loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 410 الملغاة من القانون المدني والمقابلة للمادة 114 من قانون الإثبات:

1 ـ ليس لأحكام هذه المادة نظير إلا في المشروع الفرنسي الإيطالي ( المادة 311 ) . ويراعى أنها تجعل توجيه اليمين الحاسمة موقوفاً على إذن من القاضي . فهذه اليمين ليست كما يصورها الفقه موکولة هوى الخصوم ، تأثراً في ذلك بإلتزام ظاهر النصوص ، وهي ليست من شأن الخصوم وحدهم ، كما قضت بذلك بعض المحاكم المصرية ( استئناف مختلط 15 مايو سنة 1913 ب 25 ص 379 و 19 مايو سنة 1921 ب 33 ص 351 ) . وقد قصد المشروع إلى اتقاء ما ينجم من الأخطار عن الخطأ في تصوير العين ، بإعتبارها طريقاً من طرق الإثبات ، فهي ليست صلحاً ، بل هي ترجع في أصلها إلى الذمة ومقتضيات الأخلاق والعدالة . وقد استند القضاء المصري خطأ إلى توافر معنى الصلح فيها ( استئناف مختلط 27 مايو سنة 1903 ب 15 ص 319 و 19 مایو سنة 1921 ب 33 ص 351) فقرر أن دواعي الحرج لا يجوز أن تحول دون أدائها ، ولو اتصلت بالعقائد الدينية ( استئناف مختلط 6 مایو سنة 1908 ب 20 ص 211 و 14 مايو سنة 1919 ب 31 ص 300 ). بيد أن أحكاماً كثيرة أخرى أثبتت للقاضي حق رفض طلب توجيه يمين كيدية ( استئناف مختلط 10 يناير سنة 1906 ب 18 ص 94 و 21 ديسمبر سنة 1921 ب 34 ص 69) أو غير مجدية ( استئناف مختلط 16 ابريل سنة 1902 ب 14 ص 246 و 10 يناير سنة 1906 ب 18 ص 94) وتركت له مطلق السلطة في تقدير الظروف التي تملى عليه ذلك .

ويكاد ينعقد إجماع القضاء في فرنسا وبلجيكا على أن للقاضي أن يقدر :

(أ) ملائمة توجيه اليمين وأن يرفض توجيهاً إذا قصد منها الكيد .

 (ب) وأن له أن يقدر ضرورة توجيه اليمين وأن يرفض توجيهها ، إذا كانت الوقائع التي توجه بشأنها غير قريبة الاحتيال، أو سبق أن قام الدليل عليها بطرق أخرى من طرق الإثبات ( نقض بلجيكي 23 نوفمبر 1876 بازینومی سنة 1877- 1 ص 26 و نقض فرنسي 16 يولية سنة 1900 داللوز سنة 1901 - 4 ص 27) .

والواقع أن من المروءات والذم والعقائد الدينية ما قد يتيح لسيء النية استغلال حرص خصمه على قضاء واجب أخلاق أو ديني ، ولذلك رؤی تضمين النص حكماً يعين على تحامي مثل هذا الاستغلال . ويراعي من ناحية أخرى أن الدين قد تقررت بوصفها طريقاً من طرق الإثبات ، الإسعاف المدعى بالدليل عند تخلفه لا لنقض دلیل تم تحصيله بطريق من سائر الطرق ولهذا يجب أن يتاح للقاضي أن يرفض توجيه اليمين إذا لم تكن مجدية ، ويقع ذلك حيث يقام الدليل على الواقعة التي يراد الإستخلاف عليها بطريق آخر.

وقد نصت المادة 225/ 290 من التقنين المدني على أن «التكليف باليين يؤخذ منه أن طالبها ترك حقه فيما عداها من أوجه الثبوت ». ولما كانت العين قد شرعت للإسعاف بالدليل عند تخلفه ، فليس ثمة وجه لإيراد مثل هذا النص في المشروع، ولاسيما وأن تقنين المرافعات المصري ( المادة 166/ 187 ) قد جاء بالحكم نفسه ، بعد أن قرر عدم جواز «التكليف بالعين الحاسمة من باب الاحتياط» . ولذلك اقتنى المشروع أثر المشروع الفرنسي الإيطالي وأثبت للقاضي حق الترخيص، كتدبير وقائي، ولو أنه حرمه من كل سلطة في الرقابة متى حلفت اليمين الحاسمة، حتى تكون حجة قاطعة في الإثبات . فللقاضي أن يقدر ما إذا كان ثمة محل للترخيص بتوجيه اليمين ، وفقاً للأحوال من ناحية، ووفقاً لصفات الأشخاص من ناحية أخرى .

وهذا الترخيص مستقل عن التثبت من توافر شروط قبول توجيه اليمين . وغني عن البيان أن قطع المشروع بالرأي ، على هذا الوجه ، يضع حداً لخلاف طال عهد القضاء به .

2 - وقد استقى المشروع نص الفقرة الثانية من هذه المادة من التقنين الفرنسي ( المادة 1362 ) والتقنين الإيطالي ( المادة 1369 ) والتقنين الهولندي (المادة 1979) والمشروع الفرنسي الإيطالي (المادة 315 ). ويراعى أن هذا النص ليس إلا نتيجة لازمة لما الموضوع اليمين من صبغة شخصية ، فشروط القبول التي يتطلبها القانون لتوجيه اليمين يجب توافرها أيضاً بالنسبة لردها . والواقع أن اليمين التي توجه من أحد الخصوم تنصب على أداء الخصم الآخر، ويقضي المنطق بعدم جواز الاستحلاف على صحة واقعة إلا إذا كانت متعلقة بشخص الحالف فإذا لم يكن الحصان مشتركين في الواقعة ، بل كانت يستقل بها من وجهت إليه اليمين ، فلا يجوز لهذا الأخير أن يرد هذه العين على خصمه . ذلك أن اليمين تكون غير جائزة القبول ، في هذه الحالة ، لتعلقها بواقعة ليست خاصة بشخص من يطلب استحلافه .

3- أما فيما يتعلق بطبيعة العين الحاسمة ، فالرأي في الفقه على أن المين تعاقد ، أو صلح بعبارة أخص . وقد جرى القضاء المصري على هذا الرأي ( استئناف مختلط 27 مایو سنة 1903 ب 15 ص 319 و 19 مايو سنة 1921 ب 33 ص 351) . بيد أن مذهب الفقه والقضاء في هذا الشأن قد استهدف لنقد فريق من الفقهاء وقد ذكر هذا الفريق أن الأعمال التحضيرية للقانون الفرنسي قد جاء بها ما يؤخذ منه أن اليمين ليست سوى احتكام إلى الذمة . ويراعى أولاً أن كل تعاقد يفترض إيجاباً وقبولاً ، والملحوظ في القبول هو ثبوت الخيار لا التسليم على سبيل الإلزام، فإن انتفي هذا الخيار فليس ثمة تراض أو تعاقد. بيد أن من توجه اليمين إليه لا يستطيع أن يرفض مشيئة من وجهها ، وأن يطلب إقامة الدليل على الدعوى أو الدفع بطرق الإثبات الأخرى ، بل يتعين عليه بحكم القانون أن يعمل الرخصة التي يثبتها له على وجه من وجوهها الثلاثة : فإما أن يؤدي اليمين ، وإما أن ينكل عنها ، وإما أن يردها .

ومؤدى هذا أن اليمين ليست تعاقداً ، وهي ليست كذلك من الصلح في شيء لأن الصلح يفترض تنازل كل من المتعاقدين عن جانب من مزاعمه ، أما من يوجه اليمين فهو لا يملك طريقاً من طرق الإثبات بل هو يوقن ابتداء بخسارة دعواه ، وهو بالإلتجاء إلى اليمين لا يتنازل عن شيء ما، لأن توجيه هذه العين يتمحض لمنفعته . والواقع أن اليمين ليست إلا تأكيد واقعة أمام القاضي ، في ظل ضمانة من الذمة أو العقيدة الدينية ، وهي بهذا الوصف ليست إلا علاجاً من مساوئ نظام تقیید الدليل ، بإعتبار هذا النظام ضرورة لا معدى عنها لتأمين استقرار المعاملات ، وإن كان تطبيقه في نطاق العمل قد يسفر عن نتائج تناقض العدالة . فادعاء من فاته تحصيل الدليل المقرر من جراء إهمال أو إسراف في الثقة قد يكون صحيحاً ، رغم انتفاء هذا الدليل ، ولو التزمت الأحكام العامة في القانون ، لترتب عليها إخفاقه ، لكن العدالة - تقتضي الترخيص له بالإحتكام إلى ذمة خصمه .

ولذلك لا ينبغي تقصى طبيعة اليمين من الناحية الفقهية ، في أحكام القانون المدني ، لأن اليمين نظام تقتضيه العدالة ، ولم يجد القانون بداً من إقراره لتخويل من فاته تحصيل الدليل المطلوب حق الاحتكام إلى ذمة خصمه أو مروءته أو شعوره الديني .

وتصوير اليمين، على هذا الوجه، ينهض أساساً مقبولاً لتخويل من وجهها حق إلزام خصمه بترك التقيد بأحكام القانون ، والإقتصار على حدود العدالة . والواقع أن حق الخصم في الإحتكام إلى ذمة خصمه يقابله التزام الخصم الآخر بالإستجابة لتلك الدعوة ، وإلا أصبح هذا الحق مجرداً من الأثر والجدوى فالخصم يلتزم بحكم القانون بالتخلي عن التقيد بقواعد القانون والإحتكام إلى العدالة ، بيد أن حق الإحتكام إلى الذمة قد أثبته القانون للخصم الآخر أيضاً ، واحتفظ له به ، إذ جعل له أن يرد اليمين ويحتكم بذلك إلى ذمة من وجهها إليه.

ويتفرع على ذلك أن الخصمين ينزلان من هذا النظام المستمد من العدالة منزلة -  سواء، لأن لكل منهما أن يحتكم إلى ذمة الآخر على وجه التبادل .       

ثم إن القول بأن فكرة التصرف المنعقد بإرادة واحدة ، هي أساس النتيجة التي تسفر عنها اليمين ، وأن اليمين تكون حجة قاطعة لأن من يوجهها يلتزم بإرادته المنفردة بالإحتكام إلى ذمة خصمه ، يجافي المنطق كذلك . والواقع أن القانون هو الذي يخول من يعوزه الدليل حق الاحتكام إلى ذمة خصمه ، ولكنه عندما يمنحه هذا الحق يعين آثاره ، وهي تنحصر في قبول الطلب او الدفع أو رفضه ، بحسب ما إذا كانت العين التي توجه أو ترد تؤدى أو ينكل عنها .

الأحكام
1- المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه يجوز الطعن في الأحكام الصادرة بناءً على النكول عن حلف اليمين الحاسمة متى كان مبنياً على أن اليمين غير جائز توجيهها أو أنها وجهت في غير حالاتها أو على بطلان إجراءات توجيهها ، لعدم إعلان المدعى عليه بالدعوى إعلاناً صحيحاً على موطنه أو عدم تمام إعلانه بحكم حلف اليمين أو أن لديه عذرا منعه من الحضور للحلف ، فإذا تمسك بهذه الأمور يتعين على المحكمة الفصل في منازعته ، وأن ترد عليها بما يسقطها أو أن تحدد له جلسة لحلفها إن رأت توجيهها إليه وعلى محكمة الاستئناف أن تعمل ذلك وأن تستدرك ما فات محكمة أول درجة بخصوص هذه المنازعة سواء بخصوص الإعلان بالحكم الصادر بتوجيه اليمين أو غيرها من تلك الأمور ولا يجوز اعتبار المدعى عليه ناكلاً قبل الفصل في هذه المنازعة ؛ لما كان ذلك ، وكان الحكم التمهيدي الصادر من محكمة الاستئناف بجلسة 12 / 4 / 2017 قد أقام قضاءه برفض الدفع المبدى من الطاعن بشأن عدم جواز نظر الاستئناف استناداً إلى خلو الأوراق من الإعلان بحكم اليمين الحاسمة الذي كلفت المحكمة قلم الكتاب بإعلانه للمطعون ضده الأول وإلى عدم اطمئنانها لصحة الإعلان الذي قام به الطاعن بغير سابق تصريح من المحكمة لإثبات المحضر القائم به وقتاً للإخطار به تسبق ساعته وقت انتقاله لتنفيذه ، وانتهى الحكم المطعون فيه إلى أن حكم أول درجة في الدعوى جائز استئنافه وهي نتيجة صحيحة تتفق وصحيح القانون ، ومن ثم يكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس .
 

( الطعن رقم 12791 لسنة 8791 ق - جلسة 19 / 2 / 2023 )

2- المقرر - في قضاء هذه المحكمة – أن اليمين لغةً هو الإخبار عن أمر مع الاستشهاد بالله تعالى على صدق الخبر فهو لا يعتبر عملًا مدنيًا فحسب بل هو أيضًا عمل ديني ، فطالب اليمين يلجأ إلى ذمة خصمه ، والحالف عندما يؤدي اليمين إنما يستشهد بالله ويستنزل عقابه وقد نصت مواد الباب السادس من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 في المواد من 114 حتى 130 على طلب اليمين الحاسمة وشروط توجيهها ويستدل منها على أن اليمين ملك للخصم لا للقاضي ويجوز للخصم توجيهها في أية حالة كانت عليها الدعوى وعلى القاضي أن يجيب الخصم لطلبه متى توافرت شروط توجيهها وهي أن تكون متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وغير مخالفة لقاعدة من النظام العام ويجوز للقاضي أن يرفضها إذا كانت غير منتجة أو كان في توجيهها تعسف من الخصم، وخلاصة القول أن توجيه اليمين الحاسمة احتكام لضمير الخصم لحسم النزاع كله أو في شقٍ منه عندما يعوز الخصم الدليل لإثبات دعواه لا سيما عندما يتشدد القانون في اقتضاء أدلة معينة للإثبات ويتمسك الخصم الآخر بذلك، فإن حلفها الخصم فقد أثبت إنكاره لصحة الادعاء ويتعين رفضه، وإن نكل كان ذلك بمثابة إقرار ضمني بصحة الادعاء ووجب الحكم عليه بمقتضى هذا الإقرار، وكان كل طلب أو وجه دفاع يدلي به الخصم لدى محكمة الموضوع ويطلب إليها بطريق الجزم أن تفصل فيه ويكون الفصل فيه مما يجوز أن يترتب عليه تغيير وجه الرأي في الدعوى ، يجب على محكمة الموضوع - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تجيب عليه بأسبابٍ خاصة، فإن هي لم تفعل كان حكمها قاصرًا. لما كان ذلك، وكان الثابت أن الطاعن طلب توجيه اليمين الحاسمة للمطعون ضده ليحلف بأن الأموال التي قام بتحويلها إليه كانت على سبيل الدين وأن ذمته مشغولة بها، وإذ كانت الواقعة محل الحلف متعلقة بالنزاع ومنتجة فيه ، ورفض الحكم المطعون فيه هذا الطلب بمقولة أن اليمين غير حاسمة في إثبات براءة ذمته من الأموال المطالب بها بصرفها في الغرض المخصصة من أجله ولم يقدم الدليل على ذلك، وهو قول من الحكم لا يواجه دفاع الطاعن، ولا يصلح ردًا عليه على الرغم من أنه دفاع جوهري يتغير به - إن صح - وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون معيباً بالقصور والإخلال بحق الدفاع مما يعيبه ويوجب نقضه .

( الطعن رقم 16542 لسنة 91 ق - جلسة 27 / 9 / 2022 )

3- إذ كان الثابت من الأوراق ان اليمين الحاسمة التى حلفتها المطعون ضدهن أمام محكمة الاستئناف قد اقتصرت على عدم حصولهن على نصيبهن فى ريع المحلات التجارية بمنزلى النزاع فى مدة المطالبة دون ان تستطيل الى نصيبهن فى ريع الشقتين المشار إليهما واللتين تمسك الطاعنان فى شأنهما امام محكمة الاستئناف بسبق استئجارهما من مورثة طرفى النزاع بموجب عقدى الإيجار المؤرخين 1968/5/1 ، 1975/6/1 المقدمين فيهما الى تلك المحكمة ، فإن محكمة الاستئناف إذ أقامت قضاءها بتأييد حكم محكمة أول درجة على أن اليمين الحاسمة التى حلفتها المطعون ضدهن قد حسمت النزاع برمته لصالحهن ، ولم تعن ببحث وتمحيص ما تمسك به الطاعنان أمامهما من دفاع جوهرى بشأن استئجارهما للشقتين المطالب بالريع عنهما على الرغم من أنها حصلت هذا الدفاع فى أسباب حكمها دون أن ترد عليه ، مع ان من شأنه - لو صح - تغيير وجه الرأى فى الدعوى فيما يختص بهذا الجزء من الحق إذ أن مؤداه عدم مسئولية الطاعنين عن ريع نصيب المطعون ضدهن فى الشقتين . ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون فضلاً عن خطئه فى تطبيق القانون قد ران عليه القصور المبطل .

(الطعن رقم 2651 لسنة 63 جلسة 2000/11/26 س 51 ع 2 ص 1053 ق 201)

4- لئن كانت اليمن الحاسمة ملك للخصم لا للقاضى ويجوز له طلب توجيهها فى أية حالة كانت عليها الدعوى ، وعلى القاضى أن يجيب طلب توجيهها متى توافرت شروطها إلا إذا بان أن الدعوى يكذبها ظاهر الحال وإنها ثابتة بغير يمين ، وأن اليمين بالصيغة التى وجهت بها غير منتجة . لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن مدين للمطعون ضده بقيمة الشيك موضوع الجنحة رقم 5265 لسنة 1983 بندر دمياط وأنه تخالص فى شأن ذلك الدين مع المطعون ضده ومن ثم فإن توجيه اليمين الحاسمة لإثبات براءة ذمة الطاعن من ذلك الدين يكون غير منتج ، ولا جناح على الحكم المطعون فيه إن هو أعمل سلطته الموضوعية ورفض توجيه اليمين .

(الطعن رقم 3698 لسنة 63 جلسة 2000/11/20 س 51 ع 2 ص 1018 ق 193)

5- إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض توجيه اليمين الحاسمة للمطعون ضدها بخصوص علمها بواقعة بيع مورثها وقبض الثمن على ما أورده بمدوناته من قوله " وحيث إنه عن الموضوع فإن يمين العلم المطلوب توجيهها إلى ورثة المستأنف عليه تفترض حصول البيع والذى ثبت تزوير العقد الحاصل بشأنه وذلك بنقل التوقيع المنسوب للمرحوم .... _بالكربون وقضى برد وبطلان عقد البيع سند الدعوى ، وكانت المحكمة ترى أن القصد من طلب توجيه اليمين إنما إطالة أمد النزاع الأمر الذى تخلص معه إلى أنها يمين كيدية وترفض المحكمة توجيهها "لما كان ذلك ، وكان رفض الحكم المطعون فيه توجيه اليمين الحاسمة تأسيساً على أنها تتعارض مع ما قضت به المحكمة من رد وبطلان العقد مع أن ذلك لا يفيد بذاته كيدية اليمين لأن هذا القضاء لا يمتد أثره للتصرف ذاته الصادر من مورث المطعون ضدها لأن رد الورقة منبت الصلة عن صحة التصرف المثبت بها ، ومن ثم فإن الحكم يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال .

(الطعن رقم 4531 لسنة 61 جلسة 1997/11/04 س 48 ع 2 ص 1171 ق 218)

6- اذ كان الثابت من الأوراق فرفض الحكم توجيهها استناداً الى ام محاميهم ليس لدية وكالة خاصة فى حين ان البين من مدونات الحكم ان الطاعن الاول كان ماثلاً بشخصه فى الجلسة التى قدمت فيها المذكرة المتضمنه طلب توجيه اليمين ولم يعترض على ذلك فيعتبر بمثابة طلب منه بتوجيهها وهو ما يغنى عن بحث سعه توكيل المحامى، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون .

(الطعن رقم 6611 لسنة 65 جلسة 1996/10/22 س 47 ع 2 ص 1191 ق 216)

7- نصت مواد الباب السادس من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 فى المواد من 114 حتى 130 على طلب اليمين الحاسمة وشروط توجيهها ويستدل منها على أن اليمين ملك للخصم لا للتقاضى ويجوز للخصم توجيهها فى أية حالة كانت عليها الدعوى وعلى القاضى أن يجيب الخصم لطلبه متى توافرت شروط توجيهها وهى أن تكون متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وغير مخالفة لقاعدة من النظام العام ويجوز للقاضى أن يرفضها إذا كانت غير منتجة أو كان توجيهها تعسفا من الخصم.

(الطعن رقم 2938 لسنة 64 جلسة 1994/12/08 س 45 ع 2 ص 1579 ق 295)

8- الحكم الصادر بناء على اليمين لا يجوز استئنافه إلا أن شرط ذلك أن تكون اليمين وحدها فاصلة فى النزاع وحاسمة له بحيث ينتهى بها حتما موضوعه، أما إذا انصبت اليمين على جزء من النزاع أو مسألة أوليه فيه دون أن تؤدى إلى حسمه كله أو تمسك الخصم أمام محكمة الاستئناف بدفاع موضوعى منتج فى الدعوى لم يشمله الحلف، فإن الاستئناف يكون جائزا، غاية ما فى الأمر أنه يتعين الالتزام بحجية تلك اليمين بحيث يمتنع على الخصوم أن يعودوا إلى المنازعة فيما انصبت عليه وحسمته، ويقوم مضمونها حجة ملزمة لمحكمة الاستئناف لا تملك الخروج عليه أو مخالفته.

(الطعن رقم 232 لسنة 60 جلسة 1994/05/30 س 45 ع 1 ص 934 ق 178)

9- لما كان الثابت بالأوراق أن اليمين التى حلفها المطعون ضده أمام محكمة أول درجه كانت بالصيغة الآتية " أحلف بالله العظيم بأننى لم أتقاضى أجرة من المدعى عليها عن الشقة بالدور الأول فوق الأرضى بالعقار المملوك لى عن الفترة من أول يناير سنه 1982 حتى أول أغسطس سنه 1985 " وهى يمين وإن قطع حلفها بعدم وفاة الطاعنة بأجرة العين مثار النزاع عن المدة المبينة فيها، إلا أنها لا تؤدى حتما إلى القضاء بالإخلاء، وإذ يظل للطاعنة رغم ثبوت عدم وفائها بالأجرة على الوجه التقدم أن تتوقى حكم الإخلاء إذا ما بادرت إلى الوفاء بما استحق عليها منها وبكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية حتى إقفال باب المرافعة فى الدعوى، ولو أمام محكمة الاستئناف ومن ثم فإن الحكم الابتدائى الذى قضى بالإخلاء لهذا السبب يكون جائزاً استئنافه طالما تغيت الطاعنة أن تتدارك أمام محكمة الاستئناف ما فاتها أمام محكمة الدرجة الأولى، وإذ لم يلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم جواز الاستئناف رغم تمسك الطاعنة فى صحيفته بحقها فى توقى الإخلاء بسداد الأجرة المستحقة وما تكبده المطعون ضده من مصاريف ونفقات، ودون أن يمحص ما قدمته تأييدا لهذا الدفاع من إنذارات عرض ومحاضر إيداع مما قد يتغير به وجه الرأى فى جواز الاستئناف فإنه فضلاً عن مخالفته للقانون وخطئه فى تطبيقه ، يكون قد عاره قصور فى التسبيب.

(الطعن رقم 232 لسنة 60 جلسة 1994/05/30 س 45 ع 1 ص 934 ق 178)

10- مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة 114 والفقرة الثانية المادة 115 من قانون الإثبات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن اليمين الحاسمة ملك للخصم له أن يوجهها متى توافرت شروطها ولو كان هناك سبيل آخر للإثبات ويتعين على القاضى أن يجيب طلب توجهها إلا إذا بان له بان له أن طالبها متعسف فى طلبها ويجوز توجيه اليمين إلى الوارث على مجرد علمه بواقعة متعلقة بمورثة ، وإذ كان الثابت فى الأوراق أن اليمين التى طلب الطاعنون توجيهها إلى المطعون ضدها الأولى والثانى ........ يؤدى حلفها إلى ثبوت ملكية المطعون ضدهما الأولين لمساحة الأرض موضوع النزاع وغصبها منه وانصبت على مجرد علمهما بها فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض توجيهها على سند من قوله إنها لا تتعلق بشخص من وجهت إليه وعن واقعة يمكن إثباتها بالبينة يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 1232 لسنة 59 جلسة 1993/06/29 س 44 ع 2 ص 792 ق 268)

11- أنه ولئن كانت اليمين الحاسمة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ملكا للخصوم وأن على القاضى أن يجيب طلب توجيهها متى توافرت شروطها إلا أنه لا يجوز أن توجه إلا فى واقعة قانونية لا فى مسألة قانونية، ذلك أن - استخلاص حكم القانون من شأن القاضى وحده لا من شأن الخصوم وإذ كان الثابت فى الدعوى أن صيغة اليمين الحاسمة التى طلب الطاعن توجيهها إلى المطعون عليه " أحلف بالله العظيم أن المستأنف لا يستحق تعديل الحكم المستأنف إلى قبول جميع طلباته بقيمتها الواردة فى ختام صحيفة الاستئناف " - هى أمور قانونية تختص المحكمة وحدها بأن تقول كلمتها فيها ولا تتعلق بشخص من وجهت إليه وإذ رفض الحكم المطعون فيه توجيه هذه اليمين للمطعون عليه فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعى علية بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه على غير أساس.

(الطعن رقم 1400 لسنة 56 جلسة 1993/01/20 س 44 ع 1 ص 257 ق 49)

12- حجية اليمين الحاسمة تقتصر على الواقعة التى كانت محلاً للحلف فإن مؤدى ذلك أن يكون المناط فى عدم جواز الطعن فى الأحكام الصادره بناء على اليمين أن ينصب الطعن على ما حسمته هذه اليمين من نزاع لا يجوز العودة إليه بعد حلفها، كما أنه من المقرر أن النص فى المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 - فى شأن إيجار الأماكن - يدل على أن المشرع وإن رتب للمؤجر الحق فى إخلاء المستأجر بمجرد إنقضاء خمسة عشر يوماً من تاريخ تكليفه بالوفاء بالأجرة المستحقة إلا أنه رغبة فى التيسير على المستأجرين أفسح لهم مجال الوفاء بالأجرة المتأخرة حتى تاريخ أقفال باب المرافعة فى الدعوى بحيث أصبح قيام المستأجر بوفاء الأجرة وملحقاتها قبل أقفال باب المرافعة مسقطاً لحق المؤجر فى الإخلاء، وإذ جاء النص فى المادة المشار إليها عاماً ومطلقاً فإنه لايجوز قصر نطاقها على أقفال باب المرافعة أمام محكمة أول درجة دون محكمة الإستئناف ، لما كان ذلك وكان الطاعن قد تمسك بدفاعه أمام محكمة الإستئناف بأن إستئنافه لا يقوم على معارضه حجية اليمين التى حلفها المطعون ضده أمام محكمة أول درجة وأنه قد أعمل أثرها وقام بإيداع مقدار الأجرة محل هذه اليمين ، وكان البين أن المذكور قدم أمام محكمة الإستئناف ما يساند دفاعه من عرض وإيداع هذه الأجرة وأجرة فترة لاحقه عليها لحساب المطعون ضده فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه بعدم جواز الإستئناف على سند من أن الحكم المستأنف صادر بناء على يمين حاسمه دون أن يعى بالرد على دفاع الطاعن سالف الذكر على الرغم من أنه دفاع جوهرى قد يتغير معه - إن صح - وجه الرأى فى جواز الإستئناف والفصل فيه فإنه يكون فضلاً عن خطئه فى تطبيق القانون قد شابه قصور فى التسبيب.

(الطعن رقم 2945 لسنة 60 جلسة 1991/09/18 س 42 ع 2 ص 1507 ق 234)

13- إن ما ينعاه الطاعن من عدم إستجابة المحكمة لطلب توجيه اليمين الحاسمة - المنصوص عليها فىالمادة 114 من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية - إلى المدعى بالحقوق المدنية فى شأن واقعة رد مبلغ الأمانة لا يكون له محل ، إذ لا يعرف قانون الإجراءات الجنائية سوى اليمين المنصوص عليها فى المادة 283 منه و التى يجب أن يحلفها الشاهد قبل أداء الشهادة ، و هو ما أكدته المادة 288 من هذا القانون بالنسبة للمدعى بالحقوق المدنية و ذلك بما نصت عليه من أنه يسمع كشاهد و يحلف اليمين ، و إذ لم يطلب الطاعن سماع شهادة المدعى بالحقوق المدنية طبقاً لحكم هذه المادة ، فإنه لا يكون له - من بعد _ أن ينعى على المحكمة عدم قيامها بهذا الإجراء الذى لم يطلبه منها .

(الطعن رقم 589 لسنة 59 جلسة 1990/12/27 س 41 ع 1 ص 1114 ق 201) 

14- اليمين هى إستشهاد الله عز و جل على قول الحق ، و قد تكون قضائية تؤدى فى مجلس القضاء أو غير قضائية تحلف فى غير مجلس القضاء بإتفاق الطرفين و من ثم تعتبر الأخيرة نوعاً من التعاقد يخضع فى إثباته للقواعد العامة ، أما حلفها ، فهى واقعة مادية تثبت بالبينة و القرائن إذ هى تؤدى شفها أمام المتفق على الحلف أمامهم ، و متى تم حلفها من أهل لها ، ترتبت عليها جيمع آثار اليمين القضائية متى حسم النزاع و منها حجيتها فى مواجهة من وجهها إلى خصمه .

(الطعن رقم 152 لسنة 54 جلسة 1990/04/09 س 41 ع 1 ص 971 ق 158)

15- مناط السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع فى إستخلاص كيدية اليمين الحاسمة و منع توجيهها ، أو إستخلاص عدم جدية الدفع بالجهالة و رفضه دون تحقيق صحة التوقيع المنسوب للمورث ، أن يكون هذا الإستخلاص سائغاً و له أصل ثابت فى وقائع الدعوى و مستنداتها ، و لما كان الحكم المطعون فيه قد إستخلص من مجرد إقرار الطاعنة الأولى بصحة بصمتها على الورقة محل النزاع أن اليمين الحاسمة التى طلبت توجيهها إلى المطعون ضده - بشأن حقيقة مضمون هذه الورقة و قبضها الثمن المبين فيها - يمين كيدية ، و أن دفع الطاعنتين بالجهالة بالنسبة لبصمة الختم المنسوبة لمورثتها على العقد هو دفع غير جدى ، و أخذ بالعقد بناء على ذلك ، دون توجيه اليمين الحاسمة و لا يمين عدم العلم ، و دون تحقيق بصمة الختم المنسوبة للمورثة عليه - فى حين أن إقرار الطاعنة الأولى بصحة بصمة إصبعها على ورقة العقد و إن كان يكفى حجة على أنها إرتضت مضمون هذه الورقة و إلتزمت به إلا أنه - و قد أدعت أنه مختلس منها غشاً - لا يبرر مصادرة حقها فى إثبات هذا الإدعاء ، و لا يفيد أنها متعسفة فى إستعمال حقها هذا بالإحتكام إلى ذمة أخيها باليمين الحاسمة - كما أنه لا يدل بحال على صحة بصمة الختم المنسوب للمورثة لإختلاف الأمرين و عدم ترتب أحدهما على الأخر - فإن الحكم يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون و أقام قضاءه على إعتبارات غير سائغة و ليس من شأنها أن تؤدى إلى ما إنتهى إليه و شابه بذلك فساد فى الإستدلال .

(الطعن رقم 2507 لسنة 56 جلسة 1989/03/28 س 40 ع 1 ص 877 ق 153)

16- إستخلاص كيدية اليمين من سلطة محكمة الموضوع متى إستندت إلى إعتبارات سائغة. لما كان ذلك و كانت اليمين الحاسمة بالصيغة الموجهة بها من الطاعن تدور حول الغرض من إستعمال العين المؤجرة و نوع النشاط المستغلة فيه ، و كانت تلك الوقائع التى أُنصبت عليها اليمين لا تعدو أن تكون مجرد أدلة إثبات دفاع مطروح من الطاعن دون أن تكون هذه الوقائع - على فرض ثبوتها باليمين الموجهة حاسمة للنزاع سواء فيما يتعلق بثبوت الإضرار بالمؤجر أو التأجير من الباطن و هما سببا طلب الطاعن إخلاء العين المؤجرة بما يكون معه رفض المحكمة توجيه اليمين الحاسمة بالصيغة التى وجهت بها قد صادف صحيح القانون أياً كان وجه الرأى فيما ساقه الحكم من أسباب رفض توجيهها .

(الطعن رقم 1188 لسنة 52 جلسة 1989/01/29 س 40 ع 1 ص 321 ق 63)

17- لمحكمة الموضوع كامل السلطة فى إستخلاص كيدية اليمين متى أقامت إستخلاصها على إعتبارات من شأنها أن تؤدى إليه ، و كان تقدير قيام العذر فى التخلف عن الحضور بالجلسة المحددة لحلف اليمين و هو مما يستقل به قاضى الموضوع متى أقام قضاءه على أسباب سائغة تكفى لحمله ، و كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع فى حدود سلطتها التقديرية وجدت فى إصرار الطاعنة على توجيه اليمين الحاسمة للمطعون عليه رغم علمها بإقامته فى كندا و تعذر حضوره لحلف اليمين تعسفاً منها فى توجيهها إليه و هى أسباب سائغة تكفى لحمل قضاء الحكم و من ثم يكون الحكم الإبتدائى بتوجيه اليمين الحاسمة للمطعون عليه قد وقع على خلاف أحكام القانون بما يجيز الطعن عليه بالإستئناف و يكون هذا النعى فى غير محله .

(الطعن رقم 481 لسنة 51 جلسة 1984/12/06 س 35 ع 2 ص 1987 ق 377)

18- إذا كان البين مما قدمه الطاعنون من مذكرات أمام محكمة الإستنئاف أنهم لم يوجهوا فعلاً يميناً حاسمه إلى المطعون ضدها أو أنهم طلبوا من المحكمة إستجوابها فى أمر معين و إنما إقتصر طلبهم على حضورها شخصياً للتحقق من وجودها و أنها ما زالت على قيد الحياة و توطئه لتوجيه يمين حاسمة إليها و إستجوابها و هو ما لا يعتبر طلبا صريحاً جازما بالإستجواب أو باليمين حتى تلتزم محكمة الموضوع بالرد عليه فإن النعى على الحكم المطعون فيه إخلاله بحق الدفاع و القصور يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 150 لسنة 49 جلسة 1983/04/28 س 34 ع 1 ص 1099 ق 221)

19- النص فى الفقرة الأولى من المادة 114 من قانون الإثبات على أنه يجوز لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر و للقاضى أن يمنع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفاً فى توجيهها ، مؤداه - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن اليمين الحاسمة ملك للخصم فيكون على القاضى أن يجيب طلب توجيهها متى توافرت شروطها إلا إذ بان له أن طالبها متعسف فى هذا الطلب ، و لمحكمة الموضوع السلطة فى إستخلاص كيدية اليمين على أن يقيم إستخلاصها على إعتبارات من شأنها أن تؤدى إليه .

(الطعن رقم 703 لسنة 47 جلسة 1980/04/03 س 31 ع 1 ص 1017 ق 199)

20- إذ يبين من الحكم المطعون فيه أنه قضى برفض طلب الطاعن توجيه اليمين الحاسمة فى شأن واقعة الوفاء بمبلغ مائة و خمسين جنيهاً من الدين العالق بذمته على سند من القول بأن الدعوى ظلت متدوالة أمام محكمة أول درجة فترة إستطالت إثنى عشر عاماً دون أن يزعم الطاعن وفاءه بذلك المبلغ الذى يدعيه و أنه ما إستهدف بهذا الطلب إستظهار من ظروف الدعوى و ملابساتها سوى الكيد لخصمه و إطالة أمد التقاضى ، لما كان ذلك ، و كان هذا الذى أورده الحكم كافياً فى حدود سلطته التقديرية لحمل قضائه فى إستخلاص التعسف المبرر لرفض طلب توجيه اليمين الحاسمة ، فإن النعى على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 703 لسنة 47 جلسة 1980/04/03 س 31 ع 1 ص 1017 ق 199)

21-اليمين التى أجازت المادة 194 من قانون التجارة توجيهها من الدائن بدين صرفى إلى المدين المتمسك بالتقادم هى يمين حاسمة شرعت لمصلحة الدائن لتأييد القرينة القانونية التى يرتكز عليها التقادم الخمسى المنصوص عليه فى هذه المادة و هى حصول الوفاء المستمد من مضى مدة التقادم فإذا لم يطلب الدائن توجيهها فليس للمحكمة أن توجهها من تلقاء نفسها و لا عليها إن قضت بسقوط الدين بالتقادم الخمسى .

(الطعن رقم 70 لسنة 44 جلسة 1977/05/30 س 28 ع 1 ص 1323 ق 229)

22- لمحكمة الموضوع كامل السلطة فى إستخلاص كيدية اليمين متى أقامت إستخلاصها على إعتبارات من شأنها أن تؤدى إليه ، و لما كان الطاعن لم يبين فى المذكرة المقدمة إلى محكمة أول درجة الأسباب التى يستند إليها فى كيدية اليمين التى وجهتها إليه المطعون عليها ، و كان عدم تقديم المطعون عليها دليلاً على صحة دعواها حسبما ذهب إليه الطاعن فى أسباب النعى لا يفيد بذاته أن اليمين كيدية بل أن اليمين الحاسمة إنما يوجهها الخصم عندما يعوزه الدليل القانونى لإثبات دعواه ، لما كان ذلك فإن النعى يكون فى غير محله .

(الطعن رقم 574 لسنة 42 جلسة 1976/04/06 س 27 ع 1 ص 871 ق 167)

23- النص فى المادتين 1/114 و 124 من قانون الإثبات يدل - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن اليمين الحاسمة ملك للخصم لا للقاضى ، و أن على القاضى أن يجيب طلب توجيهها متى توافرت شروطها إلا إذا بان له إن طالبها بتعسف فى هذا الطلب ، و إنه إذا صدر الحكم بتوجيه اليمين الحاسمة فى غيبة المكلف بالحلف وجب تكليفه بالحضور على يد محضر لحلف اليمين بالصيغة التى أقرتها المحكمة و فى اليوم الذى حددته، فإن حضر و إمتنع عن الحلف و لم يردها و لم ينازع أعتبر ناكلاً ، و إن تغيب تنظر المحكمة فى سبب غيابه فإن كان بغير عذر أعتبر ناكلاً كذلك .

(الطعن رقم 574 لسنة 42 جلسة 1976/04/06 س 27 ع 1 ص 871 ق 167)

24- أباح المشرع فى المادة 394 من القانون المدنى للوارث الإكتفاء بنفى علمه بأن الخط أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الأصبع لمورثه دون أن يطعن فى هذه الأوراق بطريق الأدعاء بالتزوير ، أو حتى يقف موقف الإنكار صراحه ، فإذا نفى الوارث علمه بأن الإمضاء التى على الورقة العرفية المحتج بها عليه لمورثه و حلف اليمين المنصوص عليها فى المادة 394 سالفة الذكر زالت عن هذه الورقة مؤقتا قوتها فى الإثبات و تعين على الخصم المتمسك بها أن يقيم الدليل على صحتها ، و ذلك بإتباع الإجراءات المنصوص عليها فى المادة 262 من قانون المرافعات السابق .

(الطعن رقم 205 لسنة 36 جلسة 1970/12/08 س 21 ع 3 ص 1197 ق 196)

25- لما كان النزاع فى دعوى الإسترداد بين المسترد و الدائن الحاجز يدور حول بيان ما إذا كان المسترد هو المالك للمنقولات المحجوز عليها أو غير مالك لها فإن اليمين التى توجه فيها إلى المسترد لا تكون حاسمة إلا إن كان حلفها أو النكول عنها يحسم وحدة النزاع فى هذه المسألة .

(الطعن رقم 1778 لسنة 50 جلسة 1984/10/25 س 35 ع 2 ص 1762 ق 334)

26- اليمين وسيلة إثبات فلا يجوز الالتجاء إليها إلا عند الإنكار فإذا أقر الخصم بالجلسة بتخالص مورثه (الدائن) عن الدين وكان هذا الإقرار القضائي حجة عليه عن مقدار حصته الميراثية فى دين مورثه المطالب به فإنه لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة إلى الخصم عن الواقعة التي أقر بها. والحكم المطعون فيه إذ أهدر هذا الإقرار أخذاً بنتيجة اليمين التي حلفها المطعون عليه على خلاف ما أقر به، يكون قد خالف القانون بخروجه على قواعد الإثبات.

(الطعن رقم 423 لسنة 26 جلسة 1962/04/12 س 13 ع 1 ص 455 ق 68)

27 - مؤدى نص المادة 114 /2 من قانون الإثبات أنه يجوز للخصم الذي وُجِّهت إليه اليمين الحاسمة أن يردها على خصمه إذا لم يَرِد الحلف، ويشترط في الرد أن يكون واقعًا على ذات اليمين التي وُجِّهت إليه، فإذا عدَّل صيغة اليمين المردودة، كان الرد توجيهًا منه ليمين جديدة يجوز ردها عليه ثانية، ويشترط فوق ذلك أن يكون الرد في واقعة يشترك فيها الخصمان، فلا يجوز في واقعة يستقل بها شخص من وُجِّهت إليه. ومن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه إذا نازع الخصم في اليمين الموجهة إليه بأنه غير جائز توجيهها طبقًا للقانون فإنه يتعين على المحكمة أن تفصل في منازعته وأن توجه اليمين على مقتضى ما تنتهي إليه وأن تحدد له جلسة لحلفها إن رأت توجيهها إليه ولا يجوز اعتباره ناكلًا قبل الفصل في هذه المنازعة.

( الطعن رقم 13583لسنة 75 ق - جلسة 18 / 3 / 2023 ) 

28- النص في المادتين 114 / 1 ، 115 من قانون الإثبات يدل على أن اليمين الحاسمة ملك للخصم لا للقاضي ، وأن على القاضي أن يُجيب طلب توجيهها إذا توافرت شروطها وهي أن تكون متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وغير مخالفة لقاعدة من قواعد النظام العام إلا إذا بان له أن طالبها يتعسف في هذا الطلب ، ويجوز للخصم توجيهها في أية حالة كانت عليها الدعوى إلى أن يصدر حكم نهائي في النزاع وسواء طُلبت قبل كل دفاع أو بعده وجهت بصفة أصلية أو على سبيل الاحتياط .
 
( الطعن رقم 15493 لسنة 93 ق - جلسة 25 / 2 / 2024 )
 
29- توجيه اليمين الحاسمة احتكام لضمير الخصم لحسم النزاع كله أو في شق منه عندما يعوز الخصم الدليل لإثبات دعواه لا سيما عندما يتشدد القانون في اقتضاء أدلة معينة للإثبات ويتمسك الخصم الآخر بذلك فإن حلفها الخصم فقد أثبت إنكاره لصحة الادعاء ويتعين رفضه وإن كان ذلك بمثابة إقرار ضمني بصحة الادعاء ووجب الحكم عليه بمقتضى هذا الإقرار ولا يغير من ذلك أن يكون طلب توجيه اليمين الحاسمة من باب الاحتياط بعد العمل بقانون المرافعات الحالي وقانون الإثبات ذلك أن المادة 166 من قانون المرافعات الأصلي والمادة 187 من قانون المرافعات المختلط كانتا تنصان على أنه لا يجوز التكليف من باب الاحتياط باليمين الحاسمة لأن التكليف بتلك اليمين يفيد ترك ما عداها من أوجه الإثبات ومن ثم فقد صار القضاء في ذلك الوقت على عدم جواز توجيه اليمين وبصفة احتياطية إلا أن هذا القضاء قد يؤدي إلى ضياع حق المدعي الذي يملك أدلة قد لا تقبلها المحكمة منه فيرى التمسك بتوجيه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط، والعدالة تقتضي أن يسمح له بعرض أدلته على المحكمة مع الاحتفاظ بحقه في توجيه اليمين إذا رفضت المحكمة الأخذ بتلك الأدلة لأن اليمين طريق احتياطي أخير يلجأ إليه الخصم عندما يعوزه الدليل فيجب أن يبقى هذا الطريق مفتوحاً أمامه إلى أن يستنفذ ما لديه من أدلة
 
( الطعن رقم 10965 لسنة 86 ق - جلسة 22 / 4 / 2024 )
شرح خبراء القانون

اليمين

تعريف وتمهيد :

اليمين هو إعلان يؤكد الخصم به حقيقة واقعة معينة متخذاً من الله شاهداً على صدق تأكيده. ويكون اليمين ، مع الإقرار ، صورتين متقابلتين لنظام واحد، هو نظام «شهادة الخصوم». في الإقرار يشهد الخصم على واقعة ضد مصلحته ، أما في اليمين فانه يشهد على واقعة لصالحه . ولأن الواقعة محل الإقرار ضد مصلحة المقر ، فقد رأى القانون أن في هذا ما يكفي لضمان مطابقة الإقرار للحقيقة إذ عادة لا يشهد الشخص على نفسه إلا صدقة . أما إذا كانت الواقعة لمصلحة الخصم ، فأنه لضمان صدق تأكيد الخصم يجب تحليفه اليمين على صدقها . واليمين يضمن صدق التأكيد لأن الكذب فيه يعتبر ليس فقط إهداراً للقدسية الدينية لليمين مما يجلب على الحالف غضب الله ، بل أيضاً جريمة جنائية تنزل على الحالف العقوبة التي تخيف من لا يخاف خالقه . 

ولأن قيمة اليمين كدليل للإثبات تتوقف على صدق التأكيدات المقترنة به، وبسبب ازدياد ضعف الشعور الديني في العصر الحديث مما يضعف احتمال قول الحق ، فقد لقى الأخذ باليمين كدليل للإثبات نقداً من بعض الفقهاء . ويقوم هذا النقد - فضلاً عن هذا الاعتبار - على أساس أن اليمين الحاسمة كدليل للإثبات يتنافى مع مبدأ حرية القاضي في الإقتناع ، إذ يلتزم القاضي بالحكم وفقاً لمضمونه . كما أنه يتنافى مع طبيعة العمل القضائي بإعتباره عملاً صادرة من القاضي ، إذ يكون القرار في القضية مرتبطاً بموقف الخصم فيها وقد أدت هذه الانتقادات ببعض التشريعات إلى إلغاء اليمين كدليل إثبات . ولكنه ما زال باقية في كثير منها كالقانون المصري . على أن التشريعات التي أبقت عليه إنما فعلت هذا على أساس اعتباره دلیل من لا دليل له ، فمن يلجأ إليه لا يضار كثيراً من كذب خصمه إذ لم تكن لديه أدلة يستند إليها في دعواه . فهو خاسرها على أية حال ؛ أو على أساس اعتبار اليمين مرجحاً للقاضي عند تردده في ثبوت الواقعة على الأساس الأول نظم المشرع ما يعرف باليمين الحاسمة ، وعلى الأساس الثاني نظم ما يعرف باليمين التكميلية أو المتممة .

أولاً - اليمين الحاسمة :

توجه اليمين الحاسمة من الخصم إلى الخصم الآخر فاليمين التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أحد الخصوم ليست يميناً حاسمة ويجب أن يقدم طلب اليمين من الخصم نفسه ، ولا يجوز أن يقدم الطلب من محامي إلا إذا كانت لديه وكالة خاصة به على أنه إذا كان الخصم ممثلاً بغيره - بسبب نقص أهلية أو بسبب كونه شخصاً معنوياً - فان لممثله أن يوجه هذا اليمين  ومن ناحية أخرى ، لا توجه اليمين الحاسمة إلا إلى الخصم ، فلا يجوز توجيهها إلى شخص من الغير فإذا كان الخصم ممثلاً بغيره - بسبب نقص أهلية أو بسبب كونه شخصاً معنوياً - فان اليمين توجه إلى ممثله الذي له صفة في الخصومة والخصم الذي يوجه اليمين الحاسمة هو ذلك الذي عليه عبء الإثبات وفقاً للقواعد العامة .

ويجب أن يتوافر فيمن يطلب حلف اليمين وفي من يوجه إليه الطلب أهلية التصرف في الحق الذي ترتبط به الواقعة محل اليمين وعلة هذا الشرط خطورة النتائج التي تترتب بالنسبة لكلا الخصمين على طلب حلف اليمين وهذه هي نفس الأهلية التي يتطلبها القانون بالنسبة للإقرار فيما يتعلق بالمقر .

ويخضع طلب توجيه اليمين - كأي دليل – التقدير القاضي. فاليمين لا توجه إلا بإذنه ، ولا يأذن القاضي بتوجيه اليمين إلا بعد التأكد من توافر الشروط اللازمة في الواقعة لكي تكون محلاً ليمين حاسمة ، ومن أن الطالب ليس متعسفاً في توجيهها (114 إثبات) . ويجب أن يكون استدلال الحكم على التعسف سائغاً ، وإلا شابه فساد في الإستدلال . وقد حكم بأن استدلال الحكم على التعسف في توجيه اليمين الحاسمة من مجرد التمسك بها بعد رفض الادعاء بالتزوير يعتبر فساداً في الإستدلال .

فإن توافرت هذه الشروط ، التزم القاضي بإجابة طلب توجيه اليمين .

وإذا أمرت المحكمة بتوجيه اليمين ، فليس لها تغيير صيغتها بما يؤثر في مدلولها ، إذ صيغة اليمين من شأن من وجهها وحده .

طبيعة اليمين الحاسمة :

اختلف الفقه حول الطبيعة القانونية لليمين الحاسمة .

وقد ذهب الرأي قديماً إلى اعتباره وسيلة للفصل في النزاع بالإتفاق فهو نوع من الصلح بين الخصوم لكن هذا الرأي هجر ، ذلك أن الصلح بتعريفه يقتضي نزول كل من الطرفين عن جزء من ادعائه وليس الأمر كذلك بالنسبة لليمين الحاسمة . ومن ناحية أخرى ، فإن إعتبار اليمين الحاسمة إتفاق بين الطرفين يلتزم القاضي بالحكم وفقاً له لا يتفق مع الفكرة الحديثة للخصومة المدنية بإعتبارها أداة لتحقيق وظيفة عامة هي وظيفة القضاء .

وأخيراً فإن تنظيم اليمين الحاسمة في التشريع الحديث لا يتلائم مع فكرة الإتفاق أو العقد فأي اتفاق يتطلب توافق إرادتين في حين أن من توجه إليه اليمين الحاسمة لا إرادة لديه في أي إتفاق ، فهو إن حلف قد لا يختار هذا بحرية بل خشية ما يرتبه القانون من آثار على نكوله أو رده لليمين .

على أنه بعد أن هجر هذا الرأي ، بدأ الفقهاء في تحليل الأعمال القانونية المختلفة التي ينطوي عليها حلف اليمين ، وذهبوا إلى أن بعض هذه الأعمال تعتبر تصرفات قانونية من جانب واحد . وعدوا من هذه توجيه اليمين ، أورده وإعتبر البعض الآخر أن حلف اليمين يعتبر أيضاً تصرفاً قانونياً .

أ- أما طلب اليمين أو رده : فهو تصرف قانوني في رأى البعض لأنه «إرادة الخصم الذي يوجه اليمين في أن يحتكم إلى ضمير خصمه بما يترتب على ذلك من نتائج قانونية» ، فهو تصرف قانوني «إذ هو ينتج أثره بمجرد توجيه اليمين» ؛ وفي رأى البعض الآخر لأنه تنازل من الطالب عن إدعاءاته معلقاً على شرط حلف خصمه لليمين .

وهذا التكييف - في رأينا - محل نظر . فمن ناحية لا يكفي اتجاه إرادة الخصم إلى طلب اليمين الإعتبار هذا الطلب تصرفاً قانونياً فهذا الطلب لا يختلف في طبيعته عن أي طلب موجه من خصم إلى القاضي للتمسك بدليل إثبات ، فهو في مضمونه طلب موجه إلى القاضي للموافقة على قيام الخصم بالحلف والآثار التي تترتب على هذا الطلب محددة من القانون ولا شأن الإرادة الطالب بها . ومن ناحية أخرى، لا يمكن إعتبار الطالب نازلاً عن شئ لأنه إنما يوجه اليمين الحاسمة عندما لا يكون لديه أي دليل .

ب - أما حلف اليمين : فهو في رأى البعض تصرف قانوني لأنه يتوقف عليه الفصل في القضية ، ولأنه لا يجوز إثبات عكسه على خلاف ما هو مسلم بالنسبة لأدلة الإثبات . وهذا الرأي أيضاً محل نظر . فالواقع أنه إن صح . القول بأن النزاع على الوقائع يعتبر منتهية بحلف اليمين ، فإن القاضي هو الذي يطبق القانون على هذه الوقائع ، والحكم هو الذي يلزم الخصوم . ومن ناحية أخرى ، فإن تحليل اليمين الحاسمة يبين أنه يتعلق بتأكيد حقيقة واقعة ، فهو إعلان إخباري أو إعلان حقيقة ولا يمكن للإرادة أن تغير مضمونه وشأنه في هذا شأن الإقرار أو الشهادة ولا يغير من طبيعة هذا الإعلان الاخباري أنه يقترن بحلف اليمين ، فالشاهد هو الآخر يحلف دون اعتبار شهادته تصرفاً قانونياً .

والخلاصة أن طلب حلف اليمين أو طلب رده هو طلب قضائي وأن حلف اليمين يعتبر دليل إثبات شأنه شأن أي دليل . ويعتبر كل منها إجرائية في الخصومة يرتب آثاره فيها ولكنه ليس تصرفاً قانونياً .

ونتيجة لهذا التكييف ، فان طلب حلف اليمين أو حلفه أو رده يخضع القواعد الأعمال الإجرائية وليس لتلك التي يخضع لها التصرف القانوني . ولهذا فإن أياً منها لا يجوز إيطاله لغلط أو تدلیس.(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة : 228)

اليمين الحاسمة

تكييف اليمين الحاسمة : عندما يعوز الخصم الدليل الذى يسمح به القانون لإثبات دعواه ، ولا يقر له خصمه بصحة ما يدعيه ، لا يبقى أمامه إلا طريق واحد يلجأ إليه ، هو أن يحتكم إلى ضمير هذا الحكم . فيوجه إليه  اليمين الحاسمة يطلب إليه حلفها لحسم النزاع ، ولا يملك من وجهت إليه اليمين إلا أن يقبل هذا الاحتكام . وهذا هو الإسعاف الذى يتقدم به القانون إلى الخصم الذى يعوزه الدليل القانوني ، بل هذه هى الكفارة التي يكفر بها القانون عن تشدده في اقتضاء أدلة قضائية معينة لا يغني عنها بديل فالقانون ، إذ يتشدد في اقتضاء أدلة معينة ، لا يصل إلا إلى الحقيقة القضائية ، وهي بعد حقيقة نسبية ، وذلك سعياً وراء الاستقرار . ولكنه ، بعد أن يقضى واجب الإستقرار ، يرضي جانب العدل ، بتمكين من يعوزه الدليل القضائي من أن يحتكم إلى ضمير خصمه الذى أنكر عليه ما يدعيه من حق ، فيوجه إليه اليمين الحاسمة . فإن حلفها الخصم ، فقد أثبت بذلك أن ضميره راض بإنكار صحة الادعاء ، ولما كان هذا الادعاء لا دليل عليه ، لم يبق بد من الحكم برفضه . وإن نكل ، كان فى هذا النكول إقرار ضمني بصحة الإدعاء ، فوجب الحكم عليه بمقتضى هذا الإقرار     .

ويتبين من ذلك أن توجيه اليمين الحاسمة هو تصرف قانوني  ، إذ هو إرادة الخصم الذى يوجه اليمين في أن يحتكم إلى ضمير خصمه بما يترتب على ذلك من نتائج قانونية . والاحتكام على هذا النحو يعتبر تصرفاً قانونياً يتم بإرادة منفردة  ، إذ هو ينتج أثره بمجرد توجيه اليمين وسنرى أن توجيه اليمين يجوز الرجوع فيه إلى أن يقبل الخصم الذى  وجهت إليه اليمين أن يحلف ، ولكن هذا ليس قبولاً لإيجاب ، إذ أن الخصم الذى وجعت إليه اليمين لا يملك إلا أن يقبل الحلف أو أن يرد اليمين على من وجهها ، أي أنه لا يملك إلا قبول الإحتكام إلى ضميره أو أن يحكم هو ضمير الخصم الذى وجه اليمين ومن ثم لا يكون توجيه اليمين تصرفاً يحتاج إلى قبول ، بل القبول هنا هو لجعل الخصم في أن يحلف اليمين أو يردها حقاً غير قابل للنقض ، كحق المنتفع في الاشتراط لمصلحة الغير عندما يقبل ما اشترط لمصلحته هذا إلى أن توجيه اليمين تصرف شرطي ، لأن الخصم إنما يعلن إرادته في أن ينتفع بنظام استقل القانون بتقرير أحكامه ، ولا يستطيع الخصم لهذه الأحكام تبديلاً     .

وسنرى أن هذا التكييف لليمين الحاسمة تترتب عليه آثار قانونية هامة وهو التكييف الذى نقف عنده والفقه يتردد في تكييف اليمين الحاسمة بين أنها تحكيم أو صلح والذى يقطع فى أنها ليست بصلح أن الصلح يقتضي نزول كل من المتصالحين عن جانب من ادعائه ، ومن يوجه اليمين لا ينزل عن شئ  518  دون شئ ، فهو إما أن يخسر كل دعواه أو يقضي له بها كلها . فإذا ما خسر دعواه أو كسبها فليس ذلك مترتباً على إرادته ، بل هي النتيجة المحتمة لإحتكامه إلى ضمير خصمه وضمير الخصم هو الذى حكم : إما بخسارة الدعوى إذا حلف الخصم ، أو بكسبها إذا نكل وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ما يؤيد هذا التكييف     .

ثم إن الحلف ذاته هو دون شك واقعة قانونية ، لأنه عمل مادى يترتب عليه أثر قانوني هو الحكم برفض دعوى من وجه اليمين ورد اليمين تصرف قانوني كتوجيه اليمين ، إذ هو أيضاً احتكام إلى ذمة الخصم . والنكول عن اليمين عمل مادى سلبي ، ولكنه ينطوى على تصرف قانوني ، إذ النكول يتضمن إقرار بدعوى من وجه اليمين أو ردها ، فالنكول والإقرار سواء في التكييف القانوني . أما اليمين المتممة ، توجيهاً وحلفاً نوكولاً ، فواقعة قانونية ، إذ هى عمل مادي محض ، وهي طريق من طرق الإثبات التكميلية  .

أي من الخصمين يستطيع توجيه اليمين : والذى يوجه اليمين الحاسمة هو أي من الخصمين يكون عليه عبء إثبات واقعة قانونية فالمدعي عليه عبء إثبات الدعوى ، والمدعى عليه وهو الذى يثبت الدفع ، يستطيع أى منهما أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه فيما يجب عليه هو أن يثبته ، فيستبدل بعبء الإثبات الاحتكام إلى ضمير الخصم  .

ما يترتب على أن توجيه اليمين تصرف قانوني – الأهلية وعيوب الإرادة والوكالة الخاصة والصورية : ولما كان توجيه اليمين الحاسمة هو كما قدمنا تصرف قانوني ، إذ هو تحكيم لضمير الخصم ، فإنه يجب لصحته  ما يجب لصحة التحكيم وقد نصت المادة 501 من تقننين المرافعات على أنه " لا يصح التحكيم إلا ممن له الصرف في حقوقه " . هذا من ناحية الأهلية . ومن ناحية الإرادة يجب أن يكون توجيه اليمين الحاسمة غير مشوب بغلط أو تدليس أو إكراه . ومن ناحية التوكيل في توجيه اليمين يجب أن تكون هناك وكالة خاصة كما في التحكيم ، وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 702 من التقنين المدني على أنه " لابد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة ، وبوجه خاص في البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء " . ولما كان توجيه اليمين تصرفاً قانونياً كما قدمنا ، فإنه ترد عليه الصورية كما ترد على الإقرار ومن ثم نرى أن توجيه اليمين ، كالإقرار ، تشترط فيه الأهلية الكاملة ، ويجب أن يكون خالياً من عيوب الإرادة ، ولابد فيه من وكالة خاصة ، وترد عليه الصورية  .

فيشترط إذن في الخصم الذى يوجه اليمين أن يكون كامل أهلية التصرف أى أن يكون قد بلغ سن الرشد وألا يكون محجوراً فالصبي الذى لم يبلغ سن الرشد ، والمحجور عليه لجنون أو عته أو غفلة أو سفه ، لا يجوز لأى منهما أن يوجه اليمين إلا بنائب عنه يملك ذلك والنائب قد يكون الولي ، وهو يملك توجيه اليمين لأنه يملك التصرف ، والوصي والقيم ، وهذا لا يجوز لهما توجيه اليمين إلا فى الأعمال التي يملكانها وهي أعمال الإدارة ، أما في أعمال التصرف فلا بد في توجيه اليمين من إذن المحكمة الحسبية دائرة الأحوال الشخصية ولاية على المال .

ويشترط أيضاً أن يكون توجيه اليمين غير مشوب بغلط أو تدليس أو إكراه ويكون توجيه اليمين مشوباً بغلط فى الواقع إذا أخفى الخصم الذى وجهت إليه اليمين عن الخصم الذى وجه اليمين مستنداً صالحاً لإثبات دعوى الخصم الثاني ، فيعتقد هذا ، عن غلط ، ألا سبيل أمامه إلا توجيه اليمين . وقد يكون الغلط فى القانون ، كما إذا اعتقد الخصم الذى وجه اليمين أن البينة ممنوعة قانوناً ، وليست معه كتابة تثبت ما يدعيه ، فوجه اليمين إلى خصمه ، ثم تبين بعد توجيه اليمين أن القانون يجيز البينة وقد يكون الخصم الذى وجه اليمين إنما وجهها بسبب تدليس وقع عليه من خصمه ، بأن أوهمه هذا مثلاً أن القانون لا يجيز له الإثبات بالبينة فليس أمامه من سبيل غير توجيه اليمين وقد يكون توجيه اليمين عن إكراه وقع على الخصم خارج مجلس القضاء ، فلم ير بداً من توجيه اليمين إلى خصمه ، ولا يعد إكراهاً أن يجد الخصم نفسه مجرداً من أى دليل على حقه فيضطر إلى توجيه اليمين ثم يستجد بعد ذلك دليل يحصل عليه . وفي جميع الأحوال التي يكون فيها توجيه اليمين مشوباً بغلط أو تدليس أو إكراه ، يعتبر توجيه اليمين غير صحيح بصفته تصرفاً قانونياً ، ويجوز لمن وجه اليمين أن يبطله ، حتى بعد أن يقبل الخصم الآخر الحلف ، وحتى بعد أن يحلف  .

ويشترط كذلك فيمن يوكل لتوجيه اليمين أن تصدر له وكالة خاصة في ذلك ، ولا تكفي الوكالة العامة ومن ثم لا يصح توجيه اليمين من وكيل عام ، ولا يصح من محام ما لم يكن التوكيل الصادر إليه منصوصاً فيه على تفويضه فى توجيه اليمين . ولكن لا يشترط تعيين محل توجيه اليمين على التخصيص ، فيصح التوكيل في توجيه اليمين في خصومة معينة دون تحديد ادعاء معين بالذات     .

ويجوز أخيراً أن ترد الصورية على توجيه اليمين ويكون ذلك نتيجة لتواطؤ الخصمين إضراراً بحقوق الغير كالدائنين والشركاء والخلف فيخفي الخصم الأدلة التي يملكها لإثبات حقه ، ويقتصر على توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه ، فيحلفها هذا ، فيخسر المدعي دعواه ، ويضر بذلك دائنيه وشركاءه والخلف وغيرهم من لهم مصلحة ويجوز لهؤلاء التدخل في الدعوى قبل صدور الحكم لمنع الإضرار بحقوقهم وإذا صدر الحكم ، جاز لهم أن يعارضوا فيه عن طريق اعتراض الخارج عن الخصومة لإثبات التوطؤ وسنعود إلى هذه المسألة عند بحث حجية اليمين  .

رقابة القاضي : وإذا كان لأى الخصمين ممن يحمل عبء الإثبات توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه ، فإن للقاضي رقابة عليه في توجيه هذه اليمين وقد كان القضاء يجعل هذه الرقابة ثابتة للقاضي في عهد التقنين المدني السابق ، فيجوز للقاضي تعديل صيغة اليمين تبعاً لوقائع القضية إذا كان ذلك بموافقة الخصم الذي وجهها ، ويجوز له أيضاً أن يرفض توجيهها إذا رأى أن الدعوى يكذبها ظاهر الحال وأن في توجيه اليمين تعسفاً ، أو أنها ثابتة بغير يمين ، أو أن اليمين بالصيغة التي وجهت بها غير منتجة وقد جاء  فى الموجز ، وهو يبسط الفقه في عهد التقنين المدني السابق ، في هذا المعنى  ما يأتى : " اليمين الحاسمة يوجهها الخصم لا القاضي . . . ولكن للقاضي أن يرفض توجيه اليمين إذا كانت الواقعة المراد الحلف عليها غير محتمله الصدق أو كذبتها مستندات الدعوى ، أو كانت هذه الواقعة ثابتة دون حاجة إلى الحلف ، فيكون توجيه اليمين في هذه الأحوال إنما يقصد به الكيد للخصم كذلك للقاضي أن يرفض توجيه اليمين إذا كان المقصود منها استغلال ورع الخصم الذى توجه إليه وشدة تدينه على أنه إذا رأى القاضي توجيه اليمين إلى شخص شديد التدين ، فلا يجوز لهذا الخصم الامتناع عن الحلف بحجة أن دينه يمنعه من ذلك .

ولم يستحدث التقنين المدني الجديد شيئاً ، إلا أنه نص صراحة على الحكم المتقدم ، وكان غير منصوص عليه في التقنين المدني القديم ، فذكر في آخر الفقرة الأولى من المادة 114 ما يأتي : " على أنه يجوز للقاضي أن يمنع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفاً في توجيهها وكان النص في المشروع التمهيدي للمادة 410 في التقنين المدني (الملغاه والتي حلت محلها المادة 114 من قانون الإثبات)  على أن توجيه اليمين الحاسمة لا يكون إلا بإذن القاضي ولكن اللجنة التشريعية بمجلس النواب خشيت أن يكون النص على هذا الوجه معناه أن توجيه اليمين الحاسمة يكون دائماً معلقاً على إذن القاضي ، وأرادت اللجنة أن تستبقى للمتقاضين الحق في توجيه اليمين الحاسمة على أن يكون للقاضي منع توجيهها إذا رأى أنها كيدية وأن الخصم متعسف في توجيهها ، فعدلت النص على النحو الذى رأيناه     .

ويلاحظ أنه إذا كانت الواقعة المراد التحليف عليها غير محتملة الصدق ، أو كذبتها مستندات الدعوى ، أو كانت غير منتجة ، أو كانت خالي من الدليل ولكن المدعي وجه اليمين مستغلاً فى ذلك ورع خصمه وتحرجه من الحلف ، كان مدعى هذه الواقعة وهو يوجه اليمين على خصمه متعسفاً فى توجيهها ، فيمنعه القاضي أما إذا كانت الواقعة ثابتة دون حاجة إلى  الحلف ، فالذى يتعسف في توجيه اليمين هو الخصم الآخر ، يوجه اليمين إلى المدعي في الواقعة الثابتة ليحلف أن له الحق الذى يدعيه ، فلا يقبل القاضي فى هذه الحالة توجيه هذه اليمين ، لأنه يستطيع الحكم بثبوت الحق المدعي بمقتضى الأدلة المقدمة دون حاجة إلى تحليف المدعى أية يمين     .

ورقابة القاضي لمنع التعسف فى توجيه اليمين على النحو الذي بسطناه تعتبر خطوة طيبة نحو إيجابية موقف القاضي من الإثبات     .

لمن توجه اليمين الحاسمة

توجه اليمين إلى الخصم الذى له حق المطالبة بالإثبات : وتوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر الذى له حق المطالبة بالإثبات ، وتوجيه اليمين إليه تقلب موقفه . فبعد أن كان غير مكلف بشئ وما عليه إلا أن ينتظر من خصمه تقديم الدليل على دعواه فإن لم يقدم هذا الدليل خسر الدعوى وخرج الخصم من القضية منتصراً دون أن يقوم بعمل ، إذا به بعد أن وجهت إليه اليمين يرى نفسه مضطراً إلى قبول احتكام خصمه إلى ضميره ، إذا لم يختر هو بدره أن يحتكم إلى ضمير خصمه برد اليمين عليه . فهو إنما يكسب الدعوى إذا حلف اليمين ، فأصبح إذن مكلفاً بشئ يقوم به حتى يكسب الدعوى ، وقد كان قبل توجيه اليمين إليه غير مكلف بشئ وإذا نكل عن حلف اليمين ، كان فى هذا معنى الإقرار بحق خصمه ، وقد رأينا أن الإقرار ينطوي على نزول عن حق المطالبة بالإثبات ، وهو الحق الذى كان له قبل توجيه اليمين إليه  .

لا توجه اليمين إلا إلى خصم أصلي في الدعوى : ولا يجوز توجيه اليمين إلى خصم أصلي في الدعوى فإذا رفع الدائن باسم مدينه دعوى الدين على مدين مدينه ، فلا يجوز للمدعى عليه فى هذه الدعوى أن يوجه اليمين الحاسمة إلى دائن الدائن لأنه ليس إلا نائباً عن الدائن وليس خصماً أصلياً في الدعوى . فيجب إذن أن يكون توجيه اليمين إلى الدائن ، وهو الخصم الأصلي ،  بعد إدخاله في الدعوى وفقاً للمادة 235 فقرة 2 من التقنين المدني  ولا توجه اليمين ، في دعوى تقام ضد إحدى الشركات ، إلى شريك انسحب منها فلم يعد خصماً  ، ولا إلى شخص ليس خصماً في الدعوى ولم موظفاً في الشركة ، ولا إلى جملة من الشركاء كل شريك يحلف على وقائع لا تخصه هو بل تخص الشركاء الآخرين ولا توجه اليمين إلى أحد مديري مصرف إذا كان هذا المدير لا يملك التصرف إلا بالاشتراك مع سائر المديرين ، ولا إلى الوكيل إذا كانت الواقعة المراد اثباتها منسوبة إلى الأصيل ، ولا إلى الغير مع إدخاله خصيصاً في الخصومة لحلف اليمين وإذا كان الخصم شخصاً معنوياً ، وجهت  اليمين إلى من يمثله     .

توافر أهلية التصرف فيمن يوجه إليه اليمين : ويجب فيمن توجه إليه اليمين أو تتوافر فيه أهلية التصرف في الحق الذى توجه إليه فيه اليمين ذلك أن كل خصم توجه إليه اليمين يجب أن يكون قادراً على الخيار ما بين الحلف والرد والنكول ، ورد اليمين كتوجيهها تشترط فيه أهلية التصرف ، والنكول كالإقرار لا يملكه إلا من ملك التصرف في الحق . ومن ثم لا يجوز توجيه اليمين إلى صبي لم يبلغ سن الرشد إلا فيما يملك من أعمال الإدارة ، ولا إلى محجور عليه لجنون أو عته أو غفلة أو سفه ولا يجوز توجيهها إلى النائب عن هؤلاء ، كوصي أو قيم ، إلا عن أعمال صدرت منه شخصياً  أو عن أعمال الإدارة التي يملكها أما الولي فيملك التصرف فى مال الصغير ، فيجوز توجيه اليمين إليه  .

ويجب أن تتوافر أهلية التصرف فيمن توجه إليه اليمين وقت الحلف ، لا وقت توجه اليمين فإذا كان أهلاً وقت توجيه اليمين ، ثم حجر عليه قبل الحلف ، فلا يجوز له أن يحلف بعد توقيع الحجر عليه    .

وسنرى أنه إذا جاز التوكل في توجيه اليمين بمقتضى وكالة خاصة ، فإنه لا يجوز التوكيل أصلاً في حلف اليمين ، ذلك أن النيابة تجرى في الإستحلاف ولا تجرى في الحلف  .

متى يجوز رد اليمين : ويتبين من النص المتقدم الذكر أن اليمين يجوز ردها من الخصم متى وجهت إليه ، وذلك إذا لم يرد الحلف فمن وجهت إليه اليمين يلتزم إذن التزاماً أصلياً بحلفها ، والتزاماً بدلياً بردها على خصمه . ويترتب على أن الالتزام بالرد هو التزام بدلي لا التزام تخييرى أنه إذا وجهت اليمين إلى خصم فأصبح ملتزماً بالحلف أصلاً وبالرد بدلاً ، ثم استحال عليه تنفيذ الالتزام الأصلي وهو الحلف ، بأن مات أو أفلس أو حجر عليه ، فلا يصار إلى الالتزام البدلي وهو رد اليمين ، بل يسقط الالتزامان معاً – الحلف والرد - وتعود الحالة بين من وجه اليمين وورثة من وجهت إليهم إلى ما كانت عليه قبل توجيه اليمين ولو كان الالتزام بالرد التزاماً تخييرياً ، واستحال تنفيذ الالتزام الأصلي وهو الحلف ، لوجب تنفيذ الإلتزام التخييرى ، ولاعتبرت اليمين مردودة على الخصم الذى وجهها    .

شروط رد اليمين : ويشترط في رد اليمين ما يشترط فى توجيهها ، إذ رد اليمين كتوجيهها تصرف قانونى بإرادة منفردة فيشترط فى الرد إذن كمال أهلية التصرف ، والخلو من عيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه ، والخلو من التواطؤ والصورية ، وصدور توكيل خاص إذا فوض الخصم غيره في الرد وقد سبق تفصيل ذلك عند الكلام في توجيه اليمين ويصبح الرد غير قابل  للرجوع فيه بمجرد قبول الخصم الذى ردت عليه اليمين أن يحلف ، وذلك كما في توجيه اليمين  .

ويشترط أيضاً أن يكون الرد واقعاً على نفس اليمين التى وجهت ، فيجب إذن أن يكون في واقعة قانونية محددة غير مخالفة للقانون أو النظام العام أو الآداب وحاسمة في الدعوى . ويشترط ، فوق ذلك ، أن يكون الرد في واقعة يشترك فيها الخصمان ، فلا يجوز في واقعة يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين . فإذا وهب رجل لابنه منزلاً واشترط عليه أن يتزوج في خلال سنة وإلا فسخت الهبة ، ثم رفع دعوى على ابنه بالفسخ ووجه إليه اليمين الحاسمة على أنه تزوج في خلال السنة ، فلي للابن إلا أن يحلف اليمين فيكسب الدعوى ، أو ينكل فيخسر . ولا يجوز له أن يرد اليمين على أبيه ، ويطلب منه أن يحلف هو على أن الابن لم يتزوج في خلال السنة ، وذلك لأن واقعة الزواج هذه واقعة لا يشترك فيها الخصمان بل يستقل بها الابن وحده ، فلا يجوز رد اليمين فيها على الأب  .

 أثر رد اليمين : ومتى ردت اليمين ، أصبحت موجهة إلى من كان قد وجهها أول مرة . فينقلب الموقف ، ويصبح هذا هو الملتزم بالحلف ، ثم لا يجوز له رد اليمين ثانية على من ردها عليه ، وإلا وردنا في حلقة مفرغة وأجزنا الرد إلى ما لا نهاية . فإن حلف كسب الدعوى ، وإن لم يحلف عدناً كلا وخسر دعواه ويجرى في كيفية الحلف وفيما يترتب من الأثر على الحلف والنكول ، في حالة الرد ، ما يجرى في حالة توجيه اليمين  .

على أن كل هذا مشروط بأن يكون الرد واقعاً على نفس اليمين التي وجهت أولاً كما قدمنا فإذا عدلت اليمين المردودة ، كان الرد توجيهاً ليمين جديدة يجوز ردها ثانية مثل ذلك أن يوجه المدعي اليمين إلى المدعى عليه على أنه ليس في ذمته الدين المدعي به ، فيرد المدعى عليه اليمين معدلاً ، وبدلاً من أن يطلب من المدعى أن يحلف هو على أن الدين في ذمة المدعى عليه ، يطلب منه الحلف على أنه لم تقع مقاصة بين الدين والمدعي به وحق يقابله فى ذمة المدعي . فإن رد المدعى عليه اليمين معدلة على هذا النحو ، يكون قد اعترف بأن الدين قد قام ابتداء في ذمته ولكنه انقضى بعد ذلك بالمقاصة . ولما كان هو المطالب بتقديم الدليل على وقوع المقاصة ، ولا دليل عنده على ذلك ، فهو يوجه يميناً أخرى  جديدة إلى المدعي في خصوص وقوعها . ويجوز عندئذ للمدعى أن يرد اليمين الجديدة على المدعى عليه ليحلف أن له حقاً تقع به المقاصة     .

حجية اليمين الحاسمة

حجية اليمين الحاسمة من حيث الحلف : اليمين الحاسمة ، كالإقرار ، حجيتها قاصر ، كما قدمنا ، سواء في ذلك عند الحلف أو عند النكول  .

أما من حيث الحلف ، فمن وجه اليمين واحتكم بذلك إلى ذمة خصمنه ، كان أثر هذا الاحتكام قاصراً عليه هو وورثته بصفتهم خلفاً عاماً له  .

ولا يتعدى هذا الأثر إلى غير الخصم وورثته . فلا يتعدى إلى الشريك أو الورثة فيا بينهم أو المدين المتضامن . فلو وجه أحد الشركاء في الشيوع اليمين إلى مدعي استحقاق الملك الشائع ، وحلف هذا ، كانت اليمين حجة على الشريك الذى وجه اليمين دون غيره من الشركاء . ولو وجه أحد الورثة اليمين إلى دائن التركة وحلف ، كانت اليمين حجة على الوارث الذى وجه اليمين دون غيره من الورثة . ولو وجه أحد المدينين المتضامين اليمين إلى الدائن وحلف ، كانت اليمين حجة على المدين الذى وجه اليمين دون غيره من المدينين  م 295 فقرة 2 مدنى   .

وإذا ادعى شخص ديناً على آخر ، فوجه المدعى عليه اليمين إلى المدعي فحلف ، كانت اليمين حجة على من وجهها ، ولا تكون حجة على دائنيه إذا طعنوا في اليمين بالتطواطؤ وإذا تنازع شخصان على عقار ، وباع أحدهما هذا العقار ، ثم وجه اليمين للمتنازع معه فحلف ، كانت اليمن حجة على من وجهها دون المشترى منه  أما إذا كان حلف اليمين قبل البيع ، كانت اليمين حجة على المشترى     .

حجية اليمين الحاسمة من حيث النكول : وأما من حيث النكول فحجية اليمين قاصرة قصورها من حيث الحلف فمن نكل من الشركاء فى الشيوع ، كان نكوله حجة عليه دون سائر الشركاء . ومن نكل من الورثة ، كان نكوله حجة عليه دون سائر الورثة  ومن نكل من المدينين المتضامنين ، كان نكوله حجة عليه دون سائر المدينين  م 295  فقرة 2 مدني   .

تعارض قصور حجية اليمين مع قواعد أخرى : ولكن قد تتعارض القاعدة التي تقضي بقصور حجية اليمين مع قواعد أخرى ، فتتعدى  عند ذلك حجية اليمين من ذلك أثر القاعدة التي تقضي بأن عمل احد المدينين المتضامنين يفيد الباقين . وقد قضت الفقرة الثالثة من المادة 295 مدني بأنه " إذا اقتصر الدائن على توجيه اليمين إلى أحد المدينين المتضامين فحلف ، فإن المدينين الآخرين يستفيدون من ذلك "  فهنا تعدت حجية اليمين إلى سائر المدينين المتضامنين ومن ذلك القاعدة التي تقضي بإرتباط التزام الكفيل بالتزام الأصيل فاليمين التى توجه إلى المدين الأصلي فيحلفها تبرئ ذمة الكفيل ، وكذلك اليمين التي توجه إلى الكفيل في أصل الدين لا في الكفالة فيحلفها تبرئ ذمة الأصيل     .

الفروق الجوهرية بين اليمين الحاسمة اليمين المتممة : وقد آه أن نلخص الفروق الجوهرية بين اليمين الحاسمة واليمين المتممة ، ومردها جميعاً يرجع إلى أن اليمين الحاسمة تحكيم يتقيد به الخصوم والقاضي ، أما اليمين المتممة فوسيلة تكميلية من وسائل التحقيق والإثبات لا يتقيد بها أحد . ويترتب على هذا الأصل الفروق الجوهرية الآتية بين اليمينين :

أولاً : اليمين الحاسمة يوجهها الخصم تحت رقابة القاضي أما اليمين المتممة فيوجهها القاضي وحده  .

ثانياً : لا يجوز للخصم الرجوع فى اليمين الحاسمة بعد أن يقبلها الخصم  الآخر . وللقاضى أن يرجع عن توجيه اليمين المتممة فى أي وقت بعد توجيهها  .

ثالثاً : اليمين الحاسمة نتائجها محتمة : يكبس من يحلفها ، ويخسر من ينكل عنها ، أما ليمين المتممة فليست لها نتائج محتمة ، ولا يتقيد القاضي بموجبها حلفها الخصم أو نكل  .

رابعاً : اليمين الحاسمة يجوز ردها على الخصم الآخر ، أما اليمين المتممة فلا ترد.(الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني  المجلد الأول ، الصفحة : 676)

 

أولاً : تعريف اليمين:

اليمين هي استشهاد الله عز وجل على قول الحق مع الشعور بهيبة المحلوف به وجلاله والخوف من بطشه وعقابه (المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة الجزء الثاني ص 69 ) وعرف الدكتور السنهوري اليمين بأنه قول يتخذ فيه الحالف الله شاهداً على صدق ما يقول أو على إنجاز ما يعد ويستنزل عقابه إذا ما حنث (الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 67)، ما جاء في القواعد المرافعات للعشماوي الجزء الثاني ص 62 بأن اليمين هي إستشهاد الله عز وجل على قول الحق مع شعور ديني بالخوف منه واتقاء بطشه كما عرف الدكتور سليمان مرقص اليمين بأنه إخبار عن أمر مع الاستشهاد بالله تعالى على صدق الخبر .. ويكلف بها أحد الخصوم لتأييد ادعائه عندما يعوزه الدليل عليه أصول الإثبات وإجراءاته الجزء الأول ص 595).

ثانياً : الغرض منه :

تقررت اليمين بوصفها طريقاً من طرق الإثبات الإسعاف المدعي بالدليل عند تخلفه إذا أنه عند انتفاء الدليل فإن العدالة تقتضي الترخيص له بالإحتكام إلى ذمة خصمه (الأعمال التحضيرية الجزء الثالث ص 444 وما بعدها). 

ثالثاً : أنواع اليمين :

اليمين نوعان قضائية وغير قضائية وذلك على التفصيل الآتي:

(أ) اليمين القضائية :

اليمين القضائية هي التي تؤدي في مجلس القضاء وهي نوعان اليمين الحاسمة وهي التي يوجهها الخصم إلى خصمه عند عجزه عن إثبات حقه حسماً للنزاع واليمين المتممة وهي التي للقاضي أن يوجهها لأحد الخصمين تتميماً للأدلة المقدمة إليه. (المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الجزء الثاني ص 69).

ومن ثم فإن اليمين الأول فقط هي التي تحسم النزاع وتقوم مقام الدليل أما الثانية فهي وسيلة يستكمل بها القاضي اقتناعه ولا تقوم مقام الدليل وتلحق باليمين الحاسمة يمين الإستيثاق ويمين العلم وتلحق باليمين المتممة يمين التقويم الدكتور سليمان مرقص في أصول الإثبات الجزء الأول ص 596).

(ب) اليمين غير القضائية :

وهي التي تؤدي خارج مجلس القضاء بناء على اتفاق بين الخصوم سواء أكان هذا الإتفاق شفاها أم بالكتابة ليضعوا حداً للنزاع القائم بينهم و يعتبر الإتفاق على توجيهها صلحاً معلقاً على شرط أداء اليمين طبقاً للصيغة المتفق عليها وتثبت واقعة توجيه اليمين وحلفها طبقاً للقواعد في الإثبات ولكن بمجرد قیام الدليل على توجيهها وحلفها تنتج كل آثار اليمين الحاسمة في وضع حد النزاع العشماوي في قواعد المرافعات الجزء الثاني ص 62).

رابعاً من يوجه اليمين الحاسمة :

يجوز لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر فلكل من يقع عليه عبء إثبات واقعة قانونية ولا يكون في استطاعته تقديم دليل على ما يدعيه أن يوجه اليمين الحاسمة ولكن لما كان يترتب على أداء اليمين أن يخسر من وجهها دعواه فلابد أن يكون من يوجه اليمين أهلاً للتصرف في الحق موضوع اليمين ويترتب على ذلك أنه لا يجوز للوصي أو وكيل النائب أو القيم توجيه اليمين فيما يتعلق بأعمال التصرف التي لا تدخل في سلطة أي منهم إلا بإذنه من المحكمة كما لا يجوز لوكيل وكالة عامة أن يوجه اليمين الحاسمة باسم موكله إلا إذا وكل في توجيهها وكالة خاصة وعلى ذلك فاليمين لا توجه إلا من الخصم لخصمه فلا يصح توجيهها من القاضي لأنه لا يملك التحكيم ولا التنازل ولا الصلح ولا التعاقد ولا التصرف في حقوق المتقاضين ولا الالتجاء إلى ذمتهم إلا حيث يسمح له القانون بتوجيه اليمين المتممة وخلاصة ذلك أن المقصود بالخصم الذي يوجه اليمين الحاسمة هو كل خصم مكلف بإثبات واقعة قانونية لا يملك دليلها سواء كان مدعياً يريد إثبات حق يدعيه أو مدعى عليه يريد إثبات دفع يدعيه كما هو ظاهر من المادة 114 من قانون الإثبات التي قالت «يجوز لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر» فإذا رفع شخص على آخر دعوى بدين مثلاً ولم يكن لديه دليل على دعواه كان له أن يوجه للمدعى عليه اليمين الحاسمة على أن ذمته ليست مشغولة بهذا الدين وإذا قدم الدائن دلیل دعواه وادعى المدعى عليه التخالص ولم يكن لديه دليل على هذا التخالص كان له أن يوجه اليمين الحاسمة للمدعي على أنه لم يتخالص بدينه .

الدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات طبعة 1981 ص 174، والمستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الجزء الثاني ص 80 وما بعدها)

خامساً : من يوجه إليه اليمين الحاسمة :

القاعدة العامة أنه لا يجوز التوكيل في تأدية اليمين فلا يجوز توجيه اليمين الحاسمة إلا لشخص حاضر بشخصه في الخصومة فلا يصح توجيهها لشخص حاضر بصفته وكيلاً أو نائباً عن الغير لأن اليمين متعلقة بذمة الحالف فلا يستطيع شخص أن يحلف عن أمر متعلق بذمة غيره فإذا كانت الواقعة المطلوب الحلف عليها متعلقة بشخص الوصي أو الوكيل وداخله في حدود سلطتهما جاز توجيه اليمين لهما عنها وإلا يجوز توجيه اليمين من الخصم إلا لخصمه المباشر في الدعوى فلا يجوز توجيهها في المدعى لشخص أدخله المدعى عليه ضامنة في الدعوى ويشترط فيمن وجهت إليه اليمين أن يكون الخصم الحقيقي في الدعوى أي الذي يؤدي حلفه لحسم النزاع ففي دعوى الشفعة إذا أريد إثبات صورية الثمن وجب توجيه اليمين للمشتري لا للبائع وفي إثبات أن الشفيع مسخر لمصلحة البائع يجب توجيه اليمين للشفيع لا للبائع (العشماوي في قواعد المرافعات الجزء الثاني ص625  وما بعدها).

 سادساً : طبيعة اليمين :

اليمين ليست تعاقدة وهي ليست كذلك من الصلح في شيء لأن الصلح يفترض تنازل كل من المتعاقدين عن جانب من مزاعمه أما من يوجه اليمين فهو لا يملك طريقة من طرق الإثبات بل هو يؤمن ابتداء بخسارة دعواه وهو بالتجاءه إلى اليمين لا يتنازل عن شيء ما لأن توجيه هذه اليمين يتمحض لمنفعته والواقع أن اليمين ليست إلا تأكيد واقعة أمام القاضي في ظل ضمانه من الذمة أو العقيدة الدينية وهي بهذا الوصف ليست إلا علاجاً يحد من مساوي نظام تقييد الدليل باعتبار هذا النظام ضرورة لا معدي عنها لتأمين استقرار المعاملات وأن كان تطبيقه في نطاق العمل قد يسفر عن نتائج تناقض العدالة فإدعاء من فاته تحصيل الدليل المقرر من جراء إهمال أو إسراف في الثقة قد يكون صحيحاً رغم انتفاء هذا الدليل ولو التزمت الأحكام العامة في القانون الترتسب عليها إخفائه لكن العدالة تقتضي الترخيص له بالإحكام إلى ذمة خصمه ولذلك لا ينبغي تقصي طبيعة اليمين من الناحية الفقهية في أحكام القانون المدني لأن اليمين تقتضيه العدالة ولم يجد القانون بداً من إقراره لتخويل من فاته تحصيل الدليل المطلوب حق الإحتكام إلى ذمة خصمه أو مروعته أو شعوره الديني (مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثالث ص 445 وما بعدها).

سابعاً : سلطة المحكمة في أن تمنع توجيه اليمين :

للمحكمة السلطة في رفض توجيه اليمين إذا تبين لها أنها واردة على وقائع لا تحسم النزاع أو ليست متعلقة بشخص الخصم الموجهة إليه أو لا يدخل في سلطة الحلف عليها أو موجهة لشخص ليس خصماً حقيقياً في الدعوى أو أريد بها نفي ما تضمنه عقد رسمي مما أثبته الموظف باعتبار أنه رآه أو سمعه أو باشره في حدود وظيفته أو نفي القرينة المستفادة من حكم حاز قوة الشيء المقضي به وبالجملة لانتفاء شرط من شروط توجيه اليمين (العشماوي في قواعد المرافعات الجزء الثانية 629 ) .

ومن المسلم أن القاضي إذا رفض الحكم بتوجيه اليمين تعين عليه أن يسبب رفضه وان يبين وجه الإساءة في استعمال حق توجيه اليمين غير أن الحكم برفض طلب توجيه اليمين لا يمنع طالبها من أن يتمسك بهذا الطلب أمام محكمة الاستئناف عملاً بالمادة 233 مرافعات جديدة .(الدكتور سليمان مرقص في أصول الإثبات وأجزائه الجزء الأول ص 637 وما بعدها).

اليمين :

تنص المادة 114 من قانون الإثبات في فقرتها الثانية على أنه «ولمن وجهت إليه اليمين أن يردها على خصمه على أنه لا يجوز الرد إذا انصب اليمين على واقعة لا يشترك فيها الخصمان بل يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين ومفاد ذلك أن يجوز لمن وجهت إليه اليمين أن يردها على خصمه وفي هذه الحالة يتعين على من ردت عليه اليمين أن يحلفها فلا يستطيع أن يردها فإذا لم يحلفها ونكل عنها خسر دعواه وتعين على القاضي الحكم عليه وإذا كان من الجائز لكل من توجه إليه اليمين أن يردها إلى خصمه إلا أنه قد يحدث ألا تكون الواقعة محل اليمين مشتركة بين الطرفين بل قد تكون خاصة يستقل بها شخص من وجهت إليه ففي هذه الحالة لا يجوز لمن وجه إليه اليمين أن يردها ومن ذلك مثلاً حالة ما إذا وجه الشفيع اليمين للمشتري في شأن مقدار الثمن فلا يجوز للمشتري أن يرد اليمين على الشفيع لأنه أجنبي على الإتفاق الخاص بالثمن (الدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات طبعة 1981 ص 181 ).

 رد اليمين :

لا يجوز الرد إذا انصب اليمين على واقعة لا يشترك فيها الخصمان بل يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين إذ أن الأصل أنه يجب أن يكون موضوع اليمين واقعة متعلقة بشخص من وجهت إليه اليمين ولهذا يشترط في حالة الرد أن تكون الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالخصمين معاً فلا يجوز في دعوى الشفعة أن يرد المشتري اليمين على الشفيع إذا كان الأمر المطلوب الحلف عليه هو الثمن لأن مسألة الثمن متعلقة بشخص البائع والمشتري لم يشاهدها أو يعلمها الشفيع لأنه أجنبي عن الإتفاق .

قانون الإثبات للمستشار محمد عبد اللطيف وتنقيح (المستشار ياسين عكاشة طبعة نقابة المحامين ص 519 ) - وفي ذلك قيل بأن نص المادة 114 من قانون الإثبات أنه يشترط في رد اليمين ما يشترط في توجيهها ويترتب على ذلك ما يأتي :

أولاً: يعتبر رد اليمين الحاسمة بمثابة توجيه لها وعلى ذلك يشترط فيمن رد اليمين أن تتوافر فيه الأهلية الكاملة وأن يكون الرد صادراً بمحض اختياره فلا يشوب إرادته أي عيب من العيوب التي تفسد الرضاء كالظط أو الإكراه أو التدليس .

ويشترط كذلك فيمن يوكل لرد اليمين أن تصدر له وكالة خاصة في ذلك فلا تكفي الوكالة العامة فلا يصح للمحامي من الخصم الذي وجهت إليه اليمين أن يردها على موجهها إلا إذا كان التوكيل الصادر له من موكله منصوصاً فيه على توجيه اليمين أوردها .

ولا يجوز لمن رد اليمين الرجوع عن الرد بمجرد قبول الخصم الذي ردت إليه اليمين أن يحلفها ذلك أن رد اليمين يعتبر بمثابة توجيه لها فيمتنع على من ردها الرجوع في الرد متى قبل خصمه الخلف ، أما إذا رجع من رد اليمين على خصمه في الرد قبل أن يقبل من ردت إليه أن يحلفها فهذا جائز لكن يترتب على هذا الرجوع زوال أثر الرد فيعتبر كأن لم يكن فتعود اليمين ثانية موجهة إلى من ردها ويتعين عليه أن يحلف وإلا أعتبر ناکلاً .

 ثانياً : يشترط في رد اليمين أن تكون الواقعة موضوع اليمين مشتركة بين الطرفين أي متعلقة بشخص كل منهما فلا يصح الرد في واقعة يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين .

ثالثاً : يشترط أيضاً أن يكون رد اليمين الحاسمة عن نفس الواقعة التي وجهت من أجلها فمتى كان الرد منصباً على ذات الواقعة موضوع اليمين وجب على من ردت إليه أن يحلفها وإلا أعتبر ناكلاً عنها فلا يجوز له رد اليمين ثانية على من ردها عليه .

 أما إذا كان رد اليمين عن واقعة غير الواقعة التي وجهت في شأنها اليمين أو معدلة لها فيعتبر لرد توجيها ليمين جديدة فيجوز لمن ردت عليه أن يردها مرة ثانية إلى خصمه.

فمثلاً إذا وجه الدائن اليمين الحاسمة إلى مدينه في شأن دين معین فردها ليه المدين ولكن انصب الرد على واقعة معدلة للواقعة موضوع اليمين بأن طلب المدين من دائنه أن يحلف على أنه لم تقع مقاصة بين الحق المدعي به وبين ما هو مستحق له في ذمة دائنه ففي هذه الحالة يعتبر الرد توجيها ليمين جديدة عن موضوع الدين الذي يدعيه المدين في ذمة دائنه ويريد أن تحصل به المقاصة وعلى ذلك يجوز للمدعي رد هذه اليمين إلى المدعى عليه في شأن هذه الواقعة الجديدة ليحلف أن له حقاً في ذمة المدعي تقع به المقاصة (قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية تأليف المستشار محمد عبد اللطيف وتنقيح المستشار حمدي ياسين عكاشة طبعة نقابة المحامين ص 518 وما بعدها).

عاشراً: هل يجوز توجيه اليمين الحاسمة في مجال القضاء المستعجل؟ يثور التساؤل في مجال القضاء المستعجل عما إذا كان يجوز لقاضي الأمور المستعجلة قبول توجيه اليمين الحاسمة الموجهة من خصم لآخر .

والرأي أنه ولما كان المقرر وفقاً لنص المادة 45 من قانون المرافعات أن قاضي الأمور المستعجلة يختص بالحكم بصفة مؤقتة ومع عدم المساس بالحق فى المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الأوان، وإذا كان ذلك وكانت اليمين الحاسمة قاطعة في أصل الحق ويجوز الحكم الصادر فيها حجية في نطاق الموضوع محل النزاع ومن ثم يكون ملزمة القاضي الموضوع فيما قضى به الأمر الذي لا يتسع له نطاق اختصاص القاضي المستعجل الذي يفصل من ظاهر المستندات دون التعرض لأصل الحق كما وأن حجية الحكم الصادر في الإجراء الوقتي مؤقتة وذلك خلافاً للحكم الصادر في موضوع اليمين الحاسبة ومن ثم فإنه لا يجوز لقاضي الأمور المستعجلة قبول طلبت وجيه الحاسمة الموجهة من خصم لأخر لمساس ذلك بأصل الحق.

هل يجوز اتفاق الخصوم على عدم توجيه اليمين ؟

اتفاق الخصوم - وقت التعاقد أو قبل إقامة الدعوى أو في أثناء نظرها - على عدم جواز توجيه اليمين الحاسمة هو اتفاق مشروع ليس فيه ما يخالف النظام العام لأن اليمين الحاسمة يملكها الخصم إذا أعوزه الدليل ولا يملكها القاضي ليستنير بها في الدعوى ولأن مثل هذا الاتفاق قد يكون المقصود منه تفادي الكيدية في توجيهها وعدم تأنياً لخصم في مشاعره الشدة تدينه وورعه ولأن ذات المحكمة تملك رفض طلب توجيه اليمين الحاسمة إذا تبينت منه الكيدية بقصد إيذاء مشاعر المراد أستحلافه ولأنه من الجائز اتفاق الخصم على الإثبات بالكتابة حيث لا يتطلبها القانون الإثبات بشهادة الشهود حيث يتطلب القانون الإثبات بالكتابة وبداهة يجوز اتفاق الخصوم مقدمة على جواز توجيه اليمين الحاسمة كلما تطلب الأمر ذلك والأمر مختلف بالنسبة لليمين المتممة إذ أنه لا يجوز اتفاق الخصوم على عدم اتخاذ أي إجراء من إجراءات الإثبات لأن اتخاذ إجراءات الإثبات هو حق للقاضي المكلف بالحكم في الدعوى والذي قد لا يملك الحكم فيها دون الاستنارة باتخاذ ما قد يرى اتخاذه من إجراءات الإثبات وبالتالي فإن اتفاق الخصوم على عدم جواز توجيه اليمين إذا حصل نزاع فيما بينهم لا يمنع القاضي بأي حال من الأحوال من توجيه اليمين المتممة من تلقاء نفسه عملاً بالمادة 119 إثبات ، وكل هذا ما لم يكن كل ما يدعونه ثابتة بالكتابة .

 (الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات الطبعة الثانية 1981 ص320 ).(الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه،  طبعة 2014، 2015 دار محمود،  المجلد :  الثاني ، الصفحة : 317)

واليمين إخبار عن أمر من الاستشهاد بالله تعالى على صدق الخبر ويكلف بها الشهود قبل أن يؤدوا شهادتهم وتوجه إلى أحد الخصوم عندما يعوز خصمه الدليل على دعواه .

واليمين التي يكلف بها الخصوم نوعان قضائية وغير قضائية، والأولى: هي التي تحلف بمجلس القضاء، والثانية: هي التي يتفق على حلفها في غير مجلس القضاء .

واليمين غير القضائية يتفق الطرفان عليها وعلى أحكامها ويخضع إثبات الاتفاق عليها للقواعد العامة في إثبات العقود، ومؤداها أن الإتفاق يجب إثباته بالكتابة إذا كان موضوع الحلف تجاوز قيمته خمسمائة جنيه، وأن واقعة الحلف في ذاتها يجوز إثباتها بكافة الطرق باعتبارها واقعة مادية، فإذا تم حلفها ترتب عليها جميع آثار اليمين القضائية وبالتالي فإن الحالف يعتبر محقاً في دعواه وخصمه مبطلاً فيها، وعلى عكس ذلك يعتبر الناكل مبطلاً في دعواه وخصمه محقاً، وإذا لجأ أحدهما بعد ذلك القضاء فإن ذلك لا يكون إلا لإثبات حصول الحلف أو النكول .

واليمين القضائية نوعان: اليمين الحاسمة واليمين المتممة ، وتلحق بالأولى يمين الإستيثاق ويمين عدم العلم، وتلحق بالثانية يمين التقويم .

واليمين الحاسمة هي يمين يوجهها الخصم إلى خصمه عندما يعوزه الدليل وهي ليست دليلاً يقدمه المدعي على صحة دعواه بل هي طريقة احتياطية لا تخلو من مجازفة يلجأ إليها المدعي عندما يعوزه كل دليل آخر على صحة الدعوى وظاهر من النص أن الذي يوجه اليمين الحاسمة هو أي من الخصمين يكون عليه عبء إثبات واقعة قانونية فيستطيع أن يوجه اليمين إلى خصمه فيما يجب عليه هو أن يثبته ، ولما كان توجيه اليمين تصرفاً قانونياً فإنه يشترط فيه أن يكون خالياً من عيوب الإرادة أي غير مشوب بغلط أو تدليس أو إكراه، فإذا أعتقد من وجه اليمين أن البينة ممنوعة قانوناً فوجه اليمين ثم تبين غلطه بعد ذلك، كان توجيه اليمين مشوباً بغلط فإذا كان خصمه هو الذي أوقعه في هذا الغلط كان توجيه اليمين مشوباً بتدليس. وقد يكون توجيه اليمين عن إكراه وقع على الخصم خارج مجلس القضاء ، ولكن لا يعد إكراها أن يجد الخصم نفسه مجرداً من أي دليل فيضطر إلى توجيه اليمين ثم يستجد دليل يحصل عليه. وفي جميع الأحوال التي يكون فيها توجيه اليمين مشوباً بغلط أو تدليس أو إكراه يعتبر توجيه اليمين غير صحيح بصفته تصرفاً قانونياً. ويجوز لمن وجه اليمين أن يبطله حتى بعد أن يقبل الخصم الآخر الحلف وحتى بعد أن حلف وللقاضي رقابة على الخصم في توجيه اليمين فمع التسليم بأن توجيه اليمين حق للخصم إلا أن القاضي فضلاً عن أن له سلطة التحقيق من توافر الشروط اللازمة الاستعمال هذا الحق له أيضاً سلطة منع صاحبه من إساءة استعماله فيجوز له رفض توجيه اليمين إذا كانت الواقعة المطلوب تحليف الخصم عليها ليست متعلقة بشخصه أو ليست منتجة ولا حاسمة أو إذا اتضح له أن القصد من توجيه اليمين مجرد تأخير الدعوى أو قصد الكيد باستغلال ورع الخصم وشدة تدينه أو الإمكان التشهير به. وقررت محكمة النقض في أحكامها المتواترة أن اليمين الحاسمة ملك الخصم لا ملك القاضي، ومن ثم يكون متعيناً على القاضي أن يجيب طلب توجيهها متى توافرت شروطها إلا إذا استبان له أن طالبها متعسف في هذا الطلب.

وقد نصت الفقرة الثانية من المادة على أن يحوز لمن وجهت إليه اليمين أن يردها على خصمه وذلك إذا لم يرد الحلف ويشترط في رد اليمين ما يشترط في توجيهها إذ رد اليمين كتوجيهها تصرف قانوني بإرادة منفردة ويشترط أن يكون الرد واقعاً على نفس اليمين التي وجهت فيجب إذن أن تكون واقعة قانونية محددة غير مخالفة للقانون أو النظام العام والآداب وحاسمة في الدعوى ويشترط فوق ذلك أن يكون الرد في واقعة يشترك فيها الخصمان فلا يجوز في واقعة يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين فإذا وجه الشفيع اليمين للمشتري في خصوص مقدار ثمن البيع، لم يجز للمشتري أن يرد اليمين على الشفيع لأن هذا أجنبي عن الاتفاق الخاص بالثمن فلا يمكنه التأكد من حقيقة مقداره .

غير أنه في الحالات التي لا تكون فيها الواقعة مشتركة بين الطرفين يجوز لمن وجهت إليه اليمين أن يردها على موجهها إذا اكتفى منه بيمين العلم أي إذا قبل منه الحلف على عدم العلم لا على البنات، فإذا وجه الوارث اليمين إلى مدين مورثه على سند من أنه استدان من مورثه، فلا يجوز لهذا المدين أن يرد اليمين على الوارث بشأن واقعة الإستدانة ، ولكنه يستطيع أن يوجه إليه اليمين على عدم علمه بأن الدين غير صحيح أو سبق وفاؤه ويقوم هذا مقام رد اليمين .

ويترتب على رد اليمين أن يصبح من ردت عليه في مركز الشخص الذي توجه إليه اليمين أي أن يكون هو الملزم بالحلف فلا يجوز له أن يرد اليمين من جديد فيجب عليه أن يحلف وإلا أعتبر ناكلاً، على أنه يجب أن يكون الرد واقعاً على اليمين الموجهة ذاتها ، إذ لو وقع على صيغة معدلة منها اعتبر ذلك توجيها ليمين جديدة وجاز فيه الرد مرة ثانية .

ومثل ذلك أن توجه اليمين إلى شخص على دين معين فيردها على من وجهها إليه طالباً منه أن يحلف على أنه لم تقع مقاصة بين الدين المطالب به ودين آخر فيعتبر ذلك منه توجيه يمين جديدة على الدين المدعي حصول المقاصة به ويجوز رد هذه اليمين عليه ، ذلك أن رده اليمين بصيغة تتضمن وقوع المقاصة بين الدين المطالب به ودين آخر يتضمن إقراراً ضمنياً بالدين الأصلي، وبالتالي فلم يعد هناك محل لحلف اليمين عليه.

وقد سبق أن بينا أن رد اليمين الحاسمة يعتبر بمثابة توجيه لها ، وعلى ذلك يشترط فيمن يرد اليمين أن تتوافر فيها الأهلية الكاملة وأن يكون الرد صادراً بمحض اختياره فلا يشوب إرادته أي عيب من العيوب التي تفسد الرضا كالغلط أو الإكراه أو التدليس ، ويشترط كذلك فيمن يوكل لرد اليمين أن تصدر له وكالة خاصة في ذلك فلا تكفي الوكالة العامة فلا يصح لمحامي الخصم الذي وجهت إليه اليمين أن يردها على مواجهها إلا إذا كان التوكيل الصادر له من موكله منصوصاً فيه على توجيه اليمين أو ردها .

هل يصح الإتفاق عند التعاقد على عدم توجيه اليمين الحاسمة :

ذلك أن الشخص قد يكره أن توجه إليه اليمين فيحتاط لذلك بالاتفاق مع من يتعاقد معه على عدم توجيه اليمين إليه في أي نزاع ينشأ بينهما في المستقبل بسبب تنفيذ العقد فهل يكون هذا الاتفاق صحيحاً وتلتزم به المحكمة أم أنه يعتبر باطلاً. انقسم الرأي في هذا الشأن فذهب رأي تبنته محاكم الاستئناف المختلطة إلى عدم صحته تأسيساً على أن الاتفاق في هذه الحالة يكون حاصلاً قبل وجود أية خصومة أي في وقت لا يستطيع المتعهد فيه أن يقدر مدى تعهده غير أن الرأي الراجح فقهاً وقضاءً ذهب إلى عكس ذلك واعتبر هذا الإتفاق صحيحاً وأسسوا رأيهم على أن الخصم هو صاحب الحق في اليمين الحاسمة فهي ملك له لا القاضي ، وعلى ذلك فصاحب اليمين أو مالكها كما يستطيع توجيهها يستطيع كذلك عدم توجيهها، وكما يملك أحد الخصمين ويستطيع عدم توجيهها أثناء سير الدعوى كذلك يملك ويستطيع الاتفاق عند التعاقد من قبل على ألا يوجهها إذا حدث نزاع بينه وبين خصمه وليس في مثل هذا الإتفاق ما يخالف النظام العام، وهذه الحالة هي كحالة الاتفاق على عدم جواز الإثبات إلا بالكتابة حيث يجوز الإثبات بشهادة الشهود، وقد يشترط أحد المتعاقدين ألا توجه إليه اليمين الحاسمة حماية لسمعته من كل شبهة ولمنع احتمال التقول على ذمته أو لمنع توجيه يمين كيدية إليه لشدة ورعه وتدينه لدرجة عدم الحلف إطلاقاً أو لتشككه ووسوسته. (راجع في هذا الرأي الوجيز في الإثبات الدكتور سليمان مرقص ص 146 وأصول الإثبات لنفس المؤلف، الطبعة الخامسة، الجزء الأول ص 800 ، ورسالة الإثبات للأستاذ نشأت، الجزء الثاني ص 45 قاعدة 585)

هل يمكن توجيه اليمين من باب الإحتياط :

كانت المادة 166 / 187 من قانون المرافعات الأهلي والمختلط تنص على أنه لا يجوز التكليف من باب الإحتياط باليمين الحاسمة لأن التكليف بتلك اليمين يفيد ترك ما عداها من أوجه الثبوت للمادة المراد الاستحلاف عليها، وعلى ذلك قضت المحاكم بأن طلب توجيه اليمين بصفة احتياطية مع تغيير المحكمة بينه وبين الأدلة المقدمة في الدعوى يكون متعين الرفض وقد كان هذا يؤدي - كما قال معظم الفقهاء - إلى إحراج المدعي الذي يملك أدلة لا يطمئن إلى اقتناع المحكمة بها، حيث يخيره بین الاكتفاء بهذه الأدلة مع عدم اطمئنانه إليها وبين النزول عنها وتوجيه اليمين وكانت العدالة - على حد قولهم - تقتضي أن يسمح له بعرض أدلته على المحكمة مع الاحتفاظ بحقه في توجيه اليمين إذا لم تر المحكمة هذه الأدلة كافية، لأن اليمين طريق احتياطي أخير يلجأ إليه الخصم عندما يعوزه الدليل فيجب أن يبقى هذا الطريق مفتوحاً أمامه إلى أن يستنفد ما لديه من أدلة، ولما صدر قانون المرافعات 77 لسنة 1949 استبعد نص المادة 166/ 187 من القانون السابق عليه على اعتبار أن حكمها موضوعي وليس محله قانون المرافعات ومن جهة أخرى لم يرد على هذا الحكم نص في التقنين المدني، كما أن قانون الإثبات العديد لم يرد به نص عليه ورتب هؤلاء الفقهاء على ذلك أنه ليس هناك ما يمنع من توجيهها بصفة احتياطية فيجوز أن يلجأ إليها على سبيل الاحتياط إذا كان لا يطمئن كل الاطمئنان إلى ما لديه من أدلة أصول الاثبات في المواد المدنية للدكتور سليمان مرقص، الطبعة الخامسة الجزء الأول ص 797 ، والوجيز لنفس المؤلف ص 145 ، ورسالة الإثبات للأستاذ نشأت، الجزء الثاني ص 37 قاعدة رقم 581).

وهذا القول وإن كان يبدو في ظاهرة أنه يتمشى مع قواعد العدالة إلا أن المتمعن فيه يتضح له أنه لا يتفق وصحيح القانون إذ يقلب اليمين في بعض الحالات إلى يمين متممة .

فمع أن اليمين الحاسمة ينتهي بها النزاع ولا يجوز الجدل فيها بعد حلفها بل لا يجوز إعادة توجيهها أمام محكمة الطعن فإن القول بجواز توجيه اليمين الحاسمة على سبيل الإحتياط يجعل اليمين الحاسمة قابلة للإلغاء بل والعدول عنها من المحكمة بعد تحليفها .

ومثال ذلك أن يوجه أحد الخصوم اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط وتعرض أدلته وتتصدى لها المحكمة وتنتهي إلى عدم قبولها أو عدم کفايتها ثم توجيه اليمين الحاسمة فيحلفها الموجه إليه اليمين وتقضي محكمة أول درجة لصالحه ثم يستأنف الحكم من صدر ضده معترضاً على تقدير المحكمة للأدلة أو عدم جوازها بغية أن تذهب محكمة الاستئناف مذهباً أخر بالنسبة لما قدم لمحكمة أول درجة من أدلة لم تأخذ بها محكمة أول درجة ، فإن أخذت بها محكمة الاستئناف أو قبلتها فمقتضى ذلك أن تقضي محكمة الإستئناف على مقتضى الأدلة التي لم تأخذ بها محكمة أول درجة وأن تطرح الدليل المستمد من حلف اليمين الحاسمة وهذا فيه خروج على ما قصده الشارع من أن تكون اليمين حاسمة لأي نزاع لا يجوز نقضها أو إثبات كذبها وفقاً لنص المادة 117 ، وفي الأخذ بأدلة مناقضة لليمين التي حلفت بالفعل ما يعد تكذيباً لها وخروجاً على التشريع ، وكذلك الأمر إذا وجهت اليمين أمام محكمة الإستئناف على سبيل الإحتياط وتصدت قبل توجيه اليمين للأدلة التي عرضت عليها وانتهت إلى عدم قبولها أو قدرت أنها غير كافية ثم حلف من وجهت إليه اليمين على سبيل الإحتياط فإنه يكون للصادر ضده الحكم بناء على حلف اليمين أن يطعن بالنقض بدعوى أن الأدلة التي لم تقبلها محكمة الاستئناف قبل توجيه اليمين كانت مقبولة، وأن الحكم المطعون فيه خالف القانون في هذا الأمر أو أن تقدير محكمة الاستئناف للدليل شابه فساد في الاستدلال أو مخالفة الثابت في الأوراق، أو ألم يحط بالأدلة إحاطة تامة مما يجعله مشوباً بالقصور، وهذه أمور لو تمت الجعلت اليمين الحاسمة مجرد يمين متممة للمحكمة أن تأخذ بها أو لم تأخذ بنتيجتها إذا ما وجهت على سبيل الاحتياط وبالنسبة لمحكمة النقض فإنها ترددت في جواز توجيهها فقد سارت في معظم أحكامها على جواز توجيهها إلا أنها أصدرت حكماً وحيداً قضت فيه بعدم جواز توجيهها .

لا يجوز الطعن في الأحكام الصادرة بناء على اليمين الحاسمة :

من المقرر أن الحكم الصادر بناء على اليمين الحاسمة لا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن في الأحكام، سواء بالإستئناف أو النقض وسواء كان الحكم قد صدر بناء على حلف اليمين أو النكول عنها، وذلك بشرط أن يكون توجيهها أو حلفها أو النكول عنها مطابقاً للقانون بمعنى أن تكون اليمين وحدها فاصلة في النزاع وحاسمة له بحيث ينتهي بها حتماً موضوعه وأن تكون قد وجهت في واقعة غير مخالفة النظام العام على موضوع النزاع ومتعلقة بشخص من وجهت إليه، أما إذا كان الطعن مبنياً على مدى جواز اليمين أو تعلقها بالدعوى أو بطلان في الإجراءات الخاصة بتوجيهها أو تحليفها فإن الطعن يكون جائزاً وإذا انصبت اليمين على جزء من النزاع أو مسألة أولية فيه دون أن تؤدي إلى حسمه كله أو تمسك الخصم أمام محكمة الإستئناف بدفاع موضوعي منتج في الدعوى لم يشمله الحلف، فإن الاستئناف يكون جائزاً غاية ما في الأمر - كما قالت محكمة النقض - أنه يتعين الإلتزام بحجية تلك اليمين بحيث يمتنع على الخصوم أن يعودوا إلى المنازعة فيما انصبت عليه وحسمته ويقوم مضمونها حجة ملزمة لمحكمة الاستئناف لا تملك الخروج عليه أو مخالفته .

ما يترتب على حلف اليمين في الشريعة الإسلامية :

إذا وجهت اليمين على المدعى عليه فنكل حكم عليه بنكوله ولو حلف انقطعت عنه الخصومة للحال لا مطلقاً بل مؤقتاً إلى غاية إحضار البينة وهذا هو رأي عامة العلماء وهو الصحيح لقول شريح اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة و لأن اليمين كالخلف عن البينة فإذا جاء الأصل انتهى حكم الخلف وهذه البينة مقبولة من المدعي بعد حلف المدعى عليه سواء قال قبل اليمين لا بينة لي أو لم يقل ذلك لإمكان التوفيق بين كلامية بالنسيان ثم بالتذكر بعد ذلك وبشرط ألا يقول لا بينة لى عند أبي حنيفة وقد جاء في البدائع في هذا المعنى، وأما حكم أدائه فهو انقطاع الخصومة للحال لا مطلقاً بل مؤقتاً إلى غاية إحضار البينة عند عامة العلماء وقال بعضهم حكمه عند انقطاع الخصومة علي الإطلاق حتي لو أقام المدعي البينة بعد يمين المدعى عليه قبلت بينته عند العامة، وعند بعضهم لا تقبل لأنه لو أقام البينة لا تبقى له ولاية الإستحلاف وكذا إذا استحلف لا يبقى له ولاية إقامة البينة والجامع أن حقه في إحداهما فلا يملك الجمع بينهما والصحيح قول العامة، لأن البينة هي الأصل في الحجة لأنها كلام الأجنبي فأما اليمين فكما يحلف عن البينة لأنها كلام الخصم صير إليها للضرورة ، فإذا جاء الأصل انتهى حكم الخلف فهي ليست طريقاً للقضاء لأن المنكر إذا حلف وعجز المدعي عن البينة، يترك المدعى به في يده لعدم قدرة المدعي على إثباته، لا قضاء بيمينه ولذلك لو جاء المدعي بعد ذلك بالبينة يقضي له بها ولو كان ترك المال في يده قضاء له به ينقض وعلى قول خليل في المذهب المالكي أنه لا يجوز البينة بعد حلف اليمين إلا لقدر والواجب على المحاكم تطبيقه هو الراجح في المذهب الحنفي .

وبالنسبة لمن توجه إليه اليمين فهناك قواعد شرعية يجب مراعاتها هي :

أولاً : إنه لا يجوز توجيه اليمين على شخص لم يرد الشرع بتحليفه ومعنى ذلك أنه لا يجوز تحلیف المجنون لأنه غير مكلف .

ثانياً : إن النيابة تجري في الاستحلاف لا في الحلف وينبني على ذلك أن كلا من الوكيل والوصي على اليتيم وأبي الصغير له أن يطلب تحليف خصمه فيما إذا كان مدعياً بحق للموكل أو الصغير لوصايته أو ولايته وليس لأحد أن يحلفهم بالنظر لأموال الموكل أو الصغير إلا إذا ادعي العقد عليهم، أو كان إقرار النائب صحيحاً على الأصيل فإنهم يستحلفون حينئذ .

ثالثاً : إنه لا يحلف إلا على معلوم فلو كان الشئ مجهولاً وأريد التحليف عليه لم يلتفت القاضي لذلك.

رابعاً : إن من ادعي على آخر معنى وكان بحيث لو أقر به لا يلزمه فلو أنكره لا يستحلف وإن كان بحيث إذا أقر به لزمه، فإذا أنكره يستحلف، ومعنى ذلك أنه لا يجوز توجيه اليمين عن واقعة أقر بها الخصم غير أو عن واقعة غير متعلقة بشخصه أو غير منتجة في النزاع.

خامساً : إن الاستحلاف إنما يكون على حق الخصم أو على سبب حقه ولا يستحلف على حجته.

سادساً : إنه إذا وجهت اليمين إلى الورثة لم تكف يمين الواحد منهم ولم تنب عن يمين الباقين، بل يستحلف الكل وإذا وجهت لهم على غيرهم كان استحلاف الواحد منهم كإستحلاف الكل .

وبالنسبة للتعسف في توجيه اليمين فإن هذه المسألة محل خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، فعند أبي حنيفة لا يجوز للمدعي توجيه اليمين إلى المدعى عليه إذا كانت عنده بينة حاضرة وعند الصاحبين يجوز، وقد جاء في البدائع أن شرائط وجوب توجيه اليمين أنواع منها الإنكار ومنها الطلب من المدعي لأنها وجبت على المدعى عليه حقاً للمدعي ومنها البينة الحاضرة عند أبي حنيفة وعند الصاحبين ليس ذلك بشرط حتى لو قال المدعي لي بينة حاضرة ووجه قولهما أن اليمين حجة المدعى كالبينة ، ولهذا لا تجب إلا عند طلبه فكان له ولاية استيفاء أيهما شاء له.

يراجع فيما تقدم الأصول القضائية في المرافعات الشرعية للأستاذ على قراعة ص 258 وما بعدها، وطرق القضاء في الشريعة الإسلامية للأستاذ أحمد إبراهيم ص 7، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 ص 146، والبدائع ص 225 ، 229 ).

ويبين مما تقدم أن حكم اليمين في الشريعة يختلف عنه في قانون الإثبات في عدة أمور منها :

أولاً: إنه بتوجيه اليمين الحاسمة في قانون الإثبات يسقط حق موجهها في سائر الأدلة الأخرى متى قبلها الموجهة إليه، أما في الشريعة فإنها لا تسقط حق موجه اليمين في تقديم أدلة أخرى بعد أن حلف خصمه اليمين.

ثانياً: إنه في قانون الإثبات إذا حلف من وجهت إليه اليمين فلا يجوز لموجه اليمين أن يثبت عكسها ما لم يصدر حكم جنائي يثبت كذبها، أما في الشريعة فله أن يثبت عدم صحتها بعد حلف اليمين.

ثالثاً: إن اليمين في الشريعة الإسلامية لا تحسم النزاع مطلقاً بل مؤقتاً، وعلى ذلك إذا توافرت البينة لدي من وجهها وبعد أن حلف خصمه جاز له أن يطلب سماع البينة ويقضي له على مقتضاها.(التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية،  الجزء الرابع ،  الصفحة : 1382)

 

تعريف اليمين :

اليمين إخبار عن أمر مع الاستشهاد بالله تعالى على صدق الخبر. ويكلف بها الشهود قبل تأدية شهادتهم إشعارا لهم بوجوب قول الحق، ويكلف بها أحد الخصوم لتأييد ادعائه عندما يعوزه الدليل عليه، واليمين الأخيرة هي التي تقوم مقام الدليل والتي تعنيناً في هذه الدراسة .

ولا تعتبر اليمين عملاً مدنياً فحسب، بل هو أيضاً عمل ديني فالحالف إنما يستشهد الله ، ويستنزل عقابه ولذلك إذا كانت هناك أوضاع مقررة في ديانة من يحلف اليمين جاز له أن يطلب تأدية اليمين وفقاً لهذه الأوضاع (م 128 من قانون الإثبات).

وهذه هي اليمين من حيث تعلقها بإثبات أمر حاضر أو مضى. إنما قد يكون موضوع اليمين وعداً بأمر مستقبل كاليمين التي يحلفها بعض الموظفين بأن يؤدوا أعمال وظائفهم بالصدق والأمانة فلا يكون الغرض من اليمين الإثبات ، بل إنشاء التعهد في ذاته، ويسمى علماء الشريعة الإسلامية هذه اليمين باليمين المنعقدة .

نوعا اليمين :

اليمين التي يكلف الخصوم بحلفها لتوكيد قول نوعان : يمين قضائية ويمين غير قضائية .

والأولى هي التي تحلف أمام القضاء. والثانية هي التي تحلف أو يتفق على حلفها في غير مجلس القضاء .

واليمين الأخيرة ليس لها أحكام خاصة في قانون الإثبات ، بل تتبع في شأنها القواعد العامة المتعلقة بالعقود. ويعتبر الإنفاق على توجيهها صلحاً معلقاً على شرط أداء اليمين طبقاً للصيغة المتفق عليها بين الطرفين ليضعوا حداً لنزاع قائم بينهما.

ويتبع في إثبات الاتفاق على هذه اليمين القواعد العامة في الإثبات ، فيجب إثبات الإتفاق على اليمين بالكتابة إذا كان موضوع لحلف تجاوز قيمته ألف جنيه ويترتب على حلف اليمين النتائج التي يتفق عليها الطرفان، ولا يجوز ردها إلا إذا كان هناك اتفاق على ذلك ، ويندر أن يلجأ الخصوم إلى الإتفاق على يمين غير قضائية.

وإذا حالت قوة قاهرة دون أداء هذه اليمين، كما لو تعذر على الأشخاص الذين يجب أن تؤدي أمامهم أن يحضروا أداءها أو امتنعوا عن ذلك ، فإن النتائج التي تترتب على ذلك تتحدد على ضوء النية التي تظهر من اتفاق الطرفين .  

فالأصل حينئذ أن يسقط الإتفاق على اليمين بسبب استحالة تنفيذه ويعود الطرفان إلى حظيرة القواعد العامة. ولكن إذا تبين أن المتعاقدين قد اتفقاً على أنه حينذاك يحل القاضي محل هؤلاء الأشخاص فإن الإتفاق يبقى لإمكان تنفيذه ، وفي هذه الحالة تؤدي أمام القاضي ، وتظل مع ذلك محتفظة بطابعها غير القضائي بحيث لا يستطيع من عليه الحلف أن يردها على الطرف الآخر .

ويقع إثبات هذا الإتفاق على عاتق من يدعي وجوده من الطرفين .

اليمين القضائية نوعان :

اليمين القضائية التي تؤدي في مجلس القضاء نوعان :

يمين حاسمة ويمين متممة .

والأولى هي فقط التي تحسم النزاع وتقوم مقام الدليل - كما سنرى.

أما الثانية فهي وسيلة يستكمل بها القاضي اقتناعه ولا تقوم مقام الدليل.

وتلحق باليمين الحاسمة يمين الاستيثاق ويمين العلم، ويلحق باليمين المتممة يمين التقويم .

 تعريف اليمين الحاسمة :

اليمين الحاسمة هي يمين يوجهها الخصم المكلف بالإثبات إلى خصمه إذا أعوزه الدليل المطلوب ، بأن لم يكن لديه ثمة دليل أو كان لديه دليل غير كاف، ليحسم بها النزاع فهي ليست دليلاً يقدمه الخصم على صحة ما يدعيه، وإنما هي وسيلة لمن يعوزه الدليل من الخصوم ، يلجأ إليها محتكماً إلى ذمة خصمه وضميره واليمين الحاسمة لا تخلو من مجازفة ، لأن من وجهت إليه اليمين إذا حلف خسر دعواه، وإذا لم يرد أن يؤديها، فله أن ينكل عنها، وفي هذه الحالة يخسر الدعوى ، كما أن له أن يردها على خصمه فيكسب أو يخسر هذا الأخير تبعاً للموقف الذي يتخذه من رد عليه اليمين .

وسميت هذه اليمين باليمين الحاسمة، لأنها تحسم النزاع في الواقعة محل اليمين .

ممن توجه اليمين الحاسمة؟

تنص المادة على أنه.. «يجوز لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر... الخ».

والمقصود بالخصم الذي يوجه اليمين، هو كل خصم مكلف بإثبات واقعة قانونية، سواء وجد لديه دليل آخر، أو لم يوجد، أو وجد لديه دلیل غير كاف.

ويستوي أن يكون الخصم مدعياً في دعوى أصلية أو فرعية أو مدعياً في دفع من الدفوع ، وبعبارة أخرى أن كل من يقع عليه عبء الإثبات في أمر معين فإنه يملك فيه توجيه اليمين إلى خصمه .

فإذا رفع شخص على آخر دعوى بدين مثلاً ولم يكن لديه دليل على دعواه كان له أن يوجه للمدعى عليه اليمين الحاسمة على أن ذمته لیست مشغولة بهذا الدين، وإذا قدم الدائن دلیل دعواه وادعى المدعى عليه بالتخالص ولم يكن لديه دليل على هذا التخالص كان له أن يوجه اليمين الحاسمة للمدعي على أنه لم يتخالص بدينه .

ومع أن اليمين ملك الخصم، فإن الخصم لا يملك أن يوجهها مباشرة إلى خصمه، بل يجب أن يفعل ذلك عن طريق المحكمة كما سنرى.

أما القاضي فلا يملك توجيه اليمين الحاسمة، فهذه اليمين ملك الخصم وحده.

(أنظر في توجيه اليمين من النائب عن عديم الأهلية شرح المادة 115).

 لمن توجه اليمين الحاسمة؟

توجه اليمين إلى خصم ماثل في الدعوى، فلا يجوز إدخال شخص آخر لمجرد تحليفه فإن حلفه أو نكوله لا يكون له بالبداهة أي تأثير على الخصم الماثل في الدعوى، لأن اليمين شخصية و متعلقة بذمة الحالف، ومهما كانت علاقة ذلك الشخص الآخر به، ولو كان ابنه أو أباه أو شريكه أو مدير شركة لا يملك التصرف.

ولا يجوز توجيه اليمين إلا للخصم الأصلي أو الحقيقي في الدعوى.

فإذا رفع الدائن بأسم مدينه دعوى غير مباشرة على مدين مدينه، فلا يجوز للمدعى عليه توجيه اليمين إلى الدائن رافع الدعوى غير المباشرة لأن هذا ليس خصماً أصلياً له وإنما هو نائب فقط عن مدينه الدائن للمدعى عليه وليست الواقعة المطلوب الحلف عليها خاصة به، بل بشخص المدين، فيتعين توجيه اليمين إلى الأخير.

وإذا كان الخصم شخصاً معنوياً ، وجهت اليمين إلى من يمثله.

ولا يكفي أن يكون من توجه إليه اليمين خصماً أصلياً في الدعوى بل يجب أن يكون خصماً لموجة اليمين فإذا رفعت دعوى الدين على المدين وكفيله ، فلا يجوز لهذا الأخير أن يوجه اليمين إلى المدين على أنه لم يحصل منه وفاء جزئي للدين، الذي يطالب به الدائن إلا إذا أدعي التواطؤ بين المدين والدائن .

على أنه إذا انتقل الحق إلى الغير وكان الحلف متعلقاً بأمر منسوب إلى صاحب الحق الأصلي قبل انتقاله، جاز أن توجه اليمين إلى هذا الأخير بعد إدخاله في الدعوى .

والخصم الذي توجه إليه اليمين الحاسمة، يجب أن يكون مدعياً أو مدعياً عليه، أو مختصماً في الدعوى بناء على طلب أحد الخصوم أو بناء على أمر من المحكمة أو متدخلاً فيها تدخلاً اختصامياً. أما المتدخل في الدعوى تدخلاً انضمامياً ولم يقدم طلبات أو لم توجه إليه طلبات فلا يجوز توجيه اليمين الحاسمة إليه. كذلك فإن الذي يختصم فى الدعوى للحكم في مواجهته دون أن توجه إليه طلبات ودون أن ينازع في الدعوى لا يعد خصماً حقيقياً ولا يجوز توجيه اليمين الحاسمة إليه.

ويجب أن يكون توجيه اليمين إلى الخصم شخصيا لا إلى نائبه، لأن حلف اليمين أمر شخصي لا يجوز فيه التوكيل، وكانت المادة (183) من قانون المرافعات الملغي تنص صراحة على ذلك بقولها: «لا يجوز التوكيل في تأدية اليمين».

غير أنه إذا كانت الواقعة المطلوب التحليف عليها حدثت من النائب شخصياً لا من الأصيل كإستلامه مبلغاً ، فلا يجوز تحليف الأصيل إلا على علمه بها فحسب، ويجوز تحلیف النائب عليها .

وإذا لم يكن النائب ماثلاً في الدعوى جاز إدخاله فيها لتوجيه اليمين إليه. فإن حلف کسب الأصيل الدعوى وانتهى الأمر ، وإن نكل خسر الأصيل الدعوى، ولكنه يجب ألا يضار بهذا النكول فيكون له الرجوع على النائب الذي نكل .

- توجيه اليمين في حالة تعدد المكلفين بالإثبات :

إذا تعدد المكلفون بالإثبات في دعوى واحدة ، وطلب الجميع توجيه اليمين الحاسمة، فلا صعوبة في الأمر إذ يلحق أثر الحلف هؤلاء جميعاً أما إذا طلب أحدهم توجيه اليمين الحاسمة وحده دون الباقين، فإن هؤلاء لا يضارون بحلف اليمين ، ولا يفيدون من النكول عنها أو حلفها من الجانب الآخر .

ومثل ذلك حالة تعدد الشركاء على الشيوع أو الورثة .

وتستثنى من ذلك حالة المدينين المتضامنين، فإذا كان هناك مدینان متضامنان وجب توجيه اليمين إليهما كليهما لأن نكول أحدهما لا يجوز أن يضر بالآخر عملاً بالفقرتين الثانية والثالثة من المادة (295) من التقنين المدني اللتين تنصان على أن: 2- «وإذا نكل أحد المدينين المتضامنين عن اليمين، أو وجه إلى الدائن حلفها ، فلا يضار باقي المدينين».

3- «وإذا اقتصر الدائن على توجيه اليمين إلى أحد المدينين المتضامنين فحلف، فإن المدينين الآخرين يستفيدون من ذلك».

وإذا تعدد أحد أطراف الخصومة الموجه إليه اليمين الحاسمة، وكانت الدعوى لا تقبل التجزئة، فقد ذهب الفقه إلى أنه يجب تحديد الخصم الملتزم بصفة أصلية أو المختصم بصفة أصلية ، وتوجه إليه وحده هذه اليمين .

فإذا أدعي المشترى أن الشفيع إنما يستعمل الشفعة لرد العين المبيعة إلى البائع، فاليمين توجه إلى الشفيع لا إلى البائع ، لأن الحكم أن يقضى للبائع ولن يقضي إلا للمشتري أو الشفيع.

وإذا ادعى الشفيع صورية الثمن في دعوى الشفعة فإنه يجب أن يوجه اليمين أولاً إلى المشتري فإن حلفها كان هذا كافياً لرفض الادعاء بالصورية دون حاجة إلى تحليف البائع ، وإذا نكل المشتري وجب توجيه اليمين للبائع فإن نكل هذا تثبت الصورية كاملة ، أما إذا حلف البائع وحده فلا تثبت الصورية لأنها لم تثبت من الجانبين .

وإذا أنكر البائع والمشترى البيع والشراء كلية وهذا قد يحصل في حالة عدم تسجيل العقد ، فإن اليمين توجه إلى من تؤثر فيه، وهي هنا لا تؤثر إلا على البائع ، لأن المشتري إن حلف بأنه لم يشتر وأخذنا بيمينه تبقى العين للبائع، وإن نكل وأخذنا بنكوله يأخذ الشفيع العين بالشفعة، أي أنه لا يتم للمشترى الشراء في الحالتين فلا ضرر يلحقه من توجيه اليمين إليه سواء حلف أو نكل والضرر يلحق البائع بهذا النكول فيجب إذن توجيه اليمين للبائع فقط لأنه إن حلف بأنه لم يبع وبقيت العين على ملكه وإن نكل قضى ضده بالشفعة ولا ضرر في ذلك على المشتري الذي أنكر الشراء ، ولا يخفى أن الأصل أنه لا يصح أن ينسب لشخص تصرف ما إلا إذا ثبت قانوناً صدور هذا التصرف منه بدليل ضده هو كمستند وقعه أو إقرار أو يمين نكل عنها ولا يصح إثبات هذا التصرف بنكول شخص آخر ينسب إليه أنه اشترى منه لأنه من الجائز أن يتواطأ شخص مع آخر ويصور نفسه شفيعاً ويصور الآخر نفسه مشترياً ويرفع (الشفيع) دعوى على (المشتري) وعلى آخر يدعي أنه باع للمشتري) عيناً يشفع فيها وينكر البائع البيع صادقاً وينكر (المشتري) متواطئاً ، فيوجه الشفيع اليمين إليهما فيحلف البائع أنه لم يبع وينكل المشتري فإذا أخذنا بنكوله حكماً بالشفعة بناء على أن البائع تصرف بالبيع دون أي دليل يقام ضده هو أي دليل على صدور هذا التصرف عنه ودون أن يلحق (المشتري) الذي نكل عن اليمين أي ضرر بنكوله بل يفوز بنتيجة تواطئه مع (الشفيع) .

سلطة القاضي في توجيه اليمين الحاسمة :

تنص الفقرة الأولى من المادة (114) على أنه: «يجوز للقاضي أن يمنع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفاً في توجيهها».

وقد وردت هذه العبارة في نص الفقرة الأولى من المادة (410) من التقنين المدني (الملغاة).

وكانت هذه العبارة تخالف العبارة المقابلة لها في المشروع التمهيدي للتقنين المدني التي كانت تجري على أن: «ولكن لا يكون ذلك إلا بإذن من القاضي»، إلا أنها عدلت بلجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب، وجاء بتقريرها تعليلاً لذلك «لأن العبارة الواردة في النص الأصلى تفيد أن توجيه اليمين الحاسمة معلق دائماً على إذن القاضي. ولما كان ما قصده واضعو المشروع هو أن يستبقوا للمتقاضين الحرية في توجيه اليمين الحاسمة، على أن يكون القاضي حق منع توجيهها إذا رأى أنها كيدية وأن الخصم متعسف في توجيهها ، لذلك كان التعديل الذي أدخلته اللجنة على المادة أكفل بأداء هذا المعنى».

ويبين من هذا أن اليمين الحاسمة حق للخصم لا للقاضی، يوجهها في كل نزاع مدني أو تجاری ، وفي أية حالة الدعوى، فإذا توافرت شروط قبولها وجب على القاضي أن يجيب طلب توجيهها إلى الخصم ، فليس له سلطة تقديرية في ذلك ولكن يجب على القاضي أن يرفض توجيه اليمين الحاسمة إذا رأى أن الخصم قد تعسف في توجيهها .

فالقاضى يقبل توجيه اليمين الحاسمة إذا كانت متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وجائزاً قبولها (المادة الثانية من قانون الإثبات الواردة في الباب الأول الخاص بالأحكام العامة). وتوافر فيها الشروط المنصوص عليها في المواد (114) وما بعدها من قانون الإثبات .

فقد تكون اليمين الحاسمة غير متعلقة بالدعوى أو غير منتجة فيها إذا كانت الدعوى ثابتة بمستندات أو بإقرار الخصم، أو كان الحق قد سقط بالتقادم، ودفع الخصم بذلك .

وقد تكون اليمين غير جائز قبولها، كما إذا كانت اليمين لإثبات ما يخالف الثابت بحكم قضائي بات .

وإذا كانت اليمين متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وجائزة القبول، إلا أنها تفتقد أحد الشروط المنصوص عليها في المواد (114) وما بعدها من قانون الإثبات، كما لو كانت موجهة إلى خصم اختصم في المواجهة، أو كانت غير متعلقة بشخص من وجهت إليه ، فإن المحكمة تقضي برفض توجيه اليمين .

أما إذا تبين للقاضي توافر الشروط السالفة الذكر جميعها كان عليه أن يتحقق عما إذا كان الخصم موجه اليمين قد تعسف في توجيه اليمين من عدمه، فإذا كان متعسفاً رفض توجيه اليمين، للتعسف في توجيهها .

ويكون هناك تعسف في توجيه اليمين إذا بداً للقاضي أن اليمين كيدية وجهها للخصم بسوء نية وأراد بها أن ينال من مكانة خصمه والتشهير به ، أو أراد بها أن يستغل ضمير خصمه أو ورعه وتدينه أو الحط من كرامته بين أهله وعشيرته .

ويجب على القاضي ، وهو يزاول سلطته في رفض توجيه اليمين أن يستوثق من سوء النية لدى الخصم الذي يطلب توجيه اليمين بحيث تنهض الوقائع بتوافر روح الكيد أو الإستغلال ، كما يجب عليه أن يسبب تقريره في هذا الخصوص حتى تكون الإعتبارات التي يستند إليها من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهى إليه .

فالمذكرة الإيضاحية قد خلصت إلى تكييف طبيعة اليمين الحاسمة، بأنه احتكام إلى ذمة الخصم وهذا هو التكييف الذي أخذ به الفقه في مصر .

اتفاق الخصوم على عدم توجيه اليمين الحاسمة :

يجوز للخصوم الاتفاق على عدم جواز توجيه اليمين الحاسمة ، سواء تم الاتفاق وقت التعاقد أو قبل إقامة الدعوى أو في أثناء نظرها، لأن هذا الإتفاق مشروع ليس فيه ما يخالف النظام العام ، لأن اليمين الحاسمة يملكها الخصم إذا أعوزه الدليل ، ولا يملكها القاضي ليستنير بها في الدعوى ، ولأن مثل هذا الاتفاق قد يكون المقصود منه تفادي الكيدية في توجيهها وعدم تأذي الخصم في مشاعره لشدة تدينه وورعه، ولأن ذات المحكمة تملك رفض طلب توجيه اليمين الحاسمة إذا ما تبينت منه الكيدية بقصد إيذاء مشاعر المراد استحلافه ، ولأنه من الجائز اتفاق الخصوم على الإثبات بالكتابة حيث لا يتطلبها القانون، والإتفاق على الإثبات بشهادة الشهود حيث يتطلب القانون الإثبات بالكتابة .

وبداهة يجوز اتفاق الخصوم - مقدماً - على جواز توجيه اليمين الحاسمة كلما تطلب الأمر ذلك .

رد اليمين :

تنص الفقرة الثانية من المادة على أن: «ولمن وجهت إليه اليمين أن يردها على خصمه.. الخ».

والمقصود برد اليمين ، أن الخصم الذي وجهت إليه اليمين بدلاً من أن يحلف أو ينكل يصح أن يطلب من موجه اليمين أن يحلفها هو، فهو يردها عليه ، ويضعه في المركز الذي وضعه فيه، ويكون موجه اليمين مجبراً على تأديتها هو وإلا عد ناکلاً عنها ، وترفض دعواه، لأنه لا يمكنه ردها مرة أخرى ، وإلا ترتب على ذلك عدم وضع نهاية لرد اليمين .

عدم جواز الرد إذا انصبت اليمين على واقعة لا يشترك فيها الخصمان :

 تنص الفقرة الثانية من المادة (114) على أنه :

«لا يجوز الرد إذا انصبت اليمين على واقعة لا يشترك فيها الخصمان، بل يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين».

فيشترط لرد اليمين أن تكون الواقعة موضوع الحلف مشتركة بين الطرفين لا خاصة بمن وجهت إليه، فلا يمكن في هذه الحالة ردها .

ومثل الواقعة المشتركة بين الطرفين واقعة قبض الثمن بين البائع والمشتري. ومثل الواقعة غير المشتركة بين الطرفين ، أن يجد وارث في مذكرات المورث الخصوصية مذكرة بدين على آخر، فرفع عليه دعوى يطالبه به فأنكره فوجه إليه اليمين ، فإن المدعى عليه لا يمكنه رد اليمين على الوارث ليحلف بصحة الدين ، وإنما له أن يطلب منه أن يحلف على أنه لا يعلم بعدم صحته.

وكذلك إذا وجه الشفيع اليمين الحاسمة للمشتري بخصوص قيمة ثمن المبيع فلا يجوز للمشتري أن يرد اليمين على الشفيع لعدم استطاعته التأكد من حقيقة الثمن الذي هو أجنبي عن الإتفاق عليه .

ولا توجه اليمين إلى صاحب السيارة على أن السائق لم يرتكب خطأ كان سبباً في الحادث الذي وقع إذا لم يكن صاحب السيارة وقت وقوع الحادث مستصحباً للسائق ، وإنما يحلف صاحب السيارة على أنه لا يعلم أن السائق ارتكب خطأ .

ويجب أيضاً أن يكون الرد عن نفس الواقعة التي وجهت من أجلها اليمين ، وإلا فتكون يميناً جديدة موجهة أبتداء يسوغ ردها كما إذا رفع زيد على عمرو دعوى يطالبه فيها بدين ، ولعدم وجود دليل عنده وجه اليمين لعمرو، فإن عمر لا يستطيع أن يرد اليمين على زيد ليحلف بأنه لم تحصل مقاصة بين الدين المدعى به عليه ودين له على المدعي ، لأن هذا يعد توجيهاً ، ليمين جديدة على موضوع آخر هو دين عمرو على زيد، ويسوغ لزيد أن يردها عليه ويطلب منه أن يحلف على أن له ديناً عليه تحصل به المقاصة وظاهر أن الواقعة الثانية هي غير الواقعة الأولى لأن هذه دين لزيد على عمرو والأخرى دين لعمرو على زيد ، وفي دفع عمرو بالمقاصة تسليم ضمنی بدعوی زید .

والحق في رد اليمين تقتضيه المساواة التي يجب أن تسود بين الطرفين في نظام اليمين.

وإذا نازع الخصم في اليمين الموجهة إليه بأن الواقعة المنطبق عليها اليمين لا تتعلق بشخصه فإنه يتعين على المحكمة أن تفصل في منازعته.(موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري ، طبعة 2017، دار محمود،  المجلد : الرابع  ،  الصفحة  : 1877)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون التقاضي والإثبات ، الطبعة الأولى 2013م – 1434ه، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 155 ، 156 ، 157 ، 158 . مادة 138): إذا عجز المدعي عن إثبات دعواه، وطلب تحليف خصمه فحلف أو نكل حكم بمقتضى الخلف أو النكول. (م (197) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، و م (1742) و (1751) من المجلة). (وانظر في اليمين الحاسمة: م (112) و (113) بینات سوري، و(471) مدني عراقي، و (410) مدني مصري، و(114) إثبات مصري، و(75) إثبات سوداني، و(112) - (113) بینات سوري). المذكرة الإيضاحية: 1- بعد تمام دعوى المدعي يسأل القاضي المدعى عليه عما قاله المدعي، فإن أقر المدعى عليه بما قاله المدعي ألزمه القاضي بما أقر به، وإن أنكر سأل المدعي البينة، فإن عجز حلف المدعى عليه بطلب المدعي، فإن حلف بقي المدعي في يده، ومنع المدعى من التعرض له، ويسمى هذا قضاء ترك وإن نكل قضى عليه بها ادعاه المدعي قضاء استحقاق کما لو ثبت بالإقرار أو البينة. إذا قال المدعي: لي بينة على دعواي فإما أن تكون بينة حاضرة بمجلس القاضي، أو حاضرة بالمصر الذي فيه القاضي، أو غائبة عنه. فإن كانت البينة غائبة عن الصر، وطلب المدعي يمين المدعى عليه - أجابه القاضي إلى طلبه اتفاقا ؛ تيسيرا عليه وعلى خصمه في رفع المئونة والانتظار. وإن كانت البينة حاضرة بمجلس القاضي وطلب يمين خصمه - لا يجيبه القاضي إلى طلبه بالاتفاق لارتفاع الحرج عن المتخاصمين بحضور البينة. وإن كانت البينة حاضرة بالمصر وطلب يمين خصمه: فعلى قول أبي حنيفة: لا يجيبه القاضي إلى طلبه بل يكلفه إحضار البينة. وعلى قول أبي يوسف: يجيبه إلى طلبه، ولا يكلفه إحضار البينة. ومحمد مع أبي يوسف على رواية الحصاف، ومع أبي حنيفة على رواية الطحاوي كما في الهداية. استدل أبو يوسف بقوله عليه الصلاة والسلام: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر». ومعلوم أن كلمة: «على» تفيد الوجوب، فالمنكر مستحق عليه اليمين، والمستحق لها هو المدعي، فاليمين إذن حق للمدعي على المدعى عليه وأظهر من هذا قوله عليه الصلاة والسلام : «لك يمينه». حيث أضاف إليه اليمين بلام الملك والاختصاص. واستدل أبو حنيفة بقوله صلى الله عليه وسلم للمدعي: «ألك بينة؟» فقال: لا. فقال: «لك يمينه». فقد ذكر اليمين بعدما عجز المدعي عن البينة، وهذا يدل على أن ثبوت حق المدعي في اليمين مرتب على عجزه عن إقامة البينة. وإذا كانت البينة حاضرة بالمصر فكأنها كالحاضرة بمجلس القاضي، بجامع القدرة على إقامتها في كل . وظاهر المادة (197) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التمشي مع قول أبي حنيفة؛ إذ جاء فيها ما نصه: «إذا عجز المدعي عن إثبات دعواه أو اعتبر عاجزا ، وطلب تحليف خصمه فحلف أو نكل - حكم بمقتضى الحلف أو النكول». وإنما صارت اليمين حقا للمدعي ؛ لأن المنكر قصد إتواء حقه على زعمه بالإنكار، فمكنه الشارع من إتواء نفسه باليمين الكاذبة، وهي الغموس، إن كان كاذبا كما يزعم المدعي، وهذا أعظم من إتواء المال. فإن كان الحالف صادقا حصل له الثواب بذكر اسم الله تعالى على وجه التعظيم. وإذا حلف القاضي المدعى عليه بطلب المدعي، فحلف، فالمدعي لا يزال على دعواه، ولا يبطل حقه بيمين المدعى عليه إلا أنه ليس له أن يخاصمه بعد ذلك ما لم يقم البينة على وفق دعواه، فإن وجد بينة أقامها وقضى له بها، غير أن المدعي إذا كان قد حصر شهوده، أو قال: لا بينة لي. فعلى قول أبي حنيفة: لا تقبل منه البينة بعد ذلك؛ للتناقض الظاهر. وعلى قول محمد: يجاب إلى طلبه، وتسمع بينته ؛ لأنه ربما كان له بينة في الواقع ولم يعرفها ثم عرفها أو نسيها ثم تذكر. ومذهب محمد هو الظاهر من الوجهة النظرية وعليه المتون، غير أن في العمل بقول أبي حنيفة إقفالا لباب كبير من أبواب التزوير ؛ فكان هو الأرجح من الوجهة العملية، وهو المختار في المجلة (انظر المادة (1753))، وفي اللائحة، غير أنه استثنى في اللائحة شهادة الحسبة؛ لأنها من حقوق الله (انظر المادتين (191) و (196) منها، وأحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (231) - (235)). 2- واليمين على المدعى عليه لأحاديث كثيرة منها: ما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه. وروى أحمد ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه». وأخرج البيهقي هذا الحديث بإسناد صحيح بلفظ: «البينة على المدعي واليمين على من أنكره». وروى مسلم والترمذي عن وائل بن حجر: جاء رجل من حضرموت، ورجل من کندة، إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الحضرمي: یا رسول الله ، إن هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي. قال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق. فقال صلى الله عليه وسلم للحضرمي: «ألك بينة؟» قال: لا. قال: «فلك يمينه». فقال: يا رسول الله، الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع من شيء. قال: «ليس لك منه إلا ذلك». فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر الرجل: «أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض». فهذه الأحاديث وما في معناها تدل على أن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه. وقد ذهب الجمهور وحملوا ما ورد في ذلك على عمومه في حق كل أحد، سواء أكان بين المدعي والمدعى عليه اختلاط في المعاملة أم لا. واشترط المالكية لتوجيه اليمين أن يكون بين المدعي والمدعى عليه اختلاط في المعاملة؛ لئلا يبتذل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم مرارا ، ولهم في ذلك استثناءات. انظر التبصرة، ج(1)، ص (196) - (201)). وقال الاصطخري من الشافعية: إن قرائن الحال إذا شهدت بكذب المدعي، لم يلتفت إليه. (انظر: أحمد إبراهيم، طرق القضاء، (235) - (236). و السنهوري ، الوسيط ج (2) الهامش (2)، ص (524) - (525)). وإذا برهن المدعي على دعواه، فطلب المدعى عليه من القاضي أن يحلف المدعي على أنه محق في الدعوى، أو على أن الشهود محقون في الشهادة - لا يجيبه القاضي إلى ما طلب قالوا: لأنه خلاف الشرع. (أحمد إبراهيم ص (259)). هل يشترط طلب الخصم اليمين: الدعوى إما أن تكون من حقوق العباد أو من حقوق الله (أي دعوى حسبة). فإن كانت من حقوق الله فالذي يوجه اليمين فيها إلى المدعى عليه هو القاضي؛ محافظة على حق الله تعالى ولو لم يطلب المدعي ذلك منه (م (203) من اللائحة)، ويظهر ذلك في دعوى الطلاق والعتق، وأشباه ذلك. وأما إن كانت الدعوى من حقوق العباد فالقاضي هو الذي يوجه اليمين إلى المدعى عليه، لكن بشرط طلب المدعي ذلك منه، فإن حلفه القاضي من تلقاء نفسه، أو حلفه المدعي بدون توجيه اليمين من القاضي - فالأحكام التي تبنى على ذلك باطلة (انظر م (1747) من المجلة). قال في تبصرة الحكام (ج (1) ص (189)): فصل: لا بد من حضور المحلوف له أو وكيله لتقاضي اليمين، فإن تغيب وكل القاضي من يقتضيها إذا ثبت عنده تغيبه، ولا يحلف القاضي المدعى عليه إلا بسؤال خصمه، أو قرينة حال تدل على طلبه لذلك من القاضي. قاله المازري. وقال فيها أيضا ((1): (190)): «فصل: في حكم النكول عن اليمين - ونعني به نكول المدعى عليه أو المدعي إذا توجهت عليه اليمين فنكل عنها -: ولا يثبت الحق على المدعى عليه بمجرد نكوله كمذهب أبي حنيفة بل لا بد مع نكوله من يمين المدعي، ويتم نكوله بقوله: لا أحلف. وكذلك قوله: أنا نكل عن اليمين. أو بقوله للمدعي: احلف أنت. وأما تماديه على الامتناع من اليمين فإن كان مع نطقه بمثل هذه الألفاظ فلا إشكال، وإن كان بدون هذه الألفاظ، فهو يشبه الامتناع من الجواب، وقد تقدم حكم ذلك في القسم الثالث من أقسام الجواب عن الدعوى». . وأبو حنيفة يعتبر النكول بذلا - أي تركا للمنازعة (لا الهبة والتمليك) -. وعند الصاحبين: النكول إقرار أو قائم مقام الإقرار. (أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (420) وما بعدها. وانظر تکملة فتح القدير، (6): (163) - (165)، والسنهوري ، الوسيط، ج (2) الهامش (4) ص (570)). حجيتها: اليمين طريق من طرق القضاء في الشريعة الإسلامية، والمقصود هنا يمين الخصم لا الشاهد، والسند في ذلك الأحاديث الآتية: - عن ابن عباس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه». متفق عليه. والبيهقي بإسناد صحيح: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر». بلوغ المرام، رقم (1209)، ص (219)). - وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين، فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف. رواه البخاري. (قال الخطابي: معنى الاستهام هنا «الاقتراع». يريد أنهما يقترعان، فأيها خرجت له القرعة حلف وأخذ ما ادعى). بلوغ المرام، رقم (1210)، ص (219)). - وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة». بلوغ المرام رقم (1211)، ص (220)). - وعن الأشعث بن قيس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر - لقي الله وهو عليه غضبان». متفق عليه. بلوغ المرام، رقم (1212)، ص (220)). - وعن ابن عمر رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق. رواهما الدارقطني، وفي إسنادهما ضعف (بلوغ المرام (1217) ص (221)). (مادة 133): تجوز النيابة في التحليف، ولكن لا تجوز في اليمين. ولا يجوز للوكيل في الخصومة طلب اليمين من الخصم الآخر إلا بتوکیل خاص. (م (205) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، و م (1745) من المجلة وقد اقتصرت على الفقرة الأولى). المذكرة الإيضاحية: يجوز لمن ينوب عن صاحب الحق بوكالة أو وصاية أو ولاية - توجيه اليمين بواسطة القاضي إلى المدعى عليه. ولكن لا يجوز لواحد من هؤلاء أن يحلف بالنيابة عمن يقوم مقامه؛ إذ القاعدة هي أن النيابة تجري في الاستحلاف ولا تجري في الخلف، ووجهه ظاهر. وعلى ذلك إذا وجهت اليمين من المدعي إلى أحد هؤلاء، فحلف - فلا يترتب على حلفه أو نكوله حكم، والواجب في هذه الحالة تحليف ذي الشأن الأصلي متى كان أهلا الأداء اليمين، وإلا كانت الحجة بالنسبة له قاصرة على بينة المدعي، لكن يجوز لكل واحد من هؤلاء أن يحلف على فعل نفسه من عقد أو تصرف باشره. أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (239)). ولوكلاء الدعاوى أن يحلفوا الأخصام إذا فوض الموكلون إليهم ذلك أما إذا توجهت اليمين إلى الموكل فإنه يلزمه أن يحلف هو نفسه ومثل الوكيل الوصي، والمتولي، وأبو الصغير، فإنهم يملكون الاستحلاف ولا يحلف أحد منهم إلا إذا ادعي عليه العقد. ومما يتفرع على هذا أنه إذا ادعى أحد على الميت مالا فله أن يحلف كل الورثة ولا يكتفي بيمين أحدهم؛ لأن النيابة لا تجري في الحلف ولو ادعى الورثة مالا لمورثهم على إنسان وحلف أحدهم المدعى عليه عند القاضي - كفى ذلك، وليس لبقية الورثة أن يحلفوه؛ لأن النيابة تجري في الاستحلاف. (أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (258). والدر والتكملة) (مادة 135): لا يعتبر الحلف أو النكول إلا إذا كان أمام المحكمة. (م (198) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، و م (1444) و(1747) و(1751) من المجلة). المذكرة الإيضاحية: يشترط أداء اليمين أمام القاضي. فإذا اصطلحا على أن يحلف عند غير القاضي، ويكون بريئا – فهو باطل؛ لأن التحليف حق القاضي بطلب المدعي، فلا عبرة ليمين ولا نكول عند غير القاضي. وفي تبصرة الحكام ((1): (192)): «وإذا حلف الخصم دون حضور خصمه لم يجزئه اليمين وكذلك إذا بدر باليمين بحضور خصمه قبل أن يسأله ذلك، فإن لم يرض بها لم تجزه» . وفي القانون: اليمين إما أن تكون قضائية تؤدى أمام القضاء، أو غير قضائية تؤدى أن يتفق على تأديتها في غير مجلس القضاء واليمين غير القضائية ليس لها أحكام خاصة بل تتبع في شأنها القواعد العامة، أما اليمين القضائية فهي المقصودة هنا، وهي التي تكون أمام المحكمة. (انظر: السنهوري، الوسيط، ج (2)، البند (265) ص (514) - (515)). (مادة 136): إذا اجتمعت دعاوی مختلفة، يكفي فيها يمين واحدة على جميعها، ولا يلزم التحليف لكل منها على حدة. (م (202) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، و م (1750) من المجلة). المذكرة الإيضاحية: تعرض هذه المادة لحالة ما إذا اجتمعت دعاوی مختلفة، فالحكم في هذه الحالة أنه تكفي يمين واحدة عن الكل كما لو ادعى عليه دراهم ودنانير وعروضا وعقارا مثلا ، وأنكر المدعى عليه، وأراد تحليفه - فالقاضي يجمع الكل ويحلفه يمينا واحدة. أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (257) - (258)، وانظر تبصرة الحكام (1): (192) - (193) و (194) - (195)). (مادة 137): من افتدى يمينه، أو صالح عنه بمقدار من المال - سقط حق المدعي في تلك اليمين. المذكرة الإيضاحية: من ادعى على آخر مالا فأنكره ، فطلب يمينه فافتداها أو صالح عنها على مقدار من المال - جاز ذلك والاقتداء يكون بال مثل المدعى أو أقل منه، وأما الصلح عن اليمين فيكون على مال أقل من المدعى في الغالب؛ لأن الصلح ينبئ عن الخطيطة، وكلاهما مشروع، وقد افتدى عثمان رضى الله عنه يمينه. وإذا افتدى يمينه أو صالح عنها فقد سقط حق المدعي في تلك اليمين، فليس له أن ينقض ما حصل ويستحلف المدعى عليه ثانیا ؛ لأن الساقط لا يعود. الهداية وشروحها وأحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (257)). قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434ه، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 45 ، 46 ، 47 ، 48 (مادة 14) : طرق القضاء هي : الإقرار ، والإستجواب ، والشهادة ، والكتابة ، واليمين ، والقرائن ، والمعاينة ، والخبرة. المذكرة الإيضاحية : اختلف الفقهاء في بيان أدلة ثبوت الدعوى ( أي: الحجج الشرعية أو طرق القضاء). وقد حصرها البعض في سبعة هي : البينة ، والإقرار ، واليمين ، والنكول ، والقسامة ، وعلم القاضي ، والقرينة القاطعة (الدر، ورد المحتار). وقال في التكملة : والحاصل أن القضاء في الإقرار مجاز (لأن الحق يثبت به بدون حكم ، وإنما يأمره القاضي بدفع ما لزمه بإقراره، وليس لزوم الحق بالقضاء ، فجعل الإقرار من طرق القضاء إنما هو بحسب الظاهر ، وإلا فالحق يثبت به لا بالقضاء)، والقسامة داخلة في اليمين ، وعلم القاضي مرجوح، والقرينة مما انفرد به ابن الفرس ، فرجعت الحجج التي هي أسباب الحكم إلى ثلاث - أي البينة واليمين والنكول . (انظر أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (7) - (11) و(219) وما بعدها) وذكر ابن القيم في الطرق الحكمية خمسة وعشرين طريقا ترجع عند النظر، إلى: القرائن والعلامات الظاهرة، الشهادة، اليمين، النكول، اليد (أي الحيازة)، الإنكار، الإقرار، الخط، القرعة، القافة (أي: الخبرة في أمور النسب). وذكر ابن فرحون في التبصرة : الشهادة والخط والإقرار والقرائن والقرعة والقافة . وفي مجلة الأحكام العدلية نجد أن طرق القضاء هي : الإقرار ، والشهادة ، واليمين ، والنكول ، والخط ، والقرينة القاطعة . وقد ذكرت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم (78) لسنة 1931 في المادة (123) أربعة أدلة ، هي: الإقرار ، والشهادة ، والنكول عن الحلف، والقرينة القاطعة ولكنها تكلمت في الباب الثالث الخاص بالأدلة على الأدلة الخطية (في الفصل الثاني بعد الإقرار) ، ثم على اليمين والنكول (في الفصل السادس) ، وعلى المعاينة (في الفصل السابع) ، وعلى الخبرة في الفصل الثامن) ، كما تكلمت على إستجواب الخصوم (في الفصل السابع من الباب الثاني م (115) وما بعدها) وبذا زادت الأدلة فيها على الأربعة المذكورة في المادة (123) وذلك على خلاف ما ذهب إليه المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم ؛ إذ قال في طرق القضاء (ص (9) - (10)) : «أقول : إن الناظر فيما جاء في اللائحة في حجية الأوراق الرسمية والعرفية ، وفي استجواب الخصوم ومعاينة المحكمة وأهل الخبرة - يراه لا يخرج عن هذه الحجج الثلاث ؛ إذ كله يرجع إلى الإقرار ، وأن الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان ، وهو الذي يجب التعويل عليه كما سيأتي». ولكن بالرجوع إلى المادة (134) من تلك اللائحة نجد أنها نصت على أن الأوراق الرسمية - أكانت سندات أم محررات - تكون حجة على أي شخص كان فيها تدون بها مما لا يدخلها دائما في الإقرار ، وكذلك إستجواب الخصوم ومعاينة المحكمة وأهل الخبرة لا تدخل دائما في الإقرار . وبالرجوع إلى القوانين العربية الخاصة بالإثبات نجد أنها : الأدلة الكتابية ، والشهادة ، والقرائن ، والإستجواب ، والإقرار ، واليمين ، والمعاينة ، والخبرة . (م (1) من قانون البينات السوري ، و(11) من قانون الإثبات السوداني ، وقانون الإثبات المصري ، وانظر السنهوري ، الوسيط ، ج (2) ص (89) وما بعدها) . وإذا ألقينا نظرة فاحصة وجدنا أن طرق إثبات الدعوى ترجع إلى: الإقرار ، والشهادة ، والكتابة ، واليمين ، والنكول ، والقرينة ، والمعاينة ، والخبرة . أما القسامة - وهي خاصة بالقضاء بالدية - فهي يمين. وأما علم القاضي فالفتوى على أنه ليس طريقا للقضاء لفساد الزمان وهو ما أخذ به هذا القانون في المادة (6) منه. وأما القافة فهي خاصة بالنسب وهو من الأحوال الشخصية وخارج عن نطاق هذا القانون . وقد جرت بعض التقنينات على عدم النص على طرق القضاء بإعتبار أن ذلك من عمل الفقه ، ولكن تقنينات أخرى جرت على النص عليها ، کلائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، وقانون البينات السوري ، وقانون الإثبات السوري ، وقد روعي إتباع نهج التقنينات الأخيرة في هذا القانون زيادة في البيان . وقد سار القانون على معالجة طرق القضاء بالترتيب الآتي : 1- الإقرار . 2- إستجواب الخصوم . 3- الشهادة . 4 - الكتابة . 5- اليمين . 6- القرائن . 7- المعاينة . 8- الخبرة . وقد روعي في هذا الترتيب نظرة الفقه الإسلامي من تقديم الإقرار بوصفه أقوى الأدلة ، يليه الإستجواب بوصفه وسيلة للإقرار ، ثم الشهادة ، ويليها الكتابة لأنها في الغالب إما أن تكون إقرارا أو شهادة، ثم اليمين ، وبقية الأدلة . وقد خصص باب لكل طريق من هذه الطرق . الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 239 حق الاستحلاف (طلب الحلف): الأصل في طلب اليمين أن يكون للمدعي، ويجوز أن ينوب عنه في ذلك وكيله أو وصيه أو وليه أو ناظر الوقف. ولا تجوز الإنابة في الحلف إلا إذا كان المدعى عليه أعمى أخرس أصم، فإنه يحلف عنه وليه أو وصيه. ولو أصم كتب القاضي ليجيب بخطه إن عرف الكتابة، وإلا فبإشارته. رد اليمين: مذهب الحنفية، وأحد قولين للإمام أحمد، أنه إذا كانت للمدعي بينة صحيحة قضي له بها. فإن لم تكن له بينة أصلا، أو كانت له بينة غير حاضرة، طلب يمين المدعى عليه، فإن حلف بعد عرض القاضي اليمين عليه رفضت دعوى المدعي، وإن نكل عن اليمين بلا عذر، فإن كان المدعى مالا، أو المقصود منه المال، قضي عليه بنكوله، ولم ترد اليمين على المدعي لقوله صلي الله عليه وسلم «ولكن اليمين على جانب المدعى عليه» وقوله «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه» فحصرها في جانب المدعى عليه. واختار أبو الخطاب من الحنابلة ردها على المدعي. فإن حلف المدعي حكم له بما ادعاه. قال أبو الخطاب: وقد صوبه أحمد، فقال: ما هو ببعيد، يحلف ويستحق. وقال: هو قول أهل المدينة. قال ابن قدامة: وروي ذلك عن علي رضي الله عنه ، وبه قال شريح والشعبي والنخعي وابن سيرين، وبه قال الإمام مالك في الأموال خاصة. ومذهب الشافعية أن اليمين ترد على المدعي في جميع الدعاوى، لما روى نافع عن ابن عمر «أن النبي صلي الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق» ولأنه إذا نكل ظهر صدق المدعي وقوي جانبه، فتشرع في حقه، كالمدعى عليه قبل نكوله. وقال ابن أبي ليلى: لا أدعه حتى يقر أو يحلف. الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / السابع ، الصفحة / 245 أيمان التعريف: 1 - الأيمان: جمع يمين، وهي مؤنثة وتذكر. وتجمع أيضا على (أيمن) ومن معاني اليمين لغة: القوة والقسم، والبركة، واليد اليمنى، والجهة اليمنى. ويقابلها: اليسار، بمعنى: اليد اليسرى، والجهة اليسرى. أما في الشرع، فقد عرفها صاحب غاية المنتهى من الحنابلة بأنها: توكيد حكم بذكر معظم على وجه مخصوص. ومقتضى هذا التعريف تخصيص اليمين بالقسم، لكن يستفاد من كلام الحنابلة في مواضع كثيرة من كتبهم تسمية التعليقات الستة أيمانا، وهي تعليق الكفر والطلاق والظهار والحرام والعتق والتزام القربة، وقرر ذلك ابن تيمية في مجموع الفتاوى. حكمة التشريع: من أساليب التأكيد المتعارفة في جميع العصور أسلوب التأكيد باليمين، إما لحمل المخاطب على الثقة بكلام الحالف، وأنه لم يكذب فيه إن كان خبرا، ولا يخلفه إن كان وعدا أو وعيدا أو نحوهما، وإما لتقوية عزم الحالف نفسه على فعل شيء يخشى إحجامها عنه، أو ترك شيء يخشى إقدامها عليه، وإما لتقوية الطلب من المخاطب أو غيره وحثه على فعل شيء أو منعه عنه. فالغاية العامة لليمين قصد توكيد الخبر ثبوتا أو نفيا. تقسيمات اليمين (أولا) تقسيم اليمين بحسب غايتها العامة تنقسم اليمين بحسب غايتها العامة إلى قسمين: القسم الأول: اليمين المؤكدة للخبر، سواء أكان ماضيا أم حاضرا أم مستقبلا، وسواء أكان إثباتا أم نفيا، وسواء أكان مطابقا للواقع أم مخالفا. واليمين على ما طابق الواقع تسمى (اليمين الصادقة) كقوله تبارك وتعالى: زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم فهذا أمر للنبي صلي الله عليه وسلم أن يحلف بربه عز وجل على أنهم سيبعثون يوم القيامة، ثم يحاسبون على أعمالهم. واليمين على ما خالف الواقع إن كان الحالف بها كاذبا عمدا تسمى (اليمين الغموس) لأن ها تغمس صاحبها في الإثم. ومن أمثلتها ما حكاه الله عز وجل عن المنافقين في آيات كثيرة منها: قوله تعالي ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون. فهذا من المنافقين حلف على أنهم من المؤمنين، وهم كاذبون فيه، وما حملهم على الكذب إلا أنهم يخافون غضب المؤمنين عليهم. وإن كان الحالف بها متعمدا صدقها، غير أنه أخطأ في اعتقاده، لم تكن غموسا ولا صادقة، وإنما تكون (لغوا) على بعض الأقوال. ومن أمثلتها أن يقول إنسان: والله إن الشمس طلعت، بناء على إشارة الساعة والتقويم، ثم يتبين أنه لم تكن طلعت، وأنه أخطأ النظر، أو كان بالساعة خلل، أو بالتقويم خطأ. القسم الثاني: اليمين المؤكدة للإنشاء. والإنشاء إما حث أو منع، والمقصود بالحث: حمل الحالف نفسه أو غيره على فعل شيء في المستقبل. والمقصود بالمنع: حمل الحالف نفسه أو غيره على ترك شيء في المستقبل. مثال الحث: والله لأفعلن كذا، أو لتفعلن كذا، أو ليفعلن فلان كذا. ومثال المنع: والله لا أفعل كذا، أو لا تفعل كذا، أو لا يفعل فلان كذا. وهذه اليمين تسمى (منعقدة) أو (معقودة) متى تمت شرائطها، وسيأتي بيانها. ومما هو جدير بالملاحظة أن قول القائل: لأفعلن، أو لا أفعل يدل على حث نفسه على الفعل أو الترك حقيقة إن كان يتحدث في خلوة، نحو: والله لأصومن غدا، أو لا أشرب الخمر، أو لأقتلن فلانا، أو لا أفعل ما أمرني به. وأما إن كان يتحدث في مواجهة غيره، فإنه يدل على حث نفسه ظاهرا، وقد يكون هذا الظاهر موافقا للحقيقة، بأن يكون عازما على الوفاء، وقد يكون مخالفا لها، بأن يكون عازما على عدم الوفاء. وقول القائل: لتفعلن أو لا تفعل يدل على حث المخاطب على الفعل أو الترك، ويكون بمثابة الأمر إن كان من أعلى لأدنى، والدعاء إن كان من أدنى لأعلى، والالتماس إن كان بين متماثلين. ثم إنه قد يكون حقيقيا، وقد يكون ظاهريا فقط بقصد المجاملة أو غيرها. هذا، وتنقسم اليمين على المستقبل إلى: يمين بر، ويمين حنث. (فيمين البر) هي ما كانت على النفي، نحو: والله لا فعلت كذا، بمعنى: لا أفعل كذا، وسميت يمين بر لأن الحالف بار حين حلفه، ومستمر على البر ما لم يفعل. (ويمين الحنث) ما كانت على الإثبات، نحو: والله لأفعلن كذا، وإنما سميت يمين حنث لأن الحالف لو استمر على حالته حتى مضى الوقت أو حصل اليأس حنث. ( ثانيا) تقسيم اليمين بحسب صيغتها العامة القسم الأول: القسم المنجز بالصيغة الأصلية لليمين، وتكون بذكر اسم الله تعالى، مثل (والله) (والرحمن) أو صفة له مثل (وعزة الله) (وجلاله). وكان الناس في الجاهلية يحلفون بالله وبمعبوداتهم كاللات والعزى، وبما يعظمونه من المخلوقات مما لا يعبدون كالآباء والأمهات والكعبة، وبما يحمدونه من الأخلاق كالأمانة. وفي صدر الإسلام بطل تعظيمهم للأصنام ونحوها مما كانوا يعبدونه من دون الله، فبطل حلفهم بها إلا ما كان سبق لسان، واستمر حلفهم بما يحبونه ويعظمونه من المخلوقات، فنهاهم رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ذلك وأمرهم بالاقتصار على الحلف بالله تعالى، وسيأتي بيان ذلك كله تفصيلا. - القسم الثاني: التعليق، ويمكن تحصيل الغاية العامة من اليمين - وهي تأكيد الخبر أو الحث أو المنع - بطريق آخر، وهو ترتيب المتكلم جزاء مكروها له في حالة مخالفة الواقع أو تخلف المقصود. ولهذا الجزاء أنواع كثيرة بحسب العادة، لكن لم يعتبر الفقهاء منها إلا ستة أنواع وهي: الكفر، والطلاق، والظهار، والحرام، والعتق، والتزام القربة. وأمثلتها: إن فعلت كذا، أو: إن لم أفعل كذا، أو: إن لم يكن الأمر كما قلت فهو بريء من الإسلام. أو: فامرأته طالق، أو: فامرأته عليه كظهر أمه، أو: فحلال الله عليه حرام، أو: فعبده حر، أو فعليه حجة. وقد يكون الطريق المحصل للغاية ترتيب جزاء محبوب للمخاطب على فعل أمر محبوب للمتكلم، كما لو قال إنسان لعبده: إن بشرتني فأنت حر، فهذا الجزاء محبوب للمخاطب من حيث كونه تخلصا من الرق، وإن كان شاقا على المتكلم من حيث كونه إزالة للملك، غير أنه يستسهله لما فيه من مكافأة على فعل ما يحبه وشكر لله عز وجل على ذلك. والجزاء المحبوب لا يتصور كونه ظهارا ولا كفرا، فهو منحصر في العتق والتزام القربة والطلاق والحرام، كتطليق ضرة المخاطبة وتحريمها. وسيأتي تفصيل ذلك كله. التعليق بصورة القسم: قد يعدل الحالف عن أداء الشرط والجملة الشرطية، ويأتي بالجزاء بدون الفاء، ويذكر بعده جملة شبيهة بجواب القسم، فيقول: هو يهودي ليفعلن كذا، أو لا يفعل كذا، أو امرأته طالق لا يفعل كذا، أو ليفعلن كذا، فالجملة التي بدئ الكلام بها جزاء لشرط محذوف، تدل عليه الجملة المذكورة بعد، وسيأتي بيان ذلك. الجواب الإنشائي يتضمن الخبر: القسم حينما يكون إنشائيا للحث أو المنع، فالحلف عليه لا يمكن أن يكون حلفا على الإنشاء المحض، فإن هذا الإنشاء يحصل معناه بمجرد النطق به، فلا يحتاج إلى حلف. فإن الذي يحتاج إلى الحلف، هو الأمر الذي يخشى تخلفه، وهو الوفاء بمضمون الجملة الإنشائية. فمن حلف فقال: والله لأقضينك حقك غدا، وقد حث نفسه على القضاء، وهذا الحث قد حصل بمجرد النطق، فهو غير محتاج إلى القسم من حيث ذاته، فالقسم إذن إنما هو على الحث المستتبع لأثره، وهو حصول القضاء بالفعل في غد، وهذا المعنى خبري، ولهذا لو لم يقضه حقه لكان حانثا. فمن قال: لأقضينك حقك. أثبت معنيين: (أحدهما) إنشائي، وهو حث نفسه على القضاء، وهذا هو المعنى الصريح. (وثانيهما) خبري، وهو الإخبار بأن هذا القضاء سيحصل في الغد، وهذا المعنى ضمني، واليمين إنما أتي بها من أجل هذا المعنى الضمني. ولهذا لا يصح في اللغة العربية أن يجاب القسم بفعل الأمر، ولا بفعل النهي، فلا يقال: والله قم، أو لا تقم. مرادفات اليمين: قال الكمال: أسماء هذا المعنى التوكيدي ستة: الحلف والقسم والعهد والميثاق والإيلاء واليمين. فاليمين مرادفة للألفاظ الخمسة التي ذكرت معها. وهناك ألفاظ أخرى، فقد أفاد صاحب البدائع أنه لو قال إنسان: أشهد أو أعزم أو شهدت أو عزمت بالله لأفعلن كذا. كان يمينا؛ لأن العزم معناه الإيجاب؛ ولأن الشهادة وردت في قوله تعالي إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون) فالآية الثانية أفادت أن شهادتهم يمين. ويؤخذ من هذا أن الشهادة والعزم من مرادفات اليمين عرفا، وأفاد أيضا أن الذمة كالعهد والميثاق، فمن قال: علي ذمة الله لأفعلن كان يمينا. وأفاد ابن عابدين أنه لو نذر الإنسان صوما، كأن قال: لله علي أن أصوم، فإن لم ينو شيئا، أو نوى النذر ولم يخطر اليمين بباله، أو نوى النذر ونفى اليمين كان نذرا فقط. وإن نوى اليمين ونفى النذر كان يمينا فقط. وعليه الكفارة إن أفطر. وإن نواهما معا، أو نوى اليمين ولم يخطر بباله النذر كان نذرا ويمينا، حتى لو أفطر قضى وكفر عن يمينه. ويؤخذ من هذا أن صيغة النذر تكون يمينا بالنية عند الحنفية، فتكون من قبيل الكناية، بخلاف الألفاظ السابقة، فظاهر كلامهم أنها صريحة عندهم، وإن كان بعضها كناية عند غيرهم كما سيأتي. وسيأتي الخلاف في النذر المبهم مثل علي نذر. وسيأتي أيضا أن الكفالة والأمانة المضافين لله كالعهد عند الشافعية، فقد قالوا: من قال: علي عهد الله، أو ميثاقه، أو ذمته، أو كفالته، أو أمانته لأفعلن كذا، أو لا أفعل كذا، كان قوله ذلك يمينا بالنية. هذا ما في كتب الفقه، وقد يجد الباحث في كتب اللغة ألفاظا أخرى كالنفل. ففي القاموس المحيط: نفل: حلف. وهو من باب نصر. ويؤخذ من لسان العرب أن (نفل) (وانتفل) و (أنفل) معناها حلف، ويقال: نفلته بتشديد الفاء أي: حلفته. أيمان خاصة أ - الإيلاء: هو أن يحلف الزوج على الامتناع من وطء زوجته مطلقا أو مدة أربعة أشهر، سواء أكان الحلف بالله تعالى أم بتعليق الطلاق أو العتق أو نحوهما. ولهذا الإيلاء أحكام خاصة مأخوذة من قوله تعالي للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ) ولتفصيلها (ر: إيلاء). ب - اللعان: اللعان في اللغة: مصدر لاعن، بمعنى شاتم، فإذا تشاتم اثنان، فشتم كل منهما الآخر بالدعاء عليه، بأن يلعنه الله، قيل لهما: تلاعنا، ولاعن كل منهما صاحبه. واللعان في الشرع لا يكون إلا أمام القاضي، وهو: قول الزوج لامرأته مشيرا إليها: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنى. وإذا كانت حاملا أو ولدت ولدا واعتقد أنه ليس منه زاد: وأن هذا الحمل أو الولد ليس مني. ويكرر ذلك كله أربع مرات، ويزيد بعد الرابعة: وعليه لعنة الله إن كان من الكاذبين. ولعان المرأة زوجها إذا لم تصدقه أن تقول بعد لعانه إياها: أشهد بالله إن زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى، وتزيد لإثبات نسبة الحمل أو الولد: وأن هذا الولد منه. وتكرر ذلك كله أربع مرات، وتزيد بعد الرابعة: وعليها غضب الله إن كان من الصادقين. ولعان الحاكم بين الزوجين هو: أن يحضرهما، ويأمر الزوج بملاعنة زوجته إن كان مصرا على قذفها، وليس معه أربعة شهود عدول، ولم تعترف الزوجة بما قاله، ثم يأمر الزوجة - بعد انتهاء الزوج من الملاعنة - أن تلاعنه، فإذا لاعنته فرق بينهما. ومعلوم أن قول كل من الزوج والزوجة: أشهد بالله معناه أقسم بالله، فعلى هذا يكون اللعان يمينا خاصة لها أحكام تخصها، ولتفصيلها (ر: لعان). ج - القسامة: القسامة في اللغة لها معان: منها اليمين. وفي الشرع: أن يقسم خمسون من أولياء القتيل على استحقاقهم دية قتيلهم، إذا وجدوه قتيلا بين قوم، ولم يعرف قاتله. فإن لم يكونوا خمسين رجلا أقسم الموجودون خمسين يمينا. فإن امتنعوا وطلبوا اليمين من المتهمين ردها القاضي عليهم، فأقسموا بها على نفي القتل عنهم. فإن حلف المدعون استحقوا الدية. وإن حلف المتهمون لم تلزمهم الدية. على خلاف وتفصيل ينظر في (قسامة). د - اليمين المغلظة: هي اليمين التي غلظت بالزمان، والمكان، وزيادة الأسماء والصفات، وبحضور جمع، وبالتكرار. فالتغليظ بالزمان هو: أن يكون الحلف بعد العصر، وعصر الجمعة أولى من غيره. والتغليظ بالمكان: أن يكون الحلف عند منبر المسجد الجامع من جهة المحراب، وكونه على المنبر أولى. أما التغليظ في مكة، فهو أن يكون بين الركن الأسود والمقام. والتغليظ بالزمان والمكان يكون في اللعان والقسامة وبعض الدعاوى. والتغليظ بزيادة الأسماء والصفات نحو: والله الطالب الغالب المدرك المهلك الذي يعلم السر وأخفى، ونحو: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية. وهذا التغليظ يكون في بعض الدعاوى. والتغليظ بحضور جمع هو: أن يحضر الحلف جماعة من أعيان البلدة وصلحائها، أقلهم أربعة. وهذا التغليظ يكون في اللعان. والتغليظ بالتكرار هو: تكرار اليمين خمسين مرة. وهذا يكون في القسامة. ولتفصيل ذلك كله (ر: لعان وقسامة ودعوى). ه - أيمان البيعة: مما أحدثه الحجاج بن يوسف الثقفي، أن حلف الناس على بيعتهم لعبد الملك بن مروان بالطلاق والعتاق واليمين بالله وصدقة المال. فكانت هذه الأيمان الأربعة أيمان البيعة القديمة المبتدعة. ثم أحدث المستحلفون من الأمراء عن الخلفاء والملوك وغيرهم أيمانا كثيرة، تختلف فيها عاداتهم، ومن أحدث ذلك فعليه إثم ما ترتب على هذه الأيمان من الشر. فإذا حلف إنسان بأيمان البيعة، بأن قال: علي أيمان البيعة، أو أيمان البيعة تلزمني إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا مثلا: فالمالكية اختلفوا، فقال أبو بكر بن العربي: أجمع المتأخرون على أنه يحنث فيها بالطلاق لجميع نسائه، والعتق لجميع عبيده، وإن لم يكن له رقيق فعليه عتق رقبة واحدة، والمشي إلى مكة، والحج ولو من أقصى المغرب، والتصدق بثلث جميع أمواله، وصيام شهرين متتابعين. ثم قال: جل الأندلسيين قالوا: إن كل امرأة له تطلق ثلاثا ثلاثا، وقال القرويون: إنما تطلق واحدة واحدة. وألزمه بعضهم صوم سنة إذا كان معتادا للحلف بذلك. وقال الشافعي وأصحابه: إن لم يذكر في لفظه طلاقها أو عتاقها أو حجها أو صدقتها لم يلزمه شيء، سواء أنواه أم لم ينوه، إلا أن ينوي طلاقها أو عتاقها، فاختلف أصحابه، فقال العراقيون: يلزمه الطلاق والعتاق، فإن اليمين بهما تنعقد بالكناية مع النية، وقال صاحب التتمة: لا يلزمه ذلك وإن نواه ما لم يتلفظ به؛ لأن الصريح لم يوجد، والكناية إنما يترتب عليها الحكم فيما يتضمن الإيقاع، فأما الالتزام فلا. والحنابلة اختلفوا، فقال أبو القاسم الخرقي: إن نواها لزمته، سواء أعرفها أم لم يعرفها. وقال أكثر الأصحاب ومنهم صاحب المغني: إن لم يعرفها لم تنعقد يمينه بشيء مما فيها، وفي غاية المنتهى: يلزم بأيمان البيعة - وهي يمين رتبها الحجاج تتضمن اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال - ما فيها إن عرفها ونواها، وإلا فلغو. و- أيمان المسلمين: جاء في كتب المالكية: أن هذه العبارة تشمل ستة أشياء، وهي: اليمين بالله تعالى، والطلاق البات لجميع الزوجات، وعتق من يملك من العبيد والإماء، والتصدق بثلث المال، والمشي بحج، وصوم عام. وهذا الشمول للستة إنما يكون عند تعارف الحلف بها، فإن تعورف الحلف ببعضها لم تشمل ما سواه. وذهب الشافعية إلى تحريم تحليف القاضي بالطلاق أو العتاق أو النذر. قال الشافعي: ومتى بلغ الإمام أن قاضيا يستحلف الناس بطلاق أو عتق أو نذر عزله عن الحكم؛ لأنه جاهل. وقال الحنابلة: يلزم بالحلف بأيمان المسلمين ظهار وطلاق وعتاق ونذر ويمين بالله تعالى مع النية. كما لو حلف بكل منها على انفراد. ولو حلف بأيمان المسلمين على نية بعض ما ذكر تقيد حلفه به، ولو حلف بها وأطلق بأن لم ينو كلها ولا بعضها لم يلزمه شيء؛ لأن ه لم ينو بلفظه ما يحتمله فلم تكن يمينا. ز - أيمان الإثبات والإنكار: يذكر الفقهاء في مبحث الدعوى أيمانا للإثبات والإنكار. (منها): اليمين المنضمة، ويصح تسميتها باليمين المتممة، وهي التي تضم إلى شهادة شاهد واحد، أو شهادة امرأتين لإثبات الحقوق المالية. (ومنها): يمين المنكر بكسر الكاف، أو يمين المدعى عليه، وصورتها: أن يدعي إنسان على غيره بشيء، ولا يجد بينة، فيبين له القاضي أن له الحق في طلب اليمين من المدعى عليه ما دام منكرا، فيأمره القاضي أن يحلف، فإذا حلف سقطت الدعوى. (ومنها): يمين الرد، وصورتها: أن يمتنع المدعى عليه في الحالة السابق ذكرها عن اليمين، فيردها القاضي على المدعي، فيحلف على دعواه، ويستحق ما ادعاه. (ومنها): يمين الاستظهار، وصورتها: أن يترك الميت أموالا في أيدي الورثة، فيدعي إنسان حقا على هذا الميت، فعند بعض الفقهاء لا تثبت الدعوى في مواجهة الورثة بالبينة فقط، بل لا بد من ضم اليمين من المدعي، وقد تجب يمين الاستظهار في مسائل أخرى. ولبيان كل ما سبق تفصيلا (ر: إثبات ودعوى). إنشاء اليمين وشرائطها تقدم أن اليمين تنقسم من حيث صيغتها إلى قسم وتعليق، ومن هنا حسن تقسيم الكلام إلى قسمين. إنشاء القسم وشرائطه معلوم أن الإنسان إذا قال: أقسم بالله لأفعلن كذا، فهذه الصيغة تحتوي على جملتين، أولاهما: الجملة المكونة من فعل القسم وفاعله الضمير، وحرف القسم وهو الباء، والمقسم به وهو مدخول الباء. وثانيتهما: الجملة المقسم عليها. وتفصيل الكلام على الوجه الآتي. أ - فعل القسم: ذهب الحنفية إلى أن فعل القسم إذا ذكر بصيغة المضارع أو الماضي، كأقسمت أو حلفت، أو حذف وذكر مكانه المصدر نحو: قسما أو حلفا بالله، أو لم يذكر نحو: الله أو بالله كان ذلك كله يمينا عند الإطلاق. وعند المالكية إذا قال: أحلف أو أقسم أو أشهد أو أعزم، وقال بعد كل واحد منها: بالله، فهي يمين. وقول القائل: عزمت عليك بالله ليس بيمين، بخلاف: عزمت بالله، أو: أعزم بالله كما تقدم. والفرق هو أن التصريح بكلمة (عليك) جعله غير يمين بخلاف (أقسم) فإنها إذا زيد بعدها كلمة عليك لم تخرجها عن كونها يمينا؛ لأن (أقسم) صريح في اليمين. وقول الشخص: يعلم الله، ليس بيمين، فإن كان كاذبا فعليه إثم الكذب، ولا يكون كافرا بذلك، ولا بقوله: أشهد الله، إلا إن قصد أنه عز وجل يخفى عليه الواقع، ولا يكون القسم أيضا بقوله: الله راع، أو حفيظ، أو حاشا لله، أو معاذ الله. وقال الشافعية: من قال لغيره: آليت، أو أقسمت، أو أقسم عليك بالله، أو أسألك بالله لتفعلن كذا، أو لا تفعل كذا، أو قال: بالله لتفعلن كذا، أو لا تفعل كذا، فإما أن يريد يمين نفسه أو لا: فإن أراد يمين نفسه فيمين؛ لصلاحية اللفظ لها مع اشتهاره على ألسنة حملة الشرع. وإن لم يرد يمين نفسه، بل أراد الشفاعة، أو يمين المخاطب، أو أطلق لم تكن يمينا. فإن قال: والله، أو حلفت عليك بالله كان يمينا عند الإطلاق؛ لعدم اشتهاره في الشفاعة أو يمين المخاطب. وإن قال: آليت، أو أقسمت، أو أقسم بالله، ولم يقل: عليك كان يمينا عند الإطلاق أيضا. وقال الحنابلة: إذا قال أقسمت، أو أقسم، أو شهدت، أو أشهد، أو حلفت، أو أحلف، أو عزمت، أو أعزم، أو آليت، أو أولي، أو قسما، أو حلفا، أو ألية، أو شهادة، أو يمينا، أو عزيمة، وأتبع كلا من هذه الألفاظ بقوله (بالله) مثلا كانت يمينا، سواء أنوى بها إنشاء اليمين أم أطلق، فإن نوى بالفعل الماضي إخبارا عن يمين مضت، أو بالمضارع وعدا بيمين مستقبلة، أو نوى بقوله: عزمت وأعزم وعزيمة: قصدت أو أقصد أو قصدا، لم يكن يمينا يقبل منه ذلك. وليس من اليمين قوله: أستعين بالله، وأعتصم بالله، وأتوكل على الله، وعلم الله، وعز الله، وتبارك الله، والحمد لله، وسبحان الله، ونحو ذلك ولو نوى اليمين؛ لأن ها لا تحتمل اليمين شرعا ولا لغة ولا عرفا. ولو قال: أسألك بالله لتفعلن لم تكن الصيغة يمينا إن أطلق أو قصد السؤال أو الإكرام أو التودد، بخلاف ما لو قصد اليمين فإنها تكون يمينا. ب - حروف القسم: هي: الباء والواو والتاء. أما الباء فهي الأصل، ولهذا يجوز أن يذكر قبلها فعل القسم، وأن يحذف، ويجوز أن تدخل على الظاهر والمضمر، نحو: أقسم بك يا رب لأفعلن كذا. وتليها الواو، وهي تدخل على الظاهر فقط، ويحذف معها فعل القسم وجوبا. وتليها التاء، ولا تدخل إلا على لفظ الجلالة، كما في قوله تعالي حكاية عن نبيه إبراهيم عليه السلام ) وتالله لأكيدن أصنامكم وربما دخلت على (رب) نحو: تربي، وترب الكعبة، ويجب معها حذف فعل القسم أيضا. وإذا وجب حذف الفعل وجب حذف المصادر أيضا، نحو قسما. ويقوم مقام باء القسم حروف أخرى، وهي الهاء والهمزة واللام. أما الهاء فمثالها: ها الله، بفتح الهاء ممدودة ومقصورة مع قطع همزة لفظ الجلالة ووصلها، وإذا وصلت حذفت. وأما الهمزة فمثالها: آلله، ممدودة ومقصورة مع وصل همزة لفظ الجلالة، وذلك بأن تحذف. وأما اللام، فقد أفاد صاحب البدائع: أن من قال (لله) بلام الجر بدل الباء كانت صيغته يمينا. ولا تستعمل اللام إلا في قسم متضمن معنى التعجب، كقول ابن عباس رضي الله عنهما : «دخل آدم الجنة فلله ما غربت الشمس حتى خرج. وفي مغني اللبيب والقاموس وشرحه ما يفيد أن اللام تستعمل للقسم والتعجب معا، وتختص بلفظ الجلالة. هذا ما قاله الحنفية ونحوه بقية المذاهب. حذف حرف القسم: إن لم يذكر الحالف شيئا من أحرف القسم، بل قال: الله لأفعلن كذا مثلا، كان يمينا بغير حاجة إلى النية سواء أكسر الهاء على سبيل الجر بالحرف المحذوف، أم فتحها على سبيل نزع الخافض، أم ضمها على سبيل الرفع بالابتداء، ويكون الخبر محذوفا وتقديره: قسمي أو أقسم به، أم سكنها إجراء للوصل مجرى الوقف. وبقاء الجر عند حذف الحرف خاص بلفظ الجلالة، فلا يجوز في العربية أن يقال: الرحمن لأفعلن كذا بكسر النون. كذا قيل. لكن الراجح أنه يجوز وإن كان قليلا، وأيا ما كان فاللحن لا يمنع انعقاد اليمين. هذا مذهب الحنفية والمالكية. وقال الشافعية: لو قال: الله، بحذف حرف القسم. لم يكن يمينا إلا بالنية، سواء جر الاسم أم نصبه أم رفعه أم سكنه. وقال الحنابلة: يصح قسم بغير حروفه، نحو: الله لأفعلن، جرا ونصبا. فإن رفع فيمين أيضا إلا إذا كان الرافع يعرف العربية ولم ينو اليمين، فلا يكون يمينا لأن ه إما مبتدأ أو معطوف بخلاف من لا يعرف العربية، فلو رفع كان يمينا لأن اللحن لا يضر. ج - اللفظ الدال على المقسم به: اللفظ الدال على المقسم به: هو ما دخل عليه حرف القسم، بشرط أن يكون اسما لله تعالى أو صفة له. والمقصود بالاسم: ما دل على الذات المتصفة بجميع صفات الكمال، وهو لفظ الجلالة (الله) وكذلك ترجمته بجميع اللغات، أو على الذات المتصفة بصفة من صفاته تعالى، سواء أكان مختصا به كالرحمن، ورب العالمين، وخالق السموات والأرض، والأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية، والذي نفسي بيده، والذي بعث الأنبياء بالحق، ومالك يوم الدين. أم كان مشتركا بينه وبين غيره كالرحيم والعظيم والقادر والرب والمولى والرازق والخالق والقوي والسيد، فهذه الأسماء قد تطلق على غيره تعالى، قال تعالى في وصف الرسول صلي الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم ) وقال عز وجل في حكاية ما قاله الهدهد لسليمان عليه السلام وصفا لملكة سبأ ( ولها عرش عظيم) . وقال سبحانه في وصف أهل الحديقة الذين عزموا على البخل بثمرها ( وغدوا على حرد قادرين) ومعنى الحرد: المنع، والمراد منع المساكين، وقال تعالى حكاية عن قول يوسف عليه السلام لأحد صاحبيه في السجن: اذكرني عند ربك وقال عز وجل مخاطبا لزوجين من أزواج الرسول صلي الله عليه وسلم وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين) وقال جل شأنه مخاطبا لمن يقسمون الميراث ( وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه). وقال سبحانه مخاطبا لعيسى عليه السلام وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني) وقال تعالى حكاية عن قول إحدى المرأتين لأبيها عن موسى عليه السلام إن خير من استأجرت القوي الأمين وقال سبحانه وتعالى: ( وألفيا سيدها لدى الباب). (والمقصود بالصفة): اللفظ الدال على معنى تصح نسبته إلى الله تعالى، سواء كان صفة ذات أم صفة فعل. وصفة الذات هي: التي يتصف سبحانه وتعالى بها لا بضدها كوجوده. وصفة الفعل هي: التي يتصف الله عز وجل بها وبضدها باعتبار ما تتعلق به، كرحمته وعذابه. ولا تنعقد اليمين بكل اسم له تعالى أو صفة له على الإطلاق، بل ذلك مقيد بشرائط مفصلة تختلف فيها المذاهب. فالحنفية لهم في ذلك أقوال، أرجحها: أن الاسم يجوز الإقسام به، سواء أكان مختصا أم مشتركا، وسواء أكان الحلف به متعارفا أم لا، وسواء أنوى به الله تعالى أم لا. لكن لو نوى بالاسم المشترك غير الله لم يكن يمينا، وإذا كان الاسم غير وارد في الكتاب أو السنة لم يكن يمينا إلا إذا تعورف الحلف به، أو نوى به الله تعالى. وأما الصفة فلا يصح الإقسام بها إلا إذا كانت مختصة بصفته تعالى، سواء أكان الحلف بها متعارفا أم لا، أو كانت مشتركة بين صفته تعالى وغيرها وتعورف الحلف بها، وسواء في الصفة كونها صفة ذات وكونها صفة فعل. وقال المالكية: تنعقد اليمين باسم الله تعالى وصفته الذاتية المختصة. وأما المشتركة فإن اليمين تنعقد بها ما لم يرد بها غير صفته تعالى. وأما صفة الفعل ففي الانعقاد بها خلاف. وقال الشافعية والحنابلة: تنعقد اليمين باسم الله تعالى المختص به إن أراد الله تعالى أو أطلق، فإن أراد غيره لم يقبل ظاهرا ولا باطنا عندهم. وتنعقد أيضا باسمه الذي يغلب إطلاقه عليه، ولا يطلق على غيره إلا مقيدا كالرب، وهذا إن أراد الله تعالى أو أطلق، فإن أراد غيره قبل ظاهرا وباطنا عندهم جميعا. وتنعقد أيضا بالاسم المشترك الذي لا يغلب إطلاقه على الله تعالى كالحي والسميع، وكذا باللفظ الذي يشمله وإن لم يكن اسما له تعالى كالشيء، لكن يشترط في انعقادها بهذا النوع أن يريد الحالف الله تعالى، فإن أراد غيره أو أطلق لم تنعقد يمينه. ولم يفصل الحنابلة في ذلك، بل قالوا: إن الصفة المضافة تنعقد اليمين بها، أما غير المضافة - كأن يقال: والعزة - فلا تنعقد بها إلا بإرادة صفته تعالى. وأما الاسم الذي لا يعد من أسمائه، ولا يصح إطلاقه عليه فلا تنعقد به اليمين، ولو أريد به الله تعالى، ومثل له الشافعية بقول بعض العوام (والجناب الرفيع) فالجناب للإنسان فناء داره، وهو مستحيل في حق الله تعالى، والنية لا تؤثر مع الاستحالة. أما صفة الفعل، فقد صرح الشافعية بعدم انعقاد اليمين بها، وسكت الحنابلة عنها، وأطلقوا انعقاد اليمين بصفته تعالى المضافة إليه، وظاهر ذلك أنها تنعقد عندهم بصفته الفعلية. الحلف بالقرآن والحق أ - الحلف بالقرآن أو المصحف: المعتمد في مذهب الحنفية: أن الحلف بالقرآن يمين؛ لأن القرآن كلام الله تعالى الذي هو صفته الذاتية، وقد تعارف الناس الحلف به، والأيمان تبنى على العرف. أما الحلف بالمصحف، فإن قال الحالف: أقسم بما في هذا المصحف فإنه يكون يمينا. أما لو قال: أقسم بالمصحف، فإنه لا يكون يمينا؛ لأن المصحف ليس صفة لله تعالى، إذ هو الورق والجلد، فإن أراد ما فيه كان يمينا للعرف. وقال المالكية: ينعقد القسم بالقرآن وبالمصحف، وبسورة البقرة أو غيرها، وبآية الكرسي أو غيرها، وبالتوراة وبالإنجيل وبالزبور؛ لأن كل ذلك يرجع إلى كلامه تعالى الذي هو صفة ذاتية، لكن لو أراد بالمصحف النقوش والورق لم يكن يمينا. وقال الشافعية: تنعقد اليمين بكتاب الله والتوراة والإنجيل ما لم يرد الألفاظ، وبالقرآن وبالمصحف ما لم يرد به ورقه وجلده؛ لأن ه عند الإطلاق لا ينصرف عرفا إلا لما فيه من القرآن. وقال الحنابلة: الحلف بكلام الله تعالى والمصحف والقرآن والتوراة والإنجيل والزبور يمين، وكذا الحلف بسورة أو آية. ب - الحلف بالحق، أو حق الله: لا شك أن الحق من أسمائه تعالى الواردة في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، غير أنه ليس من الأسماء المختصة به، وقد مثل به الشافعية للأسماء التي تنصرف عند الإطلاق إلى الله تعالى، ولا تنصرف إلى غيره إلا بالتقييد، فعلى هذا من قال: والحق لأفعلن كذا، إن أراد الله تعالى أو أطلق كان يمينا بلا خلاف، وإن أراد العدل أو أراد شيئا ما من الحقوق التي تكون للإنسان على الإنسان قبل منه ذلك ظاهرا وباطنا. وأما (حق) المضاف إلى الله تعالى، أو إلى اسم أو صفة من الأسماء والصفات التي تنعقد اليمين بها ففيه خلاف. فالحنفية نقلوا عن أبي حنيفة ومحمد وإحدى الروايتين عن أبي يوسف أن من قال: (وحق الله) يكن يمينا. ووجهه صاحب البدائع بأن حقه تعالى هو الطاعات والعبادات، فليس اسما ولا صفة لله عز وجل. وعن أبي يوسف في رواية أخرى أنه يمين؛ لأن الحق من صفاته تعالى، وهو حقيقة، فكأن الحالف قال: والله الحق، والحلف به متعارف. واختار صاحب الاختيار هذه الرواية، وتبعه ابن نجيم في البحر الرائق. وقال المالكية والشافعية والحنابلة: ينعقد القسم بحق الله، ومرجعه إلى العظمة والألوهية، فإن قصد الحالف به الحق الذي على العباد من التكاليف والعبادة فليس بيمين. حذف المقسم به إذا لم يذكر الحالف المقسم به بل قال: أقسم، أو أحلف، أو أشهد، أو أعزم لأفعلن كذا، أو آليت لا أفعل كذا كان يمينا عند أبي حنيفة وصاحبيه. وقال المالكية: لو حذف الحالف قوله (بالله) بعد قوله أحلف أو أقسم أو أشهد كان يمينا إن نواه - أي نوى الحلف بالله - بخلاف ما لو حذفه بعد قوله أعزم فإنه لا يكون يمينا وإن نواه. والفرق بين هذا الفعل والأفعال الثلاثة السابقة، أن العزم معناه الأصلي القصد والاهتمام، فلا يكون بمعنى القسم إلا إذا ذكر بعده المقسم به، بأن يقول (بالله)، مثلا، بخلاف الأفعال الثلاثة السابقة، فإنها موضوعة للقسم فيكفي فيها أن ينوي المقسم به عند حذفه. وقال الشافعية: لو حذف المتكلم المحلوف به لم تكن الصيغة يمينا ولو نوى اليمين بالله، سواء ذكر فعل القسم أم حذفه. وقال الحنابلة: لو حذف الحالف قوله (بالله) مثلا بعد نطقه بالفعل أو الاسم الدال على القسم، نحو: قسما، لم تكن الصيغة يمينا، إلا إذا نوى الحلف بالله. اللفظ الدال على المقسم عليه اللفظ الدال على المقسم عليه هو الجملة التي يريد الحالف تحقيق مضمونها من إثبات أو نفي، وتسمى جواب القسم. ويجب في العربية تأكيد الإثبات باللام مع نون التوكيد إن كان الفعل مضارعا، وباللام مع قد إن كان ماضيا. يقال: والله لأفعلن كذا، أو لقد فعلت كذا. وأما النفي فلا يؤكد فيه الفعل، بل يقال: والله لا أفعل كذا، أو ما فعلت كذا. فإذا ورد فعل مضارع مثبت ليس فيه لام ولا نون توكيد اعتبر منفيا بحرف محذوف، كما في قوله تعالي ( تالله تفتأ تذكر يوسف) أي: لا تفتأ. وعلى هذا لو قال إنسان: والله أكلم فلانا اليوم، كان حالفا على نفي تكليمه، فيحنث إذا كلمه؛ لأن الفعل لما لم يكن فيه لام ولا نون توكيد قدرت قبله (لا) النافية. هذا إذا لم يتعارف الناس خلافه، فإن تعارفوا أن مثل ذلك يكون إثباتا، كان حالفا على الإثبات وإن كان خطأ في اللغة العربية. هكذا يؤخذ من كتب الحنفية والحنابلة، ولا نظن أنه محل خلاف، فإنه من الوضوح بمكان. الصيغ الخالية من أداة القسم والمقسم به قد يأتي الحالف بصيغ خالية من أداة القسم ومن اسم الله تعالى وصفته، أو خالية من الأداة وحدها، وتعتبر عند بعض الفقهاء أيمانا كاليمين بالله تعالى. أ - لعمر الله: إذا قيل: لعمر الله لأفعلن كذا، كان هذا قسما مكونا من مبتدأ مذكور وخبر مقدر، والتقدير: لعمر الله قسمي، أو يميني، أو أحلف به. وهي في قوة قولك: وعمر الله، أي بقائه، هذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة. وقال الشافعية: إن هذه الصيغة كناية؛ لأن العمر يطلق على الحياة والبقاء، ويطلق أيضا على الدين وهو العبادات، فيحتمل أن يكون معناه: وحياة الله وبقائه، أو دينه، فيكون يمينا على الاحتمالين الأولين دون الثالث، فلا بد من النية. ب - وأيمن الله: جاء هذا الاسم في كتب الحنفية والمالكية وغيرهم مسبوقا بالواو، وظاهره أن الواو للقسم، ويكون إقساما ببركته تعالى أو قوته، وجاء في كتب الحنابلة مسبوقا بالواو أيضا مع تصريح بعضهم بأن نونه مضمومة وأنه مبتدأ. ومعلوم أن الجملة قسم فقط، فلا يترتب عليها حكم إلا إذا جيء بعدها بجملة الجواب، مثل لأفعلن كذا. ج - علي نذر، أو نذر لله: - قال الحنفية: إذا قال قائل: علي نذر، أو نذر الله لأفعلن كذا، أو لا أفعل كذا، كان ذلك يمينا، فإذا لم يوف بما ذكره كان عليه كفارة يمين. ولو قال: علي نذر، أو نذر لله، ولم يزد على ذلك، فإن نوى بالنذر قربة من حج أو عمرة أو غيرهما لزمته، وإن لم ينو شيئا كان نذرا لكفارة اليمين، كأنه قال: علي نذر لله أن أؤدي كفارة يمين، فيكون حكمه حكم اليمين التي حنث فيها صاحبها؛ لقوله صلي الله عليه وسلم : «النذر يمين، وكفارته كفارة اليمين» هذا مذهب الحنفية. وقال المالكية: تلزم كفارة في النذر المبهم. وله أربع صور (الأولى) علي نذر (الثانية) لله علي نذر (الثالثة) إن فعلت كذا أو إن شفى الله مريضي فعلي نذر (الرابعة) إن فعلت كذا أو إن شفى الله مريضي فلله علي نذر، ففي الصورتين الأوليين تلزم الكفارة بمجرد النطق، وفي الصورتين الأخريين تلزم الكفارة بحصول المعلق عليه سواء أكان القصد الامتناع أم الشكر. وقال الشافعية: من قال: علي نذر، أو إن شفى الله مريضي فعلي نذر، لزمته قربة غير معينة، وله أن يختار ما شاء من القرب، كتسبيح وتكبير وصلاة وصوم. ومن قال: إن كلمت زيدا فعلي نذر أو فلله علي نذر، يخير بين القربة وبين كفارة يمين، فإن اختار القربة فله اختيار ما شاء من القرب، وإن اختار كفارة اليمين كفر بما يجب في اليمين التي حنث صاحبها فيها. ومن قال: إن كلمت زيدا فعلي كفارة نذر، كان عليه عند الحنث كفارة يمين، والصيغة في جميع هذه الأمثلة صيغة نذر وليست صيغة يمين، إلا الصيغة التي فيها (إن كلمت زيدا... إلخ) فيجوز تسميتها يمينا؛ لأن ها من نذر اللجاج والغضب. وقال الحنابلة: من قال: علي نذر إن فعلت كذا، وفعله، فعليه كفارة يمين في الأرجح، وقيل: لا كفارة عليه، وقيل: إن نوى اليمين فعليه الكفارة وإلا فلا، ولو قال: لله علي نذر ولم يعلقه بشيء، فعليه كفارة يمين أيضا في الأرجح. د - علي يمين، أو يمين الله: - قال الحنفية: إذا قال: علي يمين، أو يمين الله لأفعلن كذا، أو لا أفعل كذا، فهاتان الصيغتان من الأيمان عند أبي حنيفة والصاحبين، وقال زفر: لو قال: علي يمين ولم يضفه لله تعالى، لم يكن يمينا عند الإطلاق. ووجهه: أن اليمين يحتمل أن يكون بغير الله، فلا تعتبر الصيغة يمينا بالله إلا بالنية. ويستدل لأبي حنيفة والصاحبين بأن إطلاق اليمين ينصرف إلى اليمين بالله تعالى، إذ هي الجائزة شرعا، هذا إذا ذكر المحلوف عليه. فإن لم يذكر، بل قال الحالف: علي يمين، أو يمين الله، ولم يزد على ذلك، وأراد إنشاء الالتزام لا الإخبار بالتزام سابق، فعليه كفارة يمين؛ لأن هذه الصيغة تعتبر من صيغ النذر، وقد سبق أن النذر المطلق الذي لم يذكر فيه المنذور يعتبر نذرا للكفارة، فيكون حكمه حكم اليمين. وقال المالكية: إن التزام اليمين له أربع صيغ كالنذر المبهم، وأمثلتها: علي يمين، ولله علي يمين، وإن شفى الله مريضي أو كلمت زيدا فعلي يمين، إن شفى الله مريضي أو إن كلمت زيدا فلله علي يمين. ولا يخفى أن المقصود موجب اليمين، فالكلام على حذف مضاف كما يقول الحنفية. وقال الشافعية: إن قول القائل: علي يمين، لا يعتبر يمينا سواء أكان مطلقا أو معلقا؛ لأنه التزام لليمين أي الحلف، وليس ذلك قربة كالصلاة والصيام فهو لغو. وقال الحنابلة: من قال: علي يمين إن فعلت كذا، ففيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه لغو، كما يقول الشافعية. والثاني: أنه كناية فلا يكون يمينا إلا بالنية، والثالث وهو الأرجح: أنه يمين بغير حاجة إلى النية. ه - علي عهد الله، أو ميثاقه، أو ذمته: - قال الحنفية: إذا قيل: علي عهد الله أو ذمة الله أو ميثاق الله لا أفعل كذا مثلا، فهذه الصيغ من الأيمان؛ لأن اليمين بالله تعالى هي عهد الله على تحقيق الشيء أو نفيه، قال تعالى: ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها فجعل العهد يمينا، والذمة هي العهد، ومن ذلك تسمية الذين تؤخذ منهم الجزية من الكفار: بأهل الذمة، أي أهل العهد، والعهد والميثاق من الأسماء المترادفة، وإذن فالكلام على حذف مضاف، والتقدير: علي موجب عهد الله وميثاقه وذمته. فإن لم يذكر اسم الله تعالى، أو لم يذكر المحلوف عليه فالحكم كما سبق في «علي يمين. وقال المالكية والحنابلة: من صيغ اليمين الصريحة: علي عهد الله لا أفعل، أو لأفعلن كذا مثلا فتجب بالحنث كفارة إذا نوى اليمين، أو أطلق، فإن لم ينو اليمين بل أريد بالعهد التكاليف التي عهد بها الله تعالى إلى العباد لم تكن يمينا. وزاد المالكية: أن قول القائل: أعاهد الله، ليس بيمين على الأصح؛ لأن المعاهدة من صفات الإنسان لا من صفات الله، وكذا قوله: لك علي عهد، أو أعطيك عهدا. وقال الشافعية: من كنايات اليمين: علي عهد الله أو ميثاقه أو ذمته أو أمانته أو كفالته لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا، فلا تكون يمينا إلا بالنية؛ لأن ها تحتمل غير اليمين احتمالا ظاهرا. و - علي كفارة يمين: .- قال الحنفية: إن القائل: علي يمين، مقصوده: علي موجب يمين وهو الكفارة. فلو قال: علي كفارة يمين، يكون حكمه حكم من قال: علي يمين، وقد سبق (ر: ف 39). وقال المالكية: قول القائل: علي كفارة، كقوله: علي نذر، وله صيغ أربع كصيغ النذر. ويؤخذ من هذا أن من قال: علي كفارة يمين، حكمه هو هذا الحكم بعينه (ر: ف 39). وقال الشافعية: من قال: علي كفارة يمين فعليه الكفارة من حين النطق عند عدم التعليق، فإن علق بالشفاء ونحوه مما يحبه، أو بتكليم زيد ونحوه مما يكرهه، فعليه كفارة اليمين بحصول المعلق عليه. وقال الحنابلة: من قال: علي يمين إن فعلت كذا، ثم فعله فعليه كفارة يمين على الراجح كما سبق. ويؤخذ من ذلك أن من قال: علي كفارة يمين إن فعلت كذا، ثم فعله، وجبت عليه كفارة اليمين على الأرجح عندهم. ز - علي كفارة نذر: - سبق حكم القائل: علي نذر. ويؤخذ منه أن من قال: علي كفارة نذر تجب عليه كفارة يمين عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وقد صرح الشافعية بمقتضى ذلك، فقالوا: من قال: علي كفارة نذر، وجبت عليه كفارة يمين منجزة في الصيغة المنجزة، ومعلقة في الصيغة المعلقة. ح - علي كفارة: - سبق أن المالكية يوجبون كفارة يمين على من قال: علي كفارة من غير أن يضيف الكفارة إلى اليمين أو النذر أو غيرهما. ولم نجد في المذاهب الأخرى حكم هذه الصيغة عند الإطلاق، ولا شك أن حكمها عند النية هو وجوب ما نوى مما يصدق عليه اسم الكفارة. ط - تحريم العين أو الفعل: - ذهب الحنفية إلى أن تحريم الإنسان العين أو الفعل على نفسه يقوم مقام الحلف بالله تعالى، وذلك كأن يقول: هذا الثوب علي حرام، أو لبسي لهذا الثوب علي حرام، سواء أكانت العين التي نسب التحريم إليها أو إلى الفعل المضاف لها مملوكة له أم لا، كأن قال متحدثا عن طعام غيره: هذا الطعام علي حرام، أو أكل هذا الطعام علي حرام، وسواء أكانت العين المذكورة من المباحات أم لا، كأن قال: هذه الخمر علي حرام، أو شرب هذه الخمر علي حرام. فكل صيغة من هذه الصيغ تعتبر يمينا، لكن إذا كانت العين محرمة من قبل، أو مملوكة لغيره لم تكن الصيغة يمينا إلا بالنية، بأن ينوي إنشاء التحريم. فإن نوى الإخبار بأن الخمر حرام عليه شرعا، أو بأن ثوب فلان حرم عليه شرعا، لم تكن الصيغة يمينا، وكذا إن أطلق؛ لأن المتبادر من العبارة هو الإخبار. ثم إن تحريم العين لا معنى له إلا تحريم الفعل المقصود منها، كما في تحريم الشرع لها في نحو قوله تعالي (حرمت عليكم أمهاتكم) وقوله ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير). وقوله صلي الله عليه وسلم : «كل مسكر حرام» فتحريم الأمهات ونحوهن ينصرف إلى الزواج. وتحريم الميتة ونحوها والمسكر ينصرف كله إلى التناول بأكل أو شرب. - وفيما يلي أمثلة لصيغ التحريم التي تعتبر أيمانا، مع بيان ما يقع به حنث في كل منها: ) لو قال: هذا الطعام أو المال أو الثوب أو الدار علي حرام، حنث بأكل الطعام، وإنفاق المال، ولبس الثوب، وسكنى الدار، وعليه الكفارة، ولا يحنث بهبة شيء من ذلك، ولا بالتصدق به. لو قالت امرأة لزوجها: أنت علي حرام، أو حرمتك على نفسي، حنثت بمطاوعته في الجماع، وحنثت أيضا بإكراهه إياها عليه بناء على أن الحنث لا يشترط فيه الاختيار. لو قال لقوم: كلامكم علي حرام، حنث بتكليمه لواحد منهم، ولا يتوقف الحنث على تكليم جميعهم، ومثل ذلك ما لو قال: كلام، الفقراء، أو كلام أهل هذه القرية، أو أكل هذا الرغيف علي حرام، فإنه يحنث بكلام واحد، وأكل لقمة، بخلاف ما لو قال: والله لا أكلمكم، أو لا أكلم الفقراء، أو أهل هذه القرية، أو لا آكل هذا الرغيف، فإنه لا يحنث إلا بتكليم الجميع وأكل جميع الرغيف. لو قال: هذه الدنانير علي حرام حنث إن اشترى بها شيئا؛ لأن العرف يقتضي تحريم الاستمتاع بها لنفسه، بأن يشتري ما يأكله أو يلبسه مثلا، ولا يحنث بهبتها ولا بالتصدق بها. واستظهر ابن عابدين: أنه لا يحنث لو قضى بها دينه، ثم قال: فتأمل. لو قال: كل حل علي حرام، أو حلال الله أو حلال المسلمين علي حرام، كان يمينا على ترك الطعام والشراب إلا أن ينوي غير ذلك، وهذا استحسان. وقال المالكية: تحريم الحلال في غير الزوجة لغو لا يقتضي شيئا، إلا إذا حرم الأمة ناويا عتقها، فإنها تعتق، فمن قال: الخادم أو اللحم أو القمح علي حرام إن فعلت كذا، ففعله، فلا شيء عليه، ومن قال: إن فعلت كذا فزوجتي علي حرام، أو فعلي الحرام، يلزمه بت طلاق المدخول بها - ثلاثا - ما لم ينو أقل من الثلاث فيلزمه ما نوى، أما غير المدخول بها فيلزمه طلقة واحدة ما لم ينو أكثر. هذا هو مشهور المذهب، وقيل: يلزمه في المدخول بها واحدة بائنة كغير المدخول بها ما لم ينو أكثر، وقيل: يلزمه في غير المدخول بها ثلاث كالمدخول بها ما لم ينو أقل. ولو قال: كل حلال علي حرام، فإن استثنى الزوجة لم يلزمه شيء، وإلا لزمه فيها ما ذكر. وقال الشافعية: لو قال إنسان لزوجته: أنت علي حرام، أو حرمتك، ونوى طلاقا واحدا أو متعددا أو ظهارا وقع، ولو نوى تحريم عينها أو وطئها أو فرجها أو رأسها أو لم ينو شيئا أصلا - وأطلق ذلك، أو أقته كره، ولم تحرم الزوجة عليه، ولزمه كفارة يمين، وليس ذلك يمينا؛ لأن ه ليس إقساما بالله تعالى ولا تعليقا للطلاق أو نحوه. ويشترط في لزوم الكفارة ألا تكون زوجته محرمة بحج أو عمرة، وألا تكون معتدة من وطء شبهة، فإن كانت كذلك لم تجب الكفارة على المعتمد. ولو حرم غير الزوجة كالثوب والطعام والصديق والأخ لم تلزمه كفارة. وقال الحنابلة: من حرم حلالا سوى الزوجة لم يحرم عليه شرعا، ثم إذا فعله ففي وجوب الكفارة قولان، أرجحهما: الوجوب، ويستوي في التحريم تنجيزه وتعليقه بشرط، ومثال المنجز: ما أحل الله علي حرام، ولا زوجة لي، وكسبي علي حرام، وهذا الطعام علي كالميتة أو كالدم أو كلحم الخنزير. ومثال المعلق: إن أكلت من هذا الطعام فهو علي حرام. وإنما لم يحرم عليه ما حرمه على نفسه لأن الله عز وجل سمى التحريم يمينا حيث قال: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم. واليمين لا تحرم الحلال، وإنما توجب الكفارة بالحنث، وهذه الآية أيضا دليل على وجوب الكفارة. وأما تحريم الزوجة فهو ظهار، سواء أنوى به الظهار أو الطلاق أو اليمين أم لم ينو شيئا على الراجح. ولو قال: ما أحل الله علي من أهل ومال فهو حرام - وكان له زوجة - كان ذلك ظهارا وتحريما للمال، وتجزئه كفارة الظهار عنهما. قيام التصديق بكلمة نعم مقام اليمين - الصحيح من مذهب الحنفية أن من عرض عليه اليمين فقال: نعم كان حالفا، ولو قال رجل لآخر عليك: عهد الله إن فعلت كذا فقال: نعم. فالحالف المجيب، ولا يمين على المبتدئ ولو نواه؛ لأن قوله: عليك صريح في التزام اليمين على المخاطب، فلا يمكن أن يكون يمينا على المبتدئ، بخلاف ما إذا قال: والله لتفعلن، وقال الآخر: نعم، فإنه إذا نوى المبتدئ التحليف والمجيب الحلف، كان الحالف هو المجيب وحده، وإذا نوى كل منهما الحلف يصير كل منها حالفا. وقال الشافعية: لو قيل لرجل: طلقت زوجتك، أو أطلقت زوجتك؟ استخبارا - فقال: نعم، كان إقرارا، وإن كان الالتماس الإنشاء كان تطليقا صريحا، وإن جهل الحال حمل على الاستخبار. هذا ما قالوه في الطلاق، ويقاس عليه ما لو قال إنسان لآخر: حلفت، أو أحلفت بالله لا تكلم زيدا؟ فقال: نعم. ففي ذلك تفصيل: فإن كان للاستخبار كان إقرارا محتملا للصدق والكذب، فيحنث بالتكليم إن كان صادقا، ولا يحنث به إن كان كاذبا. وإن كان الالتماس الإنشاء كان حلفا صريحا. وإن جهل حال السؤال حمل على الاستخبار، فيكون الجواب إقرارا والله أعلم، ولم يعثر للمذاهب الأخرى على نص في هذا. الحلف بغير الله تعالى بحرف القسم وما يقوم مقامه: - علم مما تقدم أن صيغة اليمين بحرف القسم وما يقوم مقامه تنحصر شرعا في اليمين بالله تعالى. فالحلف بغيره بحرف القسم وما يقوم مقامه لا يعتبر يمينا شرعية، ولا يجب بالحنث فيه كفارة. ومن أمثلته: أن يحلف الإنسان بأبيه أو بابنه أو بالأنبياء أو بالملائكة عليهم السلام أو بالعبادات: كالصوم والصلاة، أو بالكعبة أو بالحرم أو بزمزم أو بالقبر والمنبر أو غير ذلك من المخلوقات. سواء أتى الحالف بهذه الألفاظ عقب حرف القسم أم أضاف إليها كلمة: «حق» أو «حرمة» أو «حياة» أو نحو ذلك. وسواء أكان الحلف بحرف من حروف القسم أم بصيغة ملحقة بما فيه هذه الحروف، مثل لعمرك ولعمري وعمرك الله وعلي عهد رسول الله لأفعلن كذا. وقد ورد النهي عنه في عدة أحاديث (منها) قوله صلي الله عليه وسلم : «من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله. (ومنها) قوله علية الصلاه والسلام : «من حلف بغير الله فقد أشرك». وفي رواية فقد كفر. (ومنها) قوله صلوات اللهوسلامة «من حلف بالأمانة فليس منا. (ومنها) ما أخرجه النسائي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «حلفت باللات والعزى، فأتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وانفث عن شمالك ثلاثا، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم لا تعد». وفي رواية أخرى رواها النسائي عنه أيضا قال: «حلفت باللات والعزى، فقال لي أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم : بئسما قلت، ائت رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخبره، فإنا لا نراك إلا قد كفرت، فلقيته فأخبرته فقال لي: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له ثلاث مرات، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، وانفث عن شمالك ثلاث مرات، ولا تعد له. (ومنها) ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : «من حلف منكم فقال في حلفه: باللات، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق. . - وورد عن الصحابة رضي الله عنه استنكار الحلف بغير الله تعالى. فمن ذلك ما رواه الحجاج بن المنهال بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقا وما رواه عبد الرزاق بسنده عن وبرة قال: قال ابن مسعود أو ابن عمر: «لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا»، وما رواه عبد الرزاق بسنده عن ابن الزبير رضي الله عنه : أن عمر قال له - وقد سمعه يحلف بالكعبة -: لو أعلم أنك فكرت فيها قبل أن تحلف لعاقبتك، احلف بالله فأثم أو ابرر. أثر الحلف بغير الله: - لا خلاف بين الفقهاء في أن الحلف بغير الله تعالى لا تجب بالحنث فيه كفارة، إلا ما روي عن أكثر الحنابلة من وجوب الكفارة على من حنث في الحلف برسول الله صلي الله عليه وسلم لأن ه أحد شطري الشهادتين اللتين يصير بهما الكافر مسلما، وعن بعضهم: أن الحلف بسائر الأنبياء عليه الصلاة والسلام تجب بالحنث فيه الكفارة أيضا، لكن الأشهر في مذهبهم أنه لا كفارة بالحنث في الحلف بنبينا وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . ولا خلاف بين الفقهاء أيضا في أن الحلف بغير الله منهي عنه، لكن في مرتبة هذا النهي اختلاف، والحنابلة قالوا: إنه حرام إلا الحلف بالأمانة، فإن بعضهم قال بالكراهة، والحنفية قالوا مكروه تحريما، والمعتمد عند المالكية والشافعية أنه تنزيها. وصرح الشافعية أنه إن كان بسبق اللسان من غير قصد فلا كراهة، وعليه يحمل حديث الصحيحين في قصة الأعرابي - الذي قال لا أزيد على هذا ولا أنقص - أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «أفلح وأبيه إن صدق». شرائط القسم يشترط في انعقاد القسم وبقائه شرائط، وهي ثلاثة أنواع: (أولا) الشرائط التي ترجع إلى الحالف يشترط في انعقاد اليمين وبقائها شرائط في الحالف. - (الأولى) البلوغ. (والثانية) العقل. وهاتان شريطتان في أصل الانعقاد، فلا تنعقد يمين الصبي - ولو مميزا - ولا المجنون والمعتوه والسكران - غير المتعدي بسكره - والنائم والمغمى عليه؛ لأن ها تصرف إيجاب، وهؤلاء ليسوا من أهل الإيجاب. ولا خلاف في هاتين الشريطتين إجمالا. وإنما الخلاف في السكران المتعدي بسكره والصبي إذا حنث بعد بلوغه. أما السكران المتعدي، فالجمهور يرون صحة يمينه إن كانت صريحة تغليظا عليه. وأبو ثور والمزني وزفر والطحاوي والكرخي ومحمد بن سلمة وغيرهم يرون عدم انعقاد يمينه كالسكران غير المتعدي، وتفصيل ذلك في (الحجر). وأما الصبي فالجمهور يرون أن يمينه لا تنعقد، وأنه لو حنث - ولو بعد البلوغ - لم تلزمه كفارة، وعن طاوس أن يمينه معلقة، فإن حنث بعد بلوغه لزمته الكفارة. وحجة الجمهور قوله صلي الله عليه وسلم : «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ. - (الشريطة الثالثة) الإسلام، وإلى هذا ذهب الحنفية والمالكية. فلا تنعقد اليمين بالله تعالى من الكافر ولو ذميا، وإذا انعقدت يمين المسلم بطلت بالكفر، سواء أكان الكفر قبل الحنث أم بعده، ولا ترجع بالإسلام بعد ذلك. وقال الشافعية والحنابلة لا يشترط الإسلام في انعقاد اليمين ولا بقائها، فالكافر الملتزم للأحكام - وهو الذمي والمرتد - لو حلف بالله تعالى على أمر، ثم حنث وهو كافر، تلزمه الكفارة عند الشافعية والحنابلة، لكن إذا عجز عن الكفارة المالية لم يكفر بالصوم إلا إن أسلم. وهذا الحكم إنما هو في الذمي، وأما المرتد فلا يكفر في حال ردته، لا بالمال ولا بالصوم، بل ينتظر، فإذا أسلم كفر؛ لأن ماله في حال الردة موقوف، فلا يمكن من التصرف فيه. ومن حلف حال كفره ثم أسلم وحنث، فلا كفارة عليه عند الحنفية والمالكية. وعليه الكفارة عند الشافعية والحنابلة إن كان حين الحلف ملتزما للأحكام. - (الشريطة الرابعة) التلفظ باليمين، فلا يكفي كلام النفس عند الجمهور خلافا لبعض المالكية. ولا بد من إظهار الصوت بحيث يسمع نفسه إن كان صحيح السمع، ولم يكن هناك مانع من السماع كلغط وسد أذن. واشتراط الإسماع ولو تقديرا هو رأي الجمهور، الذي يرون أن قراءة الفاتحة في الصلاة يشترط في صحتها ذلك. وقال المالكية والكرخي من الحنفية: لا يشترط الإسماع، وإنما يشترط أن يأتي بالحروف مع تحريك اللسان ولو لم يسمعها هو ولا من يضع أذنه بقرب فمه مع اعتدال السمع وعدم الموانع. هذا وإن الحنفية والشافعية والحنابلة قد صرحوا بأن إشارة الأخرس باليمين تقوم مقام النطق. وقال الشافعية: إن الكتابة لو كانت بالصريح تعتبر كناية؛ لأن ها تحتمل النسخ، وتجربة القلم والمداد وغيرها، وبأن إشارة الأخرس إن اختص بفهمها الفطن فهي كناية تحتاج إلى النية، وإن فهمها كل إنسان فهي صريحة. الطواعية والعمد في الحالف: - لا تشترط عند الحنفية الطواعية - أي الاختيار - في الحالف، ولا العمد - أي القصد - فتصح عندهم يمين المكره والمخطئ، وهو من أراد غير الحلف فسبق لسانه إلى الحلف، كأن أراد أن يقول: اسقني الماء، فقال: والله لا أشرب الماء؛ لأن ها من التصرفات التي لا تحتمل الفسخ فلا يؤثر فيها الإكراه والخطأ، كالطلاق والعتاق والنذر وسائر التصرفات التي لا تحتمل الفسخ. وقال المالكية والشافعية والحنابلة: تشترط الطواعية والعمد، فلا تنعقد يمين المكره ولا المخطئ غير أن الشافعية يقولون في المكره على اليمين: إذا نوى الحلف صحت يمينه. لأن الإكراه لا يلغي اللفظ، وإنما يصير به الصريح كناية، وهذا الذي قالوه لا يستبعد أن يكون متفقا عليه، فإن إلغاء كلام المكره لا وجه له، إلا أنه إنما قصد دفع الأذى عن نفسه، ولم يقصد استعمال اللفظ في معناه، فإذا قصد استعماله في معناه كان هذا أمرا زائدا لا تدعو إليه الضرورة. وقال الشافعية أيضا: لا يلزم المكره التورية وإن قدر عليها. والتورية هي: أن يطلق الإنسان لفظا هو ظاهر في معنى ويريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ، ولكنه خلاف ظاهره. عدم اشتراط الجد في الحالف: - الجد - بكسر الجيم - في التصرفات القولية معناه: أن ينطق الإنسان باللفظ راضيا بأثره، سواء أكان مستحضرا لهذا الرضى أم غافلا عنه، فمن نطق باللفظ الصريح ناويا معناه، أو غافلا عن هذه النية، مريدا أثره أو غافلا عن هذه الإرادة يقال له جاد، فإن أراد تجريد اللفظ عن أثره من غير تأويل ولا إكراه، فنطق به لعبا أو مزاحا كان هازلا، والهزل لا أثر له في التصرفات القولية الصريحة التي لا تحتمل الفسخ، فمن حلف بصيغة صريحة لاعبا أو مازحا انعقدت يمينه لقوله صلي الله عليه وسلم : «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة. ويقاس على ما في الحديث سائر التصرفات الصريحة التي لا تحتمل الفسخ، ومنها صيغة اليمين الصريحة، وأما الكناية فمعلوم أنه يشترط فيها النية، ومعلوم أن الهازل لا نية له. قصد المعنى والعلم به: - صرح الشافعية بأن الألفاظ الصريحة يشترط فيها: العلم بالمعنى، والكناية يشترط فيها: قصد المعنى، ذكروا هذا في الطلاق وليس خاصا به كما هو ظاهر، فيؤخذ منه أنه يشترط في اليمين إذا كانت بلفظ صريح: أن يعلم المتكلم بمعناها، فلو حلف أعجمي بلفظ عربي صريح كوالله لأصومن غدا، بناء على تلقين إنسان له، من غير أن يعلم معناه لم ينعقد. ولو قال إنسان: أشهد بالله لأفعلن كذا لم ينعقد إلا إذا قصد معنى اليمين؛ لأنه كناية عند الشافعية كما سبق. واشتراط النية في الكناية لا يختلف فيه أحد. وأما العلم بالمعنى فقد صرح الحنفية بعدم اشتراطه في الطلاق بالنسبة للقضاء، ومقتضاه أنهم يشترطونه في اليمين الصريحة ديانة، لأنه مصدق فيما بينه وبين الله تعالى. أثر التأويل في اليمين: - صرح المالكية والشافعية بأن التأويل الذي تنقطع به جملة اليمين عن جملة المحلوف عليه يقبل، وعبارة المالكية: لو قال أردت بقولي: (بالله) وثقت أو اعتصمت بالله، ثم ابتدأت قولي: لأفعلن، ولم أقصد اليمين صدق ديانة بلا يمين. وعبارة الشافعية: إذا قال: والله لأفعلن كذا، ثم قال: أردت والله المستعان، أو قال: بالله وقال: أردت وثقت أو استعنت بالله، ثم استأنفت فقلت: لأفعلن كذا من غير قسم يقبل ظاهرا وباطنا. وإذا تأول نحو هذا التأويل في الطلاق والإيلاء لا يقبل ظاهرا لتعلق حق الغير به. ومما ينبغي التنبه له أن التأويل لا يختص بهذه المذاهب، فالمتصفح لكتب المذاهب الأخرى يجد تأويلات مقبولة عندهم، ولا شك أن التأويل إنما يقبل إذا لم يكن هناك مستحلف ذو حق، وكان التأويل غير خارج عما يحتمله اللفظ. (ثانيا) الشرائط التي ترجع إلى المحلوف عليه يشترط في انعقاد اليمين بالله وبقائها منعقدة أربع شرائط ترجع إلى المحلوف عليه، وهو مضمون الجملة الثانية التي تسمى جواب القسم. - (الشريطة الأولى): أن يكون المحلوف عليه أمرا مستقبلا. وهذه شريطة لانعقاد اليمين بالله تعالى عند الحنفية والحنابلة، خلافا للشافعية الذين يقولون بانعقاد اليمين الغموس على ماض وحاضر، كقوله: والله لا أموت، ومستقبل كقوله: والله لأصعدن السماء. وللمالكية الذين يقولون بانعقاد الغموس على حاضر ومستقبل. ومما ينبغي التنبه له أن الحنابلة يشترطون الاستقبال في كل ما فيه كفارة، كالحلف بتعليق الكفر أو القربة أو الظهار بخلاف الطلاق والعتاق. - (الشريطة الثانية): أن يكون المحلوف عليه متصور الوجود حقيقة عند الحلف - أي ليس مستحيلا عقلا - وهذه شريطة لانعقاد اليمين بالله عند أبي حنيفة ومحمد وزفر. ووجه اشتراطها: أن اليمين إنما تنعقد لتحقيق البر، فإن من أخبر بخبر أو وعد بوعد يؤكده باليمين لتحقيق الصدق، فكان المقصود هو البر، ثم تجب الكفارة ونحوها خلفا عنه، فإذا لم يتصور الأصل - وهو البر - لم يوجد الخلف - وهو الكفارة - فلا تنعقد اليمين. ولم يشترط أبو يوسف هذه الشريطة لأن ه لا يلزم من استحالة الأصل عقلا عدم الخلف. ومفهوم هذه الشريطة: أن المحلوف عليه إذا كان يستحيل وجوده عقلا عند الحلف، لم تنعقد اليمين عند أبي حنيفة ومحمد وزفر. لكن هذا المفهوم ليس على إطلاقه، بل فيه تفصيل يعلم من الكلام على المثال الآتي: إذا قال إنسان: والله لأشربن ماء هذا الكوز، أو قال: والله لأشربن ماء هذا الكوز اليوم، وكان الكوز خاليا من الماء عند الحلف، فالشرب الذي هو المحلوف عليه مستحيل وجوده عند الحلف عقلا، فلا تنعقد اليمين عند أبي حنيفة ومحمد وزفر إن كان الحالف عند حلفه لا يعلم خلو الكوز من الماء، وأما إن كان يعلم ذلك فاليمين منعقدة عند أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف وغير منعقدة عند زفر، وهي رواية عن أبي حنيفة. هذا ما أفاده صاحب البدائع. وقال الحنابلة في هذه المسألة: تنعقد وعليه الكفارة في الحال. - (الشريطة الثالثة): أن يكون المحلوف عليه متصور الوجود حقيقة بعد الحلف، إن كانت اليمين مقيدة بوقت مخصوص. وهذه الشريطة إنما تشترط لبقاء اليمين بالله منعقدة عند أبي حنيفة ومحمد وزفر، فلو لم توجد هذه الشريطة بطلت اليمين بعد انعقادها، وخالف أبو يوسف في هذه الشريطة أيضا. وتوجيه الاشتراط وعدمه كما في الشريطة الثانية، ومفهوم هذه الشريطة يتضح بالمثال الآتي: إذا قال إنسان والله لأشربن ماء هذا الكوز اليوم أو قال والله لأشربن ماء هذا الكوز، ولم يقيده بوقت، وكان في الكوز ماء وقت الحلف، فصبه الحالف أو صبه غيره أو انصب بنفسه في النهار. ففي صورة التقييد باليوم تبطل بعد انعقادها؛ لأن الشرب المحلوف عليه صار مستحيلا بعد الحلف في الوقت الذي قيد به، وفي صورة الإطلاق تبقى منعقدة، فيحنث بالصب أو الانصباب، وتجب عليه الكفارة. - (الشريطة الرابعة): أن يكون المحلوف عليه متصور الوجود عادة عند الحلف - أي ليس مستحيلا عادة - وهذه شريطة لانعقاد اليمين بالله عند زفر، خلافا لأبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف. فلو قال والله لأصعدن السماء، أو: والله لأمسن السماء، أو: والله لأحولن هذا الحجر ذهبا، لم تنعقد اليمين عند زفر، سواء أقيدها بوقت مخصوص كأن قال: اليوم أو غدا، أو لم يقيدها، وقال أبو حنيفة ومحمد: إنها تنعقد؛ لأن المحلوف عليه جائز عقلا، وقال أبو يوسف: إنها تنعقد أيضا؛ لأن المحلوف عليه أمر مستقبل. وتوجيه قول زفر: أن المستحيل عادة يلحق بالمستحيل حقيقة، فإذا لم تنعقد اليمين في الثاني لم تنعقد في الأول. وتوجيه قول أبي حنيفة ومحمد: أن الحكم بالانعقاد في هذه الصورة فيه اعتبار الحقيقة، والحكم بعدم الانعقاد فيه اعتبار العادة، ولا شك أن اعتبار الحقيقة أولى. وتوجيه قول أبي يوسف: أن الحالف جعل الفعل شرطا للبر، فيكون عدمه موجبا للحنث، سواء أكان ذلك الفعل ممكنا عقلا وعادة، كقوله: والله لأقرأن هذا الكتاب، أم مستحيلا عقلا وعادة كقوله: والله لأشربن ماء هذا الكوز، ولا ماء فيه أم مستحيلا عادة لا عقلا كقوله: والله لأحولن هذا الحجر ذهبا. الحلف على فعل غير الحالف: - المذهب عند الحنابلة أن من حلف على غيره وهو غائب: والله ليفعلن كذا، أو على حاضر: والله لتفعلن كذا، فلم يطعه، حنث الحالف والكفارة عليه، لا على من أحنثه. وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية بين الحلف على من يظن أنه يطيعه، والحلف على من لا يظنه كذلك. فقال: من حلف على غيره يظن أنه يطيعه فلم يفعل، فلا كفارة لأن ه لغو، بخلاف من حلف على غيره في غير هذه الحالة، فإنه إذا لم يطعه حنث الحالف ووجبت الكفارة عليه. (ثالثا) شرائط ترجع إلى الصيغة - يشترط لانعقاد اليمين بالله تعالى شريطتان ترجعان إلى صيغتها. (الأولى): عدم الفصل بين المحلوف به والمحلوف عليه بسكوت ونحوه، فلو أخذه الوالي وقال: قل: بالله، فقال مثله، ثم قال: لآتين يوم الجمعة فقال الرجل مثله، لا يحنث بعدم إتيانه؛ للفصل بانتظار ما يقول، ولو قال: علي عهد الله ورسوله لا أفعل كذا، لا يصح؛ للفصل بما ليس يمينا، وهو قوله: وعهد رسوله. (الثانية): خلوها عن الاستثناء، والمقصود به التعليق بمشيئة الله أو استثناؤها، أو نحو ذلك مما لا يتصور معه الحنث، نحو أن يقول الحالف: إن شاء الله تعالى، أو إلا أن يشاء الله، أو ما شاء الله، أو إلا أن يبدو لي غير هذا، إلى غير ذلك من الأمثلة التي سيأتي بيانها، فإن أتى بشيء من ذلك بشرائطه لم تنعقد اليمين. صيغة اليمين التعليقية: - التعليق في اللغة: مصدر علق الشيء بالشيء وعليه: أنشبه فيه ووضعه عليه وجعله مستمسكا. وفي الاصطلاح: ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، والجملة التي ربط مضمونها هي جملة الجزاء، والتي ربط هذا المضمون بمضمونها هي جملة الشرط. ففي مثل: إن دخلت الدار فأنت طالق، ربط المتكلم حصول مضمون الجزاء - وهو الطلاق - بحصول مضمون الشرط - وهو دخولها الدار - ووقفه عليه، فلا يقع إلا بوقوعه. وليس كل تعليق يمينا، وإنما اليمين حقيقة أو مجازا تعليقات مخصوصة تذكر فيما يأتي. أ - أجزاء الصيغة: - معلوم أنه لو قال إنسان: إن فعلت كذا فامرأتي طالق مثلا، فهذه صيغة تعليق تحتوي على: أداة شرط، فجملة شرطية، فجملة جزائية. والحديث عن هذه الثلاثة كما يلي: أداة الشرط: - ذكر أهل النحو واللغة أدوات كثيرة للشرط منها «إن» - بكسر الهمزة - وقد تزاد بعدها: ما، كما في قوله تعالي فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون). ومنها «إذا» وقد تزاد بعدها: ما، ومنها «من» «وما» «ومهما» «وحيثما» «وكيفما». «ومتى» وقد تزاد بعدها: ما، وأين وقد تزاد بعدها: ما أيضا. - وقد يقوم مقام هذه الأدوات أدوات أخرى وإن لم تعد في اللغة من أدوات التعليق، ومنها: كل وكلما وباء الجر. جملة الشرط: - جملة الشرط هي التي تدخل عليها أداة الشرط، وهي جملة فعلية ماضوية أو مضارعية، وهي للاستقبال في الحالتين، فإن أراد المتكلم التعليق على أمر مضى أدخل على الفعل جملة الكون. وإيضاح ذلك أن قول القائل: إن خرجت، أو: إن تخرجي يفيد التعليق على خروج في المستقبل. فإذا اختلف الرجل مع امرأته، فادعى أنها خرجت بالأمس، فقالت: لم أخرج، فأراد تعليق طلاقها على هذا الخروج الماضي، فإنه يأتي بفعل الكون فيقول: إن كنت خرجت بالأمس فأنت طالق. جملة الجزاء: - هي الجملة التي يأتي بها المتكلم عقب جملة الشرط، جاعلا مضمونها متوقفا على مضمون جملة الشرط، وقد يأتي الجزاء قبل جملة الشرط والأداة، وفي هذه الحالة تكون جزاء مقدما عند بعض النحاة، ودليل الجزاء عند بعضهم، والجزاء عند هؤلاء يكون مقدرا بعد الشرط. - أقسام اليمين التعليقية: - قسم صاحب البدائع اليمين إلى يمين بالله ويمين بغيره. وفي أثناء كلامه على اليمين بالله ألحق بها تعليق الكفر، ثم قسم اليمين بغير الله إلى ما كانت بحرف القسم كالحلف بالأنبياء وغيرهم، وما كان بالتعليق، وحصر التعليق في الطلاق والعتاق والتزام القربة. وبهذا تبين أن التعليقات التي تعتبر أيمانا عند الحنفية محصورة في أربعة، وهي: تعليق الطلاق، وتعليق العتاق، وتعليق التزام القربة، وتعليق الكفر، وإنما أفرد تعليق الكفر. عن التعليقات الثلاثة لمخالفته إياها في الحكم، فإن حكمها عند الحنفية تحقق الجزاء، إن كانت طلاقا أو عتقا، والتخيير بين الجزاء وكفارة اليمين إن كان الجزاء التزام قربة، بخلاف تعليق الكفر، فليس حكمه تحقق الجزاء وهو الكفر عند تحقق الشرط، بل حكمه عندهم هو الكفارة كاليمين بالله تعالى. وفي مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية وإعلام الموقعين لابن القيم ما يفيد: أن تعليق الظهار وتعليق الحرام كلاهما يمين. وبهذا تكون التعليقات التي تسمى عند بعض الفقهاء أيمانا منحصرة في هذه الستة. تعليق الطلاق: - قال الحنفية: تعليق الطلاق يعتبر يمينا، سواء أكان المقصود به الحث، نحو: إن لم تدخلي الدار فأنت طالق، أو المنع نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق، أو تحقيق الخبر نحو: إن لم يكن الأمر كما قلته ففلانة طالق: أو غير ذلك نحو: إذا جاء الغد فأنت طالق. وهذه الصورة الأخيرة محل نزاع بين هؤلاء وبين من يوافقهم في تسمية تعليق الطلاق يمينا كالمالكية والشافعية والحنابلة، فهم لا يسمونه يمينا؛ لأن ه لا يقصد به ما يقصد باليمين من تأكيد الحث والمنع والخبر، فإن مجيء الغد ليس داخلا في مقدوره، ولا مقدورها فهما لا يستطيعان منعه. - وقد اختلف الفقهاء في تعليق الطلاق عند تحقق شرائط الطلاق الشرعية من ناحيتين. (أولاهما) أنه يقع عند وقوع ما علق عليه أو لا يقع. (ثانيتهما) أنه يسمى يمينا أو لا يسمى. أما الناحية الأولى فخلاصتها أن للفقهاء في وقوع الطلاق المعلق وعدم وقوعه قولين: (القول الأول) أنه يقع إذا تحقق ما علق عليه، سواء أكان جاريا مجرى اليمين أم لا، وإلى هذا ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. (القول الثاني) التفرقة بين ما جرى مجرى اليمين وما لم يجر مجراه. فالأول لا يقع وإن وقع ما علق عليه، والثاني يقع عند وقوع ما علق عليه، وهذا رأي ابن تيمية وابن القيم جمعا بين ما روي عن الصحابة من الوقوع وعدمه. وهل تجب كفارة اليمين فيما جرى مجرى اليمين أو لا تجب؟ اختار ابن تيمية وابن القيم وجوب الكفارة؛ لأن ها يمين منعقدة يشملها قوله تعالي ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) ولتفصيل ذلك (ر: طلاق). وأما الناحية الثانية فخلاصتها: أن من قال بالوقوع - وهم الجمهور - اختلفوا في تسميته يمينا، فالحنفية يجعلونه يمينا متى كان تعليقا محضا، وإن لم يقصد به ما يقصد باليمين كما تقدم، وكذا يقولون في تعليق العتق والتزام القربة. والمالكية والشافعية والحنابلة يقولون جميعا: إن تعليق الطلاق يسمى يمينا على الراجح عند أكثرهم، ومن لم يسمه يمينا منهم لا يخالف من يسميه يمينا إلا في التسمية، ولهذا لو حلف إنسان ألا يحلف، ثم علق طلاقا على وجه اليمين، حنث عند من يسمي هذا التعليق يمينا، ولم يحنث عند من لا يسميه يمينا. تعليق التزام القربة: - قال الحنفية: تعليق التزام القربة يسمى يمينا، سواء أقصد به ما يقصد بالأيمان أم لا. فلو قال: إن كلمت فلانا، أو: إن لم أكلم فلانا، أو: إن لم يكن الأمر كما قلته فعلي حجة أو عمرة أو صيام أو صلاة، فهذا كله يسمى نذرا، ويسمى أيضا يمينا، وهو جار مجرى اليمين، فإنه في المثال الأول: يؤكد منع نفسه من تكليم فلان. وفي المثال الثاني: يؤكد حث نفسه على تكليمه. وفي المثال الثالث: يؤكد الخبر الذي يناقض مضمون الشرط المعلق عليه. ولو قال: إذا جاء رمضان فعلي عمرة فهو نذر أيضا، ويسمى يمينا عند الحنفية. - وقد اختلف الفقهاء في تعليق التزام القربة من ناحيتين: أما الناحية الأولى: فخلاصتها أن النذر إما أن يكون جاريا مجرى اليمين أو لا. فإن كان جاريا مجرى اليمين - ويسمى نذر اللجاج والغضب - ففيه ثلاثة أقوال للفقهاء: (الأول) أن القائل يخير عند وقوع الشرط بين الإتيان بما التزمه وبين كفارة اليمين، وهذا القول هو آخر القولين عند الإمام أبي حنيفة، وهو الراجح عند الحنفية. وهو أيضا أرجح الأقوال عند الشافعي. وبه قال أحمد. وهو قول أكثر أهل العلم من أهل مكة والمدينة والبصرة والكوفة وفقهاء الحديث. (الثاني) أن القائل يلزمه عند وقوع الشرط ما التزمه، وهو قول مالك وأحد أقوال الشافعي. (الثالث) أن القائل يلزمه عند وقوع الشرط كفارة يمين، ويلغي ما التزمه، وهذا أحد الأقوال للشافعي. وإن لم يكن جاريا مجرى اليمين لزم الوفاء به بشرائط مخصوصة فيها خلاف الفقهاء. وتفصيل ذلك في مصطلح: (نذر). - أما الناحية الثانية: فخلاصتها أن النذر المعلق الذي لا يجري مجرى اليمين يسميه الحنفية يمينا، كما سموا الطلاق المعلق يمينا وإن لم يقصد به ما قصد بالأيمان، وأما غير الحنفية فلم نعثر على أن أحدا منهم سمى ما لم يجر مجرى الأيمان يمينا، وما جرى مجرى الأيمان - وهو اللجاج يسمى - يمينا عند من قال بوجوب الكفارة أو بالتخيير بين ما التزمه وبين، الكفارة. والقائلون بوجوب ما التزمه مختلفون: فمنهم من يسميه يمينا كابن عرفة من المالكية، ومنهم من لا يسميه يمينا. تعليق الكفر: - قال الحنفية: إن تعليق الكفر على ما لا يريده الإنسان بقصد تأكيد المنع منه أو الحث على نقيضه أو الإخبار بنقيضه يعتبر يمينا شرعية ملحقة باليمين بالله تعالى. وهذا الذي قاله الحنفية يروى عن عطاء وطاوس والحسن والشعبي والثوري والأوزاعي وإسحاق، ويروى أيضا عن زيد بن ثابت رضي الله عنه . حكى ذلك كله ابن قدامة في المغني، وحكاه ابن تيمية في فتاويه عن أكثر أهل العلم، وهو إحدى روايتين عن أحمد، وهي الرواية الراجحة عند أكثر الحنابلة. وقال المالكية والشافعية: إنه ليس بيمين. ووافقهم أحمد في إحدى الروايتين. وهو أيضا قول الليث وأبي ثور وابن المنذر، وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنه وأبي هريرة رضي الله عنه وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار. وهذه الحكاية تخالف حكاية صاحب المغني عن عطاء فلعل له قولين، وكذا حكايته عن جمهور فقهاء الأمصار تختلف عن حكاية ابن تيمية القول الأول عن أكثر أهل العلم. أمثلة الكفر المعلق على الشرط: - منها: أن يخبر الإنسان عن نفسه أنه إن فعل كذا، أو إن لم يفعل كذا أو إن حصل كذا، أو إن لم يحصل كذا، أو إن لم يكن الأمر كذا، فهو يهودي أو نصراني أو مجوسي، أو كافر أو شريك الكفار أو مرتد، أو بريء من الله أو من رسول الله أو من القرآن أو كلام الله أو الكعبة أو القبلة، أو بريء مما في المصحف، أو بريء مما في هذا الدفتر إذا كان في الدفتر شيء من القرآن ولو البسملة، أو بريء من المؤمنين أو من الصلاة أو الصيام أو الحج. ومنها: أن يخبر عن نفسه أنه يعبد الصليب، أو يستحل الخمر أو الزنى إن لم يفعل كذا. ويستدل لمن قال: إنه ليس يمينا بأنه ليس حلفا باسم الله تعالى ولا صفته، فلا يكون يمينا، كما لو قال: عصيت الله تعالى فيما أمرني إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا، وكما لو حلف بالكعبة أو بأبيه. ويستدل لمن قال إنه يمين بما يأتي: أ - روي عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه «سئل عن الرجل يقول: هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بريء من الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء؟ فقال: عليه كفارة يمين. ب - إن الحالف بذلك لما ربط مالا يريده بالكفر كان رابطا لنقيضه بالإيمان بالله، فكان مثل الحالف بالله؛ لأن ه يربط الشيء المحلوف عليه بإيمانه بالله تعالى. تعليق الظهار: - الظهار - كقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي - يشبه القسم من حيث إنه قول يستوجب الامتناع عن شيء، ويقتضي الكفارة غير أنها أعظم من كفارة القسم. ومن هنا سمى بعض العلماء الظهار يمينا، وقد نقل ابن تيمية عن أصحاب الحنابلة كالقاضي أبي يعلى وغيره أن من قال: أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا لزمه ما يفعله في اليمين بالله والنذر والطلاق والعتاق والظهار. تعليق الحرام: سبق الكلام على تحريم العين أو الفعل، وأنه يعد يمينا عند بعض الفقهاء وإن كان منجزا. كما سبق أن قول الرجل: الحرام يلزمني لأفعلن كذا، يعد طلاقا أو ظهارا أو عتاقا أو يمينا. وأيا ما كان، فتعليق الحرام يقال فيه ما قيل في تعليق الطلاق والظهار، فلا حاجة للإطالة به. ومن أمثلته أن يقول: إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا أو إن كان الأمر كذا أو إن لم يكن الأمر كذا فزوجتي علي حرام. هذه أمثلة للتعليق الصريح. وأما التعليق المقدر فمن أمثلته: علي الحرام، أو الحرام يلزمني، أو زوجتي علي حرام لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا، أو لقد كان كذا أو لم يكن كذا. وقد نقل ابن القيم في قول القائل أنت علي حرام وقوله: ما أحل الله علي حرام. وقوله: أنت علي كالميتة والدم ولحم الخنزير خمسة عشر مذهبا، ويكفي هنا الإشارة إليها. وقد سبق بيان المذاهب فيها. ثم نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية اختيار مذهب فوق الخمسة عشرة، وهو أنه إن أوقع التحريم كان ظهارا ولو نوى به الطلاق، وإن حلف به كان يمينا مكفرة، فإنه إذا أوقعه كان قد أتى منكرا من القول وزورا، وكان أولى بكفارة الظهار ممن شبه امرأته بالمحرمة، وإذا حلف كان يمينا من الأيمان، كما لو حلف بالتزام العتق والحج والصدقة وأسهب في الاستدلال على ذلك. شرائط اليمين التعليقية: - يشترط في اليمين التعليقية شرائط بعضها يرجع إلى منشئ التعليق، وبعضها يرجع إلى جملة الشرط، وبعضها إلى جملة الجزاء. شرائط منشئ التعليق (وهو الحالف): - يشترط فيه شرائط مفصلة في الحالف بالله تعالى. ما يشترط في جملة الشرط: - يشترط لصحة التعليق شرائط تتعلق بالجملة الشرطية، وهي مفصلة في المواضع التي يعتبر تعليقها يمينا، ونشير هنا إليها إجمالا وهي: (الشريطة الأولى): أن يكون مدلول فعلها معدوما ممكن الوجود. فالمحقق نحو: إن كانت السماء فوقنا فامرأتي طالق، يعتبر تنجيزا لا تعليقا، والمستحيل نحو: إن دخل الجمل في سم الخياط فزوجتي كذا، يعتبر لغوا لعدم تصور الحنث. - (الشريطة الثانية): الإتيان بجملة الشرط، فلو أتى بأداة الشرط ولم يأت بالجملة - ولا دليل عليها - كان الكلام لغوا، ومثاله أن يقول: أنت طالق إن، أو يقول بعد جملة الطلاق «إن كان» أو «إن لم يكن» أو «إلا» أو «لولا» ففي كل هذه الأمثلة يكون الكلام لغوا عند أبي يوسف، وهو المفتى به عند الحنفية كما في الدر المختار، وقال محمد: تطلق للحال. - (الشريطة الثالثة): وصلها بجملة الجزاء، فلو قال: إن دخلت الدار، ثم سكت، ولو بقدر التنفس بلا تنفس وبلا ضرورة، أو تكلم كلاما أجنبيا ثم قال: فأنت طالق، لم يصح التعليق، بل يكون طلاقا منجزا. - (الشريطة الرابعة): ألا يقصد المتكلم بالإتيان بها المجازاة، فإن قصدها كانت جملة الجزاء تنجيزا لا تعليقا. مثال ذلك أن تنسب امرأة إلى زوجها أنه فاسق، فيقول لها: إن كنت كما قلت فأنت كذا، فيتنجز الطلاق، سواء أكان كما قالت أم لا؛ لأن ه في الغالب لا يريد إلا إيذاءها بالطلاق المنجز عقوبة لها على شتمه. فإن قال: قصدت التعليق، لم يقبل قضاء، بل يدين على ما أفتى به أهل بخارى من الحنفية. - (الشريطة الخامسة): أن يكون مستقبلا إثباتا أو نفيا، وهذه الشريطة إنما تشترط في تعليق الكفر لا في تعليق الطلاق ونحوه. ثم إن الذين يشترطونها في تعليق الكفر إنما هم الذين يشترطونها في اليمين بالله تعالى. والخلاصة أن تعليق الطلاق ونحوه يصح في الماضي كما يصح في المستقبل؛ لأن ه لا يعتبر غموسا عند مخالفة الواقع، بخلاف تعليق الكفر، فمن قال: إن كان الأمر على خلاف ما قلته، أو: إن لم يكن الأمر كما قلته، أو: إن كان الأمر على ما قال فلان فامرأتي كذا، أو: فعلي صوم شهر، أو: فهو يهودي، فإن كان ما أثبته منفيا في الواقع، أو ما نفاه ثابتا في الواقع طلقت امرأته في الصورة الأولى، وتخير بين ما التزمه من الصيام وبين كفارة اليمين في الصورة الثانية، ولم يلزمه في الصورة الأخيرة كفارة يمين عند من يقول بعدم كفارة اليمين الغموس وسيأتي ذلك. ما يشترط في جملة الجزاء: - ليس كل تعليق يصلح أن يكون يمينا شرعا، وإنما الذي يصلح ما كان جزاؤه واحدا من ستة، وهي: الطلاق والعتاق والتزام القربة والكفر والظهار والحرام. فيشترط في جملة الجزاء: أن يكون مضمونها واحدا في هذه الستة، وقد صرح الحنفية بالأربعة الأول فقط، ولم يذكروا تعليق الظهار، ولا تعليق الحرام، لكنهم جعلوا تحريم الحلال في حكم اليمين بالله تعالى، وهو يشمل المنجز والمعلق، فلم يبق خارجا عن كلامهم سوى تعليق الظهار. ويشترط في جملة الجزاء شريطة ثانية وهي: ألا يذكر فيها استثناء بنحو إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله، فمن قال: إن فعلت كذا فأنت طالق إن شاء الله، أو قال أنت طالق إن شاء الله إن فعلت كذا، أو قال أنت طالق إن فعلت كذا إن شاء الله بطل تعليقه. وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية. وخالف المالكية والحنابلة، فقالوا: لا يصح التعليق بالمشيئة فيما لا كفارة فيه، ومثل له المالكية بالطلاق والعتاق والتزام القربة، ومثل له الحنابلة بالطلاق والعتاق فقط؛ لأن التزام القربة بقصد اليمين يلزم فيه ما التزمه عند المالكية، ويخير فيه عند الحنابلة بين ما التزمه وبين كفارة اليمين، فعلى هذا يصح الاستثناء عند المالكية في: الحلف بالله تعالى، وبالظهار، وقول القائل: علي نذر أو علي يمين أو علي كفارة. وعند الحنابلة في: الحلف بالله، والظهار، وفي تعليق النذر بقصد الحلف، وتعليق الكفر. وهذا المنقول عن المالكية والحنابلة هو أشهر القولين عن مالك وإحدى الروايتين عن أحمد. وقد رجح ابن تيمية الرواية الأخرى الموافقة لقول الجمهور، فقال: هذا القول هو الصواب المأثور عن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وجمهور التابعين كسعيد بن المسيب والحسن. لكن جرى صاحب المنتهى وغيره على اختصاص المشيئة بما يكفر عنه فتكون الرواية الأولى هي الراجحة عند متأخري الحنابلة. التعليق الذي لا يعد يمينا شرعا: - لما كانت التعليقات الستة السابقة إنما تعد أيمانا في بعض الصور، وما عداها من التعليقات لا يعد يمينا أصلا كان التعليق الذي لا يعد يمينا نوعين. أحدهما: ما لم يقصد به الحث ولا المنع ولا تحقيق الخبر، وقد خالف الحنفية في ذلك فعدوه يمينا، واشترطوا أن يكون تعليقه تعليقا محضا. وثانيهما: كل تعليق من الستة اختلت فيه شريطة من شرائط صحة التعليق. تعليق غير الستة: - كل تعليق لغير الستة لا يعد يمينا شرعا وإن كان القائل يقصد به تأكيد الحمل على شيء أو المنع عنه أو الخبر. ومن أمثلة ذلك أن يقول: إن فعلت كذا فأنا بريء من الشفاعة؛ لأن إنكار الشفاعة بدعة، وليس كفرا، أو يقول: فصلاتي وصيامي لهذا الكافر قاصدا أن ثوابهما ينتقل إلى هذا الكافر، فهذا القول ليس كفرا، فإن قصد به أن صلاته وصيامه عبادة لهذا الكافر، أي: أنه يعبده كانت يمينا لأن هذا كفر. ومن الأمثلة: إن فعل كذا فعليه غضب الله أو سخطه أو لعنته، أو فهو زان أو سارق أو شارب خمر أو آكل ربا، فليس شيء من ذلك يمينا شرعا. هذا متفق عليه بين الفقهاء. معنى الاستثناء: - المراد بالاستثناء هنا هو التعليق بمشيئة الله تعالى أو نحوه مما يبطل الحكم، كما لو قال قائل: سأفعل كذا إن شاء الله. وإنما سمي هذا التعليق استثناء لشبهه بالاستثناء المتصل في صرف اللفظ السابق عن ظاهره. وبعضهم يسمي هذا التعليق (استثناء تعطيل) لأن ه يعطل العقد أو الوعد أو غيرهما. والفقهاء يذكرون هذا الاستثناء في الأيمان حينما يقولون: إن من شرائط صحة اليمين عدم الاستثناء فإنهم لا يريدون إلا الاستثناء، بمعنى التعليق بمشيئة الله تعالى ونحوه، فإنه هو الذي لو وجد لبطل حكم اليمين. والضابط الذي يجمع صور الاستثناء بالمشيئة: كل لفظ لا يتصور معه الحنث في اليمين، كما لو قال الحالف عقب حلفه: إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله، أو ما شاء الله، أو إلا أن يبدو لي غير هذا، أو إن أعانني الله، أو يسر الله، أو قال: بعون الله أو بمعونة الله أو بتيسيره. التعليق بالاستطاعة: - لو قال الحالف: والله لأفعلن كذا إن استطعت أو: لأفعلن كذا إلا ألا أستطيع، فإن أراد بها الاستطاعة الخاصة بالفعل المحلوف عليه لم يحنث أبدا لأن ها مقارنة للفعل، فلا توجد ما لم يوجد الفعل. وإن أراد الاستطاعة العامة، وهي سلامة الآلات والأسباب والجوارح والأعضاء، فإن كانت له هذه الاستطاعة فلم يفعل حنث، وإلا لم يحنث. وهذا لأن لفظ الاستطاعة يحتمل كلا من المعنيين. قال الله تعالى في شأن المشركين أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون. وقال عز وجل حاكيا خطاب الخضر لموسى عليهما السلام قال إنك لن تستطيع معي صبرا والمراد في الآيتين الاستطاعة المقارنة للفعل، وقال سبحانه وتعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وقال جل شأنه والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم. والمراد بالاستطاعة في الموضعين سلامة الأسباب والآلات. فإن لم يكن له نية وجب أن يحمل على المعنى الثاني - وهو سلامة الأسباب - لأن هذا هو الذي يراد في العرف والعادة، فينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق. أثر الاستثناء وما يؤثر فيه: - والاستثناء المتصل «بإلا» ونحوها

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩