب الدابة أو الدار وقت الإقرار وهو اختيار المرداوي، كما جزم به صاحب الرعاية، وابن مفلح في الفروع من الحنابلة. لكن جمهور الحنابلة على أن هذا الإقرار لا يصح، لأن هذا الإقرار وقع للدار وللدابة، وهما ليستا من أهل الاستحقاق.

الإقرار للحمل:

إن أقر لحمل امرأة عينها بدين أو عين فقال: علي كذا، أو عندي كذا لهذا الحمل وبين السبب فقال: بإرث أو وصية، كان الإقرار معتبرا ولزمه ما أقر به لإمكانه. وكان الخصم في ذلك ولي الحمل عند الوضع، إلا إذا تم الوضع لأكثر من أربع سنين - من حين الاستحقاق مطلقا - التي هي أقصى مدة الحمل - كما يرى فريق من الفقهاء - أو لستة أشهر فأكثر - التي هي أقل مدة الحمل - وهي فراش لم يستحق، لاحتمال حدوث الحمل بعد الإقرار. ولا يصح الإقرار إلا لحمل يتيقن وجوده عند الإقرار ، ويكون ذلك بما إذا وضعته لأقل من ستة أشهر، أو لأكثر من ذلك إلى سنتين عند الحنفية، وإلى أربعة عند الشافعية. وينص المالكية: ولزم الإقرار للحمل، وإن كان الإقرار أصله وصية فله الكل، وإن كان بالإرث من الأب - وهو ذكر - فكذلك، وإن كان أنثى فلها النصف، وإن ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما بالسوية إن أسنده إلى وصية، وأثلاثا إن أسنده إلى إرث، إلا إذا كانت جهة التوريث يستوي فيها الذكر والأنثى كالإخوة لأم، وإن أسند السبب إلى جهة لا تمكن في حقه كقوله: باعني شيئا فلغو للقطع بكذبه، وعند الشافعية قول بغير ذلك.

وإن أطلق الإقرار ولم يسنده إلى شيء صح عند الحنابلة، لإطلاقهم القول بصحة الإقرار بحال حمل امرأة، لجواز أن يكون له وجه. وقال أبو الحسن التميمي: لا يصح إلا أن يسنده إلى سبب من إرث أو وصية، وقيل: لا يصح مطلقا. قال في النكت: ولا أحسب هذا قولا في المذهب.

وصح في الأظهر عند الشافعية، ويحمل على الممكن في حقه، صونا لكلام المكلف عن الإلغاء ما أمكن. وفي قول عند الشافعية: لا يصح، إذ المال لا يجب إلا بمعاملة أو جناية، وهما منتفيان في حقه، فحمل الإطلاق على الوعد. وقال أبو يوسف من الحنفية: إن أجمل الإقرار لا يصح، لأن الإقرار المبهم يحتمل الصحة والفساد، لأنه إن كان يصح بالحمل على الوصية والإرث فإنه يفسد بالحمل على البيع والغصب والقرض، كما أن الحمل في نفسه محتمل الوجود والعدم، والشك من وجه واحد يمنع صحة الإقرار ، فمن وجهين أولى. وقال محمد: يصح حملا لإقرار العاقل على الصحة.

ولو انفصل الحمل ميتا فلا شيء على المقر للحمل أو ورثته، للشك في حياته وقت الإقرار . فيسأل القاضي المقر حسبة عن جهة إقراره من إرث أو وصية ليصل الحق لمستحقه. وإن مات المقر قبل البيان بطل. وإن ألقت حيا وميتا جعل المال للحي.

الإقرار للميت:

لو قال: لهذا الميت علي كذا فذلك إقرار صحيح، وهو إقرار في الحقيقة للورثة يتقاسمونه قسمة الميراث، لكن إن كان المقر له حملا ثم سقط ميتا بطل الإقرار، إن كان سبب الاستحقاق ميراثا أو وصية، ويرجع المال إلى ورثة المورث، أو ورثة الموصي.

الإقرار بالحمل:

نص الحنفية: على أن من أقر لرجل بحمل فرس أو حمل شاة فإن إقراره صحيح ولزمه ما أقر به، لأن له وجها صحيحا وهو الوصية بالحمل، بأن تكون الفرس أو الشاة لواحد، وأوصى بحملها لرجل، ومات والمقر وارثه، وقد علم بوصية مورثه.

الإقرار للجهة:

الأصل أنه يصح الإقرار لمن كان لديه أهلية مالية أو استحقاق كالوقف والمسجد، فيصح الإقرار لهما على نفسه بمال له، ويصرف في إصلاحه وبقاء عينه، كأن يقول ناظر على مسجد أو وقف: ترتب في ذمتي مثلا للمسجد أو للوقف كذا . فإن الإقرار لهذا ومثله كالطريق والقنطرة والسقاية، يصح، ولو لم يذكر سببا، كغلة وقف أو وصية، لأنه إقرار من مكلف مختار فلزمه، كما لو عين السبب، ويكون لمصالحها، فإذا أسنده لممكن بعد الإقرار صح. وفي وجه عند الحنابلة ذكره التميمي: أن الإقرار للمسجد ونحوه من الجهات لا يصح إلا مع ذكر السبب.

الشرط الثالث: ألا يكذب المقر في إقراره:

يشترط الفقهاء لصحة الإقرار ألا يكذب المقر له المقر فيما أقر به، فإن كذبه بطل إقراره لأن الإقرار مما يرتد بالرد إلا في بعض مسائل: منها الإقرار بالحرية والرق والنسب وولاء العتاقة والوقف والطلاق والميراث والنكاح وإبراء الكفيل وإبراء المدين بعد قوله: أبرئني. فلو قال المقر له للمقر: ليس لي عليك شيء، أو لا علم لي، واستمر التكذيب فلا يؤاخذ بإقراره.

والتكذيب يعتبر من بالغ رشيد.

ونص الشافعية على أنه إن كذب المقر له المقر وكان قد أقر له بعين - ترك المال المقر به في يد المقر في الأصح، لأن يده مشعرة بالملك ظاهرا، والإقرار بالطارئ عارضه التكذيب فسقط، فتبقى يده على ما معه يد ملك لا مجرد استحفاظ. ويقابل الأصح أن الحاكم ينزعه منه ويحفظه إلى ظهور مالكه. وإذا ادعى المقر له جنسا آخر بعد أن كذب المقر حلف المقر.

أما إذا أقر المقر بشيء ثم ادعى أنه كاذب في إقراره حلف المقر له أو وارثه على المفتى به - عند الحنفية - أن المقر لم يكن كاذبا في إقراره. وقيل: لا يحلف، وفي جامع الفصولين: أقر فمات فقال ورثته: إنه أقر كاذبا فلم يجز إقراره، والمقر له عالم به ليس لهم تحليفه، إذ وقت الإقرار لم يتعلق حقهم بمال المقر فصح الإقرار، وحيث تعلق حقهم صار حقا للمقر له.

 

الركن الثالث: المقر به:

المقر به في الأصل نوعان: حق الله تعالى، وحق العبد. وحق الله تعالى نوعان: حق خالص لله، وحق لله فيه حق وللعبد أيضا.

ولصحة الإقرار بحق الله شروط هي: تعدد الإقرار ، ومجلس القضاء، والعبارة. حتى إن الأخرس إذا كتب الإقرار فيما هو حق الله بيده، أو بما يعرف أنه إقرار بهذه الأشياء يجوز، بخلاف الذي اعتقل لسانه، لأن للأخرس إشارة معهودة فإذا أتى بها يحصل العلم بالمشار إليه، وليس ذلك لمن اعتقل لسانه، ولأن إقامة الإشارة مقام العبارة أمر ضروري، والخرس ضرورة لأنه أصلي، وكذلك فإنه لا يشترط لصحة الإقرار بحق الله تعالى الصحو حتى يصح إقرار السكران، وفي ذلك كله تفصيل وخلاف مبين في الحدود، وعند الكلام عن حق الله تعالى.

وأما حق العبد فهو المال، من العين والدين والنسب والقصاص والطلاق والعتاق ونحوها، ولا يشترط لصحة الإقرار بها ما يشترط لصحة الإقرار بحقوق الله تعالى. فهي تثبت مع الشبهات، بخلاف حقوق الله تعالى.

والشرائط المختصة بحقوق العباد نوعان: نوع يرجع إلى المقر له، وهو أن يكون معلوما على ما سبق، ونوع يرجع إلى المقر به، فيشترط لصحة الإقرار بالعين والدين الفراغ عن تعلق حق الغير.

فإن كان مشغولا بحق الغير لم يصح، لأن حق الغير معصوم محترم، فلا يجوز إبطاله من غير رضاه، فلا بد من معرفة وقت التعلق.

ولما كان الإقرار إخبارا عن كائن، وذلك قد يكون معلوما وقد يكون مجهولا، فإن جهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار بغير خلاف. فلو أتلف على آخر شيئا ليس من ذوات الأمثال فوجبت عليه قيمته، أو جرح آخر جراحة ليس لها في الشرع أرش مقدر فأقر بالقيمة والأرش، فكان الإقرار بالمجهول إخبارا عن المخبر عنه على ما هو به. ويجبر على البيان لأنه هو المجمل، فكان البيان عليه، قال الله تعالى: فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ويصح بيانه متصلا ومنفصلا، لأنه بيان محض فلا يشترط فيه الوصل.

لا بد أن يبين شيئا له قيمة، لأنه أقر بما في ذمته، وما لا قيمة له لا يثبت في الذمة، وإذا بين شيئا له قيمة فإن صدقه المقر له وادعى عليه زيادة، أخذ ذلك القدر المعين، وأقام البينة على الزيادة، وإلا حلفه عليها إن أراد، لأنه منكر للزيادة، والقول قول المنكر مع يمينه، وإن كذبه وادعى عليه مالا آخر أقام البينة، وإلا حلفه عليه، وليس له أن يأخذ ما عينه، لأنه أبطل إقراره بالتكذيب.

وعلى هذا فإذا قال: لفلان علي مال، يصدق في القليل والكثير؛ لأن المال اسم ما يتمول، وهذا يقع على القليل والكثير، ويصح بيانه متصلا ومنفصلا. وبهذا قال الحنفية والشافعية والحنابلة. ونقل ابن قدامة عن أبي حنيفة أنه لا يقبل تفسيره بغير المال الزكوي، وأن بعض أصحاب مالك حكوا عنه ثلاثة أوجه: أحدها كغير المالكية، والثاني: لا يقبل إلا أول نصاب من نصب الزكاة من نوع أموالهم، والثالث: ما يقطع فيه السارق ويصح مهرا .

ويقول الزيلعي: لم يصدق في أقل من درهم؛ لأن ما دونه لا يطلق عليه اسم المال عادة وهو المعتبر.

ولو قال: له علي مال عظيم فالواجب نصاب، لأنه عظيم في الشرع حتى اعتبر صاحبه غنيا. وعن أبي حنيفة أنه لا يصدق في أقل من عشرة دراهم، لأنه نصاب السرقة والمهر، وهو عظيم حيث تقطع به اليد ويصلح مهرا.

ويجبره القاضي على البيان، ولا بد أن يبين ما له قيمة، لأن ما لا قيمة له لا يجب في الذمة، فإذا بين بما لا قيمة له اعتبر رجوعا، والقول قوله مع يمينه، وإن ادعى المقر له أكثر من ذلك فالقول قول المقر مع يمينه.

ولو أقر له بشيء أو حق، وقال: أردت حق الإسلام، لا يصح إن قاله مفصولا، ويصح إن قاله موصولا.

وينص المالكية على أنه إن قال: لك أحد ثوبين، عين المقر. فإن عين له الأدنى حلف إن اتهمه المقر له، وإذا لم يعين بأن قال: لا أدري. قيل للمقر له: عين أنت. فإن عين أدناهما أخذه بلا يمين، وإن عين أجودهما حلف للتهمة وأخذه، وإن قال: لا أدري، حلفا معا على نفي العلم، واشتركا فيهما بالنصف.

وقال المالكية: لو قال: له في هذه الدار حق، أو في هذا الحائط، أو في هذه الأرض، ثم فسر ذلك بجزء منها قبل تفسيره، قليلا كان أو كثيرا، شائعا كان أو معينا.

وينص الحنابلة على أنه إن امتنع عن التفسير حبس حتى يفسر، لأنه ممتنع من حق عليه، فيحبس به، كما لو عينه وامتنع من أدائه. وقال القاضي: يجعل ناكلا ويؤمر المقر له بالبيان. وقالوا: إن مات من عليه الحق أخذ ورثته بمثل ذلك، لأن الحق ثبت على مورثهم فيتعلق بتركته، وقد صارت إلى الورثة، فيلزمهم ما لزم مورثهم، كما لو كان الحق مبينا، وإن لم يخلف الميت تركة فلا شيء على الورثة.

ونص الشافعية على أنه لو فسره بما لا يتمول - لكن من جنسه - كحبة حنطة، أو بما يحل اقتناؤه ككلب معلم، قبل في الأصح ويحرم أخذه ويجب رده. وقيل: لا يقبل فيهما، لأن الأول لا قيمة له فلا يصح التزامه بكلمة « علي »، والثاني: ليس بمال، وظاهر الإقرار المال. وقالوا: لا يقبل تفسيره بنحو عيادة مريض ورد سلام، إذ لا مطالبة بهما، وهم يشترطون أن يكون المقر به مما يجوز به المطالبة أما لو كان قال: له علي حق، فإنه يقبل لشيوع الحق في استعمال كل ذلك..

وكذلك يصرح الحنابلة بأنه متى فسر إقراره بما يتمول في العادة قبل تفسيره وثبت، إلا أن يكذبه المقر له، ويدعي جنسا آخر أو لا يدعي شيئا، فبطل إقراره، وكذا إن فسره بما ليس بمال في الشرع، وإن فسره بكلب غير جائز اقتناؤه فكذلك. وإن فسره بكلب يجوز اقتناؤه، أو جلد ميتة غير مدبوغ ففيه وجهان، الأول: يقبل لأنه شيء يجب رده، والوجه الثاني: لا يقبل، لأن الإقرار إخبار عما يجب ضمانه وهذا لا يجب ضمانه، غير أنهم قالوا: إن فسره بحبة حنطة أو شعير لم يقبل، لأن هذا لا يتمول عادة على انفراده. وقالوا أيضا: إن فسره بحق شفعة قبل، لأنه حق واجب ويئول إلى مال، وإن فسره بحد قذف قبل، لأنه حق يجب عليه - وهم في ذلك كالشافعية - غير أنهم قالوا بالنسبة لحد القذف: يحتمل ألا يقبل لأنه لا يئول إلى مال، والأول أصح وإن فسره برد سلام أو تشميت عاطس ونحوه لم يقبل - خلافا للشافعية - لأنه يسقط بفواته فلا يثبت في الذمة، وقالوا:

يحتمل أن يقبل تفسيره، فهم في هذا كالشافعية.

ولو كان المقر به معلوم الأصل ومجهول الوصف، نحو أن يقول: إنه غصب من فلان ثوبا من العروض، فيصدق في البيان من جنس ذلك سليما كان أو معيبا، لأن الغصب يرد على السليم والمعيب عادة، وقد بين الأصل وأجل الوصف، فيرجع في بيان الوصف إليه فيصح منفصلا، ومتى صح بيانه يلزمه الرد إن قدر عليه، وإن عجز عنه تلزمه القيمة وإن قال: غصبت شيئا فطلب منه البيان ففسره بما ليس بمال قبل، لأن اسم الغصب يقع عليه. قال ابن قدامة: وهو مذهب الشافعي.

وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يقبل تفسيره بغير المكيل والموزون مما لا يثبت في الذمة بنفسه.

ولو أقر بأن ما عنده لغيره كان رهنا، فقال المقر له: بل وديعة، فالقول قول المقر له (المالك) لأن العين تثبت بالإقرار ، وادعى المقر دينا لا يعترف له به والقول قول المنكر، ولأنه أقر بمال لغيره وادعى أن له به تعلقا (حقا في الاحتباس) فلم يقبل، كما لو ادعاه بكلام منفصل، وكذلك لو أقر له بدار وقال: استأجرتها، أو بثوب وادعى أنه خاطه بأجر يلزم المقر له. لم يقبل لأنه مدع على غيره حقا فلا يقبل قوله إلا ببينة.

وإن قال: لك علي ألف من ثمن مبيع لم أقبضه، فقال المدعى عليه: بل لي عليك ألف ولا شيء لك عندي. قال أبو الخطاب: فيه وجهان: أحدهما. القول قول المقر له، لأنه اعترف له بالألف وادعى عليه مبيعا، فأشبه ما إذا قال: هذا رهن، فقال المالك: وديعة، أو له علي ألف لم أقبضها.

الثاني: القول قول المقر وهو قياس المذهب، وهو قول الشافعي وأبي يوسف، لأنه أقر بحق في مقابلة حق له ولا ينفك أحدهما عن الآخر.

ويصرح ابن قدامة بأن الشهادة على الإقرار بالمجهول تقبل، لأن الإقرار به صحيح، وما كان صحيحا في نفسه صحت الشهادة به كالمعلوم.

ونص الشافعية على أنه يشترط في المقر به لصحة الإقرار ألا يكون ملكا للمقر حين يقر، لأن الإقرار ليس إزالة عن الملك، وإنما هو إخبار عن كونه ملكا للمقر له، فلا بد من تقديم المخبر عنه على الخبر، فلو قال: داري أو ثوبي أو ديني الذي على زيد لعمرو ولم يرد الإقرار فهو لغو، لأن الإضافة إليه تقتضي الملك له، فينافي إقراره لغيره ويحمل على الوعد بالهبة. ولو قال: هذا لفلان وكان ملكي إلى أن أقررت به، فأول كلامه إقرار، وآخره لغو، فليطرح آخره فقط، ويعمل بأوله، لاشتماله على جملتين مستقلتين.

كما اشترطوا لإعمال الإقرار - أي التسليم لا لصحته، أن تكون العين المقر بها في يد المقر حسا أو حكما، كالمعار أو المؤجر تحت يد الغير، لأنه عند انتفاء يده عنه يكون مدعيا أو شاهدا، ومتى حصل بيده لزمه تسليمه، لأن هذا الشرط ليس شرط صحة. فلو أقر ولم يكن في يده ثم صار في يده عمل بمقتضى إقراره، واستثنوا من اشتراط أن يكون في يده ما لو باع بشرط الخيار له أو لهما، ثم ادعاه رجل، فأقر البائع في مدة الخيار له به فإنه يصح.

أما لو كانت العين في يده باعتباره نائبا عن غيره كناظر وقف وولي محجور فلا يصح إقراره.

وكذلك صرح الحنابلة باشتراط أن يكون المقر به بيد المقر وولايته واختصاصه، فلا يصح إقراره بشيء في يد غيره، أو في ولاية غيره، كما لو أقر أجنبي على صغير، أو وقف في ولاية غيره أو اختصاصه، لكنهم قالوا بصحة إقراره بمال في ولايته واختصاصه، كأن يقر ولي اليتيم ونحوه أو ناظر الوقف، لأنه يملك إنشاء ذلك.

واشترطوا أن يتصور التزام المقر بما أقر به، أي أن يمكن صدقه، فلو أقر بارتكابه جناية منذ عشرين سنة وعمره لا يتجاوز العشرين، فإن إقراره لا يصح.

الركن الرابع: الصيغة:

الصيغة هي ما يظهر الإرادة من لفظ، أو ما يقوم مقامه من كتابة أو إشارة، وإظهار الإرادة لا بد منه، فلا عبرة بالإرادة الباطنة.

يقول السرخسي: إن ما يكون بالقلب فهو نية، والنية وحدها لا تكفي، ويقول ابن القيم: إن الله تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفا ودلالة على ما في نفوسهم، فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئا عرفه بمراده وما في نفسه بلفظه، ورتب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ، ولم يرتب تلك الأحكام على مجرد ما في النفوس من غير دلالة فعل أو قول، ولا على مجرد ألفاظ مع العلم بأن المتكلم بها لم يرد معانيها.

وصيغة الإقرار نوعان: صريح ودلالة. فالصريح نحو أن يقول: لفلان علي ألف درهم، لأن كلمة (علي) كلمة إيجاب لغة وشرعا. قال الله تعالى: ولله على الناس حج البيت) وكذا لو قال لرجل: هل لي عليك ألف درهم ؟ فقال الرجل: نعم. لأن كلمة نعم بمثابة إعادة لكلامه، وكذا لو قال: لفلان في ذمتي ألف درهم، لأن ما في الذمة هو الدين، فيكون إقرارا بالدين.

هذا ما مثل به الحنفية، ولا تخرج أمثلة غيرهم عن ذلك، والعرف في هذا هو المرجع.

والأمر بكتابة الإقرار إقرار حكما، إذ الإقرار كما يكون باللسان يكون بالبنان، فلو قال للكاتب: اكتب إقرارا بألف علي لفلان، صح الإقرار واعتبر، كتب أو لم يكتب.

ويقول ابن عابدين: إن الكتابة المرسومة المعنونة كالنطق بالإقرار ، ولا فرق بين أن تكون الكتابة بطلب من الدائن أو بلا طلبه. ونقل عن الأشباه لابن نجيم أنه إذا كتب ولم يقل شيئا لا تحل الشهادة، لأن الكتابة قد تكون للتجربة. ولو كتب أمام الشهود وقال: اشهدوا علي بما فيه، كان إقرارا إن علموا بما فيه وإلا فلا.

والإيماء بالرأس من الناطق ليس بإقرار إلا في النسب والإسلام والكفر والإفتاء.

وأما الصيغة التي تفيد الإقرار دلالة فهي أن يقول له رجل: لي عليك ألف، فيقول: قد قبضتها، لأن القضاء اسم لتسليم مثل الواجب في الذمة، فيقتضي ما يعين الوجوب، فكان الإقرار بالقضاء إقرارا بالوجوب، ثم يدعي الخروج عنه بالقضاء فلا يصح إلا بالبينة، وكذا إذا قال: أجلني بها. لأن التأجيل تأخير المطالبة مع قيام أصل الدين في الذمة.

الصيغة من حيث الإطلاق والتقييد:

الصيغة قد تكون مطلقة كما تقدم، وقد تكون مقترنة. والقرينة في الأصل نوعان:

أ - قرينة مبينة (على الإطلاق)، وهي المعينة لبعض ما يحتمله اللفظ، فإن كان اللفظ يحتمل المعنيين على السواء صح بيانه متصلا كان البيان أو منفصلا، وإن كان لأحد الاحتمالين رجحان تسبق إليه الأفهام من غير قرينة لا يصح إن كان البيان منفصلا، ويصح بالنسبة للمتصل إذا لم يتضمن الرجوع.

وبصفة عامة إذا كانت القرينة منفصلة عن الإقرار بأن قال: لفلان علي عشرة دراهم وسكت، ثم قال: إلا درهما، لا يصح الاستثناء عند كافة العلماء وعامة الصحابة، إلا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه يصح، لأن الاستثناء بيان فيصح متصلا ومنفصلا. ووجه قول العامة أن صيغة الاستثناء إذا انفصلت عن الجملة الملفوظة لا تكون كلام استثناء لغة، وقالوا: إن الرواية عن ابن عباس لا تكاد تصح. وبيان ذلك تفصيلا سبق في مصطلح (استثناء).

ب - قرينة مغيرة (من حيث الظاهر) مبينة (حقيقة)، وهذه يتغير بها الاسم لكن يتبين بها المراد، فكان تغييرا صورة، تبيينا معنى، ومنه ما يلي:

أ - تعليق الإقرار على المشيئة:

القرينة المغيرة قد تدخل على أصل الإقرار ، وتكون متصلة به، كتعليق الإقرار على مشيئة الله أو مشيئة فلان. وهذا يمنع صحة الإقرار عند الحنفية، لأن التعليق على المشيئة يجعل الأمر محتملا. والإقرار إخبار عن كائن، والكائن لا يحتمل التعليق. وهو ما ذهب إليه ابن المواز وابن عبد الحكم من المالكية إذ قالا: لو علق الإقرار على المشيئة لم يلزمه شيء، وكأنه أدخل ما يوجب الشك، وهو مفاد قول الشافعية فيمن قرن إقراره بقوله فيما أحسب أو أظن، إذ قالوا: إنه لغو، لعدم إشعارهما بالإلزام. بل وجد لهم تصريح بعدم اللزوم على المذهب، لأنه علق مشيئة إقراره على شرط فلم يصح، ولأن ما علق على مشيئة الله لا سبيل إلى معرفته. قال الشيرازي: إن قال: له علي ألف إن شاء الله لم يلزمه شيء، لأن ما علق على مشيئة الله تعالى لا سبيل إلى معرفته، وإن قال: له علي ألف إن شاء زيد أو قدم فلان لم يلزمه شيء.

ويرى المالكية - عدا ابن المواز وابن عبد الحكم - وكذا الحنابلة أن الإقرار يلزمه، نص عليه أحمد، وقال سحنون: أجمع أصحابنا على ذلك. غير أن الحنابلة يفرقون بين التعليق على مشيئة الله، وبين التعليق على مشيئة الأشخاص.

يقول ابن قدامة: لأنه أقر ثم علق رفع الإقرار على أمر لا يعلم فلم يرتفع. وإن قال: لك علي ألف إن شئت، أو إن شاء زيد لم يصح الإقرار، ولأنه علقه على شرط يمكن علمه فلم يصح.

ويفارق التعليق على مشيئة الله تعالى، لأنها كثيرا ما تذكر تبركا وصلة وتفويضا إلى الله، لا للاشتراط، لقوله تعالي لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين بخلاف مشيئة الآدمي، كما أن مشيئته تعالى لا تعلم إلا بوقوع الأمر، فلا يمكن وقف الأمر على وجودها، ومشيئة الآدمي يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا يتوقف الأمر على وجودها، ويتعين حمل الأمر هنا على المستقبل، فيكون وعدا لا إقرارا. وقال القاضي: لو علق الإقرار على مشيئة المقر له أو شخص آخر صح الإقرار، لأنه عقبه بما يرفعه، فصح الإقرار دون ما رفعه. أي كأنه أقر ثم رجع فلا يصح رجوعه.

ب - تعليق الإقرار على شرط:

وضع الحنابلة قاعدة عامة بأن كل إقرار معلق على شرط ليس بإقرار، لأنه ليس بمقر في الحال، وما لا يلزمه في الحال لا يصير واجبا عند وجود الشرط، لأن الشرط لا يقتضي إيجاب ذلك.

ونص الحنفية على أنه لو أقر بشيء على أن يكون له خيار الشرط، فإن الإقرار صحيح ويبطل الشرط، لأن شرط الخيار في معنى الرجوع، والإقرار في حقوق العباد لا يحتمل الرجوع، لأن الإقرار إخبار فلا يقبل الخيار، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، لأن ما يذكره المقر بعد الإقرار يعتبر رفعا له فلا يقبل كالاستثناء.

ج - تغيير وصف المقر به:

إن كان التغيير متصلا باللفظ كأن يقول: لفلان علي ألف درهم وديعة - كان إقرارا بالوديعة، أما إن كان منفصلا، بأن سكت ثم قال: هي وديعة فلا يصح، ويكون إقرارا بالدين، لأن البيان هنا لا يصح إلا بشرط الوصل، ولو قال: علي ألف درهم وديعة قرضا أو دينا، فهو إقرار بالدين، لجواز أن يكون أمانة في الابتداء ثم يصير مضمونا في الانتهاء، إذ الضمان قد يطرأ على الأمانة متصلا كان أو منفصلا، لأن الإنسان في الإقرار بالضمان غير متهم..

د - الاستثناء في الإقرار :

إن كان الاستثناء من جنس المستثنى منه ومتصلا به، فإن كان استثناء الأقل فلا خلاف في جوازه، كأن يقول: علي لفلان عشرة دراهم إلا ثلاثة فيلزمه سبعة. أما إن كان استثناء الأكثر بأن قال: علي لفلان عشرة دراهم إلا تسعة فجائز في ظاهر الرواية عند الحنفية، ويلزمه درهم وهو الصحيح، لأن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا، وهذا المعنى كما يوجد في استثناء الأقل يوجد في استثناء الأكثر من القليل، وإن كان غير مستحسن عند أهل اللغة، وروي عن أبي يوسف أنه لا يصح وعليه العشرة.

وإن كان استثناء الكل من الكل بأن يقول:

 

لفلان علي عشرة دنانير إلا عشرة فباطل، وعليه العشرة كاملة، لأنه ليس استثناء، وإنما هو إبطال ورجوع، والرجوع عن الإقرار في حق العباد لا يصح. وقال الشافعية: يصح الاستثناء وهو إخراج ما لولاه لدخل، بنحو « إلا »، وذلك إن اتصل إجماعا، والسكوت اليسير غير مضر، ويضر كلام أجنبي يسير أو سكوت طويل، ويشترط أن يقصده قبل فراغ الإقرار ، ولكونه رفعا لبعض ما شمله اللفظ احتاج إلى نية ولو كان إخبارا، ولم يستغرق المستثنى المستثنى منه، فإن استغرقه كخمسة إلا خمسة كان باطلا بالإجماع إلا من شذ، لما في ذلك من المناقضة الصريحة.

وقال الحنابلة: لو قال: علي ألف إلا ستمائة لزمه الألف لأنه استثنى الأكثر، ولم يرد ذلك في لغة العرب.

ه - الاستثناء من خلاف الجنس:

إن كان الاستثناء من خلاف الجنس - ما لا يثبت دينا في الذمة - فلا يصح عند الحنفية، وعليه جميع ما أقر به، فإن قال: له علي عشرة دراهم إلا ثوبا بطل الاستثناء، خلافا للشافعية.

وإن كان مما يثبت دينا في الذمة بأن قال: لفلان علي مائة دينار إلا عشرة دراهم أو إلا قفيز حنطة، صح عند الشيخين، ويطرح مما أقر به قدر قيمة المستثنى، لأنه إن لم يمكن تحقيق معنى المجانسة في الاسم أمكن تحقيقها في الوجوب في الذمة، فالدراهم والحنطة من حيث احتمال الوجوب في الذمة من جنس الدنانير، وقال محمد بن الحسن وزفر: إن الاستثناء استخراج بعض ما لولاه لدخل تحت نص المستثنى منه، وذلك لا يتحقق إلا إذا اتحد الجنس.

وقال الحنابلة: لا يصح الاستثناء من غير الجنس ولا من غير النوع على ما هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب.

أما الشافعية فقد نصوا على أنه يصح الاستثناء من خلاف الجنس لورود الكتاب وغيره بذلك، يقول الله سبحانه: ( لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ) ويقول: ما لهم به من علم إلا اتباع الظنوقالوا: ويلزم المقر بالبيان، فلو كان أقر لآخر بألف درهم إلا ثوبا لزمه البيان بثوب قيمته دون الألف. وقالوا: ويصح الاستثناء من المعين كهذه الدار إلا هذا البيت.

و - تعقيب الإقرار بما يرفعه:

قال المالكية: لو عقب الإقرار بما يرفعه بأن قال: لك علي ألف من ثمن خمر أو خنزير لم يلزمه شيء، إلا أن يقول الطالب (المقر له): هي ثمن بر أو ما يشبهه فيلزمه مع يمين الطالب. ولو قال: علي ألف من ثمن كذا ثم قال: لم أقبض المبيع، قال ابن القاسم وسحنون وغيرهما: يلزمه الثمن ولا يصدق في عدم القبض. وقيل: القول قوله.

وقال الحنابلة: إذا وصل بإقراره ما يغيره أو يسقطه، كأن يقول: علي ألف من ثمن خمر أو استوفاه الدائن أو من ثمن مبيع فاسد لم أقبضه لزمه الألف، لأن كل ما ذكره بعد الإقرار بالألف يعتبر رفعا له فلا يقبل، كاستثناء الكل.

وفي قوله له: علي من ثمن خمر أو خنزير ألف - لا يجب. ولو قال: كان له علي ألف وقضيته إياه، أو أبرأني منه، أو قضيت منها خمسمائة، فهو منكر، لأنه قول يمكن صدقه ولا تناقض فيه من جهة اللفظ، فوجب قبول قوله بيمينه وهو المذهب. ولا يلزمه شيء كاستثناء البعض استثناء متصلا، بخلاف استثناء البعض المنفصل، لأن الحق قد استقر بسكوته فلا يرفعه استثناء ولا غيره. ولا يصح استثناء ما زاد على النصف، ويصح في النصف - على ما هو المذهب - فما دونه من غير خلاف لأنه لغة العرب.

ز - تقييد الإقرار بالأجل:

إذا أقر شخص بدين عليه لآخر وقال: إنه مؤجل، وادعى المقر له حلوله ولزومه، أي صدقه في الدين وكذبه في التأجيل، فإن الدين يلزمه حالا عند الحنفية، وهو قول للمالكية، لأنه أقر على نفسه بمال، وادعى حقا لنفسه أنكره المقر له، فالقول للمنكر بيمينه.

والقول الآخر للمالكية أن المقر يحلف، ويقبل قوله في التنجيم والتأجيل، وقد اختلف في يمين المقر، وهذا أحوط، وبه كان يقضي متقدمو قضاة مصر وهو مذهب كل من الشافعية والحنابلة.

ح - الاستدراك في الإقرار :

قال الحنفية: إن كان الاستدراك في القدر، فهو على ضربين: إما أن يكون في الجنس كأن يقول: لفلان علي ألف درهم لا بل ألفان، فعليه ألفان وهو قول الجمهور. وقيل: يكون عليه ثلاثة آلاف، وهو قول زفر وهو القياس، والأول استحسان. وجه الاستحسان أن الإقرار إخبار، والمخبر عنه ما يجري الغلط في قدره أو وصفه عادة، فقبل الاستدراك ما لم يكن متهما فيه. بخلاف الاستدراك في خلاف الجنس لأن الغلط لا يقع فيه عادة. ووجه القياس أن قوله: لفلان علي ألف درهم إقرار بألف وهذا لا رجوع فيه، والاستدراك صحيح، فأشبه الاستدراك في خلاف الجنس، فأشبه ما لو قال لامرأته: أنت طالق واحدة بل ثنتين، إذ يقع ثلاث تطليقات.

وإن كان الاستدراك في صفة المقر به، فعليه أرفع الصفتين، لأنه غير متهم في ذلك، أما بالنسبة لأنقصهما فهو متهم، فكان مستدركا في الزيادة راجعا في النقصان، فيصح استدراكه ولا يصح رجوعه، وإن أرجع الاستدراك إلى المقر له، بأن قال: هذه الألف لفلان بل لفلان، وادعاها كل واحد منهما كانت لمن أقر له أولا، لأنه لما أقر له بها صح إقراره له، فصار واجب الدفع إليه، فقوله بعد ذلك رجوع عن الإقرار الأول فلا يصح في حقه، وصح إقراره بها للثاني في حقه - أي الثاني - لكن إن دفعه للأول بغير قضاء ضمن للثاني، لإتلافها عليه بدفعها للأول.

هذا بخلاف ما لو قال: غصبت هذا الشيء من فلان لا بل من فلان، فإنه يدفعه للأول ويضمن للثاني، سواء دفعه للأول بقضاء أو بغير قضاء، لأن الغصب سبب لوجوب الضمان، فكان الإقرار به إقرارا بوجود سبب وجوب الضمان، وهو رد القيمة عند القدرة، وقيمتها عند العجز، وقد عجز عن ردها إلى المقر له الثاني، فيلزمه رد قيمتها.

عدم اشتراط القبول في صحة الإقرار :

الإقرار ليس بعقد حتى تتكون صيغته من إيجاب وقبول. وإنما هو تصرف قولي والتزام من جانب المقر وحده، فليس القبول شرطا لصحة الإقرار ، لكنه يرتد بالرد، والملك يثبت للمقر له بلا تصديق وقبول، ولكن يبطل برده، فالإقرار للحاضر يلزم من جانب المقر حتى لا يصح إقراره لغيره به قبل رده، ولا يلزم من جانب المقر له فيصح رده. أما الإقرار للغائب فإنه وإن كان صحيحا إلا أنه لا يلزم، وإنما يتوقف لزومه على عدم الرد، ولعدم لزومه للمقر صح إقراره لغيره، كما لا يلزم المقر له فيصح له رده. وكل من أقر لرجل بملك فكذبه به بطل إقراره، لأنه لا يثبت للإنسان ملك لا يعترف به، والإقرار بما في الذمة ليس من التبرعات، وفي المال وجهان: يترك في يد المقر لأنه كان محكوما له به فإذا بطل إقراره بقي على ما كان عليه. وقيل: يؤخذ إلى بيت المال لأنه لم يثبت له مالك. وقيل: يؤخذ فيحفظ حتى يظهر مالكه، لأنه لا يدعيه أحد. فإن عاد أحدهما فكذب نفسه دفع إليه، لأنه يدعيه ولا منازع له فيه.

الصورية في الإقرار :

لما كان الإقرار إخبارا يحتمل الصدق والكذب جاز تخلف مدلوله الوضعي،بمعنى أنه قد يكون في الحقيقة كاذبا يترتب عليه أثره لزوما. فإذا ادعى أن مورثه أقر تلجئة، قال بعضهم: له تحليف المقر له، ولو ادعى أنه أقر كاذبا لا يقبل. ووجه الفرق: أن في التلجئة يدعي الوارث على المقر له فعلا له، وهو تواطؤه مع المقر في السر، فلذا يحلف بخلاف دعوى الإقرار كاذبا كما لا يخفى.

ونقل المواق عن سماع أشهب وابن نافع لو سأل شخص ابن عمه أن يسكنه منزلا فقال: هو لزوجتي، ثم قال لثان ولثالث كذلك، ثم طلبت امرأته بذلك فقال: إنما قلته اعتذارا لنمنعه، فلا شيء لها بذلك الإقرار . أي لا يعتبر كلامه إقرارا.

ويقول الشيخ منصور البهوتي الحنبلي: إذا خاف شخص أن يأخذ آخر ماله ظلما جاز له الإقرار - صورة - بما يدفع هذا الظلم، ويحفظ المال لصاحبه، مثل أن يقر بحاضر أنه ابنه أو أخوه أو أن له عليه كذا دينا، ويتأول في إقراره، بأن يعني بكونه ابنه صغره، أو بقوله أخي أخوة الإسلام. والاحتياط أن يشهد على المقر له أن هذا الإقرار تلجئة، تفسيره كذا وكذا. وعلى هذا فالإقرار لا يعتبر ما دام قد ثبتت صوريته، وقواعد الشافعية لا تأبى ذلك.

التوكيل في الإقرار :

الأصل أن التوكيل يجوز في كل ما يقبل النيابة، ومن ذلك الإقرار، كما هو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة وفي قول عند الشافعية، إذ الإخبار من الموكل حقيقة، ومن الوكيل حكما، لأن فعل الوكيل كفعل الموكل، فكأن الإقرار صدر ممن عليه الحق. وصرح الشافعية بأن إقرار الوكيل بالتصرف إذا أنكره الموكل لا ينفذ، كما صرح المالكية بأن إقرار الوكيل يلزم الموكل إن كان مفوضا أو جعل له الإقرار. والأصح عند الشافعية: أن التوكيل في الإقرار لا يجوز. نعم يكون بالتوكيل بالإقرار مقرا لثبوت الحق عليه. وبالنسبة لإقرار الوكيل بالخصومة فإنه لا يقبل إقراره بقبض الدين إلا إذا كان قد فوض في ذلك عند المالكية والشافعية والحنابلة وابن أبي ليلى، لأن الإقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها فلا يملكه الوكيل، ولأن الإذن في الخصومة لا يقتضي الإقرار، فإن أقر بشيء لم يلزم الموكل ما أقر به، ويكون الوكيل كشاهد. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: يقبل إقراره في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص، وقال أبو يوسف: يقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره، لأن الإقرار أحد جوابي الدعوى، فصح من الوكيل بالخصومة كما يصح منه الإنكار، لكن الحنفية يتفقون على أن الموكل إذا نص في عقد الوكالة على أن الوكيل ليس له الإقرار، لم يكن له حق الإقرار في ظاهر الرواية، فلو أقر عند القاضي لا يصح، وخرج به عن الوكالة، كما نصوا على أن التوكيل بالإقرار يصح، ولا يصير الموكل بمجرد التوكيل مقرا خلافا للشافعية، ونقل ابن عابدين عن الطواويسي: معناه أن يوكل بالخصومة ويقول:

خاصم، فإذا رأيت لحوق مئونة أو خوف عار علي فأقر بالمدعى يصح إقراره على الموكل كما في البزازية. وقال ابن عابدين: ويظهر منه وجه عدم كونه إقرارا أي بمجرد الوكيل.

أثر الشبهة في الإقرار :

الشبهة لغة: الالتباس، وشبه عليه الأمر: خلط حتى اشتبه لغيره وعرفها الفقهاء بأنها: ما يشبه الثابت وليس بثابت فهي بهذا تؤثر على الإثبات ومنه الإقرار. فلو احتمل الإقرار اللبس أو التأويل أو شابه شيء من الغموض والخفاء اعتبر ذلك شبهة، والشيء المقر به إما أن يكون حقا لله تعالى أو حقا للعباد. وحقوق العباد تثبت مع الشبهات، بخلاف حقوق الله تعالى، فإن منها ما يسقط بالشبهة، كالزنا والسرقة وشرب الخمر، ومنها ما لا يسقط بالشبهة، كالزكاة والكفارة. على تفصيل يبين في موضعه، وينظر في مصطلح (حق، وشبهة).

وجمهور الفقهاء على عدم الاعتداد بإقرار الأخرس بالإشارة غير المفهمة، لما فيها من الشبهة.

يقول ابن قدامة: وأما الأخرس فإن لم تفهم إشارته فلا يتصور منه إقرار. وإن فهمت إشارته، فقال القاضي: عليه الحد، وهو قول الشافعي وابن القاسم من المالكية وأبي ثور وابن المنذر. لأن من صح إقراره بغير الزنا صح إقراره به كالناطق. وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يحد، لأن الإشارة تحتمل ما فهم منها وغيره، فيكون ذلك شبهة في درء الحد، وهو احتمال كلام الخرقي.

وقد سبق الكلام عن إقرار الصبي والمجنون والسكران والمكره وأثر ذلك كله في الإقرار . كما أن تكذيب المقر له للمقر فيما أقر به، أو ظهور كذب المقر - كمن يقر بالزنا فظهر مجبوبا - مانع من إقامة الحد، لتيقن كذب الإقرار .

ولو أقر بشيء وكذبه المقر له، وكان أهلا للتكذيب، فلا يصح، لأنه منكر، والقول له، كإقراره بدين بسبب كفالة. ويقول الشيرازي: لو أقر لرجل بمال في يده فكذبه المقر له بطل الإقرار، لأنه رده، وفي المال وجهان:

أحدهما: أنه يؤخذ منه ويحفظ لأنه لا يدعيه، والمقر له لا يدعيه، فوجب على الإمام حفظه كالمال الضائع.

والثاني: لا يؤخذ منه، لأنه محكوم له بملكه، فإذا رده المقر له بقي في ملكه.

وفي المغني: لو أقر أنه زنى بامرأة فكذبته فعليه الحد دونها، وبه قال الشافعي، لأن استيفاء ثبوته في حقها لا يبطل إقراره، كما لو سكتت، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا حد عليه لأنا صدقناها في إنكارها فصار محكوما بكذبه.

وينص المالكية على أنه يلزم لإبطال الإقرار بتكذيب المقر له أن يستمر التكذيب، بحيث إذا رجع المقر له إلى تصديقه صح الإقرار ولزم، ما لم يرجع المقر.

كل هذا مما يوجد شبهة في الإقرار . فوجود الشبهة فيه أو وجود ما يعارضه أولى بالاعتداد به من الإقرار نفسه، لأن الأصل براءة الذمة، ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل ثابت يقيني لا يوجد ما يعارضه أو يوهن منه.

الشبهة بتقادم الإقرار في حقوق الله:

جاء في الهداية والفتح: التقادم لا يبطل الإقرار عند محمد، كما في حد الزنا الذي لا يبطل التقادم الإقرار به اتفاقا. وفي نوادر ابن سماعة عن محمد قال: أنا أقيم عليه الحد وإن جاء بعد أربعين عاما. وعندهما لا يقام الحد على الشارب إلا إذا أقر به عند قيام الرائحة. فالتقادم يؤثر على الإقرار بالشرب عندهما فيسقط الحد.

وفي الهداية والفتح والبحر: التقادم يؤثر على الشهادة في حقوق الله عدا حد القذف، لما فيه من حق العبد، لما فيه من رفع العار عنه، بخلاف الإقرار ، فإن التقادم لا يؤثر عليه، ويحد بإقراره مع التقادم إلا في حد الشرب فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف، فإن التقادم فيه يبطل الإقرار خلافا لمحمد.

أما حقوق العباد فإن التقادم لا يؤثر فيها، لا في الإقرار بها ولا في الشهادة عليها. ويقول ابن قدامة: إن أقر بزنا قديم وجب الحد، وبهذا قال الحنابلة والمالكية والأوزاعي والنووي وإسحاق وأبو ثور؛ لعموم الآية ولأنه حق يثبت على الفور فيثبت بالبينة بعد تطاول الزمان كسائر الحقوق. ونقل عن أبي حنيفة أنه قال: لا أقبل بينة على زنا قديم وأحده بالإقرار به، وأنه قول ابن حامد، وذكره ابن أبي موسى مذهبا لأحمد.

الرجوع عن الإقرار :

الرجوع قد يكون صريحا كأن يقول: رجعت عن إقراري، أو كذبت فيه، أو دلالة كأن يهرب عند إقامة الحد، إذ الهرب دليل الرجوع، فإن كان بحق من حقوق الله التي تسقط بالشبهة كالزنا، فإن جمهور الفقهاء: الحنفية والمشهور عند المالكية ومذهب كل من الشافعية والحنابلة على أن الرجوع يعتبر، ويسقط الحد عنه، لأنه يحتمل أن يكون صادقا في الرجوع وهو الإنكار، ويحتمل أن يكون كاذبا فيه، فإن كان صادقا في الإنكار يكون كاذبا في الإقرار ، وإن كان كاذبا في الإنكار يكون صادقا في الإقرار ، فيورث شبهة في ظهور الحد، والحدود لا تستوفى مع الشبهات، وقد روي أن ماعزا لما أقر بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم بالزنا لقنه الرجوع. فلو لم يكن محتملا للسقوط بالرجوع ما كان للتلقين معنى، سواء أرجع قبل القضاء أم بعده، قبل الإمضاء أم بعده. ويستوي أن يكون الرجوع بالقول أو بالفعل بأن يهرب عند إقامة الحد عليه، وإنكار الإقرار رجوع، فلو أقر عند القاضي بالزنا أربع مرات، فأمر القاضي برجمه فقال: ما أقررت بشيء - يدرأ عنه الحد. ولأن من شرط إقامة الحد بالإقرار البقاء عليه إلى تمام الحد، فإن رجع عن إقراره أو هرب كف عنه، وبهذا قال عطاء ويحيى بن يعمر والزهري وحماد ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف. وقال الحسن وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى: يقام عليه الحد ولا يترك، لأن ماعزا هرب فقتلوه ولم يتركوه، ولو قبل رجوعه للزمتهم الدية، ولأنه حق وجب بإقراره، فلم يقبل رجوعه كسائر الحقوق. وحكي عن الأوزاعي أنه إن رجع حد للفرية على نفسه، وإن رجع عن السرقة والشرب ضرب دون الحد.

ونقل الشيرازي عن أبي ثور أنه لا يقبل رجوعه، لأنه حق ثبت بالإقرار فلم يسقط بالرجوع كالقصاص وحد القذف.

واستدل ابن قدامة للجمهور القائلين باعتبار الرجوع بأن « ماعزا هرب، فذكر ذلك للنبي صلي الله عليه وسلم فقال: هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه »

 

ففي هذا أوضح الدلائل على أنه يقبل رجوعه.

ولأن الإقرار إحدى بينتي الحد، فيسقط بالرجوع عنه كالشهود إذا رجعوا قبل إقامة الحد. وإنما لم يجب ضمان ماعز على الذين قتلوه بعد هربه، لأنه ليس بصريح في الرجوع. أما إن رجع صراحة بأن قال: كذبت في إقراري أو رجعت عنه أو لم أفعل ما أقررت به وجب تركه، فإن قتله قاتل بعد ذلك وجب ضمانه، لأنه قد زال إقراره بالرجوع عنه فصار كمن لم يقر، ولا قصاص على القاتل للاختلاف في صحة الرجوع فكان شبهة.

وقيد الإمام مالك في الرواية غير المشهورة عنه قبول رجوع المقر في حقوق الله التي تسقط بالشبهة بأن يكون الرجوع لوجود شبهة، أما لو رجع عن إقراره بغير شبهة فلا يعتد برجوعه، فقد نص أشهب على أنه لا يعذر إلا إذا رجع بشبهة، وروي ذلك عن مالك، وبه قال ابن الماجشون.

والشافعية في الأصح عندهم لا يعتبرون إلا الرجوع الصريح. ولا يرون مثل الهروب عند تنفيذ الحد رجوعا، فلو قال المقر: اتركوني أو لا تحدوني، أو هرب قبل حده أو في أثنائه لا يكون رجوعا في الأصح، لأنه لم يصرح به، وإن كان يجب تخليته حالا، فإن صرح فذاك وإلا أقيم عليه الحد، وإن لم يخل لم يضمن، لأن النبي  لم يوجب عليهم شيئا في خبر ماعز.

أما من أقر بحق من حقوق العباد أو بحق لله تعالى لا يسقط بالشبهة - كالقصاص وحد القذف وكالزكاة والكفارات - ثم رجع في إقراره فإنه لا يقبل رجوعه عنها من غير خلاف، لأنه حق ثبت لغيره فلم يملك إسقاطه بغير رضاه، لأن حق العبد بعد ما ثبت لا يحتمل السقوط بالرجوع، ولأن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وما دام قد ثبت له فلا يمكن إسقاطه بغير رضاه.

وقد وضح القرافي الإقرار الذي يقبل الرجوع عنه والذي لا يقبل الرجوع عنه، فقال: الأصل في الإقرار اللزوم من البر والفاجر، لأنه على خلاف الطبع. وضابط ما لا يجوز الرجوع عنه، هو ما ليس له فيه عذر عادي، وضابط ما يجوز الرجوع عنه - أن يكون له في الرجوع عنه عذر عادي، فإذا أقر الوارث للورثة أن ما تركه أبوه ميراث بينهم على ما عهد في الشريعة، ثم جاء شهود أخبروه أن أباه أشهدهم أنه تصدق عليه في صغره بهذه الدار وحازها له، فإنه إذا رجع عن إقراره معتذرا بإخبار البينة له، وأنه لم يكن عالما بذلك، فإنه تسمع دعواه وعذره، ويقيم بينته، ولا يكون إقراره السابق مكذبا للبينة وقادحا فيها، فيقبل الرجوع في الإقرار .

وإذا قال: له علي مائة درهم إن حلف - أو مع يمينه - فحلف المقر له، فرجع المقر وقال: ما ظننت أنه يحلف، لا يلزم المقر شيء، لأن العادة جرت بأن هذا الاشتراط يقضي عدم اعتقاد لزوم ما أقر به، والعادة جرت على أن هذا ليس بإقرار. ويقول ابن جزي: من أقر بحق لمخلوق لم ينفعه الرجوع، وإن أقر بحق لله تعالى كالزنا وشرب الخمر فإن رجع إلى شبهة قبل منه، وإن رجع إلى غير شبهة ففيه قولان: قول يقبل منه وفاقا لأبي حنيفة والشافعي. وقيل: لا يقبل منه وفاقا للحسن البصري.

هل الإقرار يصلح سببا للملك ؟

نص الحنفية: على أنه لو أقر لغيره بمال، والمقر له يعلم أنه كاذب في إقراره، لا يحل له أخذه عن كره منه فيما بينه وبين الله تعالى، إلا أن يسلمه بطيب من نفسه، فيكون تمليكا مبتدأ على سبيل الهبة، ونقل ابن عابدين عن ابن الفضل: أن الإقرار لا يصلح سببا للتمليك، وفي الهداية وشروحها: والمقر له إذا صدقه ثم رده لا يصح رده.

وحكمه لزوم ما أقر به على المقر، وعمله إظهار المخبر به لغيره لا التمليك به ابتداء، ويدل عليه مسائل:

أ - أن الرجل إذا أقر بعين لا يملكها يصح إقراره، حتى لو ملكها المقر يوما من الدهر يؤمر بتسليمها إلى المقر له، ولو كان الإقرار تمليكا مبتدأ لما صح ذلك، لأنه لا يصح تمليك ما ليس بمملوك له، وصرح الشافعية بموافقة الحنفية في صحة الإقرار ، لكن لم نجد في كلامهم أن المقر إذا ملك العين يؤمر بتسليمها للمقر له، وكذلك لم نجد من المالكية والحنابلة ذكرا لهذه المسألة.

ب - الإقرار بالخمر للمسلم يصح حتى يؤمر بالتسليم إليه، ولو كان تمليكا مبتدأ لم يصح، لكن ذهب المالكية والحنابلة إلى عدم صحة الإقرار بالخمر، وفرق الشافعية بين الخمر إذا كان محترما أو غير محترم، وصححوا الإقرار بالخمر المحترم.

ج - المريض مرض الموت الذي لا دين عليه إذا أقر بجميع ماله لأجنبي صح إقراره، ولا يتوقف على إجازة الورثة، ولو كان تمليكا مبتدأ لم ينفذ إلا بقدر الثلث عند عدم إجازتهم، وبقولهم مال جمهور العلماء، وعند الحنابلة قولان آخران، قيل: لا يصح مطلقا، وقيل: لا يصح إلا في الثلث.

د - العبد المأذون إذا أقر لرجل بعين في يده صح إقراره، ولو كان الإقرار سببا للملك ابتداء كان تبرعا من العبد، وهو لا يجوز في الكثير. ومثله عند الجمهور إلا أنهم لم يفرقوا بين القليل والكثير.

الإقرار بالنسب:

إذا أقر أحد الورثة بوارث ثالث مشارك لهما في الميراث لم يثبت النسب بالإجماع، لأن النسب لا يتبعض فلا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر، ولا يمكن إثباته في حقهما، لأن أحدهما منكر ولم توجد شهادة يثبت بها النسب. ولكنه يشارك المقر في الميراث في قول أكثر أهل العلم، لأنه أقر بسبب مال لم يحكم ببطلانه فلزمه المال، كما لو أقر ببيع أو بدين فأنكر الآخر. ويجب له فضل ما في يد المقر من ميراثه، وبهذا قال ابن أبي ليلى، ومالك، والثوري، والحسن بن صالح، وشريك، ويحيى بن آدم وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور. وتقسم حصة المقر أثلاثا فلا يستحق المقر له مما في يد المقر إلا الثلث (وهو سدس جميع المال) كما لو ثبت نسبه ببينة، لأنه إقرار بحق يتعلق بحصته وحصة أخيه، فلا يلزمه أكثر مما يخصه، كالإقرار بالوصية، وإقرار أحد الشريكين على مال الشركة، وقال أبو حنيفة: إذا كان اثنان فأقر أحدهما بأخ لزمه دفع نصف ما في يده، وإن أقر بأخت لزمه ثلث ما في يده، لأنه أخذ ما لا يستحق من التركة، فصار كالغاصب، فيكون الباقي بينهما، ولأن الميراث يتعلق ببعض التركة كما يتعلق بجميعها، فإذا ملك بعضها أو غصب تعلق الحق بباقيها، والذي في يد المنكر كالمغصوب فيقتسمان الباقي بالسوية، كما لو غصبه أجنبي.

وقال الشافعي: لا يشارك المقر في الميراث (قضاء)، وحكي ذلك عن ابن سيرين، وقال إبراهيم: ليس بشيء حتى يقروا جميعا، لأنه لم يثبت نسبه فلا يرث، كما لو أقر بنسب معروف النسب. ولأصحاب الشافعي فيما إذا كان المقر صادقا فيما بينه وبين الله تعالى. هل يلزمه أن يدفع إلى المقر له نصيبه ؟ على وجهين: أحدهما: يلزمه (ديانة) وهو الأصح، وهل يلزمه أن يدفع إلى المقر له نصف ما في يده أو ثلثه ؟ على وجهين.

وإن أقر جميع الورثة بنسب من يشاركهم في الميراث ثبت نسبه، سواء أكان الورثة واحدا أم جماعة، ذكورا أم إناثا، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وحكاه عن أبي حنيفة، لأن الوارث يقوم مقام الميت في ميراثه وديونه... وكذلك في النسب، وقد روت السيدة عائشة رضي الله عنهما أن « سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه اختصم هو وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة، فقال سعد:

أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة وأقبضه فإنه ابنه، فقال عبد بن زمعة:

هو أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : هو لك يا عبد بن زمعة » ولأنه حق يثبت بالإقرار فلم يعتبر فيه العدد، ولأنه قول لا تعتبر فيه العدالة فلم يعتبر العدد فيه، والمشهور عن أبي حنيفة أنه لا يثبت إلا بإقرار رجلين أو رجل وامرأتين، وقال مالك: لا يثبت إلا بإقرار اثنين، لأنه يحمل النسب على غيره فاعتبر فيه العدد كالشهادة.

شروط الإقرار بالنسب:

يشترط لصحة الإقرار بالنسب على المقر نفسه:

(1) أن يكون المقر به مجهول النسب.

(2) ألا ينازعه فيه منازع، لأنه إن نازعه فيه غيره تعارضا، فلم يكن إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر.

(3) وأن يمكن صدقه بأن يحتمل أن يولد مثله لمثله.

(4) أن يكون ممن لا قول له كالصغير والمجنون، أو يصدق المقر إن كان من أهل التصديق. فإن كبر الصغير وعقل المجنون فأنكر لم يسمع إنكاره، لأن نسبه قد ثبت فلا يسقط، ولأن الأب لو عاد فجحد النسب لم يقبل منه.

-وإن كان الإقرار عليه وعلى غيره كإقرار بأخ اعتبر فيه الشروط الأربعة السابقة، وشرط خامس، وهو كون المقر جميع الورثة. فإن كان الوارث بنتا أو أختا أو أما أو ذا فرض يرث جميع المال بالفرض والرد، ثبت النسب بقوله عند الحنفية والحنابلة القائلين بالرد، وعند من لا يرى الرد كالشافعي لا يثبت بقوله النسب، لأنه لا يرى الرد ويجعل الباقي لبيت المال، ولهم فيما إذا وافقه الإمام في الإقرار وجهان، يقول الشيرازي: وإن مات وخلف بنتا فأقرت بنسب أخ لم يثبت النسب، لأنها لا ترث جميع المال. فإن أقر معها الإمام ففيه وجهان:

أحدهما: أن يثبت، لأن الإمام نافذ الإقرار في مال بيت المال.

والثاني: أنه لا يثبت لأنه لا يملك المال بالإرث، وإنما يملكه المسلمون وهم لا يتبينون، فلا يثبت النسب. وينص المالكية على أن من أقر بأخ وعم لم يرثه إن وجد وارث، وإلا يكن له وارث أصلا أو وارث غير حائز فخلاف، والراجح: إرث المقر به من المقر جميع المال، سواء أكان الإقرار في حال الصحة أم في حالة المرض، وفي قول: يحلف المقر به أن الإقرار حق.

وإن كان أحد الوارثين غير مكلف كالصبي والمجنون فأقر المكلف بأخ ثالث لم يثبت النسب بإقراره، لأنه لا يحوز الميراث كله، فإن بلغ الصبي أو أفاق المجنون فأقرا به أيضا ثبت نسبه لاتفاق جميع الورثة عليه، وإن ماتا قبل أن يصيرا مكلفين ثبت نسب المقر به لأنه وجد الإقرار من جميع الورثة، فإن المقر صار جميع الورثة، هذا فيما إذا كان المقر يحوز جميع الميراث بعد من مات، فإن كان للميت وارث سواه أو من يشاركه في الميراث لم يثبت النسب، ويقوم وارث الميت مقامه، فإذا وافق المقر في إقراره ثبت النسب، وإن خالفه لم يثبت. وإذا أقر الوارث بمن يحجبه كأخ أقر بابن للميت ثبت نسب المقر به وورث وسقط المقر... وهذا اختيار ابن حامد والقاضي وقول أبي العباس بن سريج. لأنه ابن ثابت النسب لم يوجد في حقه أحد موانع الإرث فيرثه، كما لو ثبت نسبه ببينة، ولأن ثبوت النسب سبب للميراث فلا يجوز قطع حكمه عنه، ولا يورث محجوب به مع وجوده وسلامته من الموانع.

وقال أكثر الشافعية: يثبت نسب المقر به ولا يرث، لأن توريثه يفضي إلى إسقاط توريث المقر، فيبطل إقراره، فأثبتنا النسب دون الإقرار . يقول الشيرازي: إن كان المقر به يحجب المقر، مثل أن يموت الرجل ويخلف أخا فيقر الأخ بابن للميت يثبت له النسب ولا يرث، لأنا لو أثبتنا له الإرث أدى ذلك إلى إسقاط إرثه، لأن توريثه يخرج المقر عن أن يكون وارثا فيبطل إقراره، لأنه إقرار من غير وارث.

وإن أقر رجلان عدلان ابنان أو أخوان أو عمان بثالث ثبت النسب للمقر به، فإن كانا غير عدلين فللمقر به ما نقصه إقرارهما ولا يثبت النسب. إذ المراد بالإقرار هنا الشهادة، لأن النسب لا يثبت بالإقرار ، لأنه قد يكون بالظن ولا يشترط فيه عدالة. وإن أقر عدل بآخر يحلف المقر به مع الإقرار ويرث ولا يثبت النسب بذلك، وإلا يكن المقر عدلا فمذهب المالكية أن للمقر به ما نقصه الإقرار من حصة المقر، سواء كان عدلا أو غير عدل ولا يمين، والتفرقة بين العدل وغيره قول ضعيف عند المالكية على تفصيل مبين عندهم. ويقول ابن قدامة: وإن أقر رجلان عدلان بنسب مشارك لهما في الميراث وثم وارث غيرهما لم يثبت النسب إلا أن يشهدا به، وبهذا قال الشافعي، لأنه إقرار من بعض الورثة فلم يثبت فيها النسب كالواحد، وفارق الشهادة لأنه تعتبر فيها العدالة والذكورية، والإقرار بخلافه.

الرجوع عن الإقرار بالنسب:

ينص الحنفية على أنه يصح رجوع المقر عما أقر فيما سوى الإقرار بالبنوة والأبوة والزوجية وولاء العتاقة، فإن من أقر في مرضه بأخ وصدقه المقر له ثم رجع عما أقر به يصح إن صدقه المقر عليه، لأنه وصية من وجه. وفي شرح السراجية، أنه بالتصديق يثبت النسب فلا ينفع الرجوع.

ويقول الشيرازي: وإن أقر بالغ عاقل ثم رجع عن الإقرار وصدقه المقر له في الرجوع ففيه وجهان:

أحدهما: أنه يسقط النسب، كما لو أقر بمال ثم رجع في الإقرار وصدقه المقر له في الرجوع.

والثاني: وهو قول أبي حامد الإسفراييني أنه لا يسقط، لأن النسب إذا ثبت لا يسقط بالاتفاق على نفيه كالنسب الثابت بالفراش.

ويقرب من هذا الاتجاه الحنابلة، يقول ابن قدامة: وإذا ثبت النسب بالإقرار ثم أنكر المقر لم يقبل إنكاره، لأنه نسب ثبت بحجة شرعية فلم يزل بإنكاره، كما لو ثبت ببينة أو بالفراش، وسواء أكان المقر به غير مكلف أم مكلفا فصدق المقر. ويحتمل أن يسقط نسب المكلف باتفاقهما على الرجوع عنه، لأنه ثبت باتفاقهما فزال برجوعهما كالمال. وقال ابن قدامة: والأول أصح، لأنه نسب ثبت بالإقرار فأشبه نسب الصغير والمجنون، وفارق المال، لأن النسب يحتاط لإثباته.

إقرار الزوجة بالبنوة:

عند الحنفية لا يقبل إقرار الزوجة بالولد وإن صدقها، لأن فيه تحميل النسب على الغير، لأنه ينسب إلى الأب، إلا أن يصدقها الزوج أو تقدم البينة، ويصح إقرار المرأة بالولد مطلقا إن لم تكن زوجة ولا معتدة، أو كانت زوجة وادعت أنه من غير الزوج، ولا يثبت نسبه منه ويتوارثان إن لم يكن لها وارث معروف، لأن ولد الزنا يرث بجهة الأم فقط.

وعن ابن رشد عن المدونة: وإن نظرت امرأة إلى رجل فقالت: ابني، ومثله يولد لها وصدقها لم يثبت نسبه منها، إذ ليس هنا أب يلحق به، وإن جاءت امرأة بغلام مفصول فادعت أنه ولدها لم يلحق بها في ميراث، ولا يحد من افترى عليها به.

وينص الحنابلة على أنه إن أقرت المرأة بولد ولم تكن ذات زوج ولا نسب قبل إقرارها، وإن كانت ذات زوج لا يقبل إقرارها في رواية، لأن فيه حملا لنسب الولد على زوجها ولم يقر به، أو إلحاقا للعار به بولادة امرأته من غيره. وفي رواية أخرى: يقبل، لأنها شخص أقر بولد يحتمل أن يكون منه، فقبل كالرجل.

وقال أحمد في رواية ابن منصور في امرأة ادعت ولدا: فإن كان لها إخوة أو نسب معروف فلا بد من أن يثبت أنه ابنها، فإن لم يكن لها دافع فمن يحول بينها وبينه ؟ وهذا لأنها متى كانت ذات أهل فالظاهر أنها لا تخفى عليهم ولادتها، فمتى ادعت ولدا لا يعرفونه فالظاهر كذبها. ويحتمل أن تقبل دعواها مطلقا، لأن النسب يحتاط له، فأشبهت الرجل.

الإقرار بالزوجية تبعا:

ومن أقر بنسب صغير لم يكن مقرا بزوجية أمه، وبهذا قال الشافعية، لأن الزوجية ليست مقتضى لفظه ولا مضمونه، فلم يكن مقرا بها.

وقال أبو حنيفة: إذا كانت مشهورة بالحرية كان مقرا بزوجيتها، لأن أنساب المسلمين وأصولهم يجب حملها على الصحة. والإقرار بالزوجية صحيح بشرط الخلو من الموانع.

إقرار المرأة بالوالدين والزوج:

نص الفقهاء على جواز إقرار المرأة بالوالدين والزوج، إذ الأنوثة لا تمنع صحة الإقرار على النفس. وقد ذكر الإمام العتابي في فرائضه أن الإقرار بالأم لا يصح، وكذا في ضوء السراج، لأن النسب للآباء لا للأمهات، وفيه حمل الزوجية على الغير. قال صاحب الدر: لكن الحق صحته بجامع الأصالة فكانت كالأب والأصل: أن من أقر بنسب يلزمه في نفسه ولا يحمل على غيره فإقراره مقبول، كما يقبل إقراره على نفسه بسائر الحقوق.

التصديق بالنسب بعد الموت:

ويصح التصديق في النسب بعد موت المقر، لأن النسب يبقى بعد الموت، وكذا تصديق الزوجة لأن حكم النكاح باق، وكذا تصديق الزوج بعد موتها لأن الإرث من أحكامه، وعند أبي حنيفة لا يصح لانقطاع النكاح بالموت.

ونص الشافعية على أن المقر به إذا كان ميتا فإن كان صغيرا أو مجنونا ثبت نسبه، لأنه يقبل إقراره به إذا كان حيا فقبل إذا كان ميتا. وإن كان بالغا عاقلا ففيه وجهان:

أحدهما: لا يثبت لأن نسب البالغ لا يثبت إلا بتصديقه، وذلك معدوم بعد الموت.

والثاني: أنه يثبت وهو الصحيح، لأنه ليس له قول، فيثبت نسبه بالإقرار كالصبي والمجنون..

وقالوا: إن النسب يثبت لمن أقر ببنوة مجهول النسب مستوفيا شروطه - ثبت نسبه مستندا لوقت العلوق.

كما نص الحنفية والمالكية على أن الإقرار بالجد وابن الابن لا يصح، لأن فيه تحميل النسب على الغير، غير أن المالكية قالوا: إن قال المقر: أبو هذا ابني صدق، لأن الرجل إنما يصدق في إلحاق ولده بفراشه، لا بإلحاقه بفراش غيره.

وفي كتب الشافعية أنه إذا كان بين المقر والمقر به واحد، وهو حي - لم يثبت النسب إلا بتصديقه، وإن كان بينهما اثنان أو أكثر لم يثبت النسب إلا بتصديق من بينهما، لأن النسب يتصل بالمقر من جهتهم فلا يثبت إلا بتصديقهم.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 170

أثر الإقرار بعد الإبراء:

ذهب الحنفية والمالكية - على الظاهر من كلام الحطاب - إلى أنه إذا أبرأ المدعي المدعى عليه المنكر من الدين إبراء عاما، ثم أقر المبرأ بالدين للمدعي، لم يعتبر الإقرار؛ لأن الدين قد سقط بالإبراء، والساقط لا يعود.

وهناك اتجاه ثان لبعض المالكية، وهو الذي أفتى به الناصر اللقاني وأخوه الشمس اللقاني أنه يعمل به لأنه بمنزلة إقرار جديد.

واستثنى ابن نجيم من ذلك ما لو أقر لزوجته بمهرها بعد هبتها إياه له، على ما هو المختار عند الفقيه أبي الليث، فيجعل زيادة إن قبلت، والأشبه خلافه لعدم قصد الزيادة. ويختلف أثر الإقرار أيضا عند الحنفية في مسألة الإبراء من الدين عن مسألة الإبراء من العين فيها لو أقر المبرأ للمبرئ بالعين بعد الإبراء، سلمها إليه ولا يمنع الإبراء من سماع الدعوى للمبرئ تصحيحا للإقرار، لتجدد الملك في العين.

الإقرار:

الإقرار لغة هو الاعتراف. يقال: أقر بالحق: إذا اعترف به، وقرره غيره بالحق حتى أقر به وشرعا: إخبار عن ثبوت حق للغير على نفسه.

حجية الإقرار:

- الإقرار حجة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول:

فمن الكتاب قوله تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدينوقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم. إذ الشهادة على النفس إقرار عليها بالحق.

ومن السنة «أن النبي صلي الله عليه وسلم أقام الحد على ماعز والغامدية بناء على إقرارهما بالزنا».

وقد أجمعت الأمة من عهد النبي صلي الله عليه وسلم إلى الآن على أن الإقرار حجة على المقر، يؤخذ به ويعامل بمقتضاه.

ودليله من المعقول: انتفاء التهمة، فإن العاقل لا يقر على نفسه كذبا.

مرتبة الإقرار بين طرق الإثبات.

الفقهاء مجمعون على أن الإقرار أقوى الأدلة الشرعية، لانتفاء التهمة فيه غالبا.

فقد نص الحنفية على أن الإقرار حجة شرعية فوق الشهادة، بناء على انتفاء التهمة فيه غالبا، ولا ينافي ذلك أنه حجة قاصرة على المقر وحده، في حين أن الشهادة حجة متعدية؛ لأن القوة والضعف وراء التعدية والاقتصار. فاتصاف الإقرار بالاقتصار على نفس المقر، والشهادة بالتعدية إلى الغير، لا ينافي اتصافه بالقوة واتصافها بالضعف بالنسبة إليه، بناء على انتفاء التهمة فيه دونها.

ونص المالكية على أن الإقرار أبلغ من الشهادة.

قال أشهب: «قول كل أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره.

ونص الشافعية على أن الإقرار أولى بالقبول من الشهادة.

ونص الحنابلة على أن المدعى عليه إذا اعترف بالحق لا تسمع عليه الشهادة، وإنما تسمع إذا أنكر.

بم يكون الإقرار؟

يكون الإقرار باللفظ أو ما يقوم مقامه، كالإشارة والكتابة والسكوت بقرينة. وتفصيل ذلك وغيره من أحكام الإقرار يرجع إليه في مصطلح (إقرار).

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الرابع ، الصفحة / 279

إقرار الأخرس بما يوجب الحد:

اختلف الفقهاء في صحة إقرار الأخرس بالزنى وغيره من الحدود. فذهب الشافعية، والقاضي من الحنابلة، وابن القاسم من المالكية إلى أنه يحد إن أقر بالزنى بإشارته، قالوا: لأن من صح إقراره بغير الزنى صح إقراره به.

وذهب الحنفية إلى أنه لا يحد بإقراره بالزنى، لأن الإشارة تحتمل ما فهم منها وغيره، فيكون ذلك شبهة في درء الحد، والحدود تدرأ بالشبهات وتفصيل ذلك في مصطلحي: (حدود، وإقرار).

إشارة الأخرس بالإقرار بما يوجب القصاص:

إشارته في ذلك مقبولة في قول الفقهاء في القصاص، لأنه من حقوق العباد.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 306

الإقرار:

على قول الحنفية والحنابلة - وهو خلاف الأظهر عند الشافعية - لا يقبل على الغرماء إقرار المفلس بشيء من ماله الذي حجر عليه فيه، لاحتمال التواطؤ بين المفلس ومن أقر له، ويلزمه ما أقر به بعد فك الحجر عنه.

والأظهر عند الشافعية: أنه يقبل في حق الغرماء، إن أسند وجوبه إلى ما قبل الحجر عليه أو أطلق، لا إن أضافه إلى ما بعد الحجر. وعند المالكية تفصيل، قالوا: يقبل إقراره على غرمائه إن أقر بالمجلس الذي حجر عليه فيه، أو قريبا منه، إن كان دينه الذي حجر عليه به ثبت بالإقرار، أو علم تقدم المعاملة بينهما. أما في غير ذلك إن ثبت بالبينة، فلا يقبل إمراره عليه لغيرهم.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الثالث عشر ، الصفحة / 98

تفسير المقر ما أبهمه في الإقرار:

إذا قال ابتداء أو جوابا عن دعوى صحيحة: لفلان علي شيء، ونحو ذلك، صح الإقرار باتفاق الفقهاء، ويجب عليه تفسير

المبهم، فإن فسره بما يتمول قبل تفسيره، قل أو كثر.

وإن فسره بما لا يتمول ولكنه من جنس ما يتمول، كحبة حنطة يقبل عند الشافعية، لأنه شيء يحرم أخذه بغير إذن، ويجب رده على آخذه.

ويشترط الحنفية أن يفسر بذي قيمة، وهو الراجح عند الحنابلة، ووجه عند الشافعية.

وإن لم يكن من جنس ما يتمول فإن كان مما يجوز اقتناؤه لمنفعته كالكلب المعلم أو القابل للتعليم، والسرجين، فيقبل تفسيره به، وإن فسره بما لا يجوز اقتناؤه، كخمر غير الذمي، أو ككلب لا يجوز اقتناؤه، فلا يقبل تفسيره به. وإن فسره بوديعة، أو بحق الشفعة قبل.

وإن امتنع عن التفسير حبس حتى يفسر، لأن التفسير واجب عليه، فيصير بامتناعه عن تفسير ما أقر به مجملا - كمن امتنع عن أداء حق وجب عليه.

وفي وجه عند الشافعية لا يحبس، فإن وقع الإقرار المبهم في جواب دعوى، وامتنع عن التفسير جعل منكرا، ويعرض اليمين عليه، فإن أصر ولم يحلف جعل ناكلا، وحلف المدعي، وإن كان ابتداء بلا سبق دعوى ادعى عليه المقر له بالحق، وقالوا: حيث أمكن حصول الغرض فلا يحبس.

والتفصيل في مصطلح (إقرار).

تقرير

التعريف:

التقرير في اللغة: مصدر قرر، يقال قرر الشيء في المكان: ثبته، وقرر الشيء في محله: تركه قارا، وقرر فلانا بالذنب: حمله على الاعتراف به، وقرر المسألة أو الرأي وضحه وحققه.

ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللغوي، وهو عند الأصوليين - كما ذكر في أقسام السنة: سكوت النبي صلي الله عليه وسلم - عن إنكار قول قيل بين يديه أو في عصره وعمل به، أو سكوته عن إنكار فعل حين فعل بين يديه أو في عصره وعلم به.

الألفاظ ذات الصلة:

أ - الإقرار:

الإقرار لغة: الإذعان للحق والاعتراف به. يقال: أقر بالحق أي اعترف به.

واصطلاحا: إخبار عن ثبوت حق للغير على نفسه، وهو بذلك قد يكون أثرا للتقرير.

ب - السكوت:

السكوت: ترك الكلام والسكوت عن الأمر عدم الإنكار، والصلة بينه وبين التقرير هي أن السكوت عند الفقهاء قد يكون تقريرا وقد لا يكون.

ومن القواعد الفقهية: لا ينسب لساكت قول، لكن هذه القاعدة استثني بها مسائل عديدة اعتبر السكوت فيها تقريرا ومن ذلك:

سكوت البكر عند استئذانها في النكاح.

وقبول التهنئة بالمولود والسكوت على ذلك يعتبر إقرارا بالنسب.

قال الزركشي: السكوت بمجرده ينزل منزلة التصريح بالنطق في حق من تجب له العصمة، ولهذا كان تقريره صلي الله عليه وسلم من شرعه، وكان الإجماع السكوتي حجة عند كثيرين. أما غير المعصوم فالأصل أنه لا ينزل منزلة نطقه إلا إذا قامت قرائن تدل على الرضا فينزل منزلة النطق.

ج - الإجازة:

من معاني الإجازة: الإنفاذ، يقال: أجاز الشيء إذا أنفذه وجوز له ما صنع وأجاز له: أي سوغ له ذلك وأجزت العقد: جعلته جائزا نافذا وهي بهذا المعنى تكون كالتقرير للأمر الذي حدث، ومن ذلك إجازة المالك لتصرف الفضولي عند الحنفية والمالكية.

(الحكم الإجمالي ):

أولا - التقرير عند الأصوليين:

ذكر الأصوليون التقرير باعتباره قسما من أقسام السنة، وصورته: أن يسكت النبي صلي الله عليه وسلم عن إنكار قول قيل بين يديه أو في عصره وعلم به أو سكت عن إنكار فعل فعل بين يديه أو في عصره وعلم به. ويلحق بذلك: قول الصحابي: كنا نفعل كذا، وكانوا يفعلون كذا وأضافه إلى عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان مما لا يخفى مثله عليه.

والتقرير حجة ويدل على الجواز ورفع الحرج، لكن ذلك لا بد وأن يكون مع قدرة النبي صلي الله عليه وسلم على الإنكار، وكون المقرر منقادا للشرع، وكون الأمر المقرر ثابتا لم يسبق النهي عنه.

لأنه لو لم يكن جائزا لما سكت عنه النبي صلي الله عليه وسلم ولما يترتب عليه من تأخير البيان.

وذهبت طائفة إلى أن التقرير لا يدل على الجواز لأن السكوت وعدم الإنكار يحتمل أن النبي صلي الله عليه وسلم سكت لعلمه بأنه لم يبلغه التحريم فلا يكون الفعل إذ ذاك حراما، ويحتمل أنه سكت عنه لأن الإنكار لم ينجح فيه وعلم أن إنكاره ثانيا لا يفيد فلم يعاوده، وبذلك لا يصلح التقرير دليلا على الجواز والنسخ.

وفي الموضوع تفصيل ينظر في الملحق الأصولي.

ثانيا - التقرير عند الفقهاء:

يأتي التقرير عند الفقهاء بمعان ثلاثة:

الأول: بمعنى تثبيت حق المقرر في شيء وتأكيده:

أورد الحنفية التقرير بهذا المعنى في مسألة طلب الشفعة، إذ أنهم يقسمون طلب الشفعة إلى ثلاثة أقسام:

طلب المواثبة، وطلب التقرير، وطلب الخصومة والملك، فطلب المواثبة هو طلب الشفعة في مجلس العلم بها، لبيان أنه غير معرض عن الشفعة والإشهاد ليس بشرط فيه.

وطلب التقرير والإشهاد هو أن يشهد على طلبه عند البائع إ ن كان المبيع في يده، أو عند المبتاع إن كان البائع قد سلمه المبيع أو عند العقار.

فإذا فعل ذلك استقرت شفعته. وهذا الطلب يسمى طلب التقرير أو طلب الإشهاد؛ لأنه بذلك قرر حقه وأكده.

والشفيع إنما يحتاج إلى طلب التقرير بعد طلب المواثبة إذا لم يمكنه الإشهاد عند طلب المواثبة. أما إذا استطاع عند طلب المواثبة الإشهاد عند البائع أو المشتري أو العقار فذلك يكفيه ويقوم مقام الطلبين، والإشهاد إنما هو لإثبات الحق عند التجاحد.

هذا وبقية المذاهب تذكر الإشهاد دون لفظ التقرير، وفي اعتبار الإشهاد شرطا لاستقرار الشفعة أو غير شرط. ينظر مصطلح: (إشهاد، وشفعة) .

الثاني: بمعنى استمرار الأمر الموجود وإبقائه على حاله، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:

أ - في الشركة:

إذا مات أحد الشريكين ولم يتعلق بالتركة دين ولا دية فللوارث الرشيد الخيار بين القسمة وتقرير الشركة، فإن كان على الميت دين فليس للوارث تقرير الشركة إلا بعد قضاء الدين. (ر: شركة)

ب - في القراض:

إذا مات المالك وأراد الوارث الاستمرار على العقد، فإن كان المال ناضا فلهما ذلك بأن يستأنفا عقدا بشرطه، قال النووي: وهل ينعقد بلفظ الترك والتقرير بأن يقول الوارث: تركتك أو قررتك على ما كنت عليه؟ وجهان، أصحهما نعم لفهم المعنى.

وإذا مات عامل المضاربة وأراد المالك تقرير وارث العامل مكانه فتقريره مضاربة مبتدأة لا تجوز إلا على نقد مضروب.

وينظر تفصيل ذلك في مضاربة (قراض).

ج - في القضاء:

الأصل أنه لا يجوز نقض حكم سابق إذا لم يخالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا. بل كان مجتهدا فيه، وهذا في الجملة. لكن هل تقرير القاضي ما رفع إليه يعتبر حكما لا يجوز نقضه؟

عقد ابن فرحون في تبصرته فصلا بعنوان تقرير الحاكم ما رفع إليه. قال: اختلف أهل المذهب (يعني المالكية) هل يكون تقرير الحاكم على الواقعة حكما بالواقع فيها أم لا؟ كما إذا زوجت امرأة نفسها بغير إذن وليها ورفع ذلك إلى قاض حنفي فأقره وأجازه ثم عزل، قال ابن القاسم ليس لغيره فسخه وإقراره عليه كالحكم به، واختاره ابن محرز، وهو ظاهر المدونة، يريد أن ذلك كالحكم فلا يعترضه قاض آخر، وقال عبد الملك: ليس بحكم ولغيره فسخه، وهذا بخلاف ما لو رفع له فقال: لا أجيز النكاح بغير ولي من غير أن يحكم بفسخه فهذه فتوى ولغيره الحكم في تلك الواقعة بما يراه.

وينظر تفصيل ذلك في: (قضاء).

الثالث - التقرير بمعنى طلب الإقرار من المتهم وحمله على الاعتراف

للقاضي تقرير المدعى عليه وذلك بأن يطلب القاضي منه الجواب إما بالإقرار أو بالإنكار.

وإقرار المكره لا يعمل به في الجملة. لكن الفقهاء جعلوا من باب السياسة الشرعية مراعاة شواهد الحال وأوصاف المتهم وقوة التهمة فأجازوا التوصل إلى الإقرار بالحق بما يراه الحاكم استنادا إلى قوله تعالي : ( وإن كان قميصه قد من دبر) وقد فعل ذلك علي بن أبي طالب رضي الله تعالي عنه لما بعثه رسول الله صلي الله عليه وسلم هو والزبير بن العوام في أثر المرأة التي حملت خطاب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، وفي الكتاب إخبار بما عزم عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم من المسير إليهم، فأدرك علي والزبير المرأة واستنزلاها والتمسا في رحلها الكتاب فلم يجدا شيئا فقال لها علي رضي الله تعالي عنه : أحلف بالله ما كذب رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك، فلما رأت الجد منه استخرجت الكتاب من قرون رأسها».

لكنهم اختلفوا هل يكون ذلك للقاضي أو لوالي المظالم؟

فعند الحنفية والمالكية وبعض أصحاب الإمام أحمد أنه يجوز للقاضي وللوالي ضرب المتهم ضرب تقرير لأن القاضي نائب عن الإمام في تنفيذ الأحكام.

وعند الشافعية وبعض أصحاب الإمام أحمد يكون ذلك لوالي المظالم ولا يكون للقاضي، ووجه هذا القول أن الضرب المشروع هو ضرب الحدود والتعزير وذلك إنما يكون بعد ثبوت أسبابها وتحققها.

قال ابن القيم: الدعاوى قسمان: دعوى تهمة ودعوى غير تهمة.

فدعوى التهمة أن يدعي فعل محرم على المطلوب يوجب عقوبته مثل قتل أو قطع طريق أو سرقة أو غير ذلك من العدوان الذي يتعذر إقامة البينة عليه في غالب الأحوال.

ودعوى غير التهمة كأن يدعي عقدا من بيع أو قرض أو رهن أو ضمان أو غير ذلك وكل من القسمين قد يكون حدا محضا كالشرب والزنى، وقد يكون حقا محضا لآدمي كالأموال، وقد يكون متضمنا للأمرين كالسرقة وقطع الطريق. فهذا القسم (أي دعوى غير التهمة) إن أقام المدعي حجة شرعية وإلا فالقول قول المدعى عليه مع يمينه لما روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه».

أما القسم الأول من الدعاوى: وهو دعاوى التهم وهي دعوى الجناية والأفعال المحرمة كدعوى القتل وقطع الطريق والسرقة والقذف والعدوان فهذا ينقسم المدعى عليه فيه إلى ثلاثة أقسام فإن المتهم إما أن يكون بريئا ليس من أهل تلك التهمة، أو فاجرا من أهلها، أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم. فإن كان بريئا لم تجز عقوبته اتفاقا.

واختلفوا في عقوبة المتهم له على قولين: أصحهما أنه يعاقب صيانة لتسلط أهل الشر والعدوان على أعراض البرآء.

قال مالك وأشهب رحمها الله: لا أدب على المدعي إلا أن يقصد أذية المدعى عليه وعيبه وشتمه فيؤدب. وقال أصبغ: يؤدب قصد أذيته أو لم يقصد.

(القسم الثاني): أن يكون المتهم مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام. والمنصوص عليه عند أكثر الأئمة أنه يحبسه القاضي والوالي. هكذا نص عليه مالك وأصحابه وهو منصوص الإمام أحمد ومحققي أصحابه وذكره أصحاب أبي حنيفة.

وقال الإمام أحمد: «قد حبس النبي صلي الله عليه وسلم في تهمة» قال أحمد: وذلك حتى يتبين للحاكم أمره. ثم الحاكم قد يكون مشغولا عن تعجيل الفصل وقد يكون عنده حكومات سابقة فيكون المطلوب محبوسا معوقا من حين يطلب إلى أن يفصل بينه وبين خصمه وهذا حبس بدون التهمة ففي التهمة أولى.

ومنهم من قال: الحبس في التهم إنما هو لوالي الحرب دون القاضي، وقد ذكر هذا طائفة من أصحاب الشافعي كأبي عبد الله الزبيري والماوردي وغيرهما وطائفة من أصحاب أحمد من المصنفين في أدب القضاة وغيرهم واختلفوا في مقدار الحبس في التهمة هل هو مقدر أو مرجعه إلى اجتهاد الوالي والحاكم؟ على قولين ذكرهما الماوردي وأبو يعلى وغيرهما فقال الزبيري: هو مقدر بشهر وقال الماوردي: غير مقدر.

(القسم الثالث): أن يكون المتهم معروفا بالفجور كالسرقة وقطع الطريق والقتل ونحو ذلك. قال ابن القيم: ويسوغ ضرب هذا النوع من المتهمين كما «أمر النبي صلي الله عليه وسلم الزبير بتعذيب المتهم الذي غيب ماله حتى أقر به في قصة ابن أبي الحقيق».

قال شيخنا: واختلفوا فيه هل الذي يضربه الوالي دون القاضي أو كلاهما أو لا يسوغ ضربه؟ على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه يضربه الوالي أو القاضي هذا قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهم منهم أشهب بن عبد العزيز قاضي مصر فإنه قال:

يمتحن بالحبس والضرب ويضرب بالسوط مجردا.

والقول الثاني: أنه يضربه الوالي دون القاضي وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وأحمد حكاه القاضيان (أبو يعلى والماوردي) ووجه هذا أن الضرب المشروع هو ضرب الحدود والتعزير وذلك إنما يكون بعد إثبات أسبابها وتحققها.

والقول الثالث: أنه لا يضرب. وهذا قول أصبغ وكثير من الطوائف الثلاثة بل قول أكثرهم لكن حبس المتهم عندهم أبلغ من حبس المجهول.

ثم قالت طائفة منهم عمر بن عبد العزيز ومطرف وابن الماجشون أنه يحبس حتى يموت ونص عليه الإمام أحمد في المبتدع الذي لم ينته عن بدعته أنه يحبس حتى يموت، وقال مالك: لا يحبس إلى الموت.

والذين جعلوا عقوبته للوالي دون القاضي قالوا: ولاية أمير الحرب معتمدها المنع من الفساد في الأرض وقمع أهل الشر والعدوان وذلك لا يتم إلا بالعقوبة للمتهمين المعروفين بالإجرام بخلاف ولاية الحكم فإن مقصودها إيصال الحقوق إلى أربابها قال شيخنا: وهذا القول هو في الحقيقة قول بجواز ذلك في الشريعة لكن كل ولي أمر يفعل ما فوض إليه فكما أن ولي الصدقات يملك من القبض والصرف ما لا يملكه والي الخراج وعكسه كذلك والي الحرب ووالي الحكم يفعل كل منهما ما اقتضته ولايته الشرعية مع رعاية العدل والتقيد بالشريعة.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / السابع عشر ، الصفحة / 138

- الإقرار:

شروط الإقرار في الحدود قسمان:

شروط تعم الحدود كلها: وهي البلوغ والعقل والنطق، فلا يصح إقرار الصبي، لأن سبب وجوب الحد لا بد أن يكون جناية، وفعل الصبي لا يوصف بكونه جناية.

وكذلك لا بد أن يكون الإقرار بالخطاب والعبارة دون الكتاب والإشارة، لأن الشرع علق وجوب الحد بالبيان المتناهي، ولذلك لو أقر بالوطء الحرام لا يقام عليه الحد ما لم يصرح بالزنى.

ويقبل إقرار الأخرس بالإشارة المفهمة عند الحنابلة والشافعية ولا تقبل عند الحنفية والمالكية وهو احتمال للخرقي من الحنابلة وتفصيله في: (إقرار).

شروط تخص بعض الحدود منها:

أ - تكرار الإقرار:

ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يشترط أن يقر الزاني أو الزانية أربع مرات، وبهذا قال الحكم وابن أبي ليلى وإسحاق.

ويرى المالكية والشافعية أن تكرار الإقرار ليس بشرط، ويكتفى بإقراره مرة واحدة، وبه قال الحسن وحماد وأبو ثور والطبري وابن المنذر وجماعة. لأن الإقرار إنما صار حجة في الشرع لرجحان جانب الصدق فيه على جانب الكذب، وهذا المعنى عند التكرار والتوحيد سواء، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» فعلق الرجم على مجرد الاعتراف.

واستدل الحنفية والحنابلة بما روي «أن ماعزا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر بالزنى، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه الكريم إلى الأربع» فلو كان الإقرار مرة موجبا للحد لما أخره إلى الأربع.

ب - اشتراط عدد المجالس:

اختلف في اشتراط عدد مجالس الإقرار عند من اشترط تكراره، وكون الإقرار بين يدي الإمام، وكون الزاني والمزني بها ممن يقدر على دعوى الشبهة، وكون الزاني ممن يتصور منه وجود الزنى، وفي ذلك تفصيل ذكر في كل حد من الحدود وفي مصطلح: (إقرار)

أثر علم الإمام أو نائبه في الحدود:

ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية في قول: إلى أنه ليس للإمام أو نائبه إقامة الحد بعلمه، لقوله تعالى : ( فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال أيضا: ( فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) وبه قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

وقال الشافعية في قول آخر: له إقامته

بعلمه، وهو قول أبي ثور. لأنه إذا جازت له إقامته بالبينة والاعتراف الذي لا يفيد إلا الظن، فما يفيد العلم هو أولى.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / التاسع عشر ، الصفحة / 95

إقرار الأخرس :

- تعتبر الإشارة من الأخرس إذا كانت مفهومة قائمة مقام العبارة في إقراره، وكذا الكتابة منه، ويؤخذ بذلك في كل ما أقر به من حقوق العباد بما في ذلك القصاص. وهذا باتفاق الفقهاء إلا في قول عند الحنفية: إن القصاص لا يثبت بإقرار الأخرس .

واختلف في إقرار الأخرس بما يوجب الحد كالقذف والزنى والسرقة.

فذهب المالكية والشافعية والحنابلة وأبو ثور وابن المنذر إلى أن الأخرس يؤخذ بإقراره بما يوجب الحد؛ لأن من صح إقراره بغير ما يوجب الحد صح إقراره بما يوجبه كالناطق.

وذهب الحنفية - وهو احتمال لكلام الخرقي من الحنابلة ذكره صاحب المغني - إلى أن الأخرس لا تعتبر إشارته أو كتابته في إقراره بما يوجب الحد؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات لكونها حق الله تعالى .

وينظر التفصيل في مصطلح (إقرار ف 54 - 58، وحد، وقصاص).

الخطأ في الإقرار والغلط فيه :

- قال الشافعية: إذا رجع المقر في حال تكذيب المقر له، بأن يقول غلطت في الإقرار، قبل قوله في الأصح بناء على أن المال المقر به يترك في يده، والثاني: لا، بناء على أن الحاكم ينتزعه منه، وهذه المسألة مبنية على مسألة أخرى هي أنه إذا كذب المقر له المقر بمال كثوب هل يترك المال في يد المقر أو ينتزعه الحاكم ويحفظه إلى ظهور مالكه ؟ فالأصح عندهم أن المال يترك في يده، ومقابل الأصح ينتزع منه فالمسألة الأولى مبنية على هذه .

وينظر التفصيل في مصطلح: (إقرار).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 252

ما يثبت به الرضاع:

يثبت الرضاع بالإقرار أو بالبينة.

الإقرار بالرضاع:

إذا تزوج رجل امرأة ثم قال: هي أختي أو ابنتي من الرضاع انفسخ النكاح.

فإن كان قبل الدخول وصدقته المرأة فلا مهر لها، وإن كذبته فلها نصفه.

وإن كانت المرأة هي التي قالت: هو أخي من الرضاعة فأكذبها ولم تأت بالبينة، فهي زوجته في الحكم.

وهذا إن كان الإقرار ممكنا. فإن لم يكن ممكنا، بأن يقول: فلانة بنتي من الرضاعة وهي أكبر منه سنا فهو لغو.

الرجوع عن الإقرار:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه إذا صح الإقرار، فرجع عنه المقر أو رجعا لم يقبل قضاء، وأما فيما بينه وبين ربه فينبني ذلك على علمه بصدقه. فإن علم أن الأمر كما قال فهي محرمة عليه ولا نكاح بينهما، وإن علم كذب نفسه فالنكاح باق بحاله، وقوله كذب لا يحرمها عليه؛ لأن المحرم حقيقة الرضاع لا القول.

وقال الحنفية: إن ثبت على الإقرار بأن قال: هو حق، فرق بينهما، وإن قال: أخطأت أو وهمت، لم يفرق بينهما وقبل رجوعه.

وإن اتفق الزوجان على أن بينهما رضاعا محرما فرق بينهما، ويسقط المهر المسمى؛ لأنهما اتفقا على أن النكاح فاسد من أصله، ففسد المسمى ووجب مهر المثل إن كانت جاهلة بالتحريم ودخل بها؛ لأنها كالموطوءة بالشبهة. وإن كانت عالمة بالتحريم ومكنته من الوطء فلا شيء لها؛ لأنها بغي مطاوعة، وكذا إن كانت غير مدخول بها؛ لاتفاقهما على فساد النكاح من أصله ولم يدخل بها، فلا موجب للمهر.

وقال المالكية: لها ربع دينار ذهبا فقط. وإن أقر الزوج بالرضاع وأنكرت هي، حكم ببطلان النكاح وفرق بينهما، ولزمه المسمى إن كان صحيحا أو مهر المثل إن كان فاسدا إن كانت مدخولا بها، ونصف المسمى أو نصف مهر المثل إن كانت غير مدخول بها؛ لأن قوله غير مقبول عليها في إسقاط حقوقها، فلزمه بإقراره فيما هو حق له وهو تحريمها عليه، وفسخ نكاحه، ولم يقبل قوله فيما عليه من المهر

هذا إذا لم تكن بينة، وله تحليفها قبل الدخول، وكذا بعده إن كان مهر المثل أقل من المسمى، فإن نكلت الزوجة عن اليمين حلف الزوج، ولا شيء لها قبل الدخول، ولا يجب لها أكثر من مهر المثل بعد الدخول.

إقرار الزوجة بالرضاع:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الزوجة إن ادعت الرضاع بينها وبين الزوج فأنكر الزوج ولا بينة لم ينفسخ النكاح؛ لأنه حق عليها، وإن كان قبل الدخول فلا مهر لها؛ لأنها تقر بأنها لا تستحقه.

فإن كانت قد قبضته لم يكن للزوج أخذه منها؛ لأنه يقر بأنه حق لها، وإن كان بعد الدخول فأقرت بأنها كانت عالمة بأنها أخته، وبتحريمها عليه ومطاوعة له في الوطء فلا مهر لها؛ لأنها أقرت بأنها زانية مطاوعة، وإن أنكرت شيئا من ذلك فلها المهر؛ لأنه وطء بشبهة، وهي زوجته في ظاهر الحكم؛ لأن قولها عليه غير مقبول.

وقال الشافعية: إن أقرت الزوجة بالرضاع وأنكر الزوج، صدق بيمينه إن زوجت منه برضاها، بأن عينته في إذنها لتضمنه إقرارها بحلها له، فلم يقبل منها نقيضه، وتستمر الزوجية ظاهرا بعد حلف الزوج على نفي الرضاع. وإن لم تزوج برضاها بل زوجت إجبارا، أو أذنت بغير تعيين الزوج، فالأصح عندهم تصديقها بيمينها ما لم تمكنه من وطئها مختارة لاحتمال صحة ما تدعيه، ولم يسبق منها ما ينافيه، فأشبه إقرارها قبل النكاح، ولها مهر مثلها إن وطئ ولم تكن عالمة بالحكم مختارة في التمكين، لا المسمى لإقرارها بنفي استحقاقها. فإن قبضته لم يسترد منها لزعمه أنه لها، وإن لم يدخل بها أو كانت عالمة بالتحريم مختارة في التمكين فلا شيء لها؛ لأنها بغي مطاوعة. والمنكر للرضاع يحلف على نفي العلم؛ لأنه ينفي فعل الغير، ومدعيه يحلف على البت.

نصاب الشهادة على الرضاع:

اختلف الفقهاء في نصاب الشهادة على الرضاع: فذهب الحنفية إلى أنه يثبت بشهادة العدول، رجلين أو رجل وامرأتين، ولا يقبل أقل من ذلك، ولا شهادة النساء بانفرادهن.

واستدلوا بقول عمر رضي الله عنه : «لا يقبل على الرضاع أقل من شاهدين وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم يظهر النكير من أحد، فصار إجماعا.

ولأن هذا مما يطلع عليه الرجال في الجملة، فلا يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد؛ لأن قبول شهادتهن بانفرادهن في أصول الشرع للضرورة، وهي ضرورة عدم اطلاع الرجال على المشهود به، فإذا جاز الاطلاع عليه في الجملة لم تتحقق الضرورة.

وقال المالكية: يثبت الرضاع بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين مطلقا قبل العقد وبعده. ويعمل قبل العقد في غير الرشيد بإقرار أحد الأبوين، ولو أما، وأولى بإقرارهما معا، فيفسخ إذا وقع، ولا يعتبر إقرارهما بعده. وأما بعد العقد فيقبل شهادة رجل وامرأة، أو شهادة امرأتين إن فشا ذلك قبل العقد، ولا يقبل شهادة امرأة واحدة ولو فشا ذلك.

وقال الشافعية: يثبت الرضاع بشهادة رجلين، وبرجل وامرأتين، وبأربع نسوة؛ لأنه مما لا يطلع الرجال عليه إلا نادرا، ولا يثبت بدون أربع نسوة.

وقال الحنابلة: يثبت الرضاع بشهادة المرأة المرضية. واستدلوا بحديث «عقبة قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فأتيت النبي صلي الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: كيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما» وهو يدل على الاكتفاء بالمرأة الواحدة.

أما الإقرار بالرضاع فلا يثبت إلا بشهادة رجلين عليه إن أقر بذلك، وهذا عند الشافعية والحنابلة والتفصيل في: باب الشهادة».

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الثالث والعشرون ، الصفحة / 15

ثبوت الرق بالإقرار:

قال الحنفية: إذا كان صبي مجهول النسب في يد رجل وهو يعبر عن نفسه، أي يعقل فحوى ما يجري على لسانه، وادعى الرجل رقه، فقال الصبي: أنا حر، فالقول قوله؛ لأنه في يد نفسه، ولو قال: أنا عبد لفلان - لغير من هو في يده - فهو للذي هو في يده؛ لأنه أقر بالرق، وإن كان لا يعبر عن نفسه فهو للذي هو في يده.

وأما الصبي الذي يعبر عن نفسه إذا أقر بالرق وهو مجهول النسب فهو رقيق، ومن باب أولى من كان عند إقراره بالغا.

وعند الحنابلة لا يثبت الرق بإقرار الصبي المميز ويثبت بإقرار البالغ لكن إن أقر بالرق من هو ثابت الحرية لم يصح إقراره، فلو أقرت حرة لزوجها بأنها أمته، فباعها للجوع والغلاء، فوطئها المشتري، قال المالكية: فلا حد عليها ولا تعزير؛ لعذرها بالجوع، ويرجع المشتري على زوجها بالثمن أي لأنها حرة فلا ترق بذلك.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 42

البينة على الإقرار:

اختلف الفقهاء في ثبوت حد الزنى بالبينة - الشهادة - على الإقرار.

فذهب جمهور الفقهاء - الحنفية والمالكية والحنابلة - إلى عدم ثبوت حد الزنى بالبينة على الإقرار من حيث الجملة. فذهب الحنفية إلى أنه لا تقبل الشهادة على الإقرار، وعند المالكية أنه إذا قامت بينة على إقراره وهو منكر فلا يحد، مثل الرجوع. وقال الحنابلة: لو شهد أربعة على إقراره بالزنى أربعا، يثبت الزنى لوجود الإقرار به أربعا، ولا يثبت الإقرار بالزنى بدون أربعة يشهدون على الإقرار به من الرجال. فإن أنكر المشهود عليه الإقرار، أو صدقهم دون أربع مرات فلا حد عليه، لأن إنكاره وتصديقه دون أربع رجوع عن إقراره، وهو مقبول منه.

وذهب الشافعية إلى ثبوت حد الزنى بالشهادة على إقراره. قالوا: لو شهدوا على إقراره بالزنى فقال: ما أقررت، أو قال بعد حكم الحاكم بإقراره: ما أقررت، فالصحيح أنه لا يلتفت إلى قوله؛ لأنه تكذيب للشهود والقاضي.

- الرجوع عن الإقرار:

اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أن السارق إذا رجع عن إقراره، قبل القطع، سقط عنه الحد؛ لأن الرجوع عن الإقرار يورث شبهة.

وذهب بعض الفقهاء إلى أن رجوع السارق في إقراره لا يقبل منه، ولا يسقط عنه الحد؛ لأنه لو أقر لآدمي بقصاص أو بحق لم يقبل رجوعه عنهما، فكذلك الحكم إذا أقر بالسرقة.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الخامس والعشرون ، الصفحة / 72

أثر السفه على الإقرار:

أولا: الإقرار بمال أو بدين أو غيره:

إذا أقر بدين أو إتلاف مال، أو أقر بعين في يده، فهل يصح إقراره قضاء؟

في المسألة آراء:

الرأي الأول: عدم صحة إقراره سواء أسند وجوب المال إلى ما قبل الحجر أم إلى ما بعده كالصبي؛ إذ إنه محجور عليه لحفظ ماله.

فلو قلنا بصحة إقراره توصل بالإقرار إلى إبطال معنى الحجر، وما لا يلزمه بالإقرار والابتياع لا يلزمه إذا فك الحجر عنه؛ لأنا أسقطنا حكم الإقرار والابتياع لحفظ المال، فلو قلنا بأنه يلزمه إذا فك الحجر عنه لم يؤثر الحجر في حفظ المال.

وهذا هو مذهب الحنفية والحنابلة والشافعية، والأصح عند المالكية، لكن الحنفية قالوا: بعد صلاحه إن سئل عما أقر به وقال: كان حقا، أخذ به بعد رفع الحجر عنه.

أما الحنابلة فلهم قولان بعد فك الحجر عنه الأصح عدم إلزامه به؛ لأن المنع من نفوذ إقراره في حال الحجر عليه لحفظ ماله ودفع الضرر عنه، فنفوذه بعد فكه عنه لا يفيد إلا تأخير الضرر عليه إلى أكمل حالتيه.

والرأي الثاني: يلزمه بعد فكاك حجره، لأنه مكلف فيلزمه ما أقر به عند زوال الحجر كالراهن والمفلس.

والرأي الثالث: يقبل قوله؛ لأنه إذا باشر الإتلاف يضمن، فإذا أقر به قبل قضاء وهو المرجوح عند الشافعية، أما ديانة، فإن كان صادقا في إقراره لزمه رده بعد فك الحجر عنه.

ثانيا: إقراره باستهلاك الوديعة:

إذا أقر بأن الوديعة التي أودعها إياه رجل قد هلكت، لا يصدق في إقراره ولا يلزمه شيء، لأن إقراره غير ملزم له بالمال ما دام محجورا كالصبي.

ثالثا: إقراره بالنكاح:

لو أقر السفيه بالنكاح فإنه تابع للقول بصحته منه، فمن أجاز إنشاءه منه قال بصحة إقراره به كالحنفية، ومن قال لا بد من إذن وليه لم يعتبر إقراره به، وهو ما عليه جمهور الفقهاء. أما السفيهة فيقبل إقرارها لمن صدقها كالرشيدة.

إذ لا أثر للسفه من جانبها؛ لأن إقرارها يحصل به المال وهو المهر، وإقراره يفوت به المال.

رابعا: إقراره بالنسب ونفيه:

اتفق الفقهاء على أن إقرار السفيه بالنسب يصح منه ويلحق المقر به بنسبه؛ إذ لا يؤثر عليه السفه لأنه ليس بمال، فيقبل إقراره كالحد.

وإن لم يكن له مال أنفق على الملحق من بيت المال.

قال ابن المنذر: هو إجماع من نحفظ عنه.

خامسا: إقراره بالقصاص أو بحد من الحدود:

أجمع الفقهاء على صحة الإقرار بما يوجب الحد وبما يوجب القصاص.

قال ابن المنذر: هو إجماع من نحفظ عنه؛ لأنه غير متهم في نفسه، ولعدم تعلقه بالمال، وعليه أرش جنايته؛ لأنه تفريط من المالك، والإتلاف يستوي فيه جائز التصرف وغيره.

فإن عفا عنه المقر له فهل يسقط أم لا؟ ذكر الحنابلة فيه وجهين: أصحهما يسقط القصاص ولا يجب المال في الحال؛ لأن السفيه والمقر له قد يتواطآن على ذلك، ويجب عندهم إذا انفك الحجر عنه. ويجب عند الشافعية لأنه تعلق باختيار غيره لا بإقراره.

أما إقراره بما يوجب المال فلا يلزمه كجناية الخطأ وشبه العمد.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الثالث والأربعون ، الصفحة / 207

- إقرار الوصي بدين على الميت:

قال الحنفية والحنابلة: لا يجوز إقرار الوصي بدين على الميت، ولا بشيء من تركته لأنه إقرار على الغير والإقرار على الغير باطل، ولا يجوز للمقر له أخذه حتى يقيم برهانا ويحلف يمينا، ويضمن الوصي لو دفع للمقر له ما أقر به إلا أن يكون المقر وارثا فيصح في حصته.

وزاد الحنفية: لو أقر الوصي بعين في يده لآخر ولم تكن من التركة، ثم ادعى أنها للصغير لا يسمع إقراره لتناقضه لأن إقراره وإن كان لا يمضي على غيره فهو يمضي عليه هو حتى لو ملكها يوما أمر بدفعها له.

-------------------------------------------------------------------------------

الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني المجلد الأول ، الصفحة : 638

وفى الفقه الإسلامى يبطل الإقرار بعد وجوده بتكذيب المقر له للمقر فى حقوق العباد ، وبرجوع المقر عن الإقرار فى حقوق الله تعالى . جاء فى البدائع : " الإقرار بعد وجوده يبطل بشيئين . أحدهما تكذيب المقر له فى أحد نوعى الإقرار ، وهو الإقرار بحقوق العباد ، لأن إقرار المقر دليل لزوم المقر به ، وتكذيب المقر له دليل عدم اللزوم ، واللزوم لم يعرف ثبوته ، فلا يثبت مع الشك . والثانى رجوع المقر عن إقراره فيما يحتمل الرجوع فى أحد نوعى الإقرار بحقوق الله تبارك وتعالى خالصا كحد الزنا ، لأنه يحتمل أن يكون صادقا فى الإنكار ، فيكون كاذبا فى الإقرار ضرورة ، فيورث شبة فى وجوب الحد " ( البدائع 7 ص 232 - ص 233 ) . ولا يسمع من المقعر أنه كاذب فى إقراره . ولكن للمقر أن يرجع فى إقراره للإكراه لا للغلط : جاء فى الأشباه والنظائر لابن نجيم ( ص 137 و 140 ) " إقرار المكره باطل " . . . ثم قال غلطت إنها خمسمائة ، لم يصدق وهو ضامن لما أقر به " .

وفى الفقه الإسلامى الإقرار كاشف لا منشئ . جاء فى الفتاوى الهندية : " الإقرار أخبار عن ثبوت الحق للغير على نفسه ، كذا فى الكافى . وأما ركنه فقوله لفلان على كذا أو ما يشبه ، لأنه يقوم به ظهور الحق وانكشافه ، حتى لا يصح شرط الخيار فيه ، بأن أقر بدين أو بعين على أنه بالخيار ثلاثة أيام ، فالخيار باطل وإن صدقه المقر له والمال اللازم ، كذا فى محيط السرخى " ( الفتاوى الهندية 4 ص 156 ) . وفى الدر المختار الإقرار إخبار من وجه وإنشاء من وجه ، وقد جاء فيه ما يأتى : " فالوجه الأول وهو الأخبار : صح إقراراه بمال مملوك للغير ، ومتى أقر بملك الغير يلزمه تسليمه إلى المقر له إذا ملكه برهة من الزمن لنفاذه على نفسه ، ولو كان إنشاء لما صح لعدم وجود الملك . . . ولا يصح إقراره بطلاق وعتاق مكرها ، ولو كان إنشاء لصح لعدم التخلف . وصح إقرار العبد المأذون بعين فى يده والمسلم بخمر وبنصف دار مشاعا والمرأة بالزوجية من غير شهود ، ولو كان إنشاء لما صح . . . . والوجه الثانى وهو الإنشاء : لو رد المقر له إقراره ثم قبل لا يصح ، ولو كان إخبارا لصح . . . . والملك الثابت بالإقرار لا يظهر فى حق الزوائد المستهلكة فلا يملكها المقر له ، ولو إخبارا لملكها " . ( تكملة ابن عابدين 2 ص 78 - ص 82 ) .

وجاء فى " طرق القضاء " : " أما الإقرار فإن الحق يثبت به بدون حكم ، وإنما يأمره القاضى بدفع ما لزمه بإقراره ، وليس لزوم الحق بالقضاء ، فجعل الإقرار من طرق القضاء إنما هو بحسب الظاهر ، وإلا فالحق يثبت به لا بالقضاء - والبينة طريق للقضاء بالإجماع ، والمدعى لا يثبت بها حتى يتصل بها القضاء . واليمين ليست طريقا للقضاء ، لأن المنكر إذا حلف وعجز المدعى عن البينة يترك المدعى فى يده لعدم قدرة المدعى على إثباته لا قضاء له بيمينه . . . والنكول طريق القضاء عند أصحابها ، والفرق بينه وبين الإقرار أن الإقرار موجب للحق بنفسه ، وأما النكول فلا يوجب الحق إلا إذا اتصل به القضاء ( طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية للأستاذ أحمد إبراهيم ص 7 - ص 8 ) .

 

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩