من المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 25 لسنة 1968:
أضاف المشروع في المادة 115 منه فقرة جديدة إلى 411 المقابلة لها من القانون المدني القائم تجيز توجيه اليمين الحاسمة من الوصي أو القيم أو وكيل الغائب فيما يجوز لهم التصرف فيه وذلك حسماً للخلاف القائم في هذا الشأن.
والفقرات الأولى والثانية والرابعة من هذه المادة تطابق المادة 411 من القانون المدني القائم، أما الفقرة الثالثة فمستحدثه وقد أضافها المشرع لتجيز توجيه اليمين الحاسمة من الوصي أو القيم أو وكيل الغائب فيما يجوز لهم التصرف فيه وذلك حسماً للخلاف القائم في هذا الشأن (المذكرة الإيضاحية للقانون)، ذلك أن توجيه اليمين الحاسمة هو من قبيل الترك والصلح والاحتكام المطلق إلى ذمة الخصم والمفروض أن يملك الوصي أو القيم أو وكيل الغائب توجيه اليمين فيما يجوز له الصلح والأبناء والإقرار فيه وهذا هو المراد من عبارة فيما يجوز له التصرف فيه فما لا يجوز لهم الإبراء فيه ولا الإقرار ولا الصلح لا يجوز لهم توجيه اليمين فيه (تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الأمة).
وجاء بتقرير لجنة الشئون التشريعية بمجلس الأمة عن مشروع القانون أنه:
كذلك نص المشروع على جواز أن يوجه الوصي أو القيم أو وكيل الغائب اليمين الحاسمة فيما يجوز له التصرف فيه، في الفقرة الثالثة من المادة (115) منه المنقولة عن المادة (411) من القانون المدني.
ولما كان توجيه اليمين الحاسمة هو من قبيل الترك والصلح والاحتكام المطلق إلى ذمة الخصم، فإن المفروض أن يملك الوصي أو القيم أو وكيل الغائب الصلح والإبراء والإقرار في المسألة التي يوجه فيها اليمين، وهذا هو المراد من عبارة «فيما يجوز له التصرف فيه»، فما لا يجوز لهم الإبراء فيه ولا الإقرار ولا الصلح لا يجوز لهم توجيه اليمين فيه».
مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 411 الملغاة من القانون المدني السابق والمقابلة للمادة 115 من قانون الإثبات:
1- يقتصر التقنين الفرنسي ( المادة 1358 ) والتقنين الهولندي ( المادة 1998) والتقنين البرتغالى (المادة 2520) على النص على تعلق الواقعة بشخص من توجه اليمين إليه . ويضيف التقنين الإيطالي ( المادة 1365 ) والمشروع الفرنسي الإيطالي ، إلى ذلك نصاً يتعلق (بالعلم بأية واقعة أخرى).
وقد جمع المشروع في هذه المادة بين المعنيين ، وضمنها الشرطين اللذين يتعين على القاضي أن يستوثق من توافرهما لقبول اليمين الحاسمة :
الشرط الأول - الواقعة : يتعين أن ترد اليمين على واقعة قانونية ، لا على مسألة من مسائل القانون ، فكها من هذا الوجه حكم الإقرار . ذلك أن استخلاص الآثار القانونية التي ترتب على الواقع من شأن القاضي . ولكن اليمين ، وهي بطبيعتها حاسمة ، يجب أن يترتب عليها قطع النزاع . فيشترط لقبولها ، والحال هذه ، أن تكون متعلقة لا بمجرد واقعة من الوقائع فحسب، بل بواقعة يتوقف عليها الفصل نهائياً في النزاع ، وإلا كانت غير حاسمة ، ولذلك نص تقنين المرافعات المصري في المادة 163 / 184 على إلزام الخصم الذي يوجه اليمين بعرض صيغتها في عبارة واضحة دقيقة .
الشرط الثاني - تعلق الواقعة بالشخص : ويجب أن تكون الواقعة متعلقة بشخص من توجه اليمين إليه ، لأن خصمه يحتكم إلى ذمته ، وبديهي أن من توجه إليه الدعوة للاحتكام ، لا يستطيع الحلف أو تأكيد صحة الواقعة ، مالم تكن متعلقة بشخصه.
ويتفرع على ذلك : (أ) أن العين التي يوجهها أحد الخصوم يجب أن تكون منصبة على ادعاء الخصم الآخر . (ب) و أن اليمين ، على حد تعبير المادة 173 / 196 من تقنين المرافعات ، لا يؤديها وكيل ، أي أنها لا توجه إلى وكيل بشأن واقعة خاصة بالموكل .
2 - على أن المشروع قد استثنى من عموم القاعدة المتقدمة حالة العلم ، فأجاز توجيه اليمين . (أو على أية واقعة أخرى إذا انصبت اليمين على مجرد العلم هذه الواقعة) .
والواقع أن هذه العبارة تنطوي على معنى الاستثناء من حكم القاعدة العامة المقررة بشأن وجوب تعلق الواقعة بشخص من توجه اليمين إليه ، لأن اليمين وفقاً لهذه القاعدة لا يجوز أن توجه إلى ورثة المتوفي بالنسبة للوقائع المتعلقة بشخص المورث.
وقد أريد من العبارة المتقدمة إلى إقرار مين العلم ( الاستيثاق ) بالنسبة للورثة ، وهي تتعلق بعلم هؤلاء الورثة بشئون المورث . وقد نص التقنين المصرى ( المادة 213 / 277 ) على هذه العين ، بصدد التقادم بالمدة القصيرة . وجرى القضاء المصري على توجيهها ( استئناف مختلط 4 مارس سنة 1891 ب 3 ص 218 و 13 فبراير سنة 1902 ب 14 ص 127 و 17 يناير سنة 1917 ب 29 ص 152 و 5 أبريل سنة 1921 ب 33 ص 251 ).
3 - وقد اقتصر التقنين الفرنسي ( المادة 1358 ) على النص على القاعدة العامة بشأن توجيه اليمين في أي دعوى من الدعاوى ، وشفع ذلك بالنص على إمكان توجيهها في أية حالة كانت عليها الدعوى ، ولو لم يكن ثمة مبدأ ثبوت ما (المادة 1260 ). ويورد التقنين الإيطالي ( المادة 1364 فقرة 2) والتقنين الهولندي (المادتان 1967 و 1969 ) والتقنين البرتغالي ( المادة 2523) نصوصاً أخرى تتضمن استثناءات من حكم تلك القاعدة ، وقد اقتصر المشروع الفرنسي الإيطالي (المادة 311 فقرة 2) على إيراد الاستثناءات دون القاعدة . وقد جاء التقنين الفرنسي ( المادة 1360) والتقنين الإيطالي ( المادة 1366 ) والتقنين البرتغالي (المادة 2524) بنص خاص بشأن جواز توجيه اليمين الحاسمة في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لم يكن ثمة مبدأ ثبوت ما . بيد أن هذا النص يتعلق بنطاق تطبيق اليمين الحاسمة ، وقد جمع التقنين الهولندي ( المادة 1967 ) بين الحكمين في فصل واحد .
4 - أما بالنسبة لنطاق تطبيق العين ، فالأصل في اليمين جواز توجيهها بشأن أي نزاع مدني ، شأنها في ذلك شأن الإقرار ، لأن العين و الإقرار يعتبران من قبيل طرق الإثبات غير المادية التي يقصد منها إلى سد نقص الدليل عند انتفائه . ويتفرع على ذلك أنه يجوز توجيه اليمين : (ا) في أية حالة كانت عليها الدعوى (ب) و في أية دعوى ولو كانت قيمة المدعي به تجاوز نصاب الإثبات بالبينة ، ولو قصد بها نقض الثابت بالكتابة او ادعاء الإضافية إليه ( استئناف مختلط 21 يونية سنة 1928 ب40 ص 454). (ج) ولو لم يكن ثمة مبدأ ثبوت بالكتابة بشأن الدعوى أو الدفع . ويجرى القضاء في مصر على التلفيق بين هذه الأحكام ( استئناف مختلط 17 دیسمبر سنة 1908 ب 21 ص 77 و 31 يناير سنة 1907 ب 19 ص 103 ).
5 - على أن هذه القاعدة لاتجرى على إطلاقها ، كما توحي بذلك عبارة المادة 1358 من التقنين الفرنسي . ولذلك عنى المشروع ببيان الاستثناءات في الفقرة الثانية من هذه المادة ، فنص على عدم جواز توجيه البين بشأن واقعة تخالف النظام العام ، فلا يجوز توجيه اليمين مثلاً بشأن واقعة جنائية ، فاليمين قاصرة على المنازعات المدنية ، ولا تقبل قط في المسائل الجنائية ولو فيما يتعلق بالدعوى المدنية . وقد أقر الفقه والقضاء الاستثناءات الآتية ولم يجز توجيه اليمين : (أ) لإقامة الدليل على تصرف يشترط لوجوده شكل خاص، لأن الكتابة لاتكون في هذه الحالة دليلاً فحسب ، بل تكون شرطاً من شروط الصحة . (ب) للمنازعة في البيانات التي يلحق بها وصف الرسمية في محرر رسمي، لأن الدليل العكسي لا يقام إلا من طريق الطعن بالتزوير ( استئناف مختلط 19 مايو سنة 1921 ب 33 ص 351 ) . (ج) لنقص دلالة قرينة قانونية مؤسسة على النظام العام ( استئناف مختلط 18 ديسمبر سنه 1895 ب 8 ص 44 ) .
1- المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه يجوز الطعن في الأحكام الصادرة بناءً على النكول عن حلف اليمين الحاسمة متى كان مبنياً على أن اليمين غير جائز توجيهها أو أنها وجهت في غير حالاتها أو على بطلان إجراءات توجيهها ، لعدم إعلان المدعى عليه بالدعوى إعلاناً صحيحاً على موطنه أو عدم تمام إعلانه بحكم حلف اليمين أو أن لديه عذرا منعه من الحضور للحلف ، فإذا تمسك بهذه الأمور يتعين على المحكمة الفصل في منازعته ، وأن ترد عليها بما يسقطها أو أن تحدد له جلسة لحلفها إن رأت توجيهها إليه وعلى محكمة الاستئناف أن تعمل ذلك وأن تستدرك ما فات محكمة أول درجة بخصوص هذه المنازعة سواء بخصوص الإعلان بالحكم الصادر بتوجيه اليمين أو غيرها من تلك الأمور ولا يجوز اعتبار المدعى عليه ناكلاً قبل الفصل في هذه المنازعة ؛ لما كان ذلك ، وكان الحكم التمهيدي الصادر من محكمة الاستئناف بجلسة 12/4/2017 قد أقام قضاءه برفض الدفع المبدى من الطاعن بشأن عدم جواز نظر الاستئناف استناداً إلى خلو الأوراق من الإعلان بحكم اليمين الحاسمة الذي كلفت المحكمة قلم الكتاب بإعلانه للمطعون ضده الأول وإلى عدم اطمئنانها لصحة الإعلان الذي قام به الطاعن بغير سابق تصريح من المحكمة لإثبات المحضر القائم به وقتاً للإخطار به تسبق ساعته وقت انتقاله لتنفيذه ، وانتهى الحكم المطعون فيه إلى أن حكم أول درجة في الدعوى جائز استئنافه وهي نتيجة صحيحة تتفق وصحيح القانون ، ومن ثم يكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس .
( الطعن رقم 12791 لسنة 87 ق - جلسة 19 / 2 / 2023 )
2- المقرر - في قضاء هذه المحكمة – أن اليمين لغةً هو الإخبار عن أمر مع الاستشهاد بالله تعالى على صدق الخبر فهو لا يعتبر عملًا مدنيًا فحسب بل هو أيضًا عمل ديني ، فطالب اليمين يلجأ إلى ذمة خصمه ، والحالف عندما يؤدي اليمين إنما يستشهد بالله ويستنزل عقابه وقد نصت مواد الباب السادس من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 في المواد من 114 حتى 130 على طلب اليمين الحاسمة وشروط توجيهها ويستدل منها على أن اليمين ملك للخصم لا للقاضي ويجوز للخصم توجيهها في أية حالة كانت عليها الدعوى وعلى القاضي أن يجيب الخصم لطلبه متى توافرت شروط توجيهها وهي أن تكون متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وغير مخالفة لقاعدة من النظام العام ويجوز للقاضي أن يرفضها إذا كانت غير منتجة أو كان في توجيهها تعسف من الخصم، وخلاصة القول أن توجيه اليمين الحاسمة احتكام لضمير الخصم لحسم النزاع كله أو في شقٍ منه عندما يعوز الخصم الدليل لإثبات دعواه لا سيما عندما يتشدد القانون في اقتضاء أدلة معينة للإثبات ويتمسك الخصم الآخر بذلك، فإن حلفها الخصم فقد أثبت إنكاره لصحة الادعاء ويتعين رفضه، وإن نكل كان ذلك بمثابة إقرار ضمني بصحة الادعاء ووجب الحكم عليه بمقتضى هذا الإقرار، وكان كل طلب أو وجه دفاع يدلي به الخصم لدى محكمة الموضوع ويطلب إليها بطريق الجزم أن تفصل فيه ويكون الفصل فيه مما يجوز أن يترتب عليه تغيير وجه الرأي في الدعوى ، يجب على محكمة الموضوع - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تجيب عليه بأسبابٍ خاصة، فإن هي لم تفعل كان حكمها قاصرًا. لما كان ذلك، وكان الثابت أن الطاعن طلب توجيه اليمين الحاسمة للمطعون ضده ليحلف بأن الأموال التي قام بتحويلها إليه كانت على سبيل الدين وأن ذمته مشغولة بها، وإذ كانت الواقعة محل الحلف متعلقة بالنزاع ومنتجة فيه ، ورفض الحكم المطعون فيه هذا الطلب بمقولة أن اليمين غير حاسمة في إثبات براءة ذمته من الأموال المطالب بها بصرفها في الغرض المخصصة من أجله ولم يقدم الدليل على ذلك، وهو قول من الحكم لا يواجه دفاع الطاعن، ولا يصلح ردًا عليه على الرغم من أنه دفاع جوهري يتغير به - إن صح - وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون معيباً بالقصور والإخلال بحق الدفاع مما يعيبه ويوجب نقضه .
( الطعن رقم 16542 لسنة 91 ق - جلسة 27 / 9 / 2022 )
3- نص المشرع فى المادة 24 من قانون إيجار الأماكن 49 لسنة 1977 على أنه " يجوز للمستأجر إثبات واقعة التأجير وجميع شروط العقد بكافة طرق الإثبات " حتى ييسر له إثبات التحايل على مقدار الأجرة أو صورية العقد المفروش أو تقاضى مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار ، ولا يغير من هذا النظر ما نصت عليه المادة 115 من قانون الإثبات على أنه " لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة فى واقعة مخالفة للنظام العام " إذ إن هذا الحكم خاص بعدم جواز توجيه تلك اليمين فقط دون ما عداها من أدلة الإثبات وقد أملته اعتبارات متعددة منها أنه لا يجوز توجيهها فيما لا يمكن التنازل عنه أو التصالح عليه أو مخالفة حجية أمر مقضى ومنها كذلك عدم جواز تحليف المتهم بإطلاق أو استجوابه من قبل المحكمة إلا إذا قبل ذلك احتراماً لمبدأ عدم التزامه بإثبات براءته ومنها حماية طالب اليمين نفسه من أن يحتكم ليمين مضطراً إلى الكذب وكل ذلك خاص باليمين ولا شأن له بجواز الإثبات بالبينة التى لها الصدارة فى إثبات الجرائم .
(الطعن رقم 1709 لسنة 72 جلسة 2003/08/18 س 54 ع 2 ص 1141 ق 202)
4- طلب توجيه اليمين الحاسمة هو احتكام لضمير الخصم لحسم النزاع كله أو فى شق منه عندما يعوز من وجهه الدليل لإثبات دعواه, فإن حلفها من وجهت إليه فقد أثبت إنكاره لصحة الادعاء, ويتعين رفضه, وإن نكل, كان ذلك بمثابة إقرار ضمني بصحة الادعاء, ووجب الحكم عليه بمقتضى هذا الإقرار, ولا يغير من ذلك أن يكون طلب توجيه اليمين الحاسمة من باب الاحتياط, بعد العمل بقانون المرافعات الحالي وقانون الإثبات, اللذين أقرا ضمنا الرأي الراجح فى الفقه والقضاء بجواز توجيهها على سبيل الاحتياط, إذ يتعذر على الخصم أن يتعرف على رأي المحكمة فى الأدلة التي ساقها- خاصة إذا كان النزاع مطروحا على محكمة الاستئناف أو أمام محكمة أول درجة فى الأنزعة التي تفصل فيها بصفة انتهائية - إلا بعد الحكم فى النزاع, فيصبح الباب موصدا دونه لإبداء طلبه توجيه اليمين الحاسمة إذا ما رفضت المحكمة الأدلة الأخرى التي تمسك بها, بصدور حكم نهائي فى النزاع, ومن ثم فلا مفر إلا أن يتمسك الخصم باليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط أثناء نظر الدعوى, قبل كل دفاع أو بعده, وهو ما يتعين معه على المحكمة أن تقول كلمتها فى الأدلة التي يستند إليها الخصم المتمسك بتوجيه اليمين أولا, فإذا ما انتهت إلى أنها غير كافية لتكوين عقيدتها بأسباب سائغة, أجابته إلى طلبه بتوجيه اليمين, باعتبار أن توجيهه - فى هذه الحالة - معلق على شرط هو عدم اقتناع المحكمة بما ساقه من أدلة, والقول بغير هذا فيه إهدار للعلة من إباحة المشرع طلب توجيه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط.
(الطعن رقم 1979 لسنة 71 جلسة 2002/06/12 س 53 ع 2 ص 781 ق 153)
5- إذ كان الثابت من الأوراق ان اليمين الحاسمة التى حلفتها المطعون ضدهن أمام محكمة الاستئناف قد اقتصرت على عدم حصولهن على نصيبهن فى ريع المحلات التجارية بمنزلى النزاع فى مدة المطالبة دون ان تستطيل الى نصيبهن فى ريع الشقتين المشار إليهما واللتين تمسك الطاعنان فى شأنهما امام محكمة الاستئناف بسبق استئجارهما من مورثة طرفى النزاع بموجب عقدى الإيجار المؤرخين 1968/5/1 ، 1975/6/1 المقدمين فيهما الى تلك المحكمة ، فإن محكمة الاستئناف إذ أقامت قضاءها بتأييد حكم محكمة أول درجة على أن اليمين الحاسمة التى حلفتها المطعون ضدهن قد حسمت النزاع برمته لصالحهن ، ولم تعن ببحث وتمحيص ما تمسك به الطاعنان أمامهما من دفاع جوهرى بشأن استئجارهما للشقتين المطالب بالريع عنهما على الرغم من أنها حصلت هذا الدفاع فى أسباب حكمها دون أن ترد عليه ، مع ان من شأنه - لو صح - تغيير وجه الرأى فى الدعوى فيما يختص بهذا الجزء من الحق إذ أن مؤداه عدم مسئولية الطاعنين عن ريع نصيب المطعون ضدهن فى الشقتين . ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون فضلاً عن خطئه فى تطبيق القانون قد ران عليه القصور المبطل .
(الطعن رقم 2651 لسنة 63 جلسة 2000/11/26 س 51 ع 2 ص 1053 ق 201)
6- لما كان نص الفقرة الأولي من المادة 115 من قانون الإثبات علي أنه ( لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة فى واقعة مخالفة للنظام العام ) وهو نص منقول عن صدور المادة 411 من القانون المدني الملغاه ضمن الباب السادس من الكتاب الأول من قسم الأول من هذا القانون - بما نص عليه فى المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1968 بإصدار قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية ولم يكن له مقابل فى القانون القديم - أن الشارع - وعلى ما يؤخذ من مذكرة المشروع التمهيدى للقانون المدنى - قد أقر الفقة والقضاء على نطاق تطبيق اليمين الحاسمة ومنه ما رجح فى القضاء المصرى من عدم جواز التحليف على واقعة تكون جريمة جنائية تأسيسا على أنه لا يصح أن يكون النكول عن اليمين دليلا على ارتكاب الجريمة ، وكان اختلاس التوقيع على بياض جريمة مأخوذة بعقوبة التزوير فى الأوراق العرفية وهى عقوبة الحبس مع الشغل طبقا للمادتين 215 ، 340 من قانون العقوبات ومن ثم فإنه لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة فيها وإذ أطرح الحكم المطعون فيه طلب الطاعن فى هذا الشأن يكون قد أصاب صحيح القانون .
(الطعن رقم 3498 لسنة 61 جلسة 1996/05/14 س 47 ع 1 ص 632 ق 89)
7- إنقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة عن الواقعة التي تكون جريمة لا يؤثر فى وصف الجريمة ولا فى نسبتها إلى فاعلها وإنما يسقط حق الدولة فى العقاب عنها، وأن تقاضي المؤجر لأي مبلغ خارج نطاق عقد الإيجار زيادة على التأمين والأجرة المنصوص عليها فى العقد أمر يشكل جريمة عملاً بالمادة 26 من القانون رقم 49 لسنة 1977 ويعاقب مرتكبها بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة تعادل مثلي المبلغ الذي تقاضاه وذلك تطبيقاً لنص المادة 77 من ذات القانون، ومن ثم فإنه لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة للمؤجر على أنه تقاضى مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار حتى ولو إنقضت الدعوى الجنائية فيها طالما واقعة مخالفة للنظام العام.
(الطعن رقم 1990 لسنة 61 جلسة 1995/04/19 س 46 ع 1 ص 655 ق 131)
8- مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة 114 والفقرة الثانية المادة 115 من قانون الإثبات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن اليمين الحاسمة ملك للخصم له أن يوجهها متى توافرت شروطها ولو كان هناك سبيل آخر للإثبات ويتعين على القاضى أن يجيب طلب توجهها إلا إذا بان له بان له أن طالبها متعسف فى طلبها ويجوز توجيه اليمين إلى الوارث على مجرد علمه بواقعة متعلقة بمورثة ، وإذ كان الثابت فى الأوراق أن اليمين التى طلب الطاعنون توجيهها إلى المطعون ضدها الأولى والثانى ........ يؤدى حلفها إلى ثبوت ملكية المطعون ضدهما الأولين لمساحة الأرض موضوع النزاع وغصبها منه وانصبت على مجرد علمهما بها فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض توجيهها على سند من قوله إنها لا تتعلق بشخص من وجهت إليه وعن واقعة يمكن إثباتها بالبينة يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 1232 لسنة 59 جلسة 1993/06/29 س 44 ع 2 ص 792 ق 268)
9- النص فى الفقرة الثانية من المادة 115 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 يدل على أنه يشترط حتى تنتج اليمين الحاسمة أثرها فى حسم النزاع أن يكون موضوع اليمين واقعة شخصية و من ثم يتعين توجيهها إلى من تعلقت الواقعة بشخصه فإن وجهت إلى غيره فحلف أو نكل لا يكون لها من أثر عليه فى حسم النزاع .
(الطعن رقم 16 لسنة 54 جلسة 1989/11/27 س 40 ع 3 ص 205 ق 353)
10- لما كان النص فى الفقرة الأولى من المادة 115 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 " لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة فى واقعة مخالفة للنظام العام " و النص فى التشريعات الإستثنائية لإيجار الأماكن على تحديد الأجرة وفقاً للقواعد الواردة بها هو أمر متعلق بالنظام العام بحيث يحظر الإتفاق على أجرة تزيد على تلك الأجرة التى حددها القانون و يقع مثل هذا الإتفاق باطلاً بطلاناً مطلقاً ، و من ثم فإنه لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة للخصم بهدف اثبات أن الأجرة المتفق عليها تجاوز القيمة الايجارية المحددة قانوناً للعين المؤجرة - لما كان ذلك و كان الطاعن قد طلب توجيه اليمين الحاسمة للمطعون ضده على أنه أجر له شقة النزاع خالية و ليست مفروشة كما وصفت بعقد الإيجار سند الدعوى بهدف اثبات تحايله على قواعد تحديد الاجرة ، فإن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى رفض توجيهها للمطعون ضده يكون التزم التطبيق الصحيح لأحكام القانونى .
(الطعن رقم 593 لسنة 50 جلسة 1988/01/13 س 39 ع 1 ص 92 ق 21)
11- الحكم الصادر بناء على اليمين الحاسمة له قوة الشىء المقضى فيه ، و لا يقبل الطعن فيه بأى طريق من طرق الطعن فى الأحكام ما لم يكن الطعن مبنياً على بطلان فى الإجراءات الخاصة بتوجيه اليمين أو حلفها .
(الطعن رقم 1445 لسنة 50 جلسة 1984/11/21 س 35 ع 2 ص 1868 ق 355)
12- اليمين المنصوص عليها فى المادة 272 بحرى توجه فى الأصل إلى الخصم الذى له حق المطالبة بالإثبات إلا أنه إذا كان هذا الخصم شخصاً معنوياً فليس هناك ما يمنع من توجيهها إلى ممثله القانونى فى حدود نيابته عنه لما كان ذلك و كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر و قضى بتأييد الحكم الإبتدائى الذى إنتهى إلى رفض الدعوى إعمالاً للأثر المترتب على سقوط الدعوى بالتقادم بعد أن رفض طلب تحليف رئيس مجلس إدارة الشركة المطعون ضدها على أن الشركة قد أوفت الطاعن مبلغ 782 ج و 314 م الذى أظهره الخبير فى تقريره بمقولة أن اليمين التى طلب الطاعن توجيهها إليه غير جائزة لورودها على عمل لم يصدر منه شخصياً مع أن أداء الشركة الأجور لعمالها هو مما تتسع له نيابة رئيس مجلس الإدارة عنها . و تحجب بذلك عن توجيه اليمين إليه و الفصل فى الدعوى بناء على ما يسفر عنه توجيه اليمين فإنه يكون فصلاً عن خطئه فى تطبيق القانون قد شابه القصور بما يستوجب نقضه .
(الطعن رقم 583 لسنة 48 جلسة 1982/11/29 س 33 ع 2 ص 1081 ق 195)
13- مفاد النص فى الفقرة الأولى من المادة 115 من قانون الإثبات على أنه " لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة فى واقعة مخالفة للنظام العام " و هو نص منقول عن صدر المادة 411 من القانون المدنى الملغاة ضمن الباب السادس من الكتاب الأول من القسم الأول من هذا القانون - بما نص عليه فى المادة الأولى من القانون رقم 25 سنة 1968 بإصدار قانون الإثبات فى المواد المدنية و التجارية و لم يكن له مقابل فى القانون القديم - أن الشارع - و على ما يؤخذ من مذكرة المشروع التمهيدى للقانون المدنى - قد أقر الفقه و القضاء على ما قيد أن نطاق تطبيق اليمين الحاسمة و منه ما رجح فى القضاء المصرى من عدم جواز التحليف على واقعة تكون جريمة جنائية تأسيساًط على أنه لا يصح أن يكون النكول عن اليمين دليلاً على إرتكاب الجريمة و لا يجوز إخراج مركز الخصم و تحليفه مدنياً على ما لا يجوز التحليف عليه جنائياً ، و لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه برفض الإدعاء بتزوير عقد التخارج على دعامة واحدة هى أن الطاعن وجه يميناً حاسمة فى واقعة إختلاس توقيعه على بياض فخلفتها المطعون ضدها و كان إختلاس التوقيع على بياض جريمة مأخوذة بعقوية التزوير فى الأوراق العرفية و هى عقوبة الحبس مع الشغل طبقاً للمادتين 215 ، 240 من قانون العقوبات - لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة فيها ، فإن الحكم يكون قد أقام قضاءه على سند من إجراء باطل وقع على خلاف القانون بما يجيز الطعن عليه بالنقض و يوجب نقضه و إلغاء ما كان أساساً له من أحكام و أعمال لاحقة .
(الطعن رقم 731 لسنة 47 جلسة 1980/03/12 س 31 ع 1 ص 790 ق 155)
14- متى كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه، وله سنده من الصورة الرسمية للحكم السابق والشهادة الرسمية بعدم استئنافه أن الحكم المشار إليه قضى فى منطوقه برفض دعوى صحة التعاقد المرفوعة من الطاعن على المطعون ضدهم قضاء قطعياً محمولاً على ما جاء بأسبابه المرتبطة بالمنطوق ارتباطا لا يقبل التجزئة من أن الطاعن لم ينفذ التزامه بدفع الثمن فلا يحق له مطالبة المطعون ضدهم بتنفيذ التزامهم بنقل الملكية. وهذا القضاء يتضمن بطريق اللزوم الحتمي أن الالتزام بدفع الثمن قائم ولم ينقض بتجديده أو بغير ذلك من أسباب الانقضاء، فإن الحكم المذكور يحوز الحجية بين طرفيه فيما قضى به بصفة ضمنية فى الأسباب المرتبطة بمنطوقه ارتباطا وثيقاً، لا يقوم المنطوق بدونها، ويمتنع على الطاعن الادعاء بانقضاء الالتزام بدفع الثمن بتجديده ولا يقبل منه إثبات ادعائه بأي دليل آخر، ولو كان اليمين الحاسمة لتعارضه مع حجية الحكم المشار إليه الذي حاز قوة الأمر المقضي، وذلك عملاً بالمادة 101 من قانون الإثبات.
(الطعن رقم 76 لسنة 40 جلسة 1975/05/21 س 26 ع 1 ص 1040 ق 198)
15- أباح المشرع فى المادة 394 من القانون المدنى للوارث الإكتفاء بنفى علمه بأن الخط أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الأصبع لمورثه دون أن يطعن فى هذه الأوراق بطريق الأدعاء بالتزوير ، أو حتى يقف موقف الإنكار صراحه ، فإذا نفى الوارث علمه بأن الإمضاء التى على الورقة العرفية المحتج بها عليه لمورثه و حلف اليمين المنصوص عليها فى المادة 394 سالفة الذكر زالت عن هذه الورقة مؤقتا قوتها فى الإثبات و تعين على الخصم المتمسك بها أن يقيم الدليل على صحتها ، و ذلك بإتباع الإجراءات المنصوص عليها فى المادة 262 من قانون المرافعات السابق .
(الطعن رقم 205 لسنة 36 جلسة 1970/12/08 س 21 ع 3 ص 1197 ق196)
16- إذا كان الحكم الصادر من محكمة أول درجة بتاريخ1983/12/12قضى قبل الفصل فى موضوع الدعوى بتوجيه يمين عدم العلم للخصوم الذين طعنوا بالجهالة على توقيع مورثهم وأورد بأسبابه إختصاص المحكمة بنظر النزاع بشأن الملكية على سند من أن قيمة العقار المتنازع عليه تقل عن خمسمائة جنيه وهو حكم فرعى صادر فى مسألة تعترض سير الخصومة الأصلية والفصل فيها يعد قضاء صادراً قبل الفصل فى الموضوع لا تنتهى به الخصومة كلها أو بعضها، وهذا القضاء الفرعى لا يجوز الطعن فيه على استقلال إعمالاً لنص المادة212من قانون المرافعات وإنما يجوز الطعن فيه مع الحكم المنهى للخصومة برمتها، ولذلك فإن هذا الحكم لا يكون حائزاً لقوة الأمر المقضى.
(الطعن رقم 200 لسنة 59 جلسة 1993/02/04 س 44 ع 1 ص 497 ق 83)
17- الحكم الصادر بناء على اليمين لا يجوز استئنافه إلا أن شرط ذلك أن تكون اليمين وحدها فاصلة فى النزاع وحاسمة له بحيث ينتهى بها حتما موضوعه، أما إذا انصبت اليمين على جزء من النزاع أو مسألة أوليه فيه دون أن تؤدى إلى حسمه كله أو تمسك الخصم أمام محكمة الاستئناف بدفاع موضوعى منتج فى الدعوى لم يشمله الحلف، فإن الاستئناف يكون جائزا، غاية ما فى الأمر أنه يتعين الالتزام بحجية تلك اليمين بحيث يمتنع على الخصوم أن يعودوا إلى المنازعة فيما انصبت عليه وحسمته، ويقوم مضمونها حجة ملزمة لمحكمة الاستئناف لا تملك الخروج عليه أو مخالفته.
(الطعن رقم 232 لسنة 60 جلسة 1994/05/30 س 45 ع 1 ص 934 ق 178)
18- توجيه اليمين الحاسمة إحتكام لضمير الخصم لحسم النزاع كله أو فى شق منه عندما يعوز الخصم الدليل لإثبات دعواه سيما عندما يتشدد القانون فى اقتضاء أدلة معينة للإثبات ويتمسك الخصم الآخر بذلك فإن حلفها الخصم فقد أثبت إنكاره لصحة الإدعاء ويتعين رفضه وإن ذلك بمثابة إقرار ضمنى بصحة الإدعاء ووجب الحكم عليه بمقتضى هذا الإقرار ولا يغير من ذلك أن يكون طلب توجيه اليمين الحاسمة من باب الإحتياط بعد العمل بقانون المرافعات الحالى وقانون الإثبات ذلك أن المادة 166 من قانون المرافعات الأهلى والمادة 187 من قانون المرافعات المختلط كانتا تنصان على أنه لا يجوز التكليف من باب الإحتياط باليمين الحاسمة لأن التكليف بتلك اليمين يفيد ترك ما عداها من أوجه الإثبات ومن ثم سار القضاء فى ذلك الوقت على عدم جواز توجيه اليمين بصفة إحتياطية إلا أن هذا القضاء قد يؤدى إلى ضياع حق المدعى الذى قد يملك أدلة قد لا يقبلها المحكمة منه فيرى التمسك بتوجيه اليمين الحاسمة على سبيل الإحتياط والعدالة تقتضى أن يسمح له بعرض أدلته على المحكمة مع الإحتفاظ بحقه فى توجيه اليمين إذا رفضت المحكمة الأخذ بتلك الأدلة لأن اليمين طريق إحتياطى أخير إليه الخصم عندما يعوزه الدليل فيجب أن يبقى هذا الطريق مفتوحا أمامه إلى أن يستفذ ما لديه من أدلة ، وإذ صدر قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1949 إستبعد نص المادة 187/166 من القانون السابق عليه على اعتبار أن حكمها موضوعى وليس محله قانون المرافعات ومن جهة أخرى لم يرد على هذا الحكم نص فى قانون الإثبات الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968 ، كما صدر التقنين المدنى الجديد خاليا من نص مماثل كان يشتمل عليه التقنين المدنى السابق " المادة 225 مدنى أهلى، 290 مدنى مختلط " من أن التكليف باليمين يعنى أن طالبها ترك حقه فيما عداها من أوجه الثبوت فأصبح النص على تحريم توجيه اليمين على سبيل الإحتياط غير موجود فى التشريع المصرى الحالى فيكون قد أقر ضمنا الرأى الراجح فى الفقه والقضاء الذى يقضى بجواز توجيه اليمين الحاسمة على سبيل الإحتياط إذ يتعذر على الخصم أن يتعرف على أى المحكمة فى الأدلة التى ساقها خاصة إذا كان النزاع مطروحا أمام محكمة الاستئناف أو أمام محكمة أول درجة فى الأنزعة التى فصل فيها بصفة إنتهائية إلا بعد الحكم فى النزاع فأصبح الباب منغلقا أمامه لإبداء حقه فى التمسك بتوجيه اليمين الحاسمة إذا ما رفضت المحكمة الأدلة الأخرى التى تمسك بها بصدور حكم نهائى فى النزاع فلا يستطيع بعد ذلك أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمة ومن ثم فلا مفر إلا أن يتمسك الخصم باليمين الحاسمة على سبيل الإحتياط أثناء نظر الدعوى وقد ساير قضاء هذه المحكمة الرأى الراجح فى الفقه وأجاز توجيه اليمين الحاسمة على سبيل الإحتياط وأجاز توجيهها وأجاز توجيهها قبل كل دفاع أو بعده.
(الطعن رقم 2938 لسنة 64 جلسة 1994/12/08 س 45 ع 2 ص 1579 ق 295)
19- لما كان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة 1993/10/17 أن المستأنف " الطاعن " حضر عنه الأستاذ 000000000 المحامى بالتوكيل رقم 6905 لسنة 1991 عام شبرا الخيمة وتمسك بجلسة 1993/11/28 بسداده الأجرة عن المدة من 1991/3/1 حتى 1991/8/31 ومقابل استهلاك المياه عن المدة من 1991/3/1 حتى 1991/3/31هى جزء من الأجرة وملحقاتها المطلوبة فى التكليف بالوفاء المعلن للطاعن فى 1992/2/22 وطلب احتياطيا توجيه اليمين الحاسمة إلى والدة المطعون ضده وهى السيدة0000000أحد الخصوم فى الدعوى وتمسك بجلسة 1994/1/12ببطلان التكليف بالوفاء لتضمنه المطالبة بأجرة غير مستحقه سبق الوفاء بها وقدم ضمن أوراق الطعن التوكيل رقم 6905 لسنة 1991 عام شبرا الخيمة الصادر منه للأستاذ00000000المحامى الذى يخوله رفع الطعن الماثل وهو ذات التوكيل الذى حضر بموجبه المحامى المذكور أمام الاستئناف وقد أجاز له الطاعن طلب توجيه اليمين الحاسمة وكانت الواقعة محل الإستحلاف متعلقة بالنزاع ومنتجة فى الدعوى سيما وأنها عن جزء من الأجرة من الأجرة والملحقات التى تضمنها التكليف بالوفاء وقد أغفل الحكم المطعون فيه الرد على هذا الطلب وهو دفاع جوهرى قد يتغير به وجه الرأى فى الدعوى ومن ثم يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع الذى يوجب نقضه.
(الطعن رقم 2938 لسنة 64 جلسة 1994/12/08 س 45 ع 2 ص 1579 ق 295)
20- النص في المادتين 114 / 1 ، 115 من قانون الإثبات يدل على أن اليمين الحاسمة ملك للخصم لا للقاضي ، وأن على القاضي أن يُجيب طلب توجيهها إذا توافرت شروطها وهي أن تكون متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وغير مخالفة لقاعدة من قواعد النظام العام إلا إذا بان له أن طالبها يتعسف في هذا الطلب ، ويجوز للخصم توجيهها في أية حالة كانت عليها الدعوى إلى أن يصدر حكم نهائي في النزاع وسواء طُلبت قبل كل دفاع أو بعده وجهت بصفة أصلية أو على سبيل الاحتياط .
( الطعن رقم 15493 لسنة 93 ق - جلسة 25 / 2 / 2024 )
ولا يرد اليمين - شأنه شأن أدلة الإثبات الأخرى - إلا على وقائع. فلا يجوز توجيه اليمين أو حلفه بالنسبة لمسائل قانونية. ويجب أن تتوافر في الواقعة محل اليمين فضلاً عن الشروط التي يجب توافرها بالنسبة للواقعة محل الإثبات بصفة عامة، شروط خاصة بها هي:
أ- أن تتعلق الواقعة برابطة قانونية للخصوم الحق في التصرف فيها. فالاعتبارات التي تتعلق بالنظام العام، والتي تقيد حق الخصوم في التصرف، توجب استبعاد اليمين باعتباره دليلاً مقيداً لسلطة القاضي في الاقتناع. ويلاحظ أن العبرة بما تتعلق به الواقعة محل اليمين وليس بالرابطة القانونية محل الخصومة. ولهذا فانه إذا أثير - في خصومة تتعلق بحق مالي للخصوم التصرف فيه - خلاف حول أهلية أحد الخصوم فإنه يمكن توجيه اليمين بالنسبة لمحل الخصومة ولكن لا يجوز توجيهها بالنسبة لأهلية الخصم.
ب- ألا تكون الواقعة غير مشروعة. ويستوي أن تكون الواقعة غير مشروعة جنائياً بتكوينها فعلاً جنائياً، أو غير مشروعة لمخالفتها للنظام العام ( 115/ 1 إثبات) أو للآداب العامة. وعلة عدم جواز تحليف اليمين هنا هو تجنب وضع الحالف في مركز يدفعه إلى الكذب. إذ هو لو صدق في يمينه فإنه يتعرض لتحمل العقوبة أو المسئولية الأدبية.
جـ- أن تكون الواقعة متعلقة بشخص من يوجه إليه اليمين ( 115/ 1 إثبات)، بأن تكون واقعة أو عملاً قام به. فبهذا وحده يستطيع تأكيد حقيقة الواقعة التي يحلف عليها. فإن لم تكن كذلك، فلا يجوز إلا توجيه اليمين على علمه أو عدم علمه بالواقعة وليس بشأن حقيقتها. وهذا اليمين الأخير يسمى يمين العلم. ولهذا فإنه إذا وجه اليمين إلى ممثل الخصم، فإن هذا الممثل لا يحلف إلا على ما يتصل بشخصه هو دون ما يتصل بشخص الخصم)، إلا أن تكون يمين علم.
د- أن تكون الواقعة محل اليمين حاسمة بالنسبة للمسألة محل النزاع في الخصومة، أو بالنسبة لجزء منها، وان لم تحسم الفصل في الدعوى برمتها.
وإذا توافرت هذه الشروط، فإنه يمكن توجيه اليمين الحاسمة أياً كانت قيمة الواقعة محل اليمين، وأياً كان الدليل الذي لدي موجه الطلب ما دام لم يؤد إلى إثبات هذه الواقعة.
ويجب على من يوجه اليمين الحاسمة أن يبين في طلبه بدقة الوقائع التي يريد استحلاف خصمه عليها، ويذكر بوضوح صيغة اليمين التي يريده حلفها (122 إثبات). ويجب أن تنصب هذه الصيغة على الواقعة المطلوب الحلف عليها، وإلا كان للمحكمة تعديلها (123 إثبات). ويمكن طلب توجيه اليمين في أية حالة كانت عليها القضية ولو في الاستئناف (115 إثبات فقرة أخيرة).
كما يمكن للخصم طلب اليمين على سبيل الاحتياط، فالخصم الذي يقدم أدلة إثبات ثم يقول أنه على سبيل الاحتياط إذا لم تكن هذه الأدلة كافية فإنه يطلب اليمين الحاسمة يقبل منه هذا. فينظر القاضي في الأدلة التي قدمها فإن لم تكون اقتناعه فإنه يقبل طلب الخصم توجيه اليمين الحاسمة.
ويوجه اليمين من أحد الخصمين إلى الآخر. وإذا تعدد الخصوم فى الدعوى، وكان موضوع الحلف غير قابل للتجزئة، فيلزم توجيه اليمين إلى جميع الخصوم فيه.
ويترتب على توجيه اليمين سقوط حق موجهها في أي دليل آخر (117 إثبات).
يمين الاستيثاق : أحياناً ينص القانون على تقادم قصير لبعض الديون. ولما كان التقادم قرينة على وفاء المدين للدين، ولأن ما تدل عليه القرينة هناك إحتمال - بسبب قصر مدة التقادم - لعدم تحققه، فقد رأى القانون لكي يطمئن إلى مطابقة القرينة للواقع أن يكملها بيمين يحلفها المدين بأنه قد وفى الدين. وهذا اليمين يعرف بيمين الاستيثاق. ومثاله ما تنص عليه المادة 378 مدني على أنه «يجب على من يتمسك بأن الحق قد تقادم بسنة أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً». وأضاف النص، أن القاضي يوجه هذه اليمين من تلقاء نفسه إلى المدين أو ورثته، بأنهم لا يعلمون بوجود الدين أو يعلمون بحصول الوفاء. فاليمين التي توجه إلى الورثة تكون يمين علم.
وإذا حلف الخصم يمين الاستيثاق فإنه، كما هو الحال في اليمين التكميلية، يحكم وفقاً ليمينه.(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني، الصفحة : 231)
توجيه اليمين الحاسمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى: ويتبين من نص التقنين المدنى المصرى المتقدم الذكر أنه يمكن توجيه اليمين الحاسمة في أية حالة كانت عليها الدعوى، إلى أن يصدر حكم نهائي، ذلك أن اليمين الحاسمة طريق من طرق الإثبات، فيمكن الالتجاء إليه بعد تقديم أوجه إثبات أخرى، بل يجوز بعد إقفال باب المرافعة طلب إعادة فتحها وتوجيه اليمين الحاسمة، ولكن لا يجوز للخصم توجيهها بعد أن يكون قد قبل من خصمه الإثبات بالبينة.
ويجوز توجيه اليمين الحاسمة لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية، في أية حالة كانت عليها الدعوى، على الوجه المتقدم الذكر.
ولكن لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة لأول مرة أمام محكمة النقض.
يجوز توجيه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط : يحسن هنا أن نميز بين فروض ثلاثة حتى لا يقع لبس فيما بينها، ولا يختلط بعضها ببعض :
الفرض الأول أن يقدم الخصم أدلة على ادعائه، فيفحصها القاضي ولا يقتنع بها. وإذ عرف الخصم منه ذلك، ينزل عما قدم من أدلة، ويقتصر على توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه. وهذا دون شك جائز. وقد قدمنا أنه يجوز للخصم أن يلتجئ إلى اليمين الحاسمة بعد أوجه إثبات أخرى، وأمام محكمة الاستئناف، بل يجوز طلب إعادة القضية إلى المرافعة لتوجيه اليمين الحاسمة.
والفرض الثاني أن يوجه الخصم اليمين الحاسمة إلى خصمه، ويقول إنه يوجهها ابتداء حتى إذا حلفها الخصم فإنه يحتفظ لنفسه بالحق في تقديم أدلة أخرى. وهذا دون شكل غير جائز، فإنه متى حلف الخصم اليمين، خسر من وجهها إليه دعواه، ولا يسمح له بالرجوع إلى هذه الدعوى على أية صورة كانت كما سنرى. بل إن مجرد قبول الخصم لحلف اليمين الموجهة إليه تمنع من وجه اليمين من الرجوع في توجيهها، ومن ثم تمنعه من التقدم بأدلة أخرى.
والفرض الثالث أن يقدم الخصم أدلة على ادعائه، ويقول إنه على سبيل الاحتياط، في حالة ما إذا لم يقتنع القاضي بهذه الأدلة، يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه، وهذا هو توجيه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط، وهو الفرض الدقيق الذى نقف قليلاً عنده. ونذكر بادئ ذي بدء أن الخصم قد يجد نفسه فى حاجة إلى هذا الاحتياط. فقد يكون الحكم الذى يوشك أن يصدر فى دعواه حكماً نهائياً – بأن كانت الدعوى أمام المحكمة الاستئنافية أو كانت مما لا يجوز الاستئناف فيه – وقد قدم ما وسعته الطاقة أو يقدمه من الأدلة وهو فى شك من مبلغ اقتناع القاضي بها. فيخشى، إن هو ترك القاضي يفصل فى الدعوى بحالتها هذه، أن يصدر حكم نهائي برفضها، فلا يستطيع بعد ذلك أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه. لذلك لا يرى له بداً من الاحتياط يطلب، فى حالة ما إذا لم يقتنع القاضي بالأدلة المقدمة، أن تعاد القضية إلى المرافعة لتوجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه. فطلبه إعادة القضية إلى المرافعة ليس طلباً منجزاً كما هى الحال فى الفرض الأول، بل هو طلب معلق على شرط عدم اقتناع القاضي بالأدلة المقدمة. وقد كان تقنين المرافعات السابق يقضي فى المادة 166 / 187 بأنه لا يجوز التكليف من باب الاحتياط باليمين الحاسمة لأن التكليف بتلك اليمين يفيد ترك ما عداها من أوجه الثبوت للمادة المراد الاستلاف عليها انظر أيضاً المادة 255 / 290 من التقنين المدني السابق. وكان يمكن حمل هذا النص على الفرض الثاني دون الفرض الثالث، فلا يجوز للخصم أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه ابتداء، مع الاحتفاظ لنفسه، على سبيل الاحتياط في حالة حلف الخصم لليمين، بالحق في تقدم أدلة أخرى، ذلك أن التكليف باليمين الحاسمة يفيد ترك ما عداها من أوجه الثبوت الأخرى. ولكن القضاء حمل النص على الفرضين معاً، وحرم على الخصوم أن يوجه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط فى أية صورة من الصورتين، وشاءت صدفة طيبة أن تقنين المرافعات الجديد طلع دون أن يشتمل على نص مماثل للمادة 166 / 187 من تقنين المرافعات السابق، بحجة أن هذا النص – كما تقول المذكرة التفسيرية لهذا التقنين – يقرر حكماً موضوعياً محله التقنين المدني. وطلع التقنين المدنى الجديد خالياً هو أيضاً من هذا النص ومن النص الآخر الذى كان يشتمل عليه التقنين المدنى السابق، إذ كانت المادة 225 / 290 تقضي بأن التكليف باليمين يؤخذ منه أن طالبها ترك حقه فيما عداها من أوجه الثبوت. فالنص الذى كان القضاء يستند إليه في تحريم الفرض الثالث هو الآن غير موجود في التشريع المصري. فلا مناص إذن من الرجوع إلى القواعد العامة.
وهذه تحرم دون شك – كما قدنا – الفرض الثاني من الفروض الثلاثة السالفة الذكر. أما الفرض الثالث فلا تثريب على الخصم فيه، فهو يقدم أدلته، ويطلب فى الوقت ذاته توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه إذا لم تقتنع المحكمة بهذه الأدلة. وما دام يستطيع أن يوجه اليمين الحاسمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى إلى أن يصدر حكم نهائي، ففي الفرض الذى نحن بصدده لم يصدر حكم نهائي، فيجوز له إذن أن يوجه اليمين الحاسمة فى هذه الحالة من حالات الدعوى.
لا توجه اليمين الحاسمة لمسألة من مسائل القانون : ونذكر منذ البداية أن اليمين الحاسمة لا يجوز أن توجه إلا فى واقعة قانونية، أي في مسألة من مسائل الواقع، لا في مسألة من مسائل القانون. ذلك أن استخلاص حكم القانون من شأن القاضي وحده لا من شأن الخصوم، وقد قدمنا أن هؤلاء لا يكلفون بإثبات مسائل القانون. واليمين الحاسمة في هذه الناحية كالإقرار.
توجه اليمين الحاسمة في واقعة قانونية محددة أياً كانت قيمتها : فلا توجه اليمين الحاسمة إذن إلا لمسالة من مسائل الواقع واقعة قانونية محددة واضحة. ويجب على من يوجه اليمين أن يضع صيغتها، بحيث يبين بعبارة واضحة دقيقة الواقعة التى يريد استحلاف خصمه عليها. فإذا رأي القاضي أن الصيغة بعوزها الوضوح أو الدقة، كان له أن يعدل فيها حتى تتحدد الواقعة المطلوب الحلف عليها. وفى هذه الحالة لا توجه اليمين إلا بعد أن يوافق الخصم الذى وضع الصيغة الأولى على التعديل الذي أدخل فيها، فقد يكون هذا التعديل من شأنه أن يحور الصيغة تحويراً يجعلها تنصرف إلى معنى غير الذى أراده، فلا يرضى بتوجيه اليمين على هذا النحو، وقد قدمنا أن توجيه اليمين تحكيم من جانب الخصم لا من جانب القاضي.
ويصح توجيه اليمين الحاسمة فى أية واقعة قانونية، أياً كانت قيمتها، حتى لو جاوزت هذه القيمة نصاب البينة وليس عند المدعي كتابة تثبت مدعاه. فيستطيع، وقد عجز عن تقديم الدليل الكتابى الذى يتطلبه القانون، أن يوجه إلى خصمه اليمين الحاسمة، وهى آخر ملجأ له في هذه الحالة. أما إذا كان عنده مبدأ ثبوت بالكتابة، فهو لا يوجه اليمين الحاسمة إلا إذا عجز عن استكمال دليله بالبينة أو القرائن. فإن استطاع ذلك، أو استطاع إقناع القاضي باستكمال الدليل عن طريق توجيه اليمين المتممة إليه هو، فإنه حينئذ لا يلجأ إلى توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه بعد أن توافر لديه الدليل على حقه.
- عدم مخالفة الواقعة للنظام العام : ويجب أن تكون الواقعة التى يطلب الحلف عليها غير مخالفة للقانون أو النظام العام أو الآداب. ذلك أن توجيه اليمين تحكيم، كما قدمنا، وهو الإقرار فى هذا سيان. وقد نصت المادة 819 من تقنين المرافعات على أنه " لا يصح التحكيم إلا ممن له التصرف فى حقوقه، ولا يصح التحكيم فى نزاع يتعلق بالأحوال الشخصية أو الجنسية ولا فى المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ". ومن ثم لا يجوز توجيه اليمين في وصية تزيد على الثلث ولا في هبة عقار لم تكتب في ورقة رسمية لأن الواقعة تخالف القانون. ولا يجوز توجيه اليمين في النسب ولا في الجنسية لأن هذا يخالف النظام الآداب. وقس على ذلك عدم جواز توجيه اليمين في دعوى يدفع فيها بالتقادم إذا لم يكن مبيناً على افتراض الوفاء، أن يدفع بعدم جواز سماعها لحجية الأمر المقضي، أو يطلب فيها إثبات التزام طبيعي مع الحكم بتنفيذه، أو إثبات اتفاق على ربا فاحش،ولا يجوز توجيه اليمين على واقعة تكون جريمة جنائية تأسيساً على أنه لا يصح أن يكون النكول عن اليمين دليلاً على ارتكاب الجريمة ولا يجوز احراج مركز الخصم وتحليفه مدنياً على ما لا يجوز التحليف عليه جنائياً.
ولكن إذا وجهت اليمين من الشخص الذي كان ضحية الواقعة غير المشروعة لإثبات هذه الواقعة وترتيب حكم القانون عليها، فإن هذا يجوز، فيجوز للمقترض أن يوجه اليمين إلى المقرض ليحلف على أن مبلغ القرض الذي يطالب به لا يشتمل على فوائد ربوية فاحشة، ويجوز للمدين بسند أن يوجه اليمين إلى الدائن ليحلف على أن سبب الدين ليس سبباً غير مشروع كمقامرة أو رهان.
- يجب أن تكون الواقعة حاسمة في الدعوى : ولا توجه اليمين الحاسمة إلا في واقعة حاسمة في الدعوى ذلك أن مهمة هذه اليمين - كما هو ظاهر من اسمها – هى حسم النزاع. وهى بمجرد توجيهها إلى الخصم تقرر مصير الدعوى. فإذا حلفها خسر المدعي دعواه، وإذا نكل أجيب المدعي إلى طلباته، وإذا ردها وحلف المدعي كسب الدعوى، أو ردها ونكل المدعي خسر الدعوى. فعلى أي وجه من الوجوه تنتهى اليمين الحاسمة، فإن النزاع لابد أن ينحسم بها. ومن ثم لا يجوز توجيهها إلى في الواقعة التي ينحسم بها النزاع. فلا يجوز توجيهها بالنسبة إلى الطلبات الأصلية مع احتفاظ المدعي بالحق، إذا حلف المدعى عليه، فى تقديم طلبات احتياطية. ولا يجوز توجيهها من المقترض إلى المقرض فى أن القرض لا يشتمل على فوائد ربوية إذا كان المقترض يطلب الحكم برفض الدعوى أصلاً لأن القرض لم يتم. وغنى عن البيان أن الواقعة الحاسمة فى الدعوى يجب أن تكون الواقعة الأساسية فيها، فلا يصح توجيه اليمين في واقعة لا تدخل فى نطاق الدعوى. مثل ذلك أن ينكر المدعي عليه أنه اقترض المبلغ الذى يطالبه به المدعي، فلا يجوز توجيه اليمين من المدعى عليه أنه وفي بهذا المبلغ، ما دام المدعي عليه يقول إنه غير مدين أصلاً، فلم تدخل واقعة الوفاء في نطاق ما يدفع به دعوى المدعي ولا يصح توجيه اليمين فى موضوع الدعوى أمام القضاء المستعجل لأن هذا القضاء لا شأن له بالبت في الموضوع، ولكن إذا وجهت اليمين فى واقعة تدخل في اختصاص القضاء المستعجل أمام هذا القضاء صح ذلك.
وكون الواقعة التي توجه فيها اليمين داخلة فى الدعوى وحاسمة فيها مسألة واقع لا مسألة قانون، ومن ثم لا رقابة لمحكمة النقض عليها.
تعلق الواقعة بشخص من وجهت إليه اليمين – يمين عدم العلم : ويجب أخيراً أن تكون الواقعة متعلقة بشخص من توجه إليه اليمين، فلا يجوز أن توجه لخصم عن وقائع لا تتعلق بشخصه، فلا إذا أريد تحليفه على عدم علمه بهذه الوقائع. فلا توجه اليمين إلى صاحب السيارة على أن السائق لم يرتكب خطأ كان سبباً فى الحادث الذى وقع إذا لم يكن صاحب السيارة وقت وقوع الحادث مستصحباً للسائق، وإنما يحلف صاحب السيارة على أنه لا يعلم أن السائق ارتكب خطأ. كذلك لا توجه اليمين إلى وارث على أن مورثه غير مدين بالحق المدعى به، ولكن يجوز أن يطلب من الوارث أن يحلف على أنه لا يعلم أن مورثه مدين بهذا الحق، وهذا هو غاية ما يستطيع أن يحلف عليه.
وفي الحالتين المتقدمتى الذكر إنما يحلف الخصم على عدم العلم لا على البتات، لأنه يحلف على فعل غيره لا على فعل نفسه، كما يقول التقنين المدني العراقي في الفقرة الأولى من المادة 479، ولذلك سميت هذه اليمين بيمين عدم العلم وهي غير يمين الاستيثاق التي سيرد ذكرها عند الكلام فى اليمين المتممة، وإن كان يقع الخلط بينهما كثيراً، فيمن عدم العلم يمين حاسمة ويمين الاستيثاق الراجع فيها أنها يمين متممة.(الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني المجلد الأول، الصفحة : 697)
أولاً : شروط قبول توجيه اليمين الحاسمة:
ضمن الشرطين اللذين يتعين على القاضي أن يستوثق من توافرهما لقبول اليمين الحاسمة.
الشرط الأول : الواقعة:
يتعين أن ترد اليمين على واقعة قانونية لا على مسألة من مسائل القانون حكمها من هذا الوجه حكم الإقرار ذلك أن استخلاص الآثار القانونية التي تترتب على الواقع من شأن القاضي ولكن اليمين وهي بطبيعتها حاسمة يجب أن يترتب عليها قطع النزاع فيشترط لقبولها والحال هذه أن تكون متعلقة لا بمجرد واقعة من الوقائع فحسب بل واقعة يتوقف عليها الفصل نهائياً في النزاع وإلا كانت غير حاسمة، ولذلك نص تقنين المرافعات المصري في المواد 184/163 على إلزام الخصم الذي يوجه اليمين بعرض صيغتها في عبارات واضحة دقيقة.
الشرط الثاني : تعلق الواقعة بالشخص :
ويجب أن تكون الواقعة متعلقة بشخص من توجه اليمين إليه لأن خصمه يحتكم إلى ذمته وبديهي أن من توجه إليه الدعوة للاحتكام لا يستطيع الحلف أو تأكيد صحة الواقعة ما لم تكن متعلقة بشخصه ويتفرع على ذلك:
أ) أن اليمين التي يوجهها أحد الخصوم يجب أن تكون منصبة على ادعاء الخصم الآخر.
ب) وأن اليمين لا يؤديها وكيل أي أنها لا توجه إلى وكيل بشأن واقعة خاصة بالموكل.
يمين العلم أو (الاستيثاق):
وقد استثنى المشرع من عموم القاعدة المتقدمة حالة العلم فأجاز توجيه اليمين «أو على أية واقعة أخرى إذا انصب اليمين على مجرد العلم بهذه الواقعة» والواقع أن هذه العبارة تنطوي على معنى الاستثناء من حكم القاعدة العامة المقررة بشأن وجوب تعلق الواقعة بشخص من توجه اليمين إليه لأن اليمين وفقاً لهذه القاعدة لا يجوز أن توجه إلى ورثة المتوفى بالنسبة للوقائع المتعلقة بشخص المورث وقد أريد من العبارة المتقدمة إلى إقرار (يمين الاستيثاق) بالنسبة للورثة وهي تتعلق بعلم هؤلاء الورثة بشئون المورث وقد جرى القضاء المصري على توجيه هذه اليمين.
ثانياً : نطاق تطبيق اليمين:
أما بالنسبة لنطاق تطبيق اليمين فالأصل في اليمين جواز توجيهها بشأن أي نزاع مدني شأنها في ذلك شأن الإقرار لأن اليمين والإقرار يعتبران من قبيل طرق الإثبات غير العادية التي يقصد منها إلى سد نقص الدليل عند انتفائه ويتفرع على ذلك أنه يجوز توجيه اليمين.
أ) في أية حالة كانت عليها الدعوى.
ب) وفي أية دعوى ولو كانت قيمة المدعى به تجاوز نصاب الإثبات بالبينة ولو قصد بها نقض الثابت بالكتابة أو ادعاء الإضافة إليه، على أن هذه القاعدة لا تجري على إطلاقها وذلك نص المشرع بیان الاستثناءات فنص على عدم جواز توجيه اليمين بشأن واقعة تخالف النظام العام فلا يجوز توجيه اليمين مثلاً بشأن واقعة جنائية فاليمين قاصرة على المنازعات المدنية ولا تقبل قط في المسائل الجنائية ولو فيما يتعلق بالدعوى المدنية وقد أقر الفقه والقضاء الاستثناءات الآتية ولم يجز توجيه اليمين:
أ) لإقامة الدليل على تصرف يشترط لوجوده شكل خاص لأن الكتابة لا تكون في هذه الحالة دليلاً فحسب بل تكون شرط من شروط الصحة.
ب) للمنازعة في البيانات التي يلحق بها وصف الرسمية في محرر رسمي لأن الدليل العكسي لا يقام إلا من طريق الطعن بالتزوير.
ج) النقض دلالة قرينة قانونية مؤسسة على النظام العام.(مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثالث ص 449 وما بعدها).
ثالثاً : هل يمكن أن يطلب توجيه اليمين كطلب احتياطي؟
لاشك أن المشرع قد اعتبر اليمين وسيلة أخيرة يلجأ إليها المدعي عندما يعوزه الدليل فيجوز له أن يلجأ إليها على سبيل الاحتياط إذا كان لا يطمئن كل الاطمئنان إلى ما لديه من أدلة فيكون على المحكمة أن تبحث أدلة الخصم لتقضي بموجبها إن وجدتها كافية فإن لم تقتنع بها تعين عليها أعمال طلب توجيه اليمين أي لا تلجأ إلى هذه الوسيلة الأخيرة إلا بعد أن تقتنع بعدم كفاية الأدلة الأخرى. (الدكتور سليمان مرقص في أصول الإثبات وإجراءاته الجزء الأول ص 642 ).
ويقول المستشار أحمد نشأت أن اليمين هي الملجأ الأخير لصاحبها ولم تشرع إلا لذلك عندما يرى أنه عاجز عن إثبات دعواه فلا يصح أن تحرمه من تقديمها على سبيل الاحتياط وهذا لا يمنع من اعتبارها حاسمة مادام الخصم يوجهها على أنها كذلك (رسالة الإثبات الطبعة السابعة الجزء الثاني ص 138 )، أما إذا كان الخصم يوجهها من باب الاحتياط أي مع الاحتفاظ بتقديم أقوال أو أدلة أخرى بعد أدائها ويتحقق هذا الفرض عندما يوجه الخصم اليمين الحاسمة إلى خصمه ويقول أنه يوجهها ابتداء حتى إذا حلفها الخصم فإنه يحتفظ لنفسه بالحق في تقديم أدلة أخرى فإن هذا دون شك غير جائز فإنه إذا حلف الخصم اليمين خسر من وجهها إليه دعواه ولا يسمح له بالرجوع إلى هذه الدعوى على أية صورة كانت (قواعد المرافعات للعشماوي الجزء الثاني ص 621 وهامش 622 ) ويفرق الدكتور السنهوري بين فروض ثلاثة:
الفرض الأول: أن يقدم الخصم أدلة على ادعائه فيفحصها القاضي ولا يقتنع بها وإذا عرف الخصم منه ذلك ينزل عما قدم من أدلة ويقتصر على توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه هذا دون شك جائز ومن ثم يجوز للخصم أن يلتجئ إلى اليمين الحاسمة بعد أوجه إثبات أخرى وأمام محكمة الاستئناف بل يجوز طلب إعادة القضية إلى المرافعة لتوجيه اليمين الحاسمة.
الفرض الثاني : في أن يوجه الخصم اليمين الحاسمة إلى خصمه ويقول أنه يوجهها ابتداء حتى إذا حلفها الخصم فإنه يحتفظ لنفسه بالحق في تقديم أدلة أخرى وهذا دون شك غير جائز فإنه متى حلف الخصم اليمين خسر من وجهها إليه دعواه ولا يسمح له بالرجوع إلى هذه الدعوى على أية صورة كانت بل أن مجرد قبول الخصم لحلف اليمين الموجهة إليه تمنع من وجه اليمين من الرجوع في توجيهها ومن ثم تمنعه من التقدم بأدلة أخرى.
الفرض الثالث: أن يقدم الخصم أدلة على ادعائه ويقول أنه على سبيل الاحتياط في حالة ما إذا لم يقتنع القاضي بهذه الأدلة يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه وهذا توجيه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط وفي هذا الفرض لا تثريب على الخصم فيه أن يقدم أدلته ويطلب في الوقت ذاته توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه إذا لم تقتنع المحكمة بهذه الأدلة وما دام يستطيع أن يوجه اليمين الحاسمة في أية حالة كانت عليها الدعوى إلى أن يصدر حكم نهائي وفي هذا الفرض لم يصدر حكم نهائي فيجوز له إذن أن يوجه اليمين الحاسمة في هذه الحالة من حالات الدعوى. الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 689 وما بعدها).
رابعاً : تعدد المكلفون بالإثبات في دعوى واحدة:
إذا تعدد المكلفون بالإثبات في دعوى واحدة وطلب أحدهم توجيه اليمين الحاسمة وحده دون باقي زملائه فإنه عندئذ لا يضار هؤلاء بحلف اليمين ولا يفيدوا من النكول عنها أو حلفها من جانب الأول ويلاحظ أن المدين المتضامن يفيد مما قد يجنبه مدين متضامن آخر نتيجة توجيه اليمين الحاسمة أو نتيجة حلفها إنما لا يضار مما يضر هذا المدين في هذا الصدد وذلك عملاً بالأصل العام في القانون المدني من أن المدين المتضامن يمثل زميله فيما ينفعه ولا يمثله فيما يضر بمصلحته.
وذلك تطبيقاً للمادة 295 من القانون المدني والتي تنص على أنه :
1) إذا أقر أحد المدينين بالدين فلا يسري هذا الإقرار في حق الباقين.
2) وإذا نكل أحد المدينين المتضامنين على اليمين أو وجه إلى الدائن يميناً حلفها فلا يضار بذلك باقي المدينين.
3) وإذا اقتصر الدائن على توجيه اليمين إلى أحد المدينين المتضامنين فحلف فإن المدينين الآخرين يستفيدون من ذلك. (الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات الطبعة الثانية ص 314).
خامساً : لمن توجه اليمين في حالة تعدد الخصوم في الدعوى:
قد لا يكون الحق موضوع النزاع مدعي به قبل خصم واحد بل أكثر فأيهم توجه إليه اليمين؟ لاشك في أنه يجب توجيهها لمن يؤثر فيه له أو عليه الحلف أو النكول. المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة الجزء الثاني ص 81).
سادساً : هل يجوز توجيه اليمين للوصي والقيم ووكيل الغائب؟
جاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 أن المشروع قد أضاف في المادة 115 منه فقرة جديدة إلى المادة 411 المقابلة لها من القانون المدني القائم تجيز توجيه اليمين الحاسمة من الوصي أو وكيل النائب فيما يجوز لهم التصرف فيه وذلك حسماً للخلاف القائم في هذا الشأن كما جاء بتقرير لجنة الشئون التشريعية بمجلس الأمة أن المشرع قد نص كذلك على جواز أن يوجه الوصي أو القيم أو وكيل النائب اليمين الحاسمة فيما له التصرف فيه في الفقرة الثالثة من المادة 115 منه المنقولة عن المادة 411 من القانون المدني ولما كان توجيه اليمين الحاسمة هو من قبيل الترك والصلح والاحتكام المطلق إلى ذمة الخصم فإن المفروض أن يملك الوصي أو القيم أو وكيل النائب الصلح والإيراد والإقرار في المسألة التي يوجه فيها اليمين وهذا المراد من عبارة «فيما يجوز له التصرف فيه» مما لا يجوز لهم الإبراء منه ولا الإقرار ولا الصلح لا يجوز لهم توجيه اليمين فيه.(الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015 دار محمود، المجلد : الثاني، الصفحة : 328)
موضوع اليمين واقعة يدعيها المدعي وينكرها المدعى عليه ويترتب على ثبوتها حق معين، ويجوز أن يكون هذا الحق موضوع اليمين مباشرة فيطلب المدعي من المدعى عليه مثلاً أن يحلف بأنه ليس مديناً له بمبلغ معين ولكن لا يجوز أن يكون موضوع اليمين حكماً قانونياً لأن تطبيق حكم القانون من عمل القاضي الذي لا يتقيد فيه بتكييف الخصوم الواقعة القانونية ويجوز توجيه اليمين في جميع المواد المدنية، سواء كانت مما يقبل فيه الإثبات بالبينة، أو مما يجب إثباته بالكتابة بل يجوز أن يكون موضوع اليمين أمرا يخالف ما هو ثابت بدليل كتابي أو يجاوز ما ثبت بالكتابة فيما عدا ما لا يجوز الطعن فيه إلا بالتزوير، فيجوز تحلیف من يتمسك بورقة رسمية أو عرفية على أن هذه الورقة ليست صورية كذلك يجوز أن يكون موضوع اليمين أمراً يخالف قرينة قضائية أو قرينة قانونية غير قاطعة كقرينة اعتبار الوفاء بقسط من الأجرة دليلاً على الوفاء بالأقساط السابقة أو قرينة قانونية قاطعة إلا أنها غير متعلقة بالنظام العام كقرينة الوفاء التي بني عليها تقادم بعض الديون بالمدد القصيرة والمنصوص عليها في المادة 271 مدني وما بعدها، غير أنه لا يجوز أن يكون موضوع اليمين واقعة مخالفة للقانون أو النظام العام أو الآداب، وثم لا يجوز توجيه اليمين في هبة عقار له تكتب في ورقة رسمية لأن هذا يخالف القانون ولا في النسب أو الجنسية لأن هذا يخالف النظام العام ولا في إيجار منزل للدعارة أو المقامرة لأن هذا يخالف الآداب ويجب في جميع الأحوال أن يكون موضوع اليمين واقعة شخصية منتجة في الدعوى وحاسمة للنزاع، وتعتبر الواقعة شخصية إذا كانت متعلقة بشخص من وجهت إليه اليمين ويكون التحليف في هذه الحالة على أمر قاطع بات ويجوز تحلیف الشخص على نفي علمه بواقعة متعلقة بشخص غيره كتحليف الوارث على نفي علمه بواقعة متعلقة بمورثه لأن علم الحالف أو عدم علمه شيئ معين أمر متعلق بشخصه وتسمى اليمين في هذه الحالة يمين العلم وهي أيضا يمين حاسمة فيجوز توجيه اليمين للوارث المذكور على نفسي علمه بعته مورثه، غير أنه إذا كانت الواقعة مما يتوافر علمه عند المورث وحده كالحيض عند المرأة فلا يجوز تحلیف الوارث على عدم العلم.
ولا يجوز توجيه اليمين على أحد شقي الإقرار المركب غير القابل للتجزئة، كما لو أقر المدعى عليه بافتراض مبلغ ألف جنيه وبأنه سدد منه 500 جنيه، فلا يجوز تحليفه على أنه لم يقترض مبلغ الألف جنيه لأن اليمين في هذه الحالة تحرمه من مزية عدم تجزئة الإقرار المركب.
وإذا كانت الواقعة المطلوب تحليف اليمين عليها مخجلة أو ماسة بكرامة الخصم الذي توجه إليه اليمين إلا أنها في الوقت ذاته لا تخالف النظام العام فإن ذلك لا يبرر في ذاته منع توجيه اليمين إليه. والقاعدة إن كان ما يجوز إقرار الخصم به يجوز فيه توجيه اليمين عند إنكاره وكل ما لا يجوز إقراره به لا تلزمه اليمين في حالة إنكاره.
ويقدر قاضي الموضوع توافر الشروط الثلاثة المتقدمة في الواقعة المطلوب الحلف عليها ولا يخضع في هذا التقدير لرقابة محكمة النقض، غير أن تقدير مخالفة موضوع اليمين للنظام العام أو عدم مخالفته يعتبر مسألة قانونية يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض، وكذلك تقدير القاضي النتائج القانونية للواقعة موضوع الحلف ليرتب عليها قضاءه بقبول توجيه اليمين أو برفضها.
وفي حالة ما إذا نازع الخصم المطلوب توجيه اليمين إليه في عدم توافر الشروط السابقة فيها كما إذا واجهها بأن الواقعة المنطبق عليها اليمين لا تتعلق بشخصه أو إنها غير منتجة في الدعوى أو غير حاسمة للنزاع، فإنه يتعين على المحكمة أن تفصل في منازعته وأن توجه اليمين أو غير حاسمة للنزاع، فإنه يتعين على المحكمة أن تفصل في منازعته وأن توجه اليمين أو لا توجهها على مقتضى ما تنتهي إليه وأن تحدد جلسة لحلفها إن رأت توجيهها إليه ولا يجوز اعتباره ناکلاً قبل الفصل في هذه المنازعة.
وتعتبر الواقعة منتجة في الدعوى إذا كان يمكن القضاء بها وهي لا تكون كذلك إذا كانت عملاً قانونياً مما يوجب القانون صبه في شكل خاص كالهبة أو كانت واقعة مما أثبته موظف عام في محرر رسمي باعتبار أنه قام به بنفسه أو عاينه شخصياً، إذ لا يجوز تكذيب الموظف في ذلك إلا عن طريق الطعن بالتزوير أو كانت واقعة مخالفة لقرينة قانونية قاطعة متعلقة بالنظام العام أو لقاعدة موضوعية فلا يجوز توجيهه اليمين لدحض حجة الشئ المحكوم فيه أو لمخالفة قاعدة التقادم المكسب، أو إذا كان محل اليمين حقاً يقضي النظام العام بعدم جواز التنازل عنه كالحق في ثبوت النسب.
ويعتبر موضوع اليمين حاسماً إذا كان يؤدي إلى الفصل في النزاع أو في دفع موضوعي فيه بحيث ينهي الخصومة كلها أو فرعاً منها، لذلك لا يجوز توجيه اليمين إذا كانت تنصب على دليل في الدعوى لا على جوهر النزاع ولا يجوز توجيهها بالنسبة إلى الطلبات الأصلية في الدعوى مع حفظ الحق في طلبات احتياطية ولا يجوز توجيهها إلى الدائن الحاجز وحده في دعوى استرداد إذ اليمين ليست حاسمة في هذا الشأن لأن ملكية المحجوزات يتنازعها شخص آخر هو المدين إلا إذا كان المدين قد سلم للمدعي بملكيته للمحجوزات.
ولا يجوز توجيه اليمين الحاسمة لإثبات تصرف قانوني يعارض حجية حكم حائز لقوة المقضي، فإذا رفع المشترى دعوى طالباً صحة ونفاذ العقد الصادر إليه من البائع، فقضت المحكمة برفض الدعوى استناداً إنه لم يقم بتنفيذ التزامه بسداد الثمن وأصبح هذا الحكم نهائياً، فإنه لا يجوز للمشتري بعد ذلك في دعوى تالية أن يدفع بانقضاء الالتزام بدفع الثمن بأي طريق آخر كالتجديد مثلاً، ولا يقبل منه إثبات هذا الادعاء بأي طريق آخر ولو كان اليمين الحاسمة.
ويشترط فيما توجه فيه اليمين الحاسمة ما يشترط في سائر الوقائع التي ترد عليها الإثبات وبخاصة أن تكون واقعة متنازعاً فيها ومتعلقة بالدعوى ومنتجة فيها، فلا يجوز توجيه اليمين عن الواقعة التي أقر بها الخصم.
ويجوز توجيه يمين العلم إلى أي شخص عن واقعة لا تتعلق به ما دامت تتوافر فيها الشروط اللازمة لتوجيه اليمين وبخاصة كونها حاسمة، وعلى ذلك يجوز تحليف النائبين عن غيرهم - على اختلاف صفاتهم - على وقائع لم تحدث منهم شخصياً ولكن منسوبة إلى الأصلاء على أن يكون تحليفهم على علمهم أو عدم علمهم فقط بحدوث تلك الوقائع من الأصلاء.
والقاعدة أن اليمين تكون على البتات إذا وجه اليمين لأحد على فعل نفسه، أو على فعل غيره وادعى أنه عالم بذلك الفعل، أما إذا وجه إليه اليمين على فعل غيره وأنكر علمه به فيحلف على عدم العلم فقط.
فإذا أنكر شخص واقعة منسوب إليه صدورها منه، وجب أن يكون حلفه على البتات، أي أنها لم تصدر منه. وإذا كانت الواقعة منسوباً صدورها إلى غير الخصم واعترف هذا بعلمه بصدورها من غير ذلك الغير، ثم دعا وأنكر، كلف الخصم المذكور بالحلف على البتات أيضاً، ومثل ذلك أن يعرف الوكيل بأن الموكل قبض الدين ثم ينكر الموكل القبض، فيرجع الوكيل فيما يقرره، فيكون تحليف الأخير على البتات، أي على أن الموكل ما قبض و يكتفي منه بأن يحلف على أنه يعلم أن الموكل قبض الدين.
أما إذا أنكر الخصم من أول الأمر علمه بالواقعة المنسوبة إلى غيره، فإنه يحلف على عدم العلم، أي أنه لا يعلم بحصول تلك الواقعة من الغير، كما لو أدعى بدين على المورث وأنكر الورثة علمهم بهذا الدين فيحلفون جميعاً على عدم علمهم بمديونية مورثهم للمدعي في هذا الدين، ولا يكتفي بحلف أحدهم أو بعضهم لأن ما يخفي علمه على بعضهم يكون قد وصل إلى علم الآخرين.
وقد سبق أن ذكرنا إنه إذا كانت الواقعة مما يتوافر علمها عن المورث وحده دون الورثة كالحيض عند المرأة، فلا يجوز تحلیف الورثة حتى على عدم العلم.
ويبين مما تقدم أن عدم جواز التحليف البتات في الواقعة المتعلقة بغير الخصم يتوقف على موقف الخصم من هذه الواقعة، فإذا أنكرها ابتداء لم يجز تحليفه إلا على عدم العلم بها، أما إن اعترف بها ثم أنكرها فكون تحليفه على البتات.
ونظراً لأن اليمين على البتات أقوى من اليمين على عدم العلم، ففي كل موضع لا تجوز فيه إلا اليمين على عدم العلم، يكون الحلف على البتات جائزاً وصحيحاً ويعتبر أداء لليمين الموجهة ويترتب عليه آثار الحلف، وإذا وجهت في هذه الموضع اليمين على البتات، جاز اعتبارها موجهة على عدم العلم فلا يعد من وجهت إليه ناكلاً إذا حلفي على عدم العلم، أما العكس فغير جائز، أي أنه في كل موضع تجب فيه اليمين على البتات لا يكتفي فيه اليمين على عدم العلم، ويعتبر الوقوف عند حد هذه اليمين الأخيرة نكولاً عن اليمين الموجهة.
ومؤدى ما تقدم أنه عدم جواز تحليف الخصم علي البتات في واقعة متعلقة بغيره، أو حتى على عدم العلم بواقعة لا يتوافر علمها إلا عند من نسبت إليه، مقرر لمصلحة الخصم الذي توجه إليه اليمين أو ترد عليه ومعلق على موقف هذا الخصم منه، فيجوز لهذا الأخير أن يقبل الحلف على البتات في الواقعة المتعلقة بشخص غيره، إذا كان هو على بينة من حقيقة أمرها، كما يجوز له أن يقبل الحلف على عدم العلم في الواقعة التي يكون علمها عن صاحبها فقط إذا كانت الظروف سمحت بوصول علمها إليه.
ويكفي أن تكون الواقعة شخصية لمن توجه إليه اليمين على البتات ولا يشترط أن تكون شخصية لمن وجهها إلا لإجازة رد اليمين عليه، فإن كانت الواقعة مشتركة بين الطرفين جاز الرد على البتات وإن كانت شخصية لمن وجهت إليه اليمين فقط لم يجز الرد إلا على عدم العلم.
(راجع في كل ما تقدم أصول الإثبات للدكتور سليمان مرقس، الطبعة الخامسة، الجزء الثاني ص 773 وما بعدها).
ويشترط فيمن يوجه اليمين الحاسمة أن يكون طرفاً في الخصومة التي يطلب فيها توجيهها سواء كان فيها مدعياً أو مدعى عليه أو مختصماً فيها بناء على طلب أحد الخصوم أو بناء على أمر من المحكمة أو متدخلاً فيها تدخلاً اختصامياً، أما المتدخل في الدعوى تدخلاً انضمامياً ولم يوجه طلبات كما لم توجه إليه طلبات فلا يجوز توجيه اليمين الحاسمة إليه، كذلك فإن الذي يختصم فى الدعوى للحكم في مواجهته دون أن توجه إليه طلبات دون أن ينازع في الدعوى لا يعد خصماً ولا يجوز توجيه اليمين الحاسمة إليه، كما لا يجوز للشاهد أن يوجه اليمين الحاسمة لأحد الخصوم.
ويشترط في موجه اليمين الحاسمة أن يكون صاحب صفة في الدعوى التي يطلب فيها توجيه اليمين بحيث إذا زالت صفته امتنع عليه توجيهها، كما لا يصح توجيه اليمين إلى شخص زالت عنه صفته في الدعوى.
ويجب توجيه اليمين بذات الصفة التي أقام بها الخصم دعواه فمن يقيم دعوى بصفته وصياً على قاصر لا يملك توجيه الحاسمة إلا بهذه الصفة ومن يقيم دعوى بصفته ناظراً للوقف لا يملك توجيه اليمين الحاسمة إلا بهذه الصفة.
وإذا تعدد المكلفون بالإثبات في دعوى واحدة فمن الجائز أن يطلب أحدهم توجيه اليمين الحاسمة وحده دون باقي زملائه وعندئذ لا يضار هؤلاء بحلف اليمين ولا يفيدوا من النكول عنها أو حلفها من جانب الأول، غير أنه يلاحظ أن المدين المتضامن يفيد مما قد يجنبه مدين متضامن آخر نتيجة توجيه اليمين الحاسمة أو نتيجة حلفها إنما لا يضار مما يضر هذا المدين في هذا الصدد، وذلك عملاً بالأصل للعام في القانون المدني من أن المدين المتضامن يمثل زميله فيما ينفعه ولا يمثله فيما يضر بمصلحته وتطبيقاً للمادة 295 / 2، 3 مدني التي تنص على أنه إذا نكل أحد المدينين المتضامنين عن اليمين أو وجه إلى الدائن يميناً حلفها فلا يضار بذلك باقي المدينين وإذا اقتصر الدائن على توجيه اليمين إلى أحد المدينين المتضامنين فحلف فإن المدينين الآخرين يستفيدون من ذلك.
وإذا تعدد أحد أطراف الخصومة ووجه طلب اليمين إلى بعضهم دون البعض الآخر فلا يفيد من الحلف إلا من حلفها ولا يضار إلا من نكل عنها أو ردها على خصمه فحلفها كما في أحوال تعدد الشركاء على الشيوع أو الورثة ويستثنى من ذلك حالة المدينين المتضامنين على النحو السابق.
وإذا تعدد أحد أطراف الخصومة الموجه إليه اليمين الحاسمة وكانت الدعوى لا تقبل التجزئة وجب تحديد الخصم الملتزم بصفة أصلية وتوجه إليه وحده هذه اليمين، فإذا ادعى المشترى أن الشفيع إنما يستعمل حقه في الشفعة لرد العين المبيعة إلى البائع وجب توجيه اليمين إلى الشفيع وليس للبائع وإذا ادعى الشفيع صورية الثمن فذهب رأي إلى أنه لا يجوز له توجيه اليمين الحاسمة في ذلك للبائع والمشترى معاً، بل يجب أن يوجهها أولاً إلى المشتري فإن حلفها كان هذا كافياً لرفض الادعاء بالصورية دون حاجة إلى تحليف البائع وإذا نكل المشتري وجب توجيهها للبائع فإن كل هذا تثبت الصورية كاملة أما إذا حلف البائع وحده فلا تثبت الصورية لأنها لم تثبت من الجانبين (السنهوري) الوسيط، الجزء الثاني، الطبعة الثانية هامش ص 694 وذهب رأي أخر إلى أنه يجب توجيه اليمين إلى المشتري وليس إلى البائع أو إليهما معاً.
( الإثبات لنشأت، الجزء الثاني فقرة 543، والإثبات لأبو الوفا ص 297).
وكنا قد ذهبنا في الطبعة السابعة إلى اعتناق الرأي الثاني إلا أننا نعدل عنه بعد أن أمعنا النظر فيه وناخذ بالرأي الأول للأسانيد التي ركن إليهما.
وإذا وجهت اليمين الحاسمة إلى شركاء على الشيوع أو ورثة وحلفها البعض ونكل البعض الآخر فلا يغني حلف البعض أمام نكول الآخرين. وليس هناك ما يمنع من توجيه اليمين الحاسمة من جانب بعض الخصوم دون البعض الآخر أو إلى بعضهم دون البعض الأخر وفي هذه الحالة لا يفيد منها إلا من حلفها ولا يضار إلا من نكل منهم أورد اليمين على خصمه فحلفها ويستثنى من ذلك حالتي التضامن وعدم التجزئة على النحو المتقدم.
كذلك لا يجوز توجيه اليمين عن واقعة لا تدخل في نطاق الدعوى مثال ذلك أن ينكر المدعى عليه أنه اقترض المبلغ الذي يطالب به المدعي فلا يجوز توجيه اليمين إليه على أنه قد بلغ سن الرشد أو أنه ليس محجوراً فالصبي والمحجوز عليه يقول إنه غير مدين أصلاً فلم تدخل واقعة الوفاء في نطاق ما يدفع به دعوى المدعي.
وبالنسبة لأهلية توجيه اليمين فهي أهلية التصرف فيجب أن يكون من يوجه اليمين قد بلغ سن الرشد وألا يكون محجوراً فالصبي والمحجور عليه لجنون أو عته أو غفلة أو سفه لا يجوز لأي منهما أن يوجه اليمين إلا بنائب عنه يملك ذلك. والنائب قد يكون الولي وهو يملك توجيه اليمين فيما يجوز له التصرف فيه دون إذن المحكمة، وإلا وجب عليه الحصول على هذا الإذن وقد يكون النائب هو الوصي أو القيم وهذان لا يجوز لهما توجيه اليمين إلا في الأعمال التي يملكونها وهي أعمال الإدارة أما في أعمال التصرف فلابد من إذن المحكمة ولا تلزم أهلية التبرع فإنه من يوجه اليمين لا يتبرع يحقه إذ لا يزال يأمل أن يتحرج خصمه من الحلف حانثاً وللقاصر الذي بلغ الثمانية عشر عاماً أن يوجه اليمين فيما يملكه من أعمال الإدارة إذا كان مأذوناً له بذلك كالتأخير لمدة سنة واحدة والوكيل يحتاج إلى توكيل خاص من الموكل لأن التوكيل العام لا يخول الوكيل إلا القيام بأعمال الإدارة وقد نصت المادة 802/ 1 مدني على أنه لابد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة وبوجه خاص في توجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء ولا يجوز التوكيل أصلاً في حلف اليمين لأن النيابة تجرى في الاستخلاف ولا تجري في الحلف.
ويجب توافر الأهلية أو الولاية وقت توجيه اليمين ووقت الحلف، فإذا لم تتوافر وقت توجيه اليمين كان توجيهها باطلاً، أما إذا توافرت وزالت قبل الحلف كان توجيه اليمين وحلفها بدورهما باطلين، إلا أن البطلان في الحالتين نسبي ولا يجوز أن يتمسك به إلا صاحب المصلحة.
وبالنسبة لمن توجه إليه اليمين يجب أن تتوافر فيه أهلية التصرف في الحق الذي توجه إليه فيه اليمين فلا يجوز توجيهها إلى صبي إلا فيما يملك من أعمال الإدارة ولا إلى محجور عليه لجنون أو لعته أو غفلة أو سفه، وإذا كان الخصم شخصاً معنوياً وجهت اليمين إلى من يمثله.
ويترتب على مخالفة الشرط السابق قابلية اليمين للإبطال بناء على طلب ناقص الأهلية.
ولا يكفى توافر الأهلية عند توجيه اليمين بل لابد من استمرارها إلى أن يتم الحلف أو الرد بحيث لو حجر على الشخص في الفترة ما بين الأمرين بطل توجيه اليمين إليه وكذلك لو أفلس، غير أنه إذا كان موضوع اليمين واقعة لم تحدث من صاحب الحق الحالي شخصياً بل من نائب له أو من سلفه الذي نقل إليه ذلك الحق المحيل بالنسبة للمحال إليه فإنه لا يشترط فيه أهلية التصرف في الحق، ويتحول هذا الشرط أو يستبدل به شرط آخر يتلاءم مع طبيعة الموقف، فيكتفي في النائب، أو السلف الذي يراد تحلیفه على واقعة حدثت منيه متعلقة بالمدعى به بأن تكون قد ثبتت له في وقت حصول الواقعة المطلوب تحليفه عليها سلطة مباشرتها، فإذا وجهت اليمين إلى الوكيل عن واقعة بيع صدر منه بصفته، فإنه يتعين لجواز توجيهها إليه أن يثبت أن توكيله كان يخوله البيع لا الإدارة فحسب، وإن وجهت إلى المحيل عن واقعة قبض بعض الدين، اشترط أن يكون المحيل أهلاً لقبض الدين في الوقت الذي نسب إليه فيه أنه قبضه.
ويجب أن يكون من توجه إليه اليمين ذاً صفة في الدعوى، فإذا انقضت الشركة المدعي عليها بالحل أو التصفية فلا يجوز توجيه اليمين الحاسمة إلى من كان مديراً لها عن واقعة الوفاء بدين للشركة بعد زوال صفته في تمثيلها والتصرف في حقوقها.
ووفقاً للفقرة الأخيرة من المادة يمكن توجيه اليمين الحاسمة في أية حالة كانت عليها الدعوى إلى أن يصدر حكم نهائي فيمكن الالتجاء إلى اليمين الحاسمة بعد تقديم أوجه إثبات أخرى، بل يجوز بعد إقفال باب المرافعة إعادة فتحه وتوجيه اليمين الحاسمة، ويجوز توجيه اليمين الحاسمة لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية في أية حالة كانت عليها الدعوى، ولكن لا يجوز توجيهها لأول مرة أمام محكمة النقض ويجوز توجيه اليمين قبل تقديم أدلة أخرى أو بعد تقديمها وسواء قبل الفصل فيما قدم من أدلة أو بعده ولو كان الفصل فيها برفضها.
وعلى ذلك إذا أبدى الخصم دفاعاً موضوعياً ولم ينجح هذا الدفاع كان له أن يوجه اليمين، فإذا دفع المدين بسقوط الدين بالتقادم ورفض هذا الدفع جاز له بعد ذلك توجيه اليمين الحاسمة فيما تعلق بالمديونية.
وليس هناك ما يمنع من أن تحلف المحكمة الجنائية المدعي المدني يميناً عند سماع أقواله كشاهد على الوقائع المتصلة بالدعوى الجنائية غير أن هذه اليمين تختلف عن اليمين الحاسمة والتي لا يجوز مطلقاً توجيهها من المتهم للمدعي المدني ولا من المدعي المدني للمتهم أمام المحاكم الجنائية لأنه يترتب على ذلك ثبوت التهمة إذا حلف المدعي المدني أو نكل المتهم وليس من حق أحدهما أن يرتضي الأخر قاضياً في المسائل الجنائية لأنها من النظام العام، كما أن القاضي الجنائي لا يمكنه أن يحكم بالتعويض لثبوت الجريمة دون أن يحكم بالعقوبة فضلاً عن أن الدعوى المدنية التي ترفع أمام المحكمة الجنائية تخضع للقواعد الجنائية لأنها تابعة للدعوى الجنائية.
راجع في كل ما تقدم الوسيط. للسنهوري، الجزء الثاني الطبعة الثانية ص 702 والوجيز لنفس المؤلف ص 119، والإثبات العبد المنعم الصدة ص 187، ورسالة الإثبات لنشأت الطبعة الخامسة ص 31 والإثبات لمحمد عبد اللطيف الجزء الثاني ص 284 وسليمان مرقص، الطبعة الخامسة الجزء الثاني ص 737 وما بعدها).
وقد ذهب رأي بأنه لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة أمام القضاء المستعجل حتى ولو كان الغرض من توجيهها الوصول إلى اتخاذ إجراء وقتي في الطالب المعروض أمامه لأنه يشترط في أحكام القضاء المستعمل أن تكون وقتية والا تمس أصل الحق (رأى في الفقه الفرنسي).
ونادي رأي آخر بجوازه على أن يقتصر أثره على الإجراء المؤقت (رأي آخر في الفقه الفرنسي)، أما الرأي الثالث فيتجه إلى أن الجواز وعدمه في هذا الخصوص متوقفان على الواقعة موضوع الحلف وتعلقها بالتدبير الوقتي وحده أو اتصالها بالموضوع، ذاته فيجوز توجيه اليمين الحاسمة أمام القضاء المستعجل في الحالة الأولى دون الثانية (الدكتور سليمان مرقص ص 784 من مؤلفه).
وفي تقديرنا أنه لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة أمام القضاء المستعجل في جميع الحالات لأنها تحسم النزاع في مسألة لا يجوز العودة إلى بعثها من جديد حالة أن الحكم المستعجل لا يحوز إلا حجية مؤقتة.
ويجوز توجيه اليمين الحاسمة لإثبات ما يخالف الثابت في المحررات الرسمية، إلا أن ذلك مقصور على الوقائع أو الأفعال التي تصدر من ذوي الشأن أمام الموثق ويدونها بحالتها كما شهدها أو سمعها، فيجوز توجيه هذه اليمين إلى الخصم الذي يتمسك بعقد رسمي، على أن هذا العقد ليس صورياً، أو أن الثمن الذي دفع أمام الموثق لم يسترده المشتري بعد ذلك، أما ما يثبته الموظف من بيانات في المحرر، وكان مختصا بإثباتها فلا يجوز توجيه اليمين بشأنها.
وإذا حجزت المحكمة الدعوى للحكم وصرحت بتقديم مذكرات في أجل معين وقدم الخصم قبل إقفال باب المرافعة يطلب إعادة الدعوى للمرافعة لتوجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه، فإنه يتعين عليها إجابته لطلبه، وإلا تكون قد أغفلت دفاعا جوهرياً قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى.
لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة للتدليل على واقعة نفاها أو أثبتها حكم حائز لقوة الأمر المقضي:
من المقرر - كما سبق أن رددنا - أن الحكم الذي حاز قوة الأمر المقضي يمنع من العودة للمجادلة فيما أثبته سواء كان في منطوقه أو في أسبابه المرتبطة بالمنطوق وبالتالي لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة للتدليل على واقعة نفاها ذلك الحكم أو لنفي واقعة أثبتها وتأسيساً على ذلك إذا أقام المشترى دعوى بصحة ونفاذ عقد بيع العقار الصادر إليه ودفع البائع بعدم تنفيذ المشترى لالتزامه بسداد باقي الثمن وتبين للمحكمة صحة ذلك وقضت برفض الدعوى على سند من أن علم قيام المشتري بتنفيذ التزامه سداد باقي الثمن لا يجيز له مطالبة البائع بتنفيذ التزامه بنقل الملكية فإن هذا الحكم يتضمن بطريق اللزوم الحتمي أن الالتزام بسداد باقي الثمن قائم، ولم ينقض بأي سبب من أسباب الانقضاء، ومن ثم يجوز حجية بين طرفيه، وبالتالي يمتنع على المشتري الادعاء بعد ذلك في أي دعوى تالية بسداد باقى الثمن ولا يقبل منه إثبات هذا الادعاء بأي دليل أخر ولو كان اليمين الحاسمة لتعارضه مع حجية الحكم الذي صدر في هذا الصدد وحاز قوة الأمر المقضي.
ومن ناحية أخرى إذا أثبت البائع في دعوى صحة التعاقد بأنه قام بسداد باقي الثمن فقضت المحكمة برفض الدفع بعدم التنفيذ و بصحة ونفاذ العقد وقالت في أسباب حكمها المرتبطة بالمنطوق ارتباطاً لا يقبل التجزئة بأن المشتري وقد قام بتنفيذ التزامه بسداد باقى ثمن البيع، فإن البائع أضحى ملتزماً بنقل الملكية، فإن هذا الحكم يحوز حجية فيما قضى به في الأسباب من سداد المشتري لباقي ثمن البيع، ومن ثم يمتنع على البائع بعد ذلك أن يرفع دعوى جديدة بإلزام المشتري بسداد باقى الثمن ويركن إلى اليمين الحاسمة لإثبات مدعاه لتعارض ذلك مع حجية الحكم أنف البيان.
لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة في واقعة اختلاس التوقيع على بياض:
سبق أن ذكرنا أنه وفقاً لنص المادة 115/ 1 من قانون الإثبات لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة على واقعة تكون جريمة جنائية تأسيساً على أنه لا يصح أن يكون النكول عن اليمين دليلاً على ارتكاب الجريمة.
وتأسيساً على ما تقدم لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة في واقعة اختلاس التوقيع على بياض لأنها تكون جريمة تزوير أوراق عرفية معاقب عليها بالمادتين 215، 240 عقوبات.
لا يجوز الطعن في الأحكام الصادرة بناء على اليمين الحاسمة :
من المقرر أن الحكم الصادر بناء على اليمين الحاسمة لا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن في الأحكام، سواء بالاستئناف أو النقض وسواء كان الحكم قد صدر بناء على حلف اليمين أو النكول عنها، وذلك بشرط أن يكون توجيهها أو حلفها أو النكول عنها مطابقاً للقانون بمعنى أن تكون اليمين وحدها فاصلة في النزاع وحاسمة له بحيث ينتهي بها حتماً موضوعه وأن تكون قد وجهت في واقعة غير مخالفة النظام العام على موضوع النزاع ومتعلقة بشخص من وجهت إليه، أما إذا كان الطعن مبنياً على مدى جواز اليمين أو تعلقها بالدعوى أو بطلان في الإجراءات الخاصة بتوجيهها أو تحليفها فإن الطعن يكون جائزاً. وإذا انصبت اليمين على جزء من النزاع أو مسألة أولية فيه دون أن تؤدي إلى حسمه كله أو تمسك الخصم أمام محكمة الاستئناف بدفاع موضوعي منتج في الدعوى لم يشمله الحلف، فإن الاستئناف يكون جائزاً غاية ما في الأمر - كما قالت محكمة النقض - أنه يتعين الالتزام بحجية تلك اليمين بحيث يمتنع على الخصوم أن يعودوا إلى المنازعة فيما انصبت عليه وحسمته ويقوم مضمونها حجة ملزمة لمحكمة الاستئناف لا تملك الخروج عليه أو مخالفته.
ما يترتب على حلف اليمين في الشريعة الإسلامية:
إذا وجهت اليمين على المدعى عليه فنكل حكم عليه بنكوله ولو حلف انقطعت عنه الخصومة للحال لا مطلقاً بل مؤقتاً إلى غاية إحضار البينة وهذا هو رأي عامة العلماء وهو الصحيح لقول شريح اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة و لأن اليمين كالخلف عن البينة فإذا جاء الأصل انتهى حكم الخلف وهذه البينة مقبولة من المدعي بعد حلف المدعى عليه سواء قال قبل اليمين لا بينة لى أو لم يقل ذلك لإمكان التوفيق بين كلامية بالنسيان ثم بالتذكر بعد ذلك عند محمد وبشرط ألا يقول لا بينة لى عند أبي حنيفة وقد جاء في البدائع في هذا المعنى، وأما حكم أدائه فهو انقطاع الخصومة للحال لا مطلقاً بل مؤقتاً إلى غاية إحضار البينة عند عامة العلماء وقال بعضهم حكمه عند انقطاع الخصومة علي الإطلاق حتي لو أقام المدعي البينة بعد يمين المدعى عليه قبلت بينته عند العامة، وعند بعضهم لا تقبل لأنه لو أقام البينة لا تبقى له ولاية الاستحلاف وكذا إذا استحلف لا يبقى له ولاية إقامة البينة والجامع أن حقه في إحداهما فلا يملك الجمع بينهما والصحيح قول العامة، لأن البينة هي الأصل في الحجة لأنها كلام الأجنبي. فأما اليمين فكما يحلف عن البينة لأنها كلام الخصم صير إليها للضرورة، فإذا جاء الأصل انتهى حكم الخلف فهي ليست طريقاً للقضاء لأن المنكر إذا حلف وعجز المدعي عن البينة، يترك المدعى به في يده لعدم قدرة المدعي على إثباته، لا قضاء بيمينه. ولذلك لو جاء المدعي بعد ذلك بالبينة يقضي له بها ولو كان ترك المال في يده قضاء له به ينقض وعلى قول خليل في المذهب المالكي أنه لا يجوز البينة بعد حلف اليمين إلا لقدر والواجب على المحاكم تطبيقه هو الراجح في المذهب الحنفي.
وبالنسبة لمن توجه إليه اليمين فهناك قواعد شرعية يجب مراعاتها هي:
أولاً: إنه لا يجوز توجيه اليمين على شخص لم يجز الشرع بتحليفه ومعنى ذلك أنه لا يجوز تحلیف المجنون لأنه غير مكلف.
ثانياً: إن النيابة تجري في الاستخلاف لا في الحلف وينبني على ذلك أن كلا من الوكيل والوصي على اليتيم وأبي الصغير له أن يطلب تحليف خصمه فيما إذا كان مدعياً بحق للموكل أو الصغير لوصايته أو ولايته وليس لأحد أن يحلفهم بالنظر لأموال الموكل أو الصغير إلا إذا ادعي العقد عليهم، أو كان إقرار النائب صحيحاً على الأصيل فإنهم يستحلفون حينئذ.
ثالثاً: إنه لا يحلف إلا على معلوم فلو كان الشئ مجهولاً وأريد التحليف عليه لم يلتفت القاضي لذلك.
رابعاً: إن من ادعى على آخر معنى وكان بحيث لو أقر به لا يلزمه فلو أنكره لا يستحلف وإن كان بحيث إذا أقر به لزمه، فإذا أنكره يستحلف، ومعنى ذلك أنه لا يجوز توجيه اليمين عن واقعة أقر بها الخصم غير أو عن واقعة غير متعلقة بشخصه أو غير منتجة في النزاع.
خامساً: إن الاستحلاف إنما يكون على حق الخصم أو على سبب حقه ولا يستحلف على حجته.
سادساً: إنه إذا وجهت اليمين إلى الورثة لم تكف يمين الواحد منهم ولم تنب عن يمين الباقين، بل يستحلف الكل وإذا وجهت لهم على غيرهم كان استحلاف الواحد منهم كاستحلاف الكل.
وبالنسبة للتعسف في توجيه اليمين فإن هذه المسألة محل خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، فعند أبي حنيفة لا يجوز للمدعي توجيه اليمين إلى المدعى عليه إذا كانت عنده بينة حاضرة وعند الصاحبين يجوز، وقد جاء في البدائع أن شرائط وجوب توجيه اليمين أنواع منها الإنكار ومنها الطلب من المدعى لأنها وجبت على المدعى عليه حقاً للمدعي ومنها البينة الحاضرة عند أبي حنيفة وعند الصاحبين ليس ذلك بشرط حتى لو قال المدعي لي بينة حاضرة ووجه قولهما أن اليمين حجة المدعى كالبينة، ولهذا لا تجب إلا عند طلبه فكان له ولاية استيفاء أيهما شاء له.
يراجع فيما تقدم الأصول القضائية في المرافعات الشرعية للأستاذ على قراعة ص 258 وما بعدها، وطرق القضاء في الشريعة الإسلامية للأستاذ أحمد إبراهيم ص 7، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 ص 146، والبدائع ص 225، 229 ).
الخلاصة :
ويبين مما تقدم أن حكم اليمين في الشريعة يختلف عنه في قانون الإثبات في عدة أمور منها:
أولاً: إنه بتوجيه اليمين الحاسمة في قانون الإثبات يسقط حق موجهها في سائر الأدلة الأخرى متى قبلها الموجهة إليه، أما في الشريعة فإنها لا تسقط حق موجه اليمين في تقديم أدلة أخرى بعد أن حلف خصمه اليمين.
ثانياً: إنه في قانون الإثبات إذا حلف من وجهت إليه اليمين فلا يجوز لموجه اليمين أن يثبت عكسها ما لم يصدر حكم جنائي يثبت كذبها، أما في الشريعة فله أن يثبت عدم صحتها بعد حلف اليمين.
ثالثاً: إن اليمين في الشريعة الإسلامية لا تحسم النزاع مطلقاً بل مؤقتاً، وعلى ذلك إذا توافرت البينة لدي من وجهها وبعد أن حلف خصمه جاز له أن يطلب سماع البينة ويقضي له على مقتضاها.(التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء الرابع، الصفحة : 1396)
لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة في واقعة مخالفة - للقانون أو النظام العام:
لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة في واقعة مخالفة للقانون، ذلك أن توجيه اليمين - كما رأينا سلفاً - تحكيم. وقد قضت المادة (11) من القانون رقم 27 لسنة 1994 بإصدار قانون في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية على أن:
«لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه، ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح».
ومن ثم لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة في وصية تزيد على الثلث، ولا في هبة عقار لم تكتب في ورقة رسمية، أو للمنازعة في البيانات التي يلحق بها وصف الرسمية في محرر رسمي، لأن هذه البيانات لا يجوز التدليل على عكسها إلا عن طريق الادعاء بالتزوير، وقد نصت الفقرة الأولى من المادة (115) من قانون الإثبات على أنه... «لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة في واقعة مخالفة للنظام العام، فلا يجوز أن يكون موضوع اليمين جريمة جنائية أو دين قمار أو ربا فاحش، أو لإثبات مايخالف قرينة قانونية قاطعة شرعت للصالح العام كقوة الشيء المحكوم به».
ويذهب الرأي الغالب في الفقه والذي أخذت به محكمة النقض - كما سنرى - إلى أنه لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة في واقعة مخالفة للنظام العام، ولو كان موجه اليمين هو ضحية الواقعة لمخالفة للنظام العام كتوجيه اليمين من المقترض إلى المقرض على أن مبلغ القرض الذي طالب به لا يشتمل على فوائد ربوية فاحشة، وتوجيه المدين بسند الدين اليمين إلى دائنه على أن سبب الدين ليس سبباً غير مشروع كمقامرة أو رهان.
والعلة في ذلك أن النص على منع توجيه اليمين فى واقعة مخالفة للنظام العام ورد مطلقاً فلا يصح تخصيصه وقصره على ما عدا الشخص الذي كان ضحية الفعل المخالف للنظام العام، فضلاً عن أن تخصيصه بذلك يجعله عبثاً إذ يندر أن يكون غير الضحية في حاجة إلى إثبات الفعل المخالف للنظام العام من طريق اليمين إذ أنه دائماً يحتاط للأمر إما بالحصول على دليل كتابي، وإنما الذي يعوزه الدليل غالباً بحيث يحتاج إلى توجيه اليمين هو ضحية ذلك الفعل. وقد قصد المشرع منعه من الالتجاء إلى هذه الوسيلة باعتبار أنه ملوث لاشتراكه في فعل مخالف للنظام العام فلا يستحق رعاية القانون.
والعبرة في عدم إجازة اليمين بأن تكون الواقعة مخالفة للقانون أو النظام العام، ولو كانت مباحة شرعاً كما لو حرم القانون الزواج بامرأة ثانية إلا بإذن القاضي، فلا يجوز توجيه اليمين على حصول زواج مخالف لذلك. أما الواقعة المحرمة شرعاً فيجوز توجيه اليمين بشأنها إذا لم يكن القانون يحرمها كدين الخمر.
ولا يجوز توجيه اليمين الحاسمة في دعوى جنائية ولا في دعوى مدنية مرفوعة أمام محكمة جنائية سواء من المجني عليه إلى المتهم أو من هذا الأخير إلى المجني عليه.
موضوع اليمين:
موضوع اليمين واقعة يدعيها المدعي وينكرها المدعى عليه، ويترتب على ثبوتها حق معين ويكون المدعي عاجزاً عن إثباتها، سواء لم يقدم بينة أصلاً أو قدم بينة غير كافية، فتعتبره المحكمة عاجزاً عن إثبات مدعاه وتسمح له بتوجيه اليمين إلى خصمه.
والقاعدة أن اليمين يجوز توجيهها في أي نزاع مدني أو تجاری، شأنها في ذلك شأن الإقرار، فيجوز توجيهها أياً كانت قيمة النزاع، وحتى في شأن ما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي، ولنقض قرينة قانونية.
ولا يشترط في هذا أن يكون في الدعوى دليل ما، إذ اليمين نظام من أنظمة العدالة شرع كوسيلة غير عادية يلجأ إليها الخصم عند تجرده من الدليل.
ولكن لا يجوز - کالشأن في الإقرار - أن يكون موضوع اليمين حكماً قانونياً لأن استخلاص حكم القانون من عمل القاضي ليس من شأن الخصوم.
فلا يجوز للمدعي مثلاً توجيه اليمين للمدعى عليه بالحلف بأنه يستحق جميع طلباته بقيمتها الواردة في ختام صحيفة دعوى، لأن طبيعة الدين محل النزاع وما إذا كانت ثمة فوائد مستحقة عليه. ومقدارها وتاريخ استحقاقها كلها من مسائل القانون.
ويذهب الفقه إلى أنه يجب أن تكون اليمين فاصلة في النزاع حاسمة فيه بحيث ينتهي بها موضوع النزاع ولذا سميت باليمين الحاسمة، فإذا وجهت في أمر لا يؤدي إلى حسم النزاع، كما إذا اشترك جملة أشخاص في قسمة أطيان كانت شائعة بينهم وقام نزاع بين الشركاء في تأويل نص من نصوص عقد القسمة، فلا يحق الأحد المقتسمين توجيه اليمين الحاسمة إلى واحد فقط من المقتسمين معه لأن مثل هذه اليمين لا تحسم النزاع.
وكذلك إذا وجهت في أمر يؤدي إلى حسم نقطة من النزاع أو أمر فرعي أو عرضي فيه، فلا محل لتوجيهها ولا يصح توجيهها مع حفظ الحق في التمسك بأوجه أخرى، ولا يصح توجيهها بالنسبة للطلبات الأصلية في الدعوى مع حفظ الحق في طلبات احتياطية ولا يجوز توجيهها بداهة أيضاً مع حفظ الحق في رفع دعوى أخرى إذا أديت، ولمحكمة الموضوع بلا معقب عليها من محكمة النقض أن تقدر ما إذا كانت اليمين حاسمة للنزاع المعروض عليها متى كان الحكم قائماً على ما من شأنه أن يؤدي إلى صحة تقديرها.
تعلق اليمين بشخص من وجهت إليه :
تنص الفقرة الثانية من المادة على أنه:
ويجب أن تكون الواقعة التي تنصب عليها اليمين متعلقة بشخص من وجهت إليه، فإذا كانت غير شخصية له انصبت على مجرد علمه بها» - فاليمين الحاسمة يجب أن تنصب دائماً على أمر شخصي بالنسبة للحالف، ويكون التحليف في هذه الحالة على البتات.
وهي تكون كذلك إذا كانت عملاً قام به بذاته أو فعلاً وقع في حضوره تحت سمعه وبصره، كما لو زعم شخص أنه أعطى شيئاً معيناً لخصمه في مناسبة معينة - أو في مكان معين، ويطالب هذا الأخير بأن يحلف على أنه لم يأخذ منه هذا الشيء. ففي هذا المثال يكون أخذ الشيء أو عدم أخذه واقعة متصلة بشخص الخصم الذي وجهت إليه اليمين.
أما إذا كانت الواقعة متعلقة بشخص الغير، كالنائب أو الوكيل أو التابع، أو المورث فإن الحالف يحلف على نفي علمه بواقعة متعلقة بشخص غيره، لأن علم الحالف أو عدم علمه بشيء معين أمر متعلق بشخصه. وتسمى اليمين التي توجه في هذه الحالة يمين العلم وهي أيضاً يمين حاسمة، والأصح أن تسمى يمين (عدم العلم) لأن الحالف يحلف على (عدم علمه) بواقعة معينة.
ويلاحظ أن القانون المصرى قد حاد في ذلك عن القانون الفرنسي، حيث أن الأخير يقصر يمين العلم على ورثة الشخص المتعلقة به الواقعة موضوع اليمين. أما القانون المصرى، فقد عممها وأجاز توجيهها إلى أي شخص عن واقعة لا تتعلق به ما دامت تتوافر فيها الشروط اللازمة لتوجيه اليمين وبخاصة كونها حاسمة.
وعلى ذلك ففي القانون المصرى يجوز تحلیف النائبين عن غيرهم - على اختلاف صفاتهم - على وقائع لم تحدث منهم شخصياً ولكنها منسوبة إلى الأصلاء على أن يكون تحليفهم على علمهم أو عدم علمهم فقط بحدوث تلك الوقائع من الأصلاء.
أما إذا كانت الواقعة غير شخصية للخصم واعترف هذا بعلميه بصدورها من الغير، ثم عاد وأنكر كلف الخصم المذكور بالحلف على البتات، ومثل ذلك أن يعترف الوكيل بأن الموكل قبض الدين، ثم ينكر الموكل القبض، فينكره الوكيل، فيكون تحليف الأخير على البتات، أي على أن الموكل ما قبض الدين، ولا يكتفي منه بأن يحلف على أنه ما يعلم أن الموكل قبض الدين.
غير أن عدم جواز تحليف الخصم على البتات في واقعة متعلقة بغيره، أو حتى على عدم العلم بواقعة لا يتوافر علمها إلا عند من نسبت إليه، مقرر لمصلحة الخصم الذي توجه إليه اليمين أو ترد عليه ومعلق على موقف هذا الخصم منه، فيجوز لهذا الأخير أن يقبل الحلف على البتات في الواقعة المتعلقة بشخص غيره إذا كان هو على بينة من حقيقة أمرها كما يجوز له أن يقبل الحلف على العلم في الواقعة التي يكون علمها عند صاحبها فقط إذا كانت الظروف سمحت بوصول علمه إليها.
ويكفي أن تكون الواقعة شخصية لمن توجه إليه اليمين ولا يشترط أن تكون شخصية لمن وجهها إلا لإجازة رد اليمين عليه. فإن كانت الواقعة مشتركة بين الطرفين جاز الرد على البتات، وإن كانت شخصية لمن وجهت إليه اليمين فقط لم يجز الرد إلا على العلم.
غير أنه يراعى أنه إذا كانت الواقعة مما يتوافر علمه عند المورث وحده دون الورثة، كالحيض عند المرأة، فلا يجوز تحلیف الورثة حتى على عدم العلم.
توجيه اليمين على سبيل الاحتياط:
يجوز للخصم توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه على سبيل الاحتياط أي كطلب احتياطي، بمعنى أنه يكون للخصم الاستناد في ادعائه إلى أدلة معينة ويطلب في ذات الوقت توجيه اليمين إلى خصمه في حالة عدم اقتناع المحكمة بهذه الأدلة، ذلك أنه لم يرد في قانون الإثبات - وفي القانون المدني الجديد من قبله - نص يمنع طلب توجيه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط.
والقول بغير ذلك يخالف نص القانون، كما يناقض الفكرة التي تقوم عليها هذه اليمين.
فنص القانون يقضي بأن هذه اليمين يجوز أن توجه في أية حالة كانت عليها الدعوى (م 115/ 3 إثبات) المقابلة للمادة ( 411/ 2 مدني). إذ يؤخذ من هذا أن الخصم يستطيع بعد أن يتمسك بأدلة لا تكفي لتبرير الادعاء بأن يوجه اليمين إلى خصمه، وإذا كانت محكمة الدرجة الأولى قد حكمت ضده بسبب هذه الأدلة أمكنه فی الاستئناف أن يتقاضى عن هذه الأدلة ويوجه اليمين وهو يناقض الفكرة التي تقوم عليها اليمين، لأن هذه إنما شرعت لنجدة الخصم عند تخلف الدليل، أو عند وجود أدلة لم يقتنع بها القاضي فيكون الملجأ الأخير للخصم هو أن يحتكم إلى ذمة خصمه. وهذه هي الحال عند توجيه اليمين على سبيل الاحتياط مع أدلة أخرى لم يأخذ بها القاضي لأنها تنهض في نظره بالادعاء.
توجيه اليمين الحاسمة في أية حالة كانت عليها الدعوى :
تنص الفقرة الرابعة من المادة على أنه «ويجوز أن توجه اليمين الحاسمة في أية حالة كانت عليها الدعوى».
ذلك أنه لما كان توجيه اليمين يستتبع التنازل عما عداها من أدلة ويؤدي إلى حسم النزاع نهائياً، فإنه لا يوجد ما يحول دون توجيه اليمين في أية حالة كانت عليها الدعوى.
ومن ثم يجوز توجيه اليمين سواء أمام محكمة أول درجة أو أمام محكمة ثاني درجة، إنما لا يجوز توجيهها أمام محكمة النقض، إلا إذا نقضت الحكم وتعرضت لبحث الموضوع باعتبارها محكمة موضوع في الحالات التي يجوز لها فيها ذلك.
ويجوز توجيه اليمين سواء كان ذلك قبل تقديم أدلة أو بعد تقديمها، وسواء قبل الفصل فيما قدم من أدلة أو بعده ولو كان الفصل فيها برفضها.
وسواء كان ذلك قبل صدور أحكام تمهيدية كالحكم بالإحالة على التحقيق أو بعد صدورها، ولو بعد تنفيذ هذه الأحكام.
كما يجوز توجيه اليمين ولو بعد إبداء دفاع موضوعي وعدم نجاح هذا الدفاع. فإذا دفع المدين بسقوط الدين بالتقادم ورفض هذا الدفع، جاز له بعد ذلك توجيه اليمين الحاسمة فيما يتعلق بالمديونية.
وإذا كانت محكمة أول درجة لم تقل كلمتها في طلب توجيه اليمين ولكنها ندبت خبيراً في الدعوى، فإن ذلك يعتبر رفضاً ضمنياً بطلب توجيه اليمين، ولكنه لا يمنع الخصم من طلب توجيه اليمين أمام محكمة ثاني درجة.
ويجوز طلب توجيه اليمين بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى، إلا أن المحكمة لا تكون ملزمة بإعادة الدعوى للمرافعة لتوجيه اليمين.
القضاء الذي تقبل اليمين أمامه :
يجوز توجيه اليمين الحاسمة أمام أي قضاء مدني أو تجاري أو أمام هيئة محكمين، ولكن لا يجوز توجيهها أمام القضاء الإداري أو القضاء الجنائي.
وتحريم توجيه اليمين أمام القضاء الجنائي ينطبق سواء بالنسبة إلى المدعي بالحق المدني أو المتهم، فلا يجوز لأي منهما أن يوجه اليمين إلى الآخر، لأنه لا يصح أن يصبح أحدهما قاضياً في الدعوى الجنائية من طريق توجيه اليمين إليه أوردها عليه، فهذا يخالف النظام العام.
إنما إذا رفع المضرور دعوی مستقلة أمام المحكمة المدنية للمطالبة بالتعويض فإنه يحق له أن يوجه اليمين إلى خصمه أمام هذه المحكمة، ولا يحول دون ذلك أن يكون الفعل الذي تنصب عليه اليمين جريمة يعاقب عليها لأنه حينئذ لا نكون بصدد جريمة أو دعوى جنائية، وإنما بصدد نزاع مدني بحت.
هل يجوز توجيه اليمين أمام القاضى المستعجل؟
استقر الرأي في مصر فقها وقضاء على أنه لا يجوز لقاضي الأمور المستعجلة أن يوجه اليمين الحاسمة بناء على طلب الخصوم ولا أن يوجه اليمين المتممة لأن اليمين الحاسمة تحسم النزاع وهي بذلك فصل في أصل الحق ومساس به إذ القصد منها أن تستقر المراكز القانونية بين الخصوم استقراراً نهائياً وعمل القاضي المستعجل هو اتخاذ إجراء وقتي دون المساس بأصل الحق ليتركه سليماً يناضل فيه الخصوم أمام محكمة الموضوع، كذلك يمتنع على قاضي الأمور المستعجلة توجيه اليمين المتممة لأنه إذا وجهها فإنه يقوم بدور إيجابي لتكملة الدليل ويعد تدخلاً من القاضي في الدعوى لترجيح مركز أي من الطرفين وهذا فيه مساس بأصل الحق.
الصورية في توجيه اليمين :
يجوز أن ترد الصورية على توجيه اليمين ويكون ذلك نتيجة لتواطؤ الخصمين إضراراً بحقوق الغير كالدائنين والشركاء والخلف. فيخفي الخصم الأدلة التي يملكها لإثبات حقه، ويقتصر على توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه، فيحلفها هذا، فيخسر المدعي دعواه، ويضر بذلك دائنيه وشركاءه والخلف وغيرهم ممن لهم مصلحة. ويجوز لهؤلاء التدخل في الدعوى قبل صدور الحكم لمنع الإضرار بحقوقهم. وإذ صدر الحكم جاز لهم رفع الدعوى الإثبات هذا التواطؤ.
سلامة الرضا من العيوب في توجيه اليمين:
لأن الرضا بتوجيه اليمين عمل قانوني، اشترطت فيه الأهلية أو الولاية، ولهذا السبب ذاته يشترط فيه حقيقة الرضا وسلامته من العيوب التي تشوبه.
فلا عبرة بتوجيه اليمين في حالة فقد الوعي کسكر أو تخدير أو تنويم، وكذلك إذا شاب توجيه اليمين غلط أو تدليس أو إكراه.
ويكون توجيه اليمين مشوباً بغلط في الواقع إذا أخفى الخصم الذي وجهت إليه اليمين عن الخصم الذي وجه اليمين مستنداً صالحاً لإثبات دعوى الخصم الثاني، فيعتقد هذا عن غلط ألا سبيل أمامه إلا توجيه اليمين.
وقد يكون الغلط في القانون - في رأي - كما إذا اعتقد الخصم الذي وجه اليمين أن البينة ممنوعة قانوناً، وليست معه كتابة تثبت ما يدعيه، فوجه اليمين إلى خصمه، ثم بعد توجيه اليمين علم أن القانون يجيز البينة.
وقد يكون الخصم الذي وجه اليمين إنما وجهها بسبب تدليس وقع عليه من خصمه، بأن أوهمه هذا مثلاً أن القانون لا يجيز له الإثبات بالبينة فليس أمامه من سبيل غیر توجيه اليمين.
وقد يكون توجيه اليمين عن إكراه وقع على الخصم خارج مجلس القضاء، فلم ير بداً من توجيه اليمين إلى خصمه.
ولا يعد إكراهاً أن يجد الخصم نفسه مجرداً من أي دليل على حقه فيضطر إلى توجيه اليمين ثم يستجد بعد ذلك دليل يحصل عليه.
وفي جميع الأحوال التي يكون فيها توجيه اليمين مشوباً بغلط أو تدليس أو إكراه، يعتبر توجيه اليمين غير صحيح بصفته تصرفاً قانونياً، ويجوز لمن يوجه اليمين أن يبطله، حتى بعد أن يقبل الخصم الحلف، وحتى بعد أن يحلف.
ويكون للخصم في هذه الحالة الطعن في الحكم الذي يصدر بناء على اليمين بالاستئناف أو بالتماس إعادة النظر بحسب الأحوال.
وعلى كل حال فإنه يندر في التطبيق العملي أن تكون إرادة اليمين مشوبة بعيب من عيوب الرضا المتقدمة.
الأهلية اللازمة لتوجيه اليمين:
لما كان توجيه اليمين الحاسمة - كما قدمنا - تصرفاً قانونياً إذا هو تحكيم لضمير الخصم، فإنه يجب لصحته ما يجب لصحة التحكيم، وقد نصت المادة (11) من القانون رقم 27 لسنة 1994 بإصدار قانون في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية على أن «لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه، ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح».
فيشترط إذن فيمن يوجه اليمين الحاسمة أن يكون كامل أهلية التصرف أي أن يكون قد بلغ سن الرشد، وألا يكون محجوراً. فالصبي الذي لم يبلغ سن الرشد والمحجور عليه لجنون أو عته أو سفه، لا يجوز لأي منهم أن يوجه اليمين الحاسمة إلا بنائب عنه يملك ذلك.
ويترتب على ذلك أن القاصر الذي بلغ الثماني عشرة سنة يستطيع توجيه اليمين فيما يملكه من أعمال الإدارة كالتأجير سنة واحدة.
ويجب توافر الأهلية وقت توجيه اليمين ووقت الحلف، فإذا لم تتوافر وقت توجيه اليمين، كان هذا التوجيه قابلاً للإبطال وإذا توافرت ثم زالت قبل الحلف، كان توجيه اليمين وحلفها باطلين ولا يصح ترتيب الحكم عليها.
الولاية في توجيه اليمين:
نصت الفقرة الثالثة من المادة على أنه: «ويجوز للوصي أو القيم أو وكيل الغائب أن يوجه اليمين الحاسمة فيما يجوز له التصرف فيه» - ولم يكن لهذه الفقرة مقابل في المادة (411) من التقنين المدني الجديد.
وعلى ذلك فأي تصرف يجوز للوصي أو القيم أو وكيل الغائب القيام به، يجوز له توجيه اليمين في شأنه.
وقد أوردت المادة (39) من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 التصرفات التي لا يملكها الوصى إلا بإذن المحكمة والتي تسري على وكيل الغائب بمقتضى المادة (78) منه.
ومن ثم يجوز للوصي أو القيم أو وكيل الغائب توجيه اليمين الحاسمة في هذه التصرفات بعد إذن محكمة الأسرة أما التصرفات التي لا يملك الوصي ومن في حكمه إبرامها، فلا يجوز له توجيه اليمين في شأنها.
وإذا وجه الوصي أو القيم أو وكيل الغائب اليمين عن عمل من أعمال إدارته فيكون ذلك تحت مسئوليته شخصياً كما إذا قبل تعهداً شفهياً قيمته أكثر من ألف جنيه ووجه اليمين للمتعهد فحلفها فإنه يكون هو المسئول عن ذلك لتقصيره في أخذ مستند کتابي طبقاً للقواعد العامة.
إلا أنه لا يجوز له توجيه هذه اليمين نيابة عن القاصر إلا بعد إذن محكمة الأسرة.
والولي الشرعي وإن كان يملك أصلاً التصرف في مال القاصر إلا أن قانون الولاية على المال قد قيده بإذن المحكمة في بعض الأحوال ومن ثم لا يمكن توجيه اليمين فيها دون هذا الإذن.
أهلية من توجه إليه اليمين:
يجب توافر أهلية التصرف فيمن يوجه إليه اليمين كالشأن فيمن يوجه اليمين. ذلك أن كل خصم توجه إليه اليمين يجب أن يكون قادراً على الخيار ما بين الحلف والرد والنكول، ورد اليمين توجيهها تشترط فيه أهلية التصرف، والنكول كالإقرار لا يملكه إلا من من التصرف في الحق ومن ثم لا يجوز توجيه اليمين إلى صبي لم يبلغ سن الرشد إلا فيما يملك من أعمال الإدارة، ولا إلى محجور عليه لجنون أو عته أو غفلة أو سفه.
الوكالة في توجيه اليمين:
تنص المادة (76) من قانون المرافعات على أنه «لا يصح بغير تفويض خاص الإقرار بالحق المدعى به ولا التنازل عنه ولا الصلح ولا التحكيم فيه ولا قبول اليمين ولا توجيهها ولا ردها ولا و ترك الخصومة ولا التنازل عن الحكم.. الخ».
فالوكالة في توجيه اليمين لا يكفي فيها الوكالة العامة أو الوكالة - في الخصومة، بل لابد من وكالة خاصة في توجيه اليمين، فإذا كان التوكيل عاماً، وجب أن ينص على الوكالة في توجيه اليمين، حتی لو تعلق الأمر بعمل من أعمال الإدارة التي للوكيل سلطة القيام بها.
وإذا صدر التوكيل الخاص في قضية ما دون تحديد أو تعيين جاز للوكيل توجيه اليمين لأن عدم تخصيص ادعاء بذاته يدل على التعميم.
إلا أنه إذا وجه الوكيل اليمين دون توكيل خاص هذا كانت اليمين منتجة لآثارها القانونية.
ولا يجوز لأمين التفليسة توجيه اليمين إلا في حدود سلطته المبينة في قانون التجارة.
عدم جواز الوكالة في حلف اليمين:
لا يجوز التوكيل في أداء اليمين، فلا يجوز توجيه اليمين إلا الشخص حاضر بشخصه في الخصومة فلا يصح توجيهها لشخص حاضر بصفته وكيلاً أو نائباً عن الغير، لأن اليمين متعلقة بذمة الحالف فلا يستطيع شخص أن يحلف عن أمر متعلق بذمة غيره.
فإذا كانت الواقعة المطلوب الحلف عليها متعلقة بشخص الوصي أو الوكيل وداخلة في حدود سلطتهما جاز توجيه اليمين لهما عنها، ومثل ذلك أن يكون قد قبض مبلغاً ولم يعط به مخالصة، وبشرط أن يختصم في الدعوى بصفته الشخصية، ففي هذه الحالة لا يضار الأصيل أو الموكل مما قد يسفر عنه الموقف.
أما الولى فيملك التصرف في مال الصغير - في الحدود الواردة بقانون الولاية على المال - ومن ثم يجوز توجيه اليمين إليه فيما يجوز له التصرف فيه.
الإتفاق عند التعاقد على عدم توجيه اليمين:
اليمين الحاسمة - كما رأينا سلفاً - ملك الخصم المكلف بالإثبات وهو صاحب الحق في طلب توجيهها إلى خصمه دون القاضي، فهو كما يستطيع توجيهها يستطيع كذلك عدم توجيهها، وكما يملك أحد الخصمين ويستطيع عدم توجيهها أثناء سير الدعوى، فهو أيضاً يملك ويستطيع الاتفاق عند التعاقد من قبل على ألا يوجهها إذا حصل نزاع بينه وبين خصمه، وليس في مثل هذا الاتفاق ما يخالف النظام العام، وهذه الحالة كحالة الاتفاق على ألا يكون الإثبات بالكتابة حيث يجوز الإثبات بالشهود أو الموافقة على الإثبات بالشهود في بعض الأحوال حيث يجب قانوناً أن يكون بالكتابة وقد يشترط أحد المتعاقدين ألا توجه إليه اليمين الحاسمة حماية لسمعته من كل شبهة، أو لمنع توجيه يمين كيدية إليه، أو الشدة ورعه وتدينه لدرجة عدم الحلف إطلاقاً، أو لمجرد عدم الذهاب إلى المحكمة وعدم تعطيل أعماله وسرعة الوصول إلى حقه.(موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود، المجلد : الرابع، الصفحة : 1917 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون التقاضي والإثبات ، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 152 ، 153.
(مادة 134):
إذا حلف أحد على فعله يحلف على البنات. وإذا حلف على فعل غيره يحلف على عدم العلم.
م (1748) من المجلة، وانظر م (115) إثبات مصري، و(411) مدني مصري، و(114) بنات سوري).
المذكرة الإيضاحية:
الضابط للتحليف: أنه إن كان على فعل نفسه فهو على البنات والقطع، كأن يحلف بالله ما اشترى، أو ما باع... إلخ، وإن كان على فعل غيره يكون على العلم، كأن يحلف بالله ما يعلم أن على مورثه الدين الذي يدعيه فلان ولا شيء منه وذلك لأنه إذا حلف على فعل غيره على البنات وهو لا يحيط علماً بها فعل غيره - فربما يمتنع عن اليمين مع كونه محقاً فيها يقول فيتضرر فاكتفى بتحليفه على العلم؛ رفعاً للحرج عنه حتى إذا امتنع عن الخلف في هذه الحالة اعتبر نكوله عند أبي حنيفة بدلاً - أي تركاً - للخصومة، وعند الصاحبين إقراراً - أي بدلاً - عن الإقرار و قائماً مقامه. (أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (241) وما بعدها).
قالوا: ومع ذلك إذا جازف وحلف على البنات اعتبر يمينه ؛ لأن البتات آكد من العلم، ولو تعين أن يحلف على البنات فحلف على العلم، لا يعتبر ذلك، ولا تسقط عنه اليمين ووجهه ظاهر.
(انظر الهداية. وأحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (253)).
واليمين دائماً تكون على النفي حتى يتأتى بها الاستیعاب، وهي إما على نفي الفعل، أو نفي العلم، وإما على نفي السبب، أو نفي الحكم. (أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (258) و (253) وما بعدها. و م (1749) من المجلة).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 239
حَقُّ الاِسْتِحْلاَفِ (طَلَبُ الْحَلِفِ):
الأْصْلُ فِي طَلَبِ الْيَمِينِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُدَّعِي، وَيَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَكِيلُهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ وَلِيُّهُ أَوْ نَاظِرُ الْوَقْفِ. وَلاَ تَجُوزُ الإْنَابَةُ فِي الْحَلِفِ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَعْمَى أَخْرَسَ أَصَمَّ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ.
وَلَوْ أَصَمَّ كَتَبَ الْقَاضِي لِيُجِيبَ بِخَطِّهِ إِنْ عَرَفَ الْكِتَابَةَ، وَإِلاَّ فَبِإِشَارَتِهِ.
مَا يُحْلَفُ عَلَيْهِ:
إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى بِمِلْكٍ أَوْ حَقٍّ مُطْلَقٍ فَالتَّحْلِيفُ يَكُونُ عَلَى الْحَاصِلِ، بِأَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ: مَا لَهُ قِبَلِي كَذَا وَلاَ شَيْءٌ مِنْهُ. وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى بِمِلْكٍ أَوْ حَقٍّ مُبَيَّنِ السَّبَبِ فَهُنَاكَ اتِّجَاهَاتٌ ثَلاَثٌ:
أ - فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَمَفْهُومِ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى الْحَاصِلِ - لأِنَّهُ أَحْوَطُ - فَيَحْلِفُ: لَيْسَ لِلْمُدَّعِي قِبَلِي شَيْءٌ.
ب - وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَمَفْهُومُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّ التَّحْلِيفَ هُنَا عَلَى السَّبَبِ، فَيَقُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: بِاللَّهِ مَا اقْتَرَضْتُ، مَثَلاً.
وَاسْتَثْنَى أَبُو يُوسُفَ مَا لَوْ عَرَّضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ: قَدْ يَبِيعُ الإْنْسَانُ شَيْئًا ثُمَّ يُقِيلُ، فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ.
ج - وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّ التَّحْلِيفَ يُطَابِقُ الإِْنْكَارَ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْحَاصِلَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ، وَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ، وَهُوَ مَوْضُوعُ الدَّعْوَى - يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ. وَفِي جَمِيعِ الْحَالاَتِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا التَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ إِذَا حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ أَجْزَأَهُ؛ لأِنَّهُ يَتَضَمَّنُ السَّبَبَ وَزِيَادَةً. وَهَذَا فِي الاِتِّفَاقِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع ، الصفحة / 245
أَيْمَانٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الأَْيْمَانُ: جَمْعُ يَمِينٍ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَتُذَكَّرُ. وَتُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى (أَيْمُنٍ) وَمِنْ مَعَانِي الْيَمِينِ لُغَةً: الْقُوَّةُ وَالْقَسَمُ، وَالْبَرَكَةُ، وَالْيَدُ الْيُمْنَى، وَالْجِهَةُ الْيُمْنَى.
وَيُقَابِلُهَا: الْيَسَارُ، بِمَعْنَى: الْيَدِ الْيُسْرَى، وَالْجِهَةِ الْيُسْرَى.
أَمَّا فِي الشَّرْعِ، فَقَدْ عَرَّفَهَا صَاحِبُ غَايَةِ الْمُنْتَهَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا: تَوْكِيدُ حُكْمٍ بِذِكْرِ مُعَظَّمٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.
وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْرِيفِ تَخْصِيصُ الْيَمِينِ بِالْقَسَمِ، لَكِنْ يُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كُتُبِهِمْ تَسْمِيَةُ التَّعْلِيقَاتِ السِّتَّةِ أَيْمَانًا، وَهِيَ تَعْلِيقُ الْكُفْرِ وَالطَّلاَقِ وَالظِّهَارِ وَالْحَرَامِ وَالْعِتْقِ وَالْتِزَامِ الْقُرْبَةِ، وَقَرَّرَ ذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى.
حِكْمَةُ التَّشْرِيعِ:
مِنْ أَسَالِيبِ التَّأْكِيدِ الْمُتَعَارِفَةِ فِي جَمِيعِ الْعُصُورِ أُسْلُوبُ التَّأْكِيدِ بِالْيَمِينِ، إِمَّا لِحَمْلِ الْمُخَاطَبِ عَلَى الثِّقَةِ بِكَلاَمِ الْحَالِفِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ فِيهِ إِنْ كَانَ خَبَرًا، وَلاَ يَخْلُفُهُ إِنْ كَانَ وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا أَوْ نَحْوَهُمَا، وَإِمَّا لِتَقْوِيَةِ عَزْمِ الْحَالِفِ نَفْسِهِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ يَخْشَى إِحْجَامَهَا عَنْهُ، أَوْ تَرْكِ شَيْءٍ يُخْشَى إِقْدَامُهَا عَلَيْهِ، وَإِمَّا لِتَقْوِيَةِ الطَّلَبِ مِنَ الْمُخَاطَبِ أَوْ غَيْرِهِ وَحَثِّهِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ مَنْعِهِ عَنْهُ.
فَالْغَايَةُ الْعَامَّةُ لِلْيَمِينِ قَصْدُ تَوْكِيدِ الْخَبَرِ ثُبُوتًا أَوْ نَفْيًا.
تَقْسِيمَاتُ الْيَمِينِ
(أَوَّلاً) تَقْسِيمُ الْيَمِينِ بِحَسَبِ غَايَتِهَا الْعَامَّةِ
تَنْقَسِمُ الْيَمِينُ بِحَسَبِ غَايَتِهَا الْعَامَّةِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الأَْوَّلُ: الْيَمِينُ الْمُؤَكِّدَةُ لِلْخَبَرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَاضِيًا أَمْ حَاضِرًا أَمْ مُسْتَقْبَلاً، وَسَوَاءٌ أَكَانَ إِثْبَاتًا أَمْ نَفْيًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ أَمْ مُخَالِفًا.
وَالْيَمِينُ عَلَى مَا طَابَقَ الْوَاقِعَ تُسَمَّى (الْيَمِينُ الصَّادِقَةُ) كَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ فَهَذَا أَمْرٌ لِلنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنْ يَحْلِفَ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ سَيُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يُحَاسَبُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ.
وَالْيَمِينُ عَلَى مَا خَالَفَ الْوَاقِعَ إِنْ كَانَ الْحَالِفُ بِهَا كَاذِبًا عَمْدًا تُسَمَّى (الْيَمِينُ الْغَمُوسُ) لأِنَّ هَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الإِْثْمِ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْمُنَافِقِينَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا:
قوله تعالي وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ.
فَهَذَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ حَلِفٌ عَلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ كَاذِبُونَ فِيهِ، وَمَا حَمَلَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ إِلاَّ أَنَّهُمْ يَخَافُونَ غَضَبَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ.
وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ بِهَا مُتَعَمِّدًا صَدَّقَهَا، غَيْرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي اعْتِقَادِهِ، لَمْ تَكُنْ غَمُوسًا وَلاَ صَادِقَةً، وَإِنَّمَا تَكُونُ (لَغْوًا) عَلَى بَعْضِ الأَْقْوَالِ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا أَنْ يَقُولَ إِنْسَانٌ: وَاللَّهِ إِنَّ الشَّمْسَ طَلَعَتْ، بِنَاءً عَلَى إِشَارَةِ السَّاعَةِ وَالتَّقْوِيمِ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ طَلَعَتْ، وَأَنَّهُ أَخْطَأَ النَّظَرَ، أَوْ كَانَ بِالسَّاعَةِ خَلَلٌ، أَوْ بِالتَّقْوِيمِ خَطَأٌ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْيَمِينُ الْمُؤَكِّدَةُ لِلإِْنْشَاءِ.
وَالإِْنْشَاءُ إِمَّا حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ، وَالْمَقْصُودُ بِالْحَثِّ: حَمْلُ الْحَالِفِ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَالْمَقْصُودُ بِالْمَنْعِ: حَمْلُ الْحَالِفِ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
مِثَالُ الْحَثِّ: وَاللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لَيَفْعَلَنَّ فُلاَنٌ كَذَا.
وَمِثَالُ الْمَنْعِ: وَاللَّهِ لاَ أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ لاَ تَفْعَلْ كَذَا، أَوْ لاَ يَفْعَلْ فُلاَنٌ كَذَا.
وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى (مُنْعَقِدَةً) أَوْ (مَعْقُودَةً) مَتَى تَمَّتْ شَرَائِطُهَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا.
وَمِمَّا هُوَ جَدِيرٌ بِالْمُلاَحَظَةِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لأََفْعَلَنَّ، أَوْ لاَ أَفْعَلُ يَدُلُّ عَلَى حَثِّ نَفْسِهِ عَلَى الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ حَقِيقَةً إِنْ كَانَ يَتَحَدَّثُ فِي خَلْوَةٍ، نَحْوَ: وَاللَّهِ لأََصُومَنَّ غَدًا، أَوْ لاَ أَشْرَبُ الْخَمْرَ، أَوْ لأََقْتُلَنَّ فُلاَنًا، أَوْ لاَ أَفْعَلُ مَا أَمَرَنِي بِهِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ يَتَحَدَّثُ فِي مُوَاجَهَةِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حَثِّ نَفْسِهِ ظَاهِرًا، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الظَّاهِرُ مُوَافِقًا لِلْحَقِيقَةِ، بِأَنْ يَكُونَ عَازِمًا عَلَى الْوَفَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ مُخَالِفًا لَهَا، بِأَنْ يَكُون عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الْوَفَاءِ.
وَقَوْلُ الْقَائِلِ: لَتَفْعَلَنَّ أَوْ لاَ تَفْعَلْ يَدُلُّ عَلَى حَثِّ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ، وَيَكُونُ بِمَثَابَةِ الأَْمْرِ إِنْ كَانَ مِنْ أَعْلَى لأَِدْنَى، وَالدُّعَاءِ إِنْ كَانَ مِنْ أَدْنَى لأَِعْلَى، وَالاِلْتِمَاسِ إِنْ كَانَ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ. ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَكُونُ حَقِيقِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ ظَاهِرِيًّا فَقَطْ بِقَصْدِ الْمُجَامَلَةِ أَوْ غَيْرِهَا.
هَذَا، وَتَنْقَسِمُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ إِلَى: يَمِينِ بِرٍّ، وَيَمِينِ حِنْثٍ.
(فَيَمِينُ الْبِرِّ) هِيَ مَا كَانَتْ عَلَى النَّفْيِ، نَحْوَ: وَاللَّهِ لاَ فَعَلْتُ كَذَا، بِمَعْنَى: لاَ أَفْعَلُ كَذَا، وَسُمِّيَتْ يَمِينَ بِرٍّ لأِنَّ الْحَالِفَ بَارٌّ حِينَ حَلِفِهِ، وَمُسْتَمِرٌّ عَلَى الْبِرِّ مَا لَمْ يَفْعَلْ.
(وَيَمِينُ الْحِنْثِ) مَا كَانَتْ عَلَى الإِْثْبَاتِ، نَحْوَ: وَاللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ يَمِينَ حِنْثٍ لأِنَّ الْحَالِفَ لَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى حَالَتِهِ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ أَوْ حَصَلَ الْيَأْسُ حَنِثَ.
(ثانياً) : تَقْسِيمُ الْيَمِينِ بِحَسَبِ صِيغَتِهَا الْعَامَّةِ
الْقِسْمُ الأَْوَّلُ: الْقِسْمُ الْمُنَجَّزُ بِالصِّيغَةِ الأَْصْلِيَّةِ لِلْيَمِينِ، وَتَكُونُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، مِثْلَ (وَاللَّهِ) (وَالرَّحْمَنِ) أَوْ صِفَةً لَهُ مِثْلَ (وَعِزَّةِ اللَّهِ) (وَجَلاَلِهِ).
وَكَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ وَبِمَعْبُودَاتِهِمْ كَاللاَّتِ وَالْعُزَّى، وَبِمَا يُعَظِّمُونَهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مِمَّا لاَ يَعْبُدُونَ كَالآْبَاءِ وَالأُْمَّهَاتِ وَالْكَعْبَةِ، وَبِمَا يَحْمَدُونَهُ مِنَ الأَْخْلاَقِ كَالأَْمَانَةِ.
وَفِي صَدْرِ الإِْسْلاَمِ بَطَلَ تَعْظِيمُهُمْ لِلأَْصْنَامِ وَنَحْوِهَا مِمَّا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَبَطَلَ حَلِفُهُمْ بِهَا إِلاَّ مَا كَانَ سَبْقَ لِسَانٍ، وَاسْتَمَرَّ حَلِفُهُمْ بِمَا يُحِبُّونَهُ وَيُعَظِّمُونَهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ بِالاِقْتِصَارِ عَلَى الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ تَفْصِيلاً.
- الْقِسْمُ الثَّانِي: التَّعْلِيقُ، وَيُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْغَايَةِ الْعَامَّةِ مِنَ الْيَمِينِ - وَهِيَ تَأْكِيدُ الْخَبَرِ أَوِ الْحَثِّ أَوِ الْمَنْعِ - بِطَرِيقٍ آخَرَ، وَهُوَ تَرْتِيبُ الْمُتَكَلِّمِ جَزَاءً مَكْرُوهًا لَهُ فِي حَالَةِ مُخَالَفَةِ الْوَاقِعِ أَوْ تَخَلُّفِ الْمَقْصُودِ.
وَلِهَذَا الْجَزَاءِ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، لَكِنْ لَمْ يَعْتَبِرِ الْفُقَهَاءُ مِنْهَا إِلاَّ سِتَّةَ أَنْوَاعٍ وَهِيَ: الْكُفْرُ، وَالطَّلاَقُ، وَالظِّهَارُ، وَالْحَرَامُ، وَالْعِتْقُ، وَالْتِزَامُ الْقُرْبَةِ.
وَأَمْثِلَتُهَا: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، أَوْ: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا، أَوْ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الأَْمْرُ كَمَا قُلْتُ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ الإِْسْلاَمِ. أَوْ: فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، أَوْ: فَامْرَأَتُهُ عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ، أَوْ: فَحَلاَلُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ، أَوْ: فَعَبْدُهُ حُرٌّ، أَوْ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ.
وَقَدْ يَكُونُ الطَّرِيقُ الْمُحَصِّلُ لِلْغَايَةِ تَرْتِيبَ جَزَاءٍ مَحْبُوبٍ لِلْمُخَاطِبِ عَلَى فِعْلِ أَمْرٍ مَحْبُوبٍ لِلْمُتَكَلِّمِ، كَمَا لَوْ قَالَ إِنْسَانٌ لِعَبْدِهِ: إِنْ بَشَّرْتَنِي فَأَنْتَ حُرٌّ، فَهَذَا الْجَزَاءُ مَحْبُوبٌ لِلْمُخَاطَبِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ تَخَلُّصًا مِنَ الرِّقِّ، وَإِنْ كَانَ شَاقًّا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ إِزَالَةً لِلْمِلْكِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَسْتَسْهِلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُكَافَأَةٍ عَلَى فِعْلِ مَا يُحِبُّهُ وَشُكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ.
وَالْجَزَاءُ الْمَحْبُوبُ لاَ يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ ظِهَارًا وَلاَ كُفْرًا، فَهُوَ مُنْحَصِرٌ فِي الْعِتْقِ وَالْتِزَامِ الْقُرْبَةِ وَالطَّلاَقِ وَالْحَرَامِ، كَتَطْلِيقِ ضَرَّةِ الْمُخَاطَبَةِ وَتَحْرِيمِهَا.
وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ.
التَّعْلِيقُ بِصُورَةِ الْقَسَمِ:
قَدْ يَعْدِلُ الْحَالِفُ عَنْ أَدَاءِ الشَّرْطِ وَالْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَيَأْتِي بِالْجَزَاءِ بِدُونِ الْفَاءِ، وَيَذْكُرُ بَعْدَهُ جُمْلَةً شَبِيهَةً بِجَوَابِ الْقَسَمِ، فَيَقُولُ: هُوَ يَهُودِيٌّ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لاَ يَفْعَلُ كَذَا، أَوِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ لاَ يَفْعَلُ كَذَا، أَوْ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا، فَالْجُمْلَةُ الَّتِي بُدِئَ الْكَلاَمُ بِهَا جَزَاءٌ لِشَرْطٍ مَحْذُوفٍ، تَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.
الْجَوَابُ الإِْنْشَائِيُّ يَتَضَمَّنُ الْخَبَرَ:
الْقَسَمُ حِينَمَا يَكُونُ إِنْشَائِيًّا لِلْحَثِّ أَوِ الْمَنْعِ، فَالْحَلِفُ عَلَيْهِ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَلِفًا عَلَى الإِْنْشَاءِ الْمَحْضِ، فَإِنَّ هَذَا الإِْنْشَاءَ يَحْصُلُ مَعْنَاهُ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهِ، فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى حَلِفٍ. فَإِنَّ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى الْحَلِفِ، هُوَ الأَْمْرُ الَّذِي يُخْشَى تَخَلُّفُهُ، وَهُوَ الْوَفَاءُ بِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الإِْنْشَائِيَّةِ.
فَمَنْ حَلَفَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لأََقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ غَدًا، وَقَدْ حَثَّ نَفْسَهُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَهَذَا الْحَثُّ قَدْ حَصَلَ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ، فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى الْقَسَمِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، فَالْقَسَمُ إِذَنْ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْحَثِّ الْمُسْتَتْبِعِ لأَِثَرِهِ، وَهُوَ حُصُولُ الْقَضَاءِ بِالْفِعْلِ فِي غَدٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى خَبَرِيٌّ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَقْضِهِ حَقَّهُ لَكَانَ حَانِثًا.
فَمَنْ قَالَ: لأََقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ. أَثْبَتَ مَعْنَيَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) إِنْشَائِيٌّ، وَهُوَ حَثُّ نَفْسِهِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الصَّرِيحُ.
(وَثَانِيهِمَا) خَبَرِيٌّ، وَهُوَ الإِْخْبَارُ بِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ سَيَحْصُلُ فِي الْغَدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى ضِمْنِيٌّ، وَالْيَمِينُ إِنَّمَا أُتِيَ بِهَا مِنْ أَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى الضِّمْنِيِّ.
وَلِهَذَا لاَ يَصِحُّ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُجَابَ الْقَسَمُ بِفِعْلِ الأَْمْرِ، وَلاَ بِفِعْلِ النَّهْيِ، فَلاَ يُقَالُ: وَاللَّهِ قُمْ، أَوْ لاَ تَقُمْ.
مُرَادِفَاتُ الْيَمِينِ:
قَالَ الْكَمَالُ: أَسْمَاءُ هَذَا الْمَعْنَى التَّوْكِيدِيِّ سِتَّةٌ: الْحَلِفُ وَالْقَسَمُ وَالْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَالإِْيلاَءُ وَالْيَمِينُ.
فَالْيَمِينُ مُرَادِفَةٌ لِلأَْلْفَاظِ الْخَمْسَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ مَعَهَا.
وَهُنَاكَ أَلْفَاظٌ أُخْرَى، فَقَدْ أَفَادَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إِنْسَانٌ: أَشْهَدُ أَوْ أَعْزِمُ أَوْ شَهِدْتُ أَوْ عَزَمْتُ بِاللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا. كَانَ يَمِينًا؛ لأِنَّ الْعَزْمَ مَعْنَاهُ الإِْيجَابُ؛ وَلأِنَّ الشَّهَادَةَ وَرَدَتْ فِي قوله تعالي إِذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّك لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فَالآْيَةُ الثَّانِيَةُ أَفَادَتْ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ يَمِينٌ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْعَزْمَ مِنْ مُرَادِفَاتِ الْيَمِينِ عُرْفًا، وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّ الذِّمَّةَ كَالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، فَمَنْ قَالَ: عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَانَ يَمِينًا. وَأَفَادَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الإِْنْسَانُ صَوْمًا، كَأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَلَمْ يَخْطِرِ الْيَمِينُ بِبَالِهِ، أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَفَى الْيَمِينَ كَانَ نَذْرًا فَقَطْ. وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَنَفَى النَّذْرَ كَانَ يَمِينًا فَقَطْ. وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إِنْ أَفْطَرَ. وَإِنْ نَوَاهُمَا مَعًا، أَوْ نَوَى الْيَمِينَ وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ النَّذْرُ كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا، حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ قَضَى وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ صِيغَةَ النَّذْرِ تَكُونُ يَمِينًا بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَتَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَةِ، بِخِلاَفِ الأْلْفَاظِ السَّابِقَةِ، فَظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ أَنَّهَا صَرِيحَةٌ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا كِنَايَةً عِنْدَ غَيْرِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي. وَسَيَأْتِي الْخِلاَفُ فِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ مِثْلُ عَلَيَّ نَذْرٌ. وَسَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ الْكَفَالَةَ وَالأَْمَانَةَ الْمُضَافَيْنِ لِلَّهِ كَالْعَهْدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا: مَنْ قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ مِيثَاقُهُ، أَوْ ذِمَّتُهُ، أَوْ كَفَالَتُهُ، أَوْ أَمَانَتُهُ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لاَ أَفْعَلُ كَذَا، كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ يَمِينًا بِالنِّيَّةِ.
هَذَا مَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَقَدْ يَجِدُ الْبَاحِثُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَلْفَاظًا أُخْرَى كَالنَّفْلِ. فَفِي الْقَامُوسِ الْمُحِيطِ: نَفَلَ: حَلَفَ. وَهُوَ مِنْ بَابِ نَصَرَ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ (نَفَلَ) (وَانْتَفَلَ) وَ (أَنْفَلَ) مَعْنَاهَا حَلَفَ، وَيُقَالُ: نَفَّلْتُهُ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ: حَلَّفْتُهُ.
أَيْمَانٌ خَاصَّةٌ
أ - الإِْيلاَءُ:
هُوَ أَنْ يَحْلِفَ الزَّوْجُ عَلَى الاِمْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ مُطْلَقًا أَوْ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَلِفُ بِاللَّهِ تَعَالَى أَمْ بِتَعْلِيقِ الطَّلاَقِ أَوِ الْعِتْقِ أَوْ نَحْوِهِمَا. وَلِهَذَا الإِْيلاَءِ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قوله تعالي لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم ) وَلِتَفْصِيلِهَا (ر: إِيلاَءٌ).
ب - اللِّعَانُ:
اللِّعَانُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ لاَعَنَ، بِمَعْنَى شَاتَمَ، فَإِذَا تَشَاتَمَ اثْنَانِ، فَشَتَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا الآْخَرَ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَلْعَنَهُ اللَّهُ، قِيلَ لَهُمَا: تَلاَعَنَا، وَلاَعَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ.
وَاللِّعَانُ فِي الشَّرْعِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ أَمَامَ الْقَاضِي، وَهُوَ: قَوْلُ الزَّوْجِ لاِمْرَأَتِهِ مُشِيرًا إِلَيْهَا: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي هَذِهِ مِنَ الزِّنَى.
وَإِذَا كَانَتْ حَامِلاً أَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ زَادَ: وَأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ أَوِ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنِّي. وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَيَزِيدُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ: وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ.
وَلِعَانُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا إِذَا لَمْ تُصَدِّقْهُ أَنْ تَقُولَ بَعْدَ لِعَانِهِ إِيَّاهَا: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّ زَوْجِي هَذَا لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَى، وَتَزِيدُ لإِِثْبَاتِ نِسْبَةِ الْحَمْلِ أَوِ الْوَلَدِ: وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْهُ. وَتُكَرِّرُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَتَزِيدُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ: وَعَلَيْهَا غَضَبُ اللَّهِ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ.
وَلِعَانُ الْحَاكِمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ هُوَ: أَنْ يُحْضِرَهُمَا، وَيَأْمُرَ الزَّوْجَ بِمُلاَعَنَةِ زَوْجَتِهِ إِنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى قَذْفِهَا، وَلَيْسَ مَعَهُ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ عُدُولٍ، وَلَمْ تَعْتَرِفِ الزَّوْجَةُ بِمَا قَالَهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ الزَّوْجَةَ - بَعْدَ انْتِهَاءِ الزَّوْجِ مِنَ الْمُلاَعَنَةِ - أَنْ تُلاَعِنَهُ، فَإِذَا لاَعَنَتْهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ مَعْنَاهُ أُقْسِمُ بِاللَّهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اللِّعَانُ يَمِينًا خَاصَّةً لَهَا أَحْكَامٌ تَخُصُّهَا، وَلِتَفْصِيلِهَا (ر: لِعَانٌ).
ج - الْقَسَامَةُ:
الْقَسَامَةُ فِي اللُّغَةِ لَهَا مَعَانٍ: مِنْهَا الْيَمِينُ.
وَفِي الشَّرْعِ: أَنْ يُقْسِمَ خَمْسُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمْ دِيَةَ قَتِيلِهِمْ، إِذَا وَجَدُوهُ قَتِيلاً بَيْنَ قَوْمٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا خَمْسِينَ رَجُلاً أَقْسَمَ الْمَوْجُودُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا. فَإِنِ امْتَنَعُوا وَطَلَبُوا الْيَمِينَ مِنَ الْمُتَّهَمِينَ رَدَّهَا الْقَاضِي عَلَيْهِمْ، فَأَقْسَمُوا بِهَا عَلَى نَفْيِ الْقَتْلِ عَنْهُمْ. فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعُونَ اسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ. وَإِنْ حَلَفَ الْمُتَّهَمُونَ لَمْ تَلْزَمْهُمُ الدِّيَةُ. عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي (قَسَامَةٌ).
د - الْيَمِينُ الْمُغَلَّظَةُ:
هِيَ الْيَمِينُ الَّتِي غُلِّظَتْ بِالزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَزِيَادَةِ الأَْسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَبِحُضُورِ جَمْعٍ، وَبِالتَّكْرَارِ.
فَالتَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ هُوَ: أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَعَصْرُ الْجُمُعَةِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ.
وَالتَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ: أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ عِنْدَ مِنْبَرِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ مِنْ جِهَةِ الْمِحْرَابِ، وَكَوْنُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْلَى. أَمَّا التَّغْلِيظُ فِي مَكَّةَ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرُّكْنِ الأَْسْوَدِ وَالْمَقَامِ.
وَالتَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ يَكُونُ فِي اللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ وَبَعْضِ الدَّعَاوَى.
وَالتَّغْلِيظُ بِزِيَادَةِ الأَْسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ نَحْوَ: وَاللَّهِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَنَحْوَ: وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ مِنَ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنَ الْعَلاَنِيَةِ.
وَهَذَا التَّغْلِيظُ يَكُونُ فِي بَعْضِ الدَّعَاوَى.
وَالتَّغْلِيظُ بِحُضُورِ جَمْعٍ هُوَ: أَنْ يَحْضُرَ الْحَلِفَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ الْبَلْدَةِ وَصُلَحَائِهَا، أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ.
وَهَذَا التَّغْلِيظُ يَكُونُ فِي اللِّعَانِ.
وَالتَّغْلِيظُ بِالتَّكْرَارِ هُوَ: تَكْرَارُ الْيَمِينِ خَمْسِينَ مَرَّةً.
وَهَذَا يَكُونُ فِي الْقَسَامَةِ. وَلِتَفْصِيلِ ذَلِكَ كُلِّهِ (ر: لِعَانٌ وَقَسَامَةٌ وَدَعْوَى).
هـ - أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ:
مِمَّا أَحْدَثَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ، أَنْ حَلَّفَ النَّاسَ عَلَى بَيْعَتِهِمْ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَالْيَمِينِ بِاللَّهِ وَصَدَقَةِ الْمَالِ.
فَكَانَتْ هَذِهِ الأَْيْمَانُ الأَْرْبَعَةُ أَيْمَانَ الْبَيْعَةِ الْقَدِيمَةِ الْمُبْتَدَعَةِ.
ثُمَّ أَحْدَثَ الْمُسْتَحْلِفُونَ مِنَ الأُْمَرَاءِ عَنِ الْخُلَفَاءِ وَالْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ أَيْمَانًا كَثِيرَةً، تَخْتَلِفُ فِيهَا عَادَاتُهُمْ، وَمَنْ أَحْدَثَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ إِثْمُ مَا تَرَتَّبَ عَلَى هَذِهِ الأَْيْمَانِ مِنَ الشَّرِّ.
فَإِذَا حَلَفَ إِنْسَانٌ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ، بِأَنْ قَالَ: عَلَيَّ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ، أَوْ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي إِنْ فَعَلْتُ كَذَا أَوْ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا مَثَلاً:
فَالْمَالِكِيَّةُ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجْمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيهَا بِالطَّلاَقِ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ، وَالْعِتْقِ لِجَمِيعِ عَبِيدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْمَشْيُ إِلَى مَكَّةَ، وَالْحَجُّ وَلَوْ مِنْ أَقْصَى الْمَغْرِبِ، وَالتَّصَدُّقُ بِثُلُثِ جَمِيعِ أَمْوَالِهِ، وَصِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: جُلُّ الأَْنْدَلُسِيِّينَ قَالُوا: إِنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ لَهُ تَطْلُقُ ثَلاَثًا ثَلاَثًا، وَقَالَ الْقَرَوِيُّونَ: إِنَّمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً. وَأَلْزَمَهُ بَعْضُهُمْ صَوْمَ سَنَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَادًا لِلْحَلِفِ بِذَلِكَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ: إِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي لَفْظِهِ طَلاَقَهَا أَوْ عَتَاقَهَا أَوْ حَجَّهَا أَوْ صَدَقَتَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، سَوَاءٌ أَنَوَاهُ أَمْ لَمْ يَنْوِهِ، إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ طَلاَقَهَا أَوْ عَتَاقَهَا، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: يَلْزَمُهُ الطَّلاَقُ وَالْعَتَاقُ، فَإِنَّ الْيَمِينَ بِهِمَا تَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ: لاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَإِنْ نَوَاهُ مَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ؛ لأِنَّ الصَّرِيحَ لَمْ يُوجَدْ، وَالْكِنَايَةَ إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ فِيمَا يَتَضَمَّنُ الإِْيقَاعُ، فَأَمَّا الاِلْتِزَامُ فَلاَ.
وَالْحَنَابِلَةُ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيُّ: إِنْ نَوَاهَا لَزِمَتْهُ، سَوَاءٌ أَعَرَفَهَا أَمْ لَمْ يَعْرِفْهَا. وَقَالَ أَكْثَرُ الأَْصْحَابِ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي: إِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ بِشَيْءٍ مِمَّا فِيهَا، وَفِي غَايَةِ الْمُنْتَهَى: يَلْزَمُ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ - وَهِيَ يَمِينٌ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ تَتَضَمَّنُ الْيَمِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالطَّلاَقَ وَالْعَتَاقَ وَصَدَقَةَ الْمَالِ - مَا فِيهَا إِنْ عَرَفَهَا وَنَوَاهَا، وَإِلاَّ فَلَغْوٌ.
و- أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ:
جَاءَ فِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَشْمَلُ سِتَّةَ أَشْيَاءَ، وَهِيَ: الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالطَّلاَقُ الْبَاتُّ لِجَمِيعِ الزَّوْجَاتِ، وَعِتْقُ مَنْ يَمْلِكُ مِنَ الْعَبِيدِ وَالإِْمَاءِ، وَالتَّصَدُّقُ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَالْمَشْيُ بِحَجٍّ، وَصَوْمِ عَامٍ.
وَهَذَا الشُّمُولُ لِلسِّتَّةِ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَعَارُفِ الْحَلِفِ بِهَا، فَإِنْ تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِبَعْضِهَا لَمْ تَشْمَلْ مَا سِوَاهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى تَحْرِيمِ تَحْلِيفِ الْقَاضِي بِالطَّلاَقِ أَوِ الْعَتَاقِ أَوِ النَّذْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَتَى بَلَغَ الإِْمَامَ أَنَّ قَاضِيًا يَسْتَحْلِفُ النَّاسَ بِطَلاَقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ عَزَلَهُ عَنِ الْحُكْمِ؛ لأِنَّهُ جَاهِلٌ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَلْزَمُ بِالْحَلِفِ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ ظِهَارٌ وَطَلاَقٌ وَعَتَاقٌ وَنَذْرٌ وَيَمِينٌ بِاللَّهِ تَعَالَى مَعَ النِّيَّةِ. كَمَا لَوْ حَلَفَ بِكُلٍّ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادٍ. وَلَوْ حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى نِيَّةِ بَعْضِ مَا ذُكِرَ تَقَيَّدَ حَلِفُهُ بِهِ، وَلَوْ حَلَفَ بِهَا وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَنْوِ كُلَّهَا وَلاَ بَعْضَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لأِنَّ هُ لَمْ يَنْوِ بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ فَلَمْ تَكُنْ يَمِينًا.
ز - أَيْمَانُ الإِْثْبَاتِ وَالإِْنْكَارِ:
يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ فِي مَبْحَثِ الدَّعْوَى أَيْمَانًا لِلإِْثْبَاتِ وَالإِْنْكَارِ.
(مِنْهَا): الْيَمِينُ الْمُنْضَمَّةُ، وَيَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا بِالْيَمِينِ الْمُتَمِّمَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُضَمُّ إِلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، أَوْ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ لإِِثْبَاتِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ.
(وَمِنْهَا): يَمِينُ الْمُنْكِرِ بِكَسْرِ الْكَافِ، أَوْ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَصُورَتُهَا: أَنْ يَدَّعِيَ إِنْسَانٌ عَلَى غَيْرِهِ بِشَيْءٍ، وَلاَ يَجِدُ بَيِّنَةً، فَيُبَيِّنُ لَهُ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ الْحَقَّ فِي طَلَبِ الْيَمِينِ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا دَامَ مُنْكِرًا، فَيَأْمُرُهُ الْقَاضِي أَنْ يَحْلِفَ، فَإِذَا حَلَفَ سَقَطَتِ الدَّعْوَى.
(وَمِنْهَا): يَمِينُ الرَّدِّ، وَصُورَتُهَا: أَنْ يَمْتَنِعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْحَالَةِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا عَنِ الْيَمِينِ، فَيَرُدُّهَا الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعِي، فَيَحْلِفُ عَلَى دَعْوَاهُ، وَيَسْتَحِقُّ مَا ادَّعَاهُ.
(وَمِنْهَا): يَمِينُ الاِسْتِظْهَارِ، وَصُورَتُهَا: أَنْ يَتْرُكَ الْمَيِّتُ أَمْوَالاً فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ، فَيَدَّعِي إِنْسَانٌ حَقًّا عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ، فَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ لاَ تَثْبُتُ الدَّعْوَى فِي مُوَاجَهَةِ الْوَرَثَةِ بِالْبَيِّنَةِ فَقَطْ، بَلْ لاَ بُدَّ مِنْ ضَمِّ الْيَمِينِ مِنَ الْمُدَّعِي، وَقَدْ تَجِبُ يَمِينُ الاِسْتِظْهَارِ فِي مَسَائِلَ أُخْرَى.
وَلِبَيَانِ كُلِّ مَا سَبَقَ تَفْصِيلاً (ر: إِثْبَاتٌ وَدَعْوَى).
إِنْشَاءُ الْيَمِينِ وَشَرَائِطُهَا
تَقَدَّمَ أَنَّ الْيَمِينَ تَنْقَسِمُ مِنْ حَيْثُ صِيغَتُهَا إِلَى قَسَمٍ وَتَعْلِيقٍ، وَمِنْ هُنَا حَسُنَ تَقْسِيمُ الْكَلاَمِ إِلَى قِسْمَيْنِ.
إِنْشَاءُ الْقَسَمِ وَشَرَائِطُهُ
مَعْلُومٌ أَنَّ الإِْنْسَانَ إِذَا قَالَ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، فَهَذِهِ الصِّيغَةُ تَحْتَوِي عَلَى جُمْلَتَيْنِ، أُولاَهُمَا: الْجُمْلَةُ الْمُكَوَّنَةُ مِنْ فِعْلِ الْقَسَمِ وَفَاعِلِهِ الضَّمِيرِ، وَحَرْفِ الْقَسَمِ وَهُوَ الْبَاءُ، وَالْمُقْسَمُ بِهِ وَهُوَ مَدْخُولُ الْبَاءِ.
وَثَانِيَتُهُمَا: الْجُمْلَةُ الْمُقْسَمُ عَلَيْهَا.
وَتَفْصِيلُ الْكَلاَمِ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي.
أ - فِعْلُ الْقَسَمِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ فِعْلَ الْقَسَمِ إِذَا ذُكِرَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ أَوِ الْمَاضِي، كَأَقْسَمْتُ أَوْ حَلَفْتُ، أَوْ حُذِفَ وَذُكِرَ مَكَانَهُ الْمَصْدَرُ نَحْوَ: قَسَمًا أَوْ حَلِفًا بِاللَّهِ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْ نَحْوَ: اللَّهِ أَوْ بِاللَّهِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ يَمِينًا عِنْدَ الإِْطْلاَقِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا قَالَ: أَحْلِفُ أَوْ أُقْسِمُ أَوْ أَشْهَدُ أَوْ أَعْزِمُ، وَقَالَ بَعْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا: بِاللَّهِ، فَهِيَ يَمِينٌ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ بِاللَّهِ لَيْسَ بِيَمِينٍ، بِخِلاَفِ: عَزَمْتُ بِاللَّهِ، أَوْ: أَعْزِمُ بِاللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِكَلِمَةِ (عَلَيْكَ) جَعْلُهُ غَيْرَ يَمِينٍ بِخِلاَفِ (أُقْسِمُ) فَإِنَّهَا إِذَا زِيدَ بَعْدَهَا كَلِمَةُ عَلَيْكَ لَمْ تُخْرِجْهَا عَنْ كَوْنِهَا يَمِينًا؛ لأِنَّ (أُقْسِمُ) صَرِيحٌ فِي الْيَمِينِ.
وَقَوْلُ الشَّخْصِ: يَعْلَمُ اللَّهُ، لَيْسَ بِيَمِينٍ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ إِثْمُ الْكَذِبِ، وَلاَ يَكُونُ كَافِرًا بِذَلِكَ، وَلاَ بِقَوْلِهِ: أُشْهِدُ اللَّهَ، إِلاَّ إِنْ قَصَدَ أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَخْفَى عَلَيْهِ الْوَاقِعُ، وَلاَ يَكُونُ الْقَسَمُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: اللَّهُ رَاعٍ، أَوْ حَفِيظٌ، أَوْ حَاشَا لِلَّهِ، أَوْ مَعَاذَ اللَّهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: آلَيْتُ، أَوْ أَقْسَمْتُ، أَوْ أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِاللَّهِ، أَوْ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لاَ تَفْعَلْ كَذَا، أَوْ قَالَ: بِاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لاَ تَفْعَلْ كَذَا، فَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ يَمِينَ نَفْسِهِ أَوْ لاَ:
فَإِنْ أَرَادَ يَمِينَ نَفْسِهِ فَيَمِينٌ؛ لِصَلاَحِيَّةِ اللَّفْظِ لَهَا مَعَ اشْتِهَارِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ.
وَإِنْ لَمْ يُرِدْ يَمِينَ نَفْسِهِ، بَلْ أَرَادَ الشَّفَاعَةَ، أَوْ يَمِينَ الْمُخَاطَبِ، أَوْ أَطْلَقَ لَمْ تَكُنْ يَمِينًا.
فَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ، أَوْ حَلَفْتُ عَلَيْكَ بِاللَّهِ كَانَ يَمِينًا عِنْدَ الإِْطْلاَقِ؛ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ فِي الشَّفَاعَةِ أَوْ يَمِينِ الْمُخَاطَبِ.
وَإِنْ قَالَ: آلَيْتُ، أَوْ أَقْسَمْتُ، أَوْ أُقْسِمُ بِاللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ: عَلَيْكَ كَانَ يَمِينًا عِنْدَ الإِْطْلاَقِ أَيْضًا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا قَالَ أَقْسَمْتُ، أَوْ أُقْسِمُ، أَوْ شَهِدْتُ، أَوْ أَشْهَدُ، أَوْ حَلَفْتُ، أَوْ أَحْلِفُ، أَوْ عَزَمْتُ، أَوْ أَعْزِمُ، أَوْ آلَيْتُ، أَوْ أُولِي، أَوْ قَسَمًا، أَوْ حَلِفًا، أَوْ أَلْيَةً، أَوْ شَهَادَةً، أَوْ يَمِينًا، أَوْ عَزِيمَةً، وَأَتْبَعَ كُلًّا مِنْ هَذِهِ الأَْلْفَاظِ بِقَوْلِهِ (بِاللَّهِ) مَثَلاً كَانَتْ يَمِينًا، سَوَاءٌ أَنَوَى بِهَا إِنْشَاءَ الْيَمِينِ أَمْ أَطْلَقَ، فَإِنْ نَوَى بِالْفِعْلِ الْمَاضِي إِخْبَارًا عَنْ يَمِينٍ مَضَتْ، أَوْ بِالْمُضَارِعِ وَعْدًا بِيَمِينٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، أَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ: عَزَمْتُ وَأَعْزِمُ وَعَزِيمَةً: قَصَدْتُ أَوْ أَقْصِدُ أَوْ قَصْدًا، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ.
وَلَيْسَ مِنَ الْيَمِينِ قَوْلُهُ: أَسْتَعِينُ بِاللَّهِ، وَأَعْتَصِمُ بِاللَّهِ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ، وَعِلْمُ اللَّهِ، وَعِزُّ اللَّهِ، وَتَبَارَكَ اللَّهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ؛ لأِنَّ هَا لاَ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ شَرْعًا وَلاَ لُغَةً وَلاَ عُرْفًا.
وَلَوْ قَالَ: أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ لَمْ تَكُنِ الصِّيغَةُ يَمِينًا إِنْ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ السُّؤَالَ أَوِ الإِْكْرَامَ أَوِ التَّوَدُّدَ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ قَصَدَ الْيَمِينَ فَإِنَّهَا تَكُونُ يَمِينًا.
ب - حُرُوفُ الْقَسَمِ:
هِيَ: الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ. أَمَّا الْبَاءُ فَهِيَ الأَْصْلُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ قَبْلَهَا فِعْلُ الْقَسَمِ، وَأَنْ يُحْذَفَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمُضْمَرِ، نَحْوَ: أُقْسِمُ بِك يَا رَبِّ لأََفْعَلَنَّ كَذَا. وَتَلِيهَا الْوَاوُ، وَهِيَ تَدْخُلُ عَلَى الظَّاهِرِ فَقَطْ، وَيُحْذَفُ مَعَهَا فِعْلُ الْقَسَمِ وُجُوبًا. وَتَلِيهَا التَّاءُ، وَلاَ تَدْخُلُ إِلاَّ عَلَى لَفْظِ الْجَلاَلَةِ، كَمَا فِي قوله تعالي حِكَايَةٍ عَنْ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ) وَتَاللَّهِ لأََكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ وَرُبَّمَا دَخَلَتْ عَلَى (رَبِّ) نَحْوَ: تَرَبِّي، وَتَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَيَجِبُ مَعَهَا حَذْفُ فِعْلِ الْقَسَمِ أَيْضًا.
وَإِذَا وَجَبَ حَذْفُ الْفِعْلِ وَجَبَ حَذْفُ الْمَصَادِرِ أَيْضًا، نَحْوَ قَسَمًا.
وَيَقُومُ مَقَامَ بَاءِ الْقَسَمِ حُرُوفٌ أُخْرَى، وَهِيَ الْهَاءُ وَالْهَمْزَةُ وَاللاَّمُ.
أَمَّا الْهَاءُ فَمِثَالُهَا: هَا اللَّهِ، بِفَتْحِ الْهَاءِ مَمْدُودَةً وَمَقْصُورَةً مَعَ قَطْعِ هَمْزَةِ لَفْظِ الْجَلاَلَةِ وَوَصْلِهَا، وَإِذَا وُصِلَتْ حُذِفَتْ.
وَأَمَّا الْهَمْزَةُ فَمِثَالُهَا: آللَّهُ، مَمْدُودَةً وَمَقْصُورَةً مَعَ وَصْلِ هَمْزَةِ لَفْظِ الْجَلاَلَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُحْذَفَ.
وَأَمَّا اللاَّمُ، فَقَدْ أَفَادَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ: أَنَّ مَنْ قَالَ (لِلَّهِ) بِلاَمِ الْجَرِّ بَدَلِ الْبَاءِ كَانَتْ صِيغَتُهُ يَمِينًا.
وَلاَ تُسْتَعْمَلُ اللاَّمُ إِلاَّ فِي قَسَمٍ مُتَضَمِّنٍ مَعْنَى التَّعَجُّبِ، كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : «دَخَلَ آدَمُ الْجَنَّةَ فَلِلَّهِ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ حَتَّى خَرَجَ.
وَفِي مُغْنِي اللَّبِيبِ وَالْقَامُوسِ وَشَرْحِهِ مَا يُفِيدُ أَنَّ اللاَّمَ تُسْتَعْمَلُ لِلْقَسَمِ وَالتَّعَجُّبِ مَعًا، وَتَخْتَصُّ بِلَفْظِ الْجَلاَلَةِ.
هَذَا مَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَنَحْوُهُ بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ.
حَذْفُ حَرْفِ الْقَسَمِ:
إِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْحَالِفُ شَيْئًا مِنْ أَحْرُفِ الْقَسَمِ، بَلْ قَالَ: اللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا مَثَلاً، كَانَ يَمِينًا بِغَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى النِّيَّةِ سَوَاءٌ أَكَسَرَ الْهَاءَ عَلَى سَبِيلِ الْجَرِّ بِالْحَرْفِ الْمَحْذُوفِ، أَمْ فَتَحَهَا عَلَى سَبِيلِ نَزْعِ الْخَافِضِ، أَمْ ضَمَّهَا عَلَى سَبِيلِ الرَّفْعِ بِالاِبْتِدَاءِ، وَيَكُونُ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا وَتَقْدِيرُهُ: قَسَمِي أَوْ أُقْسِمُ بِهِ، أَمْ سَكَّنَهَا إِجْرَاءً لِلْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ.
وَبَقَاءُ الْجَرِّ عِنْدَ حَذْفِ الْحَرْفِ خَاصٌّ بِلَفْظِ الْجَلاَلَةِ، فَلاَ يَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُقَالَ: الرَّحْمَنِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا بِكَسْرِ النُّونِ. كَذَا قِيلَ. لَكِنِ الرَّاجِحُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً، وَأَيًّا مَا كَانَ فَاللَّحْنُ لاَ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ.
هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَالَ: اللَّهِ، بِحَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ. لَمْ يَكُنْ يَمِينًا إِلاَّ بِالنِّيَّةِ، سَوَاءٌ جَرَّ الاِسْمَ أَمْ نَصَبَهُ أَمْ رَفَعَهُ أَمْ سَكَنَّهُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَصِحُّ قَسَمٌ بِغَيْرِ حُرُوفِهِ، نَحْوَ: اللَّهِ لأََفْعَلَنَّ، جَرًّا وَنَصْبًا. فَإِنْ رُفِعَ فَيَمِينٌ أَيْضًا إِلاَّ إِذَا كَانَ الرَّافِعُ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ وَلَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ، فَلاَ يَكُونُ يَمِينًا لأِنَّ هُ إِمَّا مُبْتَدَأٌ أَوْ مَعْطُوفٌ بِخِلاَفِ مَنْ لاَ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ، فَلَوْ رَفَعَ كَانَ يَمِينًا لأِنَّ اللَّحْنَ لاَ يَضُرُّ.
ج - اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمُقْسَمِ بِهِ:
اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمُقْسَمِ بِهِ: هُوَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ الْقَسَمِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةً لَهُ.
وَالْمَقْصُودُ بِالاِسْمِ: مَا دَلَّ عَلَى الذَّاتِ الْمُتَّصِفَةِ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَهُوَ لَفْظُ الْجَلاَلَةِ (اللَّهُ) وَكَذَلِكَ تَرْجَمَتُهُ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ، أَوْ عَلَى الذَّاتِ الْمُتَّصِفَةِ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى، سَوَاءٌ أَكَانَ مُخْتَصًّا بِهِ كَالرَّحْمَنِ، وَرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخَالِقِ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضِ، وَالأَْوَّلِ بِلاَ بِدَايَةٍ، وَالآْخِرِ بِلاَ نِهَايَةٍ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَالَّذِي بَعَثَ الأَْنْبِيَاءَ بِالْحَقِّ، وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. أَمْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالرَّحِيمِ وَالْعَظِيمِ وَالْقَادِرِ وَالرَّبِّ وَالْمَوْلَى وَالرَّازِقِ وَالْخَالِقِ وَالْقَوِيِّ وَالسَّيِّدِ، فَهَذِهِ الأَْسْمَاءُ قَدْ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي حِكَايَةِ مَا قَالَهُ الْهُدْهُدُ لِسُلَيْمَانَ عليه السلام وَصْفًا لِمَلَكَةِ سَبَأٍ ( وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) . وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي وَصْفِ أَهْلِ الْحَدِيقَةِ الَّذِينَ عَزَمُوا عَلَى الْبُخْلِ بِثَمَرِهَا ( وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ) وَمَعْنَى الْحَرْدِ: الْمَنْعُ، وَالْمُرَادُ مَنْعُ الْمَسَاكِينِ، وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ يُوسُفَ عليه السلام لأَِحَدِ صَاحِبَيْهِ فِي السِّجْنِ: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ مُخَاطِبًا لِزَوْجَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ مُخَاطِبًا لِمَنْ يَقْسِمُونَ الْمِيرَاثَ ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ).
وَقَالَ سُبْحَانَهُ مُخَاطِبًا لِعِيسَى عليه السلام وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي) وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ لأَِبِيهَا عَنْ مُوسَى عليه السلام إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَْمِينُ وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ( وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ). (وَالْمَقْصُودُ بِالصِّفَةِ): اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَعْنًى تَصِحُّ نِسْبَتُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، سَوَاءٌ كَانَ صِفَةَ ذَاتٍ أَمْ صِفَةَ فِعْلٍ.
وَصِفَةُ الذَّاتِ هِيَ: الَّتِي يَتَّصِفُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَا لاَ بِضِدِّهَا كَوُجُودِهِ.
وَصِفَةُ الْفِعْلِ هِيَ: الَّتِي يَتَّصِفُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا وَبِضِدِّهَا بِاعْتِبَارِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ، كَرَحْمَتِهِ وَعَذَابِهِ.
وَلاَ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِكُلِّ اسْمٍ لَهُ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ عَلَى الإِْطْلاَقِ، بَلْ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِشَرَائِطَ مُفَصَّلَةٍ تَخْتَلِفُ فِيهَا الْمَذَاهِبُ.
فَالْحَنَفِيَّةُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ، أَرْجَحُهَا: أَنَّ الاِسْمَ يَجُوزُ الإِْقْسَامُ بِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُخْتَصًّا أَمْ مُشْتَرَكًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفًا أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ أَنَوَى بِهِ اللَّهَ تَعَالَى أَمْ لاَ. لَكِنْ لَوْ نَوَى بِالاِسْمِ الْمُشْتَرَكِ غَيْرَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، وَإِذَا كَانَ الاِسْمُ غَيْرَ وَارِدٍ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا إِلاَّ إِذَا تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهِ، أَوْ نَوَى بِهِ اللَّهَ تَعَالَى. وَأَمَّا الصِّفَةُ فَلاَ يَصِحُّ الإِْقْسَامُ بِهَا إِلاَّ إِذَا كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِصِفَتِهِ تَعَالَى، سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَلِفُ بِهَا مُتَعَارَفًا أَمْ لاَ، أَوْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ صِفَتِهِ تَعَالَى وَغَيْرِهَا وَتُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهَا، وَسَوَاءٌ فِي الصِّفَةِ كَوْنُهَا صِفَةَ ذَاتٍ وَكَوْنُهَا صِفَةَ فِعْلٍ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَتِهِ الذَّاتِيَّةِ الْمُخْتَصَّةِ. وَأَمَّا الْمُشْتَرَكَةُ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ بِهَا مَا لَمْ يُرِدْ بِهَا غَيْرَ صِفَتِهِ تَعَالَى. وَأَمَّا صِفَةُ الْفِعْلِ فَفِي الاِنْعِقَادِ بِهَا خِلاَفٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُخْتَصِّ بِهِ إِنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهُ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَلاَ بَاطِنًا عِنْدَهُمْ.
وَتَنْعَقِدُ أَيْضًا بِاسْمِهِ الَّذِي يَغْلِبُ إِطْلاَقُهُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ مُقَيَّدًا كَالرَّبِّ، وَهَذَا إِنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهُ قُبِلَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. وَتَنْعَقِدُ أَيْضًا بِالاِسْمِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي لاَ يَغْلِبُ إِطْلاَقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَالْحَيِّ وَالسَّمِيعِ، وَكَذَا بِاللَّفْظِ الَّذِي يَشْمَلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اسْمًا لَهُ تَعَالَى كَالشَّيْءِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِهَا بِهَذَا النَّوْعِ أَنْ يُرِيدَ الْحَالِفُ اللَّهَ تَعَالَى، فَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ.
وَلَمْ يُفَصِّلِ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ، بَلْ قَالُوا: إِنَّ الصِّفَةَ الْمُضَافَةَ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهَا، أَمَّا غَيْرُ الْمُضَافَةِ - كَأَنْ يُقَالَ: وَالْعِزَّةُ - فَلاَ تَنْعَقِدُ بِهَا إِلاَّ بِإِرَادَةِ صِفَتِهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الاِسْمُ الَّذِي لاَ يُعَدُّ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَلاَ يَصِحُّ إِطْلاَقُهُ عَلَيْهِ فَلاَ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَثَّلَ لَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعَوَّامِ (وَالْجَنَابِ الرَّفِيعِ) فَالْجَنَابُ لِلإِْنْسَانِ فِنَاءُ دَارِهِ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنِّيَّةُ لاَ تُؤَثِّرُ مَعَ الاِسْتِحَالَةِ.
أَمَّا صِفَةُ الْفِعْلِ، فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا، وَسَكَتَ الْحَنَابِلَةُ عَنْهَا، وَأَطْلَقُوا انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِصِفَتِهِ تَعَالَى الْمُضَافَةِ إِلَيْهِ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ بِصِفَتِهِ الْفِعْلِيَّةِ.
الْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ وَالْحَقِّ
أ - الْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ أَوِ الْمُصْحَفِ:
الْمُعْتَمَدُ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ يَمِينٌ؛ لأِنَّ الْقُرْآنَ كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ الذَّاتِيَّةُ، وَقَدْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ، وَالأَْيْمَانُ تُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ.
أَمَّا الْحَلِفُ بِالْمُصْحَفِ، فَإِنْ قَالَ الْحَالِفُ: أُقْسِمُ بِمَا فِي هَذَا الْمُصْحَفِ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا. أَمَّا لَوْ قَالَ: أُقْسِمُ بِالْمُصْحَفِ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ يَمِينًا؛ لأِنَّ الْمُصْحَفَ لَيْسَ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى، إِذْ هُوَ الْوَرَقُ وَالْجِلْدُ، فَإِنْ أَرَادَ مَا فِيهِ كَانَ يَمِينًا لِلْعُرْفِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِالْقُرْآنِ وَبِالْمُصْحَفِ، وَبِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَبِآيَةِ الْكُرْسِيِّ أَوْ غَيْرِهَا، وَبِالتَّوْرَاةِ وَبِالإِْنْجِيلِ وَبِالزَّبُورِ؛ لأِنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى كَلاَمِهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ، لَكِنْ لَوْ أَرَادَ بِالْمُصْحَفِ النُّقُوشَ وَالْوَرَقَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَالتَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيلِ مَا لَمْ يُرِدِ الأَْلْفَاظَ، وَبِالْقُرْآنِ وَبِالْمُصْحَفِ مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ وَرَقَهُ وَجِلْدَهُ؛ لأِنَّ هُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ لاَ يَنْصَرِفُ عُرْفًا إِلاَّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْحَلِفُ بِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُصْحَفِ وَالْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيلِ وَالزَّبُورِ يَمِينٌ، وَكَذَا الْحَلِفُ بِسُورَةٍ أَوْ آيَةٍ.
ب - الْحَلِفُ بِالْحَقِّ، أَوْ حَقِّ اللَّهِ:
لاَ شَكَّ أَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الأَْسْمَاءِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ، وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ لِلأَْسْمَاءِ الَّتِي تَنْصَرِفُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ تَنْصَرِفُ إِلَى غَيْرِهِ إِلاَّ بِالتَّقْيِيدِ، فَعَلَى هَذَا مَنْ قَالَ: وَالْحَقِّ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، إِنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ كَانَ يَمِينًا بِلاَ خِلاَفٍ، وَإِنْ أَرَادَ الْعَدْلَ أَوْ أَرَادَ شَيْئًا مَا مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي تَكُونُ لِلإِْنْسَانِ عَلَى الإِْنْسَانِ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
وَأَمَّا (حَقٌّ) الْمُضَافُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ إِلَى اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ مِنَ الأَْسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الَّتِي تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهَا فَفِيهِ خِلاَفٌ.
فَالْحَنَفِيَّةُ نَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ قَالَ: (وَحَقِّ اللَّهِ) يَكُنْ يَمِينًا. وَوَجَّهَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ بِأَنَّ حَقَّهُ تَعَالَى هُوَ الطَّاعَاتُ وَالْعِبَادَاتُ، فَلَيْسَ اسْمًا وَلاَ صِفَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يَمِينٌ؛ لأِنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى، وَهُوَ حَقِيقَةٌ، فَكَأَنَّ الْحَالِفَ قَالَ: وَاللَّهِ الْحَقِّ، وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ. وَاخْتَارَ صَاحِبُ الاِخْتِيَارِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَتَبِعَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِحَقِّ اللَّهِ، وَمَرْجِعُهُ إِلَى الْعَظَمَةِ وَالأُْلُوهِيَّةِ، فَإِنْ قَصَدَ الْحَالِفُ بِهِ الْحَقَّ الَّذِي عَلَى الْعِبَادِ مِنَ التَّكَالِيفِ وَالْعِبَادَةِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ.
حَذْفُ الْمُقْسَمِ بِهِ
إِذَا لَمْ يَذْكُرِ الْحَالِفُ الْمُقْسَمَ بِهِ بَلْ قَالَ: أُقْسِمُ، أَوْ أَحْلِفُ، أَوْ أَشْهَدُ، أَوْ أَعْزِمُ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ آلَيْتُ لاَ أَفْعَلُ كَذَا كَانَ يَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ حَذَفَ الْحَالِفُ قَوْلَهُ (بِاللَّهِ) بَعْدَ قَوْلِهِ أَحْلِفُ أَوْ أُقْسِمُ أَوْ أَشْهَدُ كَانَ يَمِينًا إِنْ نَوَاهُ - أَيْ نَوَى الْحَلِفَ بِاللَّهِ - بِخِلاَفِ مَا لَوْ حَذَفَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَعْزِمُ فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ نَوَاهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْفِعْلِ وَالأَْفْعَالِ الثَّلاَثَةِ السَّابِقَةِ، أَنَّ الْعَزْمَ مَعْنَاهُ الأَْصْلِيُّ الْقَصْدُ وَالاِهْتِمَامُ، فَلاَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْقَسَمِ إِلاَّ إِذَا ذُكِرَ بَعْدَهُ الْمُقْسَمُ بِهِ، بِأَنْ يَقُولَ (بِاللَّهِ)، مَثَلاً، بِخِلاَفِ الأَْفْعَالِ الثَّلاَثَةِ السَّابِقَةِ، فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْقَسَمِ فَيَكْفِي فِيهَا أَنْ يَنْوِيَ الْمُقْسِمَ بِهِ عِنْدَ حَذْفِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ حَذَفَ الْمُتَكَلِّمُ الْمَحْلُوفَ بِهِ لَمْ تَكُنِ الصِّيغَةُ يَمِينًا وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ بِاللَّهِ، سَوَاءٌ ذَكَرَ فِعْلَ الْقَسَمِ أَمْ حَذَفَهُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ حَذَفَ الْحَالِفُ قَوْلَهُ (بِاللَّهِ) مَثَلاً بَعْدَ نُطْقِهِ بِالْفِعْلِ أَوِ الاِسْمِ الدَّالِّ عَلَى الْقَسَمِ، نَحْوَ: قَسَمًا، لَمْ تَكُنِ الصِّيغَةُ يَمِينًا، إِلاَّ إِذَا نَوَى الْحَلِفَ بِاللَّهِ.
اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ
اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ هُوَ الْجُمْلَةُ الَّتِي يُرِيدُ الْحَالِفُ تَحْقِيقَ مَضْمُونِهَا مِنْ إِثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ، وَتُسَمَّى جَوَابَ الْقَسَمِ.
وَيَجِبُ فِي الْعَرَبِيَّةِ تَأْكِيدُ الإِْثْبَاتِ بِاللاَّمِ مَعَ نُونِ التَّوْكِيدِ إِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُضَارِعًا، وَبِاللاَّمِ مَعَ قَدْ إِنْ كَانَ مَاضِيًا. يُقَالُ: وَاللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا. وَأَمَّا النَّفْيُ فَلاَ يُؤَكَّدُ فِيهِ الْفِعْلُ، بَلْ يُقَالُ: وَاللَّهِ لاَ أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ مَا فَعَلْتُ كَذَا.
فَإِذَا وَرَدَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مُثْبَتٌ لَيْسَ فِيهِ لاَمٌ وَلاَ نُونُ تَوْكِيدٍ اعْتُبِرَ مَنْفِيًّا بِحَرْفٍ مَحْذُوفٍ، كَمَا فِي قوله تعالي ( تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ) أَيْ: لاَ تَفْتَأُ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إِنْسَانٌ: وَاللَّهِ أُكَلِّمُ فُلاَنًا الْيَوْمَ، كَانَ حَالِفًا عَلَى نَفْيِ تَكْلِيمِهِ، فَيَحْنَثُ إِذَا كَلَّمَهُ؛ لأِنَّ الْفِعْلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لاَمٌ وَلاَ نُونُ تَوْكِيدٍ قُدِّرَتْ قَبْلَهُ (لاَ) النَّافِيَةُ.
هَذَا إِذَا لَمْ يَتَعَارَفِ النَّاسُ خِلاَفَهُ، فَإِنْ تَعَارَفُوا أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَكُونُ إِثْبَاتًا، كَانَ حَالِفًا عَلَى الإِْثْبَاتِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. هَكَذَا يُؤْخَذُ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَلاَ نَظُنُّ أَنَّهُ مَحَلُّ خِلاَفٍ، فَإِنَّهُ مِنَ الْوُضُوحِ بِمَكَانٍ.
الصِّيَغُ الْخَالِيَةُ مِنْ أَدَاةِ الْقَسَمِ وَالْمُقْسَمِ بِهِ
قَدْ يَأْتِي الْحَالِفُ بِصِيَغٍ خَالِيَةٍ مِنْ أَدَاةِ الْقَسَمِ وَمِنِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَتِهِ، أَوْ خَالِيَةٍ مِنَ الأَْدَاةِ وَحْدَهَا، وَتُعْتَبَرُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَيْمَانًا كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى.
أ - لَعَمْرُ اللَّهِ:
إِذَا قِيلَ: لَعَمْرُ اللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، كَانَ هَذَا قَسَمًا مُكَوَّنًا مِنْ مُبْتَدَأٍ مَذْكُورٍ وَخَبَرٍ مُقَدَّرٍ، وَالتَّقْدِيرُ: لَعَمْرُ اللَّهِ قَسَمِي، أَوْ يَمِينِي، أَوْ أَحْلِفُ بِهِ. وَهِيَ فِي قُوَّةِ قَوْلِكَ: وَعَمْرُ اللَّهِ، أَيْ بَقَائِهِ، هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ كِنَايَةٌ؛ لأِنَّ الْعُمْرَ يُطْلَقُ عَلَى الْحَيَاةِ وَالْبَقَاءِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الدِّينِ وَهُوَ الْعِبَادَاتُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَحَيَاةِ اللَّهِ وَبَقَائِهِ، أَوْ دِينِهِ، فَيَكُونُ يَمِينًا عَلَى الاِحْتِمَالَيْنِ الأَْوَّلَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ، فَلاَ بُدَّ مِنَ النِّيَّةِ.
ب - وَأَيْمَنُ اللَّهِ:
جَاءَ هَذَا الاِسْمُ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مَسْبُوقًا بِالْوَاوِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاوَ لِلْقَسَمِ، وَيَكُونُ إِقْسَامًا بِبَرَكَتِهِ تَعَالَى أَوْ قُوَّتِهِ، وَجَاءَ فِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ مَسْبُوقًا بِالْوَاوِ أَيْضًا مَعَ تَصْرِيحِ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ نُونَهُ مَضْمُومَةٌ وَأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجُمْلَةَ قَسَمٌ فَقَطْ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ إِلاَّ إِذَا جِيءَ بَعْدَهَا بِجُمْلَةِ الْجَوَابِ، مِثْلُ لأََفْعَلَنَّ كَذَا.
ج - عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ نَذْرٌ لِلَّهِ:
- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قَالَ قَائِلٌ: عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ نَذْرُ اللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لاَ أَفْعَلُ كَذَا، كَانَ ذَلِكَ يَمِينًا، فَإِذَا لَمْ يُوَفِّ بِمَا ذَكَرَهُ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ نَذْرٌ لِلَّهِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ نَوَى بِالنَّذْرِ قُرْبَةً مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَزِمَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَ نَذْرًا لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، كَأَنَّهُ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ لِلَّهِ أَنْ أُؤَدِّيَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْيَمِينِ الَّتِي حَنِثَ فِيهَا صَاحِبُهَا؛ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «النَّذْرُ يَمِينٌ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: تَلْزَمُ كَفَّارَةٌ فِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ. وَلَهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ (الأُْولَى) عَلَيَّ نَذْرٌ (الثَّانِيَةُ) لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ (الثَّالِثَةُ) إِنْ فَعَلْتُ كَذَا أَوْ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ (الرَّابِعَةُ) إِنْ فَعَلْتُ كَذَا أَوْ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، فَفِي الصُّورَتَيْنِ الأُْولَيَيْنِ تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ الأُْخْرَيَيْنِ تَلْزَمُ الْكَفَّارَةَ بِحُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَصْدُ الاِمْتِنَاعَ أَمِ الشُّكْرَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: مَنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ، لَزِمَتْهُ قُرْبَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مَا شَاءَ مِنَ الْقُرَبِ، كَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَصَلاَةٍ وَصَوْمٍ. وَمَنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقُرْبَةِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، فَإِنِ اخْتَارَ الْقُرْبَةَ فَلَهُ اخْتِيَارُ مَا شَاءَ مِنَ الْقُرَبِ، وَإِنِ اخْتَارَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ كَفَّرَ بِمَا يَجِبُ فِي الْيَمِينِ الَّتِي حَنِثَ صَاحِبُهَا فِيهَا.
وَمَنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ نَذْرٍ، كَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحِنْثِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَالصِّيغَةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَْمْثِلَةِ صِيغَةُ نَذْرٍ وَلَيْسَتْ صِيغَةَ يَمِينٍ، إِلاَّ الصِّيغَةَ الَّتِي فِيهَا (إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا... إِلَخْ) فَيَجُوزُ تَسْمِيَتُهَا يَمِينًا؛ لأِنَّ هَا مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، وَفَعَلَهُ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي الأَْرْجَحِ، وَقِيلَ: لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِلاَّ فَلاَ، وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَيْضًا فِي الأَْرْجَحِ.
د - عَلَيَّ يَمِينٌ، أَوْ يَمِينُ اللَّهِ:
- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ، أَوْ يَمِينُ اللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لاَ أَفْعَلُ كَذَا، فَهَاتَانِ الصِّيغَتَانِ مِنَ الأَْيْمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّاحِبَيْنِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَوْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ وَلَمْ يُضِفْهُ لِلَّهِ تَعَالَى، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا عِنْدَ الإِْطْلاَقِ.
وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْيَمِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَلاَ تُعْتَبَرُ الصِّيغَةُ يَمِينًا بِاللَّهِ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ.
وَيُسْتَدَلُّ لأَِبِي حَنِيفَةَ وَالصَّاحِبَيْنِ بِأَنَّ إِطْلاَقَ الْيَمِينِ يَنْصَرِفُ إِلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، إِذْ هِيَ الْجَائِزَةُ شَرْعًا، هَذَا إِذَا ذَكَرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ.
فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ، بَلْ قَالَ الْحَالِفُ: عَلَيَّ يَمِينٌ، أَوْ يَمِينُ اللَّهِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَرَادَ إِنْشَاءَ الاِلْتِزَامِ لاَ الإِْخْبَارَ بِالْتِزَامٍ سَابِقٍ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لأِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُعْتَبَرُ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْمَنْذُورُ يُعْتَبَرُ نَذْرًا لِلْكَفَّارَةِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْيَمِينِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْتِزَامَ الْيَمِينِ لَهُ أَرْبَعُ صِيَغٍ كَالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ، وَأَمْثِلَتُهَا: عَلَيَّ يَمِينٌ، وَلِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ، وَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَعَلَيَّ يَمِينٌ، إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ.
وَلاَ يَخْفَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مُوجِبُ الْيَمِينِ، فَالْكَلاَمُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: عَلَيَّ يَمِينٌ، لاَ يُعْتَبَرُ يَمِينًا سَوَاءٌ أَكَانَ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا؛ لأِنَّهُ الْتِزَامٌ لِلْيَمِينِ أَيِ الْحَلِفِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ قُرْبَةً كَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ فَهُوَ لَغْوٌ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَنْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، فَفِيهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لَغْوٌ، كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كِنَايَةٌ فَلاَ يَكُونُ يَمِينًا إِلاَّ بِالنِّيَّةِ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ الأَْرْجَحُ: أَنَّهُ يَمِينٌ بِغَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى النِّيَّةِ.
هـ - عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ مِيثَاقُهُ، أَوْ ذِمَّتُهُ:
- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قِيلَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ ذِمَّةُ اللَّهِ أَوْ مِيثَاقُ اللَّهِ لاَ أَفْعَلُ كَذَا مَثَلاً، فَهَذِهِ الصِّيَغُ مِنَ الأَْيْمَانِ؛ لأِنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى هِيَ عَهْدُ اللَّهِ عَلَى تَحْقِيقِ الشَّيْءِ أَوْ نَفْيِهِ، قَالَ تَعَالَى: ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَْيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا فَجَعَلَ الْعَهْدَ يَمِينًا، وَالذِّمَّةُ هِيَ الْعَهْدُ، وَمِنْ ذَلِكَ تَسْمِيَةُ الَّذِينَ تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ مِنَ الْكُفَّارِ: بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، أَيْ أَهْلِ الْعَهْدِ، وَالْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ مِنَ الأَْسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ، وَإِذَنْ فَالْكَلاَمُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالتَّقْدِيرُ: عَلَيَّ مُوجِبُ عَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَذِمَّتِهِ.
فَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لَمْ يَذْكُرِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَالْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ فِي «عَلَيَّ يَمِينٌ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: مِنْ صِيَغِ الْيَمِينِ الصَّرِيحَةِ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لاَ أَفْعَلُ، أَوْ لأََفْعَلَنَّ كَذَا مَثَلاً فَتَجِبُ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ إِذَا نَوَى الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ بَلْ أُرِيدَ بِالْعَهْدِ التَّكَالِيفُ الَّتِي عَهِدَ بِهَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْعِبَادِ لَمْ تَكُنْ يَمِينًا.
وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: أُعَاهِدُ اللَّهَ، لَيْسَ بِيَمِينٍ عَلَى الأَْصَحِّ؛ لأِنَّ الْمُعَاهَدَةَ مِنْ صِفَاتِ الإِْنْسَانِ لاَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: لَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ، أَوْ أُعْطِيكَ عَهْدًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: مِنْ كِنَايَاتِ الْيَمِينِ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ مِيثَاقُهُ أَوْ ذِمَّتُهُ أَوْ أَمَانَتُهُ أَوْ كَفَالَتُهُ لأََفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لاَ أَفْعَلُ كَذَا، فَلاَ تَكُونُ يَمِينًا إِلاَّ بِالنِّيَّةِ؛ لأِنَّ هَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ الْيَمِينِ احْتِمَالاً ظَاهِرًا.
و - عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ:
.- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْقَائِلَ: عَلَيَّ يَمِينٌ، مَقْصُودُهُ: عَلَيَّ مُوجِبُ يَمِينٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ.
فَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ، وَقَدْ سَبَقَ (ر: ف 39).
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: قَوْلُ الْقَائِلِ: عَلَيَّ كَفَّارَةٌ، كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ نَذْرٌ، وَلَهُ صِيَغٌ أَرْبَعٌ كَصِيَغِ النَّذْرِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ قَالَ: عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، حُكْمُهُ هُوَ هَذَا الْحُكْمُ بِعَيْنِهِ (ر: ف 39).
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: مَنْ قَالَ: عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ حِينِ النُّطْقِ عِنْدَ عَدَمِ التَّعْلِيقِ، فَإِنْ عَلَّقَ بِالشِّفَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُحِبُّهُ، أَوْ بِتَكْلِيمِ زَيْدٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَكْرَهُهُ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِحُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَنْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، ثُمَّ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا سَبَقَ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ: عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، ثُمَّ فَعَلَهُ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَلَى الأَْرْجَحِ عِنْدَهُمْ.
ز - عَلَيَّ كَفَّارَةُ نَذْرٍ:
- سَبَقَ حُكْمُ الْقَائِلِ: عَلَيَّ نَذْرٌ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ قَالَ: عَلَيَّ كَفَّارَةُ نَذْرٍ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ، فَقَالُوا: مَنْ قَالَ: عَلَيَّ كَفَّارَةُ نَذْرٍ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ مُنَجَّزَةٌ فِي الصِّيغَةِ الْمُنَجَّزَةِ، وَمُعَلَّقَةٌ فِي الصِّيغَةِ الْمُعَلَّقَةِ.
ح - عَلَيَّ كَفَّارَةٌ:
- سَبَقَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُوجِبُونَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ عَلَى مَنْ قَالَ: عَلَيَّ كَفَّارَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضِيفَ الْكَفَّارَةَ إِلَى الْيَمِينِ أَوِ النَّذْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا.
وَلَمْ نَجِدْ فِي الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى حُكْمَ هَذِهِ الصِّيغَةِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ حُكْمَهَا عِنْدَ النِّيَّةِ هُوَ وُجُوبُ مَا نَوَى مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَفَّارَةِ.
ط - تَحْرِيمُ الْعَيْنِ أَوِ الْفِعْلِ:
- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الإِْنْسَانِ الْعَيْنَ أَوِ الْفِعْلَ عَلَى نَفْسِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ: هَذَا الثَّوْبُ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ لُبْسِي لِهَذَا الثَّوْبِ عَلَيَّ حَرَامٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْعَيْنُ الَّتِي نُسِبَ التَّحْرِيمُ إِلَيْهَا أَوْ إِلَى الْفِعْلِ الْمُضَافِ لَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ أَمْ لاَ، كَأَنْ قَالَ مُتَحَدِّثًا عَنْ طَعَامِ غَيْرِهِ: هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ أَكْلُ هَذَا الطَّعَامِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْعَيْنُ الْمَذْكُورَةُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ أَمْ لاَ، كَأَنْ قَالَ: هَذِهِ الْخَمْرُ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ شُرْبُ هَذِهِ الْخَمْرِ عَلَيَّ حَرَامٌ.
فَكُلُّ صِيغَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ تُعْتَبَرُ يَمِينًا، لَكِنْ إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ مُحَرَّمَةً مِنْ قَبْلُ، أَوْ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ لَمْ تَكُنِ الصِّيغَةُ يَمِينًا إِلاَّ بِالنِّيَّةِ، بِأَنْ يَنْوِيَ إِنْشَاءَ التَّحْرِيمِ. فَإِنْ نَوَى الإِْخْبَارَ بِأَنَّ الْخَمْرَ حَرَامٌ عَلَيْهِ شَرْعًا، أَوْ بِأَنَّ ثَوْبَ فُلاَنٍ حَرُمَ عَلَيْهِ شَرْعًا، لَمْ تَكُنِ الصِّيغَةُ يَمِينًا، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ؛ لأِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنَ الْعِبَارَةِ هُوَ الإِْخْبَارُ.
ثُمَّ إِنَّ تَحْرِيمَ الْعَيْنِ لاَ مَعْنَى لَهُ إِلاَّ تَحْرِيمَ الْفِعْلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا، كَمَا فِي تَحْرِيمِ الشَّرْعِ لَهَا فِي نَحْوِ قوله تعالي (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) وَقَوْلِهِ ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ).
وَقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» فَتَحْرِيمُ الأُْمَّهَاتِ وَنَحْوِهِنَّ يَنْصَرِفُ إِلَى الزَّوَاجِ. وَتَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا وَالْمُسْكِرِ يَنْصَرِفُ كُلُّهُ إِلَى التَّنَاوُلِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ.
- وَفِيمَا يَلِي أَمْثِلَةٌ لِصِيَغِ التَّحْرِيمِ الَّتِي تُعْتَبَرُ أَيْمَانًا، مَعَ بَيَانِ مَا يَقَعُ بِهِ حِنْثٌ فِي كُلٍّ مِنْهَا:
) لَوْ قَالَ: هَذَا الطَّعَامُ أَوِ الْمَالُ أَوِ الثَّوْبُ أَوِ الدَّارُ عَلَيَّ حَرَامٌ، حَنِثَ بِأَكْلِ الطَّعَامِ، وَإِنْفَاقِ الْمَالِ، وَلُبْسِ الثَّوْبِ، وَسُكْنَى الدَّارِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلاَ يَحْنَثُ بِهِبَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ.
لَوْ قَالَتِ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: أَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ حَرَّمْتُكَ عَلَى نَفْسِي، حَنِثَتْ بِمُطَاوَعَتِهِ فِي الْجِمَاعِ، وَحَنِثَتْ أَيْضًا بِإِكْرَاهِهِ إِيَّاهَا عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحِنْثَ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الاِخْتِيَارُ.
لَوْ قَالَ لِقَوْمٍ: كَلاَمُكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ، حَنِثَ بِتَكْلِيمِهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ الْحِنْثُ عَلَى تَكْلِيمِ جَمِيعِهِمْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: كَلاَمُ، الْفُقَرَاءِ، أَوْ كَلاَمُ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، أَوْ أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكَلاَمِ وَاحِدٍ، وَأَكْلِ لُقْمَةٍ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لاَ أُكَلِّمُكُمْ، أَوْ لاَ أُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ، أَوْ أَهْلَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، أَوْ لاَ آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ، فَإِنَّهُ لاَ يَحْنَثُ إِلاَّ بِتَكْلِيمِ الْجَمِيعِ وَأَكْلِ جَمِيعِ الرَّغِيفِ.
لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّنَانِيرُ عَلَيَّ حَرَامٌ حَنِثَ إِنِ اشْتَرَى بِهَا شَيْئًا؛ لأِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا لِنَفْسِهِ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ مَا يَأْكُلُهُ أَوْ يَلْبَسُهُ مَثَلاً، وَلاَ يَحْنَثُ بِهِبَتِهَا وَلاَ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا.
وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَنَّهُ لاَ يَحْنَثُ لَوْ قَضَى بِهَا دَيْنَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَتَأَمَّلْ.
لَوْ قَالَ: كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ حَلاَلُ اللَّهِ أَوْ حَلاَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ، كَانَ يَمِينًا عَلَى تَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: تَحْرِيمُ الْحَلاَلِ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ لَغْوٌ لاَ يَقْتَضِي شَيْئًا، إِلاَّ إِذَا حَرَّمَ الأَْمَةَ نَاوِيًا عِتْقَهَا، فَإِنَّهَا تُعْتَقُ، فَمَنْ قَالَ: الْخَادِمُ أَوِ اللَّحْمُ أَوِ الْقَمْحُ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، فَفَعَلَهُ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَزَوْجَتِي عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ فَعَلَيَّ الْحَرَامُ، يَلْزَمُهُ بَتُّ طَلاَقِ الْمَدْخُولِ بِهَا - ثَلاَثًا - مَا لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ مِنَ الثَّلاَثِ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى، أَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَيَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ. هَذَا هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلاَثٌ كَالْمَدْخُولِ بِهَا مَا لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ. وَلَوْ قَالَ: كُلُّ حَلاَلٍ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنِ اسْتَثْنَى الزِّوَجَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِلاَّ لَزِمَهُ فِيهَا مَا ذُكِرَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَالَ إِنْسَانٌ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ حَرَّمْتُكِ، وَنَوَى طَلاَقًا وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا أَوْ ظِهَارًا وَقَعَ، وَلَوْ نَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أَوْ وَطْئِهَا أَوْ فَرْجِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَصْلاً - وَأَطْلَقَ ذَلِكَ، أَوْ أَقَّتَهُ كُرِهَ، وَلَمْ تَحْرُمِ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِ، وَلَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ يَمِينًا؛ لأِنَّ هُ لَيْسَ إِقْسَامًا بِاللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَعْلِيقًا لِلطَّلاَقِ أَوْ نَحْوِهِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ أَلاَّ تَكُونَ زَوْجَتُهُ مُحْرِمَةً بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَأَلاَّ تَكُونَ مُعْتَدَّةً مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ تَجِبِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
وَلَوْ حَرُمَ غَيْرُ الزَّوْجَةِ كَالثَّوْبِ وَالطَّعَامِ وَالصَّدِيقِ وَالأَْخِ لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَنْ حَرَّمَ حَلاَلاً سِوَى الزَّوْجَةِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَرْعًا، ثُمَّ إِذَا فَعَلَهُ فَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ قَوْلاَنِ، أَرْجَحُهُمَا: الْوُجُوبُ، وَيَسْتَوِي فِي التَّحْرِيمِ تَنْجِيزُهُ وَتَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، وَمِثَالُ الْمُنَجَّزِ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَلاَ زَوْجَةَ لِي، وَكَسْبِي عَلَيَّ حَرَامٌ، وَهَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ كَالدَّمِ أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ.
وَمِثَالُ الْمُعَلَّقِ: إِنْ أَكَلْتُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ مَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ لأِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَمَّى التَّحْرِيمَ يَمِينًا حَيْثُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاة أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ.
وَالْيَمِينُ لاَ تُحَرِّمُ الْحَلاَلَ، وَإِنَّمَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحِنْثِ، وَهَذِهِ الآْيَةُ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ.
وَأَمَّا تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ فَهُوَ ظِهَارٌ، سَوَاءٌ أَنَوَى بِهِ الظِّهَارَ أَوِ الطَّلاَقَ أَوِ الْيَمِينَ أَمْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا عَلَى الرَّاجِحِ.
وَلَوْ قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ فَهُوَ حَرَامٌ - وَكَانَ لَهُ زَوْجَةٌ - كَانَ ذَلِكَ ظِهَارًا وَتَحْرِيمًا لِلْمَالِ، وَتُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ عَنْهُمَا.
قِيَامُ التَّصْدِيقِ بِكَلِمَةِ نَعَمْ مَقَامَ الْيَمِينِ
- الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَقَالَ: نَعَمْ كَانَ حَالِفًا، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لآِخَرَ عَلَيْكَ: عَهْدُ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ كَذَا فَقَالَ: نَعَمْ.
فَالْحَالِفُ الْمُجِيبُ، وَلاَ يَمِينَ عَلَى الْمُبْتَدِئِ وَلَوْ نَوَاهُ؛ لأِنَّ قَوْلَهُ: عَلَيْكَ صَرِيحٌ فِي الْتِزَامِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُخَاطَبِ، فَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا عَلَى الْمُبْتَدِئِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ، وَقَالَ الآْخَرُ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ إِذَا نَوَى الْمُبْتَدِئُ التَّحْلِيفَ وَالْمُجِيبُ الْحَلِفَ، كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْمُجِيبَ وَحْدَهُ، وَإِذَا نَوَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْحَلِفَ يَصِيرُ كُلٌّ مِنْهَا حَالِفًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ: طَلَّقْتَ زَوْجَتَكَ، أَوْ أَطَلَّقْتَ زَوْجَتَكَ؟ اسْتِخْبَارًا - فَقَالَ: نَعَمْ، كَانَ إِقْرَارًا، وَإِنْ كَانَ الاِلْتِمَاسُ الإِْنْشَاءَ كَانَ تَطْلِيقًا صَرِيحًا، وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ حُمِلَ عَلَى الاِسْتِخْبَارِ.
هَذَا مَا قَالُوهُ فِي الطَّلاَقِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ إِنْسَانٌ لآِخَرَ: حَلَفْتَ، أَوْ أَحَلَفْتَ بِاللَّهِ لاَ تُكَلِّمُ زَيْدًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ: فَإِنْ كَانَ لِلاِسْتِخْبَارِ كَانَ إِقْرَارًا مُحْتَمِلاً لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، فَيَحْنَثُ بِالتَّكْلِيمِ إِنْ كَانَ صَادِقًا، وَلاَ يَحْنَثُ بِهِ إِنْ كَانَ كَاذِبًا.
وَإِنْ كَانَ الاِلْتِمَاسُ الإِْنْشَاءَ كَانَ حَلِفًا صَرِيحًا.
وَإِنْ جُهِلَ حَالُ السُّؤَالِ حُمِلَ عَلَى الاِسْتِخْبَارِ، فَيَكُونُ الْجَوَابُ إِقْرَارًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يُعْثَرْ لِلْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى عَلَى نَصٍّ فِي هَذَا.
الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ:
- عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ صِيغَةَ الْيَمِينِ بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ تَنْحَصِرُ شَرْعًا فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى. فَالْحَلِفُ بِغَيْرِهِ بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ لاَ يُعْتَبَرُ يَمِينًا شَرْعِيَّةً، وَلاَ يَجِبُ بِالْحِنْثِ فِيهِ كَفَّارَةٌ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: أَنْ يَحْلِفَ الإِْنْسَانُ بِأَبِيهِ أَوْ بِابْنِهِ أَوْ بِالأَْنْبِيَاءِ أَوْ بِالْمَلاَئِكَةِ عليهم السلام أَوْ بِالْعِبَادَاتِ: كَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ، أَوْ بِالْكَعْبَةِ أَوْ بِالْحَرَمِ أَوْ بِزَمْزَمَ أَوْ بِالْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ. سَوَاءٌ أَتَى الْحَالِفُ بِهَذِهِ الأَْلْفَاظِ عَقِبَ حَرْفِ الْقَسَمِ أَمْ أَضَافَ إِلَيْهَا كَلِمَةَ: «حَقٍّ» أَوْ «حُرْمَةٍ» أَوْ «حَيَاةٍ» أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَلِفُ بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ أَمْ بِصِيغَةٍ مُلْحَقَةٍ بِمَا فِيهِ هَذِهِ الْحُرُوفُ، مِثْلُ لَعَمْرُكَ وَلِعَمْرِي وَعَمْرُكَ اللَّهُ وَعَلَيَّ عَهْدُ رَسُولِ اللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا.
وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ (مِنْهَا) قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاللَّهِ.
(وَمِنْهَا) قَوْلُهُ علية الصلاه والسلام : «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ». وَفِي رِوَايَةٍ فَقَدْ كَفَرَ.
(وَمِنْهَا) قَوْلُهُ صلوات اللهوسلامة «مَنْ حَلَفَ بِالأَْمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا.
(وَمِنْهَا) مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: «حَلَفْتُ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَانْفُثْ عَنْ شِمَالِك ثَلاَثًا، وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ لاَ تُعَدْ».
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى رَوَاهَا النَّسَائِيُّ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: «حَلَفْتُ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى، فَقَالَ لِي أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : بِئْسَمَا قُلْتَ، ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَأَخْبِرْهُ، فَإِنَّا لاَ نَرَاكَ إِلاَّ قَدْ كَفَرْتَ، فَلَقِيتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لِي: قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَانْفُثْ عَنْ شِمَالِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلاَ تَعُدْ لَهُ.
(وَمِنْهَا) مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللاَّتِ، فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرُكَ فَلْيَتَصَدَّقْ.
. - وَوَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنه اسْتِنْكَارُ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لأََنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا وَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَوِ ابْنُ عُمَرَ: «لأََنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا»، وَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه : أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ - وَقَدْ سَمِعَهُ يَحْلِفُ بِالْكَعْبَةِ -: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ فَكَّرْتَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَحْلِفَ لَعَاقَبْتُكَ، احْلِفْ بِاللَّهِ فَأْثَمْ أَوِ ابْرِرْ.
أَثَرُ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ:
- لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَجِبُ بِالْحِنْثِ فِيهِ كَفَّارَةٌ، إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ أَكْثَرِ الْحَنَابِلَةِ مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ حَنِثَ فِي الْحَلِفِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم لأِنَّ هُ أَحَدُ شَطْرَيِ الشَّهَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَصِيرُ بِهِمَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا، وَعَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ الْحَلِفَ بِسَائِرِ الأَْنْبِيَاءِ عليه الصلاة والسلام تَجِبُ بِالْحِنْثِ فِيهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا، لَكِنِ الأَْشْهَرُ فِي مَذْهَبِهِمْ أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ بِالْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ بِنَبِيِّنَا وَسَائِرِ الأَْنْبِيَاءِ عليهم الصلاة والسلام .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ أَيْضًا فِي أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لَكِنْ فِي مَرْتَبَةِ هَذَا النَّهْيِ اخْتِلاَفٌ، وَالْحَنَابِلَةُ قَالُوا: إِنَّهُ حَرَامٌ إِلاَّ الْحَلِفَ بِالأَْمَانَةِ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ، وَالْحَنَفِيَّةُ قَالُوا مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ تَنْزِيهًا.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ بِسَبْقِ اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلاَ كَرَاهَةَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ الأَْعْرَابِيِّ - الَّذِي قَالَ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أُنْقِصُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ».
شَرَائِطُ الْقَسَمِ
يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْقَسَمِ وَبَقَائِهِ شَرَائِطُ، وَهِيَ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:
(أَوَّلاً)
الشَّرَائِطُ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى الْحَالِفِ
يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبَقَائِهَا شَرَائِطُ فِي الْحَالِفِ.
- (الأُْولَى) الْبُلُوغُ. (وَالثَّانِيَةُ) الْعَقْلُ. وَهَاتَانِ شَرِيطَتَانِ فِي أَصْلِ الاِنْعِقَادِ، فَلاَ تَنْعَقِدُ يَمِينُ الصَّبِيِّ - وَلَوْ مُمَيِّزًا - وَلاَ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالسَّكْرَانِ - غَيْرِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ - وَالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ لأِنَّ هَا تَصَرُّفُ إِيجَابٍ، وَهَؤُلاَءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الإِْيجَابِ.
وَلاَ خِلاَفَ فِي هَاتَيْنِ الشَّرِيطَتَيْنِ إِجْمَالاً. وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ فِي السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ وَالصَّبِيُّ إِذَا حَنِثَ بَعْدَ بُلُوغِهِ. أَمَّا السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي، فَالْجُمْهُورُ يَرَوْنَ صِحَّةَ يَمِينِهِ إِنْ كَانَتْ صَرِيحَةً تَغْلِيظًا عَلَيْهِ. وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَزُفَرُ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُمْ يَرَوْنَ عَدَمَ انْعِقَادِ يَمِينِهِ كَالسَّكْرَانِ غَيْرِ الْمُتَعَدِّي، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (الْحَجْرِ).
وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَالْجُمْهُورُ يَرَوْنَ أَنَّ يَمِينَهُ لاَ تَنْعَقِدُ، وَأَنَّهُ لَوْ حَنِثَ - وَلَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ - لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ، وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّ يَمِينَهُ مُعَلَّقَةٌ، فَإِنْ حَنِثَ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ.
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ.
- (الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ) الإِْسْلاَمُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ. فَلاَ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْكَافِرِ وَلَوْ ذِمِّيًّا، وَإِذَا انْعَقَدَتْ يَمِينُ الْمُسْلِمِ بَطَلَتْ بِالْكُفْرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْكُفْرُ قَبْلَ الْحِنْثِ أَمْ بَعْدَهُ، وَلاَ تَرْجِعُ بِالإِْسْلاَمِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لاَ يُشْتَرَطُ الإِْسْلاَمُ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَلاَ بَقَائِهَا، فَالْكَافِرُ الْمُلْتَزِمُ لِلأَْحْكَامِ - وَهُوَ الذِّمِّيُّ وَالْمُرْتَدُّ - لَوْ حَلَفَ بِاللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَمْرٍ، ثُمَّ حَنِثَ وَهُوَ كَافِرٌ، تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لَكِنْ إِذَا عَجَزَ عَنِ الْكَفَّارَةِ الْمَالِيَّةِ لَمْ يَكْفُرْ بِالصَّوْمِ إِلاَّ إِنْ أَسْلَمَ. وَهَذَا الْحُكْمُ إِنَّمَا هُوَ فِي الذِّمِّيِّ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلاَ يَكْفُرُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ، لاَ بِالْمَالِ وَلاَ بِالصَّوْمِ، بَلْ يَنْتَظِرُ، فَإِذَا أَسْلَمَ كَفَّرَ؛ لأِنَّ مَالَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ مَوْقُوفٌ، فَلاَ يُمْكِنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ.
وَمَنْ حَلَفَ حَالَ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَنِثَ، فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ. وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ حِينَ الْحَلِفِ مُلْتَزِمًا لِلأَْحْكَامِ.
- (الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ) التَّلَفُّظُ بِالْيَمِينِ، فَلاَ يَكْفِي كَلاَمُ النَّفْسِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ.
وَلاَ بُدَّ مِنْ إِظْهَارِ الصَّوْتِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ إِنْ كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنَ السَّمَاعِ كَلَغَطٍ وَسَدِّ أُذُنٍ.
وَاشْتِرَاطُ الإِْسْمَاعِ وَلَوْ تَقْدِيرًا هُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ، الَّذِي يَرَوْنَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاَةِ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا ذَلِكَ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْكَرْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ يُشْتَرَطُ الإِْسْمَاعُ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحُرُوفِ مَعَ تَحْرِيكِ اللِّسَانِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهَا هُوَ وَلاَ مَنْ يَضَعُ أُذُنَهُ بِقُرْبِ فَمِهِ مَعَ اعْتِدَالِ السَّمْعِ وَعَدَمِ الْمَوَانِعِ.
هَذَا وَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ إِشَارَةَ الأَْخْرَسِ بِالْيَمِينِ تَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْكِتَابَةَ لَوْ كَانَتْ بِالصَّرِيحِ تُعْتَبَرُ كِنَايَةً؛ لأِنَّ هَا تَحْتَمِلُ النَّسْخَ، وَتَجْرِبَةُ الْقَلَمِ وَالْمِدَادِ وَغَيْرِهَا، وَبِأَنَّ إِشَارَةَ الأَْخْرَسِ إِنِ اخْتَصَّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُ فَهِيَ كِنَايَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ، وَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ إِنْسَانٍ فَهِيَ صَرِيحَةٌ.
الطَّوَاعِيَةُ وَالْعَمْدُ فِي الْحَالِفِ:
- لاَ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الطَّوَاعِيَةُ - أَيِ الاِخْتِيَارُ - فِي الْحَالِفِ، وَلاَ الْعَمْدُ - أَيِ الْقَصْدُ - فَتَصِحُّ عِنْدَهُمْ يَمِينُ الْمُكْرَهِ وَالْمُخْطِئِ، وَهُوَ مَنْ أَرَادَ غَيْرَ الْحَلِفِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى الْحَلِفِ، كَأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: اسْقِنِي الْمَاءَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَشْرَبُ الْمَاءَ؛ لأِنَّ هَا مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لاَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهَا الإِْكْرَاهُ وَالْخَطَأُ، كَالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لاَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: تُشْتَرَطُ الطَّوَاعِيَةُ وَالْعَمْدُ، فَلاَ تَنْعَقِدُ يَمِينُ الْمُكْرَهِ وَلاَ الْمُخْطِئُ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَقُولُونَ فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْيَمِينِ: إِذَا نَوَى الْحَلِفَ صَحَّتْ يَمِينُهُ. لأِنَّ الإِْكْرَاهَ لاَ يُلْغِي اللَّفْظَ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ بِهِ الصَّرِيحُ كِنَايَةً، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لاَ يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَإِنَّ إِلْغَاءَ كَلاَمِ الْمُكْرَهِ لاَ وَجْهَ لَهُ، إِلاَّ أَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ دَفْعَ الأَْذَى عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقْصِدِ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ، فَإِذَا قَصَدَ اسْتِعْمَالَهُ فِي مَعْنَاهُ كَانَ هَذَا أَمْرًا زَائِدًا لاَ تَدْعُو إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا: لاَ يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ التَّوْرِيَةُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا.
وَالتَّوْرِيَةُ هِيَ: أَنْ يُطْلِقَ الإِْنْسَانُ لَفْظًا هُوَ ظَاهِرٌ فِي مَعْنًى وَيُرِيدُ بِهِ مَعْنًى آخَرَ يَتَنَاوَلُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ، وَلَكِنَّهُ خِلاَفُ ظَاهِرِهِ.
عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْجِدُّ فِي الْحَالِفِ:
- الْجِدُّ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ مَعْنَاهُ: أَنْ يَنْطِقَ الإِْنْسَانُ بِاللَّفْظِ رَاضِيًا بِأَثَرِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْتَحْضِرًا لِهَذَا الرِّضَى أَمْ غَافِلاً عَنْهُ، فَمَنْ نَطَقَ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ نَاوِيًا مَعْنَاهُ، أَوْ غَافِلاً عَنْ هَذِهِ النِّيَّةِ، مُرِيدًا أَثَرَهُ أَوْ غَافِلاً عَنْ هَذِهِ الإِْرَادَةِ يُقَالُ لَهُ جَادٌّ، فَإِنْ أَرَادَ تَجْرِيدَ اللَّفْظِ عَنْ أَثَرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلاَ إِكْرَاهٍ، فَنَطَقَ بِهِ لَعِبًا أَوْ مِزَاحًا كَانَ هَازِلاً، وَالْهَزْلُ لاَ أَثَرَ لَهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي لاَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، فَمَنْ حَلَفَ بِصِيغَةٍ صَرِيحَةٍ لاَعِبًا أَوْ مَازِحًا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالرَّجْعَةُ.
وَيُقَاسُ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي لاَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَمِنْهَا صِيغَةُ الْيَمِينِ الصَّرِيحَةِ، وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْهَازِلَ لاَ نِيَّةَ لَهُ.
قَصْدُ الْمَعْنَى وَالْعِلْمِ بِهِ:
- صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الأَْلْفَاظَ الصَّرِيحَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا: الْعِلْمُ بِالْمَعْنَى، وَالْكِنَايَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا: قَصْدُ الْمَعْنَى، ذَكَرُوا هَذَا فِي الطَّلاَقِ وَلَيْسَ خَاصًّا بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْيَمِينِ إِذَا كَانَتْ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ: أَنْ يَعْلَمَ الْمُتَكَلِّمُ بِمَعْنَاهَا، فَلَوْ حَلَفَ أَعْجَمِيٌّ بِلَفْظٍ عَرَبِيٍّ صَرِيحٍ كَوَاللَّهِ لأََصُومَنَّ غَدًا، بِنَاءً عَلَى تَلْقِينِ إِنْسَانٍ لَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ مَعْنَاهُ لَمْ يَنْعَقِدْ. وَلَوْ قَالَ إِنْسَانٌ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا لَمْ يَنْعَقِدْ إِلاَّ إِذَا قَصَدَ مَعْنَى الْيَمِينِ؛ لأِنَّهُ كِنَايَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا سَبَقَ.
وَاشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِي الْكِنَايَةِ لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ أَحَدٌ. وَأَمَّا الْعِلْمُ بِالْمَعْنَى فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الطَّلاَقِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَضَاءِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَهُ فِي الْيَمِينِ الصَّرِيحَةِ دِيَانَةً، لأِنَّهُ مُصَدَّقٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
أَثَرُ التَّأْوِيلِ فِي الْيَمِينِ:
- صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي تَنْقَطِعُ بِهِ جُمْلَةُ الْيَمِينِ عَنْ جُمْلَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يُقْبَلُ، وَعِبَارَةُ الْمَالِكِيَّةِ: لَوْ قَالَ أَرَدْتُ بِقَوْلِي: (بِاللَّهِ) وَثِقْتُ أَوِ اعْتَصَمْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ ابْتَدَأْتُ قَوْلِي: لأََفْعَلَنَّ، وَلَمْ أَقْصِدِ الْيَمِينَ صُدِّقَ دِيَانَةً بِلاَ يَمِينٍ.
وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، أَوْ قَالَ: بِاللَّهِ وَقَالَ: أَرَدْتُ وَثِقْتُ أَوِ اسْتَعَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفْتُ فَقُلْتُ: لأََفْعَلَنَّ كَذَا مِنْ غَيْرِ قَسَمٍ يُقْبَلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَإِذَا تَأَوَّلَ نَحْوَ هَذَا التَّأْوِيلِ فِي الطَّلاَقِ وَالإِْيلاَءِ لاَ يُقْبَلُ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّ التَّأْوِيلَ لاَ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْمَذَاهِبِ، فَالْمُتَصَفِّحُ لِكُتُبِ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى يَجِدُ تَأْوِيلاَتٍ مَقْبُولَةً عِنْدَهُمْ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ التَّأْوِيلَ إِنَّمَا يُقْبَلُ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسْتَحْلِفٌ ذُو حَقٍّ، وَكَانَ التَّأْوِيلُ غَيْرَ خَارِجٍ عَمَّا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ.
(ثَانِيًا)
الشَّرَائِطُ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ
يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِاللَّهِ وَبَقَائِهَا مُنْعَقِدَةً أَرْبَعُ شَرَائِطَ تَرْجِعُ إِلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَضْمُونُ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تُسَمَّى جَوَابَ الْقَسَمِ.
- (الشَّرِيطَةُ الأُْولَى): أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَمْرًا مُسْتَقْبَلاً.
وَهَذِهِ شَرِيطَةٌ لاِنْعِقَادِ الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ عَلَى مَاضٍ وَحَاضِرٍ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لاَ أَمُوتُ، وَمُسْتَقْبَلٍ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لأََصْعَدَنَّ السَّمَاءَ. وَلِلْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِانْعِقَادِ الْغَمُوسِ عَلَى حَاضِرٍ وَمُسْتَقْبَلٍ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَشْتَرِطُونَ الاِسْتِقْبَالَ فِي كُلِّ مَا فِيهِ كَفَّارَةٌ، كَالْحَلِفِ بِتَعْلِيقِ الْكُفْرِ أَوِ الْقُرْبَةِ أَوِ الظِّهَارِ بِخِلاَفِ الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ.
- (الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ): أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً عِنْدَ الْحَلِفِ - أَيْ لَيْسَ مُسْتَحِيلاً عَقْلاً - وَهَذِهِ شَرِيطَةٌ لاِنْعِقَادِ الْيَمِينِ بِاللَّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ.
وَوَجْهُ اشْتِرَاطِهَا: أَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَنْعَقِدُ لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ، فَإِنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ أَوْ وَعَدَ بِوَعْدٍ يُؤَكِّدُهُ بِالْيَمِينِ لِتَحْقِيقِ الصِّدْقِ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْبِرَّ، ثُمَّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهَا خَلَفًا عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرِ الأَْصْلُ - وَهُوَ الْبِرُّ - لَمْ يُوجَدِ الْخَلَفُ - وَهُوَ الْكَفَّارَةُ - فَلاَ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ.
وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو يُوسُفَ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ لأِنَّ هُ لاَ يَلْزَمُ مِنِ اسْتِحَالَةِ الأَْصْلِ عَقْلاً عَدَمُ الْخَلَفِ. وَمَفْهُومُ هَذِهِ الشَّرِيطَةِ: أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ عَقْلاً عِنْدَ الْحَلِفِ، لَمْ تَنْعَقِدِ الْيَمِينُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ.
لَكِنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ لَيْسَ عَلَى إِطْلاَقِهِ، بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ يُعْلَمُ مِنَ الْكَلاَمِ عَلَى الْمِثَالِ الآْتِي:
إِذَا قَالَ إِنْسَانٌ: وَاللَّهِ لأََشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ، أَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لأََشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ، وَكَانَ الْكُوزُ خَالِيًا مِنَ الْمَاءِ عِنْدَ الْحَلِفِ، فَالشُّرْبُ الَّذِي هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُسْتَحِيلٌ وُجُودُهُ عِنْدَ الْحَلِفِ عَقْلاً، فَلاَ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ إِنْ كَانَ الْحَالِفُ عِنْدَ حَلِفِهِ لاَ يَعْلَمُ خُلُوَّ الْكُوزِ مِنَ الْمَاءِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَالْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ عِنْدَ زُفَرَ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
هَذَا مَا أَفَادَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: تَنْعَقِدُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَالِ.
- (الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ): أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً بَعْدَ الْحَلِفِ، إِنْ كَانَتِ الْيَمِينُ مُقَيَّدَةً بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ. وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ إِنَّمَا تُشْتَرَطُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ بِاللَّهِ مُنْعَقِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، فَلَوْ لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الشَّرِيطَةُ بَطَلَتِ الْيَمِينُ بَعْدَ انْعِقَادِهَا، وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ فِي هَذِهِ الشَّرِيطَةِ أَيْضًا.
وَتَوْجِيهُ الاِشْتِرَاطِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي الشَّرِيطَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَفْهُومُ هَذِهِ الشَّرِيطَةِ يَتَّضِحُ بِالْمِثَالِ الآْتِي: إِذَا قَالَ إِنْسَانٌ وَاللَّهِ لأََشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ أَوْ قَالَ وَاللَّهِ لأََشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَقْتٍ، وَكَانَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ وَقْتَ الْحَلِفِ، فَصَبَّهُ الْحَالِفُ أَوْ صَبَّهُ غَيْرُهُ أَوِ انْصَبَّ بِنَفْسِهِ فِي النَّهَارِ. فَفِي صُورَةِ التَّقْيِيدِ بِالْيَوْمِ تَبْطُلُ بَعْدَ انْعِقَادِهَا؛ لأِنَّ الشُّرْبَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْتَحِيلاً بَعْدَ الْحَلِفِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قُيِّدَ بِهِ، وَفِي صُورَةِ الإِْطْلاَقِ تَبْقَى مُنْعَقِدَةً، فَيَحْنَثُ بِالصَّبِّ أَوِ الاِنْصِبَابِ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
- (الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ): أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ عَادَةً عِنْدَ الْحَلِفِ - أَيْ لَيْسَ مُسْتَحِيلاً عَادَةً - وَهَذِهِ شَرِيطَةٌ لاِنْعِقَادِ الْيَمِينِ بِاللَّهِ عِنْدَ زُفَرَ، خِلاَفًا لأَِبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ.
فَلَوْ قَالَ وَاللَّهِ لأََصْعَدَنَّ السَّمَاءَ، أَوْ: وَاللَّهِ لأََمَسَّنَّ السَّمَاءَ، أَوْ: وَاللَّهِ لأَُحَوِّلَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا، لَمْ تَنْعَقِدِ الْيَمِينُ عِنْدَ زُفَرَ، سَوَاءٌ أَقَيَّدَهَا بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ كَأَنْ قَالَ: الْيَوْمَ أَوْ غَدًا، أَوْ لَمْ يُقَيِّدْهَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: إِنَّهَا تَنْعَقِدُ؛ لأِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ جَائِزٌ عَقْلاً، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنَّهَا تَنْعَقِدُ أَيْضًا؛ لأِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَمْرٌ مُسْتَقْبَلٌ.
وَتَوْجِيهُ قَوْلِ زُفَرَ: أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ عَادَةً يُلْحَقُ بِالْمُسْتَحِيلِ حَقِيقَةً، فَإِذَا لَمْ تَنْعَقِدِ الْيَمِينُ فِي الثَّانِي لَمْ تَنْعَقِدْ فِي الأَْوَّلِ.
وَتَوْجِيهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: أَنَّ الْحُكْمَ بِالاِنْعِقَادِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِيهِ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ، وَالْحُكْمَ بِعَدَمِ الاِنْعِقَادِ فِيهِ اعْتِبَارُ الْعَادَةِ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ اعْتِبَارَ الْحَقِيقَةِ أَوْلَى.
وَتَوْجِيهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الْحَالِفَ جَعَلَ الْفِعْلَ شَرْطًا لِلْبِرِّ، فَيَكُونُ عَدَمُهُ مُوجِبًا لِلْحِنْثِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مُمْكِنًا عَقْلاً وَعَادَةً، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لأََقْرَأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ، أَمْ مُسْتَحِيلاً عَقْلاً وَعَادَةً كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لأََشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ، وَلاَ مَاءَ فِيهِ أَمْ مُسْتَحِيلاً عَادَةً لاَ عَقْلاً كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لأَُحَوِّلَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا.
الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِ الْحَالِفِ:
- الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ غَائِبٌ: وَاللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ عَلَى حَاضِرٍ: وَاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا، فَلَمْ يُطِعْهُ، حَنِثَ الْحَالِفُ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، لاَ عَلَى مَنْ أَحْنَثَهُ.
وَقَدْ فَصَّلَ شَيْخُ الإِْسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَيْنَ الْحَلِفِ عَلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يُطِيعُهُ، وَالْحَلِفِ عَلَى مَنْ لاَ يَظُنُّهُ كَذَلِكَ. فَقَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ يُطِيعُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَلاَ كَفَّارَةَ لأِنَّ هُ لَغْوٌ، بِخِلاَفِ مَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُطِعْهُ حَنِثَ الْحَالِفُ وَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ.

