1- توجيه اليمين الحاسمة احتكام لضمير الخصم لحسم النزاع كله أو في شق منه عندما يعوز الخصم الدليل لإثبات دعواه لا سيما عندما يتشدد القانون في اقتضاء أدلة معينة للإثبات ويتمسك الخصم الآخر بذلك فإن حلفها الخصم فقد أثبت إنكاره لصحة الادعاء ويتعين رفضه وإن كان ذلك بمثابة إقرار ضمني بصحة الادعاء ووجب الحكم عليه بمقتضى هذا الإقرار ولا يغير من ذلك أن يكون طلب توجيه اليمين الحاسمة من باب الاحتياط بعد العمل بقانون المرافعات الحالي وقانون الإثبات ذلك أن المادة 166 من قانون المرافعات الأصلي والمادة 187 من قانون المرافعات المختلط كانتا تنصان على أنه لا يجوز التكليف من باب الاحتياط باليمين الحاسمة لأن التكليف بتلك اليمين يفيد ترك ما عداها من أوجه الإثبات ومن ثم فقد صار القضاء في ذلك الوقت على عدم جواز توجيه اليمين وبصفة احتياطية إلا أن هذا القضاء قد يؤدي إلى ضياع حق المدعي الذي يملك أدلة قد لا تقبلها المحكمة منه فيرى التمسك بتوجيه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط، والعدالة تقتضي أن يسمح له بعرض أدلته على المحكمة مع الاحتفاظ بحقه في توجيه اليمين إذا رفضت المحكمة الأخذ بتلك الأدلة لأن اليمين طريق احتياطي أخير يلجأ إليه الخصم عندما يعوزه الدليل فيجب أن يبقى هذا الطريق مفتوحاً أمامه إلى أن يستنفذ ما لديه من أدلة
2- المقرر - في قضاء هذه المحكمة – أن اليمين لغةً هو الإخبار عن أمر مع الاستشهاد بالله تعالى على صدق الخبر فهو لا يعتبر عملًا مدنيًا فحسب بل هو أيضًا عمل ديني ، فطالب اليمين يلجأ إلى ذمة خصمه ، والحالف عندما يؤدي اليمين إنما يستشهد بالله ويستنزل عقابه وقد نصت مواد الباب السادس من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 في المواد من 114 حتى 130 على طلب اليمين الحاسمة وشروط توجيهها ويستدل منها على أن اليمين ملك للخصم لا للقاضي ويجوز للخصم توجيهها في أية حالة كانت عليها الدعوى وعلى القاضي أن يجيب الخصم لطلبه متى توافرت شروط توجيهها وهي أن تكون متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وغير مخالفة لقاعدة من النظام العام ويجوز للقاضي أن يرفضها إذا كانت غير منتجة أو كان في توجيهها تعسف من الخصم، وخلاصة القول أن توجيه اليمين الحاسمة احتكام لضمير الخصم لحسم النزاع كله أو في شقٍ منه عندما يعوز الخصم الدليل لإثبات دعواه لا سيما عندما يتشدد القانون في اقتضاء أدلة معينة للإثبات ويتمسك الخصم الآخر بذلك، فإن حلفها الخصم فقد أثبت إنكاره لصحة الادعاء ويتعين رفضه، وإن نكل كان ذلك بمثابة إقرار ضمني بصحة الادعاء ووجب الحكم عليه بمقتضى هذا الإقرار، وكان كل طلب أو وجه دفاع يدلي به الخصم لدى محكمة الموضوع ويطلب إليها بطريق الجزم أن تفصل فيه ويكون الفصل فيه مما يجوز أن يترتب عليه تغيير وجه الرأي في الدعوى ، يجب على محكمة الموضوع - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تجيب عليه بأسبابٍ خاصة، فإن هي لم تفعل كان حكمها قاصرًا. لما كان ذلك، وكان الثابت أن الطاعن طلب توجيه اليمين الحاسمة للمطعون ضده ليحلف بأن الأموال التي قام بتحويلها إليه كانت على سبيل الدين وأن ذمته مشغولة بها، وإذ كانت الواقعة محل الحلف متعلقة بالنزاع ومنتجة فيه ، ورفض الحكم المطعون فيه هذا الطلب بمقولة أن اليمين غير حاسمة في إثبات براءة ذمته من الأموال المطالب بها بصرفها في الغرض المخصصة من أجله ولم يقدم الدليل على ذلك، وهو قول من الحكم لا يواجه دفاع الطاعن، ولا يصلح ردًا عليه على الرغم من أنه دفاع جوهري يتغير به - إن صح - وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون معيباً بالقصور والإخلال بحق الدفاع مما يعيبه ويوجب نقضه .
( الطعن رقم 16542 لسنة 91 ق - جلسة 27 / 9 / 2022 )
إذا كانت ديانة المطلوب تحليفه تمنعه أن يؤدي القسم بالصيغة المدنية المنصوص عليها في المادة127 إثبات جاز له أن يؤديها وفقاً للأوضاع المقررة في ديانته إذا طلب هو ذلك ولكن لا يجوز إجباره على اتباع الأوضاع المقررة في ديانته إذا ما قبل أن يحلف بالصيغة الواردة بالمادة السابقة وهذا مستفاد من نص المادة 128 إذا اشترطت لأداء اليمين طبقاً للأوضاع المقررة في ديانة الحالف أن يطلب هو ذلك البيان، وعلى ذلك فإنه لا يجوز له أن يمتنع عن الحلف كلية بحجة أن دينه يمنعه من ذلك وينتقد المستشار أحمد نشأت وبحق هذا النص إذ يرى ليس صواباً وكان يجب أن يجبر على تأدية اليمين طبقاً للأوضاع المقررة في ديانته وخصوصاً إذا طلب خصمه ذلك لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى الغرض الذي قصد إليه موجه اليمين وهو أن يحلف خصمه اليمين التي تؤثر في ذمته ولا يخفی أن توجيه اليمين لخصم لا يخرج عن كونه التجاء إلى نمته وتحكيماً لها ولذلك فإنه يتوجه إلى الشارع لأن ينص على أنه يجب على كل شخص أن يحلف اليمين طبقاً للأوضاع المقررة في ديانته.
(المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة الجزء الثاني ص 71).(الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015 دار محمود، المجلد : الثاني ، الصفحة : 361)
إذا كان دين من يحلف يفرض عليه ألا يقسم باسم الله، بل يقتصر على التأكيد باسم الذمة والضمير، جاز له أن يكتفي بذلك ما دام مثل هذا التأكيد يعتبر يميناً في دينه. ولكن لا يلزم الخصم باتباع أوضاع دينه في الحلف إذا عرض أن يحلف وفقاً للأوضاع المدنية (الوسيط للدكتور السنهوري، الجزء الثاني، الطبعة الثانية ص 720 هامش 2).(التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء الرابع ، الصفحة : 1446)
أداء اليمين وفقاً للأوضاع المقررة في ديانة الحالف:
إذا كانت ديانة من يكلف حلف اليمين تفرض عليه أوضاعاً معيناً في اليمين، فإن الحلف يكون على حسب هذه الأوضاع، إذا طلب المكلف بالحلف ذلك، ومثل ذلك أن تكون ديانة المكلف بالحلف تفرض عليه ألا يقسم باسم الله، بل يقتصر على التأكيد باسم الذمة والضمير.
وهذا يعني أن المكلف بالحلف يكون له الخيار بين أن يؤدي اليمين بالصيغة القانونية أو أن يؤديها طبقاً للأوضاع الدينية فلا يجوز إجباره على الحلف بغير الصيغة القانونية.
غير أنه لا يجوز للمكلف بأداء اليمين أن يمتنع عن الحلف بحجة أن دينه يحرم عليه ذلك، وإلا كان ناكلاً عن اليمين.(موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود، المجلد : الرابع ، الصفحة : 2045)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون التقاضي والإثبات ، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 149 ، 150 ، 151 .
(مادة 131):
تكون تأدية اليمين بأن يقول الحالف: «أحلف بالله». ويذكر الصيغة التي أقرتها المحكمة ، ولمن يكلف حلف اليمين أن يؤديها وفقاً للأوضاع المقررة في ديانته إذا طلب ذلك.
(م (1743) من المجلة ونصها: إذا قصد تحليف أحد الخصمين يحلف باسمه تعالى
بقوله: والله. أو: بالله. مرة واحدة بدون تكرار ، و(127) - (128) إثبات مصري، و(129) - (130) بینات سوري وفيها: «بأن يقول الحالف: والله». و م (79) - (6) و (2) إثبات سوداني).
المذكرة الإيضاحية:
أريد في هذه المادة بيان صيغة اليمين التي يؤديها الخصم.
والمقرر في الفقه الإسلامي أن اليمين تكون بالله عزوجل ، وكذا بأي صفة من صفاته کالرحمن والرحيم .
والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليذر» وقوله عليه الصلاة والسلام: «من حلف بغير الله فقد أشرك».
وقد تؤكد اليمين بذكر أوصافه تعالى، كأن يقول: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية، ما لفلان علي ولا قبلي هذا المال الذي ادعاه، وهو كذا وكذا ولا شيء منه وذلك لأن أحوال الناس شتی: فمنهم من يمتنع عن اليمين بالتغليظ ويتجاسر عند عدمه فيغلظ عليه لعله يمتنع بذلك، وله أن يزيد على هذا إن شاء، وله أن ينقص منه ولو أمر القاضي بعطف بعض أسماء الله على بعض فأتی بواحدة ونكل عن الباقي - لا يقضي عليه بالنكول؛ لأن المستحق عليه يمين واحدة وقد أتى بها. ولو لم يغلظ جاز.
وقيل: لا يغلظ على المعروف بالصلاح ويغلظ على غيره.
وقيل: يغلظ في الخطير من المال دون الحقير.
ولو غلظ عليه فحلف من غير تغليظ، ونكل عن التغليظ - لا يقضى عليه بالنكول؛ لأن المقصود الحلف بالله تعالى وقد حصل.
ولا يستحلف بالطلاق، ولا بالعتاق؛ لمخالفة ذلك للحديث. قال صاحب الهداية: وقيل في زماننا: إذا ألح الخصم ساغ للقاضي أن يحلف بذلك؛ لقلة المبالاة باليمين بالله، وكثرة الامتناع بسبب الحلف بالطلاق، ولكن الظاهر أنه يراد بهذه اليمين (بالطلاق) التخويف وطمأنينة المدعي، ولكن لا يقضى بالنكول فيها.
ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام.
(انظر: أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (248) - (252). وتبصرة الحكام، (1): (184) - (185). والكاساني، البدائع، (6): (227) - (228). وابن نجیم ، البحر الرائق: (7): (213)).
والقاضي بعرض اليمين على المدعى عليه بأن يقول له: إني أعرض عليك اليمين ثلاثاً ، فإن حلفت وإلا قضيت عليك بها ادعاه. فإذا كرر العرض عليه ثلاث مرات ولم يحلف قضى عليه بالنكول. وهذا التكرار لزيادة الاحتياط، والمبالغة في إبلاء الأعذار، فهو للاستحباب، والمذهب أنه لو قضى بالنكول بعد العرض مرة جاز وهو الصحيح. والأولى هو القضاء بالنكول بعد العرض ثلاث مرات، وصورة ذلك أن يقول القاضي للمدعى عليه: احلف بالله ما لهذا عليك ما يدعيه، وهو كذا وكذا ولا شيء منه. فإن نکل يقل له ذلك ثانياً، فإن نكل يقل له: بقيت الثالثة ثم أقضي عليك إن لم تحلف ثم يقول له ثالثاً ، فإن نکل قضى عليه بدعوى المدعي.
(الهداية وشروحها. وأحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (239) - (240)).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 239
حَقُّ الاِسْتِحْلاَفِ (طَلَبُ الْحَلِفِ):
الأْصْلُ فِي طَلَبِ الْيَمِينِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُدَّعِي، وَيَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَكِيلُهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ وَلِيُّهُ أَوْ نَاظِرُ الْوَقْفِ. وَلاَ تَجُوزُ الإْنَابَةُ فِي الْحَلِفِ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَعْمَى أَخْرَسَ أَصَمَّ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ.
وَلَوْ أَصَمَّ كَتَبَ الْقَاضِي لِيُجِيبَ بِخَطِّهِ إِنْ عَرَفَ الْكِتَابَةَ، وَإِلاَّ فَبِإِشَارَتِهِ.
مَا يُحْلَفُ عَلَيْهِ:
إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى بِمِلْكٍ أَوْ حَقٍّ مُطْلَقٍ فَالتَّحْلِيفُ يَكُونُ عَلَى الْحَاصِلِ، بِأَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ: مَا لَهُ قِبَلِي كَذَا وَلاَ شَيْءٌ مِنْهُ. وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى بِمِلْكٍ أَوْ حَقٍّ مُبَيَّنِ السَّبَبِ فَهُنَاكَ اتِّجَاهَاتٌ ثَلاَثٌ:
أ - فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَمَفْهُومِ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى الْحَاصِلِ - لأِنَّهُ أَحْوَطُ - فَيَحْلِفُ: لَيْسَ لِلْمُدَّعِي قِبَلِي شَيْءٌ.
ب - وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَمَفْهُومُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّ التَّحْلِيفَ هُنَا عَلَى السَّبَبِ، فَيَقُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: بِاللَّهِ مَا اقْتَرَضْتُ، مَثَلاً.
وَاسْتَثْنَى أَبُو يُوسُفَ مَا لَوْ عَرَّضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ: قَدْ يَبِيعُ الإْنْسَانُ شَيْئًا ثُمَّ يُقِيلُ، فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ.
ج - وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّ التَّحْلِيفَ يُطَابِقُ الإِْنْكَارَ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْحَاصِلَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ، وَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ، وَهُوَ مَوْضُوعُ الدَّعْوَى - يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ. وَفِي جَمِيعِ الْحَالاَتِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا التَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ إِذَا حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ أَجْزَأَهُ؛ لأِنَّهُ يَتَضَمَّنُ السَّبَبَ وَزِيَادَةً. وَهَذَا فِي الاِتِّفَاقِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 78
حَلِفٌ
التَّعْرِيفُ:
لْحَلِفُ لُغَةً الْيَمِينُ: وَأَصْلُهَا الْعَقْدُ بِالْعَزْمِ وَالنِّيَّةِ.
قَالَ أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيُّ: وَالْحَلِفُ مِنْ قَوْلِكَ: سَيْفٌ حَلِيفٌ أَيْ: قَاطِعٌ مَاضٍ. فَإِذَا قُلْتَ: حَلَفَ بِاللَّهِ، فَكَأَنَّكَ قُلْتَ: قَطَعَ الْمُخَاصَمَةَ بِاللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْحَلِفُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ أَصْلُهُ مِنَ الْحَلِفِ بِمَعْنَى الْمُلاَزَمَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ الإْنْسَانَ يَلْزَمُهُ الثَّبَاتُ عَلَى الْيَمِينِ.
وَاصْطِلاَحًا: تَوْكِيدُ حُكْمٍ بِذِكْرٍ مُعَظَّمٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.
حِكْمَةُ التَّحْلِيفِ وَمَشْرُوعِيَّتُهُ:
التَّحْلِيفُ تَكْلِيفُ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ الْيَمِينَ وَيَجْرِي التَّحْلِيفُ لِلْفَصْلِ فِي الْخُصُومَاتِ وَإِنْهَاءِ
النِّزَاعِ فِي الدَّعَاوَى، وَثَبَتَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: «احْلِفْ بِاللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ، مَا لَهُ عِنْدَكَ شَيْءٌ».
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِلأْشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ: بَيِّنَتُكَ وَإِلاَّ فَيَمِينُه.
صِفَةُ التَّحْلِيفِ:
الْحَلِفُ الْمُنْعَقِدُ هُوَ الْقَسَمُ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَاتِهِ، مِثْلُ: لاَ، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، وَبِالَّذِي رَفَعَ سَبْعًا وَبَسَطَ سَبْعًا، وَهَذَا مِصْدَاقًا لقوله تعالى: ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأْرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ«أَلاَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «فَقَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا ذَاكِرًا وَلاَ آثِرًا».
(ر: أَيْمَانٌ) - فِقْرَةَ (17) وَإِثْبَاتٌ - فِقْرَةَ (23) وَإِيلاَءٌ فِقْرَةَ (1).
الْحُقُوقُ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا التَّحْلِيفُ:
الْحُقُوقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: حَقٌّ لِلْعِبَادِ.
وَحَقُّ اللَّهِ عَلَى قِسْمَيْنِ:
فَالأْوَّلُ: الْحُدُودُ وَلاَ يَجْرِي التَّحْلِيفُ فِيهَا، لأِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْيَمِينِ النُّكُولَ، وَهُوَ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ بَذْلاً أَوْ إِقْرَارًا فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ لاَ بَذْلَ فِيهَا وَلاَ تُقَامُ بِحُجَّةٍ فِيهَا شُبْهَةٌ.
وَلأِنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَلأَنْ لاَ يُسْتَحْلَفُ مَعَ الإْقْرَارِ أَوْلَى وَلأِنَّهُ يُسْتَحَبُّ سَتْرُهُ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِهُزَالٍ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ: «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ».
الثَّانِي: الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ كَدَعْوَى السَّاعِي الزَّكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، لأِنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ فَلاَ يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهَا كَالصَّلاَةِ، وَلَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ نَذْرَ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نَفْيِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، لأِنَّهُ لاَ حَقَّ لِلْمُدَّعِي فِيهِ وَلاَ وِلاَيَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَضَمَّنَتِ الدَّعْوَى حَقًّا لآِدَمِيٍّ مِثْلُ سَرِقَةٍ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِحَقِّ الآْدَمِيِّ دُونَ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَضْمَنُ.
وَحُقُوقُ الْعِبَادِ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا هُوَ مَالٌ أَوِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَالٌ، فَهَذَا تُشْرَعُ فِيهِ الْيَمِينُ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
فَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ، وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا فِي قِصَّةِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ اللَّذَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الأْرْضِ.
الثَّانِي: مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلاَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَالٌ كَحَدِّ قَذْفٍ، وَقَوَدٍ، وَمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا كَنِكَاحٍ، وَطَلاَقٍ، وَرَجْعَةٍ، وَعِتْقٍ، وَإِسْلاَمٍ، وَرِدَّةٍ، وَجَرْحٍ، وَتَعْدِيلٍ.
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةِ لاَ يُسْتَحْلَفُ فِيهَا لأِنَّ النُّكُولَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَذْلٌ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ لاَ يَصِحُّ فِيهَا الْبَذْلُ، وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ النُّكُولُ إِقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَعَلَيْهِ يَجْرِي التَّحْلِيفُ فِيهَا عِنْدَهُمَا.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَكُلُّ دَعْوَى لاَ تَثْبُتُ إِلاَّ بِعَدْلَيْنِ لاَ يُسْتَحَقُّ فِيهَا شَيْءٌ إِلاَّ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ إِذْ لاَ فَائِدَةَ فِي رَدِّ الْيَمِينِ أَوْ إِثْبَاتِهَا، لأِنَّهُ إِنْ حَلَفَهَا لاَ يَثْبُتُ الْمُدَّعَى بِهِ لِتَوَقُّفِ ثُبُوتِهَا عَلَى الْعَدْلَيْنِ إِلاَّ الْقَسَامَةَ وَجِرَاحَ الْعَمْدِ، وَفِي بَعْضِهَا خِلاَفٌ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ عِنْدَهُمْ بِأَحْكَامٍ تَثْبُتُ فِي الْبَدَنِ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ غَالِبًا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الْمُتَّبَعُ عِنْدَهُمْ، أَنَّهُ يَجْرِي التَّحْلِيفُ لأِنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الدَّعَاوَى الَّتِي تَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ تَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ.
وَاسْتَدَلُّوا «بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِهِمَا فِي الْحُقُوقِ وَالأْمْوَالِ» ثُمَّ الأْئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ.
وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لاَ يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلاَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ قَالَ أَحْمَدُ – رحمه الله -: لَمْ أَسْمَعْ مَنْ مَضَى جَوَّزُوا الأْيْمَانَ إِلاَّ فِي الأَْمْوَالِ وَالْعُرُوضِ خَاصَّةً كَمَا سَلَفَ.
الثَّانِي: يُسْتَحْلَفُ فِي الطَّلاَقِ وَالْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا قَالَ ارْتَجَعْتُكِ
فَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: فَيَتَخَرَّجُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِي كُلِّ حَقٍّ لآِدَمِيٍّ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ».
وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي دَعْوَى الدِّمَاءِ بِذِكْرِهَا فِي الدَّعْوَى مَعَ عُمُومِ الأْحَادِيثِ، وَلأِنَّهَا دَعْوَى صَحِيحَةٌ فِي حَقٍّ لآِدَمِيٍّ، فَجَازَ أَنْ يَحْلِفَ فِيهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَدَعْوَى الْمَالِ.
أَثَرُ التَّحْلِيفِ فِي الْخُصُومَةِ:
الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ تُفِيدُ قَطْعَ الْخُصُومَةِ فِي الْحَالِ لاَ الْبَرَاءَةَ مِنَ الْحَقِّ. وَالْمَالِكِيَّةُ اعْتَدُّوا بِالْحَلِفِ وَقَالُوا: تَكُونُ الْيَمِينُ كَافِيَةً فِي إِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ وَفِي مَنْعِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي عُذْرٌ فِي عَدَمِ الإْتْيَانِ بِالْبَيِّنَةِ وَذَلِكَ كَنِسْيَانٍ حِينَ تَحْلِيفِهِ خَصْمَهُ.وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: إِثْبَاتٌ) فِقْرَةَ (28).
صِفَةُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ:
يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِهِ، وَكَذَا فِعْلِ غَيْرِهِ إِنْ كَانَ إِثْبَاتًا، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.
وَجُمْلَةُ الأْمْرِ أَنَّ الأْيْمَانَ كُلَّهَا عَلَى الْبَتِّ وَالْقَطْعِ إِلاَّ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، فَإِنَّهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَعَلَى هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ: كُلُّهَا عَلَى الْعِلْمِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَذَكَرَ أَحْمَدُ حَدِيثَ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لاَ تَضْطَرُّوا النَّاسَ فِي أَيْمَانِهِمْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ» وَلأِنَّهُ لاَ يُكَلَّفُ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَحَمَلَ ابْنُ قُدَامَةَ حَدِيثَ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْيَمِينِ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ.
مِثَالُ الْبَتِّ: ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَرَبَ فُلاَنًا وَاعْتَدَى عَلَيْهِ، فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لأِنَّهُ فِعْلُ النَّفْسِ.
مِثَالُ الْعِلْمِ: ادَّعَى أَحَدٌ دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ فِي مُوَاجِهَةِ وَارِثِهِ بِسَبَبٍ فَيَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ: وَاللَّهِ لاَ أَعْلَمُ أَنَّ أَبِي فَعَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ فِعْلٌ لِلْغَيْرِ.
وَتَفَرَّدَ الْحَنَفِيَّةُ بِتَقْسِيمِ الْحَلِفِ إِلَى حَلِفٍ عَلَى السَّبَبِ أَوْ عَلَى الْحَاصِلِ.
وَالْمَقْصُودُ بِالسَّبَبِ: وُقُوعُ سَبَبِ الْحَقِّ الْمُدَّعَى أَوْ عَدَمُ وُقُوعِهِ.
وَالْمَقْصُودُ بِالْحَاصِلِ: بَقَاءُ الْعَقْدِ الْمُثْبِتِ لِلْحَقِّ أَوْ عَدَمُ بَقَائِهِ: أَنَّ الْعَقْدَ يَحْتَمِلُ الاِرْتِفَاعَ كَالنِّكَاحِ يَرْتَفِعُ بِالطَّلاَقِ، وَالْبَيْعِ بِالإْقَالَةِ.
مِثَالُ الْحَلِفِ عَلَى السَّبَبِ: دَعْوَى عَقْدِ بَيْعٍ مُوجِبٍ لِتَمَلُّكِ عَيْنٍ وَالْكَفَالَةِ لاِشْتِغَالِ الذِّمَّةِ وَتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ، فَهُوَ يَمِينٌ مُنْصَبٌّ عَلَى نَفْسِ السَّبَبِ الْمُؤَدِّي إِلَى حُصُولِ مُسَبَّبِهِ هَلْ هُوَ وَاقِعٌ أَوْ لاَ؟.
وَالْحَلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ: يَكُونُ فِي الأْشْيَاءِ الَّتِي تَقَعُ ثُمَّ قَدْ تَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ وَالْغَصْبِ، فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ، وَمَا هِيَ بَائِنٌ مِنْكَ الآْنَ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ. أَيْ إِلَى الآْنَ لَمْ يَزَلْ حَاصِلاً بَاقِيًا أَمْ لاَ.
قَالَ صَاحِبُ مُعِينِ الْحُكَّامِ: الاِسْتِحْلاَفُ عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَى الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالآْخَرُ عَلَى الْفِعَالِ الْحِسِّيَّةِ.
أَمَّا الأْوَّلُ فَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ بِالْعَقْدِ بِاللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَكَ مَا ادَّعَى مِنَ الْحَقِّ، وَلاَ يُحَلِّفُهُ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالإْجَارَةُ وَالْكَفَالَةُ وَنَحْوُهَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُحَلِّفُهُ عَلَى السَّبَبِ بِاللَّهِ مَا اشْتَرَيْتُ، وَلاَ اسْتَأْجَرْتُ، وَلاَ كَفَلْتُ وَنَحْوِهَا، إِلاَّ أَنْ يَعْرِضَ لِلْقَاضِي فَيَقُولُ: كَمْ مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٍ يَفْسَخُ الْعَقْدَ فَيُحَلِّفَهُ عَلَى الْحَاصِلِ، لأِنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى حَسَبِ الدَّعْوَى وَدَفْعِهِ، وَالدَّعْوَى وَقْعٌ فِي الْعَقْدِ لاَ فِي الْحَاصِلِ بِهِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الاِسْتِحْلاَفُ عَلَى الأْفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ وَهِيَ نَوْعَانِ:
نَوْعٌ يَسْتَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ لاَ عَلَى السَّبَبِ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ إِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ وَالْمَسْرُوقُ قَائِمًا، يُحَلِّفُهُ بِاللَّهِ مَا هَذَا الثَّوْبُ لِهَذَا وَلاَ عَلَيْكَ تَسْلِيمُهُ وَلاَ تَسْلِيمُهُ شَيْءٌ مِنْهُ إِلَى الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْقِيمَةِ لاَ غَيْرُ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي وَهُوَ مَا إِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَضَعَ عَلَى حَائِطِهِ خَشَبَةً، أَوْ بَنَى عَلَيْهِ بِنَاءً، أَوْ أَجْرَى عَلَى سَطْحِهِ، أَوْ فِي دَارِهِ مِيزَابًا أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ بَابًا، أَوْ رَمَى تُرَابًا فِي أَرْضِهِ أَوْ مَيْتَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، مِمَّا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ نَقْلُهُ وَأَرَادَ اسْتِحْلاَفَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ عَلَى السَّبَبِ بِاللَّهِ مَا فَعَلْتُ هَذَا، لأِنَّهُ لَيْسَ فِي التَّحْلِيفِ هُنَا ضَرَرٌ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إِذْ بَعْدَمَا ثَبَتَ هَذَا الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ رَفْعِ هَذِهِ الأْشْيَاءِ عَنْ أَرْضِهِ، لاَ يَتَضَرَّرُ بِسُقُوطِهِ بِسَبَبٍ مِنَ الأْسْبَابِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الاِبْتِدَاءِ أَنْ يَضَعَ الْخَشَبَةَ عَلَى حَائِطِهِ أَوْ يُلْقِيَ الْمَيْتَةَ فِي أَرْضِهِ، كَانَ ذَلِكَ إِعَارَةً مِنْهُ، فَمَتَى بَدَا لَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِرَفْعِهِ، وَإِنْ بَاعَ مِنْهُ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ، لأِنَّ هَذَا بَيْعُ الْحَقِّ وَبَيْعُ الْحَقِّ لاَ يَجُوزُ. أ. هـ. أَيْ فَهَذِهِ الأْفْعَالُ الْحِسِّيَّةُ كَالأْسْبَابِ الَّتِي لاَ تَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ نَحْوِ دَعْوَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْعِتْقَ عَلَى مَوْلاَهُ، فَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ لاَ يَضُرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
حَقُّ التَّحْلِيفِ:
إِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْخَصْمِ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْحَاكِمُ فَلاَ تُعْتَبَرُ يَمِينُهُ، وَيَلْزَمُ أَنْ يَحْلِفَ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ مَرَّةً أُخْرَى.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي اسْتِحْلاَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ طَلَبِ الْيَمِينِ مِنَ الْمُدَّعِي لأَِنَّهُ حَقٌّ لَهُ، فَلاَ يَسْتَوْفِيهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ.
وَلاَ يَعْتَدُّ بِتَحْلِيفِ قَاضٍ قَبْلَ مُطَالَبَةِ الْمُدَّعِي، لأِنَّهَا يَمِينٌ قَبْلَ وَقْتِهَا، لِلْمُدَّعِي أَنْ يُطَالِبَ بِإِعَادَتِهَا.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ خَمْسَةَ مَوَاطِنَ:
الأْوَّلُ: إِذَا ادَّعَى أَحَدٌ مِنَ التَّرِكَةِ حَقًّا بِالإْجْمَاعِ.
الثَّانِي: إِذَا اسْتَحَقَّ أَحَدٌ الْمَالَ.
الثَّالِثُ: لَوْ أَرَادَ مُشْتَرٍ رَدَّ مَبِيعٍ لِعَيْبِهِ.
الرَّابِعُ: تَحْلِيفُ الْحَاكِمِ الشَّفِيعَ عِنْدَ الْحُكْمِ لَهُ بِالشُّفْعَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُبْطِلْ شُفْعَتَهُ.
وَالْخَامِسُ: الْمَرْأَةُ، إِذَا طَلَبَتْ فَرْضَ نَفَقَةٍ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ.(ر: إِثْبَاتٌ) - فِقْرَةَ (17) (22).
النِّيَّةُ فِي التَّحْلِيفِ:
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ».
إِذِ الْمَقْصُودُ هُوَ التَّرْهِيبُ وَرَدْعُ الْحَالِفِ عَنْ جُحُودِهِ خَوْفًا مِنَ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَيُنْظَرُ فِي الْيَمِينِ إِلَى نِيَّةِ الْقَاضِي وَعَقِيدَتِهِ، فَلاَ يَصِحُّ تَوْرِيَةُ الْحَالِفِ وَلاَ قَوْلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ الْقَاضِي.
وَأَتَى ابْنُ قُدَامَةَ بِمِثَالٍ لِلْحَالِفِ مَظْلُومًا وَهِيَ وَاقِعَةٌ حَصَلَتْ لِلصَّحَابِيِّ سُوَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ رضي الله عنه. قَالَ سُوَيْدٌ: «خَرَجْنَا نُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَنَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ فَتَحَرَّجَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا، فَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي. فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَنْتَ أَبَرُّهُمْ وَأَصْدَقُهُمْ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ».
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا وَلاَ مَظْلُومًا قَالَ: فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَهُ تَأْوِيلُهُ وَأَوْرَدَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِلْنِي فَقَالَ: إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَلْ تَلِدُ الإْبِلَ إِلاَّ النُّوقُ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ - عَدَا ابْنُ الْقَاسِمِ -: الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هِيَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ فَيَنْفَعُهُ الاِسْتِثْنَاءُ فَلاَ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَلَكِنْ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.

