loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 409 الملغاة من القانون المدني والمقابلة للمادة 104 من قانون الإثبات:

1- استقيت أحكام الفقرة الأولى من هذه المادة من التقنين الفرنسي (المادة 1356) و التقنين الإسباني ( المادتان 1222 و 1235) والتقنين البرتغالي ( المواد 2410 و 2412 و 2413 و 2417 ) والتقنين الهولندي ( المادتان 1961 و 1963 ) والتقنين الكندي ( المادتان 1243 و 1244 ).

 ولم يعرض التقنين الفرنسي لحجية الإقرار غير القضائي ، في حين أن التقنين الإيطالي ينص في المادة 1390 على أن الإقرار غير القضائي يكون بمثابة دليل كامل ، منی صدر للخصم مباشرة . وقد عرض المشروع الفرنسي الإيطالي لحجية الإقرار القضائي أولاً ، وذكر في المادة نفسها سائر آثار الإقرار وهي اللزوم وعدم القابلية للانقسام وقد يوحي ذلك خطأ بأن الإقرار غير القضائي ، ولو أنه يتحد مع الإقرار القضائي طبيعة ، لا يرتب الآثار نفسها ولا يتوافر على الحجية ذاتها ، بيد أن اختلاف هذين النوعين ينشأ عن الظروف التي يصدر فيها كل منهما :

(أ) فالإقرار القضائي يصدر تحت إشراف قاضي ينظر في النزاع الخاص بالواقعة المدعي بها على المقر ، ويقصد منه إلى توفير دليل للخصم ، فهو يتوافر على ركن القصد دائماً ، ولذلك يعتبر و حجة قاطعة، أي أنه يلزم القاضي بذاته ، فيتعين عليه التقيد به » والحكم من تلقاء نفسه بقبول دعوى المدعي على أساسه.

(ب) أما الإقرار غير القضائي فيجوز أن يصدر أمام قاضي لا يتولى النظر في النزاع المتعلق بموضوع الإقرار ، ويجوز أن يصدر في غير مجلس القضاء ، وأن يحصل التمسك به فيما بعد . ويترتب على ذلك احتمال النزاع في دلالة مثل هذا الإقرار به وعدم تقيد القاضي بحجيته . فمن واجب القاضي أن يبدأ بتحديد دلالة الإقرار غير القضائي، وأن يبحث فما إذا كان إقراراً إرادياً يتوافر فيه ركن القصد . وفي حدود هذا التحقيق الأولى يعتبر الإقرار غير القضائي واقعة تترك لتقدير القاضي ، بيد أن هذا التقدير يجب أن تراعي فيه قواعد الإثبات . ومتى انتهت مرحلة التحقيق الأولى وانتهى القاضي منها إلى أن الإقرار قد صدر فعلاً ، واجتمعت له شروط الصحة ، كان هذا الإقرار حجة قاطعة ولو أنه غير قضائي ، شأنه من هذه الناحية شأنه الإقرار القضائي تماماً .

2 - هذا وقد استقى حكم الفقرة الثانية من المادة 547 من المادة 1356 من التقنين الفرنسي ، والمادة 1360 من التقنين الإيطالي ، والمادة 307 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، والمادة 231 / 298 من التقنين المصري ، والمادة 2417 من التقنين البرتغالي ، والمادة 414 من التقنين المراكشي ، والمادة 1961 من التقنين الهولندي، والمادة 1233 من التقنين الإسباني. وقد جرى القضاء في مصر على إقرار - هذا الحكم ( استئناف مختلط 17 يونية سنة 1915 ب 27 ص 413 و 9 ابريل سنة ۱۹۲۷ ب 39 ص 380 ) .

وقد يعرض الإقرار في صور مختلفة فقد يكون مجرد اعتراف بالواقعة المدعي بها ، وقد يضاف إليه شق آخر يكمل الاعتراف بالواقعة ، أو يشل دلالة هذا الاعتراف، ويكون غير منفك عنه في صدوره . وفي الحالة الأولى يكون الإقرار بسيطة ولا تعرض بشأنه أية صعوبة ، لأن إشكال عدم التجزئة متنع بطبعه . أما في الحالة الثانية فيكون الإقرار مركباً ، ولا يهم فيما يتعلق بالإقرار المركب أن يكون الشق المضاف معاصرة أو غير معاصر لنشوء الواقعة القانونية المدعي بها. فقد يقر المدعى عليه بالدين ويدعي أنه معلق أو مضاف إلى أجل ، ويسمى هذا الإقرار و موصوفاً ، في اصطلاح الفقه لأن الشق المضاف معاصر للواقعة القانونية . وقد يقر المدعى عليه بوجود القرض ويدعي الوفاء ، فيكون الشق المضاف غير معاصر للواقعة القانونية .

وتعرض مسألة عدم التجزئة بالنسبة للإقرار المركب، أي مسألة معرفة ما إذا كان يجوز لمن وجه الإقرار إليه أن يأخذ منه ما يرى فيه مصلحة له ، وأن يهمل الشق المضاف . إلا أن من المقرر أن الشق المضاف يعتبر غير منفك عن جملة الإقرار ، موصوفاً كان الإقرار أو غير موصوف ، إذ لولاه لما صدر الاعتراف . ثم إن الإقرار بأسره هو الذي يعتبر حجة ، لا جزء منه فحسب . ويترتب على ذلك أن الإقرار المركب لا يتجزأ ، موصوفاً كان أو غير موصوف ، بل يتعين على من يتمسك به بصفته هذه أن يعتد به بأسره.

وقد نصت بعض التقنينات ( المادة 2417 من التقنين البرتغالي ، والمادة 414 من التقنين المراكشي ، والمادة 1961 من التقنين الهولندي ، والمادة 1233 من التقنين الإسباني، والمادة 1243 من التقنين الكندي ) على استثناءات من حكم القاعدة العامة في عدم تجزئة الإقرار . بيد أن إمعان النظر في هذه الاستثناءات ، يكشف عن خلوها من معنى الشذوذ عن حكم الأصل ، لأنها لا تتعلق بإقرارات مركبة ، ومسألة التجزئة لا تعرض إلا عند التراكب . فقاعدة عدم تجزئة الإقرار قاعدة عامة لا يرد على إطلاقها قيد أو حد. ويتضح ذلك من عرض الحالات التي استثنيت من حكمها بمقتضى نصوص خاصة :

الحالة الأولى : إذا قام الدليل على الواقعة المدعي بها استقلالاً عن الإقرار : جرى القضاء المصري على تجزئة الإقرار في هذه الحالة ( استئناف مختلط 16 نوفمبر سنة 1910 ب 23 ص ۹ و 30 مايو سنة 1912 ب 24 ص 373 و ۲۹ يونيه سنة 1915 ب 27 ص 444 و15 يونيه سنة 1921 ب 33 ص 396 و 17 نوفمبر سنة 1926 ب 39 ص 16 و 18 يونيه سنة 1930 ب 42 ص 573 و أول فبراير سنة 1933 ب 45 ص 150 و 26 مایوسنة 1936 ب 48 ص 2)ويراعي بالنسبة لهذا القضاء ، من ناحية ، أن الإقرار لايغني ولا يعتبر دليلاً إلا إذا أعوز الدليل الصحيح من يقع عليه عبء الإثبات ، واعتزم أن ينتفع من الإقرار بوصفه هذا ، وفي هذه الحالة يكون الإقرار غير قابل للتجزئة ، ويتعين الاعتداد به بأسره ، لأنه الدليل الوحيد على الواقعة المدعي بها . ويراعي من ناحية أخرى أن الإقرار لا يكون إلا حجة على من صدر منه ولا يعتبر ججة لصالحه قط ، لأن الإنسان لا يصطنع دليلاً لنفسه ، فلا يجوز لمن أقر أن ينتفع من إقراره ليعصمه من التجزئه، ويقيل نفسه من إثبات الواقعة الإضافية التي ألحقت بالواقعة المتنازعة .

ويتفرع على ذلك : (ا) أنه يجوز لمن يقع عليه عبء الإثبات ألا يتمسك بالإقرار المركب لانتفاء الحاجة إليه ، إذا كانت لديه طرق أخرى لإثبات الواقعة المتنازعة . وفي هذه الحالة يكون الإقرار طريقاً للإثبات ، ولايرتب أي أثر من الآثار التي تتفرع عليه بوصفه هذا ، ولذلك لايكون عصياً على التجزئة. ولما كان إثبات الواقعة المتنازعة يتم بطرق أخرى ، فلا يستطيع من أدلى بالإقرار المركب أن يصطنع دليلاً لنفسه من الشق المضاف ، بل يتعين أن يقوم بإثبات هذا الشق وفقاً للقواعد العامة . (ب) ولا يلزم من يقع عليه عبء الإثبات ، ولو لم تكن لديه طرق أخرى للإثبات ، بأن يتمسك بالإقرار بوصفه هذا، أي باعتباره طريقاً للإثبات ، بل يجوز له أن يعتبر هذا الإقرار المركب مبدأ ثبوت بالكتابة يبيح الإثبات بالبينة ، أو مبدأ ثبوت يجيز توجيه اليمين المتممة ، وفقاً للقواعد العامة في الإثبات. وللقاضي كل السلطة في تقدير الظروف التي يتمسك بها المدعي في هذا الشأن .

وغني عن البيان أن الخصم لايتمسك في هذه الحالة بالإقرار كطريق من طرق الإثبات ، ولذلك لا تطبق بشأنه الأحكام العامة ، ولا يكون غير قابل للتجزئة، بل يجوز الانتفاع من أي عنصر من عناصره بأية صفة قانونية أخرى .

الحالة الثانيه : وجود إقرارات متميزة تتعلق بوقائع مختلفة : وهي الحالة التي عرضت لها الفقرة الثانية من المادة 547 من المشروع، وقد جرى القضاء المصري على تجزئة الإقرار بشأنها ( استئناف مختلط 27 فبراير سنة 1890 ب 2 ص 394 وأول مارس 1917 ب 29 ص 267 و 20 مارس سنة 1930 ب 42 ص 375) . وتعرض في هذه الحالة إقرارات مركبة لاارتباط بين فروعها بسبب تعلق كل منها بواقعه مستقلة .

ويلاحظ أن الإقرار هو الاعتراف بواقعة قانونية متنازعة ، فإذا كانت هناك وقائع قانونية مختلفة صدر بشأنها إقرار في خلال استجواب معين ، فتعدد الوقائع يستتبع تعدداً مقابلاً في الإقرارات ، حتى أن كلا منها يعتبر إقراراً مستقلاً . ويلزم من ذلك اعتبار كل إقرار من هذه الإقرارات وحدة قائمة بذاتها ، لا تقبل التجزئة بمفردها ، وإن كان بمجموع الإقرارات مجزءاً في جوهره. ويعتبر الإقرار متى ورد على الواقعة المتنازعة إقراراً کاملاً لا يتأثر بسائر الإقرارات المتعلقة بوقائع أخرى.

الحالة الثالثة : إذا كان أحد عناصر الإقرار قد أقيم الدليل على خلافه وفقاً للقواعد العامة : وقد جرى القضاء المصري على تجزئة الإقرار في هذه الحالة استئناف مختلط 12 ديسمبر سنة 1912 ب 25 ص 60 . و 4 مايو سنة 1916 ب 28 ص 300 . و5 مارس سنة 1935 ب 47 ص 182 ) . ويلاحظ في هذا الصدد أن الإقرار يفترض اعترافاً صادقاً ، ويتفرع ذلك أن صدق مايدلى به قد يكون محلاً للاستيثاق ، وإلا أمكن الاكتفاء بالإدلاء بإقرار مركب كاذب ، في صورة إقرار قضائي ، للإلزام بقبوله ، بوصفه وحدة لا تتجزأ ، وهو أمر غير مقبول بالبداهة . ثم إن الإقراردلیل من الأذلة ، وجميع الأدلة فيما عدا القرائن القانونية القاطعة ، يجوز نقضها بإثبات العكس، وفقاً للقواعد العامة . فلمن يقع عليه عبء الإثبات أن يقيم الدليل على أن أن شقامن الإقرار غير صحيح، أو متناقض ، أو غير قریب الاحتمال ، رغم التسليم بوحدة هذا الإقرار ، فإذا وفق إلى إقامة ذلك الدليل سقطت حجية هذا الشق و ظل الشق الآخر قائماً ، بوصفه إقراراً بسيطاً قاطع الحجية .

أما فيما يتعلق بإقامة الدليل العكسي على عدم صحة الوقائع الإضافية التي يلحقها المقر بإقراره ، فيجب أن تتبع الأحكام العامة ، فيجري الإثبات بالطرق التي كان يمكن إثبات الواقعة الأصلية مقتضاها . وغني عن البيان أن حقيقة التجزئة تنتفي في هذه الحالة ، لأن الدليل أقيم على أن الإقرار كان بسيطاً غير مركب في حقيقته .

3- هذا وللإفرار خصيصة ثانية هي اللزوم ، وقد تناولت المادة 1356 من التقنين الفرنسي، والمادة 1963 من التقنين الإيطالي ، والمادة 307 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، بيان هذه الخصيصة ، وهي نتيجة لاعتبار الإقرار تصرفاً ينعقد بإرادة واحدة لا ضرورة للقبول في ترتيب حكمها .

و مؤدى هذا أنه لا يجوز العدول عن الإقرار إلا بسبب خطأ في الواقع، وفقاً لما قرره القضاء ، لأن الإقرار يخضع لأحكام العامة في عيوب الرضا ، باعتباره تعبيراً عن إرادة المقر ( استئناف مختلط 23 يناير سنة 1907 ب 19 ص 96 و 7 مارس سنة 1907 ب 19 ص 140 و 24 مارس سنة 1931 ب 43 ص 309 ).

الأحكام

1 ـ المقرر أن حجية الإقرار وفقاً لنص المادة 104 من قانون الإثبات قاصرة على المقر ، و يخضع الإقرار غير القضائي لتقدير محكمة الموضوع و لها ألا تأخذ به أصلا و لا معقب على تقديرها فى ذلك متى بنى على أسباب سائغة .

(الطعن رقم 2296 لسنة 51 ق - جلسة 1988/02/08 س 39 ع 1 ص 218 ق 48) 

2 ـ الإقرار المقصود فى المادة 104 من قانون الإثبات باعتباره حجة قاطعة على المقر هو الإقرار الصادر أمام القضاء أما الإقرار فى غير مجلس القضاء فيخضع فى تقدير قوته فى الإثبات لمحكمة الموضوع بغير معقب عليها فى ذلك متى كان تقديرها سائغاً.

(الطعن رقم 1694 لسنة 49 ق - جلسة 1985/04/28 س 36 ع 1 ص 668 ق 139) 

3 ـ النص فى المادة 104 من قانون الإثبات على أن " الإقرار حجة قاطعة و لا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا إنصب على وقائع متعددة و كان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى " يدل على أن الإقرار القضائي و هو إعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه أثناء السير فى الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة بما ينبنى عليه إقالة خصمه من إقامة الدليل على تلك الواقعة ، و قد يضاف إلى الإقرار شق آخر يكمل الإعتراف بالواقعة أو يشل دلالة هذا الإعتراف و يكون غير منفك فى صدوره ، و هو ما يعرف بالإقرار المركب ، و يعتبر الشق المضاف غير منفك عن جملة الإقرار بحيث يعتبر حجة بأسره ، لا جزء منه فحسب ، لما كان ما تقدم و كان الثابت من الحكم الإبتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه و أحال إلى أسبابه و إلى أوراق الدعوى أن المطعون ضده قد أقر أمام المحكمة أن العملية محل الخلاف رست عليه و لكنه لم يقم بتنفيذها و إنما تنازل عنها لآخر ، و هو من قبيل الإقرار المركب و ذلك لتوافر الإرتباط بين الواقعة الأصلية - و هى رسو العملية محل الخلاف على المطعون ضده - و الواقعة المصاحبة لها و هى عدم قيامه بتنفيذها و تنازله عنها لآخر ، و هذا الإرتباط يؤثر على كيان الواقعة الأولى و وجودها القانونى و من ثم فهو لا يقبل التجزئة ، و إذ إلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر و قضى بتأييد الحكم الإبتدائى فيما قضى به من إلغاء قرار لجنة الطعن على أساس أن الطاعنة لم تقدم الدليل على قيام المطعون ضده بتنفيذ العملية موضوع الربط لحسابه الخاص ، فإن النعى عليه بمخالفة القانون و الفساد فى الإستدلال و مخالفة الثابت بالأوراق يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 277 لسنة 49 ق - جلسة 1981/02/09 س 32 ع 1 ص 458 ق 89)

4 ـ الإقرار المقصود بالمادة 104 من قانون الإثبات بإعتباره حجة قاطعة على المقر هو الإقرار الصادر أمام القضاء أما الإقرار خارج القضاء فيخضع للقواعد العامة إذا لم يرد فى شأنه نص خاص ولمحكمة الموضوع سلطة تقدير قوته فى الإثبات بغير معقب عليها فى ذلك متى كان تقديرهاً سائغاً .

(الطعن رقم 685 لسنة 45 ق - جلسة 1980/05/28 س 31 ع 2 ص 1531 ق 288)

5 ـ ينقطع التقادم _ على ما جرى عليه قضاء محكمة النقض _ فى ظل القانون المدني الملغي و طبقا للمادة 384 من القانون المدني الجديد _ إذا أقر المدين بحق الدائن إقرارا صريحاً أو ضمنيا . و إيداع المدين الدين خزانة المحكمة لذمة الدائن يتضمن إقرارا من الأول بحق الثاني و بالتالي يقطع التقادم و يظل أثر هذا الإيداع فى قطع التقادم مستمرا طوال مدة الإيداع و لا ينتهي هذا الأثر إلا بسحب المودع لوديعته إذ فى هذا الوقت فقط ينتهي الإقرار بالحق و يبدأ تقادم جديد .

(الطعن رقم 335 لسنة 34 ق - جلسة 1968/04/25 س 19 ع 2 ص 862 ق 125) 

6 ـ الإقرار الوارد فى خطاب إقرار غير قضائى و هو بهذه المثابة يخضع لتقدير القاضى الذى يجوز له تجزئته و الأخذ ببعضه دون البعض الآخر .

(الطعن رقم 546 لسنة 34 ق - جلسة 1968/11/28 س 19 ع 3 ص 1432 ق 218)

7 ـ الإقرار المكتوب الذى يصدر فى غير مجلس القضاء ، لا يكون ملزما حتما بل يخضع - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لتقدير قاضى الموضوع ، الذى يجوز له مع تقدير الظروف التى صدر فيها أن يعتبره دليلا كاملا ، أو مبدأ ثبوت بالكتابة ، أو مجرد قرينه ، كما يجوز ألا يأخذ به أصلا .

(الطعن رقم 592 لسنة 34 ق - جلسة 1970/02/04 س 21 ع 1 ص 250 ق 41) 

8 ـ الحجية القاطعة للإقرار القضائي قاصرة على الواقعة المقر بها .

(الطعن رقم 461 لسنة 48 ق - جلسة 1983/03/24 س 34 ع 1 ص 746 ق 158)

9 ـ الإقرار بالملكية حجة على المقر طالما صدر منه عن إرادة غير مشوبة بعيب من عيوب الإرادة, فلا يحق له أن يتنصل مما ورد فيه بمحض إرادته إلا بمبرر قانوني, ومن ثم فإنه ينتج أثره فيما بينه والمقر له, وليس أن يدفع باستحالة تنفيذ التزامه بنقل الملكية, ولو تبين أن محل الإقرار كله أو بعضه مملوك للغير, إذ الإقرار بملكية ثابتة للغير تصرف قابل للإبطال لمصلحة المقر له، وليس لمصلحة المقر، أما بالنسبة للمالك الحقيقي فيجوز له أن يقر التصرف صراحة أو ضمنا, فإذا لم يقره كان غير نافذ فى حقه. والنعي - فى شقه الثاني - ومبناه أن الطاعن (المقر) وقع فى غلط جوهري - غير مقبول لمخالطته واقعا لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع.

(الطعن رقم 3370 لسنة 61 ق - جلسة 2001/02/20 س 52 ع 1 ص 342 ق 70)

10 ـ إذا أقر الولي الشرعي فى العقد بأن والدة القصر المشمولين بولايته هي التى تبرعت لهم بثمن البيع, فهذا دليل لصالح القصر فى إثبات هذه الواقعة القانونية لا يجوز للأب مع قيامه العدول عن إقراره أو التنصل منه أو الرجوع فيه بمحض إرادته, ولكن يجوز له أن يثبت أن إقراره شابه خطأ مادي بحت لدى التعبير عن إرادته - فيطلب تصحيح هذا الخطأ - أو أن هذه الإرادة داخلها عيب من عيوب الإرادة فى الحدود التي تسمح بها القواعد العامة فى الإثبات باعتبار أن الإقرار تصرف قانوني من جانب واحد يجري عليه من الأحكام ما يجري على سائر التصرفات القانونية - فيكون ذلك إظهارا لإقرار ثبت بطلانه - ومن ثم يجوز له التنصل منه.

(الطعن رقم 3101 لسنة 70 ق - جلسة 2001/06/05 س 52 ع 2 ص 817 ق 164)

11 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض – أن المشرع قد اقتصر على تنظيم أحكام الإقرار القضائي وحده فى المادتين 103 ، 104 من قانون الإثبات فبين أنه اعتراف الشخص بحق عليه بقصد اعتباره ثابتاً فى ذمته وإعفاء خصمه من الإثبات ، لذلك اشترط أن يكون الاعتراف أمام القضاء وأثناء سير الدعوى المتعلقة بالواقعة القانونية المعترف بها دون غيرها من الدعاوى ، هذا الإقرار وحده وفى هذه الدعاوى وحدها يكون حجه قاطعة على المقر بشرط أن يكون تعبيراً عن إرادة جدية حقيقية لا يشوبها عيب من عيوب الرضا ، أما ما عداه من إقرارات فإنها لا تعدو أن تكون من قبيل الأدلة أو الدلائل أو حتى القرائن التى قد تتزاحم فى الدعوى ليصبح من واجب محكمة الموضوع تمحيصها وتقديرها والمفاضلة بينها لأن الإقرار غير القضائي يختلف بحسب الظروف التى صدر فيها وبحسب قصد المقر منه ومدى اتساقه مع الحقائق الثابتة فى الدعوى ، فإن كان ظاهر الحال لا يكذب الإقرار غير القضائي كان لمحكمة الموضوع أن تأخذ به بحسبانه دليلاً كاملاً أو مجرد مبدأ ثبوت بالكتابة على أن تنبئ أسباب الحكم صراحة أو ضمناً عن أن المحكمة قد محصت ما قدم إليها من أدلة وظروف الإقرار وملابساته ثم وازنت بينها وخلصت من ذلك إلى نتيجة سائغة وإلا كان حكمها قاصراً .

(الطعن رقم 6167 لسنة 65 ق - جلسة 2002/12/23)

12 ـ الإقرار المقصود فى المادة 409 من القانون المدنى بإعتبارره حجة قاطعة على المقر هو الإقرار الصادر أمام القضاء . أما الإقرار خارج القضاء فهو يخضع للقواعد العامة إذ لم يرد فى شأنه نص خاص ، فلمحكمة الموضوع سلطة تقدير قوته فى الإثبات بغير معقب عليها فى ذلك متى كان تقديرها سائغاً

(الطعن رقم 305 لسنة 32 ق - جلسة 1967/01/24 س 18 ع 1 ص 176 ق 28)

13 ـ إن قاعدة عدم تجزئة الإقرار لا تمنع المقر له من إثبات عدم صحة الواقعة الأخرى المرتبطة مع الواقعة الأصلية المعترف بها . و إذن فمتى كان شريك فى شركة قد أقر باستلامه خاتماً و ادعى التخالص بشأنه فان الحكم لا يكون قد أخطأ فى القانون إذ أجاز إثبات عدم صحة واقعة التخالص بالبينة متى كان يجوز إثبات واقعة تسليم الخاتم - و هى الواقعة الأصلية - بالبينة .

(الطعن رقم 216 لسنة 22 ق - جلسة 1956/01/19 س 7 ع 1 ص 101 ق 11)

14 ـ من المقرر - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة (1)- أنه لكى يؤخذ من وقع على كشف حساب بإقراره يجب أن يثبت أنه كان عالماً بتفصيلات الحساب فإذا كان التوقيع على ورقة مجملة لم يذكر بها سوى أن رصيد الحساب السابق مبلغ معين فليس فى هذا ما يدل على أن الموقع كان ملماً بالحسابات السابقة على إثبات هذا الرصيد . لما كان ذلك و كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأن المصادقة المقدمة و الموقع عليها من وكيله وردت مجملة و أن من وقع عليها لم يكن يلم بتفاصيل الحساب الذى أنكره الطاعن فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على ما يثبت بالمصادفة المجملة دون أن يعنى ببحث دفاع الطاعن و تمحيصه يكون معيباً بالقصور .

(الطعن رقم 511 لسنة 43 ق - جلسة 1977/01/31 س 28 ع 1 ص 338 ق 68)

15 ـ مفاد نص الفقرة الأولى من المادة 72 و الفقرة الأولى من المادة 75 من قانون العمل 91 لسنة 1959 أن المشرع إذ نص على أن يكون الإخطار بالفصل كتابة و جعل وسيلة الإثبات بكتاب مسجل و ذلك تيسرا للاثبات إلا أنه لم يتغيا من هذه الوسيلة أن يكون إجراء شكليا بحتا ، فمتى ثبت علم العامل بالإخطار الكتابى بالفسخ بإقراره فإنه ينتج أثره و لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن أقر فى صحيفة الدعوى بأنه فصل و رتب الحكم على ذلك وقوع الإخطار بالفسخ و قضى بعدم إستحقاقه للأجر عن المدة التالية لتاريخ الفصل فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 51 لسنة 43 ق - جلسة 1979/03/24 س 30 ع 1 ص 911 ق 168)

16 ـ إذا كان الحكم المطعون فيه قد إعتبر الإقرار تصرفاً مقرر للملكية و ليس منشئاً لها ، أى أنه إخبار بملكية سابقة ليس هو سندها بل دليلها فإن هذا التصرف الإقرارى يكون حجة على المقر دون حاجة إلى تسجيل وفقاً لحكم المادة العاشرة من القانون رقم 114 لسنة 1946 الخاص بالشهر العقارى و هو ذات حجم قانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923 الذى و إن كان قد سوى بين التصرفات المنشئة للملكية و غيرها من الحقوق المبينة ، و بين التصرفات المقررة لها من حيث وجوب تسجيلها ، إلا أنه فرق بين النوعين فى أثر عدم التسجيل فرتب على التصرفات الإنشائية أن الحقوق التى تقصد إلى إنشائها أو نقلها أو تغييرها أو زوالها لا تنشأ و لا تنتقل و لا تتغير و لا تزول بين المتعاقدين و لا بالنسبة لغيرهم إلا بالتسجيل ، بخلاف التصرفات المقررة لهذه الحقوق فإنه رتب على عدم تسجيلها أنها لا تكون حجة على الغير ، مما مفاده جواز الإحتجاج بها بين المتعاقدين بغير جاجة إلى تسجيل و لما كان المشترى من المطعون عليهما العاشرة و الحادية عشرة يعتبر من الغير بالنسبة للإقرار العرفى الصادر منهما للبائعين للطاعن ، لأنه ثبت لهذا المشترى على العقار الذى إشتراه حق عينى مصدره تصرف قانونى يخضع للشهر و تم تسجيله بالفعل ، فإن ذلك الإقرار لا يصح أن يتعدى أثره إلى هذا المشترى ، و إذ كان الحكم المطعون فيه قد نفى صورية عقد شراء المذكور ، فإن ذلك الحكم لا يكون قد خالف القانون حين فرق بين الأثر المترتب على الإقرار العرفى فيما بين المقرين و المقر لهما من جواز الإحتجاج به بينهم حتى و لو لم يسجل . و بين أثره بالنسبة للغير فقضى بعدم تجاوز هذا الأثر إليه لإنه إقرار بملكية عقار لم يشهر عنه .

(الطعن رقم 651 لسنة 42 ق - جلسة 1979/01/11 س 30 ع 1 ص 183 ق 45)

17 ـ متى كانت المحكمة قد حصلت من الوقائع المطروحة أمامها أن الإقرار الصادر من وكيل المطعون عليها بصحة السند الذى طعنت فيه موكلته بالتزوير كان وليد الغش و التواطؤ مع الطاعنة فلا يسرى فى حق المطعون عليها كما لا يسرى فى حق القاصر لأن المطعون عليها لم تكن عينت وصيا عليه و قت صدور التوكيل و لم يوافق عليه المجلس الحسبى بعد تعيينها و فى هذا ما يكفى لإهدار حجيته فإنه يكون غير منتج ما تمسكت به الطاعنة من أن الإقرار صدر من وكيل المطعون عليها قبل إلغاء توكيله .

(الطعن رقم 215 لسنة 20 ق - جلسة 1952/05/15 س 3 ع 3 ص 1072 ق 163)

18 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه و إن كان الأصل فى الإقرار بوجه عام أنه إعتراف شخص بواقعة من شأنها أن تنتج ضده آثاراً قانونية بحيث تصبح فى غير حاجة إلى الإثبات و تحسم النزاع فى شأنها ، و أن الإقرار القضائي يجوز أن يرد فى صحيفة الدعوى التى يرفعها المقر ، إلا أن ما يسلم به الخصم إضطراراً أو إحتياطاً لما عسى أن تتجه إليه المحكمة فى أجابة خصمه إلى بعض طلباته لا يعد إقرارا بالمعنى السابق ذلك أن هذا التسليم لا يعتبر إعترافاً خالصاً بوجود الحق الذى يسلم به تسليماً جدلياً فى ذمته .

(الطعن رقم 973 لسنة 55 ق - جلسة 1989/02/09 س 40 ع 1 ص 440 ق 82)

19 ـ لئن كان الأصل فى الإقرار بوجه عام أنه اعتراف شخصى بواقعة من شأنها أن تنتج آثارا قانونية بحيث تصبح فى غير حاجة إلى الإثبات وينحسم النزاع فى مذكرة يقدمها للمحكمة، إلا أنه يشترط فيه ما يشترط فى الأعمال القانونية من وجود الإرادة، بمعنى أنه يجب أن يدرك المقر مرمى إقراره وأن يقصد به إلزام نفسه بمقتضاه، وأن يكون مبصرا أنه سيتخذ حجة عليه، وأن خصمه سيعفى بموجب من تقديم أي دليل، وترتيبا على تقدم لا يعتبر إقرارا ما يذكره الخصم فى ساحة القضاء يتصل بآخر فى الدعوى لما كان ذلك وكان البين من مذكرة المطعون ضده الأول التى قدمها لمحكمة أول درجة أنها تضمنت قوله بأن الطاعنة غادرت البلاد وتنازلت عن الشقة محل النزاع للشركة المطعون ضدها الثانية ومن ثم فإن المطعون ضده الأول لم يقر بواقعة على نفسه هو، ومن ثم فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن هو أهدر هذا القول واعتبره مجرد دفاع لا يترتب أثر الإقرار القضائى، ولم يعول عليه فى قضائه.

(الطعن رقم 173 لسنة 57 ق - جلسة 1992/04/09 س 43 ع 1 ص 550 ق 117)

20 ـ إقرار المتوفى ببنوة المطعون عليه الأولى ، حجة ملزمة فيثبت نسبها منه و هو بعد الإقرار به لا يحتمل النفى ، لأن النفى يكون إنكاراً بعد الإقرار و لا يسمع و يثبت هذا النسب بمجرد إقرار الأب و إن أنكرت الزوجة إذ هو إلزام له دون غيره فلا يتوقف نفاذه على تصديقها و لا يبطله إقرارها بالبكارة بعد ميلاد البنت و لا كون التصادق على الزواج مسنداً إلى تاريخ لاحق لميلادها كما أن إقرار الزوجة بالبكارة لا يفضى إلى إبطال حق المقر لها لأنها لاتملك إبطاله .

(الطعن رقم 27 لسنة 38 ق - جلسة 1972/06/14 س 23 ع 2 ص 1132 ق 178)

21 ـ  المقرر بقضاء محكمة النقض أنه لا حجية لصور الأوراق العرفية ولا قيمة لها في الإثبات ما لم يقبلها خصم من تمسك بها صراحة أو ضمنا أما إذا كان الأصل غير موجود فلا سبيل للاحتجاج بها وأن أسباب الحكم تعتبر مشوبة بالفساد في الاستدلال  إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة في اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية لالقتناع بها، كما أنه من المستقر عليه أيضا بقضاء هذه المحكمة أنه وإن كان الأصل في الإقرار بوجه عام أنه اعتراف شخص بواقعة من شأنها أن تنتج أثراً قانونياً وأن الإقرار القضائي قد يرد في صحيفة الدعوى التي يرفعها المقر أو في مذكرة مقدمة منه للمحكمة شريطة وجود الإرادة بمعنى أنه يدرك المقر مرمى إقراره وأن يلزم نفسه بمقتضاه وأن يكون مبصراً أنه سيتخذ حجة عليه كما أنه من المقرر بقضاء هذه المحكمة أن مخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم هو تحريف محكمة الموضوع للثابت مادياً بالمستندات أو ابتناء الحكم على فهم حصلته المحكمة مخالفاً لما هو ثابت بأوراق الدعوى.

( الطعن رقم 459 لسنة 74 ق - جلسة 15 / 3 / 2023 )

شرح خبراء القانون

قوة الإقرار في الإثبات :

يعتبر الإقرار - قضائياً أو غير قضائي - حجة قاطعة ، لا يقبل التجزئة ، ولا يجوز الرجوع فيه ، على التفصيل التالي :

1- الإقرار حجة قاطعة : فبالإقرار تعتبر الواقعة محل الإقرار قضائياً أم غير قضائي ثابتة . ويذهب البعض إلى أن القانون إنما ينظم قوة الإقرار القضائي ويعطيه قوة الدليل الكامل ، أما الإقرار غير القضائي فانه – أمام صمت المشرع - يجب أن يترك تقديره للقاضي. على أننا نرى مع البعض الآخر أنه لا فارق بين الإقرارين إلا من حيث وجوب إثبات الإقرار غير القضائي . إذ أن كلا منهما يعتبر إقراراً له نفس الطبيعة فيجب بداهة أن تكون له نفس القوة.

وهذا الثبوت يلزم كلاً من المقر والقاضي فالمقر ليس له بعد إقراره أن يقدم دليلاً عكسياً ، فليس له بعد إقراره أن يطلب سماع شهود لإثبات عكس ما أقر به ، أو أن يقدم كتابة لمثل هذا الإثبات . ومن ناحية أخرى ، يلتزم القاضي بالحكم وفقاً لمقتضي الإقرار . فليس له حرية اقتناع بشأنه . ولهذا يعتبر الإقرار نموذجاً للدليل القانوني ويعتبر الإقرار حجة قاطعة في المسائل المدنية أياً كانت قيمة الواقعة ، ولو كان الإقرار يخالف أو يجاوز دليلاً كتابياً وترجع هذه القوة إلى اعتبارين : فمن ناحية ، هناك احتمال كبير بأن الواقعة المقر بها حقيقية ويزيد في هذا الاحتمال أن المقر إنما يقر بها ضد مصلحته فلا مصلحة له في تغيير الحقيقة ومن ناحية أخرى ، فانه ما دام الخصم الذي له مصلحة في الإعتراض على ثبوت الواقعة قد أقر بها فإنه تيسيراً على القاضي - وحيث لا يتعلق الأمر بالنظام العام - يستحسن إعطاء القوة لهذا الإقرار  وذلك بصفة خاصة في نظام الخصومة يقوم على أساس أن كل طرف يدافع عن مصالحه الخاصة .

على أن حجية الإقرار لا تمتد إلى الغير . فهي لا تلزم سوى المقر وورثته . وعلة هذا أن الإقرار هو إخبار بحقيقة واقعة ضد مصلحة المقر ، فليس له أن يلزم به غيره ولو وجد تضامن بينه وبين هذا الغير . ولهذا فإن إقرار المدين لا يلزم المدينين المتضامنين معه كما لا يلزم دائنه أو خلفه الخاص .

2- الإقرار لا يقبل التجزئة : ولا مشكلة بالنسبة للإقرار الذي يرد على نفس الواقعة كما إدعاها الخصم ، وهو ما يسمى بالإقرار البسيط ، كما لو ادعى الخصم نشوء دين في ذمة المدعى عليه ، فأقر هذا الأخير بذلك . وإنما المشكلة تثور إذا أقر المدعى عليه بهذه الواقعة ولكنه أضاف إليها في إقراره عناصر أخرى تعدل وصفها ، وهو ما يسمى بالإقرار الموصوف ؛ أو أضاف إليها واقعة مانعة لنشأة الإلتزام أو منهية له ، وهو ما يسمى بالإقرار المركب . ومثال الإقرار الموصوف : أن يقر المدعى عليه بأنه تسلم مبلغاً من المدعي ولكنه يزعم أنه لم يتسلمه على سبيل القرض كما يقول المدعي وإنما على سبيل الهبة ، ومثال الإقرار المركب : أن يقر المدعى عليه بأنه حقيقة تسلم المبلغ على سبيل القرض ، ولكنه يضيف أنه وفي المبلغ للمدعي .

هل يؤخذ بإقرار المدعى عليه بجميع عناصره أو يمكن تجزئته ؟

أ- بالنسبة للإقرار الموصوف : لا خلاف في أنه لا يقبل التجزئة. ولهذا فإن القاضي - في المثال السابق - لا يستطيع أن يحكم للمدعي بالمبلغ بناء على الإقرار ، وإنما ينظر إلى الواقعة في ذاتها فتعتبر ثابتة بالإقرار بصفة قطعية ، فيكون من الثابت قطعياً أن المدعى عليه قد تسلم المبلغ . أما الوصف المضاف ، فإنه يعتبر ثابتا لمصلحة المدعى عليه ، ولكن للمدعى أن يثبت عكسه . فللمدعي أن يثبت أن المبلغ قد سلم على سبيل القرض ، وذلك على عكس ما يزعم المدعى عليه.

ب- بالنسبة للإقرار المركب : القاعدة هنا أيضاً أن الإقرار لا يتجزأ وذلك بالمعنى السابق بيانه بالنسبة للإقرار الموصوف ، أي أن الواقعة الأساسية تعتبر ثابتة على وجه قطعي ، أما الواقعة المضافة فتعتبر أيضاً ثابتة (لمصلحة المدعى عليه) حتى يثبت المدعى عكسها . ولهذا فإنه إذا أقر المدعى عليه بنشأة الدين وزعم وفاءه ، فإن نشأة الدين تكون ثابتة على وجه قطعي ، ويعتبر أنه قد حدث وفاؤه حتى يثبت المدعي أن هذا الوفاء المزعوم لم يتم . على أن المشرع لاحظ أنه بالنسبة للإقرار المركب قد ينصب هذا الإقرار على وقائع متعددة ، ولا تستلزم واقعة منها حتماً وجود الوقائع الأخرى ، فأجاز عندئذ تجزئة الإقرار ( 104/ 2 ق. الإثبات) . ومعنی التجزئة هو أن يضار المدعى عليه بما أقر به مما ادعاه المدعي ، دون أن يفيد مما أضافه إلى هذا الادعاء . فلا يطلب من المدعي إثبات عكس الواقعة التي أضيفت ، ومثال هذا الإقرار المركب ، أن يقر المدعى عليه بنشأة الدين في ذمته ، ولكنه يزعم نشأة دين آخر له في ذمة المدعى ويدفع بالمقاصة أو يطالب بها . فمن الواضح أن كل دين لا يرتبط بالآخر . وبعبارة أخرى «لا يستلزم وجوده» . ولهذا ، فإن القاضي يأخذ بإقرار المدعى عليه بالدين ، ويحكم عليه به . ولا يفيد من إضافته فعليه هو إثبات الدين الذي يزعمه .

وتحديد ما إذا كانت الواقعة المضافة - في الإقرار المركب - تستلزم وجود الواقعة المدعاة أم لا مسألة واقع يستقل قاضي الموضوع بتقديرها دون رقابة من محكمة النقض .

3- لا يجوز الرجوع في الإقرار : إذا أقر الخصم بواقعة معينة فليس له أن يرجع في إقراره ، سواء قبل صدور الحكم المبني على الإقرار أو بعد صدوره . وعلة هذا أن الإقرار هو إخبار بحقيقة واقعة ، فليس للمقر أن يحجب الحقيقة بعد أن تبينت . وقد كان البعض يرى جواز الرجوع في الإقرار ما دام لم يقبل من الطرف الآخر ، وذلك على أساس أنه يتضمن نزولاً عن حق والنزول لا يتم إلا بقبول الطرف الآخر . ولكن تبين فساد هذا الرأي لأن الإقرار لا يتضمن أي نزول وإنما هو - كما قدمنا - إخبار بحقيقة واقعة سابقة ، وهذا الإخبار - سواء من الغير (في صورة شهادة) أو الخصم (في صورة إقرار) - لا حاجة فيه لقبول .

على أن من المسلم فقها أنه إذا كانت القاعدة هي عدم جواز الرجوع في الإقرار ، فإن هذا الرجوع جائز استثناء إذا كان المقر قد وقع في غلط فی الواقعة التي أقر بها . وهو ما قننته صراحة بعض التشريعات . وعلة هذا الاستثناء هو أنه يجب تمكين المقر من جعل إقراره مطابقة للحقيقة . ولهذا فإنه إذا فرض وأقر شخص أن كلبه قد عض جاره ، فإن له أن يرجع في إقراره إذا تبين له أن الذي عض جاره هو كلب آخر ويجب الإمكان الرجوع أن يثبت المقر أنه قد وقع في غلط . فلا يكفي أن يثبت أن الواقعة التي أقر بها غير صحيحة ، بل أيضاً أن يثبت أنه كان يعتقد - عند إقراره - أنها صحيحة .

ويلاحظ أن الغلط هنا ليس عيباً في الإرادة ، وإنما في معرفة المقر بالحقيقة . ولهذا فإن وسيلة الطعن ليست الإبطال للغلط ، وإنما الرجوع في الإقرار . وهو نظام قانوني يفترض أن العمل القانوني الذي يرجع فيه ليس باطلاً . والواقع - كما سنرى - إن الإقرار ليس تصرفاً قانونياً ، ولا يخضع - لهذا – لنظام بطلان التصرفات القانونية. ونتيجة لهذا لتأصيل ، فإنه لا يجوز الطعن في الإقرار - سواء بوسيلة الأبطال أو الرجوع - بسبب التدليس (إلا إذا كان قد أدى إلى غلط في الواقع فيكون سبباً للرجوع) ، أو بسبب الغلط في القانون. فليس للمقر أن يرجع في إقراره على أساس أنه وقع في غلط حول الآثار القانونية للواقعة المقر بها أو الآثار القانونية للإقرار . ذلك أن مثل هذا الغلط لا يمنع من أن الواقعة المقر بها حقيقية ، ولا يجوز السماح بتغيير الحقيقة .

- الطبيعة القانونية للإقرار :

يذهب بعض الفقهاء إلى أن الإقرار يعتبر تصرفاً قانونياً وذلك - في قول البعض - عن أساس أن به يتصرف المقر في حقه الموضوعي إذ يتنازل عنه ؛ وفي قول البعض الآخر، على أساس أنه ينطوي على نزول عن الحق في مطالبة الخصم بإثبات ما يدعيه، فهو تصرف إجرائي يتعلق بالخصومة ويلزم القاضي بالحكم بموجبه ويؤيد هذا الفقه رأيه بأن الإقرار - كالتصرف القانوني تماماً - يلزم المقر فليس له الرجوع فيه كما يلزم القاضي، ويشترط فيه أهلية التصرف ، ويمكن الرجوع فيه لغلط في الواقع ، شأنه شأن التصرف القانوني الذي يمكن إبطاله للغلط .

على أننا نرى - على العكس - أن الإقرار ليس تصرفاً قانونياً ، وإنما هو دليل إثبات . إن المقر لا يفعل سوى تأكيد حقيقة واقعة ما . والوقائع تظل دائمة وقائع . تستطيع الإرادة أن تؤكدها كما تستطيع أن تنكرها ، ولكنها لا تستطيع أن تغيرها ، أي لا تستطيع التصرف فيها  ذلك أن الوقائع التي حدثت لا يمكن - بعد حدوثها – إرادتها ولهذا لا يمكن أن نكون بصدد تصرف قانوني . والواقع أن تصوير الإقرار كدليل إثبات هو الذي اعتمده المشرع صراحة في مصر وهو الذي يتفق مع الطبيعة التقريرية للخصومة فالخصومة لا ترمي إلى إنشاء أي حق موضوعي أو النزول عنه وإنما إلى تقرير حقوق موجودة . والقول بأن الإقرار يتضمن النزول عن حق موضوعي لا يحدد لنا أي حق ينزل عنه المقر في حالة ما إذا كانت الواقعة المقر بها حقيقية ، وهو الفرض الغالب عملاً . أما القول بأن الإقرار يتضمن نزولاً عن حق متعلق بالخصومة فإنه ينسى أن الأثر القانوني المترتب على الإقرار – وهو التزام القاضي بالحكم على أساسه - لا يبني على إرادة المقر، وإنما على أن الوقائع حقيقية وهي مسألة لا شأن لإرادة المقر بها .

أما أن الإقرار ملزم للمقر والقاضي ، فقد رأينا أساس هذا الإلزام فيما سبق . على أن هذه القوة لدليل ليس من شأنها أن تغير من طبيعته . وهذه القوة بالذات هي التي جعلت القانون يشترط أهلية التصرف لدى المقر ، فليس أساس هذه الأهلية أن الإقرار تصرف قانوني بل أساسها ما يترتب على الإقرار من آثار مقيدة . وأخيراً ، فكما قدمنا ، ليس صحيحاً أن الرجوع في الإقرار هو إبطال للتصرف القانوني للغلط  فالرجوع في الإقرار ليس أساسه عيباً في الإرادة ، وإنما أساسه أن الغلط في الواقع يعني عدم مطابقة الإقرار للحقيقة . (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة : 214)

الإقرار حجة قاطعة على المقر :

الإقرار حجة قاطعة على المقر لا يقبل إثبات العكس ، وهو ذو أثر كاشف : إذا توافر للإقرار أركانه على الوجه الذى بيناه ، صار إقراراً قضائياً ، وكان حجة قاطعة على المقر . ومعنى ذلك أن الواقعة التى أقر بها الخصم تصبح في غير حاجة إلى الإثبات ، ويأخذ بها القاضي واقعة ثابتة بالنسبة إلى الخصم الذى أقر بها    . والإقرار لا يكون حجة للمقر لأن الشخص  لا يصطنع الدليل لنفسه ، ولا يكون إلا حجة عليه .

والحجة هنا قاطعة ، لا يجوز إثبات عكسها . ولكن هذا لا يمنع من أن يطعن المقر في إقراره بأنه صورى تواطأ عليه مع خصمه ، أو أنه وقع نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه ، أو أنه صدر منه وهو ناقص الأهلية . فإذا أثبت ذلك بالطرق الجائزة قانوناً بطل الإقرار ، ولا يكون هذا رجوعاً في إقرار موجود ، بل هو إلغاء لإقرار ظهر بطلانه ، أما الإقرار القائم الصحيح فلا يجوز الرجوع فيه ، ولا يجوز إثبات عكسه ، فهو إذن حجة قاطعة على المقر    .

وأثر الإقرار كاشف لا منشئ .

تأصيل الحجية القاطعة للإكراه - إعفاء الخصم من الإثبات ونزول عن مطالبته به : واختلف النظر في تأصيل الحجية القاطعة للإقرار ، فالفقيهان أوبرى وروى - ومعهما أكثر الفقهاء – يذهبان إلى أن الإقرار هو قلب لعبء الإثبات  ، وبعد أن كان من يدعي وقاعة يطالب بإثباتها ، فإن إقرار خصمه بهذه الواقعة ينقل عبء الإثبات منه إلى المقر . والمقر بعد إقراره هو الذى يحمل إثبات أن إقراره غير صحيح ، وذلك بالطعن في الإقرار بوجه من الوجوه التي تقدم ذكرها ، ولما كانت  هذه الوجوه يندر تحققها ، فقل أن يكون الإقرار صورياً وقل أن يشوبه عيب أو نقص في الأهلية ، فإن الإقرار يصبح إذن ، في الكثرة الغالبة من الأحوال ، ليس قلباً لعبء الإثبات فحسب ، بل إعفاء من الإثبات ، ذلك أن الخصم إذا ادعى واقعة وجب عليه إثباتها . فإذا أقر إذا ادعى واقعة وجب عليه إثباتها . فإذا أقر خصمه بهذه الواقعة ، كان هذا معناه أنه يعفيه من هذا الإثبات . فتصبح الواقعة ثابتة ، لا لأن دليلاً أثبتها ، بل لأنها في غير حاجة إلى الإثبات    .

ويضيف بارتان إلى ذلك أن التأصيل على النحو المتقدم يتضمن حتماً أن المقر ، وهو يعفى خصمه من إثبات ما يدعيه ، ينزل في الوقت ذاته عن حقه في مطالبة خصمه بهذا الإثبات . وهذا هو التأصيل الذى وقفن عنده ، عندما قررنا أن الإقرار واقعة قانونية تتضمن تصرفاً قانونياً هو نزول المقر عن حقه في مطالبة خصمه بالإثبات .

- قد يكون الإقرار مبدأ ثبوت بالكتابة : وإذا كان الإقرار حجة قاطعة بالوقعة التي تضمنها بالذات ، فإنه يصلح أيضاً أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة لواقعة متصلة بالواقعة التي تضمنها بالذات . وقد سبق إيراد هذه القاعدة وأمثلتها . ويسوق أوبري ورو لها مثلاً إقرار الزوج بتوكيل زوجته بقبض الفوائد ، فهذا الإقرار حجة قاطعة بالنسبة إلى واقعة التوكيل بقبض الفوائد ، ومبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة إلى واقعة التوكيل بقبض رأس المال . وسنرى أيضاً فيما يلى أن الإقرار غير القابل للتجزئة – الإقرار الموصف وبعض صور الإقرار المركب – إذا كانت تجزئته غير ممكنه ، فإن هذا لا يحول دون اعتبار مبدأ ثبوت بالكتابة    .

الإقرار حجة قاصرة على المقر :

الإقرار حجة على المقر والخلف العام ولا يتعدى إلى غيرهما : ولما كان الإقرار هو إعفاء من الإثبات ونزول عن المطالبة بهذا الحق ، فهو من هذه الناحية تصرف قانوني يقتصر أثره على المقر  . ويتعدى أثر الإقرار إلى ورثة المقر بصفتهم خلفاً عاماً له ، فيصح الاحتجاج عليهم بما حواه إقراره    .

ولا يتعدى أثر الإقرار إلي غير المقر ورثته، فلا يتعدى إلى الدائن، أو الشريك أو الورثة فيما بينهم ،فلو أقر أحد الشركاء في الشيوع بتصرف الشركاء في الملك الشائع ، كان إقراره بهذا التصرف حجة عليه وحده، ولا يكون حجة على الشركاء الآخرين الذين لم يصدر منهم إقرار ، ولو أقر أحد الورثة بحق على التركة ، فإن إقراره يكون حجة عليه دون سائر الورثة ولو أقر أحد المدينين المتضامنين بالدين ، فلا يسرى هذا الإقرار في حق الباقين  م 295 فقرة أولى مدني  ، ويكون الإقرار حجة قاصرة على المدين الذى صدر منه الإقرار .

والدائن والخلف الخاص ، بخلاف الورثة ، لا يتعدى إليهما أثر الإقرار كما قدمنا . فإذا أقر المدعى عليه في دعوى استحقاق دار بملكية الدار للمدعي ، لم يكن هذا الإقرار حجة على دائنه ، ويجوز للدائن أن يتدخل في الدعوى ويثبت بجميع الطرق أن الإقرار غير صحيح ، حتى تبقى الدار لمدينه فيستطيع أن ينفذ عليها بالدين . كذلك إذا كان المدعى عليه في المثل المتقدم قد باع الدار لآخر ، ثم رفعت عليه دعوى الاستحقاق وأقر بملكية الدار للمدعي ، فإن هذا الإقرار  يكون حجة قاصر عليه دون المشترى ، ويستطيع هذا أن يتدخل في الدعوى ليثبت أن الإقرار لا صحة له حتى تخلص له ملكية الدار . وفي الحالتين المتقدمتين إذا حكم في الدعوى بمقتضى إقرار المدعى عليه قبل أن يتدخل الدائن أو المشتري ، فلهذين الاعتراض على الحكم اعتراض الخارج عن الخصومة وفقاً لأحكام المواد 450 إلى 456 من تقنين المرافعات ، لإثبات عدم صحة الإقرار الصادر من المدعى عليه إذ هو حجة قاصر عليه لا تتعدى إليهما ، ذلك أن الدائن أو المشترى كان وقت صدور الحكم ممن يتعدى إليهم الحكم ويعتبر حجة عليهم ، ومن ثم يثبت له حق الإعتراض .

أما الورثة ، فلو مات المدعى عليه بعد الإقرار وقبل الحكم في الدعوى ، فإن الإقرار لا يكون حجة عليهم ، ولهم أن يثبتوا عدم صحته بجميع الطرق حتى تبقى الدار في التركة . ولكن إذا صدر الحكم قبل موت المورث وفي مواجهته ، فإنه يسرى على الورثة ولا يثبت لهم حق الاعتراض . ذلك أنهم وقت صدور الحكم ضد مورثهم كان الحكم يسرى في حقهم بإعتبارهم خلفاً عاماً ، فيبقى الحكم سارياً في حقهم حتى بعد موت المورث وقيام حقهم فى الإرث .

الإقرار لا يكون حجة على المقر لصالحه : ويبقى الإقرار حجة قاصر على المقر حتى بالنسبة إلى المقر لصالحه . ذلك أن الإقرار إذا كان حجة للمقر لصالحه ، فإن لا يكون حجة عليه . فلو أن المدين أقر لدائنه بالدين ، وقال إنه وفاه أو أن الدين سقط بعد ذلك بالمقاصة ، فلا يكون قوله إنه وفاه أو أن الدين سقط بالمقاصة حجة على الدائن وهذا ما يعرف بالتجزئة في الإقرار ، وننتقل الآن إليه .

التجزئة فى الإقرار :

- الإقرار البسيط : إذا اقتصر الإقرار على تصديق المدعي للمدعى عليه في جميع ما ادعاه ، فإن الإقرار يكون في هذه الحالة إقراراً بسيطاً محضاً  ، ولا محل إذن للنظر فيما إذا كان يتجزأ أو لا يتجزأ . فلو أن المدعي قال في دعواه إنه أقرض المدعى عليه مائة ، فأقر المدعى عليه بأنه اقترض من المدعي المائة ولم يزد على ذلك شيئاً ، كان هذا إقراراً بسيطاً ، وكان حجة قاطعة على المدعى عليه . كذلك إذا قال المدعي إنه أقرض المدعى عليه مائة وفي منها خمسين فأقر المدعى عليه بأنه اقترض من المدعي المائة وفي منها الخمسين ، أو قال المدعي إنه أقرض المدعى عليه مائة مؤجلة إلى سنتين فأقر المدعى عليه أنه اقترض المائة مؤجلة إلى السنتين ، كان الإقرار في هاتين الحالتين بسيطاً وكان حجة قاطعة على المدعى عليه ولا محل هنا للنظر في تجزئة الإقرار ، فإن الوقائع المدعاة قد أقر المدعى عليه بها جميعاً ولم يضف إليها شيئاً ، ففيم إذن تكون التجزئة .

- الإقرار الموصوف : لكن إذا أقر المدعى عليه ببعض ما ادعاه المدعي دون بعض أو أضاف شيئاً ، فهنا تقوم الحاجة إلى النظر في التجزئة . ذلك أن المدعي قد يقول في دعواه إنه أقرض المدعى عليه مائة مؤجلة إلى سنتين كما قدمنا ، وقد حل الأجل فاستحق الدفع . ويقر المدعى عليه بأنه اقترض المائة ولكن مؤجلة إلى ثلاث سنوات لا إلى سنتين ، فلم يحل الأجل ولم يستحق الدفع . فالإقرار هنا لا يكون إقراراً بسيطاً ، بل يكون إقراراً موصوفاً  . ذلك أن المدعى عليه لم يقر بالدين على الوجه الذى ذكره المدعي ، وهو دين مؤجل إلى سنتين وقد حل أجله فأصبح مستحقاً ، بل أقر بالدين معدلاً أي موصوفاً ، فقال إنه دين مؤجل إلى ثلاث سنوات ولم يحل الأجل فيما يصبح مستحقاً . والوصف هنا هو عدم حلول أجل الدين ، إذ الدائن يطالب بدين حال ، والمدين يقر بدين لم يحل . وقد يطالب الدائن أيضاً بدين منجز ، ويقر المدين بدين معلق على شرط . فكل من الأجل والشرط يعتبر وصفاً للدين ، فهو وصف فى الإقرار ، ولذلك سمى الإقرار موصوفاً .

والذى تجب مراعاته في الوصف هو أن يكون مقترناً بالدين وقت نشوئه ، لا أن يكون حادثاً جد بعده والأجل والشرط وصفان يقترنان بالدين وقت نشوئه ، لا يجدان بعده ، ومن ثم يون الإقرار المتضمن لهما إقراراً موصوفاً .

وحكم الإقرار الموصوف أنه لا يتجزأ على صاحبه . فقد أقر المدين بالدين موجلاً أو معلقاً على شرط ، فأما أن يأخذ الدائن الإقرار كله موصوفاً كما هو ، وإما أن يدعه كله . وليس له أن يجزئه ، فيقتصر على إقرار المدين بالدين ويدع الوصف الذى دخل على الدين من أجل أو شرط . ويمتنع عليه إذن أن يقول إن المدين أقر بالقرض فهو ثابت في ذمته بإقراره ، وعليه الآن أن يثبت أن القرض موصوف بأجل أو شرط . وإنما للدائن إما أن يأخذ بالإقرار كله ، فيعتبر الثابت هو الدين موصوفاً بالأجل أو الشرط ، وإما أن يطرحه  كله ، فلا يعتبر الدين ثابتاً أصلاً بالإقرار . وعليه إذا أطرح الإقرار أن يحمل عبء إثبات ما ادعاه ، فيعود إلى سيرته الأولى إذ هو مدع يحمل عبء الإثبات . وقد كان بالإقرار الذى أطرحه معفي من هذا العبء . وفي هذه الحالة يتعين على الدائن أن يثبت الدين ، وعلى المدين أن يثبت الأجل أو الشرط ويجوز أيضاً أن يتخذ الدائن من الإقرار طريقاً لإثبات القرض في ذاته ، ثم يثبت هو – لا المدين – أن القرض قد حل أجله أو أنه غير معلق على شرط وهذا كله مقصود من القول بعدم تجزئة الإقرار فالدائن بالخيار ، إذا لم يرد الأخذ بالإقرار كله ، بين أن يطرحه كله ويحمل عبئ إثبات دعواه كما لو لم يكن هناك أى إقرار ، وبين أن يستبقى من الإقرار ما هو في صالحه ويدحض بدليل يقدمه هو ما ليس في صالحه من الإقرار  والممتنع هو أن يستبقي ما هو في صالحه ويلقى على المقر عبء إثبات ما ليس في صالحه ، فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار . ولا تصح التجزئة فى الإقرار الموصوف .

- الإقرار المركب : وإذا قال المدعي في دعواه إنه أقرض المدعى عليه مائة ، وأقر المدعى عليه بأنه اقترض المائة ولكنه وفاها أو وفي  جزءاً منها ، فإن الإقرار هنا يكون إقراراً مركباً  . والفرق بين الإقرار المركب والإقرار الموصوف – وكل منهما يشتمل على واقعة أصلية وواقعة مرتبطة بها – أن في الإقرار الموصوف تقترن الواقعة المرتبطة بالواقعة الأصلية من وقت نشئو الواقعة الأصلية كما قدمنا . فالأجل أو الشرط قد اقترن بالدين من وقت نشوئه ، أما في الإقرار المركب فالواقعة المرتبطة لا تقترن بالواقعة الأصلية من وقت نشئوها بل تجد بعدها ، فالإقرار بالدين مع الوفاء به إقرار مركب يتكون من واقعة المديونية وهي الواقعة الأصلية وواقعة الوفاء وهي الواقعة المرتبطة بها ، ولكن واقعة الوفاء لم تقترن بواقعة المديونية من وقت نشوئها ، بل جدت بعدها إذا حصل الوفاء بعد أن وجدت المديونية .

والأصل فى الإقرار المركب أنه هو أيضاً لا يتجزأ على صاحبه ، فإذا اقر المدين أنه اقترض المائة ولكنه وفاها ، فلا يجوز للدائن إلا أن يأخذ بالإقرار كله أو يطرحه كله . فإذا أخذ بالإقرار كله برئت ذمة المدين من الدين وخسر الدائن دعواه ، إذ يكون قد ثبت أن الدين كان موجوداً ولكن المدين وفاة . وإذا أطرح الدائن الإقرار كله ، اعتبر الإقرار كأن لم يكن ، وكان على الدائن أن يثبت الدين وعلى المدين أن يثبت الوفاء . ويجوز أيضاً للدائن – كما قدمنا في الإقرار الموصوف – أن يستبقى الإقرار بالقرض ، ويحمل هو عبء إثبات أن المدين لم يقم بوفائه والممتنع هو أن يستبقى الإقرار بالقرض ويلقى عبء  إثبات الوفاء على المدين ، فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار حيث لا تصح التجزئة .

وكذلك يكون الحكم فيما إذا أقر المدين بأنه اقترض المائة ولكن الدين انقضى بالتجديد أو انقضى بالإبراء ففي هاتين الحالتين لا يتجزأ الإقرار على صاحبه . ولا يجوز للدائن أن يستبقى من الإقرار ما هو في صالحه ، ويلقى عبء إثبات ما ليس فى صالحه على المدين ، فيستبقى ثبوت القرض بالإقرار ويطلب من المدين إثبات التجديد أو الإبراء ، وعليه أن يأخذ بالإقرار كله فتكون ذمة المدين قد برئت من الدين ، أو يطرحه كله فعليه هو أي يثبت القرض وعلى المدين أن يثبت التجديد أو الإبراء ، أو يستبقى القرض ثابتاً بالإقرار وعليه هو أن يثبت أن التجديد أو الإبراء الذى يدعيه المدين لا صحة له ، فإذا أطرح الإقرار كله وأراد أن يثبت القرض ، كان له أن يعتبر الإقرار المطرح مبدأ ثبوت بالكتابة للقرض يعززه بالبينة والقرائن ، أما إذا استبقى القرض ثابتاً بالإقرار ، وأراد أن يثبت أن التجديد أو الإبراء لا صحة له ، فلا يجوز فيما يزيد على عشرة جنيهات أن يثبت ذلك إلا بالكتابة .

في هذه الأحوال الثلاثة – الإقرار بالمديونية مع وفاء الدين والإقرار بها مع التجديد والإقرار بها مع الإبراء – يوجد إقرار مركب من واقعة أصلية وواقعة مرتبطة بها ، وحكم هذا الإقرار أنه لا يتجزأ على صاحبه كما رأينا . والمشترك في هذه الأحوال الثلاثة أن الواقعة المرتبطة تستلزم حتماً وجود الواقعة  الأصلية فالوفاء بالدين يستلزم حتماً وجود الدين قبل ذلك ، وكذلك تجديد الدين والإبراء منه كل منهما يستلزم حتماً سبق وجود دين حصل فيه التجديد أو وقع فيه الإبراء . ومن ثم لا يمكن للواقعتين ، الواقعة الأصلية والواقعة المرتبطة بها ، أن تنفك إحداهما عن الأخرى ، فهما متلازمتان ولا تصح فيهما التجزئة . أما إذا كانت الواقعة المرتبطة لا تستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية ، فلا تلازم ما بين الواقعتين ، ويمكن تصر وقوع إحداهما دون وقوع الأخرى ، ومن ثم كانت التجزئة فيهما جائزة . والمثل المألوف لهذه الحالة هو الإقرار بالقرض مع وقوع المقاصة فيه بدين آخر فالمدين هنا قد أقر بالواقعة الأصلية وهي واقعة القرض ، وأضاف إليها واقعة مرتبطة بها وهي وجود دين له على الدائن أوقع المقاصة بين الدينين . وظاهر أنه لا تلازم ما بين الواقعة الأصلية والواقعة المرتبطة ، ومديونية المدين للدائن لا تستلزم حتماً مديونية الدائن للمدين ، كما أن مديونية الدائن للمدين لا تفترض حتماً مديونية المدين للدائن ، إذ أن الدين الذى يدعيه الدائن منفصل عن الدين الذى يدعيه المدين ، ووجود أحدهما لا يستلزم وجود الآخر . ومن ثم كان الفصل بينهما ممكناً ، وصحت التجزئة في الإقرار . فإذا أقر المدين بالقرض ، ولكنه قال إنه سقط بالمقاصة ، كان للدائن في هذه الحالة أن يجزئ الإقرار على المدين . فيعتبر الإقرار قائماً فيما هو في صالحه فقط ، وبذلك يكون القرض ثابتاً بالإقرار ، ولا يكلف الدائن عبء إثباته أما بقية الإقرار فلا يؤخذ به ، ولا يتقل عبء الإثبات فيه إلى الدائن ، بل المدين هو الذى يكلف بإثباته إذا أصر عليه . ويكون إذن على المدين أن يثبت أن له ديناً في ذمة الدائن كان سبباً في وقوع المقاصة . فإن عجز عن إثبات ذلك بقى الإقرار قائماً في إثبات القرض ويكون الإقرار قد تجزأ على هذا النحو ، أخذ منه الدائن ما هو في صالحه ، وألقى عبء إثبات ما ليس في صالحه على المدين .

والمعيار الذى اتخذناه هنا لمعرفة ما إذا كان الإقرار المركب لا يتجزأ على صاحبه أو يجزأ هو معيار تشريعي ذكره التقنين المدني الجديد كما رأينا في الفقرة الثانية من المادة  104 حيث يقول : " ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى ، ولا تزال هذه المسألة محل خلاف في الفقه  الفرنسي ، وكان القضاء المصرى في عهد التقنين المدني السابق يطبق هذا  المعيار  ومهما يكن من أمر فقد أحسن المشرع المصري صنعاً إذ حسم  الخلاف بنص قاطع    .

- رقابة محكمة النقض : ومن الواضح أن مسألة تجزئة الإقرار أو عدم تجزئته مسألة من مسائل القانون تخضع لرقابة محكمة النقض . فإذا جزأت محكمة الموضوع إقراراً لا تصح تجزئته ، أو رفضت تجزئة إقرار تصح تجزئته ، كان حكمها غير سليم ويتعين نقضه . ولكن يجب أن تثار مسألة التجزئة أمام محكمة الموضوع ، فلا يصح أن تثار لأول مرة أمام محكمة النقض  . (الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني  المجلد الأول ، الصفحة : 616)

الإقرار حجة قاطعة على المقر :

الإقرار حجة قاطعة على المقر فالواقعة القانونية التي كانت موضوعة للإقرار تصبح في غير حاجة إلى إقامة الدليل عليها ويجب على القاضي مهما كان مبلغ اقتناعه أن يعتبرها واقعة ثابتة في مواجهة الخصم الذي أقر بها ولا يجوز إثبات عكسها ولا يمكن عند إصدار الإقرار أن يعدل عنه ولهذا يقال في الحياة اليومية أن الإقرار سيد الأدلة... على أن الإعتراف للإقرار بهذه الحجية لا يمنع الطعن فيه بالإبطال لنقص أهلية المقر أو لعيب شاب رضاءه كغلط أو تدليس أو إكراه كان ضحيته حين يعتبر بعد الحكم بإبطاله كأن لم يكن طبقاً للمبادئ العامة .

( الدكتور محمود جمال الدين زكي في الوجيز في النظرية العامة للالتزامات الطبعة الثالثة ص 1225  وما بعدها)

 والإقرار القضائي ملزم أيضاً للخلف العام للمقر من دائنين وورثته ما لم يتمسكوا بعدم نفاذه في حقهم دون غيرهم من باقي المتعاقدين أو خصوم الدعوى فإقرار أحد المدينين المتضامنين وإقرار الوارث لا يمتد إلى باقي الورثة وإقرار الشريك على الشيوع لا يمتد إلى باقي الشركاء وإقرار الحائز لا يمتد إلى باقي الحائزين وللدائنين التمسك بعدم نفاذ الإقرار في حقه عن طريق إقامة الدعوى بعدم نفاذ تصرف المدين في حقه عملاً بالمادة 237 ، 238 مدني وللدائن أيضاً مراقبة سلوك مدينه في الدعوى المقامة من المدين أو عليه وذلك بالتدخل فيها متضمنة إليه عملاً بالمادة 230 مدني لتفادي أي تصرف ضار يبدأ من مدينه، والدائن بتوقيع الحجز على أموال مدينه يعتبر من الغير فلا تسري في حقه تصرفات المدين على ما وقع عليه الحجز منها وبالتالي فلا تسري على الدائن إقرارات المدين الصادرة بعد توقيع الحجز متعلقة بالأموال المحجوزة... وكذلك لا تسري إقرارات المدين في حق الدائنين إذا نص القانون على ذلك صراحة كما في أحوال شهر الإفلاس وشهر الإعسار المدني والأصل أن إقرار المورث يسري في حق الوارث ما لم يثبت الوارث بأي طريق من طرق الإثبات أن حقيقته وصية قصد بها إيثار أحد الورثة إضراراً به. ( الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات الطبعة الثانية ص 196 وما بعدها).

 ويرى الدكتور السنهوري أن الإقرار لا يتعدى أثره إلى غير المقر وورثته فلا يتعدى إلى الدائن أو الشريك أو الورثة فيما بينهم فلو أقر أحد الشركاء في الشيوع بتصرف الشركاء في الملك الشائع كان إقراره بهذا التصرف حجة عليه وحده ولا يكون حجة على الشركاء الآخرين الذين لم يصدر منهم إقراراً ولو أحد الورثة بحق على التركة فإن إقراره يكون حجة عليه دون سائر الورثة ولو أقر أحد المدينين المتضامنين بالدين فلا يسري هذا الإقرار في حق الباقين ويكون الإقرار حجة قاصرة على المدين الذي صدر منه الإقرار والدائن والخلف الخاص بخلاف الورثة لا يتعدى إليها أثر الإقرار. (الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 660 ).

 ثالثاً- التجزئة في الإقرار:

تنص المادة 104 من قانون الإثبات في فقرتها الثانية على أنه «ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصبت على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى» ومن ثم فإن القاعدة العامة أنه لا يجوز تجزئة الإقرار فإما أن يؤخذ به كله أو يترك كله أي ليس للمقر له أن يأخذ ما هو في صالحه ويترك ما ليس في صالحه. وقد استثنى المشرع من هذه القاعدة حالة ما إذا انصب الإقرار على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى ويستلزم ذلك التعرض لصور الإقرار المختلفة وهي ثلاثة فقد يكون بسيطاً وقد يكون موصوفاً وقد يكون مركبة.

 أ- الإقرار البسيط :

والإقرار البسيط هو الاعتراف بما يدعيه الخصم دون تعديل أو إضافة وفي هذه الحالة لا محل للبحث في تجزئة الإقرار لأنه يكون من واقعة واحدة مثال ذلك أن يدعي الدائن أنه أقرض المدعى عليه مبلغة معينة بفائدة معينة فيعترف المدعي على ذلك دون تعديل .

(الدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات طبعة 1981 ص168 )

ب- الإقرار الموصوف :

هو الاعتراف بالواقعة المدعاة مع إضافة إليها تغير تكييفها أو أثره القانوني كأن يقر المدعى عليه بتسليم المنقول الذي يطالب برده ولكنه يضيف أنه قد وهب له أو يقر المدين بالقرض كما يدعيه الدائن قرض بفائدة أو يقر المدعي عليه بالإلتزام في ذمته لا كما يدعيه المدعي التزاما منجزة بل معلقاً على شرط واقف في هذه الحالة لا يتجزأ الإقرار على صاحبه ولا يجوز أن يؤخذ الضمان منه بالمقر أي وجود المنقول عنده أو قيام الشرط الواقف ويكون المدعي أو الدائن بالخيار أما أن يأخذ المدعى عليه أو المدين بإقراره كله فيكون مالكاً للمنقول الموهوب أو الدين ثابتة في نمته دون فائدة أو الالتزام معلقاً على الشرط الواقف وأما أن يترك الإقرار كله ويقيم الدليل على ما يدعيه بالأدلة الجائزة.

 (الدكتور محمود جمال الدين زكي في الوجيز في النظرية العامة للالتزامات الطبعة الثالثة ص 1127 وما بعدها).

ج - الإقرار المركب :

الإقرار المركب كالإقرار الموصوف يشتمل أيضاً على واقعة أصلية وواقعة أخرى مرتبطة بها وإنما نشأت واستجدت بعد نشوء الواقعة الأولى كالإقرار بالمديونية مع وفاء الدين أو الإقرار بالمديونية مع التجديد أو مع الإيراد وهنا الإقرار المركب لا يتجزأ لأن الواقعة المستجدة تستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية فلا يتصور وفاء من غير مديونية ولا يتصور تجديد أو إيراد من غيرها.. والإقرار الموصوف والإقرار المركب يشتمل على واقعة وأخرى مرتبطة بها وإنما في الإقرار الموصوف تتلازم الواقعتان أي تنشأ الواقعة المرتبطة وقت نشوء الواقعة الأصلية بينما في الإقرار المركب لا تنشأ الواقعة المرتبطة وقت نشوء الواقعة الأصلية وإنما تستجد بعدها وقد تكون مرتبطة بها برباط لا يقبل التجزئة إذا كانت نشأتها متوقفة على قيام الأولى وقد يكون الرباط بينما قابلاً للتجزئة بحيث من المتصور نشأة الواقعة المستجدة الجديدة دون قيام الأولى .

(الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات طبعه 1981 ص 299 )

وحكم الإقرار المركب أنه لا يتجزأ كلما قام بين الواقعتين ارتباط من شأنه أن يجعل الواقعة المضافة تفترض حتماً وجود الواقعة الأصلية فإذا أقر شخص بأنه اقترض مبلغاً ولكنه وفاه فإن المقر له لا يستطيع أن يجزي هذا الإقرار فيأخذ منه ما يفيده وهو الاعتراف بالدين ويترك ما يقره وهو الوفاء ويلقي بحث إثباته على المقر بالدين وكذلك الحكم لو أقر المدعي بالدين ولكنه ادعى أن هذا الدين قد انقضى بالتحديد أو الإبراء في مثل هذه الفروض تستلزم الواقعة المضافة وجود الواقعة الأصلية ولا يتصور قيام الأولى دون الثانية فلا يمكن أن يوجد الوفاء أو التجديد أو الإبراء إلا مع وجود الدين و ارتباط الواقعتين على هذا النحو يعني أن المقر لم يقصد أن يلزم بشيء ولذلك لا يجوز للمقر له أن يفصل الواقعتين ليستفيد من الواقعة الأصلية ويترك الواقعة المرتبطة بها أما إذا كانت الواقعة المرتبطة لا تتطلب حتى الواقعة الأصلية فإن الإقرار المركب يكون قابلاً للتجزئة مثال ذلك أن يقر المدعى عليه المدين بالدين ولكنه يضيف أن هذا الدين قد انقضى بالمقاصة مع دين له على الدائن في هذا القرض لا تلازم بين الواقعتين بل كل منهما توجد مستقلة والواقعة الثانية وهي وجود دین للمدعى عليه على الدائن لا تستلزم حتماً الواقعة الأولى ولذلك يجوز الإقرار فيعتبر المدعي الدين ثابتاً بالإقرار في ذمة المدعى عليه ثم يلقى على عاتق هذا الأخير عبء إثبات الدين المقابل الذي يدعيه وهذا ما عناه المشرع في المادة 104/ 2 من قانون الإثبات عندما نص على أن الإقرار يتجزأ على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى. «الدكتور عبد الودود يحيى في الموسوعة العلمية لأحكام محكمة النقض الجزء الثاني طبعة 1984 ص 128 وما بعدها». (الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه،  طبعة 2014، 2015 دار محمود،  المجلد :  الثاني ، الصفحة : 275)

معنى أن الإقرار حجة على المقر أن الواقعة التي أقر بها الخصم تصبح في غير حاجة إلى الإثبات يأخذ بها القاضي واقعة ثابتة بالنسبة إلى المقر والحجية هنا قاطعة لا يجوز إثبات عكسها وترجع هذه الحجية القاطعة إلى أن الإقرار إعفاء من الإثبات ذلك أن الخصم إذا أدعى واقعة وجب عليه إثباتها فإذا أقر خصمه بهذه الواقعة كان معناه أنه يعفيه من هذا الإثبات فتصبح ثابتة لا لأن دليلاً أثبتها بل لأنها في غير حاجة إلى الإثبات ولكن هذا لا يمنع من أن يطعن المقر في إقراره بأنه صوري أو أنه وقع نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه لو أنه صدر منه وهو ناقص الأهلية ولا يكون هذا رجوعاً عن الإقرار بل هو إلغاء له، كما يجوز للمقر أن يدفع بأن الإقرار من أقوى الأدلة ويشبه في قوته الدليل الكتابي، فكلاهما له حجية ملزمة لمن صدر منه وحجيته ملزمة للقاضي، وكما يجوز للقاضي أن يطرح الدليل الكتابي إذا بداً له أنه ظاهر التزوير يجوز له أن يطرح الإقرار إذا كان ظاهر الحال يكذبه، وكما يجوز لكل ذي مصلحة أن يثبت ما يخالف الكتابة يجوز له أن يثبت ما يخالف الإقرار ويكون إثبات العكس طبقاً للقواعد العامة أي بالكتابة فيما يتعلق بالأعمال القانونية التي تزيد قيمتها على مائة جنيه و بكافة الطرق فيما عدا ذلك. غير أنه في الحالات التي يجوز فيها إثبات عكس الإقرار بغير كتابة إذا زادت قيمة التصرف على خمسمائة جنيه يجوز ذلك أيضاً إذا وجدت أحد المسوغات التي تجيز الإثبات بها استثناء ومنها قيام المانع من الحصول على دليل كتابي المنصوص عليه في المادة 62 إثبات، غير أنه من ناحية أخرى فإن هذا المانع يعتبر موجوداً بالنسبة إلى كل شخص لم يكن طرفاً في العقد المقر به ومنها الاحتيال على أحكام القانون.

وإذا صدر الحكم بناء على إقرار الخصم فإنه لا يجوز استئنافه لأن الإقرار جعل المقر به غير متنازع فيه.

وإذا ثبت صورية الإقرار سقطت قيمته كدليل ولا يعيب الإقرار ولا ينقص من قوته عدم ذكر سبب له لأن الإقرار مقر للحق لا منشئ له، وقد قالت محكمة النقض أن الإقرار لا يكون سبباً لمدلوله وإنما هو دليل تقدم الاستحقاق عليه في زمن سابق فحكمه ظهور ما أقر به المقر لاثبوته ابتداء، ويكون الإقرار صحيحاً نافذاً ولو كان خالياً من ذكر سببه السابق عليه.

والإقرار حجة قاصرة على المقر فلا يتعداه إلى غيره فإذا أقر أحد الشركاء بدين على الشركة لا يتعدى إلى باقي الشركاء غير أن الإقرار يتعدى إلى الورثة باعتبارهم خلفاً عاماً أما إقرار أحد الورثة فلا يسرى على غيره من الورثة وقد يكون الإقرار مستوفياً للشرائط المتقدمة، ولكن فيه غشاً بالنسبة للغير فلا يعمل به القاضي، كما إذا أوقع دائن حجزاً على مدينة فرفع أخر دعوى استرداد الأشياء المحجوزة بحجة أنها ملكه لا ملك المدين واعترف له المدين بذلك فإنه يصح للقاضي ألا يعبأ بهذا الإعتراف إذا تبين له من ظروف الدعوى أن الغرض من هذا الإقرار الإضرار بالدائن الحاجز.

ولا يعتبر التضامن بين المدينين تفويضاً من بعضهم البعض الآخر، فإذا أقر أحدهما بالدين فلا يسري في حق الباقين وذلك عملاً بالمادة 295/ 1 مدني، وكذلك إذا أقر بعض الورثة بدين على مورثهم فإن إقرارهم لا يترتب عليه قطع التقادم بالنسبة لمن عداهم.

عدم جواز العدول عن الإقرار :

متى صدر الإقرار في مجلس القضاء فلا يجوز للمقر أن يعدل عنه حتى لو كان المقر له لم يقبل الإقرار فلا يصح له أن يدعي أنه كان كاذباً في إقراره، غير أن هذا لا يمنعه من أن يتمسك ببطلانه أو يطلب إبطاله، كما إذا كان صورياً أو شابه غلط سواء كان هذا الغلط في القانون أو الوقائع أو شابه إكراه أو كان سكران وقت الإدلاء به، وفي هذه الحالة يكون المقر في حكم المدعى ويقع عليه عبء إثبات سبب البطلان الذي يجيز له التخلص من إقراره، ولا يعد ذلك رجوعاً في الإقرار أو عدولاً عنه بل نتيجة لوقوع الإقرار باطلاً أو لإبطاله قضاء .

هذا بالنسبة للمقر، أما بالنسبة لورثته فإن حجيته تتعدى إليهم أيضاً مع خلاف بالنسبة لما إذا كان المقر قد توفي بعد الحكم في الدعوى التي صدر فيها الإقرار أم قبله، ففي الحالة الأولى يتقيد الورثة نهائياً بالإقرار، وفي الحالة الثانية يجوز لهم إذا كان قد انطوى على غش كما إذا كان المورث كذب فيه عمداً للاحتيال على القانون والإضرار بهم أن يثبتوا عند مثولهم في الدعوى التي صدر فيها الإقرار كذبه وغش المقر بكافة طرق الإثبات لأن الغش يفسده، كما أن هذا الغش واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة الطرق، وفيما عدا ذلك تبقى للإقرار حجيته القاطعة بالنسبة للورثة، كما كانت بالنسبة إلى المقر نفسه، وبالنسبة للدائنين فإن الوضع يختلف في شأنهم، ذلك أن لهم حقوقاً شخصية خاصة بهم تتأثر بتصرفات مدينهم ومنها إقراراته وبالتالي يحكم عليهم بها، ومن ثم يكون لهم في جميع الأحوال إثبات عدم صحتها بكافة الطرق سواء بالتدخل في الدعوى التي صدر فيها الإقرار أو بطريق الطعن في الإقرار، وفي الحكم الذي صدر بناء عليه بدعوى الصورية أو بدعوى عدم نفاذ التصرف في الأحوال التي تتوافر فيها شروط أيهما، ومؤدى ذلك أن حجية الإقرار لا تكون قاطعة بالنسبة لدائني المقر.

يبقى بعد ذلك أمر الخلف الخاص والقاعدة أنه يحتج عليه بالإقرار الصادر من سلفه قبل تلقيه حقه من ذلك السلف ولا يحتج عليه به إذا صدر بعد ذلك، لأن الخلافة الخاصة يقتصر أثرها على التصرفات السابقة على انتقال الحق إلى الخلف، غير أنه في الحالة الأولى لا تكون حجية الإقرار على الخلف الخاص قاطعة إذا كان السلف قد تعمد به الإضرار بالخلف الذي يجوز له أن يثبت بدوره عدم صحته بكافة الطرق وذلك إما بالتدخل في الدعوى التي صدر فيها الإقرار إذا لم يكن قد فصل فيها وإما برفع دعوى بصوريته أو عدم نفاذه إذا توافرت شروط أي منهما.

وبالنسبة إلى إقرار الوارث فقد سبق أن ذكرنا أنه لا يتعدى إلى باقي الورثة، وكذلك الشأن بإقرار الشريك بالنسبة لباقي شركائه وإقرار الدائن المتضامن أو المدين المتضامن بالنسبة للمتضامنين معه.

تجزئة الإقرار :

المبدأ المقرر في المادة في فقرتها الثانية هي أن الإقرار لا تجوز تجزئته، فإما أن يؤخذ به كله أو يترك كله فلا يستطيع له أن يأخذ من الإقرار ما ينفعه ويترك ما يضره على أن مسألة عدم التجزئة لا تعرض بالنسبة إلى كل صور الإقرار، إذ يقسم الشراح الإقرار القضائي فيما يتعلق بالتجزئة إلى ثلاثة أنواع بسيط وإقرار موصوف وإقرار مركب.

فالإقرار البسيط هو ما كان اعترافاً تاماً من المدعى عليه بما يدعيه المدعي دون تعديل فيه ، كما إذا أدعي الدائن أنه أقرض المدعى عليه مبلغاً معيناً بفائدة قدرها 6% ابتداء من تاريخ معين، فاعترف المدعى عليه بالقرض وقيمته وتاريخه و بالفوائد وسعرها، فهذا الإقرار كله في مصلحة الدائن ولا محل للبحث في تجزئته، و يتعين على المقر في هذه الحالة أن يثبت براءة ذمته من الدين طبقاً لقواعد الإثبات العامة .

أما الإقرار الموصوف فهو إقرار الشخص بما ادعاه المدعي لا كما هو بل موصوفاً بوصف آخر يعدل فيه كما إذا أدعي الدائن ديناً باتاً حالاً فأقر المدعى عليه بالدين مضافاً إلى أجل أو معلقاً على شرط، أو إذا طالب المدعي المدعى عليه برد منقول كان مملوكاً لمورث الأول فأقر المدعى عليه بأن هذا المنقول في حيازته وأنه تسلمه من المورث على سبيل الهبة وحكم هذا الإقرار أنه لا يتجزأ على صاحبه، فإما أن يأخذ الدائن الإقرار كله موصوفاً كما هو أو يطرحه كله وليس له أن يجزئه فيقتصر على إقرار المدين بالدين ويدع الوصف الذي دخل على الدين من أجل أو شرط ويلقي عبء إثباته على المدين فإذا أخذ بالإقرار كله كان الثابت بهذا الإقرار هو الدين موصوفاً بالأجل أو الشرط ، وإذا طرح الإقرار كله لم يثبت شي بالإقرار المطروح وعلى الدائن إثبات ما ادعاه كما لو لم يكن هناك أي إقرار فيتعين عليه أن يثبت الدين وعلى المدين أن يثبت الأجل أو الشرط، ويجوز أيضاً أن يتخذ الدائن من الإقرار طريقاً لإثبات القرض في ذاته ثم يثبت هو - لا المدين - أن القرض قد حل أجله أو أنه غير معلق على شرط وهو مقيد في هذه الحالة بالقواعد العامة في الإثبات والتي لا تجيز للدائن أن يستبقي من الإقرار ما هو في صالحه ويلقي على المقر عبء إثبات ما ليس في صالحه، فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار ولا تصح التجزئة في الإقرار الموصوف.

والإقرار المركب هو الإقرار بالواقعة المدعي بها بواقعة أخرى تترتب عليها نتائج تؤثر في نتائج الواقعة الأولى، كما إذا إدعى شخص على أخر بمبلغ أقرضه إياه فأقر المدعى عليه بأنه اقترض فعلاً هذا المبلغ، ثم وفاه، أو أن الدين انقضي بالتجديد أو بالمقاصة والفرق بين الإقرار المركب والإقرار الموصوف - وكلاهما يشتمل على واقعة أصلية وواقعة مرتبطة بها - إن في الإقرار الموصوف تقترن الواقعة الأصلية من وقت نشوء الواقعة الأصلية، أما في الإقرار المركب فالواقعة المرتبطة لا تقترن بالواقعة الأصلية من وقت نشوئها بل تستبند بعدها والأصل في الإقرار المركب أنه لا يتجزأ أيضاً على صاحبه، فإذا أقر المدين أنه اقترض مبلغاً ولكنه وفاة فإما أن يأخذ الدائن بالإقرار كله فيخسر دعواه أو يطرح الإقرار كله وعله أن يثبت الدين وعلى المدين أن يثبت الوفاء أو يستبقى الإقرار بالقرض وحمل هو عبء إثبات أن المدين لم يقم بوفائه. والذي لا يجوز هو أن يستبقى الإقرار بالقرض ويلقي عبء إثبات الوفاء على المدين، فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار حيث لا تصح التجزئة وكذلك يكون الحكم فيما إذا أقر المدين بأنه اقترض المبلغ، ولكن الدين انقضي بالتجديد أو انقضي بالإبراء، ففي هاتين الحالتين لا يتجزأ الإقرار على صاحبه ولا يجوز للدائن أن يستبقي من الإقرار ما هو في صالحه أي واقعة المديونية ويلقي على المدين عبء إثبات ما ليس في صالحه أي واقعة التجديد أو واقعة الإبراء. والمشترك في الأحوال الثلاثة المتقدمة - وهي الإقرار بالدين والوفاء، والإقرار بالدين وانقضائه بالتجديد، والإقرار بالدين والإبراء منه - إذ أن الواقعة المرتبطة تستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية، فالوفاء بالدين يستلزم حتماً وجود الدين قبل ذلك، وكذلك تجديد الدين والإبراء منه كل منها تستلزم حتماً سبق وجود دين حصل فيه التجديد أو وقع فيه الإبراء من ثم لا يمكن للواقعتين، الواقعة الأصلية، والواقعة المرتبطة بها أن تنفك إحداهما عن الأخرى فهما متلازمتان ولا تصح فيهما التجزئة، أما إذا كانت الواقعة المرتبطة لا تستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية فإن الإقرار يتجزأ كما إذا أقر المدين بالقرض منفصل عن الدين الذي يدعي المدين وقوع المقاصة فيه، ووجود أحدهما لا يستلزم حتماً وجود الأخر، ومن ثم كان الفصل بينهما ممكناً، وصحت التجزئة في الإقرار. فإذا أقر المدين بالقرض ولكنه أدعى أنه سقط بالمقاصة كان للدائن في هذه الحالة أن يجزي الإقرار على المدين فيجعل القرض ثابتاً بالإقرار، ويلقي على المدين عبء إثبات أن له ديناً في ذمة الدائن كان سبباً في وقوع المقاصة وهذا هو الرأي الراجح في الفقه.

السنهوري في الوجيز ص 684 ورسالة الإثبات لنشأت ص 482، وسليمان مرقص في أصول الإثبات، الطبعة الخامسة. الجزء الأول ص 673) غير أن هناك رأياً آخر ذهب إلى أنه لا يجوز تجزئة الإقرار في هذه الحالة استناداً إلى أن من أقر بالدين وبالمقاصة لم تتجه إرادته مطلقاً إلى اعتبار الدين ثابتاً في ذمته، بل إنه قصد بالإقرار في هذه الصورة إنكار مديونيته وقت المطالبة (رأي في الفقه الفرنسي)، وقد أخذت محكمة النقض بالرأي الأول في حكمها الصادر بجلسة 2/ 5/ 1963، وسيرد في نهاية التعليق على المادة.

و يتجزأ الاعتراف إذا ادعى شخص على آخر بجملة تعهدات، فاعترف بالبعض وأنكر البعض بمعنى أنه يحكم بالتعهدات المعترف بها.

ويلاحظ أنه إذا كانت هناك وقائع قانونية مختلفة صدر بشأنها إقرار في خلال استجواب معين فتعدد الوقائع يستتبع تعدداً مقابلاً في الإقرارات حتى إن كلا منها يعتبر إقراراً مستقلاً ويلزم من ذلك اعتبار كل إقرار من هذه الإقرارات وحدة قائمة بذاتها لا تقبل التجزئة بمفردها، وإن كان مجموع الإقرارات مجزأ في جوهره ويعتبر الإقرار متى ورد على الواقعة المتنازعة إقراراً كاملاً يتأثر بسائر الإقرارات المتعلقة بوقائع أخرى.

ويذهب الأستاذ نشأت إلى أنه حتى في الأحوال التي لا تصح التجزئة فيها فإنه تصح التجزئة إذا كان هناك تناقض في أقوال المقر، كما إذا ادعى شخص على آخر ديناً فقال إنه هبة ثم اعترف بأنه دين وادعى أنه وفاه. كذلك يرى أن الاعتراف يتجزأ إذا كانت الواقعة الثانية مستحيلة وكان الكذب فيها ظاهراً، كما إذا قال شخص رفعت عليه دعوى بدين أنه أخذ المبلغ لشراء أسهم للمدعي وتبين أنه اشتراها بإسمه إذ باستبعاد الواقعة الثانية في هذه الأحوال يصبح الإقرار بسيطاً كما يرى أن الاعتراف أيضاً يتجزأ إذا اعتبر مبدأ للثبوت بالكتابة فقط، أما إذا كان الاعتراف فيه غموض أو لبس فيجب أولاً معرفة مقاصد المعترف ثم البحث فيما إذا كان الإعتراف قابلاً للتجزئة أم لا طبقاً للقواعد المتقدمة ويكون ذلك بتفسير اعترافه طبقاً لقواعد التفسير القانونية التي تفسر بها المشارطات.

ويتعين ملاحظة أنه سواء كان الإقرار موصوفاً أو مركباً فإنه للمدعى أن يثبت أن الواقعة المضافة غير صحيحة، فليس هناك ما يمنع قانوناً من أن يستبقي الدائن من الإقرار ما هو في صالحه ويدحض بدليل يقدمه هو ما ليس في صالحه عن الإقرار، فإذا أقر المدين بالدين، ولكنه ادعى أنه معلق على شرط أو مضاف إلى أجل جاز للدائن أن يستبقى الإقرار بالدين، ثم يكون عليه أن يقدم الدليل على أن الدين الذي أقر به المدين لم يكن معلقاً على شرط أو مضافاً إلى أجل وإذ ادعى شخص على آخر ديناً أقر به ولكنه ادعى أنه وفاه جاز للمدعي أن يثبت عدم حصول الوفاء وليس في هذا مخالفة للقانون لأن الممتنع قانوناً هو أن يستبقي الدائن من الإقرار ما هو في صالحه ويطرح منه ما يعد في غير صالحه .

كذلك يتعين ملاحظة أن إثبات عدم صحة الواقعة المضافة، إنما يكون بنفس الطرق التي كان يمكن بها إثبات الواقعة الأصلية، فإذا كانت الواقعة المعترف بها تصرفاً قانونياً بما يوجب القانون إثباته بالكتابة فلا يجوز إثبات عدم صحة الواقعة المضافة إلا بالكتابة فإذا أقر المدين بالدين ولكنه ادعى أنه وفاه للدائن وكانت قيمته تزيد على خمسمائة جنيه فلا يجوز للدائن نفي حصول الوفاء إلا بالكتابة، ومتى أثبت الدائن عدم صحة الواقعة المرتبطة بالواقعة الأصلية أو المضافة إليها وجنب استبعادها والأخذ بالواقعة الأصلية واعتبار الإقرار بسيطاً قاطع الحجية .

ومما هو جدير بالذكر أنه لا يجوز للمقر أن يتمسك بقاعدة عدم تجزئة الإقرار إلا إذا كان المدعي قد استند إلى الإقرار باعتباره هو الدليل الوحيد في الدعوى، أما إذا كانت الواقعة المدعاة ثابتة بدليل آخر، وكان هذا الدليل كاملاً فلا حاجة إلى المدعي للتمسك بالإقرار، وإذا كان الدليل الذي قدمه المدعي ناقصاً جاز له أن يتمسك بالإقرار باعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة متى كان من شأن الإقرار أن يجعل الواقعة المدعي بها قريبة الإحتمال فيستطيع تكملة الدلالة المستمدة من الإقرار بالبينة والقرائن ولا يجوز للمدعى عليه أن يتمسك في هذه الحالة بقاعدة عدم تجزئة الإقرار لأن المدعي إنما يستعمل حقه في الإثبات وفقاً للقواعد العامة.

وتكييف الأقوال المنسوبة إلى الخصم، وما إذا كانت تعتبر صادرة أو غير صادرة في مجلس القضاء مسالة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض، وكذلك الشأن فيما يتعلق بحجية الإقرار القضائي وكونه يجوز أو لا يجوز الرجوع فيه أو كونه يقبل التجزئة أو لا يقبلها كلها مسائل قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض بشرط إثارتها أمام المحكمة الموضوع إذ لا يجوز التمسك بها لأول مرة أمام المحكمة النقض. (قانون الإثبات للمستشار محمد عبد اللطيف، الجزء الثاني ص 267 وما بعدها).

ومما هو جدير بالذكر أن قاعدة عدم تجزئة الاعتراف لا تسري في المواد الجنائية لأن الإقرار أمامها ليس حجة بذاته، وإنما يتوقف على اقتناع القاضي فيجوز له أن يأخذ به كله أو يأخذ ببعضه أو يرفضه كله، إلا أنه يستثنى من ذلك أن يكون موضوع الإقرار عقداً مديناً يتوقف عليه ثبوت الجريمة كالوديعة متى كان هذا الإقرار هو الطريق الوحيد المثبت لهذا العقد طبقاً لأحكام القانون المدني.

وهناك حالات يبدو فيها أن الإقرار يتجزأ خلافاً للقاعدة السابق بيانها، ولكنه في الواقع إنما يتجزأ لتخلف شرط من شروط عدم قابليته التجزئة ومنها :

1- إذ تضمنت أقوال المقر أثناء استجوابه الاعتراف بعدة مسائل كل منها يستقل عن الأخر تماماً فهنا يجوز للقاضي أن يعتبر كل إجابة من هذه الأقوال إقرار قائماً بذاته وجاز للمقر له التمسك بأحد هذه الإقرارات دون الأخرى، غير أن المتمعن في هذه الحالة ينتهي إلى أنها لا تعتبر تجزئة للإقرار الواحد، وإنما هي في حقيقتها فصل إقرارات متعددة عن بعضها البعض مثال ذلك تقديم الحارس أو الوكيل كشف حساب عن حراسته أو وكالته، فإن كل بند من بنوده يعتبر إقراراً قائماً بذاته ويجوز لذى الشأن أن يسلم ببضعها دون البعض الآخر ولا يجوز للحارس أو الوكيل أن يتمسك بعدم تجزئة الحساب.

2 - إذا استطاع المقر له أن يثبت كذب الإقرار فيما يتعلق بالواقعة التي ربطها المقر بالواقعة الأصلية إذ يجوز له حينئذ أن يتمسك بالإقرار فيما يتعلق بالواقعة الأصلية وحدها، غير أن هذه الحالة لا تعتبر استثناء من القاعدة إذ أن المقر له يمكنه الأخذ بأحد شقي الإقرار دون تجزئة مع استعمال حقه في إثبات عكس الشق الأخر.

3 - إذا كانت الواقعة المضافة مستحيلة أو ظاهرها الكذب بطبيعتها أو كانت متناقضة بحيث تحمل على الاعتقاد بأنه لا وجود لها، كما إذا أقر المدين بمديونيته للمبلغ الذي حصل عليه على سبيل القرض من سنتين ولكنه ادعى أنه كان قاصراً في ذلك الوقت مع أنه يبلغ من العمر خمسين عاماً.

4 - إذا تمسك المقر له بأقوال المقر لا باعتبارها دليلاً كاملاً على صحة ما ادعاه بل باعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كانت مكتوبة بخط المقر ومسجلة على لسانه في محاضر رسمية أو باعتبارها قرينة قضائية يعززها مبدأ ثبوت بالكتابة، فإنه يجوز له أن يأخذ ببعض هذه الأقوال دون البعض الآخر، غير أن هذه الحالة لا تعد استثناء من قاعدة عدم التجزئة لأنها لا تعتبر تجزئة لأن المقر له يتمسك بهذه الأقوال لا باعتبارها إقراراً قضائياً ولكن على أساس أنها من العناصر الداخلة في تكوين طرق أخرى من طرق الإثبات، وفي هذه الحالة لا يجوز للمقر بأن يتمسك بعدم تجزئة الإقرار ليعفي نفسه من إثبات الشق الذي أضافه إلى الواقعة المدعي بها لأنه ملزم بإثباته وفقاً للقواعد العامة .

5 - إذا كان الإقرار مركباً وتضمن الإقرار واقعة ضارة بالمقر وأخرى مفيدة له وأثبت المقر له الواقعة الضارة بالمقر فلا يجوز له أن يتمسك بعدم تجزئة الإقرار الإعتبار الواقعة الأخرى ثباته به لأن المدعي لا يعتبر الإقرار دليله فلا يصح أن يحتج عليه به.

الإقرار بالملكية يجوز الحكم بصحته ونفاذه :

من المقرر أن الإقرار بالملكية هو نزول من المقر عن حقه في مطالبة خصمه بإثبات ما يدعيه من ملكية وأخبار منه بملكية سابقة للمقر له وحجة على المقر دون حاجة إلى تسجيل، طالما صدر منه عن إرادة حرة ويضحي دليلاً للمقر له في إثباته للملكية قبل المقر ومن ثم يجوز للصادر لصالحه الإقرار أن يقيم دعوى بصحته ونفاذه وتجيبه المحكمة لطلبه.

وإذا طلب المقر له مع طلب الحكم بصحة ونفاذ الإقرار بالملكية الحكم بتسليم الشيء الذي أقر خصمه بملكيته له أجابته المحكمة لطلبة باعتباره أن التسليم أثر من آثار الملكية.

الإقرار لا يرد عليه الفسخ :

سبق أن ذكرنا أن الإقرار هو اعتراف شخص بواقعة ما، وبالتالي فهو إخبار بأمر وليس إنشاء لحق، ومن ثم لا ترد عليه أحكام الفسخ ، ذلك أن الفسخ لا يرد إلا على العقود التي تنشئ التزامات متقابلة بين طرفيه كالبيع والإيجار وغيرهما وترتيباً على ذلك لا يجوز القول بفسخ العقد المتضمن هذا الإقرار بحجة عدم تنفيذ ما أبرم من أجله.

إغفال المحكمة في حكمها تناول الإقرار المقدم في الدعوى والمؤثر فيها يعيبه بالقصور :

في حالة ما إذا قدم أحد الخصوم إقراراً صادراً من خصمه وأغفلت المحكمة في حكمها تناوله في أسبابها فإن ذلك يعد قصوراً فيه يجيز الطعن عليه بالنقض، و غير أنه يشترط لذلك أن يكون هذا الإقرار مؤثراً في الدعوى بمعنى أن يكون من شأنه لو أخذت له المحكمة تغير وجه الرأي في الدعوى، أما إذا كان غير مؤثر فيها كان الطعن غير منتج وبالتالي غير مقبول.

ويسري هذا المبدأ سواء كان الإقرار قضائياً أو غير قضائي.

الإقرار غير القضائي :

الإقرار غير القضائي هو الذي يصدر في غير مجلس القضاء أصلاً، ويشترك الإقرار غير القضائي مع الإقرار القضائي في طبيعته من حيث أنه عمل قانوني إخباري من جانب واحد وأنه يعتبر بمثابة عمل من أعمال التصرف وأنه حجة قاصرة ويختلف عنه في أنه لا يصدر في مجلس القضاء في ذات القضية المتعلقة بالمقر به، فالإقرار الذي يصدر في مجلس القضاء في قضية أخرى ولو كانت بين نفس الخصوم يعد في الدعوى الأخرى إقراراً غير قضائي ومن أمثلة الإقرار غير القضائي أيضاً الإقرار الصادر في خطاب أو في تحقيق تجرية النيابة أو في محضر جمع استدلالات، أو في تحقيق إداري أو شفاهة غير أنه يجب التمييز بين إثبات قيام الإقرار وبين حجته في الإثبات فهو يقوم بصدوره من المقر شفوياً أو في ورقة مكتوبة، فإن كان شفوياً وأنكره من نسب إليه وجب على من يحتج به أن يثبت أولاً صدوره من خصمه ويخضع في ذلك القواعد العامة في الإثبات، فإذا كانت قيمة الدعوى لا تزيد على خمسمائة جنيه جاز له إثبات صدور الإقرار من خصمه بالبينة والقرائن، وإن زادت قيمة الدعوى على هذا المقدار لم يجز إثبات صدور الإقرار إلا بالكتابة أو بشهادة الشهود في الحالات التي يجوز فيها الإثبات بذلك استثناء كوجود مانع أو مبدأ ثبوت بالكتابة وفقاً للقواعد المقررة في هذا الشأن على أنه يصح أن يعترف المقر أمام القضاء بالإقرار الشفوي الصادر منه خارج القضاء فيصبح الإقرار غير القضائي ثابتاً بإقرار قضائي، وقد أختلف الرأي في شأنه فذهب رأي إلى أنه يبقى مع ذلك إقرار غير قضائي لأن الإقرار هنا ليس إقراراً بالدعوى ذاتها بل هو إقرار بالإقرار الصادر خارج القضاء ويذهب الرأي الآخر إلى أن الإقرار غير القضائي يصبح ثابتاً بإقرار قضائي فيكون له من الثبوت والحجية ما يجعله حجة قاطعة على المقر فلا يجوز الرجوع فيه ولا تجزئته كما هو، السائد في الإقرار القضائي (راجع في تأييد الرأي الأول الوسيط للسنهوري، الجزء الثاني، الطبعة الثانية ص 625، وراجع في تأييد الرأي الثاني قانون الإثبات لمحمد عبد اللطيف، الجزء الثاني ص 273 وسليمان مرقص في الإقرار واليمين ص 84).

ونحن نميل إلى الرأي الأول لأنه هو الذي يتفق وصحيح القانون.

وإذا كان الإقرار غير القضائي في ورقة مكتوبة كان هذا الإقرار هو الطريق الإثبات الدعوى ذاتها بعد أن ثبت قيامه بهذه الورقة، فإذا ما ثبت قيام الإقرار غير القضائي على النحو المتقدم كانت له حجية في الإثبات تتبع إلى حد كبير الصورة التي قامت به فإن قامت به صورة إقرار مكتوب فله قوة الكتابة التي تضمنته رسمية كانت أو عرفية ومن ثم يكون الإقرار غير القضائي الوارد في ورقة رسمية له حجية الورقة الرسمية. فهو من حيث صدوره من المقر له حجية كاملة إلى حد الطعن بالتزوير. ومن حيث صحة الإقرار في ذاته له حجية على المقر ولكن للمقر إثبات عكس ما جاء في إقراره وأنه لم يكن إلا إقراراً صورياً أو إقراراً متواطأ عليه بينه وبين خصمه على ألا يثبت ذلك إلا بالكتابة لأنه يثبت عكس ما جاء في ورقة مكتوبة، ما لم يكن هناك مانع أدبي أو أمر من الأمور التي يجوز إثباتها بغير الكتابة.

غير أن الخلاف ثار في الفقه والقضاء حول الأثر القانوني للإقرار غير القضائي فذهب رأي إلى أنه يخضع للقواعد العامة فهو حجة على المقر ما لم يثبت عدم صحته وهو قابل للتجزئة وهو كذلك قابل للرجوع فيه في الحدود التي تسمح بها القواعد العامة أي لغير غلط في القانون وأضافوا أنه ليس له حجية قانونية ملزمة للقاضي فله سلطة واسعة في تقدير قوته في الإثبات ذلك أن صاحبه يكون عادة أقل حيطة في أمره وأقل تمعناً في عواقبه مما لو كان إقراراً صادراً أمام القضاء كما وأن تجزئته أو عدم تجزئته تخضع لتقدير القاضي فيجوز له ألا يجزي إقرار الدائن بالدين وبالمقاصة وله أن يقبل التجزئة وحجة القائلين بهذا الرأي أن القانون قد نص على الإقرار القضائي و عين آثاره ولم ينص على الإقرار غير القضائي فدل بذلك على أنه قصد أن يترك للقاضي تقدير قوة هذا النوع من الإقرار وما يترتب عليه من آثار (الوسيط للسنهوري، الجزء الثاني، الطبعة الثانية ص 627 وما بعدها والإثبات محمد عبد اللطيف، الجزء الثاني ص 274) وذهب رأي ثان أن الإقرار غير القضائي يخضع لتقدير محكمة الموضوع فلها أن تعتبره دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو قرينة حيث يجوز الأخذ بالقرائن غير أنه خالف الرأي الأول من ناحية جواز تجزئته قائلاً بأنه لا تجوز تجزئته ولا يجوز العدول عنه إذا لم يكن هناك خطأ في الوقائع (رسالة الإثبات لنشأت، الجزء الأول ص 490). أما أصحاب الرأي الثالث فيقولون أن الفرق بين نوعي الإقرار لا يمس طبيعتهما في شئ وإنما يتعلق بظروف صدور الإقرار في مجلس القضاء أو في غيره ونظراً لأن ظروف صدور الإقرار في مجلس القضاء ليس من شأنه سوى توفير الثقة في جدية الإقرار فإنه من الصعب التسليم باختلاف آثار الإقرار غير القضائي متى ثبتت جديته عن آثار الإقرار القضائي وتعينت المساواة بينهما في أحكامهما ورتبوا على ذلك أنه متى ثبت للقاضي أن الإقرار غير القضائي هو فعلاً إقرار صحيح تعين عليه الأخذ به كما يتعين عليه الأخذ بالإقرار القضائي لاتحاد العلة في الحالتين وهو توافر قصد المقر أن يرتبط بإقراره ووجب عليه ألا يسمح بالعدول عنه لغير سبب يبطله لأن الإقرار يستمد صفة اللزوم من كونه عملاً قانونياً يتم بإرادة واحدة لا من صدوره في مجلس القضاء ولزمه أن يراعى عدم تجزئة الإقرار لأن عدم التجزئة نتيجة لإتجاه إرادة المقر لا لصدور الإقرار في مجلس القضاء (أصول الإثبات لسليمان مرقص، الطبعة الخامسة، المجلد الأول ص 705 والإثبات للصدة ص 184). غير أن الرأي الأول هو الراجح فقها وقضاء وهو ما أخذت به محكمة النقض في أحكامها المتواترة . (التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية،  الجزء الرابع ،  الصفحة : 1297)

حجية الإقرار القضائي

القاعدة :

القاعدة في حجية الإقرار القضائي، أن الإقرار القضائي حجة قاطعة على المقر، ولا يجوز للمقر أن يرجع عنه، ولا تجوز تجزئة الإقرار .

ويمكننا بذلك أن نقر أنه يترتب على الإقرار القضائي آثار ثلاثة هي :

الأثر الأول من آثار الإقرار القضائي

 (الإقرار حجة قاطعة على المقر)

مضمون هذا الأثر :  

تنص المادة (104) من قانون الإثبات في هذا الخصوص على أن: «الإقرار حجة قاطعة على المقر».

وهذا يعني أنه إذا صدر إقرار قضائي من الخصم فإنه يكون حجة بذاته على المقر، فلا يكون الخضم في حاجة إلى تقديم دليل آخر، ويلتزم القاضي بأن يحكم بمقتضاه من تلقاء نفسه.

ولا يجوز للمقر العدول عنه أو إثبات عكسه، وإن جاز له الطعن فيه بالصورية أو الغلط أو التدليس أو الإكراه أو نقص الأهلية . وتعزى حجية الإقرار على المقر بوجه عام إلى أن صدوره من شخص ضد مصلحة نفسه يجعل احتمال صدقه يرجح على احتمال كذبه. ويزداد رجحان هذا الاحتمال إذا كان صادراً في مجلس القضاء، لأن الحضور أمام القضاء من شأنه أن ينبه المقر إلى وزن كل كلمة قبل أن يفوه بها، فهو لا يصدر من المقر إلا بعد ترو وتبصر بنتائجه، لذلك كان من الطبيعي أن يكون للإقرار في مجلس القضاء حجية كاملة على المقر، وحجية ملزمة للقاضي، بحيث يتعين على هذا الأخير أن يأخذ بها دون أن يكون له أية سلطة في تقديرها.

وقد افترض الشارع بثبوت هذه الحجية الكاملة للإقرار القضائي - أي الحجية للقاضي كحجية الكتابة واليمين، عندما نص في المادة 104 من قانون الإثبات على أن: «الإقرار حجة قاطعة على المقر».

وإذا كان للمقر الطعن على إقراره بالصورية أو بصدوره نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه، أو أنه صدر منه وهو ناقص الأهلية، فإن هذا لا يكون رجوعاً في إقرار موجود، بل هو إلغاء الإقرار ظهر بطلانه .

وإذا صدر الحكم بناء على إقرار الخصم، فإنه يكون غير قابل للطعن عليه بالاستئناف.

حجية الإقرار قاصرة على المقر :

الإقرار كما ذكرنا - تصرف قانوني، ومن ثم فإن آثاره تنصرف فقط إلى الأشخاص الذين تسرى في حقهم آثار التصرف القانوني ومن هنا كان الإقرار حجة قاصرة على المقر أو نائبه.

وحجة على ورثة المقر والموصى لهم باعتبارهم خلفاً عاماً له.

غير أن الأمر يختلف بحسب ما إذا كان المقر قد توفي بعد الحكم في الدعوى التي صدر فيها إقراره أو قبله. ففي الأولى يكون الإقرار قد وصل إلى غايته و قضت بموجبه المحكمة في حياة المقر، فترتبت نتائجه العملية في ذمة المقر قبل وفاته وتخلفت عنه في تركته، فيتقيد بها الورثة نهائياً لأنهم لا يرثون إلا ما ما كان لمورثهم من حقوق ولا يكون لهم حق إثبات عدم صحة الإقرار، أي أن إقرار مورثهم يكون له بالنسبة إليهم في هذه الحالة حجية قاطعة.

وفي الثانية يكون الإقرار لم يصل بعد إلى غايته عند ثبوت وراثتهم، فإذا ادعوا أنه أنطوى على غش، كأن يكون المقر كذب في إقراره عمداً للاحتيال على القانون والإضرار بهم، جاز لهم أن يتدخلوا في الدعوى التي صدر فيها الإقرار وأن يثبتوا فيها كذبه وغش المقر بكافة الطرق لأن الغش يفسد الإقرار ولأنه واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة الطرق، وفيما عدا ذلك تبقى للإقرار حجيته القاطعة بالنسبة إلى الورثة لما كانت بالنسبة إلى المقر نفسه .

يجب ألا يكون المقر كاذباً في إقراره :

لا يجوز الأخذ بالإقرار، إذا ثبت من أوراق الدعوى، أن المقر كاذب في أصل إقراره، أو كان الظاهر يكذب المقر.

سريان إقرار المورث على الوارث :

يسرى إقرار المورث على الوارث كما يسرى عليه تصرفه باعتباره خلفاً عاماً له. على أن هذا لا يمنع الوارث من أن يطعن على إقرار المورث بما كان يصح للمورث أن يطعن عليه في حياته، فله أن يثبت أن الإقرار حصل من المورث نتيجة غلط أو غش أو تدليس أو إكراه أو أن مورثه كان عديم الأهلية، أو أن الإقرار كان صورياً . 

كما يكون للوارث أن يطعن على الإقرار بأن حقيقته وصية، وله إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات.

والموصي له بحصة في التركة خلف عام كالوارث تسري عليه جميع تصرفات الموصي، إلا أن ذلك لا يمنعه من الطعن على الإقرار بذات الطرق التي يجوز للوارث الطعن بها عليه .

هل تمتد حجية الإقرار إلى الدائنين والخلف الخاص ؟

ذهب رأى في الفقه إلى أن حجية الإقرار القضائي لا تمتد إلى دائني المقر وخلفه الخاص كالمشتري مثلاً ، وذلك على خلاف الورثة.

فإذا أقر المدعى عليه في دعوى استحقاق دار بملكية الدار للمدعي، لم يكن لهذا الإقرار حجية على دائنه، ويجوز للدائن أن يتدخل في الدعوى ويثبت بجميع الطرق أن الإقرار غير صحيح حتى تبقى الدار مملوكة لمدينة فيستطيع أن ينفذ عليها بالدين. كذلك إذا كان المدعى عليه في المثل المتقدم قد باع الدار الآخر، ثم رفعت عليه دعوى الاستحقاق وأقر بملكية الدار للمدعي، فإن هذا الإقرار يكون حجة قاصرة عليه دون المشتري، ويستطيع هذا أن يتدخل في الدعوى ليثبت أن الإقرار لا صحة له حتى تخلص له ملكية الدار .

وذهب رأي ثان إلى أن الإقرار القضائي تمتد حجيته إلى الدائن فقط دون الخلف الخاص  .

بينما ذهب رأي ثالث إلى أن حجية الإقرار تمتد إلى الدائن والخلف الخاص .

إلا أن محكمة النقض أخذت بالرأي الأول وقضت بأن :

«لا على المحكمة إذا هي أخذت بإقرار زوجة المحجور عليه فقضت بصورية عقد البيع الصادر إليها من زوجها دون أن يتعدى أثر ذلك إلى غيرها من المتعاقدين معها الذين تلقوا الحق عنها».

( طعن رقم 6 لسنة 23 ق جلسة 1956 / 10 / 25 ) .

عدم سريان إقرار أحد المدينين المتضامنين بالدين في حق الباقين :

بقاء حجية الإقرار ولو زالت صفة الخصم :

إذا فقد المقر صفته بعد حصول الإقرار، كما إذا عزل الممثل القانوني لشركة ، أو عزل ناظر الوقف، فإن حجية الإقرار تظل قائمة باعتباره إقراراً قضائياً، لأن المقر كان صاحب صفة وقت صدور الإقرار منه.

بقاء حجية الإقرار ولو قضى بسقوط الخصومة أو انقضائها :

إذا صدر الإقرار من الخصم أمام المحكمة ثم قضت المحكمة في الدعوى بسقوط الخصومة لعدم السير في الدعوى بفعل المدعي أو امتناعه، وانقضاء ستة أشهر من آخر إجراء صحيح من إجراءات التقاضي، عملاً بالمادة 134 من قانون المرافعات، فإنه لا يترتب على هذا القضاء زوال الإقرار، وإنما تظل له حجيته بإعتباره إقراراً قضائياً ذلك أن المادة 137 من قانون المرافعات، تنص على أنه: «يترتب على الحكم بسقوط الخصومة سقوط الأحكام الصادرة فيها بإجراء الإثبات، وإلغاء جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك رفع الدعوى ولكنه لا يسقط الحق في أصل الدعوى ولا في الأحكام القطعية الصادرة منها ولا في الإجراءات السابقة لتلك الأحكام أو الإقرارات الصادرة من الخصوم أو الأيمان التي حلفوها .

على أن هذا السقوط لا يمنع الخصوم من أن يتمسكوا بإجراءات التحقيق و أعمال الخبرة التي تمت ما لم تكن باطلة في ذاتها».

وتقضى المادة 140 مرافعات على أنه في جميع الأحوال تنقضي الخصومة بمضى سنتين على آخر إجراء صحيح فيها.

ومع ذلك لا يسرى حكم الفقرة السابقة على الطعن بطريق النقض .

والمقرر أن انقضاء الخصومة يترتب عليه ذات الآثار التي تترتب على سقوطها، ومن ثم لا يترتب على انقضاء الخصومة سقوط الإقرار وتظل له حجيته.

بقاء حجية الإقرار ولو قضى باعتبار الدعوى كأن لم تكن:

قد تقضى المحكمة باعتبار الدعوى كأن لم تكن لأحد الأسباب الآتية :

عدم تكليف المدعى عليه بالحضور في خلاف ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم الصحيفة إلى قلم الكتاب عملاً بالمادة 70 من قانون المرافعات.

انقضاء ستين يوماً على شطب الدعوى، دون أن يطلب أحد الخصوم السير فيها أو إذا لم يحضر الطرفان بعد السير فيها عملاً بالفقرة الأولى من المادة 82 من قانون المرافعات.

عدم تعجيل المدعي السير في الدعوى، بعد انقضاء مدة الوقف الجزائي المنصوص عليها في المادة 99 من قانون المرافعات، خلال خمسة عشر يوماً التالية لإنتهائها ، أو لعدم تنفيذ ما أمرت به المحكمة.

عدم تعجيل الدعوى بعد انتهاء مدة الوقف بناء على اتفاق الخصوم، في ثمانية الأيام التالية لنهاية الأجل (م 128 من قانون المرافعات).

في هذه الحالات جميعاً، لا يترتب على القضاء باعتبار الدعوى كأن لم تكن زوال حجية الإقرار القضائي، ذلك أنه يترتب على القضاء باعتبار الدعوى كأن لم تكن ذات الآثار التي تترتب على الحكم بسقوط الخصومة وقد ذكرنا سلفاً أنه لا يترتب على الحكم الأخير سقوط الإقرار القضائي .

كذلك لا يترتب على القضاء باعتبار المدعى تاركاً لدعواه أو اعتبار المستأنف تاركاً لاستئنافه زوال حجية الإقرار.

بقاء حجية الإقرار في حالة القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة :

تنص المادة 1/110  من قانون المرافعات على أن: «علی المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة، ولو كان عدم الإختصاص متعلقاً بالولاية».

فهذا النص يوجب على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، سواء كان لعدم اختصاصها ولائياً أو نوعياً أو قيمياً أو محلياً ، أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة حتى تنظر الدعوى أمامها.

والمقرر أن المحكمة المحال إليها، تلتزم بنظر الدعوى بحالتها التي أحيلت بها، ذلك أن الخصومة تمتد إلى المحكمة المحال إليها، وتبقى الإجراءات التي تمت قبل الإحالة صحيحة بما في ذلك إجراءات رفع الدعوى، فعلي المحكمة المحال إليها أن تتابع نظر الدعوى من حيث انتهت إجراءاتها أمام المحكمة المحيلة، ومن ثم يتعين عليها أن تعول على الإقرار القضائي الصادر أمام المحكمة المحيلة، باعتباره إقراراً قضائياً.

الأثر الثاني من آثار الإقرار القضائي

عدم جواز العدول عن الإقرار

القاعدة :

 لا يجوز الرجوع عن الإقرار القضائي، ومن ثم إذا رجع المقر عن إقراره، فإن القاضي لا يعول على رجوعه.

وهذا الحكم لم ينص عليه القانون، ولكنه مستمد من طبيعة الإقرار باعتباره اعترافاً بواقعة.

فالإقرار ليس في حقيقته إلا إخباراً عن واقعة تمت قبل صدوره، ولا يتصور أن تتوقف قيمة الخبر على قبول من المقر له، كما لا يتصور أن يكون في استطاعة المقر أن يرجع عنه. فالإقرار عمل انفرادي يترتب حكمه بمجرد صدوره دون حاجة إلى قبول من المقر له، فهو ملزم بذاته، ولذلك لا يستطيع المقر أن يرجع عنه.

فلا يجوز للمقر أن يرجع عن إقراره، سواء كان ذلك بأن يعدل عن إقراره، أو بأن يضيف إلى إقراره في وقت لاحق لصدوره واقعة يكون من شأنها أن تعدل من الإقرار السابق أو تغير فيه أو تعطل من دلالته .

غير أنه يجوز للمقر - كما ذكرنا سلفاً - أن يطعن في إقراره على أساس وجود عيب من عيوب الإرادة كالغش والتدليس والإكراه أو نقص الأهلية، أو صدوره نتيجة غلط، أو يطعن عليه بالصورية، وعلى المقر إثبات ما يدعيه.

هل يجوز الرجوع في الإقرار نتيجة لغلط في القانون ؟

يجوز الرجوع في الإقرار إذا جاء نتيجة لغلط في الوقائع، وهذا أمر معقول، لأن قوة الإقرار تقوم على كونه خبراً يسوقه المقر فيكشف به عن حقيقة الوقائع المدعي بها عليه، فإذا كانت هذه الوقائع قد تمثلت في اعتقاد المقر على غير حقيقتها جاز له أن يرجع عن الإقرار. مثل ذلك أن يقر وارث بدين على مورثه وهو يجهل أن هناك مخالصة بهذا الدين ، ثم يعثر بعد ذلك على هذه المخالصة، فيكون له حينئذ أن يرجع عن إقراره بسبب هذا الغلط ، أو يقر وارث بوصية ثم يكتشف بعد ذلك أن هذه الوصية قد رجع عنها الموصي بوصية لاحقة .

ويستوي لسريان هذا الإستثناء أن يكون الغلط منصباً على وجود بالواقعة المقر بها، كما هي الحال في المثلين المذكورين، أو يكون وارداً على الطريقة التي ذكرت بها هذه الواقعة، أي على تفاصيلها، وفي هذه الحالة الأخيرة لا يكون المقر أن يرجع عن إقراره كله، وإنما يجوز له فقط أن يصحح ما ورد في إقراره من ظروف عرضها بطريقة غير صحيحة.

كذلك يجوز الرجوع في الإقرار لغلط في القانون. فللمقر أن يعدل عن إقراره إذا كان يجهل النتيجة القانونية لحكم القانون في الأمر المعترف به، كما إذا أقر شخص بدين فيمكنه أن يعدل عن إقراره بحجة أن الدين كانت قد مضت عليه المدة القانونية اللازمة لسقوطه بمضي المدة وأنه ما كان يعلم أن ذلك مسقط للدين بحكم القانون.  

وهذا يتفق مع ما نصت عليه المادة 122 من التقنين المدني من أنه: «يكون العقد قابلاً للإبطال لغلط في القانون، إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقاً للمادتين السابقتين، هذا ما لم يقض القانون بغيره»، ذلك أن الاستثناء لا يكون بغير نص واضح في القانون وقد نصت المادة 556 مدني الواردة في الصلح على أنه: «لا يجوز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون»، ولم يرد نص مماثل بشأن الإقرار وبالتالي فإنه يجوز إبطال الإقرار للغلط سواء في ذلك الغلط في القانون والغلط في الواقع .

الأثر الثالث من آثار الإقرار القضائي

عدم جواز تجزئة الإقرار

القاعدة :

تقضي الفقرة الثانية من المادة 104 من قانون الإثبات بأن :

ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجوده في الوقائع الأخرى».

وهذا النص يطابق تماماً نص الفقرة الثانية من المادة 409 من التقنين المدني (الملغاة) .

فالقاعدة العامة أن الإقرار القضائي لا تجوز تجزئته، ومعنى ذلك أن الإقرار إن أخذ به فيجب أن يؤخذ به كما هو، فإما أن يؤخذ به كله أو يترك كله، فلا يستطيع المقر له أن يأخذ من الإقرار ما ينفعه ويترك ما يضره. فإذا اعترف المدعى عليه بدين يطالب به، ولكنه أضاف إلى اعترافه هذا أنه قد وفي بهذا الدين، فإن القاضي لا يستطيع أن يحكم عليه بالدين استناداً إلى الشطر الأول من الإقرار فحسب، وإنما يتعين على القاضي أن يعتبر المدعى عليه مديناً قد برئت ذمته إلى أن يقيم المدعي الدليل على أن خصمه مازال مديناً.

وتقوم هذه القاعدة على تفسير إرادة المقر، ذلك أن الإقرار صادر من المقر بوصفه وحدة واحدة وما كان ليصدر هذا الإقرار منه لو علم أنه سوف يجزأ.

ولكن يرد على هذه القاعدة ما ينص عليه القانون من استثناءات.

ومع أن قاعدة عدم تجزئة الإقرار وما يرد عليها من استثناءات تبدو كأنها بسيطة، فقد أثار تطبيقها صعوبات جمة وخلافات كثيرة، جعلت بعض الشراح يصفونها بأنها من أعقد مسائل القانون المدني (قانون الإثبات الآن)، وحدت بعض آخر إلى مهاجمة القاعدة في أساسها أو إنكار كل استثناء منها .

مدى قاعدة عدم تجزئة الإقرار:

يؤدى الأخذ بقاعدة عدم تجزئة الإقرار على إطلاقها إلى نتائج تجافي المنطق وتنطوي على إسراف غير مستساغ لهذا كان لابد من تحديد مداها والوقوف بها عند الحدود التي تحول دون الإساءة إلى مركز المقر له في الدعوى وتمكنه من أن يغير من الإقرار بوصف آخر لا يتقيد فيه بعدم التجزئة.

ولإيضاح ذلك يقسم الشراح الإقرار القضائي من حيث مدى قابليته للتجزئة إلى صور ثلاث هي :

1) الإقرار البسيط.

2) الإقرار الموصوف.

 3) الإقرار المركب.

ونعرض لهذه الصور الثلاث تباعاً فيما يلى:

الصورة الأولى: الإقرار البسيط.

الإقرار البسيط هو الذي يقتصر على اعتراف الخصم بالواقعة التي يدعيها خصمه كما هي دون تعديل، سواء بالزيادة أو النقصان.

ويستوي أن يكون المدعى به محل الإقرار واقعة واحدة أو أكثر من واقعة، وسواء كانت تلك الواقعة أو الوقائع بسيطة أو موصوفة. ومثل ذلك أن يدعي الدائن أنه أقرض المدعى عليه مبلغاً معيناً بفائدة قدرها 7% ابتداء من تاريخ معين، فاعترف المدعى عليه بالقرض وقيمته وتاريخه وبالفوائد وسعرها.

وظاهر أن هذا الإقرار يكون كله في مصلحة الدائن ، فلا محل للبحث في تجزئته، ويعتبر الدين ثابتاً في ذمة المقر بإقراره، ويتعين على هذا الأخير إن ادعى بعد ذلك انقضاء هذه الدين أن يثبت ذلك وفقاً للقواعد العامة.

الصورة الثانية : الإقرار الموصوف :

الإقرار الموصوف، هو اعتراف الخصم بالواقعة المدعاة، مع إضافة وصف آخر .

ويجب أن يكون الوصف الذي أضافه الخصم المقر مقترناً بالدين من وقت نشوئه، لا أن يكون حادثاً بعده، كتمديد الأجل أو الاتفاق اللاحق على تقسيط الدين أو على سريان الفائدة .

والأجل والشرط وصفان يقترنان بالدين وقت نشوئه، ولا يجدان بعده، ومن ثم يكون الإقرار المتضمن لهما إقراراً موصوفاً ومثل ذلك أن يدعى الدائن ديناً باتاً حالاً فأقر المدعى عليه بالدين مضافاً إلى أجل أو معلقاً على شرط، أو إذا طالب ساحب الشيك المستفيد منه بقيمته، فأقر هذا بأنه تسلم قيمة الشيك لينفق منها على أعمال السحب.

أو إذا طالب المدعي المدعى عليه برد منقول كان مملوكاً المورث الأول فأقر المدعى عليه بأن هذا المنقول في حيازته وأنه تسلمه من المورث على سبيل الهبة.

فالإقرار هنا لا يكون إقراراً بسيطاً، بل يكون إقراراً موصوفاً. ذلك أن المدعى عليه لم يقر بالدين على الوجه الذي ذكره المدعي، بل أقر بالدين معدلاً أي موصوفاً، وحكم الإقرار الموصوف أنه لا يتجزأ على صاحبه، بمعنى أن الدائن لا يستطيع تجزئة هذا الإقرار، فإما أن يأخذ الإقرار كله موصوفاً كما هو، وإما أن يطرحه كله، وليس له أن يجزئه، فيقتصر على إقرار المدين بالدين ويدع الوصف الذي دخل على الدين من أجل أو شرط، فليس له في المثال الأول أن يقول إن المدين أقر بالدين، فيكون ثابتاً في ذمته بإقراره، وعليه أن يثبت أن الدين مضاف إلى أجل أو معلقاً على شرط.

فإذا اطرح الدائن الإقرار، فإن الدين لا يعتبر ثابتاً أصلاً بالإقرار، وعليه إذا اطرح الإقرار أن يتحمل عبء إثبات ما ادعاه، يعود إلى سيرته الأولى إذ هو مدع يتحمل عبء الإثبات، وفي هذه الحالة يتعين على الدائن أن يثبت الدين، وعلى المدين أن يثبت الأجل أو الشرط ويجوز أيضاً أن يتخذ الدائن من الإقرار طريقاً الإثبات الدين في ذاته، ثم يثبت هو - لا المدين - أن الدين قد حل أجله أو أنه غير معلق على شرط.

وهذا كله مقصود من القول بعدم تجزئة الإقرار، فالدائن بالخيار إذا لم يرد الأخذ بالإقرار كله، بين أن يطرحه كله ويتحمل عبء إثبات دعواه، كما لو لم يكن هناك أي إقرار، وبين أن يستبقى من الإقرار ما هو في صالحه ويدحض بدليل يقدمه هو ما ليس في صالحه من الإقرار. والممتنع هو أن يستبقي ما هو في صالحه ويلقي على المقر عبء إثبات ما ليس في صالحه، فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار، ولا تصح التجزئة في الإقرار الموصوف.

الصورة الثالثة: الإقرار المركب:

الإقرار المركب هو الذي يعترف فيه المقر بالواقعة المدعي بها دون تعديل أو وصف ويضيف إليها واقعة أخرى جديدة، تالية في حدوثها للواقعة المدعي بها.

وهذه الواقعة المضافة إما أن تكون مرتبطة بالواقعة الأصلية ويصح أن تكون دفعاً لها، أو لا .

والقاعدة أن الإقرار المركب لا يتجزأ، إلا أنه يتعين في تحديد مدى انطباق هذه القاعدة، التفرقة بين فرضين:

الفرض الأول :

أن يكون هناك ارتباط وثيق بين الواقعتين الأصلية والمضافة من شأنه أن يجعل وجود الواقعة الأخيرة مما يستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية ومثل ذلك أن يقر المدين بالدين ويضيف إلى إقراره أنه قام بالوفاء أو الإبراء أو التجديد.

أو أن يقر المدعى عليه بالواقعة التي يدعيها المدعي ولكنه يضيف أن الاتفاق المنشئ لهذه الواقعة قد تم تعديله أو فسخ بعد ذلك بمقتضى اتفاق لاحق بينهما، وواضح في مثل هذه الأمثلة أن المقر لم يقصد بإقراره أن يلزم نفسه بشيء وأن الواقعة التي أضافها لصالحه تعتبر نتيجة للواقعة الأصلية، فالواقعة الأولى لا تنفك عن الثانية ولا يتصور أن تقوم إلا بها.

وهذا الإقرار لا يقبل التجزئة، فلا يصح للمدين في المثال الأول أن يفصل بين الواقعتين بحيث يتمسك بالإقرار وبالواقعة الأصلية المثبتة للدين، ويترك الواقعة الإضافية، المرتبطة بالواقعة الأصلية، المقررة للوفاء أو الإبراء أو التجديد.

ولا يصح للمقر له في المثال الثاني أن يتمسك بالإقرار وبالواقعة الأصلية التي يدعيها المدعي، ويترك الواقعة الإضافية المرتبطة بالواقعة الأصلية، المقررة لتعديل الاتفاق أو فسخه.

فإذن إما أن يأخذ المقر له بالإقرار كله، وإما أن يتركه كله.

فإذا أخذ الدائن بالإقرار كله برئت ذمة المدين من الدين وخسر الدائن دعواه، وإذا أطرح الدائن الإقرار كله، اعتبر الإقرار كأن لم يكن، وكان على الدائن إثبات الدين، وعلى المدين إثبات الوفاء.

فإذا زعم المدعي - في المثال الأولى - عدم حصول واقعة الوفاء فيقع عليه عبء إثبات ذلك، أي إثبات وجود الالتزام إذ يصبح محل النزاع هو واقعة وجود الالتزام وليس واقعة الوفاء وفي هذه الحالة يعفى المقر من عبء إثبات حصول الوفاء.

ويتعين ملاحظة أن إثبات عدم صحة الواقعة المضافة، إنما يكون بنفس الطرق التي كان يمكن بها إثبات الواقعة الأصلية، فإذا كانت الواقعة المعترف بها تصرفاً قانونياً بما يوجب القانون إثباته بالكتابة فلا يجوز إثبات عدم صحة الواقعة المضافة إلا بالكتابة فإذا أقر المدين بالدين ولكنه ادعى أنه وفاه للدائن، وكانت قيمته تزيد على ألف جنيه فلا يجوز للدائن نفي حصول الوفاء إلا بالكتابة ومتى أثبت الدائن عدم صحة الواقعة المرتبطة بالواقعة الأصلية أو المضافة إليها وجب استبعادها والأخذ بالواقعة الأصلية واعتبار الإقرار بسيطاً قاطع الحجية .

والفرض الثاني:

أن تكون الواقعة المضافة غير مرتبطة بالواقعة الأصلية، بحيث أن حصولها لا يستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية، أي لا تلازم بين الواقعتين ويمكن تصور وقوع إحداهما دون وقوع الأخرى.

مثال ذلك أن يقر المدين بالدين، ثم يضيف أن الدين انقضى بالمقاصة مع حق له في ذمة الدائن (المدعي). فالمدين هنا قد أقر بالواقعة الأصلية وهي واقعة القرض، وأضاف إليها واقعة غير مرتبطة بها وهي وجود دين له على الدائن أوقع المقاصة بين الدينين وظاهر أنه لا تلازم ما بين الواقعة الأصلية والواقعة المرتبطة، فمديونية المدين للدائن لا تستلزم حتماً مديونية الدائن للمدين، كما أن مديونية الدائن للمدين لا تفترض حتماً مديونية المدين للدائن، ووجود أحدهما لا يستلزم وجود الآخر، والفصل بينهما ممكن.

وهنا تصح تجزئة الإقرار، فيستطيع القاضي أن يعتبر الدين ثابتاً في ذمة المدعى عليه، ويقع على عاتق الأخير أن يقيم الدليل على الدين المقابل الذي يدعيه، لأن هذا الدين مستقل في وجوده عن الدين الأصلي. فإذا عجز المدين عن إثبات هذا الدين بقی الإقرار قائماً بالنسبة لثبوت الدين الذي في ذمته تجاه الدائن، وتسقط الإضافة.

وهذا ما تعنيه الفقرة الثانية من المادة 104 من قانون الإثبات بقولها:

ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجوده في الوقائع الأخرى».

أحوال يبدو فيها أن الإقرار يتجزأ:

هناك أحوال يبدو فيها أن الإقرار يتجزأ خلافاً للقاعدة المتقدمة، ولكنه في الواقع إنما يتجزأ لتخلف شرط من شروط عدم تجزئته.

ونعرض لبعض الأمثلة فيما يلي:

(أ)- ظهور كذب الإقرار:

يجوز للقاضي بالنسبة للإقرار الموصوف أو المركب تجزئة الإقرار، بأن يغفل ما أضيف فيه من أجزاء، وذلك إذا كانت هذه الأجزاء المضافة مستحيلة أو تكذبها المستندات أو كان الكذب فيها ظاهراً، كما إذا قال شخص رفعت عليه دعوى بدين أنه أخذ المبلغ لشراء أسهم للمدعي وتبين أنه اشتراها لنفسه.

وفي هذه الحالة يمكن للقاضي أن يعتد فحسب بالإقرار بالواقعة الأصلية ويترك ما أضيف إليه من وقائع تبين له كذبها. لا يعتبر ذلك خرقاً لقاعدة عدم القابلية للتجزئة، لأن الإقرار حينئذ يكون في حقيقته بسيطاً .

الحالة الثالثة: «إذا كان أحد عناصر الإقرار قد أقيم الدليل على خلافه وفقاً للقواعد العامة: وقد جرى القضاء المصرى على تجزئة الإقرار في هذه الحالة استئناف مختلط 12 ديسمبر سنة 1912 ب 25 ص 60. و 4 مايو سنة 1912 ب28  ص 300 و5 مارس سنة 1935 ب 47 ص 182 ). ويلاحظ في هذا الصدد أن الإقرار يفترض اعترافاً صادقاً ، يتفرع على ذلك أن صدق ما يدلي به قد يكون محلاً للاستيثاق، وإلا أمكن الاكتفاء بالإدلاء بإقرار مركب كاذب، في صورة إقرار قضائي، للإلزام بقبوله، بوصفه وحدة لا تتجزأ، وهو أمر غير مقبول بالبداهة. ثم إن الإقرار دليل من الأدلة، وجميع الأدلة فيما عدا القرائن القانونية القاطعة، يجوز نقضها بإثبات العكس ، وفقاً لقواعد العامة. فلمن يقع عليه عبء الإثبات أن يقيم الدليل على أن شقاً من الإقرار غير صحيح، أو متناقض، أو غير قریب الاحتمال، رغم التسليم بوحدة هذا الإقرار ، فإذا وفق إلى إقامة ذلك الدليل سقطت حجية هذا الشق وظل الشق الآخر قائماً، بوصفه إقراراً بسيط قاطع الحجية .

أما فيما يتعلق بإقامة الدليل العكسي على عدم صحة الوقائع الإضافية التي يلحقها المقر بإقراره، فيجب أن تتبع الأحكام العامة فيجري الإثبات بالطرق التي كانت يمكن إثبات الواقعة الأصلية بمقتضاها. وغني عن البيان أن حقيقة التجزئة تنتفي في هذه الحالة لأن الدليل أقيم على أن الإقرار کان بسيطاً غير مركب في حقيقته .

(ب) ثبوت الواقعة بدليل آخر غير الإقرار :

لا يجوز للمقر أن يتمسك بعدم تجزئة الإقرار إلا إذا كان المدعي قد استند إلى الإقرار بوصفه هذا، وكان الإقرار هو الدليل الوحيد في الدعوى.

فإذا كان المدعي قد استند إلى الإقرار بوصف آخر إلى جانب أدلة أخرى، فلا تنطبق قاعدة عدم التجزئة.

وإذا كانت الواقعة المدعاة قد ثبتت بدليل آخر غير الإقرار فإن المدعي يكون في غنى عنه، ولا يكون هناك محل للتمسك بعدم تجزئته، لأنه ليس طريق الإثبات في الدعوى، وليس من المعقول بداهة إذا كانت الدعوى ثابتة بدليل آخر، أن يكون في استطاعة المدعى عليه أن يضيع على خصمه ميزة هذا الثبوت بإقرار يضيف إليه وصفاً أو واقعة أخرى ، وإنما يتعين عليه أن يقيم هذا الدليل على ما أضافه وفقاً للقواعد العامة .

 وقد جاء بمذكرة المشروع التمهيدي أنه :

الحالة الأولى: إذا قام الدليل على الواقعة المدعى بها استقلالاً عن الإقرار :

«جرى القضاء المصري على تجزئة الإقرار في هذه الحالة».

ويتفرع على ذلك:

أنه لا يجوز لمن يقع عليه عبء الإثبات ألا يتمسك بالإقرار المركب لانتفاء الحاجة إليه، إذا كانت لديه طرق أخرى لإثبات الواقعة المتنازعة. وفي هذه الحالة لا يكون الإقرار طريقاً للإثبات، ولا يرتب أى أثر من الآثار التي تتفرع عليه بوصفه هذا ، ولذلك لا يكون عصياً على التجزئة. ولما كان إثبات الواقعة المتنازعة يتم بطرق أخرى ، فلا يستطيع من أدلى بالإقرار المركب أن يصطنع دليلاً لنفسه من الشق المضاف، بل يتعين أن يقوم بإثبات هذا الشق وفقاً للقواعد العامة .

(ج) - تعدد الإقرارات :

إذا تعددت الإقرارات فلا تقوم بينها وحدة، فمبدأ عدم القابلية للتجزئة لا يؤخذ به إلا بالنسبة إلى كل إقرار على حدة. فإذا توالت إقرارات الخصم بشأن وقائع مختلفة مستقلة كل منها عن الأخرى تمام الاستقلال، جاز للمقر له التمسك بأحد هذه الإقرارات دون الأخرى غير أن هذه الحالة لا تعتبر تجزئة للإقرار الواحد وإنما هي حالة فرز إقرارات متعددة ، وفصل بعضها من بعض ومن هذا القبيل تقديم الحارس أو الوكيل كشف حساب عن حراسته أو وكالته، فإن كل بند من بنود هذا الحساب يعتبر إقراراً قائما بذاته يجوز لذى الشأن أن يسلم ببعض البنود وأن يناقش البعض الآخر  دون أن يكون للحارس أو الوكيل أن يتمسك بعدم تجزئة الحساب .

(د) - الإفادة من الإقرار بوصف آخر:

يستطيع الخصم أن يفيد من الإقرار الموصوف أو المركب إذا تمسك بأقوال المقر لا بإعتبارها دليلاً كاملاً على صحة ما ادعاه، بل باعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كانت مكتوبة بخط المقر أو مسجلة على لسانه بمحاضر رسمية، وهو ما يجيز له الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في نزاع تجب فيه الكتابة للإثبات، أو يجيز توجيه اليمين المتممة، أو بإعتبارها قرينة قضائية يعزز بها مبدأ ثبوت بالكتابة، غير أن ذلك لا يعتبر منه تجزئة للإقرار، لأنه إنما تمسك بهذه الأقوال لا بصفتها إقراراً قضائياً بل باعتبارها من العناصر الداخلة في تكوين طرق أخرى من طرق الإثبات. وفي هذه الحالة لا يجوز للمقر أن يتمسك بعدم تجزئة الإقرار ليعفي نفسه من إثبات الشق الذي أضافه فيه إلى الواقعة المدعي بها، بل يتعين عليه أن يقوم بإثبات هذا الشق وفقاً للقواعد العامة .

تفسير الإقرار:

قاعدة عدم تجزئة الإقرار لا تتعارض مع ما القاضي من سلطة في أن يفسر الإقرار لتوضيح ما فيه من غموض وإزالة ما فيه من البس. وهذه سلطة مقررة للقاضي بالنسبة لأي دليل، ومن حقه بل ومن واجبه أن يفسر كل دليل يقوم لديه كئ يحدد مداه الحقيقى فتلك القاعدة لا تقوم إذن بالنسبة إلى الوقائع التي يتضمنها الإقرار إلا بعد أن ينتهي القاضي من تقدير هذه الوقائع وتحديد مداها .

ثانياً

تعريف الإقرار غير القضائي :

لم يعرف قانون الإثبات - ومن قبله التقنين المدني الجديد والتقنين المدنى القديم - الإقرار غير القضائي، واكتفى بتعريف الإقرار القضائي، وترك تعريف الإقرار غير القضائي للقواعد العامة والاجتهاد وقد رأينا أن المادة 103 من قانون الإثبات عرفت الإقرار القضائي بأنه: اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها أثناء سير الدعوى المتعلقة بهذا الإقرار.

وعلى ضوء هذا التعريف، يكون الإقرار غير القضائي ، هو اعتراف الخصم بواقعة قانونية في غير مجلس القضاء، أو أمام مجلس القضاء في دعوى أخرى غير الدعوى المنظورة المتمسك فيها بهذا الإقرار. ويبين من هذا التعريف أن الإقرار غير القضائي يشترك مع الإقرار القضائي في طبيعته من حيث أنه عمل قانوني إخباري من جانب واحد ، وأنه يعتبر بمثابة عمل من أعمال التصرف، وأنه حجة قاصرة على المقر .

ومن أمثلة الإقرار غير القضائي، الإقرار الذي يرد في إحدى الشكاوى الإدارية، أو الوارد في خطاب أو برقية، أو في تحقيق تجريه النيابة، سواء النيابة العامة أو الإدارية.

شكل الإقرار غير القضائي:

لا يشترط في الإقرار غير القضائي شكل خاص، شأنه في ذلك شأن الإقرار القضائي.

غير أنه لما كان الإقرار غير القضائي - كالإقرار القضائي - إخبار، فإن ذلك يقتضي أن يكون هناك تعبير صريح يصدر من المقر .

وهو قد يكون شفوياً يصدر أثناء مناقشة أو يكون مكتوباً، ومثال ذلك الإقرار الذي يصدر في مجلس القضاء في دعوى غير الدعوى التي يتمسك فيها بالإقرار، أو بين غير الخصوم ، أو الذي يرد خارج مجلس القضاء في إحدى الشكاوى الإدارية أو تحقيق النيابة العامة أو النيابة الإدارية، أو في إنذار على يد محضر، أو في رسالة أو برقية ، كما يمكن أن يرد أمام الخبير ، ولو كان الخبير منتدباً في الدعوى التى يتمسك فيها بالإقرار.

ويراعى التفرقة بين الإقرار غير القضائي إذا كان مكتوباً وبين السند الكتابي. فهذا هو الذي يعد مقدماً ، أي وقت نشوء التصرف، الإثبات وجود هذا التصرف أما الإقرار المكتوب فيأتي لاحقاً الحصول الواقعة ، وذلك في ورقة ليست معدة للإثبات، أو في سند كتابي ولكنه حينئذ يرد عرضاً وبصفة تبعية ، فلا يكون هو الموضوع الأصلي للمحرر.

إثبات الإقرار غير القضائي:

ليست ثمة صعوبة في إثبات الإقرار غير القضائي الذي يصدر في مجلس القضاء، ولا تتوافر فيه سائر الشروط اللازمة لاعتباره إقراراً قضائياً ، كالإقرار الذي يصدر في دعوى أخرى غير الدعوى المتمسك فيها بالإقرار إذ يثبت الإقرار للقاضي إما من طريق المعاينة أي من طريق سماعة وقت صدوره فى الجلسة، وإما من طريق تدوينه في محاضر الجلسات وما يلحق بها من محاضر أخرى أو مذكرات معلنة أو مودعة أو إعلانات رسمية .  

فإذا صدر الإقرار غير القضائي من المقر شفاهة وأنكر المقر صدوره، وجب على من يتمسك به أن يثبت صدوره من خصمه ويخضع إثبات صدور الإقرار من المقر القواعد العامة في الإثبات رد باعتبار الإقرار بمثابة تصرف قانوني. فإن كانت قيمة الدعوى لا تزيد على ألف جنيه، جاز له إثبات صدور الإقرار من خصمه بشهادة الشهود والقرائن وإن زادت قيمة الدعوى على هذا المقدار ، وجب إثبات صدور الإقرار بالكتابة ويستوي أن تكون هذه الكتابة هي التي أفرغ فيها الإقرار منذ صدوره، أو كانت كتابة حررت بعد صدوره لتكون دليلاً عليه .

وإذا اعترف المقر أمام القضاء بإقرار شفوی صدر منه خارج مجلس القضاء ، فإن هذا الإقرار الأخير يصبح ثابتاً بإقرار قضائي .

فإذا ثبت الإقرار غير القضائي بالكتابة، فإن حجية هذه الكتابة تعينها - كما سنرى - القواعد العامة المتعلقة بحجية المحررات الرسمية والعرفية.

حجية الإقرار غير القضائي:

نصت المادة 104 من قانون الإثبات على حجية الإقرار القضائي ، وجعلته حجة قاطعة على المقر ولكنها سكتت عن ذلك بالنسبة للإقرار غير القضائي، ومن هذا استخلص كثير من الشراح مؤيدين بقضاء محكمة النقض أيضاً أن هذا الإقرار لا تتوافر له نفس الحجية التي للإقرار القضائي فلا يعتبر حجة قاطعة على المقر ، وإنما يخضع لتقدير القاضي - بالتفصيل الذي سنراه - وأن له سلطة واسعة في تقدير قوته في الإثبات. كما أن للمقر العدول عن إقراره ولعل ذلك يعزى إلى أن الإقرار غير القضائي وهو يصدر خارج مجلس القضاء - في الغالب - يكون صاحبه عادة أقل حيطة في أمره، وأقصر تمعناً في عواقبه، مما لو كان إقراراً صادراً أمام القضاء .

ولذلك جرى قضاء النقض على أن الإقرار غير القضائي، لا يعدو أن يكون من قبيل الأدلة أو الدلائل أو حتى القرائن التي قد تتزاحم في الدعوى ليصبح من واجب محكمة الموضوع تمحيصها وتقديرها والمفاضلة بينها لأن الإقرار غير القضائي يختلف بحسب الظروف التي صدر فيها وبحسب قصد المقر منه ومدى اتساقه مع الحقائق الثابتة في الدعوى، فإن كان ظاهر الحال لا يكذب الإقرار غير القضائي كان لمحكمة الموضوع أن تأخذ به بحسبانه دليلاً كاملاً أو مجرد مبدأ ثبوت بالكتابة، على أن تنبئ أسباب الحكم صراحة أو ضمناً عن أن المحكمة قد محصت ما قدم إليها من أدلة وظروف الإقرار وملابساته ثم وازنت بينها وخلصت من ذلك إلى نتيجة سائغة وإلا كان حكمها قاصراً، ونعرض في البند التالي القضاء محكمة النقض الصادر في حجية الإقرار غير القضائي .

تجزئة الإقرار غير القضائي: -

لا يخضع الإقرار غير القضائي لقاعدة عدم التجزئة التي يخضع لها الإقرار القضائي، ومن ثم فإنه يجوز لمحكمة الموضوع تجزئة الإقرار غير القضائي والأخذ ببعضه دون البعض الآخر، وذلك على سند من أن الأمر يخضع للقواعد العامة .

رقابة محكمة النقض فيما يتعلق بالإقرار القضائي والإقرار غير القضائي:

قاضي الموضوع هو الذي يتبين ما إذا كانت عناصر الإقرار قد توافرت في قول معين صدر من الخصم. فثبوت هذه العناصر واقعياً مسألة موضوعية تخضع لتقديره، ولا رقابة عليه لمحكمة النقض في هذا متى كان هذا التقدير سائغاً عقلاً وله سنده فی ذات الأقوال التي تعبر عنه. وبشرط ألا يخالف قواعد الإثبات العامة .

أما تكييف هذه العناصر في مجموعها باعتبارها مكونة لإقرار قضائي أو غير قضائي، فمسألة قانونية يخضع فيها قاضي الدعوى الرقابة محكمة النقض. كذلك الأمر فيما يتعلق بحجية الإقرار، أي كونه حجة قاطعة، وكونه يجوز الرجوع عنه أو لا يجوز، وكونه. يقبل التجزئة أو لا يقبل، فهذه كلها مسائل قانونية، لا فرق في هذا بين نوعي الإقرار.

وإذا أخذت المحكمة بإقرار صدر في دعوى أخرى على أنه إقرار قضائي كان حكمها معيباً مستوجب نقضه .

إن مسألة توافر الأركان اللازمة لإعتبار قول صدر في مجلس القضاء إقراراً ضمنياً ملزما لقائله هو مسألة موضوعية متروك تقديرها لمحكمة الموضوع، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها».

(طعن رقم 39 لسنة  1 ق جلسة 19 / 5 / 1932 ).

رأي فقهي يذهب إلى أن الإقرار غير القضائي حجية قاطعة:

يذهب رأى في الفقه إلى أنه إذا عرض على القاضي قول مدعي بأنه إقرار غير قضائي كان له تقدير هذا القول وتحرى قصد صاحبه منه، فإن وجد فيه عناصر العمل القانوني الصحيح متوافرة - اعتبره إقراراً وإلا فلا يعتبره كذلك. وهو في هذا التقدير غير خاضع لرقابة محكمة النقض بشرط أن يبين في حكمه أسباب تقديره. فإن رأى أن القول المدعي بأنه إقرار غير قضائي لا يرقى إلى مرتبة الإقرار، كان له أن يعتبره مبدأ ثبوت بالكتابة إذا توافرت فيه شروط ذلك أو مجرد قرينة قضائية أو ألا يأخذ به أصلاً .

والمقرر أن القاضي يملك مثل هذه السلطة فيما يتعلق بالإقرار القضائي، ولو أن صدور هذا الإقرار في مجلس القضاء يسهل من الناحية العملية مهمة القاضي بما يوفره من ثقة في جدية الإقرار ومن ظهور قصد صحبه في أن يرتبط به ومن إضعاف لاحتمال وجود الأسباب المبطلة للإقرار.

ولكن متى ثبت القاضي أن القول المدعي بأنه إقرار غير قضائي هو فعلاً إقرار صحيح، كان للإقرار غير القضائي حجية الإقرار القضائي، ويتعين الأخذ به، ولا يجوز للمقر الرجوع فيه، كما لا يجوز للقاضي تجزئته، وذلك لاتحاد العلة في الحالين،، وهو توافر قصد المقر أن يرتبط بإقراره، ولأن الإقرار يستمد صفة اللزوم من كونه عملاً قانونياً يتم بإرادة واحدة فإذا ثبت الإقرار غير القضائي بالكتابة، كانت حجية هذه الكتابة خاضعة للقواعد التي تحدد حجية المحررات الرسمية إن كانت هذه الكتابة رسمية أو المحررات العرفية إن كانت هذه الورقة عرفية بمعنى أنه يجوز . المقر في الحالة الأولى الطعن بالتزوير في الورقة المتضمنة إقراره، ويجوز له ذلك أيضاً في الحالة الثانية كما يجوز له فيها أن يكتفي بإنكار توقيع الورقة، ويجوز له في الحالين أن يثبت عدم صحة الواقعة التي اعترف بها في تلك الكتابة أو صورية إقراره بها وذلك بالطرق التي تقضي بها القواعد العامة .

متى يعمل بأحكام الإقرار الواردة في قانون الإثبات أمام المحاكم الجنائية ؟

للاعتراف في المواد الجنائية أحكام خاصة ليس هنا مجال ذكرها تفصيلاً، ولكن نشير إلى أن مقتضى هذه الأحكام أن الإعتراف ليس حجة قاطعة على المقر، وإنما يخضع لتقدير القاضي، يأخذ به إذا اطمأن إلي ويطرحه إذا تطرق الشك فيه، فقد يتبين القاضي أن الإعتراف كاذب لأن المتهم أراد أن يفتدي به شخصاً آخر أو كان مكرها عليه، أو دفعته إليه الحاجة، أو غير ذلك من الأسباب، وفي مثل هذه الحالات يغفل القاضي الاعتراف.

ولذا فإنه يجوز للمتهم أن يعدل عن اعترافه فلا تأخذ به المحكمة، كما يجوز للمحكمة أن تأخذ به رغم عدوله.

كما أن الاعتراف قابل للتجزئة، يأخذ القاضي منه ما يقتنع به ويترك ما لا يطمئن إليه ، وعلة ذلك أن مسائل العقوبات تمس النظام العام، وهذا يقتضي ألا ترفع العقوبة إلا على المجرم الحقيقي .

ولكن إذا كان أساس الجريمة هو الإخلال بعقد مدني، كما هو الحال في العقود المنصوص عليها بالمادة 341 من قانون العقوبات (عقود الوديعة والإجارة وعارية الاستعمال والرهن والوكالة) فإنه . يتبع في إثبات هذه العقود قواعد الإثبات في المواد المدنية، إذا ما قضت المحكمة بالإدانة، ومن ثم فإن إثبات هذه العقود بالإقرار يخضع لأحكام الإقرار الواردة في قانون الإثبات، فيكون الإقرار القضائي حجة قاطعة على المقر، ولا يجوز الرجوع فيه، ولا تجوز تجزئته، بالتفصيل سالف الذكر أن القواعد المقررة لإثبات التصرف المدني تطبق أياً كانت المحكمة التي تنظر النزاع .

غير أن المحكمة الجنائية لا تتقيد بقواعد قانون الإثبات في الاعتراف إلا إذا كانت قد قضت بالإدانة، أما إذا كانت قد قضت بالبراءة فإنها تكون في حل من التقيد بهذه القواعد .

 غير أنه يراعى أن قواعد الإثبات في المسائل المدنية مما لا يتعلق بالنظام العام، ومن ثم يجوز للمتهم التنازل عنها صراحة أو ضمناً. (موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود،  المجلد : الثالث  ، الصفحة : 1722)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434ه، دار ابن رجب، ودار الفؤاد، الصفحات: 51 ، 58 ، 59 ، 60 ، 61

حجية الإقرار :

الإقرار طريق من طرق القضاء.

والأصل في حجيته الكتاب والسنة ، والإجماع ، والمعقول .

أما الكتاب : فقوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ۚ قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ۖ قالوا أقررنا ۚ قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) [آل عمران: 81]. وقوله تعالى: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) [غافر: 11]. وقوله تعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ۚ إن الله غفور رحيم)[التوبة: 102]. وقوله تعالى: (فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير) [الملك: 11]. وقوله تعالى: (وليملل الذي عليه الحق) [البقرة: 282]، وغير ذلك من الآيات الكريمة .

وأما السنة : فيا روي أن ماعزا أقر بالزنا فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الغامدية ، وقال: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها».

وأما الإجماع : فإن الأمة أجمعت على صحة الإقرار .

وأما المعقول : فلأن الإقرار إخبار على وجه ينفي عنه التهمة والريبة ، فإن العاقل لا يكذب على نفسه كذبا يضر بها .

( انظر ابن قدامة ، المغني ج (5) ص (149). وابن القيم ، الطرق الحكمية ، ص (194) وما بعدها . وأحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (121) - (124) ) .

ويلاحظ أن قانون الإثبات المصري اقتصر في بيان أحكام الإقرار على مادتين ، وقد رئي في هذا القانون إيراد أحكامه کاملة وفقا للفقه الإسلامي ، مما استوجب علاجه في إحدى عشرة مادة .

(مادة 23) :

الإقرار حجة قاصرة على المقر .

( م (78) و (79) و (1587) من المجلة ، و(104) إثبات مصري ، و(100) بینات سوري ، و(72) - (1) سوداني ، و(469) مدني عراقي ) .

المذكرة الإيضاحية :

الإقرار حجة قاصرة على المقر ، بمعنى أنه لا يتعداه إلى غيره من الدائنين والخلف الخاص والشريك والورثة فيما بينهم ولا ضد المقر له ، إلا أن الإقرار يتعدى إلى الورثة بإعتبارهم خلفا عاما ؛ ذلك لأن الإقرار حجة بنفسه لا يحتاج فيه إلى القضاء فينفذ عليه وحده ، بخلاف البينة فهي تصير حجة بالقضاء ، وللقاضي ولاية عامة فينفذ في حق الكل ( الزيلعي (5) : (3) ) .

ومن تطبيقات ذلك ما جاء في المجلة :

- م (1611) : «إذا أعطى أحد سند دین حال كونه مرسوما ثم توفي ، يلزم ورثته بإيفائه من التركة إن كانوا معترفين يكون السند للمتوفي . وأما إذا كانوا منكرین ذلك فلا يعمل بذلك السند إلا إذا كان خطه وختمه معروفين» .

- م (1612) : «إذا ظهر کیس مملوء بالنقود في تركة أحد محرر عليه بخط الميت أن هذا الكيس مال فلان ، وهو عندي أمانة . يأخذه من التركة ، ولا يحتاج إلى إثبات بوجه آخر» .

( وانظر : أحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (152) - (155) ) .

(مادة 24) :

الإقرار لا يتجزأ على صاحبه .

( م (126) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، ونصها: «ولا يتجزأ الإقرار الصادر من المدعى عليه بمجلس القضاء ، فلا يؤخذ منه الضارب ويترك الصالح له ، بل يؤخذ جملة واحدة ويعتبر إنكارا للدعوى .

وذلك إذا لم يكن للمدعي دليل على دعواه ، ولا للمدعى عليه دليل على ما صدر منه)) .

والمادة (104) - (2) إثبات مصري ونصها : «ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه ، إلا إذا إنصب على وقائع متعددة ، وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتما وجود الوقائع الأخرى».

والمادة (470) مدني عراقي ، وكذا م (101) سوري، و(72) - (2) سوداني ) .

( وانظر ابن قدامة ، المغني ، (5) : (161) ) .

المذكرة الإيضاحية :

وقد رئي الأخذ بهذا الحكم (عدم تجزئة الإقرار على صاحبه) ؛ لأن المقر في هذه الحالة يقع في حرج : فإما أن يكذب فلا يقر بشيء ، وإما أن يقر بالدين وبالوفاء به فيؤخذ بإقراره فيما يتعلق بثبوت الدين ، ولا يؤخذ بإقراره فيما يتعلق بقضائه الدين فيوقعه ، صدقه في الضرر . فمنعا للحرج رئي الأخذ بالإقرار کله و عدم جواز تجزئته .

( انظر أحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (136) - (137) ) .

وقد يعرض الإقرار في صور مختلفة ، فقد يكون مجرد إعتراف بالواقعة المدعى بها ، وقد يضاف إليه شق آخر يكمل الإعتراف بالواقعة ، أو يشمل دلالة هذا الإعتراف ، ويكون غير منفك عنه في صدوره وفي الحالة الأولى يكون الإقرار بسيطا ، ولا تعرض بشأنه أية صعوبة ؛ لأن إشكال عدم التجزئة ممتنع بطبعه . أما في الحالة الثانية فيكون الإقرار مركبا ، ولا يهم فيما يتعلق بالإقرار المركب أن يكون الشق المضاف معاصرا أو غير معاصر المدعى بها. فقد يقر المدعى عليه بالدين ويدعي أنه معلق أو مضاف إلى أجل، ويسمى هذا الإقرار «موصوفا» في اصطلاح الفقه ؛ لأن الشق المضاف معاصر للواقعة القانونية وقد يقر المدعى عليه بوجود القرض ويدعي الوفاء. فيكون الشق المضاف غير معاصر للواقعة القانونية .

وتعرض مسألة عدم التجزئة بالنسبة للإقرار المركب ، أي مسألة معرفة ما إذا كان يجوز لمن وجه الإقرار إليه أن يأخذ منه ما يرى فيه مصلحة له ، وأن يهمل الشق المضاف ، إلا أن من المقرر أن الشق المضاف يعتبر غير منفك عن جملة الإقرار ، موصوفا كان الإقرار أو غير موصوف ، أو لولاه لما صدر الإعتراف ، ثم إن الإقرار بأسره هو الذي يعتبر حجة لا جزءا منه فحسب ، ويترتب على ذلك أن الإقرار المركب لا يتجزأ - موصوفا كان أو غير موصوف -، بل يتعين على من يتمسك به بصفته هذه أن يعتد به بأسره .

فقاعدة عدم تجزئة الإقرار قاعدة عامة ، لا يرد على إطلاقها أي قيد أو حد .

وبذلك يكون هذا القانون قد سد منافذ الخلاف الذي قام بشأن جواز ، أو عدم جواز تجزئة الإقرار المركب ، وما ينشأ عن ذلك من خلاف في التطبيق ، ونزل عند إرادة المقر التي تنصرف في الغالب إلى وحدة إقراره حيث لا يتجزأ .

(مادة 25) :

لا يصح الرجوع عن الإقرار .

( م (79) و (1587) و (1588) و (1589) من المجلة ، و (127) من لائحة ترتیب المحاكم الشرعية ، و م (468) مدني عراقي) .

المذكرة الإيضاحية :

الإقرار تصرف شرعي إخباري من جانب واحد يتعلق به حق الغير ، فمتى ثبت لم يعد في إمكان المقر العدول عنه إلا لسبب من الأسباب التي تبطله ، ولو كان ذلك قبل أن يتمسك به المقر له وللمقر له أن يتمسك بالإقرار أو أن يطرحه ، ويبطل الإقرار إذا طرحه المقر له وكان المقر به حقا خالصا للمقر له ، فإذا تعلق به حق الغير لم يبطل .

( انظر أحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (158) - (166). والمغني ، (5): (164) وما بعدها. وابن فرحون ، تبصرة الحكام، (2): (41). والمادة (18) من هذا المشروع ) .

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434ه، دار ابن رجب، ودار الفؤاد، الصفحات: 45 ، 46 ، 47 ، 48

(مادة 14) :

طرق القضاء هي : الإقرار ، والإستجواب ، والشهادة ، والكتابة ، واليمين ، والقرائن ، والمعاينة ، والخبرة.

المذكرة الإيضاحية :

اختلف الفقهاء في بيان أدلة ثبوت الدعوى ( أي: الحجج الشرعية أو طرق القضاء). وقد حصرها البعض في سبعة هي : البينة ، والإقرار ، واليمين ، والنكول ، والقسامة ، وعلم القاضي ، والقرينة القاطعة (الدر، ورد المحتار). وقال في التكملة : والحاصل أن القضاء في الإقرار مجاز (لأن الحق يثبت به بدون حكم ، وإنما يأمره القاضي بدفع ما لزمه بإقراره، وليس لزوم الحق بالقضاء ، فجعل الإقرار من طرق القضاء إنما هو بحسب الظاهر ، وإلا فالحق يثبت به لا بالقضاء)، والقسامة داخلة في اليمين ، وعلم القاضي مرجوح، والقرينة مما انفرد به ابن الفرس ، فرجعت الحجج التي هي أسباب الحكم إلى ثلاث - أي البينة واليمين والنكول .

(انظر أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (7) - (11) و(219) وما بعدها)

وذكر ابن القيم في الطرق الحكمية خمسة وعشرين طريقا ترجع عند النظر، إلى:

القرائن والعلامات الظاهرة، الشهادة، اليمين، النكول، اليد (أي الحيازة)، الإنكار، الإقرار، الخط، القرعة، القافة (أي: الخبرة في أمور النسب).

وذكر ابن فرحون في التبصرة : الشهادة والخط والإقرار والقرائن والقرعة والقافة .

وفي مجلة الأحكام العدلية نجد أن طرق القضاء هي : الإقرار ، والشهادة ، واليمين ، والنكول ، والخط ، والقرينة القاطعة .

وقد ذكرت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم (78) لسنة 1931 في المادة (123) أربعة أدلة ، هي: الإقرار ، والشهادة ، والنكول عن الحلف، والقرينة القاطعة ولكنها تكلمت في الباب الثالث الخاص بالأدلة على الأدلة الخطية (في الفصل الثاني بعد الإقرار) ، ثم على اليمين والنكول (في الفصل السادس) ، وعلى المعاينة (في الفصل السابع) ، وعلى الخبرة في الفصل الثامن) ، كما تكلمت على إستجواب الخصوم (في الفصل السابع من الباب الثاني م (115) وما بعدها) وبذا زادت الأدلة فيها على الأربعة المذكورة في المادة (123) وذلك على خلاف ما ذهب إليه المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم ؛ إذ قال في طرق القضاء (ص (9) - (10)) : «أقول : إن الناظر فيما جاء في اللائحة في حجية الأوراق الرسمية والعرفية ، وفي استجواب الخصوم ومعاينة المحكمة وأهل الخبرة - يراه لا يخرج عن هذه الحجج الثلاث ؛ إذ كله يرجع إلى الإقرار ، وأن الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان ، وهو الذي يجب التعويل عليه كما سيأتي». ولكن بالرجوع إلى المادة (134) من تلك اللائحة نجد أنها نصت على أن الأوراق الرسمية - أكانت سندات أم محررات - تكون حجة على أي شخص كان فيها تدون بها مما لا يدخلها دائما في الإقرار ، وكذلك إستجواب الخصوم ومعاينة المحكمة وأهل الخبرة لا تدخل دائما في الإقرار .

وبالرجوع إلى القوانين العربية الخاصة بالإثبات نجد أنها : الأدلة الكتابية ، والشهادة ، والقرائن ، والإستجواب ، والإقرار ، واليمين ، والمعاينة ، والخبرة .

(م (1) من قانون البينات السوري ، و(11) من قانون الإثبات السوداني ، وقانون الإثبات المصري ، وانظر السنهوري ، الوسيط ، ج (2) ص (89) وما بعدها) .

وإذا ألقينا نظرة فاحصة وجدنا أن طرق إثبات الدعوى ترجع إلى: الإقرار ، والشهادة ، والكتابة ، واليمين ، والنكول ، والقرينة ، والمعاينة ، والخبرة . أما القسامة - وهي خاصة بالقضاء بالدية - فهي يمين. وأما علم القاضي فالفتوى على أنه ليس طريقا للقضاء لفساد الزمان وهو ما أخذ به هذا القانون في المادة (6) منه. وأما القافة فهي خاصة بالنسب وهو من الأحوال الشخصية وخارج عن نطاق هذا القانون .

وقد جرت بعض التقنينات على عدم النص على طرق القضاء بإعتبار أن ذلك من عمل الفقه ، ولكن تقنينات أخرى جرت على النص عليها ، کلائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، وقانون البينات السوري ، وقانون الإثبات السوري ، وقد روعي إتباع نهج التقنينات الأخيرة في هذا القانون زيادة في البيان .

وقد سار القانون على معالجة طرق القضاء بالترتيب الآتي :

1- الإقرار .

2- إستجواب الخصوم .

3- الشهادة .

4 - الكتابة .

5- اليمين .

6- القرائن .

7- المعاينة .

8- الخبرة .

وقد روعي في هذا الترتيب نظرة الفقه الإسلامي من تقديم الإقرار بوصفه أقوى الأدلة ، يليه الإستجواب بوصفه وسيلة للإقرار ، ثم الشهادة ، ويليها الكتابة لأنها في الغالب إما أن تكون إقرارا أو شهادة، ثم اليمين ، وبقية الأدلة .

وقد خصص باب لكل طريق من هذه الطرق .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 170

أثر الإقرار بعد الإبراء:

ذهب الحنفية والمالكية - على الظاهر من كلام الحطاب - إلى أنه إذا أبرأ المدعي المدعى عليه المنكر من الدين إبراء عاما، ثم أقر المبرأ بالدين للمدعي، لم يعتبر الإقرار؛ لأن الدين قد سقط بالإبراء، والساقط لا يعود.

وهناك اتجاه ثان لبعض المالكية، وهو الذي أفتى به الناصر اللقاني وأخوه الشمس اللقاني أنه يعمل به لأنه بمنزلة إقرار جديد.

واستثنى ابن نجيم من ذلك ما لو أقر لزوجته بمهرها بعد هبتها إياه له، على ما هو المختار عند الفقيه أبي الليث، فيجعل زيادة إن قبلت، والأشبه خلافه لعدم قصد الزيادة. ويختلف أثر الإقرار أيضا عند الحنفية في مسألة الإبراء من الدين عن مسألة الإبراء من العين فيها لو أقر المبرأ للمبرئ بالعين بعد الإبراء، سلمها إليه ولا يمنع الإبراء من سماع الدعوى للمبرئ تصحيحا للإقرار، لتجدد الملك في العين.

الإقرار:

الإقرار لغة هو الاعتراف. يقال: أقر بالحق: إذا اعترف به، وقرره غيره بالحق حتى أقر به وشرعا: إخبار عن ثبوت حق للغير على نفسه.

حجية الإقرار:

- الإقرار حجة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول:

فمن الكتاب قوله تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدينوقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم. إذ الشهادة على النفس إقرار عليها بالحق.

ومن السنة «أن النبي صلي الله عليه وسلم أقام الحد على ماعز والغامدية بناء على إقرارهما بالزنا».

وقد أجمعت الأمة من عهد النبي صلي الله عليه وسلم إلى الآن على أن الإقرار حجة على المقر، يؤخذ به ويعامل بمقتضاه.

ودليله من المعقول: انتفاء التهمة، فإن العاقل لا يقر على نفسه كذبا.

مرتبة الإقرار بين طرق الإثبات.

الفقهاء مجمعون على أن الإقرار أقوى الأدلة الشرعية، لانتفاء التهمة فيه غالبا.

فقد نص الحنفية على أن الإقرار حجة شرعية فوق الشهادة، بناء على انتفاء التهمة فيه غالبا، ولا ينافي ذلك أنه حجة قاصرة على المقر وحده، في حين أن الشهادة حجة متعدية؛ لأن القوة والضعف وراء التعدية والاقتصار. فاتصاف الإقرار بالاقتصار على نفس المقر، والشهادة بالتعدية إلى الغير، لا ينافي اتصافه بالقوة واتصافها بالضعف بالنسبة إليه، بناء على انتفاء التهمة فيه دونها.

ونص المالكية على أن الإقرار أبلغ من الشهادة.

قال أشهب: «قول كل أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره.

ونص الشافعية على أن الإقرار أولى بالقبول من الشهادة.

ونص الحنابلة على أن المدعى عليه إذا اعترف بالحق لا تسمع عليه الشهادة، وإنما تسمع إذا أنكر.

بم يكون الإقرار؟

يكون الإقرار باللفظ أو ما يقوم مقامه، كالإشارة والكتابة والسكوت بقرينة. وتفصيل ذلك وغيره من أحكام الإقرار يرجع إليه في مصطلح (إقرار).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الثاني ، الصفحة / 226

إثبات الإحصان:

يثبت الإحصان في الرجم بالإقرار الصحيح وهو ما صدر من عاقل مختار فيجب أن يكون المقر بالإحصان عاقلا مختارا؛ لأن المكره والمجنون لا حكم لكلامهما.

كما يثبت بشهادة الشهود، ويرى مالك والشافعي وأحمد وزفر أنه يكفي في إثبات الإحصان شهادة رجلين؛ لأنه حالة في الشخص لا علاقة لها بواقعة الزنى، فلا يشترط أن يشهد بالإحصان أربعة رجال كما هو الحال في الزنى.

ولكن أبا يوسف ومحمدا يريان أن الإحصان يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين. وكيفية الشهادة أن يقول الشهود: تزوج امرأة وجامعها أو باضعها، ولو قال: دخل بها يكفي عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأنه متى اقترن الدخول بحرف الباء يراد به الجماع، وقال محمد: لا يكفي؛ لأن الدخول يطلق على الخلوة بها.

إثبات الإحصان في القذف:

كل مسلم محمول على العفة ما لم يقر بالزنى، أو يثبت عليه بأربعة عدول، فإذا قذف إنسان بالزنى فالمطالب بإثبات الزنى وعدم العفة هو القاذف، لقوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة.

وأما المقذوف فلا يطالب بإثبات العفة؛ لأن الناس محمولون عليها حتى يثبت القاذف خلافه، فإذا أقر القاذف بإحصان المقذوف ثبت الإحصان.

وإن أنكر القاذف الإحصان فعليه أن يقيم البرهان على سقوط عفة المقذوف، فإن عجز عن الإثبات فليس له أن يحلف المقذوف.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الرابع ، الصفحة / 279

إقرار الأخرس بما يوجب الحد:

اختلف الفقهاء في صحة إقرار الأخرس بالزنى وغيره من الحدود. فذهب الشافعية، والقاضي من الحنابلة، وابن القاسم من المالكية إلى أنه يحد إن أقر بالزنى بإشارته، قالوا: لأن من صح إقراره بغير الزنى صح إقراره به.

وذهب الحنفية إلى أنه لا يحد بإقراره بالزنى، لأن الإشارة تحتمل ما فهم منها وغيره، فيكون ذلك شبهة في درء الحد، والحدود تدرأ بالشبهات وتفصيل ذلك في مصطلحي: (حدود، وإقرار).

إشارة الأخرس بالإقرار بما يوجب القصاص:

إشارته في ذلك مقبولة في قول الفقهاء في القصاص، لأنه من حقوق العباد.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 306

الإقرار:

على قول الحنفية والحنابلة - وهو خلاف الأظهر عند الشافعية - لا يقبل على الغرماء إقرار المفلس بشيء من ماله الذي حجر عليه فيه، لاحتمال التواطؤ بين المفلس ومن أقر له، ويلزمه ما أقر به بعد فك الحجر عنه.

والأظهر عند الشافعية: أنه يقبل في حق الغرماء، إن أسند وجوبه إلى ما قبل الحجر عليه أو أطلق، لا إن أضافه إلى ما بعد الحجر. وعند المالكية تفصيل، قالوا: يقبل إقراره على غرمائه إن أقر بالمجلس الذي حجر عليه فيه، أو قريبا منه، إن كان دينه الذي حجر عليه به ثبت بالإقرار، أو علم تقدم المعاملة بينهما. أما في غير ذلك إن ثبت بالبينة، فلا يقبل إمراره عليه لغيرهم.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / السادس ، الصفحة / 46

إقرار

التعريف

- من معاني الإقرار في اللغة: الاعتراف. يقال: أقر بالحق إذا اعترف به. وأقر الشيء أو الشخص في المكان: أثبته وجعله يستقر فيه.

وفي اصطلاح الفقهاء، الإقرار: هو الإخبار عن ثبوت حق للغير على المخبر، وهذا تعريف الجمهور.

وذهب بعض الحنفية إلى أنه إنشاء، وذهب آخرون منهم إلى أنه إخبار من وجه، وإنشاء من وجه.

والإقرار عند المحدثين والأصوليين هو: عدم الإنكار من النبي صلي الله عليه وسلم على قول أو فعل صدر أمامه. وتنظر أحكامه في مصطلح (تقرير)، والملحق الأصولي.

الألفاظ ذات الصلة:

أ - الاعتراف:

الاعتراف لغة: مرادف للإقرار. يقال: اعترف بالشيء: إذا أقر به على نفسه. وهو كذلك عند الفقهاء.

يقول قاضي زاده: روي في السنة أن النبي صلي الله عليه وسلم « رجم ماعزا بإقراره بالزنا، والغامدية باعترافها »، « وقال في قصة العسيف: واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فأثبت الحد بالاعتراف. فالاعتراف إقرار، وقال القليوبي: إنه تفسير بالمرادف.

ب - الإنكار:

الإنكار: ضد الإقرار. يقال في اللغة: أنكرت حقه: إذا جحدته.

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي (ر: مصطلح: إنكار).

والمنكر في الاصطلاح: من يتمسك ببقاء الأصل.

ج - الدعوى:

الدعوى في الاصطلاح: مباينة للإقرار، فهي قول مقبول عند القاضي يقصد به طلب حق قبل الغير، أو دفع الخصم عن حق نفسه.

د - الشهادة:

الشهادة هي: الإخبار في مجلس الحكم بلفظ الشهادة لإثبات حق للغير على الغير.

فيجمع كلا من الإقرار والدعوى والشهادة أنها إخبارات، والفرق بينها أن الإخبار إن كان عن حق سابق على المخبر ويقتصر حكمه عليه فإقرار، وإن لم يقتصر: فإما ألا يكون للمخبر فيه نفع، وإنما هو إخبار عن حق لغيره على غيره فهو الشهادة، وإما أن يكون للمخبر نفع فيه، لأنه إخبار بحق له، فهو الدعوى.

كما تفترق من ناحية أن الإقرار يصح بالمبهم ويلزم تعيينه.

أما الدعوى بالمبهم فإن كانت بما يصح وقوع العقد عليه مبهما كالوصية فإنها تصح.

وأما الدعوى على المدعى عليه المبهم فلا تصح، ولا تسمع.

وأما الشهادة بالمبهم فإن كان المشهود به يصح مبهما صحت الشهادة به كالعتق والطلاق، وإلا لم تصح، لا سيما الشهادة التي لا تصح بدون دعوى.

الحكم التكليفي:

الأصل في الإقرار بحقوق العباد الوجوب، ومن ذلك: الإقرار بالنسب الثابت لئلا تضيع الأنساب، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم « قال حين نزلت آية الملاعنة: أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه وفضحه الله على رءوس الأولين والآخرين .

وكذلك الإقرار بالحق الذي عليه للغير إذا كان متعينا لإثباته، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

دليل مشروعية الإقرار:

ثبتت حجية الإقرار بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.

أما الكتاب فقوله تعالى: وليملل الذي عليه الحق أمره بالإملال، فلو لم يقبل إقراره لما كان لإملاله معنى.

وقوله تعالي ( بل الإنسان على نفسه بصيرة) أي شاهد كما قاله ابن عباس.

وأما السنة: فما روي أنه عليه الصلاة والسلام « رجم ماعزا والغامدية بإقرارهما »، فإذا وجب الحد بإقراره على نفسه فالمال أولى أن يجب.

وأما الإجماع: فلأن الأمة أجمعت على أن الإقرار حجة قاصرة على المقر، حتى أوجبوا عليه الحدود والقصاص بإقراره، والمال أولى.

وأما المعقول: فلأن العاقل لا يقر على نفسه كاذبا بما فيه ضرر على نفسه أو ماله، فترجحت جهة الصدق في حق نفسه، لعدم التهمة، وكمال الولاية.

أثر الإقرار:

أثر الإقرار ظهور ما أقر به، أي ثبوت الحق في الماضي، لا إنشاء الحق ابتداء، فلو أقر لغيره بمال والمقر له يعلم أن المقر كاذب في إقراره، لا يحل له أخذ المال عن كره منه فيما بينه وبين الله تعالى، إلا أن يسلمه إياه بطيب نفس منه فيكون تمليكا مبتدأ على سبيل الهبة.

وقال صاحب النهاية ومن يحذو حذوه: حكمه لزوم ما أقر به على المقر.

حجية الإقرار:

الإقرار خبر، فكان محتملا للصدق والكذب باعتبار ظاهره، ولكنه جعل حجة لظهور رجحان جانب الصدق فيه، إذ المقر غير متهم فيما يقر به على نفسه.

قال ابن القيم: الحكم بالإقرار يلزم قبوله بلا خلاف.

والأصل أن الإقرار حجة بنفسه، ولا يحتاج لثبوت الحق به إلى القضاء، فهو أقوى ما يحكم به، وهو مقدم على البينة. ولهذا يبدأ الحاكم بالسؤال عنه قبل السؤال عن الشهادة. قال القاضي أبو الطيب: ولهذا لو شهد شاهدان للمدعي ثم أقر المدعى عليه حكم بالإقرار وبطلت الشهادة. ولذا قيل: إنه سيد الحجج.

على أن حجيته قاصرة على المقر وحده لقصور ولاية المقر عن غيره فيقتصر عليه. فلا يصح إلزام أحد بعقوبة نتيجة إقرار آخر بأنه شاركه في جريمته. وهذا ما جرى عليه القضاء في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم . فقد روي أن « رجلا جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال: إنه قد زنى بامرأة - سماها - فأرسل النبي صلي الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال، فأنكرت فحده وتركها.

غير أن هناك بعض حالات لا بد فيها للحكم بمقتضى الإقرار من إقامة البينة أيضا. وهذا إذا ما طلب تعدي الحكم إلى الغير. فلو ادعى شخص على مدين الميت أنه وصيه في التركة، وصدقه المدين في دعوى الوصاية والدين، فإن الوصاية لا تثبت بهذا الإقرار بالنسبة لمدين آخر ينكر الوصاية وإنما يحتاج إلى بينة.

وفي الدر المختار: أحد الورثة أقر بالدين المدعى به على مورثه، وجحده الباقون، يلزمه الدين كله إن وفت حصته من الميراث به، وقيل: لا يلزمه إلا حصته من الدين رفعا للضرر عنه، لأنه إنما أقر بما يتعلق بكل التركة.

وهو قول الشعبي والبصري والثوري ومالك وابن أبي ليلى، واختاره ابن عابدين، ولو شهد هذا المقر مع آخر أن الدين كان على الميت قبلت شهادته، ولا يؤخذ منه إلا ما يخصه.

وبهذا علم أنه لا يحل الدين في نصيبه بمجرد إقراره، بل بقضاء القاضي عليه بإقراره. يقول ابن عابدين: ولو أقر من عنده العين أنه وكيل بقبضها لا يكفي إقراره، ويكلف الوكيل إقامة البينة على إثبات الوكالة حتى يكون له قبض ذلك.

ثم الإقرار حجة في النسب، ويثبت به النسب إلا إذا كذبه الواقع، كأن يقر بنسب من لا يولد مثله لمثله.

سبب الإقرار:

سبب الإقرار كما يقول الكمال بن الهمام: إرادة إسقاط الواجب عن ذمته بإخباره وإعلامه، لئلا يبقى في تبعة الواجب.

ركن الإقرار:

أركان الإقرار عند غير الحنفية أربعة: مقر، ومقر له، ومقر به، وصيغة وذلك لأن الركن عندهم هو ما لا يتم الشيء إلا به، سواء أكان جزءا منه أم لازما له. وزاد بعضهم كما يقول الرملي: المقر عنده من حاكم أو شاهد، وقال: وهذه الزيادة محل نظر، إذ لو توقف تحقق الإقرار على ذلك لزم أنه لو أقر خاليا بحيث لا يسمعه شاهد، ولم يكن أمام قاض، ثم بعد مدة تبين أنه أقر على هذا الوجه في يوم كذا، لم يعتد بهذا الإقرار، لعدم وجود هذا الركن الزائد، وهو ممنوع، ولذا فإنه لا يشترط.

وأما ركن الإقرار عند الحنفية فهو الصيغة فقط، صراحة كانت أو دلالة، وذلك لأن الركن عندهم: ما يتوقف عليه وجود الشيء، وهو جزء من ماهيته.

المقر وما يشترط فيه:

المقر من صدر منه الإخبار عن ثبوت حق للغير على نفسه وتشترط فيه أمور:

الشرط الأول: المعلومية.

أول ما يشترط لاعتبار الإقرار والأخذ به أن يكون المقر معلوما حتى لو قال رجلان: لفلان على واحد منا ألف درهم لا يصح، لأنه إذا لم يكن معلوما لا يتمكن المقر له من المطالبة، وكذلك إذا قال أحدهما: غصب واحد منا، أو زنا، أو سرق، أو شرب، أو قذف، لأن من عليه الحق غير معلوم ويجبران على البيان.

الشرط الثاني: العقل:

ويشترط في المقر أن يكون عاقلا. فلا يصح إقرار الصبي غير المميز والمجنون والمعتوه والنائم والسكران على تفصيل يأتي بيانه.

إقرار المعتوه:

لا يصح إقرار المعتوه ولو بعد البلوغ، لأن حكمه حكم الصبي المميز، فلا يلتزم بشيء فيه ضرر إلا إذا كان مأذونا له فيصح إقراره بالمال، لكونه من ضرورات التجارة: كالديون، والودائع، والعواري، والمضاربات، والغصوب، فيصح إقراره. لالتحاقه في حقها بالبالغ العامل. بخلاف ما ليس من باب التجارة: كالمهر، والجناية، والكفالة، حيث لا يصح إقراره بها لأنها لا تدخل تحت الإذن.

إقرار النائم والمغمى عليه:

النائم والمغمى عليه إقرارهما كإقرار المجنون، لأنهما حال النوم والإغماء ليسا من أهل المعرفة والتمييز، وهما شرطان لصحة الإقرار.

إقرار السكران:

السكران من فقد عقله بشرب ما يسكر، وإقرار السكران جائز بالحقوق كلها إلا الحدود الخالصة، والردة بمنزلة سائر التصرفات. وهذا عند الحنفية والمزني من الشافعية وأبي ثور إذا كان سكره بطريق محظور، لأنه لا ينافي الخطاب، إلا إذا أقر بما يقبل الرجوع كالحدود الخالصة حقا لله تعالى، لأن السكران يكاد لا يثبت على شيء فأقيم السكر مقامه فيما يحتمل الرجوع فلا يلزمه شيء.

وإن سكر بطريق غير محرم، كمن شرب المسكر مكرها لا يلزمه شيء، وكذا من شرب ما لا يعلم أنه مسكر فسكر بذلك.

وقال المالكية: إن السكران لا يؤاخذ بإقراره، لأنه وإن كان مكلفا إلا أنه محجور عليه في المال. وكما لا يلزمه إقراره - لا تلزمه العقود، بخلاف جناياته فإنها تلزمه.

وقال جمهور الشافعية: إقرار السكران صحيح، ويؤاخذ به في كل ما أقر به، سواء وقع الاعتداء فيها على حق الله سبحانه أو على حق العبد، لأن المتعدي بسكره يجب أن يتحمل نتيجة عمله، تغليظا عليه وجزاء لما أقدم عليه وهو يعلم أنه سيذهب عقله.

أما من تغيب عقله بسبب يعذر فيه فلا يلزم بإقراره، سواء أقر بما يجب فيه الحد حقا لله خالصا أو ما فيه حق العبد أيضا.

وكذا فإنه لا يصح إقرار السكران في رواية عند الحنابلة، قال ابن منجا: إنها المذهب وجزم به في الوجيز وغيره. وجاء في أول كتاب الطلاق عند الحنابلة أن في أقوال السكران وأفعاله خمس روايات أو ستة، وأن الصحيح في المذهب: أنه مؤاخذ بعبارته.

إقرار السفيه:

السفيه بعد الحجر عليه لا يصح إقراره بالمال، لأنه من التصرفات الضارة المحضة من حيث الظاهر، وإنما قبل الإقرار من المأذون للضرورة.

وإذا بلغ الصبي سفيها أو ذا غفلة وحجر عليه بسبب ذلك أو اعتبر محجورا عليه فإنه في تصرفاته المالية الضارة يأخذ حكم الصبي المميز، فإذا تزوج وأقر بأن المهر الذي قرره لها أكثر من مهر المثل فالزيادة باطلة، وهكذا فإن القاضي يرد كل تصرفاته المالية الضارة.

وعلى القول بأن الحجر عليه لا بد من الحكم به ولا يكون تلقائيا بسبب السفه فإن السفيه المهمل - أي الذي لم يحجر عليه - يصح إقراره.

ونص الشافعية على أنه لا يصح إقراره بنكاح، ولا بدين أسند وجوبه إلى ما قبل الحجر، أو إلى ما بعده، ولا يقبل إقراره بعين في يده في حال الحجر، وكذا بإتلاف مال الغير، أو جناية توجب المال في الأظهر. وفي قول عندهم يقبل، لأنه إذا باشر الإتلاف يضمن، فإذا أقر به قبل إقراره، ويصح إقراره بالحد والقصاص لعدم تعلقهما بالمال، وسائر العقوبات مثلهما لبعد التهمة، ولو كان الحد سرقة قطع، ولا يلزمه المال.

وذكر الأدمي البغدادي من الحنابلة: أن السفيه إن أقر بحد أو قود أو نسب أو طلاق لزم - ويتبع به في الحال - وإن أقر بمال أخذ به بعد رفع الحجر عنه.

والصحيح من مذهب الحنابلة: صحة إقرار السفيه بالمال سواء لزمه باختياره أو لا، ويتبع به بعد فك الحجر عنه، وقيل: لا يصح مطلقا، وهو احتمال ذكره ابن قدامة في المقنع في باب الحجر، واختاره هو والشارح.

الشرط الثالث البلوغ.

أما البلوغ فإنه ليس بشرط لصحة الإقرارفيصح إقرار الصبي العاقل المأذون له بالدين والعين، لأن ذلك من ضرورات التجارة، ويصح إقراره في قدر ما أذن له فيه دون ما زاد، ونص الحنابلة على أنه المذهب وعليه جمهور الأصحاب، وهو قول أبي حنيفة.

وقال الشافعي: لا يصح إقراره بحال لعموم الخبر: « رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ ولأنه لا تقبل شهادته، وفي قول عند الحنابلة: إنه لا يصح إقرار المأذون له إلا في الشيء اليسير. إلا أنه لا يصح إقرار المحجور عليه، لأنه من التصرفات الضارة المحضة من حيث الظاهر. ويقبل إقرار الصبي ببلوغه الاحتلام في وقت إمكانه، إذ لا يمكن معرفة ذلك إلا من جهته، وكذا ادعاء الصبية البلوغ برؤية الحيض ولو ادعى البلوغ بالسن قبل ببينة، وقيل: يصدق في سن يبلغ في مثلها، وهي تسع سنين، وقيل: عشر سنين، وقيل: اثنتا عشرة سنة، ويلزمه بهذا البلوغ ما أقر به.

وأفتى الشيخ تقي الدين: فيمن أسلم أبوه، فادعى أنه بالغ، بأنه إذا كان لم يقر بالبلوغ إلى حين الإسلام فقد حكم بإسلامه قبل الإقرار بالبلوغ. وذلك بمنزلة ما إذا ادعت انقضاء العدة بعد أن ارتجعها، وقال: هذا يجيء في كل من أقر بالبلوغ بعد حق ثبت في حق الصبي، مثل الإسلام، وثبوت أحكام الذمة تبعا لأبيه.

الشرط الرابع: فهم المقر لما يقر به.

لا بد للزوم الإقرار واعتباره - أن تكون الصيغة مفهومة للمقر فلو لقن العامي كلمات عربية لا يعرف معناها لم يؤاخذ بها، لأنه لما لم يعرف مدلولها يستحيل عليه قصدها، لأن العامي - غير المخالط للفقهاء - يقبل منه دعوى الجهل بمدلول كثير من ألفاظ الفقهاء، بخلاف المخالط فلا يقبل منه فيما لا يخفى على مثله معناه. وبالأولى لو أقر العربي بالعجمية أو العكس وقال: لم أدر ما قلت، صدق بيمينه، لأنه أدرى بنفسه، والظاهر معه.

الشرط الخامس: الاختيار.

ويشترط في المقر الاختيار، مدعاة للصدق، فيؤاخذ به المكلف بلا حجر، أي حال كونه غير محجور عليه. فإذا أقر الحر البالغ العاقل طواعية بحق لزمه. وقال الحنابلة: إنه يصح من مكلف مختار بما يتصور منه التزامه، بشرط كونه بيده وولايته واختصاصه، ولو على موكله أو مورثه أو موليه.

الشرط السادس: عدم التهمة.

ويشترط في المقر لصحة إقراره أن يكون غير متهم في إقراره، لأن التهمة تخل برجحان الصدق على جانب الكذب في إقراره، لأن إقرار الإنسان على نفسه شهادة. قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم والشهادة على نفسه إقرار. والشهادة ترد بالتهمة ومن أمثلته: ما لو أقر لمن بينه وبينه صداقة أو مخالطة.

وممن يتهم في إقراره المدين المحجور عليه، لإحاطة الدين بماله الذي حجر عليه فيه، وهو ما يعبر عنه بالمفلس.

بل صرح المالكية أن هذا القيد - ألا يكون متهما - إنما يعتبر في المريض ونحوه والصحيح المحجور عليه، لإحاطة الدين بماله الذي حجر عليه فيه.

والصحيح: أن المفلس بالنسبة لما فلس فيه متهم في إقراره، فلا يقبل إقراره لأحد، حيث كان الدين الذي فلس فيه ثابتا بالبينة، لأنه متهم على ضياع مال الغرماء، ولا يبطل الإقرار، بل هو لازم يتبع به في ذمته، ويؤاخذ به المقر فيما يجد له من مال فقط، ولا يحاص المقر له الغرماء بالدين الذي أقر له به المفلس.

ونقل القاضي عن الإمام أحمد أن المفلس إذا أقر، وعليه دين ببينة، يبدأ بالدين الذي بالبينة، لأنه أقر بعد تعلق الحق بتركته، فوجب ألا يشارك المقر له من ثبت دينه ببينة، كغريم المفلس الذي أقر له بعد الحجر عليه، وبهذا قال النخعي والثوري وأصحاب الرأي.

وفصل الشافعية، فقالوا: لو أقر المفلس بعين أو دين وجب قبل الحجر، فالأظهر قبوله في حق الغرماء لانتفاء التهمة الظاهرة، وقيل: لا يقبل إقراره في حق الغرماء، لئلا يضرهم بالمزاحمة، ولأنه ربما واطأ المقر له.

وإن أسند وجوبه إلى ما بعد الحجر لم يقبل في حقهم، بل يطالب بعد فك الحجر. ولو لم يسند وجوبه إلى ما قبل الحجر ولا لما بعده، فقياس المذهب - على ما قاله الرافعي - تنزيله على الأقل، وهو جعله كالمسند إلى ما بعد الحجر.

إقرار المريض مرض الموت:

وممن يتهم في إقراره: المريض مرض موت في بعض الحالات على ما سنبينه في مصطلح (مرض الموت) وإن كان الأصل أن المرض ليس بمانع من صحة الإقرار في الجملة.

إذ الصحة ليست شرطا في المقر لصحة إقراره، لأن صحة إقرار الصحيح برجحان جانب الصدق، وحال المريض أدل على الصدق، فكان إقراره أولى بالقبول غير أن المالكية نصوا على أن من أقر بشيء في صحته: بشيء من المال، أو الدين، أو البراءات، أو قبض أثمان المبيعات، فإقراره عليه جائز، لا تلحقه فيه تهمة، ولا يظن فيه توليج، والأجنبي والوارث في ذلك سواء، وكذا القريب والبعيد والعدو والصديق.

ويقول الحطاب: من أقر بشيء في صحته لبعض ورثته، قدم المقر له بعد موت المقر، ويقيم البينة على الإقرار. قال ابن رشد: هذا هو المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، المشهور في المذهب. ووقع في المبسوط لابن كنانة والمخزومي وابن أبي حازم ومحمد بن مسلمة أنه لا شيء له، وإن أقر له في صحته إذا لم يقم عليه بذلك بينة حتى هلك إلا أن يعرف سبب ذلك، فإن عرف ذلك فبها وإلا فإذا لم يعرف له سبب فلا شيء له، لأن الرجل يتهم أن يقر بدين في صحته لمن يثق به من ورثته على ألا يقوم به حتى يموت. وقيل: إنه نافذ ويحاص به الغرماء في الفلس، وهو قول ابن القاسم في المدونة والعتبية، وقال ابن رشد: لا يحاص به على قول ابن القاسم إن ثبت ميله إليه إلا باليمين، واختار ابن رشد إبطال الإقرار بالدين مراعاة لقول المدنيين.

وعلى هذا فإقرار المريض مرض موت بالحد والقصاص مقبول اتفاقا، وكذا إقراره بدين لأجنبي فإنه ينفذ من كل ماله ما لم يكن عليه ديون أقر بها في حال صحته عند الحنفية والمالكية والشافعية، وأصح الروايات عند الحنابلة، وهو المذهب عندهم، وجزم به في الوجيز، لأنه لم يتضمن إبطال حق الغير وكان المقر له أولى من الورثة، لقول عمر: إذا أقر المريض بدين جاز ذلك عليه في جميع تركته، ولأن قضاء الدين من الحوائج الأصلية، وحق الورثة يتعلق بالتركة بشرط الفراغ. وفي رواية عند الحنابلة: أنه لا يقبل، وفي رواية أخرى عندهم لا يصح بزيادة على الثلث.

قال ابن قدامة: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرار المريض في مرضه لغير وارث جائز، وحكى أصحابنا رواية أخرى أنه لا يقبل، لأنه إقرار في مرض الموت أشبه الإقرار لوارث. وقال أبو الخطاب في رواية أخرى: إنه لا يقبل إقراره بزيادة على الثلث، لأنه ممنوع من عطية ذلك الأجنبي، كما هو ممنوع من عطية الوارث، فلا يصح إقراره بما لا يملك عطيته بخلاف الثلث فما دون. والمقصود بالأجنبي هنا أن يكون غير وارث في المقر فيشمل القريب غير الوارث. ويصرح المالكية بذلك فيقولون: إن أقر لقريب غير وارث كالخال أو لصديق ملاطف أو مجهول حاله - لا يدرى هل هو قريب أم لا - صح الإقرار إن كان لذلك المقر ولد وإلا فلا، وقيل: يصح.

وأما لو أقر لأجنبي غير صديق كان الإقرار لازما كان له ولد أم لا وقال الشافعية: للوارث تحليف المقر له على الاستحقاق.

وأما إقرار المريض لوارث فهو باطل إلا أن يصدقه الورثة أو يثبت ببينة عند الحنفية والمذهب عند الحنابلة، وفي قول للشافعية. وعند المالكية:

إن كان متهما في إقراره كأن يقر لوارث قريب مع وجود الأبعد أو المساوي كمن له بنت وابن عم فأقر لابنته لم يقبل وإن أقر لابن عمه قبل، لأنه لا يتهم في أنه يزري ابنته ويوصل المال إلى ابن عمه. وعلة منع الإقرار التهمة، فاختص المنع بموضعها.

وأطال المالكية في تصوير ذلك والتفريع عليه.

وقالوا: من مرض بعد الإشهاد في صحته لبعض ولده فلا كلام لبقية أولاده إن كتب الموثق أن الصحيح قبض من ولده ثمن ما باعه له، فإن لم يكتب فقيل: يحلف مطلقا. وقيل: يحلف إن اتهم الأب بالميل إليه.

قال المواق لا يقبل إقرار المريض لمن يتهم عليه. وسئل المازري عمن أوصى بثلث ماله، ثم اعترف بدنانير لمعين: فأجاب إن اعترف في صحته حلف المقر له يمين القضاء.

واستدل القائلون ببطلان الإقرار بما روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: « لا وصية لوارث، ولا إقرار له بالدين وبالأثر عن ابن عمر أنه قال: إذا أقر الرجل في مرضه بدين لرجل غير وارث فإنه جائز وإن أحاط بماله، وإن أقر لوارث فهو باطل إلا أن يصدقه الورثة. وقول الواحد من فقهاء الصحابة مقدم على القياس. ولم يعرف لابن عمر في ذلك مخالف من الصحابة فكان إجماعا، ولأنه تعلق حق الورثة بماله في مرضه، ولهذا يمنع من التبرع على الوارث أصلا، ففي تخصيص البعض به إبطال حق الباقين.

وفي كتب الحنابلة: لو أقرت المرأة بأنها لا مهر لها على زوجها لم يصح، إلا أن يقيم بينة أنها أخذته.

إقرار المريض بالإبراء:

إذا أقر المريض أنه أبرأ فلانا من الدين الذي عليه في صحته لا يجوز، لأنه لا يملك إنشاء الإبراء للحال، فلا يملك الإقرار به، بخلاف الإقرار باستيفاء الدين، لأنه إقرار بقبض الدين، وأنه يملك إنشاء القبض فيملك الإخبار عنه بالإقرار وهذا مذهب الحنفية. ويقرب منهم الشافعية إذ يقولون: إذا أبرأ المريض مرض الموت أحد مديونيه، والتركة مستغرقة بالديون، لم ينفذ إبراؤه لتعلق حق الغرماء بينما يقول المالكية في باب الإقرار: وإن أبرأ إنسان شخصا مما قبله أو أبرأه من كل حق له عليه، أو أبرأه وأطلق برئ مطلقا مما في الذمة وغيرها معلوما أو مجهولا. وهذه العبارة بإطلاقها شاملة للمريض وللصحيح، وشاملة للإبراء من دين الصحة وغيره.

الركن الثاني: المقر له، وما يشترط فيه:

المقر له من يثبت له الحق المقر به، ويحق له المطالبة به أو العفو عنه.

واشترط الفقهاء فيه ما يأتي:

الشرط الأول: ألا يكون المقر له مجهولا:

فلا بد أن يكون معينا، بحيث يمكن أن يطالب به، ولو كان حملا. كأن يقول: علي ألف لفلان، أو علي ألف لحمل فلانة، وسيأتي تفصيل الإقرار للحمل. أو يكون مجهولا جهالة غير فاحشة، كأن يقول: علي مال لأحد هؤلاء العشرة، أو لأحد أهل البلد، وكانوا محصورين عند الشافعية، والناطفي وخواهر زاده من الحنفية.

الإقرار مع جهالة المقر له:

أجمع الفقهاء على أن الجهالة الفاحشة بالمقر له لا يصح معها الإقرار، لأن المجهول لا يصلح مستحقا، إذ لا يجبر المقر على البيان، من غير تعيين المستحق، فلا يفيد الإقرار شيئا.

وأما إذا كانت الجهالة غير فاحشة بأن قال: علي ألف لأحد هذين أو لأحد هؤلاء العشر: أو لأحد أهل البلد وكانوا محصورين، فهناك اتجاهان:

الأول: ما ذهب إليه الشافعية، وهو ما اختاره الناطفي وخواهر زاده من الحنفية. أن هذا الإقرار صحيح، لأنه قد يفيد وصول الحق إلى المستحق بتحليف المقر لكل من حصرهم، أو بتذكره، لأن المقر قد ينسى، وهو ما يفهم من مغني ابن قدامة، لأنه مثل بالجهالة اليسيرة.

والثاني: ما ذهب إليه جمهور الحنفية، وهو ما اختاره السرخسي: من أن أي جهالة تبطل الإقرار، لأن المجهول لا يصلح مستحقا، ولا يجبر المقر على البيان، من غير تعيين المدعي.

الشرط الثاني: أن تكون للمقر له أهلية استحقاق المقر به حسا وشرعا:

فلو أقر لبهيمة أو دار، بأن لها عليه ألفا وأطلق لم يصح الإقرار، لأنهما ليسا من أهل الاستحقاق.

أما لو ذكر سببا يمكن أن ينسب إليه، كما لو قال: علي كذا لهذه الدابة بسبب الجناية عليها، أو لهذه الدار بسبب غصبها أو إجارتها، فالجمهور على أن هذا الإقرار صحيح، ويكون الإقرار في الحقيقة لصاحب الدابة أو الدار وقت الإقرار وهو اختيار المرداوي، كما جزم به صاحب الرعاية، وابن مفلح في الفروع من الحنابلة. لكن جمهور الحنابلة على أن هذا الإقرار لا يصح، لأن هذا الإقرار وقع للدار وللدابة، وهما ليستا من أهل الاستحقاق.

الإقرار للحمل:

إن أقر لحمل امرأة عينها بدين أو عين فقال: علي كذا، أو عندي كذا لهذا الحمل وبين السبب فقال: بإرث أو وصية، كان الإقرار معتبرا ولزمه ما أقر به لإمكانه. وكان الخصم في ذلك ولي الحمل عند الوضع، إلا إذا تم الوضع لأكثر من أربع سنين - من حين الاستحقاق مطلقا - التي هي أقصى مدة الحمل - كما يرى فريق من الفقهاء - أو لستة أشهر فأكثر - التي هي أقل مدة الحمل - وهي فراش لم يستحق، لاحتمال حدوث الحمل بعد الإقرار. ولا يصح الإقرار إلا لحمل يتيقن وجوده عند الإقرار ، ويكون ذلك بما إذا وضعته لأقل من ستة أشهر، أو لأكثر من ذلك إلى سنتين عند الحنفية، وإلى أربعة عند الشافعية. وينص المالكية: ولزم الإقرار للحمل، وإن كان الإقرار أصله وصية فله الكل، وإن كان بالإرث من الأب - وهو ذكر - فكذلك، وإن كان أنثى فلها النصف، وإن ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما بالسوية إن أسنده إلى وصية، وأثلاثا إن أسنده إلى إرث، إلا إذا كانت جهة التوريث يستوي فيها الذكر والأنثى كالإخوة لأم، وإن أسند السبب إلى جهة لا تمكن في حقه كقوله: باعني شيئا فلغو للقطع بكذبه، وعند الشافعية قول بغير ذلك.

وإن أطلق الإقرار ولم يسنده إلى شيء صح عند الحنابلة، لإطلاقهم القول بصحة الإقرار بحال حمل امرأة، لجواز أن يكون له وجه. وقال أبو الحسن التميمي: لا يصح إلا أن يسنده إلى سبب من إرث أو وصية، وقيل: لا يصح مطلقا. قال في النكت: ولا أحسب هذا قولا في المذهب.

وصح في الأظهر عند الشافعية، ويحمل على الممكن في حقه، صونا لكلام المكلف عن الإلغاء ما أمكن. وفي قول عند الشافعية: لا يصح، إذ المال لا يجب إلا بمعاملة أو جناية، وهما منتفيان في حقه، فحمل الإطلاق على الوعد. وقال أبو يوسف من الحنفية: إن أجمل الإقرار لا يصح، لأن الإقرار المبهم يحتمل الصحة والفساد، لأنه إن كان يصح بالحمل على الوصية والإرث فإنه يفسد بالحمل على البيع والغصب والقرض، كما أن الحمل في نفسه محتمل الوجود والعدم، والشك من وجه واحد يمنع صحة الإقرار ، فمن وجهين أولى. وقال محمد: يصح حملا لإقرار العاقل على الصحة.

ولو انفصل الحمل ميتا فلا شيء على المقر للحمل أو ورثته، للشك في حياته وقت الإقرار . فيسأل القاضي المقر حسبة عن جهة إقراره من إرث أو وصية ليصل الحق لمستحقه. وإن مات المقر قبل البيان بطل. وإن ألقت حيا وميتا جعل المال للحي.

الإقرار للميت:

لو قال: لهذا الميت علي كذا فذلك إقرار صحيح، وهو إقرار في الحقيقة للورثة يتقاسمونه قسمة الميراث، لكن إن كان المقر له حملا ثم سقط ميتا بطل الإقرار، إن كان سبب الاستحقاق ميراثا أو وصية، ويرجع المال إلى ورثة المورث، أو ورثة الموصي.

الإقرار بالحمل:

نص الحنفية: على أن من أقر لرجل بحمل فرس أو حمل شاة فإن إقراره صحيح ولزمه ما أقر به، لأن له وجها صحيحا وهو الوصية بالحمل، بأن تكون الفرس أو الشاة لواحد، وأوصى بحملها لرجل، ومات والمقر وارثه، وقد علم بوصية مورثه.

الإقرار للجهة:

الأصل أنه يصح الإقرار لمن كان لديه أهلية مالية أو استحقاق كالوقف والمسجد، فيصح الإقرار لهما على نفسه بمال له، ويصرف في إصلاحه وبقاء عينه، كأن يقول ناظر على مسجد أو وقف: ترتب في ذمتي مثلا للمسجد أو للوقف كذا . فإن الإقرار لهذا ومثله كالطريق والقنطرة والسقاية، يصح، ولو لم يذكر سببا، كغلة وقف أو وصية، لأنه إقرار من مكلف مختار فلزمه، كما لو عين السبب، ويكون لمصالحها، فإذا أسنده لممكن بعد الإقرار صح. وفي وجه عند الحنابلة ذكره التميمي: أن الإقرار للمسجد ونحوه من الجهات لا يصح إلا مع ذكر السبب.

الشرط الثالث: ألا يكذب المقر في إقراره:

يشترط الفقهاء لصحة الإقرار ألا يكذب المقر له المقر فيما أقر به، فإن كذبه بطل إقراره لأن الإقرار مما يرتد بالرد إلا في بعض مسائل: منها الإقرار بالحرية والرق والنسب وولاء العتاقة والوقف والطلاق والميراث والنكاح وإبراء الكفيل وإبراء المدين بعد قوله: أبرئني. فلو قال المقر له للمقر: ليس لي عليك شيء، أو لا علم لي، واستمر التكذيب فلا يؤاخذ بإقراره.

والتكذيب يعتبر من بالغ رشيد.

ونص الشافعية على أنه إن كذب المقر له المقر وكان قد أقر له بعين - ترك المال المقر به في يد المقر في الأصح، لأن يده مشعرة بالملك ظاهرا، والإقرار بالطارئ عارضه التكذيب فسقط، فتبقى يده على ما معه يد ملك لا مجرد استحفاظ. ويقابل الأصح أن الحاكم ينزعه منه ويحفظه إلى ظهور مالكه. وإذا ادعى المقر له جنسا آخر بعد أن كذب المقر حلف المقر.

أما إذا أقر المقر بشيء ثم ادعى أنه كاذب في إقراره حلف المقر له أو وارثه على المفتى به - عند الحنفية - أن المقر لم يكن كاذبا في إقراره. وقيل: لا يحلف، وفي جامع الفصولين: أقر فمات فقال ورثته: إنه أقر كاذبا فلم يجز إقراره، والمقر له عالم به ليس لهم تحليفه، إذ وقت الإقرار لم يتعلق حقهم بمال المقر فصح الإقرار، وحيث تعلق حقهم صار حقا للمقر له.

الركن الثالث: المقر به:

المقر به في الأصل نوعان: حق الله تعالى، وحق العبد. وحق الله تعالى نوعان: حق خالص لله، وحق لله فيه حق وللعبد أيضا.

ولصحة الإقرار بحق الله شروط هي: تعدد الإقرار ، ومجلس القضاء، والعبارة. حتى إن الأخرس إذا كتب الإقرار فيما هو حق الله بيده، أو بما يعرف أنه إقرار بهذه الأشياء يجوز، بخلاف الذي اعتقل لسانه، لأن للأخرس إشارة معهودة فإذا أتى بها يحصل العلم بالمشار إليه، وليس ذلك لمن اعتقل لسانه، ولأن إقامة الإشارة مقام العبارة أمر ضروري، والخرس ضرورة لأنه أصلي، وكذلك فإنه لا يشترط لصحة الإقرار بحق الله تعالى الصحو حتى يصح إقرار السكران، وفي ذلك كله تفصيل وخلاف مبين في الحدود، وعند الكلام عن حق الله تعالى.

وأما حق العبد فهو المال، من العين والدين والنسب والقصاص والطلاق والعتاق ونحوها، ولا يشترط لصحة الإقرار بها ما يشترط لصحة الإقرار بحقوق الله تعالى. فهي تثبت مع الشبهات، بخلاف حقوق الله تعالى.

والشرائط المختصة بحقوق العباد نوعان: نوع يرجع إلى المقر له، وهو أن يكون معلوما على ما سبق، ونوع يرجع إلى المقر به، فيشترط لصحة الإقرار بالعين والدين الفراغ عن تعلق حق الغير.

فإن كان مشغولا بحق الغير لم يصح، لأن حق الغير معصوم محترم، فلا يجوز إبطاله من غير رضاه، فلا بد من معرفة وقت التعلق.

ولما كان الإقرار إخبارا عن كائن، وذلك قد يكون معلوما وقد يكون مجهولا، فإن جهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار بغير خلاف. فلو أتلف على آخر شيئا ليس من ذوات الأمثال فوجبت عليه قيمته، أو جرح آخر جراحة ليس لها في الشرع أرش مقدر فأقر بالقيمة والأرش، فكان الإقرار بالمجهول إخبارا عن المخبر عنه على ما هو به. ويجبر على البيان لأنه هو المجمل، فكان البيان عليه، قال الله تعالى: فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ويصح بيانه متصلا ومنفصلا، لأنه بيان محض فلا يشترط فيه الوصل.

لا بد أن يبين شيئا له قيمة، لأنه أقر بما في ذمته، وما لا قيمة له لا يثبت في الذمة، وإذا بين شيئا له قيمة فإن صدقه المقر له وادعى عليه زيادة، أخذ ذلك القدر المعين، وأقام البينة على الزيادة، وإلا حلفه عليها إن أراد، لأنه منكر للزيادة، والقول قول المنكر مع يمينه، وإن كذبه وادعى عليه مالا آخر أقام البينة، وإلا حلفه عليه، وليس له أن يأخذ ما عينه، لأنه أبطل إقراره بالتكذيب.

وعلى هذا فإذا قال: لفلان علي مال، يصدق في القليل والكثير؛ لأن المال اسم ما يتمول، وهذا يقع على القليل والكثير، ويصح بيانه متصلا ومنفصلا. وبهذا قال الحنفية والشافعية والحنابلة. ونقل ابن قدامة عن أبي حنيفة أنه لا يقبل تفسيره بغير المال الزكوي، وأن بعض أصحاب مالك حكوا عنه ثلاثة أوجه: أحدها كغير المالكية، والثاني: لا يقبل إلا أول نصاب من نصب الزكاة من نوع أموالهم، والثالث: ما يقطع فيه السارق ويصح مهرا .

ويقول الزيلعي: لم يصدق في أقل من درهم؛ لأن ما دونه لا يطلق عليه اسم المال عادة وهو المعتبر.

ولو قال: له علي مال عظيم فالواجب نصاب، لأنه عظيم في الشرع حتى اعتبر صاحبه غنيا. وعن أبي حنيفة أنه لا يصدق في أقل من عشرة دراهم، لأنه نصاب السرقة والمهر، وهو عظيم حيث تقطع به اليد ويصلح مهرا.

ويجبره القاضي على البيان، ولا بد أن يبين ما له قيمة، لأن ما لا قيمة له لا يجب في الذمة، فإذا بين بما لا قيمة له اعتبر رجوعا، والقول قوله مع يمينه، وإن ادعى المقر له أكثر من ذلك فالقول قول المقر مع يمينه.

ولو أقر له بشيء أو حق، وقال: أردت حق الإسلام، لا يصح إن قاله مفصولا، ويصح إن قاله موصولا.

وينص المالكية على أنه إن قال: لك أحد ثوبين، عين المقر. فإن عين له الأدنى حلف إن اتهمه المقر له، وإذا لم يعين بأن قال: لا أدري. قيل للمقر له: عين أنت. فإن عين أدناهما أخذه بلا يمين، وإن عين أجودهما حلف للتهمة وأخذه، وإن قال: لا أدري، حلفا معا على نفي العلم، واشتركا فيهما بالنصف.

وقال المالكية: لو قال: له في هذه الدار حق، أو في هذا الحائط، أو في هذه الأرض، ثم فسر ذلك بجزء منها قبل تفسيره، قليلا كان أو كثيرا، شائعا كان أو معينا.

وينص الحنابلة على أنه إن امتنع عن التفسير حبس حتى يفسر، لأنه ممتنع من حق عليه، فيحبس به، كما لو عينه وامتنع من أدائه. وقال القاضي: يجعل ناكلا ويؤمر المقر له بالبيان. وقالوا: إن مات من عليه الحق أخذ ورثته بمثل ذلك، لأن الحق ثبت على مورثهم فيتعلق بتركته، وقد صارت إلى الورثة، فيلزمهم ما لزم مورثهم، كما لو كان الحق مبينا، وإن لم يخلف الميت تركة فلا شيء على الورثة.

ونص الشافعية على أنه لو فسره بما لا يتمول - لكن من جنسه - كحبة حنطة، أو بما يحل اقتناؤه ككلب معلم، قبل في الأصح ويحرم أخذه ويجب رده. وقيل: لا يقبل فيهما، لأن الأول لا قيمة له فلا يصح التزامه بكلمة « علي »، والثاني: ليس بمال، وظاهر الإقرار المال. وقالوا: لا يقبل تفسيره بنحو عيادة مريض ورد سلام، إذ لا مطالبة بهما، وهم يشترطون أن يكون المقر به مما يجوز به المطالبة أما لو كان قال: له علي حق، فإنه يقبل لشيوع الحق في استعمال كل ذلك..

وكذلك يصرح الحنابلة بأنه متى فسر إقراره بما يتمول في العادة قبل تفسيره وثبت، إلا أن يكذبه المقر له، ويدعي جنسا آخر أو لا يدعي شيئا، فبطل إقراره، وكذا إن فسره بما ليس بمال في الشرع، وإن فسره بكلب غير جائز اقتناؤه فكذلك. وإن فسره بكلب يجوز اقتناؤه، أو جلد ميتة غير مدبوغ ففيه وجهان، الأول: يقبل لأنه شيء يجب رده، والوجه الثاني: لا يقبل، لأن الإقرار إخبار عما يجب ضمانه وهذا لا يجب ضمانه، غير أنهم قالوا: إن فسره بحبة حنطة أو شعير لم يقبل، لأن هذا لا يتمول عادة على انفراده. وقالوا أيضا: إن فسره بحق شفعة قبل، لأنه حق واجب ويئول إلى مال، وإن فسره بحد قذف قبل، لأنه حق يجب عليه - وهم في ذلك كالشافعية - غير أنهم قالوا بالنسبة لحد القذف: يحتمل ألا يقبل لأنه لا يئول إلى مال، والأول أصح وإن فسره برد سلام أو تشميت عاطس ونحوه لم يقبل - خلافا للشافعية - لأنه يسقط بفواته فلا يثبت في الذمة، وقالوا:

يحتمل أن يقبل تفسيره، فهم في هذا كالشافعية.

ولو كان المقر به معلوم الأصل ومجهول الوصف، نحو أن يقول: إنه غصب من فلان ثوبا من العروض، فيصدق في البيان من جنس ذلك سليما كان أو معيبا، لأن الغصب يرد على السليم والمعيب عادة، وقد بين الأصل وأجل الوصف، فيرجع في بيان الوصف إليه فيصح منفصلا، ومتى صح بيانه يلزمه الرد إن قدر عليه، وإن عجز عنه تلزمه القيمة وإن قال: غصبت شيئا فطلب منه البيان ففسره بما ليس بمال قبل، لأن اسم الغصب يقع عليه. قال ابن قدامة: وهو مذهب الشافعي.

وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يقبل تفسيره بغير المكيل والموزون مما لا يثبت في الذمة بنفسه.

ولو أقر بأن ما عنده لغيره كان رهنا، فقال المقر له: بل وديعة، فالقول قول المقر له (المالك) لأن العين تثبت بالإقرار ، وادعى المقر دينا لا يعترف له به والقول قول المنكر، ولأنه أقر بمال لغيره وادعى أن له به تعلقا (حقا في الاحتباس) فلم يقبل، كما لو ادعاه بكلام منفصل، وكذلك لو أقر له بدار وقال: استأجرتها، أو بثوب وادعى أنه خاطه بأجر يلزم المقر له. لم يقبل لأنه مدع على غيره حقا فلا يقبل قوله إلا ببينة.

وإن قال: لك علي ألف من ثمن مبيع لم أقبضه، فقال المدعى عليه: بل لي عليك ألف ولا شيء لك عندي. قال أبو الخطاب: فيه وجهان: أحدهما. القول قول المقر له، لأنه اعترف له بالألف وادعى عليه مبيعا، فأشبه ما إذا قال: هذا رهن، فقال المالك: وديعة، أو له علي ألف لم أقبضها.

الثاني: القول قول المقر وهو قياس المذهب، وهو قول الشافعي وأبي يوسف، لأنه أقر بحق في مقابلة حق له ولا ينفك أحدهما عن الآخر.

ويصرح ابن قدامة بأن الشهادة على الإقرار بالمجهول تقبل، لأن الإقرار به صحيح، وما كان صحيحا في نفسه صحت الشهادة به كالمعلوم.

ونص الشافعية على أنه يشترط في المقر به لصحة الإقرار ألا يكون ملكا للمقر حين يقر، لأن الإقرار ليس إزالة عن الملك، وإنما هو إخبار عن كونه ملكا للمقر له، فلا بد من تقديم المخبر عنه على الخبر، فلو قال: داري أو ثوبي أو ديني الذي على زيد لعمرو ولم يرد الإقرار فهو لغو، لأن الإضافة إليه تقتضي الملك له، فينافي إقراره لغيره ويحمل على الوعد بالهبة. ولو قال: هذا لفلان وكان ملكي إلى أن أقررت به، فأول كلامه إقرار، وآخره لغو، فليطرح آخره فقط، ويعمل بأوله، لاشتماله على جملتين مستقلتين.

كما اشترطوا لإعمال الإقرار - أي التسليم لا لصحته، أن تكون العين المقر بها في يد المقر حسا أو حكما، كالمعار أو المؤجر تحت يد الغير، لأنه عند انتفاء يده عنه يكون مدعيا أو شاهدا، ومتى حصل بيده لزمه تسليمه، لأن هذا الشرط ليس شرط صحة. فلو أقر ولم يكن في يده ثم صار في يده عمل بمقتضى إقراره، واستثنوا من اشتراط أن يكون في يده ما لو باع بشرط الخيار له أو لهما، ثم ادعاه رجل، فأقر البائع في مدة الخيار له به فإنه يصح.

أما لو كانت العين في يده باعتباره نائبا عن غيره كناظر وقف وولي محجور فلا يصح إقراره.

وكذلك صرح الحنابلة باشتراط أن يكون المقر به بيد المقر وولايته واختصاصه، فلا يصح إقراره بشيء في يد غيره، أو في ولاية غيره، كما لو أقر أجنبي على صغير، أو وقف في ولاية غيره أو اختصاصه، لكنهم قالوا بصحة إقراره بمال في ولايته واختصاصه، كأن يقر ولي اليتيم ونحوه أو ناظر الوقف، لأنه يملك إنشاء ذلك.

واشترطوا أن يتصور التزام المقر بما أقر به، أي أن يمكن صدقه، فلو أقر بارتكابه جناية منذ عشرين سنة وعمره لا يتجاوز العشرين، فإن إقراره لا يصح.

الركن الرابع: الصيغة:

الصيغة هي ما يظهر الإرادة من لفظ، أو ما يقوم مقامه من كتابة أو إشارة، وإظهار الإرادة لا بد منه، فلا عبرة بالإرادة الباطنة.

يقول السرخسي: إن ما يكون بالقلب فهو نية، والنية وحدها لا تكفي، ويقول ابن القيم: إن الله تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفا ودلالة على ما في نفوسهم، فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئا عرفه بمراده وما في نفسه بلفظه، ورتب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ، ولم يرتب تلك الأحكام على مجرد ما في النفوس من غير دلالة فعل أو قول، ولا على مجرد ألفاظ مع العلم بأن المتكلم بها لم يرد معانيها.

وصيغة الإقرار نوعان: صريح ودلالة. فالصريح نحو أن يقول: لفلان علي ألف درهم، لأن كلمة (علي) كلمة إيجاب لغة وشرعا. قال الله تعالى: ولله على الناس حج البيت) وكذا لو قال لرجل: هل لي عليك ألف درهم ؟ فقال الرجل: نعم. لأن كلمة نعم بمثابة إعادة لكلامه، وكذا لو قال: لفلان في ذمتي ألف درهم، لأن ما في الذمة هو الدين، فيكون إقرارا بالدين.

هذا ما مثل به الحنفية، ولا تخرج أمثلة غيرهم عن ذلك، والعرف في هذا هو المرجع.

والأمر بكتابة الإقرار إقرار حكما، إذ الإقرار كما يكون باللسان يكون بالبنان، فلو قال للكاتب: اكتب إقرارا بألف علي لفلان، صح الإقرار واعتبر، كتب أو لم يكتب.

ويقول ابن عابدين: إن الكتابة المرسومة المعنونة كالنطق بالإقرار ، ولا فرق بين أن تكون الكتابة بطلب من الدائن أو بلا طلبه. ونقل عن الأشباه لابن نجيم أنه إذا كتب ولم يقل شيئا لا تحل الشهادة، لأن الكتابة قد تكون للتجربة. ولو كتب أمام الشهود وقال: اشهدوا علي بما فيه، كان إقرارا إن علموا بما فيه وإلا فلا.

والإيماء بالرأس من الناطق ليس بإقرار إلا في النسب والإسلام والكفر والإفتاء.

وأما الصيغة التي تفيد الإقرار دلالة فهي أن يقول له رجل: لي عليك ألف، فيقول: قد قبضتها، لأن القضاء اسم لتسليم مثل الواجب في الذمة، فيقتضي ما يعين الوجوب، فكان الإقرار بالقضاء إقرارا بالوجوب، ثم يدعي الخروج عنه بالقضاء فلا يصح إلا بالبينة، وكذا إذا قال: أجلني بها. لأن التأجيل تأخير المطالبة مع قيام أصل الدين في الذمة.

الصيغة من حيث الإطلاق والتقييد:

الصيغة قد تكون مطلقة كما تقدم، وقد تكون مقترنة. والقرينة في الأصل نوعان:

أ - قرينة مبينة (على الإطلاق)، وهي المعينة لبعض ما يحتمله اللفظ، فإن كان اللفظ يحتمل المعنيين على السواء صح بيانه متصلا كان البيان أو منفصلا، وإن كان لأحد الاحتمالين رجحان تسبق إليه الأفهام من غير قرينة لا يصح إن كان البيان منفصلا، ويصح بالنسبة للمتصل إذا لم يتضمن الرجوع.

وبصفة عامة إذا كانت القرينة منفصلة عن الإقرار بأن قال: لفلان علي عشرة دراهم وسكت، ثم قال: إلا درهما، لا يصح الاستثناء عند كافة العلماء وعامة الصحابة، إلا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه يصح، لأن الاستثناء بيان فيصح متصلا ومنفصلا. ووجه قول العامة أن صيغة الاستثناء إذا انفصلت عن الجملة الملفوظة لا تكون كلام استثناء لغة، وقالوا: إن الرواية عن ابن عباس لا تكاد تصح. وبيان ذلك تفصيلا سبق في مصطلح (استثناء).

ب - قرينة مغيرة (من حيث الظاهر) مبينة (حقيقة)، وهذه يتغير بها الاسم لكن يتبين بها المراد، فكان تغييرا صورة، تبيينا معنى، ومنه ما يلي:

أ - تعليق الإقرار على المشيئة:

القرينة المغيرة قد تدخل على أصل الإقرار ، وتكون متصلة به، كتعليق الإقرار على مشيئة الله أو مشيئة فلان. وهذا يمنع صحة الإقرار عند الحنفية، لأن التعليق على المشيئة يجعل الأمر محتملا. والإقرار إخبار عن كائن، والكائن لا يحتمل التعليق. وهو ما ذهب إليه ابن المواز وابن عبد الحكم من المالكية إذ قالا: لو علق الإقرار على المشيئة لم يلزمه شيء، وكأنه أدخل ما يوجب الشك، وهو مفاد قول الشافعية فيمن قرن إقراره بقوله فيما أحسب أو أظن، إذ قالوا: إنه لغو، لعدم إشعارهما بالإلزام. بل وجد لهم تصريح بعدم اللزوم على المذهب، لأنه علق مشيئة إقراره على شرط فلم يصح، ولأن ما علق على مشيئة الله لا سبيل إلى معرفته. قال الشيرازي: إن قال: له علي ألف إن شاء الله لم يلزمه شيء، لأن ما علق على مشيئة الله تعالى لا سبيل إلى معرفته، وإن قال: له علي ألف إن شاء زيد أو قدم فلان لم يلزمه شيء.

ويرى المالكية - عدا ابن المواز وابن عبد الحكم - وكذا الحنابلة أن الإقرار يلزمه، نص عليه أحمد، وقال سحنون: أجمع أصحابنا على ذلك. غير أن الحنابلة يفرقون بين التعليق على مشيئة الله، وبين التعليق على مشيئة الأشخاص.

يقول ابن قدامة: لأنه أقر ثم علق رفع الإقرار على أمر لا يعلم فلم يرتفع. وإن قال: لك علي ألف إن شئت، أو إن شاء زيد لم يصح الإقرار، ولأنه علقه على شرط يمكن علمه فلم يصح.

ويفارق التعليق على مشيئة الله تعالى، لأنها كثيرا ما تذكر تبركا وصلة وتفويضا إلى الله، لا للاشتراط، لقوله تعالي لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين بخلاف مشيئة الآدمي، كما أن مشيئته تعالى لا تعلم إلا بوقوع الأمر، فلا يمكن وقف الأمر على وجودها، ومشيئة الآدمي يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا يتوقف الأمر على وجودها، ويتعين حمل الأمر هنا على المستقبل، فيكون وعدا لا إقرارا. وقال القاضي: لو علق الإقرار على مشيئة المقر له أو شخص آخر صح الإقرار، لأنه عقبه بما يرفعه، فصح الإقرار دون ما رفعه. أي كأنه أقر ثم رجع فلا يصح رجوعه.

ب - تعليق الإقرار على شرط:

وضع الحنابلة قاعدة عامة بأن كل إقرار معلق على شرط ليس بإقرار، لأنه ليس بمقر في الحال، وما لا يلزمه في الحال لا يصير واجبا عند وجود الشرط، لأن الشرط لا يقتضي إيجاب ذلك.

ونص الحنفية على أنه لو أقر بشيء على أن يكون له خيار الشرط، فإن الإقرار صحيح ويبطل الشرط، لأن شرط الخيار في معنى الرجوع، والإقرار في حقوق العباد لا يحتمل الرجوع، لأن الإقرار إخبار فلا يقبل الخيار، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، لأن ما يذكره المقر بعد الإقرار يعتبر رفعا له فلا يقبل كالاستثناء.

ج - تغيير وصف المقر به:

إن كان التغيير متصلا باللفظ كأن يقول: لفلان علي ألف درهم وديعة - كان إقرارا بالوديعة، أما إن كان منفصلا، بأن سكت ثم قال: هي وديعة فلا يصح، ويكون إقرارا بالدين، لأن البيان هنا لا يصح إلا بشرط الوصل، ولو قال: علي ألف درهم وديعة قرضا أو دينا، فهو إقرار بالدين، لجواز أن يكون أمانة في الابتداء ثم يصير مضمونا في الانتهاء، إذ الضمان قد يطرأ على الأمانة متصلا كان أو منفصلا، لأن الإنسان في الإقرار بالضمان غير متهم..

د - الاستثناء في الإقرار :

إن كان الاستثناء من جنس المستثنى منه ومتصلا به، فإن كان استثناء الأقل فلا خلاف في جوازه، كأن يقول: علي لفلان عشرة دراهم إلا ثلاثة فيلزمه سبعة. أما إن كان استثناء الأكثر بأن قال: علي لفلان عشرة دراهم إلا تسعة فجائز في ظاهر الرواية عند الحنفية، ويلزمه درهم وهو الصحيح، لأن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا، وهذا المعنى كما يوجد في استثناء الأقل يوجد في استثناء الأكثر من القليل، وإن كان غير مستحسن عند أهل اللغة، وروي عن أبي يوسف أنه لا يصح وعليه العشرة.

وإن كان استثناء الكل من الكل بأن يقول:

لفلان علي عشرة دنانير إلا عشرة فباطل، وعليه العشرة كاملة، لأنه ليس استثناء، وإنما هو إبطال ورجوع، والرجوع عن الإقرار في حق العباد لا يصح. وقال الشافعية: يصح الاستثناء وهو إخراج ما لولاه لدخل، بنحو « إلا »، وذلك إن اتصل إجماعا، والسكوت اليسير غير مضر، ويضر كلام أجنبي يسير أو سكوت طويل، ويشترط أن يقصده قبل فراغ الإقرار ، ولكونه رفعا لبعض ما شمله اللفظ احتاج إلى نية ولو كان إخبارا، ولم يستغرق المستثنى المستثنى منه، فإن استغرقه كخمسة إلا خمسة كان باطلا بالإجماع إلا من شذ، لما في ذلك من المناقضة الصريحة.

وقال الحنابلة: لو قال: علي ألف إلا ستمائة لزمه الألف لأنه استثنى الأكثر، ولم يرد ذلك في لغة العرب.

ه - الاستثناء من خلاف الجنس:

إن كان الاستثناء من خلاف الجنس - ما لا يثبت دينا في الذمة - فلا يصح عند الحنفية، وعليه جميع ما أقر به، فإن قال: له علي عشرة دراهم إلا ثوبا بطل الاستثناء، خلافا للشافعية.

وإن كان مما يثبت دينا في الذمة بأن قال: لفلان علي مائة دينار إلا عشرة دراهم أو إلا قفيز حنطة، صح عند الشيخين، ويطرح مما أقر به قدر قيمة المستثنى، لأنه إن لم يمكن تحقيق معنى المجانسة في الاسم أمكن تحقيقها في الوجوب في الذمة، فالدراهم والحنطة من حيث احتمال الوجوب في الذمة من جنس الدنانير، وقال محمد بن الحسن وزفر: إن الاستثناء استخراج بعض ما لولاه لدخل تحت نص المستثنى منه، وذلك لا يتحقق إلا إذا اتحد الجنس.

وقال الحنابلة: لا يصح الاستثناء من غير الجنس ولا من غير النوع على ما هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب.

أما الشافعية فقد نصوا على أنه يصح الاستثناء من خلاف الجنس لورود الكتاب وغيره بذلك، يقول الله سبحانه: ( لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ) ويقول: ما لهم به من علم إلا اتباع الظنوقالوا: ويلزم المقر بالبيان، فلو كان أقر لآخر بألف درهم إلا ثوبا لزمه البيان بثوب قيمته دون الألف. وقالوا: ويصح الاستثناء من المعين كهذه الدار إلا هذا البيت.

و - تعقيب الإقرار بما يرفعه:

قال المالكية: لو عقب الإقرار بما يرفعه بأن قال: لك علي ألف من ثمن خمر أو خنزير لم يلزمه شيء، إلا أن يقول الطالب (المقر له): هي ثمن بر أو ما يشبهه فيلزمه مع يمين الطالب. ولو قال: علي ألف من ثمن كذا ثم قال: لم أقبض المبيع، قال ابن القاسم وسحنون وغيرهما: يلزمه الثمن ولا يصدق في عدم القبض. وقيل: القول قوله.

وقال الحنابلة: إذا وصل بإقراره ما يغيره أو يسقطه، كأن يقول: علي ألف من ثمن خمر أو استوفاه الدائن أو من ثمن مبيع فاسد لم أقبضه لزمه الألف، لأن كل ما ذكره بعد الإقرار بالألف يعتبر رفعا له فلا يقبل، كاستثناء الكل.

وفي قوله له: علي من ثمن خمر أو خنزير ألف - لا يجب. ولو قال: كان له علي ألف وقضيته إياه، أو أبرأني منه، أو قضيت منها خمسمائة، فهو منكر، لأنه قول يمكن صدقه ولا تناقض فيه من جهة اللفظ، فوجب قبول قوله بيمينه وهو المذهب. ولا يلزمه شيء كاستثناء البعض استثناء متصلا، بخلاف استثناء البعض المنفصل، لأن الحق قد استقر بسكوته فلا يرفعه استثناء ولا غيره. ولا يصح استثناء ما زاد على النصف، ويصح في النصف - على ما هو المذهب - فما دونه من غير خلاف لأنه لغة العرب.

ز - تقييد الإقرار بالأجل:

إذا أقر شخص بدين عليه لآخر وقال: إنه مؤجل، وادعى المقر له حلوله ولزومه، أي صدقه في الدين وكذبه في التأجيل، فإن الدين يلزمه حالا عند الحنفية، وهو قول للمالكية، لأنه أقر على نفسه بمال، وادعى حقا لنفسه أنكره المقر له، فالقول للمنكر بيمينه.

والقول الآخر للمالكية أن المقر يحلف، ويقبل قوله في التنجيم والتأجيل، وقد اختلف في يمين المقر، وهذا أحوط، وبه كان يقضي متقدمو قضاة مصر وهو مذهب كل من الشافعية والحنابلة.

ح - الاستدراك في الإقرار :

قال الحنفية: إن كان الاستدراك في القدر، فهو على ضربين: إما أن يكون في الجنس كأن يقول: لفلان علي ألف درهم لا بل ألفان، فعليه ألفان وهو قول الجمهور. وقيل: يكون عليه ثلاثة آلاف، وهو قول زفر وهو القياس، والأول استحسان. وجه الاستحسان أن الإقرار إخبار، والمخبر عنه ما يجري الغلط في قدره أو وصفه عادة، فقبل الاستدراك ما لم يكن متهما فيه. بخلاف الاستدراك في خلاف الجنس لأن الغلط لا يقع فيه عادة. ووجه القياس أن قوله: لفلان علي ألف درهم إقرار بألف وهذا لا رجوع فيه، والاستدراك صحيح، فأشبه الاستدراك في خلاف الجنس، فأشبه ما لو قال لامرأته: أنت طالق واحدة بل ثنتين، إذ يقع ثلاث تطليقات.

وإن كان الاستدراك في صفة المقر به، فعليه أرفع الصفتين، لأنه غير متهم في ذلك، أما بالنسبة لأنقصهما فهو متهم، فكان مستدركا في الزيادة راجعا في النقصان، فيصح استدراكه ولا يصح رجوعه، وإن أرجع الاستدراك إلى المقر له، بأن قال: هذه الألف لفلان بل لفلان، وادعاها كل واحد منهما كانت لمن أقر له أولا، لأنه لما أقر له بها صح إقراره له، فصار واجب الدفع إليه، فقوله بعد ذلك رجوع عن الإقرار الأول فلا يصح في حقه، وصح إقراره بها للثاني في حقه - أي الثاني - لكن إن دفعه للأول بغير قضاء ضمن للثاني، لإتلافها عليه بدفعها للأول.

هذا بخلاف ما لو قال: غصبت هذا الشيء من فلان لا بل من فلان، فإنه يدفعه للأول ويضمن للثاني، سواء دفعه للأول بقضاء أو بغير قضاء، لأن الغصب سبب لوجوب الضمان، فكان الإقرار به إقرارا بوجود سبب وجوب الضمان، وهو رد القيمة عند القدرة، وقيمتها عند العجز، وقد عجز عن ردها إلى المقر له الثاني، فيلزمه رد قيمتها.

عدم اشتراط القبول في صحة الإقرار :

الإقرار ليس بعقد حتى تتكون صيغته من إيجاب وقبول. وإنما هو تصرف قولي والتزام من جانب المقر وحده، فليس القبول شرطا لصحة الإقرار ، لكنه يرتد بالرد، والملك يثبت للمقر له بلا تصديق وقبول، ولكن يبطل برده، فالإقرار للحاضر يلزم من جانب المقر حتى لا يصح إقراره لغيره به قبل رده، ولا يلزم من جانب المقر له فيصح رده. أما الإقرار للغائب فإنه وإن كان صحيحا إلا أنه لا يلزم، وإنما يتوقف لزومه على عدم الرد، ولعدم لزومه للمقر صح إقراره لغيره، كما لا يلزم المقر له فيصح له رده. وكل من أقر لرجل بملك فكذبه به بطل إقراره، لأنه لا يثبت للإنسان ملك لا يعترف به، والإقرار بما في الذمة ليس من التبرعات، وفي المال وجهان: يترك في يد المقر لأنه كان محكوما له به فإذا بطل إقراره بقي على ما كان عليه. وقيل: يؤخذ إلى بيت المال لأنه لم يثبت له مالك. وقيل: يؤخذ فيحفظ حتى يظهر مالكه، لأنه لا يدعيه أحد. فإن عاد أحدهما فكذب نفسه دفع إليه، لأنه يدعيه ولا منازع له فيه.

الصورية في الإقرار :

لما كان الإقرار إخبارا يحتمل الصدق والكذب جاز تخلف مدلوله الوضعي،بمعنى أنه قد يكون في الحقيقة كاذبا يترتب عليه أثره لزوما. فإذا ادعى أن مورثه أقر تلجئة، قال بعضهم: له تحليف المقر له، ولو ادعى أنه أقر كاذبا لا يقبل. ووجه الفرق: أن في التلجئة يدعي الوارث على المقر له فعلا له، وهو تواطؤه مع المقر في السر، فلذا يحلف بخلاف دعوى الإقرار كاذبا كما لا يخفى.

ونقل المواق عن سماع أشهب وابن نافع لو سأل شخص ابن عمه أن يسكنه منزلا فقال: هو لزوجتي، ثم قال لثان ولثالث كذلك، ثم طلبت امرأته بذلك فقال: إنما قلته اعتذارا لنمنعه، فلا شيء لها بذلك الإقرار . أي لا يعتبر كلامه إقرارا.

ويقول الشيخ منصور البهوتي الحنبلي: إذا خاف شخص أن يأخذ آخر ماله ظلما جاز له الإقرار - صورة - بما يدفع هذا الظلم، ويحفظ المال لصاحبه، مثل أن يقر بحاضر أنه ابنه أو أخوه أو أن له عليه كذا دينا، ويتأول في إقراره، بأن يعني بكونه ابنه صغره، أو بقوله أخي أخوة الإسلام. والاحتياط أن يشهد على المقر له أن هذا الإقرار تلجئة، تفسيره كذا وكذا. وعلى هذا فالإقرار لا يعتبر ما دام قد ثبتت صوريته، وقواعد الشافعية لا تأبى ذلك.

التوكيل في الإقرار :

الأصل أن التوكيل يجوز في كل ما يقبل النيابة، ومن ذلك الإقرار، كما هو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة وفي قول عند الشافعية، إذ الإخبار من الموكل حقيقة، ومن الوكيل حكما، لأن فعل الوكيل كفعل الموكل، فكأن الإقرار صدر ممن عليه الحق. وصرح الشافعية بأن إقرار الوكيل بالتصرف إذا أنكره الموكل لا ينفذ، كما صرح المالكية بأن إقرار الوكيل يلزم الموكل إن كان مفوضا أو جعل له الإقرار. والأصح عند الشافعية: أن التوكيل في الإقرار لا يجوز. نعم يكون بالتوكيل بالإقرار مقرا لثبوت الحق عليه. وبالنسبة لإقرار الوكيل بالخصومة فإنه لا يقبل إقراره بقبض الدين إلا إذا كان قد فوض في ذلك عند المالكية والشافعية والحنابلة وابن أبي ليلى، لأن الإقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها فلا يملكه الوكيل، ولأن الإذن في الخصومة لا يقتضي الإقرار، فإن أقر بشيء لم يلزم الموكل ما أقر به، ويكون الوكيل كشاهد. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: يقبل إقراره في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص، وقال أبو يوسف: يقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره، لأن الإقرار أحد جوابي الدعوى، فصح من الوكيل بالخصومة كما يصح منه الإنكار، لكن الحنفية يتفقون على أن الموكل إذا نص في عقد الوكالة على أن الوكيل ليس له الإقرار، لم يكن له حق الإقرار في ظاهر الرواية، فلو أقر عند القاضي لا يصح، وخرج به عن الوكالة، كما نصوا على أن التوكيل بالإقرار يصح، ولا يصير الموكل بمجرد التوكيل مقرا خلافا للشافعية، ونقل ابن عابدين عن الطواويسي: معناه أن يوكل بالخصومة ويقول:

خاصم، فإذا رأيت لحوق مئونة أو خوف عار علي فأقر بالمدعى يصح إقراره على الموكل كما في البزازية. وقال ابن عابدين: ويظهر منه وجه عدم كونه إقرارا أي بمجرد الوكيل.

أثر الشبهة في الإقرار :

الشبهة لغة: الالتباس، وشبه عليه الأمر: خلط حتى اشتبه لغيره وعرفها الفقهاء بأنها: ما يشبه الثابت وليس بثابت فهي بهذا تؤثر على الإثبات ومنه الإقرار. فلو احتمل الإقرار اللبس أو التأويل أو شابه شيء من الغموض والخفاء اعتبر ذلك شبهة، والشيء المقر به إما أن يكون حقا لله تعالى أو حقا للعباد. وحقوق العباد تثبت مع الشبهات، بخلاف حقوق الله تعالى، فإن منها ما يسقط بالشبهة، كالزنا والسرقة وشرب الخمر، ومنها ما لا يسقط بالشبهة، كالزكاة والكفارة. على تفصيل يبين في موضعه، وينظر في مصطلح (حق، وشبهة).

وجمهور الفقهاء على عدم الاعتداد بإقرار الأخرس بالإشارة غير المفهمة، لما فيها من الشبهة.

يقول ابن قدامة: وأما الأخرس فإن لم تفهم إشارته فلا يتصور منه إقرار. وإن فهمت إشارته، فقال القاضي: عليه الحد، وهو قول الشافعي وابن القاسم من المالكية وأبي ثور وابن المنذر. لأن من صح إقراره بغير الزنا صح إقراره به كالناطق. وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يحد، لأن الإشارة تحتمل ما فهم منها وغيره، فيكون ذلك شبهة في درء الحد، وهو احتمال كلام الخرقي.

وقد سبق الكلام عن إقرار الصبي والمجنون والسكران والمكره وأثر ذلك كله في الإقرار . كما أن تكذيب المقر له للمقر فيما أقر به، أو ظهور كذب المقر - كمن يقر بالزنا فظهر مجبوبا - مانع من إقامة الحد، لتيقن كذب الإقرار .

ولو أقر بشيء وكذبه المقر له، وكان أهلا للتكذيب، فلا يصح، لأنه منكر، والقول له، كإقراره بدين بسبب كفالة. ويقول الشيرازي: لو أقر لرجل بمال في يده فكذبه المقر له بطل الإقرار، لأنه رده، وفي المال وجهان:

أحدهما: أنه يؤخذ منه ويحفظ لأنه لا يدعيه، والمقر له لا يدعيه، فوجب على الإمام حفظه كالمال الضائع.

والثاني: لا يؤخذ منه، لأنه محكوم له بملكه، فإذا رده المقر له بقي في ملكه.

وفي المغني: لو أقر أنه زنى بامرأة فكذبته فعليه الحد دونها، وبه قال الشافعي، لأن استيفاء ثبوته في حقها لا يبطل إقراره، كما لو سكتت، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا حد عليه لأنا صدقناها في إنكارها فصار محكوما بكذبه.

وينص المالكية على أنه يلزم لإبطال الإقرار بتكذيب المقر له أن يستمر التكذيب، بحيث إذا رجع المقر له إلى تصديقه صح الإقرار ولزم، ما لم يرجع المقر.

كل هذا مما يوجد شبهة في الإقرار . فوجود الشبهة فيه أو وجود ما يعارضه أولى بالاعتداد به من الإقرار نفسه، لأن الأصل براءة الذمة، ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل ثابت يقيني لا يوجد ما يعارضه أو يوهن منه.

الشبهة بتقادم الإقرار في حقوق الله:

جاء في الهداية والفتح: التقادم لا يبطل الإقرار عند محمد، كما في حد الزنا الذي لا يبطل التقادم الإقرار به اتفاقا. وفي نوادر ابن سماعة عن محمد قال: أنا أقيم عليه الحد وإن جاء بعد أربعين عاما. وعندهما لا يقام الحد على الشارب إلا إذا أقر به عند قيام الرائحة. فالتقادم يؤثر على الإقرار بالشرب عندهما فيسقط الحد.

وفي الهداية والفتح والبحر: التقادم يؤثر على الشهادة في حقوق الله عدا حد القذف، لما فيه من حق العبد، لما فيه من رفع العار عنه، بخلاف الإقرار ، فإن التقادم لا يؤثر عليه، ويحد بإقراره مع التقادم إلا في حد الشرب فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف، فإن التقادم فيه يبطل الإقرار خلافا لمحمد.

أما حقوق العباد فإن التقادم لا يؤثر فيها، لا في الإقرار بها ولا في الشهادة عليها. ويقول ابن قدامة: إن أقر بزنا قديم وجب الحد، وبهذا قال الحنابلة والمالكية والأوزاعي والنووي وإسحاق وأبو ثور؛ لعموم الآية ولأنه حق يثبت على الفور فيثبت بالبينة بعد تطاول الزمان كسائر الحقوق. ونقل عن أبي حنيفة أنه قال: لا أقبل بينة على زنا قديم وأحده بالإقرار به، وأنه قول ابن حامد، وذكره ابن أبي موسى مذهبا لأحمد.

الرجوع عن الإقرار :

الرجوع قد يكون صريحا كأن يقول: رجعت عن إقراري، أو كذبت فيه، أو دلالة كأن يهرب عند إقامة الحد، إذ الهرب دليل الرجوع، فإن كان بحق من حقوق الله التي تسقط بالشبهة كالزنا، فإن جمهور الفقهاء: الحنفية والمشهور عند المالكية ومذهب كل من الشافعية والحنابلة على أن الرجوع يعتبر، ويسقط الحد عنه، لأنه يحتمل أن يكون صادقا في الرجوع وهو الإنكار، ويحتمل أن يكون كاذبا فيه، فإن كان صادقا في الإنكار يكون كاذبا في الإقرار ، وإن كان كاذبا في الإنكار يكون صادقا في الإقرار ، فيورث شبهة في ظهور الحد، والحدود لا تستوفى مع الشبهات، وقد روي أن ماعزا لما أقر بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم بالزنا لقنه الرجوع. فلو لم يكن محتملا للسقوط بالرجوع ما كان للتلقين معنى، سواء أرجع قبل القضاء أم بعده، قبل الإمضاء أم بعده. ويستوي أن يكون الرجوع بالقول أو بالفعل بأن يهرب عند إقامة الحد عليه، وإنكار الإقرار رجوع، فلو أقر عند القاضي بالزنا أربع مرات، فأمر القاضي برجمه فقال: ما أقررت بشيء - يدرأ عنه الحد. ولأن من شرط إقامة الحد بالإقرار البقاء عليه إلى تمام الحد، فإن رجع عن إقراره أو هرب كف عنه، وبهذا قال عطاء ويحيى بن يعمر والزهري وحماد ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف. وقال الحسن وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى: يقام عليه الحد ولا يترك، لأن ماعزا هرب فقتلوه ولم يتركوه، ولو قبل رجوعه للزمتهم الدية، ولأنه حق وجب بإقراره، فلم يقبل رجوعه كسائر الحقوق. وحكي عن الأوزاعي أنه إن رجع حد للفرية على نفسه، وإن رجع عن السرقة والشرب ضرب دون الحد.

ونقل الشيرازي عن أبي ثور أنه لا يقبل رجوعه، لأنه حق ثبت بالإقرار فلم يسقط بالرجوع كالقصاص وحد القذف.

واستدل ابن قدامة للجمهور القائلين باعتبار الرجوع بأن « ماعزا هرب، فذكر ذلك للنبي صلي الله عليه وسلم فقال: هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه »

ففي هذا أوضح الدلائل على أنه يقبل رجوعه.

ولأن الإقرار إحدى بينتي الحد، فيسقط بالرجوع عنه كالشهود إذا رجعوا قبل إقامة الحد. وإنما لم يجب ضمان ماعز على الذين قتلوه بعد هربه، لأنه ليس بصريح في الرجوع. أما إن رجع صراحة بأن قال: كذبت في إقراري أو رجعت عنه أو لم أفعل ما أقررت به وجب تركه، فإن قتله قاتل بعد ذلك وجب ضمانه، لأنه قد زال إقراره بالرجوع عنه فصار كمن لم يقر، ولا قصاص على القاتل للاختلاف في صحة الرجوع فكان شبهة.

وقيد الإمام مالك في الرواية غير المشهورة عنه قبول رجوع المقر في حقوق الله التي تسقط بالشبهة بأن يكون الرجوع لوجود شبهة، أما لو رجع عن إقراره بغير شبهة فلا يعتد برجوعه، فقد نص أشهب على أنه لا يعذر إلا إذا رجع بشبهة، وروي ذلك عن مالك، وبه قال ابن الماجشون.

والشافعية في الأصح عندهم لا يعتبرون إلا الرجوع الصريح. ولا يرون مثل الهروب عند تنفيذ الحد رجوعا، فلو قال المقر: اتركوني أو لا تحدوني، أو هرب قبل حده أو في أثنائه لا يكون رجوعا في الأصح، لأنه لم يصرح به، وإن كان يجب تخليته حالا، فإن صرح فذاك وإلا أقيم عليه الحد، وإن لم يخل لم يضمن، لأن النبي  لم يوجب عليهم شيئا في خبر ماعز.

أما من أقر بحق من حقوق العباد أو بحق لله تعالى لا يسقط بالشبهة - كالقصاص وحد القذف وكالزكاة والكفارات - ثم رجع في إقراره فإنه لا يقبل رجوعه عنها من غير خلاف، لأنه حق ثبت لغيره فلم يملك إسقاطه بغير رضاه، لأن حق العبد بعد ما ثبت لا يحتمل السقوط بالرجوع، ولأن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وما دام قد ثبت له فلا يمكن إسقاطه بغير رضاه.

وقد وضح القرافي الإقرار الذي يقبل الرجوع عنه والذي لا يقبل الرجوع عنه، فقال: الأصل في الإقرار اللزوم من البر والفاجر، لأنه على خلاف الطبع. وضابط ما لا يجوز الرجوع عنه، هو ما ليس له فيه عذر عادي، وضابط ما يجوز الرجوع عنه - أن يكون له في الرجوع عنه عذر عادي، فإذا أقر الوارث للورثة أن ما تركه أبوه ميراث بينهم على ما عهد في الشريعة، ثم جاء شهود أخبروه أن أباه أشهدهم أنه تصدق عليه في صغره بهذه الدار وحازها له، فإنه إذا رجع عن إقراره معتذرا بإخبار البينة له، وأنه لم يكن عالما بذلك، فإنه تسمع دعواه وعذره، ويقيم بينته، ولا يكون إقراره السابق مكذبا للبينة وقادحا فيها، فيقبل الرجوع في الإقرار .

وإذا قال: له علي مائة درهم إن حلف - أو مع يمينه - فحلف المقر له، فرجع المقر وقال: ما ظننت أنه يحلف، لا يلزم المقر شيء، لأن العادة جرت بأن هذا الاشتراط يقضي عدم اعتقاد لزوم ما أقر به، والعادة جرت على أن هذا ليس بإقرار. ويقول ابن جزي: من أقر بحق لمخلوق لم ينفعه الرجوع، وإن أقر بحق لله تعالى كالزنا وشرب الخمر فإن رجع إلى شبهة قبل منه، وإن رجع إلى غير شبهة ففيه قولان: قول يقبل منه وفاقا لأبي حنيفة والشافعي. وقيل: لا يقبل منه وفاقا للحسن البصري.

هل الإقرار يصلح سببا للملك ؟

نص الحنفية: على أنه لو أقر لغيره بمال، والمقر له يعلم أنه كاذب في إقراره، لا يحل له أخذه عن كره منه فيما بينه وبين الله تعالى، إلا أن يسلمه بطيب من نفسه، فيكون تمليكا مبتدأ على سبيل الهبة، ونقل ابن عابدين عن ابن الفضل: أن الإقرار لا يصلح سببا للتمليك، وفي الهداية وشروحها: والمقر له إذا صدقه ثم رده لا يصح رده.

وحكمه لزوم ما أقر به على المقر، وعمله إظهار المخبر به لغيره لا التمليك به ابتداء، ويدل عليه مسائل:

أ - أن الرجل إذا أقر بعين لا يملكها يصح إقراره، حتى لو ملكها المقر يوما من الدهر يؤمر بتسليمها إلى المقر له، ولو كان الإقرار تمليكا مبتدأ لما صح ذلك، لأنه لا يصح تمليك ما ليس بمملوك له، وصرح الشافعية بموافقة الحنفية في صحة الإقرار ، لكن لم نجد في كلامهم أن المقر إذا ملك العين يؤمر بتسليمها للمقر له، وكذلك لم نجد من المالكية والحنابلة ذكرا لهذه المسألة.

ب - الإقرار بالخمر للمسلم يصح حتى يؤمر بالتسليم إليه، ولو كان تمليكا مبتدأ لم يصح، لكن ذهب المالكية والحنابلة إلى عدم صحة الإقرار بالخمر، وفرق الشافعية بين الخمر إذا كان محترما أو غير محترم، وصححوا الإقرار بالخمر المحترم.

ج - المريض مرض الموت الذي لا دين عليه إذا أقر بجميع ماله لأجنبي صح إقراره، ولا يتوقف على إجازة الورثة، ولو كان تمليكا مبتدأ لم ينفذ إلا بقدر الثلث عند عدم إجازتهم، وبقولهم مال جمهور العلماء، وعند الحنابلة قولان آخران، قيل: لا يصح مطلقا، وقيل: لا يصح إلا في الثلث.

د - العبد المأذون إذا أقر لرجل بعين في يده صح إقراره، ولو كان الإقرار سببا للملك ابتداء كان تبرعا من العبد، وهو لا يجوز في الكثير. ومثله عند الجمهور إلا أنهم لم يفرقوا بين القليل والكثير.

الإقرار بالنسب:

إذا أقر أحد الورثة بوارث ثالث مشارك لهما في الميراث لم يثبت النسب بالإجماع، لأن النسب لا يتبعض فلا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر، ولا يمكن إثباته في حقهما، لأن أحدهما منكر ولم توجد شهادة يثبت بها النسب. ولكنه يشارك المقر في الميراث في قول أكثر أهل العلم، لأنه أقر بسبب مال لم يحكم ببطلانه فلزمه المال، كما لو أقر ببيع أو بدين فأنكر الآخر. ويجب له فضل ما في يد المقر من ميراثه، وبهذا قال ابن أبي ليلى، ومالك، والثوري، والحسن بن صالح، وشريك، ويحيى بن آدم وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور. وتقسم حصة المقر أثلاثا فلا يستحق المقر له مما في يد المقر إلا الثلث (وهو سدس جميع المال) كما لو ثبت نسبه ببينة، لأنه إقرار بحق يتعلق بحصته وحصة أخيه، فلا يلزمه أكثر مما يخصه، كالإقرار بالوصية، وإقرار أحد الشريكين على مال الشركة، وقال أبو حنيفة: إذا كان اثنان فأقر أحدهما بأخ لزمه دفع نصف ما في يده، وإن أقر بأخت لزمه ثلث ما في يده، لأنه أخذ ما لا يستحق من التركة، فصار كالغاصب، فيكون الباقي بينهما، ولأن الميراث يتعلق ببعض التركة كما يتعلق بجميعها، فإذا ملك بعضها أو غصب تعلق الحق بباقيها، والذي في يد المنكر كالمغصوب فيقتسمان الباقي بالسوية، كما لو غصبه أجنبي.

وقال الشافعي: لا يشارك المقر في الميراث (قضاء)، وحكي ذلك عن ابن سيرين، وقال إبراهيم: ليس بشيء حتى يقروا جميعا، لأنه لم يثبت نسبه فلا يرث، كما لو أقر بنسب معروف النسب. ولأصحاب الشافعي فيما إذا كان المقر صادقا فيما بينه وبين الله تعالى. هل يلزمه أن يدفع إلى المقر له نصيبه ؟ على وجهين: أحدهما: يلزمه (ديانة) وهو الأصح، وهل يلزمه أن يدفع إلى المقر له نصف ما في يده أو ثلثه ؟ على وجهين.

وإن أقر جميع الورثة بنسب من يشاركهم في الميراث ثبت نسبه، سواء أكان الورثة واحدا أم جماعة، ذكورا أم إناثا، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وحكاه عن أبي حنيفة، لأن الوارث يقوم مقام الميت في ميراثه وديونه... وكذلك في النسب، وقد روت السيدة عائشة رضي الله عنهما أن « سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه اختصم هو وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة، فقال سعد:

أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة وأقبضه فإنه ابنه، فقال عبد بن زمعة:

هو أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : هو لك يا عبد بن زمعة » ولأنه حق يثبت بالإقرار فلم يعتبر فيه العدد، ولأنه قول لا تعتبر فيه العدالة فلم يعتبر العدد فيه، والمشهور عن أبي حنيفة أنه لا يثبت إلا بإقرار رجلين أو رجل وامرأتين، وقال مالك: لا يثبت إلا بإقرار اثنين، لأنه يحمل النسب على غيره فاعتبر فيه العدد كالشهادة.

شروط الإقرار بالنسب:

يشترط لصحة الإقرار بالنسب على المقر نفسه:

(1) أن يكون المقر به مجهول النسب.

(2) ألا ينازعه فيه منازع، لأنه إن نازعه فيه غيره تعارضا، فلم يكن إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر.

(3) وأن يمكن صدقه بأن يحتمل أن يولد مثله لمثله.

(4) أن يكون ممن لا قول له كالصغير والمجنون، أو يصدق المقر إن كان من أهل التصديق. فإن كبر الصغير وعقل المجنون فأنكر لم يسمع إنكاره، لأن نسبه قد ثبت فلا يسقط، ولأن الأب لو عاد فجحد النسب لم يقبل منه.

-وإن كان الإقرار عليه وعلى غيره كإقرار بأخ اعتبر فيه الشروط الأربعة السابقة، وشرط خامس، وهو كون المقر جميع الورثة. فإن كان الوارث بنتا أو أختا أو أما أو ذا فرض يرث جميع المال بالفرض والرد، ثبت النسب بقوله عند الحنفية والحنابلة القائلين بالرد، وعند من لا يرى الرد كالشافعي لا يثبت بقوله النسب، لأنه لا يرى الرد ويجعل الباقي لبيت المال، ولهم فيما إذا وافقه الإمام في الإقرار وجهان، يقول الشيرازي: وإن مات وخلف بنتا فأقرت بنسب أخ لم يثبت النسب، لأنها لا ترث جميع المال. فإن أقر معها الإمام ففيه وجهان:

أحدهما: أن يثبت، لأن الإمام نافذ الإقرار في مال بيت المال.

والثاني: أنه لا يثبت لأنه لا يملك المال بالإرث، وإنما يملكه المسلمون وهم لا يتبينون، فلا يثبت النسب. وينص المالكية على أن من أقر بأخ وعم لم يرثه إن وجد وارث، وإلا يكن له وارث أصلا أو وارث غير حائز فخلاف، والراجح: إرث المقر به من المقر جميع المال، سواء أكان الإقرار في حال الصحة أم في حالة المرض، وفي قول: يحلف المقر به أن الإقرار حق.

وإن كان أحد الوارثين غير مكلف كالصبي والمجنون فأقر المكلف بأخ ثالث لم يثبت النسب بإقراره، لأنه لا يحوز الميراث كله، فإن بلغ الصبي أو أفاق المجنون فأقرا به أيضا ثبت نسبه لاتفاق جميع الورثة عليه، وإن ماتا قبل أن يصيرا مكلفين ثبت نسب المقر به لأنه وجد الإقرار من جميع الورثة، فإن المقر صار جميع الورثة، هذا فيما إذا كان المقر يحوز جميع الميراث بعد من مات، فإن كان للميت وارث سواه أو من يشاركه في الميراث لم يثبت النسب، ويقوم وارث الميت مقامه، فإذا وافق المقر في إقراره ثبت النسب، وإن خالفه لم يثبت. وإذا أقر الوارث بمن يحجبه كأخ أقر بابن للميت ثبت نسب المقر به وورث وسقط المقر... وهذا اختيار ابن حامد والقاضي وقول أبي العباس بن سريج. لأنه ابن ثابت النسب لم يوجد في حقه أحد موانع الإرث فيرثه، كما لو ثبت نسبه ببينة، ولأن ثبوت النسب سبب للميراث فلا يجوز قطع حكمه عنه، ولا يورث محجوب به مع وجوده وسلامته من الموانع.

وقال أكثر الشافعية: يثبت نسب المقر به ولا يرث، لأن توريثه يفضي إلى إسقاط توريث المقر، فيبطل إقراره، فأثبتنا النسب دون الإقرار . يقول الشيرازي: إن كان المقر به يحجب المقر، مثل أن يموت الرجل ويخلف أخا فيقر الأخ بابن للميت يثبت له النسب ولا يرث، لأنا لو أثبتنا له الإرث أدى ذلك إلى إسقاط إرثه، لأن توريثه يخرج المقر عن أن يكون وارثا فيبطل إقراره، لأنه إقرار من غير وارث.

وإن أقر رجلان عدلان ابنان أو أخوان أو عمان بثالث ثبت النسب للمقر به، فإن كانا غير عدلين فللمقر به ما نقصه إقرارهما ولا يثبت النسب. إذ المراد بالإقرار هنا الشهادة، لأن النسب لا يثبت بالإقرار ، لأنه قد يكون بالظن ولا يشترط فيه عدالة. وإن أقر عدل بآخر يحلف المقر به مع الإقرار ويرث ولا يثبت النسب بذلك، وإلا يكن المقر عدلا فمذهب المالكية أن للمقر به ما نقصه الإقرار من حصة المقر، سواء كان عدلا أو غير عدل ولا يمين، والتفرقة بين العدل وغيره قول ضعيف عند المالكية على تفصيل مبين عندهم. ويقول ابن قدامة: وإن أقر رجلان عدلان بنسب مشارك لهما في الميراث وثم وارث غيرهما لم يثبت النسب إلا أن يشهدا به، وبهذا قال الشافعي، لأنه إقرار من بعض الورثة فلم يثبت فيها النسب كالواحد، وفارق الشهادة لأنه تعتبر فيها العدالة والذكورية، والإقرار بخلافه.

الرجوع عن الإقرار بالنسب:

ينص الحنفية على أنه يصح رجوع المقر عما أقر فيما سوى الإقرار بالبنوة والأبوة والزوجية وولاء العتاقة، فإن من أقر في مرضه بأخ وصدقه المقر له ثم رجع عما أقر به يصح إن صدقه المقر عليه، لأنه وصية من وجه. وفي شرح السراجية، أنه بالتصديق يثبت النسب فلا ينفع الرجوع.

ويقول الشيرازي: وإن أقر بالغ عاقل ثم رجع عن الإقرار وصدقه المقر له في الرجوع ففيه وجهان:

أحدهما: أنه يسقط النسب، كما لو أقر بمال ثم رجع في الإقرار وصدقه المقر له في الرجوع.

والثاني: وهو قول أبي حامد الإسفراييني أنه لا يسقط، لأن النسب إذا ثبت لا يسقط بالاتفاق على نفيه كالنسب الثابت بالفراش.

ويقرب من هذا الاتجاه الحنابلة، يقول ابن قدامة: وإذا ثبت النسب بالإقرار ثم أنكر المقر لم يقبل إنكاره، لأنه نسب ثبت بحجة شرعية فلم يزل بإنكاره، كما لو ثبت ببينة أو بالفراش، وسواء أكان المقر به غير مكلف أم مكلفا فصدق المقر. ويحتمل أن يسقط نسب المكلف باتفاقهما على الرجوع عنه، لأنه ثبت باتفاقهما فزال برجوعهما كالمال. وقال ابن قدامة: والأول أصح، لأنه نسب ثبت بالإقرار فأشبه نسب الصغير والمجنون، وفارق المال، لأن النسب يحتاط لإثباته.

إقرار الزوجة بالبنوة:

عند الحنفية لا يقبل إقرار الزوجة بالولد وإن صدقها، لأن فيه تحميل النسب على الغير، لأنه ينسب إلى الأب، إلا أن يصدقها الزوج أو تقدم البينة، ويصح إقرار المرأة بالولد مطلقا إن لم تكن زوجة ولا معتدة، أو كانت زوجة وادعت أنه من غير الزوج، ولا يثبت نسبه منه ويتوارثان إن لم يكن لها وارث معروف، لأن ولد الزنا يرث بجهة الأم فقط.

وعن ابن رشد عن المدونة: وإن نظرت امرأة إلى رجل فقالت: ابني، ومثله يولد لها وصدقها لم يثبت نسبه منها، إذ ليس هنا أب يلحق به، وإن جاءت امرأة بغلام مفصول فادعت أنه ولدها لم يلحق بها في ميراث، ولا يحد من افترى عليها به.

وينص الحنابلة على أنه إن أقرت المرأة بولد ولم تكن ذات زوج ولا نسب قبل إقرارها، وإن كانت ذات زوج لا يقبل إقرارها في رواية، لأن فيه حملا لنسب الولد على زوجها ولم يقر به، أو إلحاقا للعار به بولادة امرأته من غيره. وفي رواية أخرى: يقبل، لأنها شخص أقر بولد يحتمل أن يكون منه، فقبل كالرجل.

وقال أحمد في رواية ابن منصور في امرأة ادعت ولدا: فإن كان لها إخوة أو نسب معروف فلا بد من أن يثبت أنه ابنها، فإن لم يكن لها دافع فمن يحول بينها وبينه ؟ وهذا لأنها متى كانت ذات أهل فالظاهر أنها لا تخفى عليهم ولادتها، فمتى ادعت ولدا لا يعرفونه فالظاهر كذبها. ويحتمل أن تقبل دعواها مطلقا، لأن النسب يحتاط له، فأشبهت الرجل.

الإقرار بالزوجية تبعا:

ومن أقر بنسب صغير لم يكن مقرا بزوجية أمه، وبهذا قال الشافعية، لأن الزوجية ليست مقتضى لفظه ولا مضمونه، فلم يكن مقرا بها.

وقال أبو حنيفة: إذا كانت مشهورة بالحرية كان مقرا بزوجيتها، لأن أنساب المسلمين وأصولهم يجب حملها على الصحة. والإقرار بالزوجية صحيح بشرط الخلو من الموانع.

إقرار المرأة بالوالدين والزوج:

نص الفقهاء على جواز إقرار المرأة بالوالدين والزوج، إذ الأنوثة لا تمنع صحة الإقرار على النفس. وقد ذكر الإمام العتابي في فرائضه أن الإقرار بالأم لا يصح، وكذا في ضوء السراج، لأن النسب للآباء لا للأمهات، وفيه حمل الزوجية على الغير. قال صاحب الدر: لكن الحق صحته بجامع الأصالة فكانت كالأب والأصل: أن من أقر بنسب يلزمه في نفسه ولا يحمل على غيره فإقراره مقبول، كما يقبل إقراره على نفسه بسائر الحقوق.

التصديق بالنسب بعد الموت:

ويصح التصديق في النسب بعد موت المقر، لأن النسب يبقى بعد الموت، وكذا تصديق الزوجة لأن حكم النكاح باق، وكذا تصديق الزوج بعد موتها لأن الإرث من أحكامه، وعند أبي حنيفة لا يصح لانقطاع النكاح بالموت.

ونص الشافعية على أن المقر به إذا كان ميتا فإن كان صغيرا أو مجنونا ثبت نسبه، لأنه يقبل إقراره به إذا كان حيا فقبل إذا كان ميتا. وإن كان بالغا عاقلا ففيه وجهان:

أحدهما: لا يثبت لأن نسب البالغ لا يثبت إلا بتصديقه، وذلك معدوم بعد الموت.

والثاني: أنه يثبت وهو الصحيح، لأنه ليس له قول، فيثبت نسبه بالإقرار كالصبي والمجنون..

وقالوا: إن النسب يثبت لمن أقر ببنوة مجهول النسب مستوفيا شروطه - ثبت نسبه مستندا لوقت العلوق.

كما نص الحنفية والمالكية على أن الإقرار بالجد وابن الابن لا يصح، لأن فيه تحميل النسب على الغير، غير أن المالكية قالوا: إن قال المقر: أبو هذا ابني صدق، لأن الرجل إنما يصدق في إلحاق ولده بفراشه، لا بإلحاقه بفراش غيره.

وفي كتب الشافعية أنه إذا كان بين المقر والمقر به واحد، وهو حي - لم يثبت النسب إلا بتصديقه، وإن كان بينهما اثنان أو أكثر لم يثبت النسب إلا بتصديق من بينهما، لأن النسب يتصل بالمقر من جهتهم فلا يثبت إلا بتصديقهم.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الثالث عشر ، الصفحة / 98

تفسير المقر ما أبهمه في الإقرار:

إذا قال ابتداء أو جوابا عن دعوى صحيحة: لفلان علي شيء، ونحو ذلك، صح الإقرار باتفاق الفقهاء، ويجب عليه تفسير

المبهم، فإن فسره بما يتمول قبل تفسيره، قل أو كثر.

وإن فسره بما لا يتمول ولكنه من جنس ما يتمول، كحبة حنطة يقبل عند الشافعية، لأنه شيء يحرم أخذه بغير إذن، ويجب رده على آخذه.

ويشترط الحنفية أن يفسر بذي قيمة، وهو الراجح عند الحنابلة، ووجه عند الشافعية.

وإن لم يكن من جنس ما يتمول فإن كان مما يجوز اقتناؤه لمنفعته كالكلب المعلم أو القابل للتعليم، والسرجين، فيقبل تفسيره به، وإن فسره بما لا يجوز اقتناؤه، كخمر غير الذمي، أو ككلب لا يجوز اقتناؤه، فلا يقبل تفسيره به. وإن فسره بوديعة، أو بحق الشفعة قبل.

وإن امتنع عن التفسير حبس حتى يفسر، لأن التفسير واجب عليه، فيصير بامتناعه عن تفسير ما أقر به مجملا - كمن امتنع عن أداء حق وجب عليه.

وفي وجه عند الشافعية لا يحبس، فإن وقع الإقرار المبهم في جواب دعوى، وامتنع عن التفسير جعل منكرا، ويعرض اليمين عليه، فإن أصر ولم يحلف جعل ناكلا، وحلف المدعي، وإن كان ابتداء بلا سبق دعوى ادعى عليه المقر له بالحق، وقالوا: حيث أمكن حصول الغرض فلا يحبس.

والتفصيل في مصطلح (إقرار).

تقرير

التعريف:

التقرير في اللغة: مصدر قرر، يقال قرر الشيء في المكان: ثبته، وقرر الشيء في محله: تركه قارا، وقرر فلانا بالذنب: حمله على الاعتراف به، وقرر المسألة أو الرأي وضحه وحققه.

ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللغوي، وهو عند الأصوليين - كما ذكر في أقسام السنة: سكوت النبي صلي الله عليه وسلم - عن إنكار قول قيل بين يديه أو في عصره وعمل به، أو سكوته عن إنكار فعل حين فعل بين يديه أو في عصره وعلم به.

الألفاظ ذات الصلة:

أ - الإقرار:

الإقرار لغة: الإذعان للحق والاعتراف به. يقال: أقر بالحق أي اعترف به.

واصطلاحا: إخبار عن ثبوت حق للغير على نفسه، وهو بذلك قد يكون أثرا للتقرير.

ب - السكوت:

السكوت: ترك الكلام والسكوت عن الأمر عدم الإنكار، والصلة بينه وبين التقرير هي أن السكوت عند الفقهاء قد يكون تقريرا وقد لا يكون.

ومن القواعد الفقهية: لا ينسب لساكت قول، لكن هذه القاعدة استثني بها مسائل عديدة اعتبر السكوت فيها تقريرا ومن ذلك:

سكوت البكر عند استئذانها في النكاح.

وقبول التهنئة بالمولود والسكوت على ذلك يعتبر إقرارا بالنسب.

قال الزركشي: السكوت بمجرده ينزل منزلة التصريح بالنطق في حق من تجب له العصمة، ولهذا كان تقريره صلي الله عليه وسلم من شرعه، وكان الإجماع السكوتي حجة عند كثيرين. أما غير المعصوم فالأصل أنه لا ينزل منزلة نطقه إلا إذا قامت قرائن تدل على الرضا فينزل منزلة النطق.

ج - الإجازة:

من معاني الإجازة: الإنفاذ، يقال: أجاز الشيء إذا أنفذه وجوز له ما صنع وأجاز له: أي سوغ له ذلك وأجزت العقد: جعلته جائزا نافذا وهي بهذا المعنى تكون كالتقرير للأمر الذي حدث، ومن ذلك إجازة المالك لتصرف الفضولي عند الحنفية والمالكية.

(الحكم الإجمالي ):

أولا - التقرير عند الأصوليين:

ذكر الأصوليون التقرير باعتباره قسما من أقسام السنة، وصورته: أن يسكت النبي صلي الله عليه وسلم عن إنكار قول قيل بين يديه أو في عصره وعلم به أو سكت عن إنكار فعل فعل بين يديه أو في عصره وعلم به. ويلحق بذلك: قول الصحابي: كنا نفعل كذا، وكانوا يفعلون كذا وأضافه إلى عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان مما لا يخفى مثله عليه.

والتقرير حجة ويدل على الجواز ورفع الحرج، لكن ذلك لا بد وأن يكون مع قدرة النبي صلي الله عليه وسلم على الإنكار، وكون المقرر منقادا للشرع، وكون الأمر المقرر ثابتا لم يسبق النهي عنه.

لأنه لو لم يكن جائزا لما سكت عنه النبي صلي الله عليه وسلم ولما يترتب عليه من تأخير البيان.

وذهبت طائفة إلى أن التقرير لا يدل على الجواز لأن السكوت وعدم الإنكار يحتمل أن النبي صلي الله عليه وسلم سكت لعلمه بأنه لم يبلغه التحريم فلا يكون الفعل إذ ذاك حراما، ويحتمل أنه سكت عنه لأن الإنكار لم ينجح فيه وعلم أن إنكاره ثانيا لا يفيد فلم يعاوده، وبذلك لا يصلح التقرير دليلا على الجواز والنسخ.

وفي الموضوع تفصيل ينظر في الملحق الأصولي.

ثانيا - التقرير عند الفقهاء:

يأتي التقرير عند الفقهاء بمعان ثلاثة:

الأول: بمعنى تثبيت حق المقرر في شيء وتأكيده:

أورد الحنفية التقرير بهذا المعنى في مسألة طلب الشفعة، إذ أنهم يقسمون طلب الشفعة إلى ثلاثة أقسام:

طلب المواثبة، وطلب التقرير، وطلب الخصومة والملك، فطلب المواثبة هو طلب الشفعة في مجلس العلم بها، لبيان أنه غير معرض عن الشفعة والإشهاد ليس بشرط فيه.

وطلب التقرير والإشهاد هو أن يشهد على طلبه عند البائع إ ن كان المبيع في يده، أو عند المبتاع إن كان البائع قد سلمه المبيع أو عند العقار.

فإذا فعل ذلك استقرت شفعته. وهذا الطلب يسمى طلب التقرير أو طلب الإشهاد؛ لأنه بذلك قرر حقه وأكده.

والشفيع إنما يحتاج إلى طلب التقرير بعد طلب المواثبة إذا لم يمكنه الإشهاد عند طلب المواثبة. أما إذا استطاع عند طلب المواثبة الإشهاد عند البائع أو المشتري أو العقار فذلك يكفيه ويقوم مقام الطلبين، والإشهاد إنما هو لإثبات الحق عند التجاحد.

هذا وبقية المذاهب تذكر الإشهاد دون لفظ التقرير، وفي اعتبار الإشهاد شرطا لاستقرار الشفعة أو غير شرط. ينظر مصطلح: (إشهاد، وشفعة) .

الثاني: بمعنى استمرار الأمر الموجود وإبقائه على حاله، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:

أ - في الشركة:

إذا مات أحد الشريكين ولم يتعلق بالتركة دين ولا دية فللوارث الرشيد الخيار بين القسمة وتقرير الشركة، فإن كان على الميت دين فليس للوارث تقرير الشركة إلا بعد قضاء الدين. (ر: شركة)

ب - في القراض:

إذا مات المالك وأراد الوارث الاستمرار على العقد، فإن كان المال ناضا فلهما ذلك بأن يستأنفا عقدا بشرطه، قال النووي: وهل ينعقد بلفظ الترك والتقرير بأن يقول الوارث: تركتك أو قررتك على ما كنت عليه؟ وجهان، أصحهما نعم لفهم المعنى.

وإذا مات عامل المضاربة وأراد المالك تقرير وارث العامل مكانه فتقريره مضاربة مبتدأة لا تجوز إلا على نقد مضروب.

وينظر تفصيل ذلك في مضاربة (قراض).

ج - في القضاء:

الأصل أنه لا يجوز نقض حكم سابق إذا لم يخالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا. بل كان مجتهدا فيه، وهذا في الجملة. لكن هل تقرير القاضي ما رفع إليه يعتبر حكما لا يجوز نقضه؟

عقد ابن فرحون في تبصرته فصلا بعنوان تقرير الحاكم ما رفع إليه. قال: اختلف أهل المذهب (يعني المالكية) هل يكون تقرير الحاكم على الواقعة حكما بالواقع فيها أم لا؟ كما إذا زوجت امرأة نفسها بغير إذن وليها ورفع ذلك إلى قاض حنفي فأقره وأجازه ثم عزل، قال ابن القاسم ليس لغيره فسخه وإقراره عليه كالحكم به، واختاره ابن محرز، وهو ظاهر المدونة، يريد أن ذلك كالحكم فلا يعترضه قاض آخر، وقال عبد الملك: ليس بحكم ولغيره فسخه، وهذا بخلاف ما لو رفع له فقال: لا أجيز النكاح بغير ولي من غير أن يحكم بفسخه فهذه فتوى ولغيره الحكم في تلك الواقعة بما يراه.

وينظر تفصيل ذلك في: (قضاء).

الثالث - التقرير بمعنى طلب الإقرار من المتهم وحمله على الاعتراف

للقاضي تقرير المدعى عليه وذلك بأن يطلب القاضي منه الجواب إما بالإقرار أو بالإنكار.

وإقرار المكره لا يعمل به في الجملة. لكن الفقهاء جعلوا من باب السياسة الشرعية مراعاة شواهد الحال وأوصاف المتهم وقوة التهمة فأجازوا التوصل إلى الإقرار بالحق بما يراه الحاكم استنادا إلى قوله تعالي : ( وإن كان قميصه قد من دبر) وقد فعل ذلك علي بن أبي طالب رضي الله تعالي عنه لما بعثه رسول الله صلي الله عليه وسلم هو والزبير بن العوام في أثر المرأة التي حملت خطاب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، وفي الكتاب إخبار بما عزم عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم من المسير إليهم، فأدرك علي والزبير المرأة واستنزلاها والتمسا في رحلها الكتاب فلم يجدا شيئا فقال لها علي رضي الله تعالي عنه : أحلف بالله ما كذب رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك، فلما رأت الجد منه استخرجت الكتاب من قرون رأسها».

لكنهم اختلفوا هل يكون ذلك للقاضي أو لوالي المظالم؟

فعند الحنفية والمالكية وبعض أصحاب الإمام أحمد أنه يجوز للقاضي وللوالي ضرب المتهم ضرب تقرير لأن القاضي نائب عن الإمام في تنفيذ الأحكام.

وعند الشافعية وبعض أصحاب الإمام أحمد يكون ذلك لوالي المظالم ولا يكون للقاضي، ووجه هذا القول أن الضرب المشروع هو ضرب الحدود والتعزير وذلك إنما يكون بعد ثبوت أسبابها وتحققها.

قال ابن القيم: الدعاوى قسمان: دعوى تهمة ودعوى غير تهمة.

فدعوى التهمة أن يدعي فعل محرم على المطلوب يوجب عقوبته مثل قتل أو قطع طريق أو سرقة أو غير ذلك من العدوان الذي يتعذر إقامة البينة عليه في غالب الأحوال.

ودعوى غير التهمة كأن يدعي عقدا من بيع أو قرض أو رهن أو ضمان أو غير ذلك وكل من القسمين قد يكون حدا محضا كالشرب والزنى، وقد يكون حقا محضا لآدمي كالأموال، وقد يكون متضمنا للأمرين كالسرقة وقطع الطريق. فهذا القسم (أي دعوى غير التهمة) إن أقام المدعي حجة شرعية وإلا فالقول قول المدعى عليه مع يمينه لما روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه».

أما القسم الأول من الدعاوى: وهو دعاوى التهم وهي دعوى الجناية والأفعال المحرمة كدعوى القتل وقطع الطريق والسرقة والقذف والعدوان فهذا ينقسم المدعى عليه فيه إلى ثلاثة أقسام فإن المتهم إما أن يكون بريئا ليس من أهل تلك التهمة، أو فاجرا من أهلها، أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم. فإن كان بريئا لم تجز عقوبته اتفاقا.

واختلفوا في عقوبة المتهم له على قولين: أصحهما أنه يعاقب صيانة لتسلط أهل الشر والعدوان على أعراض البرآء.

قال مالك وأشهب رحمها الله: لا أدب على المدعي إلا أن يقصد أذية المدعى عليه وعيبه وشتمه فيؤدب. وقال أصبغ: يؤدب قصد أذيته أو لم يقصد.

(القسم الثاني): أن يكون المتهم مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام. والمنصوص عليه عند أكثر الأئمة أنه يحبسه القاضي والوالي. هكذا نص عليه مالك وأصحابه وهو منصوص الإمام أحمد ومحققي أصحابه وذكره أصحاب أبي حنيفة.

وقال الإمام أحمد: «قد حبس النبي صلي الله عليه وسلم في تهمة» قال أحمد: وذلك حتى يتبين للحاكم أمره. ثم الحاكم قد يكون مشغولا عن تعجيل الفصل وقد يكون عنده حكومات سابقة فيكون المطلوب محبوسا معوقا من حين يطلب إلى أن يفصل بينه وبين خصمه وهذا حبس بدون التهمة ففي التهمة أولى.

ومنهم من قال: الحبس في التهم إنما هو لوالي الحرب دون القاضي، وقد ذكر هذا طائفة من أصحاب الشافعي كأبي عبد الله الزبيري والماوردي وغيرهما وطائفة من أصحاب أحمد من المصنفين في أدب القضاة وغيرهم واختلفوا في مقدار الحبس في التهمة هل هو مقدر أو مرجعه إلى اجتهاد الوالي والحاكم؟ على قولين ذكرهما الماوردي وأبو يعلى وغيرهما فقال الزبيري: هو مقدر بشهر وقال الماوردي: غير مقدر.

(القسم الثالث): أن يكون المتهم معروفا بالفجور كالسرقة وقطع الطريق والقتل ونحو ذلك. قال ابن القيم: ويسوغ ضرب هذا النوع من المتهمين كما «أمر النبي صلي الله عليه وسلم الزبير بتعذيب المتهم الذي غيب ماله حتى أقر به في قصة ابن أبي الحقيق».

قال شيخنا: واختلفوا فيه هل الذي يضربه الوالي دون القاضي أو كلاهما أو لا يسوغ ضربه؟ على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه يضربه الوالي أو القاضي هذا قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهم منهم أشهب بن عبد العزيز قاضي مصر فإنه قال:

يمتحن بالحبس والضرب ويضرب بالسوط مجردا.

والقول الثاني: أنه يضربه الوالي دون القاضي وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وأحمد حكاه القاضيان (أبو يعلى والماوردي) ووجه هذا أن الضرب المشروع هو ضرب الحدود والتعزير وذلك إنما يكون بعد إثبات أسبابها وتحققها.

والقول الثالث: أنه لا يضرب. وهذا قول أصبغ وكثير من الطوائف الثلاثة بل قول أكثرهم لكن حبس المتهم عندهم أبلغ من حبس المجهول.

ثم قالت طائفة منهم عمر بن عبد العزيز ومطرف وابن الماجشون أنه يحبس حتى يموت ونص عليه الإمام أحمد في المبتدع الذي لم ينته عن بدعته أنه يحبس حتى يموت، وقال مالك: لا يحبس إلى الموت.

والذين جعلوا عقوبته للوالي دون القاضي قالوا: ولاية أمير الحرب معتمدها المنع من الفساد في الأرض وقمع أهل الشر والعدوان وذلك لا يتم إلا بالعقوبة للمتهمين المعروفين بالإجرام بخلاف ولاية الحكم فإن مقصودها إيصال الحقوق إلى أربابها قال شيخنا: وهذا القول هو في الحقيقة قول بجواز ذلك في الشريعة لكن كل ولي أمر يفعل ما فوض إليه فكما أن ولي الصدقات يملك من القبض والصرف ما لا يملكه والي الخراج وعكسه كذلك والي الحرب ووالي الحكم يفعل كل منهما ما اقتضته ولايته الشرعية مع رعاية العدل والتقيد بالشريعة.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / السابع عشر ، الصفحة / 138

- الإقرار:

شروط الإقرار في الحدود قسمان:

شروط تعم الحدود كلها: وهي البلوغ والعقل والنطق، فلا يصح إقرار الصبي، لأن سبب وجوب الحد لا بد أن يكون جناية، وفعل الصبي لا يوصف بكونه جناية.

وكذلك لا بد أن يكون الإقرار بالخطاب والعبارة دون الكتاب والإشارة، لأن الشرع علق وجوب الحد بالبيان المتناهي، ولذلك لو أقر بالوطء الحرام لا يقام عليه الحد ما لم يصرح بالزنى.

ويقبل إقرار الأخرس بالإشارة المفهمة عند الحنابلة والشافعية ولا تقبل عند الحنفية والمالكية وهو احتمال للخرقي من الحنابلة وتفصيله في: (إقرار).

شروط تخص بعض الحدود منها:

أ - تكرار الإقرار:

ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يشترط أن يقر الزاني أو الزانية أربع مرات، وبهذا قال الحكم وابن أبي ليلى وإسحاق.

ويرى المالكية والشافعية أن تكرار الإقرار ليس بشرط، ويكتفى بإقراره مرة واحدة، وبه قال الحسن وحماد وأبو ثور والطبري وابن المنذر وجماعة. لأن الإقرار إنما صار حجة في الشرع لرجحان جانب الصدق فيه على جانب الكذب، وهذا المعنى عند التكرار والتوحيد سواء، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» فعلق الرجم على مجرد الاعتراف.

واستدل الحنفية والحنابلة بما روي «أن ماعزا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر بالزنى، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه الكريم إلى الأربع» فلو كان الإقرار مرة موجبا للحد لما أخره إلى الأربع.

ب - اشتراط عدد المجالس:

اختلف في اشتراط عدد مجالس الإقرار عند من اشترط تكراره، وكون الإقرار بين يدي الإمام، وكون الزاني والمزني بها ممن يقدر على دعوى الشبهة، وكون الزاني ممن يتصور منه وجود الزنى، وفي ذلك تفصيل ذكر في كل حد من الحدود وفي مصطلح: (إقرار)

أثر علم الإمام أو نائبه في الحدود:

ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية في قول: إلى أنه ليس للإمام أو نائبه إقامة الحد بعلمه، لقوله تعالى : ( فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال أيضا: ( فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) وبه قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

وقال الشافعية في قول آخر: له إقامته

بعلمه، وهو قول أبي ثور. لأنه إذا جازت له إقامته بالبينة والاعتراف الذي لا يفيد إلا الظن، فما يفيد العلم هو أولى.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / التاسع عشر ، الصفحة / 95

إقرار الأخرس :

- تعتبر الإشارة من الأخرس إذا كانت مفهومة قائمة مقام العبارة في إقراره، وكذا الكتابة منه، ويؤخذ بذلك في كل ما أقر به من حقوق العباد بما في ذلك القصاص. وهذا باتفاق الفقهاء إلا في قول عند الحنفية: إن القصاص لا يثبت بإقرار الأخرس .

واختلف في إقرار الأخرس بما يوجب الحد كالقذف والزنى والسرقة.

فذهب المالكية والشافعية والحنابلة وأبو ثور وابن المنذر إلى أن الأخرس يؤخذ بإقراره بما يوجب الحد؛ لأن من صح إقراره بغير ما يوجب الحد صح إقراره بما يوجبه كالناطق.

وذهب الحنفية - وهو احتمال لكلام الخرقي من الحنابلة ذكره صاحب المغني - إلى أن الأخرس لا تعتبر إشارته أو كتابته في إقراره بما يوجب الحد؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات لكونها حق الله تعالى .

وينظر التفصيل في مصطلح (إقرار ف 54 - 58، وحد، وقصاص).

الخطأ في الإقرار والغلط فيه :

- قال الشافعية: إذا رجع المقر في حال تكذيب المقر له، بأن يقول غلطت في الإقرار، قبل قوله في الأصح بناء على أن المال المقر به يترك في يده، والثاني: لا، بناء على أن الحاكم ينتزعه منه، وهذه المسألة مبنية على مسألة أخرى هي أنه إذا كذب المقر له المقر بمال كثوب هل يترك المال في يد المقر أو ينتزعه الحاكم ويحفظه إلى ظهور مالكه ؟ فالأصح عندهم أن المال يترك في يده، ومقابل الأصح ينتزع منه فالمسألة الأولى مبنية على هذه .

وينظر التفصيل في مصطلح: (إقرار).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 252

ما يثبت به الرضاع:

يثبت الرضاع بالإقرار أو بالبينة.

الإقرار بالرضاع:

إذا تزوج رجل امرأة ثم قال: هي أختي أو ابنتي من الرضاع انفسخ النكاح.

فإن كان قبل الدخول وصدقته المرأة فلا مهر لها، وإن كذبته فلها نصفه.

وإن كانت المرأة هي التي قالت: هو أخي من الرضاعة فأكذبها ولم تأت بالبينة، فهي زوجته في الحكم.

وهذا إن كان الإقرار ممكنا. فإن لم يكن ممكنا، بأن يقول: فلانة بنتي من الرضاعة وهي أكبر منه سنا فهو لغو.

الرجوع عن الإقرار:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه إذا صح الإقرار، فرجع عنه المقر أو رجعا لم يقبل قضاء، وأما فيما بينه وبين ربه فينبني ذلك على علمه بصدقه. فإن علم أن الأمر كما قال فهي محرمة عليه ولا نكاح بينهما، وإن علم كذب نفسه فالنكاح باق بحاله، وقوله كذب لا يحرمها عليه؛ لأن المحرم حقيقة الرضاع لا القول.

وقال الحنفية: إن ثبت على الإقرار بأن قال: هو حق، فرق بينهما، وإن قال: أخطأت أو وهمت، لم يفرق بينهما وقبل رجوعه.

وإن اتفق الزوجان على أن بينهما رضاعا محرما فرق بينهما، ويسقط المهر المسمى؛ لأنهما اتفقا على أن النكاح فاسد من أصله، ففسد المسمى ووجب مهر المثل إن كانت جاهلة بالتحريم ودخل بها؛ لأنها كالموطوءة بالشبهة. وإن كانت عالمة بالتحريم ومكنته من الوطء فلا شيء لها؛ لأنها بغي مطاوعة، وكذا إن كانت غير مدخول بها؛ لاتفاقهما على فساد النكاح من أصله ولم يدخل بها، فلا موجب للمهر.

وقال المالكية: لها ربع دينار ذهبا فقط. وإن أقر الزوج بالرضاع وأنكرت هي، حكم ببطلان النكاح وفرق بينهما، ولزمه المسمى إن كان صحيحا أو مهر المثل إن كان فاسدا إن كانت مدخولا بها، ونصف المسمى أو نصف مهر المثل إن كانت غير مدخول بها؛ لأن قوله غير مقبول عليها في إسقاط حقوقها، فلزمه بإقراره فيما هو حق له وهو تحريمها عليه، وفسخ نكاحه، ولم يقبل قوله فيما عليه من المهر

هذا إذا لم تكن بينة، وله تحليفها قبل الدخول، وكذا بعده إن كان مهر المثل أقل من المسمى، فإن نكلت الزوجة عن اليمين حلف الزوج، ولا شيء لها قبل الدخول، ولا يجب لها أكثر من مهر المثل بعد الدخول.

إقرار الزوجة بالرضاع:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الزوجة إن ادعت الرضاع بينها وبين الزوج فأنكر الزوج ولا بينة لم ينفسخ النكاح؛ لأنه حق عليها، وإن كان قبل الدخول فلا مهر لها؛ لأنها تقر بأنها لا تستحقه.

فإن كانت قد قبضته لم يكن للزوج أخذه منها؛ لأنه يقر بأنه حق لها، وإن كان بعد الدخول فأقرت بأنها كانت عالمة بأنها أخته، وبتحريمها عليه ومطاوعة له في الوطء فلا مهر لها؛ لأنها أقرت بأنها زانية مطاوعة، وإن أنكرت شيئا من ذلك فلها المهر؛ لأنه وطء بشبهة، وهي زوجته في ظاهر الحكم؛ لأن قولها عليه غير مقبول.

وقال الشافعية: إن أقرت الزوجة بالرضاع وأنكر الزوج، صدق بيمينه إن زوجت منه برضاها، بأن عينته في إذنها لتضمنه إقرارها بحلها له، فلم يقبل منها نقيضه، وتستمر الزوجية ظاهرا بعد حلف الزوج على نفي الرضاع. وإن لم تزوج برضاها بل زوجت إجبارا، أو أذنت بغير تعيين الزوج، فالأصح عندهم تصديقها بيمينها ما لم تمكنه من وطئها مختارة لاحتمال صحة ما تدعيه، ولم يسبق منها ما ينافيه، فأشبه إقرارها قبل النكاح، ولها مهر مثلها إن وطئ ولم تكن عالمة بالحكم مختارة في التمكين، لا المسمى لإقرارها بنفي استحقاقها. فإن قبضته لم يسترد منها لزعمه أنه لها، وإن لم يدخل بها أو كانت عالمة بالتحريم مختارة في التمكين فلا شيء لها؛ لأنها بغي مطاوعة. والمنكر للرضاع يحلف على نفي العلم؛ لأنه ينفي فعل الغير، ومدعيه يحلف على البت.

نصاب الشهادة على الرضاع:

اختلف الفقهاء في نصاب الشهادة على الرضاع: فذهب الحنفية إلى أنه يثبت بشهادة العدول، رجلين أو رجل وامرأتين، ولا يقبل أقل من ذلك، ولا شهادة النساء بانفرادهن.

واستدلوا بقول عمر رضي الله عنه : «لا يقبل على الرضاع أقل من شاهدين وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم يظهر النكير من أحد، فصار إجماعا.

ولأن هذا مما يطلع عليه الرجال في الجملة، فلا يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد؛ لأن قبول شهادتهن بانفرادهن في أصول الشرع للضرورة، وهي ضرورة عدم اطلاع الرجال على المشهود به، فإذا جاز الاطلاع عليه في الجملة لم تتحقق الضرورة.

وقال المالكية: يثبت الرضاع بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين مطلقا قبل العقد وبعده. ويعمل قبل العقد في غير الرشيد بإقرار أحد الأبوين، ولو أما، وأولى بإقرارهما معا، فيفسخ إذا وقع، ولا يعتبر إقرارهما بعده. وأما بعد العقد فيقبل شهادة رجل وامرأة، أو شهادة امرأتين إن فشا ذلك قبل العقد، ولا يقبل شهادة امرأة واحدة ولو فشا ذلك.

وقال الشافعية: يثبت الرضاع بشهادة رجلين، وبرجل وامرأتين، وبأربع نسوة؛ لأنه مما لا يطلع الرجال عليه إلا نادرا، ولا يثبت بدون أربع نسوة.

وقال الحنابلة: يثبت الرضاع بشهادة المرأة المرضية. واستدلوا بحديث «عقبة قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فأتيت النبي صلي الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: كيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما» وهو يدل على الاكتفاء بالمرأة الواحدة.

أما الإقرار بالرضاع فلا يثبت إلا بشهادة رجلين عليه إن أقر بذلك، وهذا عند الشافعية والحنابلة والتفصيل في: باب الشهادة».

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الثالث والعشرون ، الصفحة / 15

ثبوت الرق بالإقرار:

قال الحنفية: إذا كان صبي مجهول النسب في يد رجل وهو يعبر عن نفسه، أي يعقل فحوى ما يجري على لسانه، وادعى الرجل رقه، فقال الصبي: أنا حر، فالقول قوله؛ لأنه في يد نفسه، ولو قال: أنا عبد لفلان - لغير من هو في يده - فهو للذي هو في يده؛ لأنه أقر بالرق، وإن كان لا يعبر عن نفسه فهو للذي هو في يده.

وأما الصبي الذي يعبر عن نفسه إذا أقر بالرق وهو مجهول النسب فهو رقيق، ومن باب أولى من كان عند إقراره بالغا.

وعند الحنابلة لا يثبت الرق بإقرار الصبي المميز ويثبت بإقرار البالغ لكن إن أقر بالرق من هو ثابت الحرية لم يصح إقراره، فلو أقرت حرة لزوجها بأنها أمته، فباعها للجوع والغلاء، فوطئها المشتري، قال المالكية: فلا حد عليها ولا تعزير؛ لعذرها بالجوع، ويرجع المشتري على زوجها بالثمن أي لأنها حرة فلا ترق بذلك.

 

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩