مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 416 الملغاة من القانون المدني والمقابلة للمادة 120 من قانون الإثبات :
اقتفى المشروع أثر التقنين الفرنسي ( المادة 1368 ) والتقنين الإيطالي (المادة 1376 ) والتقنين الهولندي ( المادة 1980 ) والتقنين البرتغالي ( المادة 2534) والمشروع الفرنسي الإيطالي ( المادة 321 ) في استظهار هذا الفرق الجوهري بين اليمين المتممة واليمين الحاسمة. ويراعى أن التفريق بين اليمينين ، من هذا الوجه ، حتم تقتضيه طبيعة اليمين المتممة ، لأن إعمالها من شأن القاضي ، فهو الذي يرجع إليه أمر توجيهها ، وهو الذي يعين من توجه إليه من الخصمين .
1- المقرر - في قضاء هذه المحكمة – أن اليمين لغةً هو الإخبار عن أمر مع الاستشهاد بالله تعالى على صدق الخبر فهو لا يعتبر عملًا مدنيًا فحسب بل هو أيضًا عمل ديني ، فطالب اليمين يلجأ إلى ذمة خصمه ، والحالف عندما يؤدي اليمين إنما يستشهد بالله ويستنزل عقابه وقد نصت مواد الباب السادس من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 في المواد من 114 حتى 130 على طلب اليمين الحاسمة وشروط توجيهها ويستدل منها على أن اليمين ملك للخصم لا للقاضي ويجوز للخصم توجيهها في أية حالة كانت عليها الدعوى وعلى القاضي أن يجيب الخصم لطلبه متى توافرت شروط توجيهها وهي أن تكون متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وغير مخالفة لقاعدة من النظام العام ويجوز للقاضي أن يرفضها إذا كانت غير منتجة أو كان في توجيهها تعسف من الخصم، وخلاصة القول أن توجيه اليمين الحاسمة احتكام لضمير الخصم لحسم النزاع كله أو في شقٍ منه عندما يعوز الخصم الدليل لإثبات دعواه لا سيما عندما يتشدد القانون في اقتضاء أدلة معينة للإثبات ويتمسك الخصم الآخر بذلك، فإن حلفها الخصم فقد أثبت إنكاره لصحة الادعاء ويتعين رفضه، وإن نكل كان ذلك بمثابة إقرار ضمني بصحة الادعاء ووجب الحكم عليه بمقتضى هذا الإقرار، وكان كل طلب أو وجه دفاع يدلي به الخصم لدى محكمة الموضوع ويطلب إليها بطريق الجزم أن تفصل فيه ويكون الفصل فيه مما يجوز أن يترتب عليه تغيير وجه الرأي في الدعوى ، يجب على محكمة الموضوع - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تجيب عليه بأسبابٍ خاصة، فإن هي لم تفعل كان حكمها قاصرًا. لما كان ذلك، وكان الثابت أن الطاعن طلب توجيه اليمين الحاسمة للمطعون ضده ليحلف بأن الأموال التي قام بتحويلها إليه كانت على سبيل الدين وأن ذمته مشغولة بها، وإذ كانت الواقعة محل الحلف متعلقة بالنزاع ومنتجة فيه ، ورفض الحكم المطعون فيه هذا الطلب بمقولة أن اليمين غير حاسمة في إثبات براءة ذمته من الأموال المطالب بها بصرفها في الغرض المخصصة من أجله ولم يقدم الدليل على ذلك، وهو قول من الحكم لا يواجه دفاع الطاعن، ولا يصلح ردًا عليه على الرغم من أنه دفاع جوهري يتغير به - إن صح - وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون معيباً بالقصور والإخلال بحق الدفاع مما يعيبه ويوجب نقضه .
( الطعن رقم 16542 لسنة 91 ق - جلسة 27 / 9 / 2022 )
2- التقادم الحولى المنصوص عليه فى المادة 378 من القانون المدنى يقوم على قرينة الوفاء ، و هى " مظنة " رأى الشارع توثيقها بيمين المدعى عليه - هى يمين الإستيثاق - و أوجب " على من يتمسك بأن الحق تقادم بسنة أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً " بينما لا يقوم التقادم الخمسى المنصوص عليه فى المادة 375 على تلك القرينة . و إذ كان الثابت فى الدعوى أن الطاعن أنكر على المطعون ضدها حقها فى فروق الأجر مما لا محل معه لإعمال حكم المادة 378 من القانون المدنى و كان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر و أعمل حكم المادة 375 من ذلك القانون ، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً و يكون النعى على غير أساس .
(الطعن رقم 279 لسنة 38 جلسة 1974/05/25س 25 ع 1 ص 935 ق 153)
3- متى كانت المطعون ضدها - وارثة المدين - قد تنازلت عن الدفع بالجهالة و اقتصرت على التمسك بالدفع بتقادم الدين و انتهت إلى استعدادها لحلف اليمين المنصوص عليها فى المادة 194 من قانون التجارة فان - الدائنة - إذا لم تطلب توجيه اليمين فى هذه الحالة وقضت المحكمة بسقوط الديون بالتقادم فلا وجه لتعييب حكمها فى هذا الخصوص .
(الطعن رقم 30 لسنة 30 جلسة 1964/11/26 س 15 ع 3 ص 1082 ق159)
4- توجيه اليمين الحاسمة احتكام لضمير الخصم لحسم النزاع كله أو في شق منه عندما يعوز الخصم الدليل لإثبات دعواه لا سيما عندما يتشدد القانون في اقتضاء أدلة معينة للإثبات ويتمسك الخصم الآخر بذلك فإن حلفها الخصم فقد أثبت إنكاره لصحة الادعاء ويتعين رفضه وإن كان ذلك بمثابة إقرار ضمني بصحة الادعاء ووجب الحكم عليه بمقتضى هذا الإقرار ولا يغير من ذلك أن يكون طلب توجيه اليمين الحاسمة من باب الاحتياط بعد العمل بقانون المرافعات الحالي وقانون الإثبات ذلك أن المادة 166 من قانون المرافعات الأصلي والمادة 187 من قانون المرافعات المختلط كانتا تنصان على أنه لا يجوز التكليف من باب الاحتياط باليمين الحاسمة لأن التكليف بتلك اليمين يفيد ترك ما عداها من أوجه الإثبات ومن ثم فقد صار القضاء في ذلك الوقت على عدم جواز توجيه اليمين وبصفة احتياطية إلا أن هذا القضاء قد يؤدي إلى ضياع حق المدعي الذي يملك أدلة قد لا تقبلها المحكمة منه فيرى التمسك بتوجيه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط، والعدالة تقتضي أن يسمح له بعرض أدلته على المحكمة مع الاحتفاظ بحقه في توجيه اليمين إذا رفضت المحكمة الأخذ بتلك الأدلة لأن اليمين طريق احتياطي أخير يلجأ إليه الخصم عندما يعوزه الدليل فيجب أن يبقى هذا الطريق مفتوحاً أمامه إلى أن يستنفذ ما لديه من أدلة
ويوجه القاضي اليمين المتممة لأي من الخصوم ، وهو عادة يختار الخصم الذي يطمئن أكثر إلى إخباره عن حقيقة الواقعة على أنه ليس له أن يوجهها إلى الخصمين معاً ولأن توجيه اليمين المتممة إنما يكون - على خلاف اليمين الحاسمة - حيث توجد أدلة وإن تكن غير كاملة ، فإنه لا يشترط أن يتوافر فمن توجه إليه أهلية التصرف في الحق .
ويكون الخصم الذي توجه إليه اليمين المتممة بالخيار أما أن ينكل عنها أو أن يحلفها، ولكن ليس له أن يردها على خصمه (120 إثبات) . وعلة هذا أن اليمين لم توجه إليه من هذا الخصم وإنما من القاضي ، ولا يتصور ردها على القاضي، فإذا نكل الخصم عن حلف اليمين ، كان للقاضي حرية استخلاص ما يراه من هذا النكول ، وله أن يعيد تقدير الأدلة المقدمة في ضوء النكول أو أن يقبل أدلة جديدة .
ولكن ما الحل إذا حلف الخصم اليمين ؟ يذهب جانب من الفقه يؤيده القضاء إلى أن حلف اليمين المتممة لا يلزم القاضي ، فالقاضي يحتفظ بحريته بعد ذلك في إعادة تقدير الأدلة الموجودة أو في قبول أدلة جديدة . وله في ضوء هذا أو ذلك أن يحكم بما يقتضيه الحلف أو بما لا يقتضيه. وهذا الرأي في تقديرنا محل نظر ، فلا يجوز للقاضي بعد حلف اليمين المتممة أن يقبل أدلة جديدة في الدعوى ، ذلك أن اليمين المتممة بتعريفها انما يلجأ إليها القاضي لاستكمال ما عرض عليه من أدلة لا ينقصها إلا اليمين لتكوين اقتناعه، فإذا حلف اليمين فإن الواقعة تعتبر ثابتة ، ولا يجوز قبول أدلة بشأن واقعة قدر القاضي - مقدماً - ثبوتها معلقاً على شرط حلف اليمين، ومن ناحية أخرى ، فإنه ليس للقاضي بعد حلف اليمين أن يعيد تقدير الأدلة المقدمة، فهذا التقدير يتم منه مقدماً قبل توجيه اليمين وذلك بقراره توجيه اليمين وتحديده من يجب عليه أن يحلفه من الخصوم، حقيقة أن للقاضي وفقاً للقواعد العامة أن يعدل عن قراره بتوجيه اليمين، باعتباره قراراً يتعلق بالإثبات، ولكن هذا لا يعني أن له بعد أن تكون الواقعة قد ثبتت بحلف اليمين، أن يعود ويقبل أدلة إثبات أخرى، وهذا الرأي الذي نأخذ به هو الذي يؤيده - في تقديرنا - نص المادة 119 إثبات الذي يقضي بأن القاضي يوجه اليمين «.. ليبني على ذلك حكمه في موضوع أو في قيمة ما يحكم به».(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني ، الصفحة : 242)
لا خيار لمن وجهت إليه اليمين المتممة فإما الحلف أو النكول : ويتبين من نص التقنين المدنى المصرى ألا خيار لمن وجهت إليه اليمين المتممة ، فهو إما أن يحلف أو ينكل ، ولا يستطيع أن يرد اليمين على الخصم الآخر، ذلك لأن اليمين موجهة إليه من القاضي لا من الخصم الآخر، ولأنها وسيلة تكميلية لاقتناع القاضي وليست احتكاماً إلى ضمير الخصم حتى يجوز لهذا ردها ليحتكم هو إلى خصمه .
فالخصم الذى وجه إليه القاضى اليمين المتممة لا مناص له إذن من أحد موقفين : الحلف أو النكول ونرى الآن ماذا يترتب من الأثر على كل من هذين الموقفين .
حلف الخصم لليمين المتممة : يحلف الخصم اليمين المتممة بنفسه ، ولا يجوز له أن يوكل أحداً غيره فى الحلف ، شأن اليمين المتممة فى هذا الشأن اليمين الحاسمة . ذلك أن المقصود من الحلف ، فى الحالتين ، هو تأكيد الخصم لما يدعيه مع تعزيز التأكيد بالإيمان . وهو بعد لو ثبت حنثه فى يمينه ، كان معرضاً للعقوبة الجنائية المنصوص عليها فى المادة 301 من قانون العقوبات وقد تقدم ذكرها، ونص هذه المادة غير مقصور على اليمين الحاسمة ، بل يشمل كل يمين يلزم بها الخصم فى المواد المدنية فيحلفها كذباً ،ومن ثم يتناول النص ، فوق اليمين الحاسمة ، اليمين المتممة ويمين الاستيثاق وغيرها من الأيمان التى يلزم بها الخصم فى المواد المدنية .
وكل ما ذكرناه فى كيفية حلف اليمين الحاسمة يسرى بالنسبة إلى حلف اليمين المتممة .
والغالب أن الخصم إذا حلف اليمين المتممة قضى لصالحه ، أن يكون بهذا الحلف قد استكمل الأدلة التى كانت ناقصة، وأقنع القاضى بصحة ادعائه ولكن إذا ثبت بحكم جنائى كذب اليمين، جاز للخصم الآخر أن يطالب بتعويض مدني، وهذا دون إخلال بالطعن فى الحكم الذى صدر تأسيساً على اليمين المتممة بطريق التماس النظر، وقد رأينا أن هذا كله جائز فى اليمين الحاسمة ، فهو جائز من باب أولى فى اليمين المتممة ،بل ويجوز فى اليمين المتممة ، أن يدعي الخصم طالب التعويض مدنياً فى الدعوى الجنائية التي ترفعها النيابة العامة ، كما يجوز له أن يرفع دعوى الجنحة المباشرة .
على أنه ليس حتماً على القاضى ، بعد أن يحلف الخصم اليمين المتممة ، أن يقضى لصالحه فقد يقع ، كما قدمنا ، أن القاضى ، بعد حلف اليمين وقبل النطق بالحكم ، يقف على أدلة جديدة تقنعه بأن إدعاء الخصم الذي حلف اليمين يقوم على غير أساس ، فيحكم ضده ،بل ليس من الضروري أن يكشف القاضي أدلة جديدة، فقد يعيد النظر كما أسلفنا فى القضية بعد الحلف وقبل الحكم ، فيقتنع بغير ما كان مقتنعاً به عند توجيه اليمين المتممة ، فيقضي ضد من حلف .
بل إن القاضى ليقضي لمصلحة من حلف، ثم يستأنف الحكم، فترى محكمة الإستئناف رأياً آخر ، إذ هى لا تتقيد بتوجيه اليمين ولا بحلفها فى المحكمة الإبتدائية فقد ترى ألا محل لتوجيه اليمين المتممة ، لأن الأدلة قد أصبحت كافية ، أو كانت كافية من قبل ، أو أن الأدلة معدومة بحيث لا يجوز توجيه هذه اليمين، وحتى إذا رأت أن توجيه اليمين المتممة كان مستساغاً ، فقد ترى أن الخصم الذي كان يجب أن توجه إليه هذه اليمين هو الخصم الآخر ، فتوجهها له لأول مرة فى الإستئناف ، وتغفل اليمين الأخرى التى كانت المحكمة الابتدائية قد وجهتها . بل قد لا تعدل محكمة الاستئناف عن توجيه اليمين المتممة إلى الخصم الذي وجهتها إليه المحكمة الابتدائية ، ولكنها لا تتقيد بموجبها ولا تقتنع بما اقتنعت به المحكمة الإبتدائية ، فلا تقضي لمصلحة من حلف اليمين .
نكول الخصم عن اليمين المتممة : أما إذا نكل الخصم الذى وجهت إليه اليمين المتممة ، فإن الأدلة الناقصة التى كان قد قدمها لإثبات إدعائه تبقى ناقصة كما كانت ، بل إن الريبة لتزداد فى صحة إدعائه بعد أن نكل من أجل ذلك يغلب أن يقضي ضده .
ولكن ليس من المحتم هنا أيضاً أن يقضى ضده فقد تظهر بعد نكوله أدلة جديدة تكمل أدلته الناقصة، فيقضى لصالحه بالرغم من النكول، بل قد لا تظهر أدلة جديدة ، ولكن القاضى يعيد النظر فى الأدلة التى كان يحسبها ناقصة ، فيرجع عن رأيه ويقدر أنها أدلة كافية ، فيقضى هنا أيضاً لصالحه .
وإذا حكم القاضي ضد الخصم الذي نكل – كما هو الغالب - فقد يستأنف الخصم هذا الحكم ،وعند ذلك يكون لمحكمة الإستئناف من الحرية فى التقدير ما كان للمحكمة الابتدائية ،فقد تقضي لصالحه بالرغم من نكوله، وقد توجه إليه اليمين المتممة مرة أخرى ، فيحلفها أو ينكل، وفى الحالتين لها حق التقدير على النحو الذي قدمناه ،وقد ترى محكمة الإستئناف أن توجه اليمين المتممة إلى الخصم الآخر ، ثم تقضي له أو عليه ، حلف أو نكل ، وفقاً لما تراه .
ونرى من ذلك أن النكول عن اليمين كحلفها لا يقيد القاضي ،فليست اليمين المتممة تحكيماً كاليمين الحاسمة، بل هى إجراء من إجراءات التحقيق ودليل إثبات تكميلي ذو قوة محدودة.(الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني المجلد الأول ، الصفحة : 755)
وهذا فرق جوهري بين اليمين المتممة واليمين الحاسمة والتفريق بينهما من هذا الوجه حكم تقتضيه طبيعة اليمين المتممة لأن أعمالها من شأن القاضي فهو الذي يرجع إليه أمر توجيهها وهو الذي يعين من توجه إليه من الخصمين .(الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015 دار محمود، المجلد : الثاني ، الصفحة : 348)
يتبين من هذا النص ألا خيار لمن وجهت إليه اليمين المتممة فهو لا يستطيع أن يردها على الخصم الآخر وعليه أن يحلف وإلا اعتبر ناکلاً ولا يجوز له أن يوكل غيره في الحلف وإذا حلف قضى لصالحه غالباً لأنه يكون قد استكمل الأدلة التي كانت ناقصة على أنه ليس حتماً على القاضي أن يقضي لصالحه، فقد يقف القاضي على أدلة جديدة تقنعه بأن ادعاء الخصم الذي حلف اليمين يقوم على غير أساس فيحكم ضده بل ليس من الضروري أن يكشف القاضي عن أدلة جديدة، إذ له أن يعيد النظر في تقدير الأدلة الموجودة بعد الحلف وقبل الحكم فيقتنع بغير ما كان مقتنعاً به عند توجيه اليمين المتممة فيقضي ضد من حلف، بل إن القاضي ليقضي لمصلحة من حلف ثم يستأنف الحكم فلا تتقيد المحكمة الاستئنافية بحكم المحكمة الإبتدائية فقد ترى المحكمة الاستئنافية ألا محل لتوجيه اليمين المتممة لأن الأدلة أصبحت كافية أو كانت كافية من قبل، أو أن الأدلة معدومة بحيث لا يجوز توجيه هذه اليمين وقد توجه اليمين المتممة إلى الخصم الأخر أو لا توجهها ولكنها لا تقضي لمصلحته، ويجوز للخصم الأخر أن يثبت أمام محكمة الاستئناف كذب اليمين المتممة التي حلفها خصمه أمام المحكمة الإبتدائية، ولا تتقيد اليمين المتممة بما تتقيد به اليمين الحاسمة فيما نص عليه في المادة 117 إثبات، أما إذا نكل الخصم الذي وجهت إليه اليمين المتممة فإن الأدلة الناقصة التي كان قد قدمها لإثبات إدعائه تبقى ناقصة، كما كانت بل إن الريبة لتزداد في صحة إدعائه بعد أن نكل ومن أجل ذلك يغلب أن يحكم القاضي ضده ولكن ليس من المحتم هنا أيضاً أن يقضي ضده فقد تظهر بعد نكوله أدلة جديدة تكمل أدلته الناقصة فيقضي لصالحه بالرغم من النكول، بل قد لا تظهر أدلة جديدة، ولكن القاضي يعيد النظر في تقدير الأدلة التي كان يحسبها ناقصة فيراها كافية فيقضى هنا أيضاً لصالحه، وإن كان احتمال ذلك ضئيلاً بعد نكول الخصم وعدم ظهور أدلة جديدة .
وإذا حكمت المحكمة الإبتدائية ضد الخصم الذي نكل واستأنف هذا الحكم فيكون لمحكمة الدرجة الثانية سلطة مطلقة في تقدير أدلة الدعوى، فقد تقضي لصالح الخصم رغم نکوله إذا كانت أدلته بحسب تقديرها كافية للحكم له بطلباته، وقد ترى محكمة الإستئناف أن نكول الخصم عن اليمين المتممة تعزز مركز الخصم آخر فتوجه إليه اليمين، فإذا حلفها حكمت لصالحه هناك.
أوجه الاختلاف بين اليمين المتممة واليمين الحاسمة:
هناك أربعة أوجه خلاف بين اليمينين أولها : أن اليمين المتممة ملك للقاضي فلا يجوز لمن وجهت إليه هذه اليمين أن يردها على خصمه، أما اليمين الحاسمة فهي ملك للخصم فيجوز لمن وجهت إليه أن يردها إلى الخصم، وثانيها، أنه يجوز للقاضي أن يعدل عن اليمين المتممة بعد توجيهها إذا وجد في الدعوى أدلة تكفي لتكوين عقيدته فيها، أما اليمين الحاسمة فتقيد القاضي كما يتقيد بها الخصم الذي وجهها فلا يجوز له الرجوع فيها متى قبل الخصم الأخر حلفها، وثالثها: إنه إذا حكم ابتدائياً لصالح الخصم الذي حلف اليمين المتممة فيجوز الخصمه أن يثبت أمام محكمة الإستئناف كذب هذه اليمين وأن يقدم من الأدلة ما ينقصها، أما الحكم المؤسس على اليمين الحاسمة فيكون نهائياً وتثبت له قوة الأمر المقضي فلا يجوز الطعن فيه إلا إذا ثبت كذب اليمين بحكم جنائي قبل انقضاء مواعيد الاستئناف أو الالتماس، ورابعها: إن اليمين المتممة ليست لها قوة ملزمة أما اليمين الحاسمة فيتقيد القاضي بنتيجتها، وخامسها: أنه يجوز توجيهها في أمر غير حاسم في الدعوى أو في بعض الطلبات دون البعض الآخر على عكس اليمين الحاسمة فيتعين أن تحسم النزاع جميعه.
يمين التقويم ويمين الاستيثاق :
توجد صورتان خاصتان من اليمين المتممة، أولهما: يمين التقويم، وثانيهما: يمين الاستيثاق والأولى هي ما نصت عليها المادة 121 إثبات، أما الثانية فتوجه في أحوال ثلاثة نص عليها القانون، الحالة الأولى، ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 238 مدني وبمقتضاها جعل القانون من التقادم لمدة سنة واحدة قرينة على الوفاء ولكنه أراد أن يعزز هذه القرينة - وقد اعتبرها دليلاً غير کامل - بيمين متممة يحلفها المدين على واقعة شخصية في أدائه الدين فعلاً فإذا كان قد مات حلف الورثة أو أوصياؤهم إن كان الورثة قصراً يمين عدم العلم بأنهم لا يعلمون بوجود الدين أو يمين العلم بأنهم يعلمون بحصول الوفاء وخصائص هذه اليمين أنها يمين إجبارية لابد أن يوجهها القاضي إلى المدين أو ورثته دون الدائن وإذا حلفها من وجهت إليه كسب الدعوى وهي تختلف اختلافاً جوهرياً عن اليمين الحاسمة في أنها ليست هي الدليل الوحيد في الدعوى بل هي دليل تكميلي يعزز الدليل الأصلي وهي قرينة الوفاء المستخلصة من انقضاء سنة على وجود الدين.
والحقوق التي تتقادم بسنة هي التي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة وتشمل حقوق التجار والصناع وأصحاب الفنادق والمطاعم وحقوق العمال والخدم والإجراء، والحالة الثانية، نصت عليها المادة 194 تجاری وهو كالنص السابق يجعل بعض الحقوق التجارية تتقادم بمدة قصيرة هي خمس سنوات وجعل القانون من هذا التقادم قرينة على الوفاء ولكنه اعتبر هذه القرينة دليلاً غير كامل فرأى أن يعززها إذا طلب الدائن ذلك بيمين متممة يحلفها المدين على أنه ليس في ذمته شيء من الدين أو يحلفها ورثته وهم يحلفون على أكثر من عدم العلم إذ يحلفون على أنهم معتقدون حقيقة أنه لم يبق شيء مستحق من الدين، واليمين في هذه المادة طلبها موكول إلى الدائن لا إلى القاضي وتوجه إلى المدين أو ورثته دون الدائن وإذا حلفها من وجهت إليه كسب الدعوى حتماً ويتعين على المحكمة أن تحكم في هذه الحالة بقبول الدفع بسقوط الحق بالتقادم ورفض دعوى الدائن ويجوز للمدين أن يردها على الدائن الذي وجهها بأن يطلب منه الحلف على أنه لم يقتضي الدين، فإذا نكل عنها اعتبر ذلك اعترافاً ضمنياً بالدين، وفي هذه الحالة تقضي المحكمة برفض الدفع بالتقادم ولكنها مع ذلك اعترافاً ضمنياً بالدين، وفي هذه الحالة تقضي المحكمة برفض الدفع بالتقادم ولكنها مع ذلك يمين متممة لأنها دليل تكميلي يعزز دليلاً أصلياً في الدعوى غير أن بعض المحاكم اعتبرت هذه اليمين يميناً حاسمة وهو رأي مرجوح على أي حال.
أما الحالة الثالثة: فهي ما نصت عليه المادة 14 من قانون الإثبات فيراجع التعليق عليها ونضيف أن هذا النص يختلف عن سابقيه فهو يتكلم عن يمين تتمحض في أنها يمين عدم العلم، ثم إنها لا تعزز دليلاً أصلياً في الإثبات فهي لا تثبت شيئاً بل تنشئ موقفاً بيد أنها على كل حال يمين متممة من نوع خاص إذ يستكمل بها من حلفها الشروط القانونية اللازمة لدفع حجية الورقة العرفية في الإثبات ولهذا السبب وحده يكون اعتبارها في كثير من التجاوز يمين استيثاق. الوسيط للدكتور السنهوري، الجزء الثاني، الطبعة الثانية 754 والإثبات لمحمد عبد اللطيف، الجزء الثاني ص 338).(التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء الرابع ، الصفحة : 1431)
عدم رد اليمين المتممة على الخصم الآخر:
لا يجوز للخصم الذي وجه إليه القاضي اليمين المتممة أن يردها على الخصم الآخر، وفي هذا تختلف اليمين المتممة عن اليمين الحاسمة، ذلك أن اليمين الحاسمة توجه من الخصم إلى خصمه، ومن ثم فقد أجاز له القانون أن يرد هذه اليمين على من وجهها إليه.
وترجع هذه التفرقة بين اليمين الحاسمة واليمين المتممة، إلى طبيعة اليمين المتممة لأن إعمالها من شأن القاضي ، فهو الذي يرجع إليه أمر توجيهها وهو الذي يعين من توجه إليه من الخصمين.
ومن ثم فلا يكون أمام الخصم الذي وجهت إليه اليمين إلا أن يحلف اليمين أو ينكل عنها.
أثر النكول عن اليمين المتممة:
ذكرنا سلفاً أن اليمين المتممة ليست حجة ملزمة للقاضي، ومن و ثم فإنه لا يترتب حتماً على نكول الخصم الذي وجهت إليه اليمين عن الحلف، أن يحكم القاضي ضد هذا الخصم، فقد يقف القاضي على أدلة جديدة تقنعه بأن إدعاء الخصم الذي نكل عن اليمين يقوم على أساس فيحكم له، بل ليس من الضروري أن يكشف القاضي عن أدلة جديدة إذ له أن يعيد النظر في تقدير الأدلة بعد الحلف أو النكول فيقتنع بغير ما كان مقتنعاً به عند توجيه اليمين المتممة.(موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود، المجلد : الرابع ، الصفحة : 2006)

