جاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون أنه :
أضاف المشروع في المادة 135 منه المقابلة للمادة 225 من قانون المرافعات القائم فقرة جديدة تتضمن حكماً يحظر شطب الدعوي عند إيداع الأمانة المقرر إيداعها لحساب مصروفات وأتعاب الخبير المندوب فيها قبل إخبار الخصوم بإيداع الخبير تقريره طبقاً للإجراءات المبينة في المادة 151 من المشروع ذلك أنه لا مبرر لارهاق الخصوم بمتابعة الحضور في الجلسات السابقة على إخطارهم بتقديم الخبير تقريره وتعريض الدعوى لخطر الزوال نتيجة لذلك في حين أنه لا يكون ثمة دور لهم في الواقع أمام المحكمة طوال مدة مباشرة الخبير لمهمته .
وطالما أصبحت الدعوى بمنأى عن الشطب لعدم إخبار الخصوم بإيداع الخبير تقريره، فإنها بالتالي تكون بمنأى عن الآثار القانونية المترتبة عليه وهو اعتبار الدعوى كأن لم تكن بعد ستين يوماً من شطبها (م 82 مرافعات). وكذا سقوط الخصومة (م 134 مرافعات).
أما إذا حدث ولم يتم إعلان الخصوم بإيداع تقرير الخبير، ثم تغيب الخصوم عن الحضور بالجلسة فقررت المحكمة شطب الدعوى، فإن هذا الشطب يقع باطلاً ولا ينتج أثره، ومن ثم يجوز لأي من الطرفين تعجيل السير في الدعوى دون التقيد بميعاد الستين يوماً المنصوص عليه بالمادة 82 من قانون المرافعات وقد يتصور وقف سير الخصومة - بصورة فعلية - رغم توالى جلساتها إذا توفي خبير الجدول قبل إيداع تقريره، وهنا تكون الخصومة أيضاً بمنأى عن الجزأين السابقين .
المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون تنظيم الخبرة أمام جهات القضاء للمرسوم 69 لسنة 1952
الخبير هو عون القاضي يبسط له الرأي ويضع تحت تصرفه معارفه وتجاربه ولقد كانت الخبرة ولا تزال الوسيلة التي يستعين بها القضاء في كشف ما خفي أو أشكل من الأمور. إلا أن هذا العون ينقلب خطراً إذا ما التوى به الغرض أو شابه الميل أو الهوى - ولهذا كان لزاماً على الشارع أن يضفي على مهمة الخبير من الأسباب ما يصونها و يعززها ويمكن لها من أمرها ويزداد الحرص على ذلك والتشبث به إذا لوحظ أن أعمال الخبرة وحاجة القضاء إليها قد تطورت باتساع ميادين الحياة وانبساط آفاقها.
ولقد اجتازت الخبرة في مصر مراحل مختلفة إذ بدأت ولم يكن لها قانون ينظم شؤونها إلى أن صدر القانون رقم 1 لسنة 1909 وكان أساس نظام الخبرة في جداول الخبراء تعدها لجنة الخبراء بكل محكمة ابتدائية واستئنافية، ولم يشترط في الخبير من مؤهلات إلا أن يكون حاصلاً على شهادة تعتبرها اللجنة وافية بالغرض، ولهذا انتظمت جداول الخبراء عدداً غير قليل ممن لا تتوافر فيهم المؤهلات اللازمة للقيام بأعمال الخبرة ولم يكن لهم من التخصص والمران ما تقتضيه أعمالهم، مما حدا بالمشروع أن يتدخل لتنظيمها فأصدر في سنة 1933 القانون رقم 75 لسنة 1933.
وفي سنة 1934 اتجهت وزارة العدل التي تشبه نظام الخبراء الموظفين لدى المجالس الحسبية وما كادت ثمرات هذا النظام تظهر حتى بادرت الوزارة إلى التوسع في تطبيق هذا النظام تظهر حتى بادرت الوزارة إلى التوسع في تطبيق هذا النظام فانتقل من المجالس الحسبية إلى المحاكم الوطنية، ولم تحل سنة 1943 إلا وإدارة الخبراء بوزارة العدل تأخذ مكانها لتشرف على شئون الخبرة في الزراعة والحساب والهندسة وقامت لها فروع سمیت «مكاتب خبراء وزارة العدل» في كل محكمة ابتدائية وزود كل مكتب بعدد من الخبراء اللازمين للعمل وخصص عدد منهم للضرائب وقامت هيئة تفتيش فنية بالإدارة تشرف على عملهم وتوجههم.
ولما كان النظام القائم متشعب القواعد ولم يعد متمشياً مع نهضة القضاء ولا مسايرة لمختلف الأقضية التي جدت في مناحي الحياة كما لم يعد يكفل الرقابة على أعمال الخبراء مع أهميتها المتزايدة ولا هو شامل لطوائف الخبراء أمام جهات القضاء جميعاً فثمة خبراء المجالس الحسبية يعملون بغير قانون اكتفاء بتعليمات يوقعها الخبير بقبول أحكامها، وثمة خبراء المحاكم الشرعية تختارهم المحكمة بقدر ما تأنسه في الخبير من ثقة، وإلى جانب هؤلاء خبراء الجداول وخبراء وزارة العدل ومن تنتدبهم المحاكم من المصالح الحكومية وعلى رأسهم مصلحة الطب الشرعي التي تقوم بالدور الأول والأهم في الخبرة المتصلة بالناحية الجنائية علاوة على ما تقوم به من أعمال الخبرة في مسائل الأحوال الشخصية والمسائل المدنية وعلى الرغم من ذلك ظل نظامها خاضعاً لقرارات تصدر من آن لآخر دون أن تستقر حالها على وضع يتناسب ومهمتها الكبرى.
ولما كانت الأعمال التي تتطلب الاستعانة بأهل الخبرة قد اتسع نطاقها باتساع ميادين الحياة وتقدم مركز مصر العمراني والاجتماعي والاقتصادي وما يقتضيه ذلك من تعدد المنازعات و اتخاذها صورة أدق وأكثر خفاء والتواء وكانت تجربة نظام الخبير الموظف قد صادفت نجاحاً كبيرة لما كان كل أولئك فقد أعدت وزارة العدل هذا المشروع لتعالج به نظام الخبرة حتى تستقيم أمورهم على نسق واحد يجمع شتات أحكامها وأوضاعها أمام مختلف جهات القضاء.
وقوام هذا المشروع أن يكون الخبير موظفاً لينبسط إشراف الدولة على عمله وليستشعر هو المسئولية في أدائه، وتوكيداً لهذه المسئولية ودعماً لها اعتبر مكتب الخبراء أو قسم الطب الشرعي وحدة قانونية بحيث يقع الندب للمكتب أو القسم ليكون كل منهما مسئولاً عن عمل الخبراء التابعين له ومهيمنة على توزيع العمل فيما بينهم وليكون في إشراف المكتب أو القسم ما يكفل سلامة الإرشاد وحسن التوجيه.
ولم يهمل المشروع أم خبراء الجدول فاستبقي الحاليين منهم.
وتوخياً لتوفير العناصر الصالحة وتحقيق الأهداف هذا القانون رأي المشروع أن يكون الرجال الطب الشرعي وخبراء وزارة العدل من الضمانات ما يحسون معة الغناء عن الاتجاه إلى ميدان الأعمال الحرة التي تجتذبهم بوفرة کسبها.
ولما كان قانون المرافعات يتضمن النصوص المتعلقة بالقواعد العامة في ندب الخبراء أمام جهات القضاء وتتيح أهل الخبرة وردهم والواجبات المتعلقة بأداء الخبير مأموريته وأتعاب الخبراء فقد رؤي الإحالة إلى هذه النصوص.
أشارت المادة الأولى من مشروع القانون إلى الغرض الأول من أغراضه وهو أن ينظم الخبرة أمام جهات القضاء كافة وكذلك لدى النيابة العامة كما أشارت إلى الطوائف المختلفة للخبراء الذين ينظم المشروع أحكامهم وهم خبراء الجدول الحاليون وخبراء وزارة العدل وخبراء مصلحة الطب الشرعي والمصالح الأخرى التي بأعمال الخبرة كأداة تحقيق الشخصية وقسم الأمراض العقلية ومصلحة الدمغة وكل من ترى جهات القضاء الاستعانة بهم كحاجة الدعوى إلى خبير في التصوير أو التماثيل أو التحف الأثرية وغيرها.
في خبراء الجدول
بدأ المشرع أحكامه بخبراء الجدول لأنهم هم الذين استفتحت بهم الخبرة ولما يزال فريق منهم باقية، فأشار في المادة الثانية إلى أن هؤلاء الخبراء المقيدين في جداول المحاكم وقت العمل بهذا القانون يستمرون في المختلفة، وبهذا النص حقق المشروع إقفال جداول الخبراء تمشياً مع تعميم أداء أعمالهم على ألا يقيد في هذه الجداول أحد في أي محل يخلو بالأقسام نظام الخبراء الموظفين واستبقى المقيدين بجداول الخبراء وفقاً للقانون رقم 75 لسنة 1933 رعاية لمصلحتهم وكان طبيعي أن يستنقي المشروع تشكل لجنة جدول الخبراء بكل محكمة ابتدائية أو محكمة استئناف لا للنظر في قيد أسماء جديدة بل الاستبعاد اسم كل خبير أصبح في حالة لا تمكنه من أداء أعمالها كإصابته بمرض يقعده عن العمل، وكذلك استبعاد اسم كل خبير حكم عليه بعقوبة جناية أو صدرت عليه أحكام قضائية أو تأديبية ماسة بالشرف وذلك حسبما كان منصوص عليه في القانون رقم 75 لسنة 1933 واستبقى المشروع نظام تشكيل لجنة لجدول ولجنة التظلم وجعل لجنة التظلم هي لجنة التأديب لوحدة الغرض في الحالين وحتي يتسق هذا النظام مع فكر المشروع في أن يكون التأديب من درجة واحدة لجميع الخبراء.
في خبراء وزارة العدل
تضمن المشروع كذلك بيان الشروط الواجب توافرها في خبراء وزارة العدل وهذه الشروط مستمدة في الجملة من القوانين العامة للتوظيف وقانون استقلال القضاء فجعل التعيين في وظائف المعاونين على سبيل الاختيار وبأن من يعين مساعداً يؤدي امتحاناً أمام لجنة توافرت في أعضائها الشروط التي تكفل حسن الاختبار، كما عنى المشرع بتنظيم الترقية في الوظائف من درجة إلى أخرى وجعل أساسه الأقدمية مع توافر الأهلية، ولكي يكفل للخبراء الطمأنينة على مستقبلهم نسبة التعيين من الخارج.
وتوخياً لتوافر الضمانات على المشروع بإنشاء هيئة عليا تشرف على تعيين الخبراء ونقلهم ترقيتهم فجعل لهم مجلس استشارية يبدي رأيه مقدماً في هذه المسائل وفي المسائل الأخرى المتعلقة بنظام الخبرة وروعي في تشكيلة تمثيل الناحية الفنية والإدارية والقضائية، وكان طبيعياً إلى جانب هذه الضمانات أن يتضمن المشروع ما يؤدي إلى حسن أدائهم لأعمالهم فأشار إلى إنشاء إدارة التفتيش وهيأ الأسباب لتخصصهم وتفرغهم فحظر عليهم الجمع بين وظائفهم ومزاولة التجارة أو أية وظيفة بمرتب أو مكافأة أو أي عمل لا يتفق وكرامتهم واستقلالهم في عملهم، كما حظر عليهم بغير إذن أن يكونوا محكمين ولو بغير أجر في نزاع ينص بعملهم ولو كان النزاع غير مطروح أمام القضاء وحظر عليهم تقديم استشارياً أو تعيينهم حراسة أو وكلاء تفاليس لأن هذه الأعمال لا تتفق وطبيعة الوظائف المعهود إليهم، وحرصاً على تخصص الخبير وتفرغه لعمله أجاز المشرع للمجلس الاستشاري للخبراء منع الخبير من مباشرة الأعمال التي قد يرى أن القيام بها يتعارض مع واجبات الوظيفة وحسن أدائها كنظارة الأوقاف أو الوصاية أو القوامة أو الوكالة عن الغير.
ولم يفت المشروع أن يسبغ على خبراء وزارة العدل صفة رجال الضبطية القضائية فيما يتعلق بالجرائم التي تقع أثناء مباشرتهم الأعمال المكلفين إياها.
في خبراء مصلحة الطب الشرعي
لما كانت مصلحة الطب الشرعي تقوم بدور خطير وثيق الصلة بالدعوی العمومية وهي من أسس النظام الاجتماعي، فقد هدف المشروع إلى أن يحقق نرجل هذه المصلحة وهم أكبر أعوان العدالة - الضمانات التي حققها الخبراء وزارة العدل.
وقد بدأ المشروع في تنظيم الخبرة الطبية بالنص على ترتيب أسماء الطب الشرعي في مقر محكمة ابتدائية وفرع للمعامل السيرولوجية والكيميائية ومباحث التزييف والتزوير في مقر كل محكمة استئنافية ثم أشار إلى شروط الاشتغال بوظائف وهي نفس الشروط التي يجب توافره في خبراء وزارة العدل مضافاً إليها الترخيص في مزاولة المهنة طبقاً لأحكام القانون وحظر عليهم ما حظره على خبراء وزارة العدل.
تحقيقاً لفكرة تفرغهم وتخصصهم واستقلالهم وكرامتهم، على أن هناك أموراً أخرى محظورة على الأطباء بالذات لم ير المشرع داعية إليها كإفشاء سر المهنة اكتفاء بنص القانون العام عليها.
ولكي يحقق المشروع لرجال مصلحة الطب الشرعي الطمأنينة على مستقبلهم ويفسح لهم سبيل الترقي - نص على حظر التعيين من الخارج في الوظائف التي تلي طبيب شرعي أو كيميائي من الدرجة الثالثة لأن هذه الوظائف تحتاج إلى ممارسة وخبرة طويلة لا تتوافر إلا فيمن تفرغ للفن، ثم قصر التعيين من الخارج على نسبة لا تجاوز الثلث في جميع الأحوال.
ولقاء هذه الضمانات على المشروع برقابة أعمالهم وحظر عليهم ما حظره على خبراء وزارة النقل وأوجب عليهم أسوة بهم أن يعملوا في البلد الذي به مقر عملهم لأن مباشرة مهامهم في المسائل الجنائية يحتاج إلى الانتقال العاجل شأنهم في ذلك شأن رجال النيابة العامة.
وإمعاناً في توفير الضمانات جعل المشروع لهم مجلس أعلى للطب الشرعي المشكل بقرار مجلس الوزراء وقد روعي في تشكيله أن يكون جامعة العناصر التي لها صلة وثيقة بأعمال المصلحة وجعل من حق هذا المجلس إبداء الرأي فيه وفي مسائل التعيين والترقية والنقل والندب لعمل آخر.
في ندب الخبراء أمام جهات القضاء
جعل الشرع الندب الأقسام الطب الشرعي وكاتب الخبراء دون الأشخاص القائمين بالعمل فيها لتدعيم المسئولية وتوكيدها كما سبق القول، ونظم طريقة إبلاغ المكاتب والأقسام بمأمورياتهم فأوجب أن يبلغ مكتب الخبراء أو قسم الطب الشرعي الجهة التي ندبته اسم من أحيلت إليه المأمورية وذلك في الثماني والأربعين ساعة التالية لدعوة المكتب لمباشرة المأمورية استبقاء لسلطان القضاء ورقابته على الخبير الموظف وتيسيراً لدعوته للمناقشة وليتسنى له أن ينتحي وللخصوم أن يردوه.
في تنحي الخبراء وردهم
استحدث المشرع ما يتبع في حالة تنحي الخبراء الموظفين وأحال إلى قانون المرافعات فيما يتعلق بالإجراءات الخاصة بنظر طلب الإعفاء من أداء المأمورية والفصل فيه، وظاهر من نصوص المشروع أن التنحي وإجراءاته لا يسري في حالة صدور قرار من النيابة بندب أهل الخبرة بل لا يكون إلا في حالة صدور حكم بالندب أمام قرارات النيابة وأوامرها فلا يصدق عليها وصف الأحكام كما أن تنفيذها بطبيعته عاجل لا يحتمل إجراءات التنحي على أنه يمكن معالجة الأمر إدارية داخل المكاتب وأقسام الطب الشرعي.
وقد رؤي فيما يتعلق بأسباب رد الخبراء وإجراءات طلب الرد والفصل فيه الاكتفاء بنصوص قانون المرافعات مع إضافة نص خاص بما يتبع عند الحكم برد الخبير الموظف.
وأجاز المشرع رد رئيس المكتب أو القسم المشرف على عمل الخبير لسبب من أسباب الرد الواردة في قانون المرافعات في شأن رد الخبراء - لأن رئيس المكتب ورئيس القسم ورئيس المصلحة يشرفون على عمل الخبير.
في الواجبات المتعلقة بأداء المأمورية
لم يتضمن المشروع نصوصاً خاصة بالواجبات التي يتعين على الخبير أداؤها ابتداءً من إخطاره بأداء المأمورية إلى تقديم التقرير اكتفاء بالنصوص الواردة في قانون المرافعات.
وقد أبان المشروع طريقة إيداع التقرير من الخبراء الموظفين أما فيما يتعلق بخبراء الجدول فقد تكفل بها قانون المرافعات.
واستثنى المشروع من الحكم بالمصروفات المنصوص عليها في المادة 230 من قانون المرافعات أو الغرامة المنصوص عليها في المادة 242 منه الخبراء الموظفين لأن الخبير الموظف خاضع لرقابة الوزارة ومصلحة الطب الشرعي إدارية وتأديباً ولأن الندب ينصب على المكتب أي الوحدة القانونية وزيادة على ذلك فإن في تحميل الخبير المصروفات أو في تنفيذ الغرامة عليه إرهاقاً له من الناحية المادية، ولم يفت المشروع في هذا المقام أن ينص على عدم الإخلال بالجزاءات التأديبية، على الخبير المقصر والتضمينات إن كان لها وجه فيكفي أن تبلغ الهيئة القضائية أمر الخبير وزارة العدل أو مصلحة الطب الشرعي فتتولى هي مؤاخذته.
في أتعاب الخبراء
استحدث المشروع حكماً جديداً من شأنه إحالة أعمال الخبرة في قضايا المعافاة إلى مكاتب خبراء وزارة العدل وقسم الطب الشرعي دون سواها وعلة ذلك أن هذه القضايا لا تلقى عناية من الخبراء لعدم دفع أتعاب فيها ويشعر خبراء الجدول أنهم مسخرون لأدائها، كما استحدث المشروع حكماً جديداً يسوغ الهيئات القضاء الإعفاء من دفع الأمانة ولو كانت القضية غير معفاة متى تحققت الهيئة تفاهة قيمة الدعوى وعدم مسيرة الخصم وحاجاتها لعمل الخبرة.
وقد رفع المشروع أتعاب الخبير بما يتلاءم مع أهمية عمله ومسئوليته وواجباته ومع مراعاة ارتفاع مستوى الحياة الاقتصادية كما قدر أتعاب للخبير نظير اطلاعه على المستندات والأوراق في المصالح الحكومية والجهات الأخرى وجعل ما يصرفه الخبير الموظف في سبيل أداء المأمورية سواء في الانتقال أو في غيره على عاتق الخزانة على أن يطلب عند تقدير الأتعاب تفصيلاً عنها حتى تعوض الخزانة عما تتحمله من هذه المصروفات.
في تأديب الخبراء
نظم المشروع تأديب خبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي، فجعل تأديبهم من اختصاص مجلس تأديب خاص لكل منهم وشكل كل مجلس تشكيلاً تتوافر فيه عناصر القضاء والخبرة والإدارة، وتفادياً لكثرة الإجراءات وتوخيا السرعة الفصل في التأديب ووقوع أثره جعل حكم هذه المجالس نهائياً.
وزيادة في الضمان جعل قرار اتهام الخبراء الموظفين من حق وزير العدل بقرار يصدره.
وقد حرص المشروع على توحيد إجراءات المحاكمة بالنسبة إلى جميع الخبراء فنص على اتباع هذه القواعد في محاكمة خبراء الجدول على أن تكون إحالتهم إلى التأديب بقرار من رئيس المحكمة أمام لجنة التظلم وهي لجنة الجدول منضماً إليها قاضيان إن كانت المحاكمة أمام المحكمة الابتدائية ومستشاران إن كانت المحاكمة أمام محكمة الاستئناف، وقد استبقى المشروع في باب تأديب خبراء الجدول النصوص الخاصة بمراقبة أعمال الخبراء وسلوكهم فنص على أن يكون لكل منهم ملف بالمحكمة وإبلاغه ما يقدم في حقه من الشكاوي للرد عليها في ميعاد معي وإجراء التحقيق في الشكوى بوساطة رئيس المحكمة أو من ينتدبه من القضاة أو المستشار كما أوجب على النيابة أن تبلغ رئيس المحكمة كل ما يصدر عليهم من الأحكام في الجنح والجنايات ونتيجة تصرفها فيما يوجه إليهم من اتهامات كل ذلك استبقاء السلطان المحكمة عليهم وتوصيلاً إلى رقابتهم ورسم الطريق لمحاكمتهم.
على أنه قد يقع من الخبراء ما لا يستأهل المحاكمة التأديبية ففي هذه الأحوال تطبق قوانين الوظائف العامة من إنذار وخصم أيام، وجعل من حق رئيس المحكمة في هذه الأحوال حق إنذار خبراء الجدول.
وتتشرف وزارة العدل بعرض مشروع القانون المرافق على مجلس الوزراء حتى إذا وافق عليه اتخذت الإجراءات اللازمة لاستصداره.
تحريراً في 15 يونيه سنة 1952 .
1- لما كان النص فى الفقرة ﻫ من المادة 135 من قانون الإثبات على أنه " وفى حالة دفع الأمانة لا تشطب الدعوى قبل إخبار الخصوم بإيداع الخبير تقريره طبقاً للإجراءات المبينة بالمادة 151 , والنص فى المادة 151 من هذا القانون على أن يودع الخبير تقريره ومحاضر أعماله قلم الكتاب وعلى الخبير أن يخبر الخصوم بهذا الإيداع يدل على أن المشرع راعى فى المسائل المدنية حظر شطب الدعوى عند إيداع أمانة الخبير وقبل إخطار الخصوم بإيداع تقريره لما ارتآه - وعلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية - من أنه لا مبرر لإرهاق الخصوم بمتابعة الخصومات فى الجلسة السابقة على إخطارهم بتقديم الخبير تقريره وتعريض الدعوى لخطر الزوال نتيجة لذلك ، فى حين أنه لا يكون ثمة دور لهم فى الواقع أمام المحكمة طوال مدة مباشرة الخبير لمهمته ، و إذ لا يوجد بالفصل الثالث من الباب الثالث من الكتاب الأول لقانون الإجراءات الجنائية فى ندب الخبير أو ما يخالف هذا النظر , فليس ما يمنع من إعمال مقتضاه أمام المحاكم الجنائية عند ندبها للخبراء ، لأنه إذا كان المشرع قد رتب على مخالفة أمر من أمور الإثبات فى المسائل المدنية البطلان للإخلال بحق الدفاع , فوجوب مراعاة ذلك الأمر فى المسائل الجنائية أوجب وألزم , حيث يتعلق الأمر بحرية الأشخاص التى هى أثمن من أموالهم . لما كان ذلك ، وكان يبين من مطالعة المفردات التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أنه تحدد لنظر معارضة الطاعن فى الحكم الغيابى الاستئنافى جلسة ..... وبها حضر الطاعن وطلب ندب خبير فى الدعوى . وبها قضت المحكمة وقبل الفصل فى الموضوع بندب مكتب خبراء وزارة العدل لمباشرة المأمورية المبينة بمنطوق هذا الحكم وحددت جلسة ..... فى حالة عدم سداد الأمانة وجلسة ...... فى حالة سداد الأمانة وحتى يودع الخبير تقريره . وبجلسة ..... لم يحضر الطاعن فتأجلت لجلسة ....... للإعلان بورود التقرير وبتلك الجلسة لم يحضر الطاعن أيضاً فتأجلت لجلسة ....... للقرار السابق وبتلك الجلسة لم يحضر الطاعن أيضاً وحضر عنه محام وطلب أجلاً لحضور المتهم لوجود عذر لديه فقضت المحكمة بالجلسة الأخيرة بحكمها المطعون فيه بقبول المعارضة شكلاً ورفضها موضوعاً .
(الطعن رقم 19604 لسنة 65 جلسة 2005/01/04 س 56 ص 49 ق 5)
2- إذ كانت الأوراق بحالتها غير كافية لتكوين عقيدة المحكمة للفصل فى موضوع الطلب . بما يخول للمحكمة الحق فى الاستعانة بأحد الخبراء المختصين عملاً بالمادة 135 من قانون الإثبات .
(الطعن رقم 155 لسنة 72 جلسة 2004/05/11 س 55 ع 1 ص 32 ق 7)
3- من المقرر أن النص فى الفقرة ه من المادة 135 من قانون الإثبات على أنه " وفى حالة دفع الأمانة لا تشطب الدعوى قبل إخبار الخصوم بإيداع الخبير تقريره طبقاً للإجراءات المبينة بالمادة 151 " والنص فى المادة 151 من هذا القانون على أن يودع الخبير تقريره ومحاضر أعماله قلم الكتاب وعلى الخبير أن يخبر الخصوم بهذا الإيداع يدل على أن المشرع راعى فى المسائل المدنية حظر شطب الدعوى عند إيداع أمانة الخبير وقبل إخطار الخصوم بإيداع تقريره لما ارتآه - وعلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية . من أنه لا مبرر لإرهاق الخصوم بمتابعة الخصومات فى الجلسة السابقة على إخطارهم بتقديم الخبير تقريره وتعريض الدعوى لخطر الزوال نتيجة لذلك ، فى حين أنه لا يكون ثمة دور لهم فى الواقع أمام المحكمة طوال مدة مباشرة الخبير لمهمته ، وإذ لا يوجد بالفصل الثالث من الباب الثالث من الكتاب الأول لقانون الإجراءات الجنائية فى ندب الخبراء ما يخالف هذا النظر فليس ما يمنع من إعمال مقتضاه أمام المحاكم الجنائية عند ندبها للخبراء ، لأنه إذا كان المشرع قد رتب على مخالفة أمر من أمور الإثبات فى المسائل المدنية البطلان للإخلال بحق الدفاع فوجوب مراعاة ذلك الأمر فى المسائل الجنائية أوجب وألزم حيث يتعلق الأمر بحرية الأشخاص التى هى أثمن من أموالهم ، لما كان ذلك ، وكان يبين من مطالعة المفردات التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أنه تحدد لنظر معارضة الطاعن فى الحكم الغيابى الاستئنافى جلسة 25 مارس سنة 1990 وبها حضر الطاعن ثم توالت التأجيلات بعد ذلك لحين ورود تقرير الخبير وذلك بعد أن سدد الأمانة ولم يثبت حضور المعارض بالجلسات الثلاث السابقة على صدور الحكم المطعون فيه بجلسة 23 من مايو سنة 1993 والذى صدر بقبول المعارضة شكلاً ورفضها موضوعاً . لما كان ذلك ، وكان الثابت أن الطاعن لم يعلن بالجلسة التالية لإيداع تقرير الخبير والتى صدر فيها الحكم المطعون فيه فإنه يكون قد ثبت قيام العذر القهرى المانع للطاعن من حضور تلك الجلسة بما لا يصح معه القضاء فى موضوعها فى غيبته بغير البراءة ، ويكون الحكم الصادر على خلاف القانون فى هذه الحالة باطلاً قد أخل بحق الطاعن فى الدفاع مما يتعين معه القضاء بنقض الحكم.
(الطعن رقم 23444 لسنة 63 جلسة 2004/04/06 س 55 ع 1 ص 380 ق 47)
4- لا على محكمة الموضوع أن هي التفتت عن طلب تعيين خبير فى الدعوى طالما وجدت فى أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها، ولا تثريب عليها إذا هي لم تأمر بضم أوراق أخرى استجابة لطلب أحد الخصوم، ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 132 لسنة 65 جلسة 2000/03/21 س 51 ع 1 ص 443 ق 79)
5- طلب تعيين الخبير هو من الرخص التي تملك محكمة الموضوع عدم الاستجابة إليه متى وجدت فى أوراق الدعوى ومستنداتها ما يكفي لتكوين عقيدتها ولها أن تعدل عما أمرت به من ندب خبير متى رأت عدم لزوم هذا الإجراء ومن ثم لا على المحكمة الاستئنافية - وقد رأت فى أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها وعد لزوم ندب خبير فيها - إن هي لم تجب الطاعنة إلى طلبها لأن إجابته من إطلاقاتها فلا يعيب الحكم الالتفات عنه.
(الطعن رقم 9390 لسنة 66 جلسة 1998/05/04 س 49 ع 1 ص 388 ق 95)
6- الفصل فى الملكية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مسألة قانونية تخرج عن مأمورية الخبير التي تقتصر على تحقيق الواقع فى الدعوى وإبداء الرأي فى المسائل الفنية التي يصعب على القاضي استقصاء كنهها بنفسه ولا شأن له بالفصل فى نزاع قانوني فهذا من صميم واجب القاضي لا يجوز له التخلي عنه لغيره. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر واطرح تقرير الخبير فى هذا الخصوص وهي مسألة قانونية تخرج عن مأموريته فإن النعي عليه ( بمخالفة الثابت بتقرير الخبير من انتفاء ملكية الطرفين لمنزلي النزاع ) يكون على غير أساس.
(الطعن رقم 1363 لسنة 62 جلسة 1998/04/21 س 49 ع 1 ص 340 ق 85)
7- البين من الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه انه اعتمد التقرير الذى انتهى اليه الخبير بعد ان اقتنعت المحكمة بكفاية الابحاث التى اجراها ولسلامة الاسس التى بنى عليها راية لما كان ذلك فان ما يثيرة الطاعن بسبب النعى يكون جدلاً موضوعياً فى كفاية التدليل الذى اقتنعت به محكمة الموضوع مما لا تجوز اثارته امام محكمة النقض .
(الطعن رقم 695 لسنة 60 جلسة 1996/12/16 س 47 ع 2 ص 1567 ق 285)
8- الثمن الواجب على الشفيع دفعة مقابل اخذه العين المبيعة بالشفعة فيما عدا الملحقات القانونية هو الثمن الحقيقى الذى حصل الاتفاق عليه بين البائع والمشترى قل هذا الثمن عن قيمة العين الحقيقة وقت البيع او زاد عليها ويعتر الثمن المسمى فى العقد هو الثمن الحقيقى حتى يثبت الشفيع صوريته .
(الطعن رقم 7474 لسنة 65 جلسة 1996/11/20 س 47 ع 2 ص 1324 ق 242)
9- لما كانت محكمة الموضوع قد عهدت الى الخبير المنتدب بحث النزاع وبيان الثمن الحقيقى للارض المشفوع فيها وقت البيع والذى خلص فى تقريره الى ان سعر الارض مقداره .......... مراعياً فى ذلك تربه الارض وصقعها ومجارتها لمبانى بعضها حديث وبعضها قديم وجميع العناصر المؤثرة فى الاسعار وتلك السائدة فى منطقة عقار النزاع بما مؤداه ان هذا التقرير بنى على اعتبارات متعلقه بالقيمة التى كانت تساويها الارض المشفوع فيها وقت البيع ولا علاقة لها بالثمن الحقيقى الذى اتفق عليه الطاعن مع المطعون ضده الاول، واذ التفت الحكم المطعون فيه عن طلب الطاعن احالة الدعوى الى التحقيق لاثبات الثمن الحقيقى للارض المشفوع فيها فانه يكون فضلاً عن مخالفته القانون مشوبا بالاخلال بحق الدفاع .
(الطعن رقم 7474 لسنة 65 جلسة 1996/11/20 س 47 ع 2 ص 1324 ق 242)
10- لا إلزام فى القانون على الخبير بأداء عمله على وجه محدد ولا حرج عليه فى أن يستعين فى القيام بمهمته بما يرى ضرورة له من المعلومات الفنية التى يستقيها من مصادرها - متى كان الرأى الذى انتهى اليه فى تقريره نتيجة أبحاثه الشخصية وكان على هذا الأساس محل مناقشة بين الخصوم ومحل تقدير موضوعى من المحكمة وبحسبة أن تقوم بما ندب له على نحو الذى يراه محققا للغاية من ندبه دون خروج عن حدود المأمورية الموكولة إليه أو انحراف بها أو فى أدانها عن الغاية منها وإلا كان مسئولا عن خطئه متى سبب ضررا للغير .
(الطعن رقم 2790 لسنة 60 جلسة 1994/11/27 س 45 ع 2 ص 1492 ق 281)
11- النص فى المادة 82 من قانون المرافعات قبل تعديلها بالقانون رقم 23 لسنة 1992 على أنه " إذا لم يحضر المدعى ولا المدعى عليه حكمت المحكمة فى الدعوى إذا كانت صالحة للفصل وإلاقررت شطبها فإذا بقيت الدعوى مشطوبة ستين يوما ولم يطلب أحد الخصوم السير فيها إعتبرت كأن لم تكن " وفى الفقرة من المادة 135 من قانون الإثبات على أنه وفى حالة دفع الأمانة لا تشطب الدعوى قبل إخبار الخصوم بإيداع الخبير تقريره طبقا للإجراءات المبينة فى المادة 151 " يدل على أنه إذا تغيب المدعى والمدعى عليه وجب على المحكمة أن تحكم فى الدعوى إذا كانت صالحة للحكم فيها وذلك إذا كان الخصوم قد أبدوا أقوالهم فيها __ وإلا قررت المحكمة شطبها وذلك لتفادى تراكم القضايا أمام المحاكم، فإذا بقيت الدعوى مشطوبه ستين يوما ولم يطلب أحد الخصوم السير فيها أعتبرت كأن لم تكن بقوة القانون وللمدعى عليه أن يتمسك بإعتبار الدعوى كأن لم تكن إذا عجل المدعى دعواه بعد انقضاء هذه المدة إلا أن ذلك مشروط بأن يكون قرار شطب الدعوى تم وفق أحكام القانون وإلا كان باطلا يتيح لأى من الخصوم تعجيل السير فيها دون التقيد بميعاد الستين يوما المنصوص عليها فى المادة 82 سالفة البيان .
(الطعن رقم 7866 لسنة 63 جلسة 1994/07/07 س 45 ع 2 ص 1175 ق 222)
12- مفاد نص المادة 135 من قانون الإثبات أنه إذا ندبت المحكمة ثلاثة خبراء وجب أن يشتركوا جميعا فى الأعمال التى تقتضيها المأمورية المعهود إليهم بها وأن يشتركوا أيضا فى المداولة وتكوين الرأى فإذا ثبت أنهم لم يشتركوا معا فى تلك الأعمال أو فى المداولة وتكوين الرأى كان التقرير باطلا، ذلك أن ندب المحكمة ثلاثة خبراء يفيد بذاته أن المسألة التى رأت أنها فى حاجة إلى الاستعانه فيها بأهل الخبرة لا يكفى فيها خبير واحد، وما كانت لتستطيع أن تندب خبيرين فقط طبقا لمفهوم نص المادة 135 سالفة الذكر.
(الطعن رقم 506 لسنة 62 جلسة 1994/04/10 س 45 ع 1 ص 673 ق 128)
13- ولئن كان للمحكمة أن تستقى من تقرير باطل المعلومات التى يتبين لها صحتها إلا أن ذلك مشروط بان لا يكون قضاؤها مؤسسا أصلا على هذه المعلومات وحدها وألا يكون هذا التقرير الباطل هو الأساس الوحيد الذى بنى عليه حكمها بل يتعين أن يكون التقرير الذى تستند إليه دليلا سليما لا يشوبه بطلان، لا يقدح فى ذلك أن الأمر فى عمل الخبراء مرده إلى المحكمة التى لها الرأى الأعلى فى تقدير نتيجة عملهم وبحوثهم فى المسائل المتنازع عليها، إذ أن سلطة المحكمة فى تقدير أراء الخبراء محلها أن تكون هذه الأراء قد قدمت لها فى تقرير صحيح، لا فى تقرير باطل مناف للمقصود من تعيين ثلاثة خبراء.
(الطعن رقم 506 لسنة 62 جلسة 1994/04/10 س 45 ع 1 ص 673 ق 128)
14- إذ اقتصر الحكم الصادر بتاريخ 1970/4/5 فى الاستئناف رقم 876 لسنة 80 ق القاهرة على ندب خبير فى الدعوى للانتقال إلى الأرض موضوع النزاع لاستظهار الوقف الذي يملك حق الرقبة عليها وهل هو الوقف الذي يملكه المطعون ضدهم أم وقف غيره ..... ولم يفصل الحكم المذكور على وجه قطعي فى أي نقطة من نقط النزاع فلا تكون لهذا الحكم حجية فى خصوص عدم ملكية الوقف لأعيان النزاع.
(الطعن رقم 308 لسنة 59 جلسة 1994/03/31 س 45 ع 1 ص 612 ق 119)
15- الطعن بالتزوير أمام المحاكم الجنائية فى ورقة من أوراق الدعوى المقدمة فيها هو من مسائل الدفاع التى تخضع لتقدير محكمة الموضوع التى لا تلتزم باجابته لأن الأصل أن المحكمة لها كامل السلطة فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهى الخبير الأعلى فى كل ما تستطيع ان تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها مادامت المسألة ليست من المسائل الفنية البحتة التى لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء رأى فيها فإذا ما أطمأنت المحكمة إلى صدور الشيك موضوع الدعوى من الطاعن فانها تكون قد فصلت فى أمر موضوعى ولا عليها بعد ذلك إذا لم تستجب إلى ما طلبه الطاعن بشأن تمكينه من الطعن بالتزوير فى هذا الشيك طالما أنها استخلصت من وقائع الدعوى عدم الحاجة إليه لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص سائغا مما له أصله الثابت بالأوراق نفى الخطأ المهنى الجسيم فى جانب المطعون عليه لعدم اجابته الطاعن إلى طلب تمكينه من الطعن بالتزوير على التوقيع المنسوب إليه على الشيك موضوع الدعوى رقم 1080 لسنة 1986 جنح روض الفرج بعد أن اطمأنت تلك المحكمة إلى صدوره عنه للأدلة التى أقتنعت بها و أقامت قضاءها عليها وكانت هذه الاعتبارت التى أقامها الحكم المطعون فيه كافية لحمل قضائه فإن النعى عليه بسبب الطعن لا يعدو أن تكون جدلاً فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره و تنحسر عنه رقابة محكمة النقض .
(الطعن رقم 364 لسنة 58 جلسة 1993/03/28 س 44 ع 1 ص 837 ق 138)
16- مؤدى نص المادتين 135 ، 3/136 من قانون الإثبات و المادة 50 من المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام جهات القضاء ، أن المشرع قد إعتبر مكتب خبراء وزارة العدل عنه ندبه هو الخبير فى الدعوى ، فلا عليه إذا ما تبين بسبب جسامة المأمورية و تشعب أعمالها و حسب نظامه الداخلى أن يعهد بها إلى خبيرين أو أكثر و لو كان عددهم زوجياً دون أن يكون بذلك قد جاوزت القيد الوارد بالمادة 135 من قانون الإثبات ، لأن الأمر مرده فى النهاية أن مكتب الخبراء هو الخبير المقصود فى الدعوى ، لما كان ذلك و كان الثابت فى الدعوى أن محكمة أول درجة ندبت مكتب خبراء وزارة العدل لتحقيق إعتراضات الطاعنة فى الطعن رقم 471 لسنة 1976 فندب المكتب المذكورين خبيرين له لمباشرة المأمورية ، فإن ذلك لا ينال من سلامة التقرير إذ أن مرد الأمر إبتداءاً و إنتهاء أن مكتب الخبراء هو المنتدب فى الدعوى ، و لا على المحكمة إن هى أغفلت الرد على دفاع الطاعنة الوارد بسبب النعى لعدم إستناده إلى أساس قانونى صحيح .
(الطعن رقم 2091 لسنة 52 جلسة 1990/01/29 س 41 ع 1 ص 301 ق 58)
17- إذ كان من المستقر فى قضاء هذه المحكمة أنه لا حجية لحكم إلا فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة أو ضمنية سواء فى المنطوق أو فى الأسباب التى لا يقوم المنطوق بدونها ، و أن محكمة الموضوع غير ملزمة بالأخذ برأى الخبير طالما أنها أبانت فى حكمها بأسباب سائغة عن مبررات عزوفها عنه ، و كان الثابت فى الدعوى أن الحكم الصادر بندب الخبير لم يتعرض فى أسبابه أو منطوقه بقضاء صريح أو ضمنى لموضوع أحقية الطاعن للفئة المطالب بها ، فإنه لا يكون قد قطع فى هذه الأحقية بحكم حائز قوة الشىء المحكوم به ، و يضحى النعى فى هذا الخصوص على غير أساس .
(الطعن رقم 301 لسنة 46 جلسة 1981/02/08 س 32 ع 1 ص 440 ق 86)
18- يبين من إستقرار المواد 135 ، 140 ، 152 من قانون الإثبات أن تعيين الخبير إبتداء يكون بمقتضى حكم قضائى ، و كذلك إبدال الخبير الذى يتأخر دون مبرر عن إيداع تقريره فى الأجل المحدد . أما الخبير الذى يطلب إعفاءه من أداء المأمورية فإن إبداله لا يستلزم صدور حكم به من المحكمة بل يجوز التقرير به من رئيس الدائرة التى عينته أو القاضى الذى عينه . و قياساً على هذه الحالة الأخيرة إبدال الخبير الذى لم يصادف تعيينه محلاً ، كما لو كان قد توفى أو إستبعد إسمه من الجدول أو ما إلى ذلك . و طالما لم يشترط القانون أن يكون قرار الإبدال صريحاً فمن ثم يجوز أن يكون ضمنياً . و لما كان قيام محكمة الإستئناف بتحيلف خبير غير الذى عينه الحكم قبلاً ، ينطوى على قرار ضمنى بإبدال من حلفته اليمين بهذا الأخير ، و هو ما ألمح إليه الحكم المطعون فيه ، و لم يزعم الطاعنون أن هذا الإبدال كان فى حالة توجب صدوره بحكم قضائى طبقاً للقاعدة آنفة البيان ، بل على العكس من ذلك قالوا إن كلية الهندسة بجامعة المنصورة ليس بها قسم للهندسة المعمارية أصلاً بما مؤداه أن الندب الأول لرئيس قسم الهندسة المعمارية بها لم يصادف محلاً ، و لذا لا يلزم أن يكون إبداله بحكم و أنما يكفى أن يتم بقرار صريح أو ضمنى . لما كان ذلك فإن النعى على الحكم المطعون فيه ، إذ عول على تقرير الخبير الذى حلف اليمين، بالبطلان و مخالفة القانون و الخطأ فى تطبيقه يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 718 لسنة 49 جلسة 1980/04/24 س 31 ع 1 ص 1218 ق 232)
19- الأصل أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضى فى المسائل العلمية إلا بعد تبيان المصدر الذى إشتقت منه ما قررته ، إلا أنه لما كان الحكم و هو فى مقام الرد على ما ساقه الطاعن من قرينة على صورية الأجرة بأنها مبالغ فيها و أنها لا تمثل الحقيقة ، ذهب إلى أنه لا مبالغة فى الأجرة بالمقارنة بأوصاف العين المؤجرة و مزاياها المثبتة بالعقد و هو إستخلاص سليم مؤد إلى ما أراده الحكم دون حاجة إلى الإستعانة بأهل الفن من الخبراء طالما وجدت المحكمة من المستندات المتبادلة ما يكفى لتكوين عقيدتها .
(الطعن رقم 573 لسنة 41 جلسة 1978/11/01 س 29ع 2 ص 1646 ق 318)
20- إذا خلت أوراق الطعن مما يفيد أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع ببطلان عمل الخبير بسبب مخالفته لمنطوق الحكم الصادر بندبه ، فإنه لا يقبل منه التحدى بهذا البطلان لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 796 لسنة 44 جلسة 1978/03/07 س 29 ع 1 ص 695 ق 136)
21- محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة طلب الخصم بندب خبير فى الدعوى متى وجدت فيها ما يكفى لتكوين عقيدتها . لما كان ذلك و كان الحكم المطعون فيه قد إنتهى إلى ثبوت نسب الصغيرة من الطاعن على ما إستخلصه من البينة الشرعية و ما حصله من أوراق الدعوى و كان لهذا التحصيل ما أخذه ، و كانت أسبابه كافية لحمل قضائه فلا تثريب على المحكمة إن هى إلتفتت عن إجابة طلب تحليل دمه و دم الصغيرة للمقارنة بينهما إذ الأمر فى الإستجابة له متروك لتقديرها .
(الطعن رقم 30 لسنة 46 جلسة 1978/03/01 س 29 ع 1 ص 658ق 129)
22- متى كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن على سند آخر يغاير السند الذى إستند إليه و طلب من أجله ندب خبير ، و هو ما يغنى الحكم عن إجابة طلبة فإن فى ذلك الرد الضمنى على هذا الطلب
(الطعن رقم 515 لسنة 41 جلسة 1976/10/30 س 27 ص 1491 ق 281)
23- يجوز للقاضى أن يستعين بالخبراء فى المسائل التى تستلزم الفصل فيها استيعاب النقاط الفنية التى لا تشملها معارفة والوقائع المادية التى قد يشق عليه الوصول إليها دون المسائل القانونية التى يفترض فيه العلم بها . وإذ كانت المهمة التى نيطت بالخبير المنتدب هى الإنتقال إلى مأمورية الإيرادات للإطلاع على الملف الخاص بعقار النزاع - و بيان ما إذا كان قد أقيم طعن من المؤجر فى قرار تقدير الإيجارات وهى واقعة مادية محضة لا تنطوى بأى حال على الفصل فى المسألة القانونية التى إستخلصتها المحكمة بنفسها مقررة أن الطعن مقام فى الميعاد القانونى دون مدخل للخبير فى ذلك ، فإنه لا يعيب الحكم سلوك هذا السبيل
(الطعن رقم 588 لسنة 40 جلسة 1976/03/24 س 27 ع 1 ص 752 ق 147)
24- مؤدى نص المادتين 9، 11 من القانون رقم 25 لسنة 1920 بشأن أحكام النفقة و بعض مسائل الأحوال الشخصية - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع جعل للزوجة حق طلب التفريق من الزوج إن ثبت به عيب مستحكم لا يمكن البرء منه أصلاً أو يمكن البرء منه بعد زمن طويل بحيث لايتسنى لها الإقامة معه إلا بضرر شديد و أنه توسع فى العيوب المبيحة للفرقة فلم يذكرها على سبيل الحصر مخولاً الإستعانة بأهل الخبرة لبيان مدى استحكام المرض و مدى الضرر الناجم عن الأقامة مع وجوده ، كل ذلك شر يطة إلا تكون الزوجة قد رضيت بالزوج مع علمها بعيبه صراحة أو دلالة .
(الطعن رقم 13 لسنة 44 جلسة 1976/02/11 س 27 ع 1 ص 432ق 89)
25- إذ كانت النتيجة التى إنتهى إليها الخبير فى تقريره الذى أخذ به الحكم المطعون فيه بعدم إستحقاق الطاعن (المشترى) أى تعويض عن فسخ العقد - قد بناها على مجرد إحتساب فوائد للطاعن بواقع 4 % على المبالغ التى دفعها للبائعين مع أن هذه الفوائد هى مقابل ثمرات العين المبيعة التى ألزم الطاعن بردها و لا تحول دون تعويضه عما يكون قد أصابه من أضرار نتيجة فسخ العقد فضلاً عن تناقض هذه النتيجة مع ما قطع فيه الحكم الإستئنافى الصادر بتاريخ 1968/5/20 - بأن البائعين هما اللذان قصرا فى تنفيذ إلتزامهما و إذ رتب الخبير على ذلك عدم إستحقاق الطاعن لمبلغ التعويض الذى قضى به الحكم المستأنف مع أن هذه مسألة قانونية كان يتعين على الحكم أن يقول كلمته فيها ، و لا يغنى عن ذلك إحالته إلى تقرير الخبير الذى تقتصر مهمته على تحقيق الواقع فى الدعوى و إبداء رأيه فى المسائل الفنية التى يصعب على القاضى إستقصاء كنهها بنفسه ، و كان الحكم قد أعجز بذلك محكمة النقض عن ممارسة وظيفتها فى مراقبة صحة تطبيقه للقانون ، لما كان ذلك فإن الحكم يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه .
(الطعن رقم 59 لسنة 41 جلسة 1975/12/23 س 26 ص 1653 ق 309)
26- إذ كانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة طلب ندب خبير أصلاً ، فإن عدم إشارتها صراحة إلى طلب ندب خبير يعتبر بمثابة قضاء ضمنى برفض هذا الطلب إذ إقامة الحكم على إعتبارات تبرره يعتبر رداً ضمنياً على ما أثير من دفاع .
(الطعن رقم 261 لسنة 39 جلسة 1974/04/29 س 25 ع 1 ص 761 ق 125)
الخبرة
إذا تطلب تأكيد واقعة أو استخلاص نتائج موضوعية من هذه الواقعة معرفة فنية عملية أو نظرية لا تتوافر لدى المثقف العادي ، فإن القاضي - وهو الخبير فقط في القانون - يسعى إلى هذه المعرفة لدى خبير، أي يستعين بخبرة غيره، وللقاضي أن يستعين بخبير بالنسبة لأي فرع من فروع المعرفة التي لا يفترض فيه العلم بها ، ولهذا فإنه كما قد يستعين بخبير زراعي أو هندسي أو طبي لا مانع من أن يستعين بخبير في قواعد قانونية لا يفترض فيه أن يعلمها كالقانون الأجنبي، وتختلف مهمة الخبير حسب ما يطلبه منه القاضي، فقد تقتصر على مجرد إرشاد القاضي إلى القواعد الفنية التي يحتاجها القاضي لتأكيد الواقعة محل الإثبات أو لاستخلاص نتائج موضوعية منها، وقد تمتد - وهو الغالب – إلى قيام الخبير بنفسه بهذا التأكيد، على أنه أياً كانت مهمة الخبير فإنها يجب ألا تمتد إلى التقدير القانوني، فهذا التقدير هو عمل القاضي دون غيره ، عليه وحده أن يقوم به، فإذا حدث وخولت المحكمة للخبير هذه المهمة، وجاء رأي الخبير في المسألة القانونية غير مطابق للقانون واستند الحكم إليه فإنه يعتبر هو الآخر مخالفة للقانون .
والقاضي هو الذي يقدر مدى الحاجة إلى الاستعانة بخبير ، ولهذا فإن الالتجاء إلى الخبرة يرجع لتقديره، ولا يخضع هذا التقدير لرقابة محكمة النقض، على أنه أحياناً ينص القانون على وجوب الاستعانة بخبير، ومن ناحية أخرى ، فإنه إذا تعلق الأمر بمسائل فنية لا تعتبر من قبيل المعلومات العامة ولا يعلمها إلا أهل الخبرة، فإن على القاضي - إن بينها في حكمه - أن يفصح عن مصدر علمه بها من أوراق القضية، وإلا اعتبر قضاء بعلمه الشخصي غير جائز، وفي هذه الأحوال تكون الإستعانة بخبير وجوبية .
ويزداد الاتجاه إلى الخبراء انتشاراً في الحياة العملية ، ليس فقط بسبب تشعب المعارف الإنسانية وصعوبة إلمام القاضي بها ، وانما أيضاً رغبة من القضاة - في كثير من الأحيان - في التنصل من القيام بمهمتهم وإلقائها على الخبراء، وهذا الاتجاه ضار بسير العدالة ، ففضلاً عما يؤدي إليه من زيادة نفقات الخصومة وبطئها ، فإنه - بسبب ميل القضاة إلى الأخذ برأي الخبراء - يحول هؤلاء في الواقع إلى قضاة.
وتنظم المواد 135 وما بعدها من قانون الإثبات قواعد ندب الخبير ومباشرته لمهمته، على أنه يلاحظ أن هذه القواعد تنطبق على الخبير الذي تندبه المحكمة، وليس على الخبير الاستشاري الذي قد يستعين الخصم بتقرير منه يدعم دفاعه.
ويجب أن يتضمن منطوق الحكم بندب الخبير بيانات معينة ترمي إلى ضمان قيام الخبير بمهمته بغير تأثير (135 إثبات) وهي : (أ) تحديد مأمورية الخبير بدقة ، وما يؤذن له في القيام به من تدابير عاجلة كسماع شهود، (ب) تحديد مبلغ من المال يسمى «أمانة الخبير» وذلك لحساب مصروفات الخبير وأتعابه ، وتحديد الخصم الذي يقع عليه عبء إيداع هذه الأمانة والموعد الذي يجب الإيداع فيه، وتنظيم المبالغ التي للخبير سحبها من الأمانة، (ج) الميعاد الذي يجب على الخبير إيداع تقريره فيه قلم كتاب المحكمة، (د) تحديد جلستين تؤجل إليها القضية أمام المحكمة، واحدة قريبة في حالة عدم قيام الخصم بإيداع الأمانة وبالتالي عدم قيام الخبير بمهمته ، وأخرى أبعد إذا تسم إيداع الأمانة . ويعلن هذا الحكم إلى الخصم وفقاً للقواعد العامة في الإثبات .
ويجب الالتزام الخبير بالقيام بمهمته أن يتم إيداع الأمانة المحددة . فإذا لم يتم إيداعها ، سواء من الخصم المكلف من الحكم بإيداعها أو من غيره من الخصوم إن كانت له مصلحة، ولم يقدم الخصم عذراً مقبولاً لعدم أداء الأمانة ، قررت المحكمة سقوط حقه في التمسك بالحكم الذي قضى بتعيين الخبير وزوال واجب الخبير في القيام بالمهمة المكلف بها (137 إثبات).
على أنه يلاحظ أن عدم سداد الأمانة لا يعفي المحكمة من وجوب مباشرة سلطتها للتوصل إلى كشف الواقع في الدعوى بفحص المستندات و غيرها من الأدلة التي قدمت إليها، أما إذا أودعت الأمانة ، فإن على قلم كتاب المحكمة خلال اليومين التاليين أن يخطر الخبير بكتاب مسجل ليطلع على الأوراق المبينة بملف الدعوى ويتسلم صورة من الحكم (138 إثبات)، وذلك تمهيداً للبدء في مباشرة مهمته، ويترتب على إيداع الأمانة ، عدم جواز شطب الدعوى قبل إخبار الخصوم بإيداع تقرير الخبير (مادة 135/هـ من قانون الإثبات).(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني ، الصفحة : 249)
المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 25 لسنة 1968 : - وقد جاء بها أن المشروع قد أضاف في المادة 135 منه المقابلة للمادة 135 من قانون المرافعات القائم فقرة جديدة تتضمن حكمة يحظر شطب الدعوى عند إيداع أمانة المقرر إيداعها لحساب المصروفات وأتعاب الخبير المندوب فيها قبل إخبار الخصوم بإيداع الخبير تقريره طبقاً للإجراءات المبينة في المادة 151 من مشروع ذلك أنه لا مبرر لإرهاق الخصوم بمتابعة الحضور في الجلسات سابقة على إخطارهم بتقديم الخبير تقريره وتعريض الدعوى لخطر الزوال نتيجة لذلك في حين أنه لا يكون ثمة دور لهم في الواقع أمام المحكمة طوال مدة مباشرة الخبير لمهمته.
ثانياً: نصت المادة 135 إثبات على أنه للمحكمة عند الاقتضاء أن تحكم بندب خبير واحد أو ثلاثة ومن ثم فإن يتعين أن يكون الندب لخبير واحد أو ثلاثة، وعلى ، ذلك فإنه لا يجوز تعيين خبيرين وذلك لما تسفر عنه النتيجة من صعوبة الترجيح بينهما عند اختلافهما وكذلك فإن في تعيين أكثر من ثلاثة خبراء مشقة وتكلفة على المتقاضين، وعموماً فإن النص لم يرتب البطلان جزاء مخالفته.
ثالثاً: لم تحدد المادة 135 الحد الأدنى للأمانة بينما المادة 325 من قانون المرافعات السابق حددته بثمانية جنيهات في القضايا الجزئية و باثني عشر جنيهاً في القضايا الأخرى، وتقول مجموعة التعليمات أنه يجوز للقاضي الإعفاء من دفع الأمانة، ولو كانت القضية غير معفاة من الرسوم القضائية، متى تحقق تفاهة قيمة الدعوى وعدم ميسرة الجلسة وحاجاتها لعمل الخبرة.
( الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات طبعة 1981 ص 347 ) .
رابعاً: يكون الرجوع للخبراء في كافة المسائل التي يستلزم الفصل فيها استيعاب نقاط فنية لا يلم بها القاضي وبمفهوم المخالفة لا يجوز الرجوع للخبراء بهدف استيعاب مسائل قانونية إذ أن ذلك من صميم اختصاص القضاء. (البيان للأستاذين صلاح حمدي ولبيب حليم الطبعة الأولى ص 243 ) .(الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015، دار محمود، المجلد : الثاني ، الصفحة : 461)
يجوز الرجوع إلى الخبراء في كل المسائل التي يستلزم الفصل فيها استيعاب نقطة فنية لا يستطيع القاضي الإلمام بها ولا يطالب به كالطب والزراعة والهندسة والمحاسبة والخطوط وغيرها، ولا يجوز للمحكمة أن تسرف في استعمال هذا الحق حتى لا ترهق الخصوم بأتعاب الخبراء ومصاريفهم وتعطيل الفصل في النزاع.
وقد أجاز النص للمحكمة أن تندب خبيراً واحداً أو ثلاثة خبراء ولكن لا يصح ندب خبيرين لعدم إمكان الترجيح بينهما عند اختلافهما في الرأي. (الإثبات لمحمد عبد اللطيف، الجزء الثاني ص 376).
الأصل أن الاستعانة بالخبراء أمر اختياري للقاضي يقرره بحسب تقديره سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم وذلك فيما عدا الحالات التي يوجب فيها القانون الاستعانة بخبير ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 836 مدنی من ندب خبير أو أكثر إذا اختلف الشركاء على اقتسام المال الشائع لتقويم هذا المال وقسمته. (مرافعات رمزي سيف، الطبعة الثامنة ص 256).
وقد أوجبت المادة على المحكمة عند ندب الخبير أن تذكر في منطوق الحكم أربعة أمور، أولها: بياناً دقيقاً لمأمورية الخبير والغرض من ذلك إلزام الخبير بالوقوف عند المأمورية التي ندب لها دون أن يتجاوزها وأما الحكمة من إيجاب بيان التدابير العاجلة التي يؤذن للخبير اتخاذها فهى ألا يتخذ من هذه التدابير إلا ما صرح له به الحكم، وثانيها: الأمانة التي يتعين إيداعها لحساب مصروفات الخبير ليباشر مأموريته إذ ليس من المقبول أن يتولى هو الإنفاق على الدعوى.
وجدير بالذكر أن مقدار الأمانة الذي تحدده المحكمة لا يعني تحديد مصروفات الخبير وأتعابه بهذا المبلغ، إذ أن تحديد ذلك إنما يكون بعد تقديمه تقريره ومعرفة ما أنفقه من مصروفات وما بذله من جهد وإذا لم يودع الخصم الأمانة في الموعد الذي حددته المحكمة فإن المادة 137 قد تكفلت ببيان الجزاء على ذلك.
والحكمة من بيان الأجل الذي يحدد لإيداع تقرير الخبير في بيان منطوق الحكم هو حثه على إنجاز مهمته في هذا الوقت إلا أن الذي يحدث في العمل أن كثيراً من الخبراء ومعظمهم من مكتب خبراء وزارة العدل وخاصة المهندسين يتأخرون عن الموعد الذي تضربه لهم المحكمة، وقد يمتد التأخير بضع سنوات، وحجتهم في ذلك قلة عددهم مع كثرة المأموريات التي تحال إليهم.
والحكمة في تحديد جلسة قريبة لنظر الدعوى في حالة عدم إيداع الأمانة هو تحاشي إطالة السير في الدعوى دون جدوى، طالما أن عدم إيداعها سيمنع الخبير من مباشرة مأموريته وذلك حتى يكون ذلك حافزاً لمن كلف بإيداع الأمانة أن يودعها في الموعد الذي حدده الحكم .
وإذا تضمن الحكم الصادر بندب خبير قاعدة قانونية مجردة دون تطبيقها على واقع لدعوى فإن المحكمة ليست ملزمة بها عند الفصل في الموضوع.
ويجوز لأي من الخصوم أن يطلب تعيين خبير سواء أكان مدعياً أو مدعى عليه أم ضامناً أم متدخلاً في الدعوى، ولا يشترط في تقديم الطلب شكل خاص فيصح إبداؤه شفوياً في الجلسة أو في مذكرة ولكن يجب على الطالب أن يبين الأسباب التي يستند إليها في طلب الخبير وأن يحدد المأمورية التي تعهد بها المحكمة إلى الخبير ومدى تأثيرها في اتجاه المنازعة والحكم فيها، ويجوز إبداء هذا الطلب في أي مرحلة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف إلا أن المحكمة ليست ملزمة بإجابة الطلب، فلها أن ترفضه متى وجدت في دفاع الطرفين ومستنداتها ما يكفي لتكوين عقيدتها في الدعوى غير أنه يتعين عليها في هذه الحالة أن تبين في حكمها أسباب رفض الطلب ولا رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض متى كان الحكم مقاماً على اعتبارات مقبولة شكلاً.
غير أنه لا يجوز للمحكمة أن ترفض طلب الخصم بندب خبير إذا كان هو وسيلته الوحيدة في الإثبات ودون سبب مقبول على النحو الذي سنفصله في نهاية المادة.
وإذا صرحت المحكمة للخبير المنتدب في الدعوى بمناقشة الشهود دون حلف يمين فإن ذلك لا يعتبر تحقيقاً قضائياً ولا يلتزم بإجرائه، ويكون من حق الخصم طلب الإحالة للتحقيق أمام المحكمة سواء أكان الخبير قد أجراه أو لم يقم به.
والقصد من ندب الخبير هو الاستعانة برأيه في إثبات واقعة أو نفيها أو تقدیر قيمتها وعلى ذلك فتقرير الخبير لا يعدو أن يكون دليلاً مطروحاً على المحكمة فلها مطلق الحرية في تقديره فيجوز لها أن تأخذ به ولها أن تطرحه غير أنه لا يجوز لها أن تأخذ بتقرير الخبير إذا كان باطلاً على النحو الذي سنوضحه في شرح المادة 156.
ويجب على الخبراء الذين ندبتهم المحكمة بالأسم أن يشتركوا جميعاً في أداء المأمورية ووضع التقرير وأن يوقعوا عليه جميعاً وإلا كان العمل باطلاً .
ومن المقرر أنه وإن كان للمحكمة مطلق السلطة في تعيين الخصم الذي يكلف بإيداع الأمانة إلا أن قواعد العدالة تستدعي أن يكلف بإيداعها الخصم الذي يقع عليه عبء الإثبات.
وقد نصت الفقرة ه من المادة 135 على ألا تشطب الدعوى قبل إخبار الخصوم بإيداع الخبير تقريره في حالة دفع الأمانة، فإذا شطبت الدعوى ولم يكن الخصوم قد أخبروا بإيداع الخبيرة تقريره، فإن المحكمة تملك السير في الإجراءات وتصحيحها بنظر الدعوى ولو بعد ستين يوماً من تاريخ الشطب وذلك لأن الشطب وإن كان ينتج أثره الفوري في استبعاد القضية من جدول القضايا بالمحكمة وعدم نظرها، إلا أن الميعاد المقرر في المادة 82 مرافعات لا يسري على الدعوى المشطوبة التي لم يخبر المدعى فيها بإيداع الخبير تقريره ولا تعتبر كأن لم تكن لانقضاء ستين يوماً على الشطب لأنه - أي - المدعي - في حالة لا تمكنه من تعجيل دعواه والسير فيها، والقاعدة أن الميعاد لا يسرى في حق من لا يتمكن من اتخاذ الإجراءات للمحافظة على حقه. (التعليق على نصوص قانون الإثبات للدكتور أبو الوفا ص 331، ومرافعات الدكتور رمزي سيف، الطبعة الثامنة ص 658، ومؤلفنا في التعليق على قانون المرافعات، الطبعة التاسعة، الجزء الأول ص 823 ).
أما إذا لم تودع الأمانة وجب على الخصوم الحضور فإن تغيبوا حكمت المحكمة بشطب الدعوى ولا يجوز للمحكمة أن تحكم فيها عملاً بنص المادة 82 لأن الحكم في الدعوى في حالة غياب المدعي والمدعى عليه مشروط بأن تكون الدعوى صالحة للحكم فيها ومادامت المحكمة قد ندبت خبيراً في الدعوى، فإن ذلك دليل على عدم صلاحية الدعوى للحكم فيها. (المرجع قبل الأخير ص 657).
هذا وتنص المادة 57 من المرسوم بقانون 96/ 1952 الخاص بتنظيم الخبرة على أنه يجوز إعفاء الخصم المعسر من دفع الأمانة إذا تبين من قيمة الدعوى وظروفها ما يبرر ذلك ويندب في هذه الحالة مكتب الخبراء أو قسم الطب الشرعي.
ويرجع بهذه الأمانة وما يقدر من الأتعاب ومصروفات الخبير على الخصم المحكوم عليه بالمصروفات أو على الخصم المعفي إذا زالت حالة إعساره.
هذا ويتعين ملاحظة أن هذه المادة لم تحدد حداً أدنى للأمانة، كما كان يحددها قانون المرافعات الملغى، وبذلك يجوز للمحكمة تحديدها بأي مبلغ .
لا يجوز ندب خبير لتحقيق الصورية:
لا يجوز للمحكمة أن تندب خبيراً لتحقيقها لأن هذا الأمر منوط بها وحدها باعتبارها مسألة قانونية على النحو الذي سنبينه في البحث التالي، فإذا استندت في حكمها بالصورية على تقرير الخبير كان حكمها مشوباً بالقصور في التسبيب.
لا يجوز للمحكمة أن تندب خبراء لإبداء رأى في مسألة قانونية أو وصف الرابطة بين الخصوم :
لفت نظرنا أثناء تتبعنا لقضاء المحاكم أن كثيراً من القضاة يطلبون من الخبير إبداء الرأي في مسألة قانونية أو في وصف الرابطة بين الخصوم، وإسباغ التكييف القانوني عليها مثال ذلك أن تقوم خصومة بين طرفين، أحدهما: يدعى أن ما يربطه بالأخر هو عقد وكالة، ويدعى الآخر أن أساس الرابطة عقد مقاولة ويثور النزاع على قيمة هذا العمل فتندب المحكمة خبيراً لبيان ما إذا كان العمل قد أجرى على سبيل الوكالة أم علي سبيل المقاولة وبيان قيمة العمل، فالشق الأول من الحكم خاطئ لأن الحكم يكلى إلى الخبير الفصل في مسألة قانونية وهي تكوين العلاقة وصحيح في شقه الثاني لأنه يكلف الخبير بعمل فني هو تقدير قيمة الأعمال التي أجريت، ومثال ذلك أيضاً أن يرفع مؤجر دعوی على مستأجر يطلب فيها إخلاؤه من العين المؤجرة على سند أنه أجرها من الباطن فيدفع المستأجر الدعوى بأن العلاقة بينه وبين الشخص الآخر هي مشاركة في استغلال وإدارة العين ولا تعد تأجيراً من الباطن فتندب المحكمة خبيراً لبيان أي القولين هو الصحيح، وفي هذه الحالة وأمثالها تكون المحكمة قد وقعت في خطأ فادح وقد أيدت محكمة النقض هذا النظر بحسم حينما قالت في صراحة ووضوح أن وصف الرابطة بين الخصوم وإسباغ التكييف القانوني عليها هي مسألة قانونية بحتة فلا يجوز للخبير أن يتطرف إليها ولا للمحكمة أن تنزل عنها لأنها في ولايتها وحدها ولا يجوز لها أن تستند إلى ما أورده الخبير في هذا الصدد ولا غناء عن أن تقول هي كلمتها في شأنها فإن استندت إلى تقرير الخبير في هذا الشأن كان حكمها مشوباً بالقصور في التسبيب غير أن هذا لا يمنع المحكمة من الاستعانة بأقوال الشهود الذين سمعهم الخبير ومن مناقشته لطرفي الخصومة لتستخلص من ذلك تكييف العلاقة القانونية أو وصف الرابطة بشرط أن تنشئ لحكمها أسباباً جديدة ولا تحيل إلى تقرير الخبير في ذلك.
لا يجوز للمحكمة أن ترفض طلب الخصم بندب خبير إذا كان ذلك هو وسيلته الوحيدة في الإثبات:
في حالة ما إذا طلب الخصم سواء كان مدعي أو مدعى عليه ندب خبير في الدعوى لإثبات مسألة معينة، وكان إثبات هذه المسألة مؤثراً في الدعوى وكان ذلك هو وسيلته الوحيدة في الإثبات فلا يجوز للمحكمة الالتفات عن هذا الطلب دون أن تسقطه حقه من الرد وإلا كان حكمها مشوباً بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب مثال ذلك أن يطلب الخصم ندب خبير للاطلاع على دفاتر الشركة محل النزاع وأن يصفي الحساب حالة أن الاطلاع على هذه الدفاتر لا يكفي لذلك بل لابد من بحث وتدقيق ومقارنة وخصم وإضافة في الحسابات المثبتة بالدفاتر، كما أن شهادة الشهود لا تكفي في هذا الشأن، وإذا عن للمحكمة الإعراض عن هذا الطلب فيجب أن تبين في حكمها ذلك بأسباب سائغة تؤدي إلى اقتناعها بأدلة أخرى مقدمة في الدعوى (حكماً النقض رقما 1 ، 9). ومن أمثلة ذلك أيضاً أن تطلب الزوجة التطليق لإصابة الزوج علة جنسية وتطلب ندب الطبيب الشرعي لإثبات ذلك أو يطلب المدعي تعويضاً عن إتلاف آلة ميكانيكية معقدة التركيب ويطلب ندب خبير لإثبات التلف.
لا يجوز للمحكمة في دعوى الشفعة أن تندب خبيراً لتقدير قيمة الأرض المشفوع فيها:
من المقرر أن الشفيع ملزم بدفع الثمن الحقيقي للعقار المشفوع فيه الذي حصل و الاتفاق عليه بين البائع والمشتري سواء قل هذا الثمن عن القيمة الحقيقية أو زاد عليها.
ومن المقرر أن الثمن المسمى في العقد يعتبر هو الثمن الحقيقي ما لم يثبت الشفيع صوريته، وبالتالي إذا ادعى الشفيع أن الثمن المسمى في العقد غير حقيقي وقع عليه عبء إثبات ذلك .
وتأسيساً على ما تقدم لا يجوز للمحكمة في حالة ما إذا ادعى الشفيع بصورية الثمن المسمى في العقد ندب خبير لتقدير ثمن العقار المشفوع فيه حسب سعر السوق وقت البيع، فإن فعلت وأخذت بتقرير الخبير كان حكمها مشوباً بالخطأ فى القانون لأن العبرة - كما سبق أن ذكرنا - بالثمن الحقيقي الذي تم الاتفاق عليه بين المشتري والبائع.
الحكم الصادر بندب الخبير لا يعلن لمن حضر إحدى الجلسات أو قدم مذكرة بدفاعه ولم ينقطع تسلسل الجلسات بالنسبة له شأنه في ذلك شأن سائر الأحكام التي لا تنهي الخصومة:
أثار تطبيق المادتين 174 مكرراً مرافعات، 5/ 2 إثبات اختلافاً بينا في المحاكم وتجلى هذا الخلاف على أشده في الحكم الصادر بندب خبير وهل تطبق عليه المادة 174 مكرراً مرافعات أم يطبق في شأنه المادة 5/ 2 من قانون الإثبات وزکى هذا الخلاف غموض نص الفقرة الأخيرة وما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية للمادة 5 من وجوب التنسيق بين النصين، وأية هذا الخلاف أن المادة 174 مكرراً مرافعات بعد أن نصت على أن الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة لا تعلن لمن حضر إحدى الجلسات ولم ينقطع تسلسل الجلسات بالنسبة له وإذا بالفقرة الثانية من المادة 5 إثبات وقد نصت على أن منطوق الأوامر الصادرة بتعيين تاريخ إجراء الإثبات يجب إعلانها وإلا كان العمل باطلاً، وقد حاول البعض التوفيق بين النصين يقوله أن نص المادة 174 مكرراً مرافعات يسري على الحكم الصادر بندب خبير وتحديد جلستين لنظر الدعوى، أما نص الفقرة الثانية من المادة 5 فيسرى على الأمر الذي يصدره الخبير بتحديد جلسة لبدء عمله أو الاسترسال فيه إذا كان قد انقطع ودلل على ذلك بأن النص ورد فيه كلمة الأوامر الصادرة بتعيين تاريخ إجراء الإثبات وأضاف أصحاب هذا الرأي أن المشرع لا يمكن أن يكون قد خلط بين الأحكام والأوامر، إذ أنها بديهية لا تخفى على واضعي نصوصه من أفذاذ القانون (رأي لبعض المحاكم الابتدائية). إلا أن هذا الرأي يجهز عليه ما ورد بعجز الفقرة نفسها إذ نصت على أن يكون الإعلان بناء على طلب قلم الكتاب بميعاد يومين الأمر الذي يقطع بأن المشرع لم يقصد بهذه الفقرة أوامر الخبير بتحديد جلسة لبدء عمله أو استئنافه إذ لا يتصور أن يعني المشرع بقلم الكتاب إلا قلم كتاب المحكمة.
وذهب رأي آخر إلى أن أحكام ندب الخبراء أحكام تمهيدية يسرى عليها نص المادة 174 مكرراً مرافعات وحجته في ذلك أن هذا النص ورد واضحاً وأن المذكرة الإيضاحية أكدت هذا النظر وأضاف أن معظم الأحكام التمهيدية إن لم تكن كلها هي أحكام بإجراء إثبات ولو طبق نص المادة 5 من قانون الإثبات لكان إضافة نص المادة 174 مكرراً لغواً وإلى العبث أقرب وأدنى (رأي البعض محاكم الاستئناف) إلا أن هذا الرأي لم يستطع التوفيق بين هذا النص ونص الفقرة الثانية من المادة 5 إثبات.
أما معظم المحاكم خصوصاً المحاكم الجزئية والابتدائية فكانت تلجأ للأجراء الأكثر حيطة وحذر، فكانت تقضي بإعلان جميع الأحكام التمهيدية حتى لمن حضر أو قدم مذكرة بدفاعه ولم ينقطع تسلسل الجلسات بالنسبة له ويعيبها أنها لم تحاول أن تبين سندها القانوني واكتفت بأن تكون أحكامها بمنأى عن المؤاخذة.
والرأي عندنا أن نص المادة 174 مكرراً مرافعات يطبق على جميع الأحكام التي لم تنة الخصومة أي التمهيدية ومنها الأحكام الصادرة بإجراء الإثبات وندب خبير والانتقال للمعاينة، أما نص الفقرة الثانية من المادة 5 من قانون الإثبات، فلا يطبق إلا على الأوامر التي تصدر من المحكمة بتعيين تاريخ إجراء الإثبات، مثال ذلك أن يصدر حكم بالإحالة للتحقيق وتحديد المحكمة جلسة الإجراء التحقيق فهذا حكم تمهيدي بالإثبات وبالتالي فلا يعلن للخصوم الذين حضروا إحدى الجلسات، أو قدموا مذكرة بدفاعهم فإذا صادف يوم التحقيق عطلة رسمية وحدد القاضي أو رئيس الدائرة موعداً آخر لبدء التحقيق فإنه يتعين إعمالاً لحكم الفقرة الثانية من المادة 5 من قانون الإثبات إعلان الخصوم بهذا الأمر حتى من حضر منهم إحدى الجلسات أو قدم مذكرة بدفاعه ولم ينقطع تسلسل الجلسات بالنسبة له ومثال ذلك أيضاً أن يصدر حكم بندب خبير وتحديد جلستين لنظر الدعوى الأولى في حالة عدم سداد الأمانة، والثانية في حالة سدادها فهذا الحكم لا يعلن للخصوم على النحو السابق، أما إذا صادف يوم الجلسة الأولى عطلة رسمية وحدد القاضي أو رئيس الدائرة موعداً آخر لسداد الأمانة فإنه يتعين إعمالاً لحكم الفقرة الثانية من المادة 5 إعلان الخصوم بهذا الأمر على النحو أنف البيان.
وهذا الرأي الذي انتهينا إليه يوفق بين نص المادة 174 مكرراً مرافعات ونص المادة 5 من قانون الإثبات دون أن يلغي أحدهما الآخر أو يطغي عليه ولا يخرج عن دلالة أحدهما ويؤيد قولنا هذا ما جاء بالمذكرة الإيضاحية إذ ورد بالنص ما يلي: (وبديهي أنه إذا صدر الحكم أو قرار فتح باب المرافعة دون تحديد جلسة فإن العلم الافتراضي في هذه الحالة يقع فقط على العلم بمنطوق الحكم أو قرار فتح باب المرافعة ويكون من المتعين على قلم الكتاب إعلان الخصوم بالجلسة بعد تحديدها، وبذلك يكون المشرع قد عدل عن منهج القانون القائم في وجوب إعلان الخصوم الذين لم يحضروا جلسة النطق بالأحكام والقرارات التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة حتى لو كان سير الجلسات متتابعاً في تسلسل لم يعترضه عائق)، وهذا الذي نادت به المذكرة الإيضاحية يساندنا في رأينا ولا يدع مجالاً لتأويل أو تفسير آخر.(التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء الرابع ، الصفحة : 1501)
مأمورية الخبير:
تقتصر مهمة الخبير على مسائل الواقع والمسائل المادية التي لا يستطيع القاضي الوصول إليها، کندب الكبير لمعاينة منزل وبيان كيفية بنائه ومساحته وشاغليه، أو الانتقال إلى مأمورية الضرائب العقارية والاطلاع على الملف الخاص بالعقار لبيان ما إذا كان قد أقيم طعن من المؤجر في قرار لجنة تقدير الأجرة.
وكذا على المسائل التي يستلزم الفصل فيها استيعاب نقاط فنية لا يستطيع القاضي الإلمام بها كالطب والزراعة والهندسة والمحاسبة والخطوط وغيرها، لأنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي في المسائل العلمية إلا بعد تبیان المصدر الذي استقت منه ما قررته.
إنما يجب على المحكمة ألا تسرف في استعمال هذا الحق حتى لا ترهق الخصوم بأتعاب الخبراء ومصاريفهم وتعطل الفصل في النزاع فضلاً عن أن حيادتهم قد لا تتوافر دائماً، وعلى المحاكم ألا تركن إلى هذا الطريق إلا في المسائل التي يكون اعتمادها فيها على معارفها غير ممكن أو غير مجد في الوصول إلى الحقيقة، وليس في أوراق الدعوى ما يغنيها عن الاستعانة بأهل الخبرة، ما لم يكن في نص القانون ما يلزمها بالاستعانة بخبير.
وإنما لا يجوز للمحكمة أن تستعين في استيعاب النقاط القانونية برأي الخبراء لأنها مطالبة بل مفروض فيها العلم بالقانون بما يكفي لتمكينها من أداء وظيفتها، ولذلك تكون قد أخلت بواجبها وعرضت حكمها للبطلان إذا هي عمدت - سواء من تلقاء نفسها أو بناء على رغبة الخصوم - إلى طلب المشورة القانونية من أحد المشتغلين بالتشريع والقانون أو أحد أساتذة الحقوق مثلاً، ومن المسائل القانونية التي لا يجوز للمحكمة أن تطلبها من الخبير ما إذا كان المصاب يستحق تعويضاً من عدمه، أو تكييف العلاقة التي تربط الطرفين وما إذا كانت بيعاً أو إيجاراً.
ندب المحكمة عند الاقتضاء خبيراً واحداً أو ثلاثة خبراء:
للمحكمة عند الاقتضاء أي عندما ترى الاستعانة بذوى الخبرة أن تندب خبيراً أو ثلاثة خبراء، وهي تراعى في ذلك أهمية المسألة وظروفها، فمثلاً إذا أرادت فحص حسابات شركة كبيرة فإنها قد تری ندب ثلاثة خبراء.
وقد نص الشارع على أن المحكمة أن تعين خبيراً أو ثلاثة، فلا يصح أن تعين اثنين لعدم إمكان الترجيح بينهما إذ لا أغلبية بين اثنين إذا اختلفا، وكذلك لا يصح ندب أكثر من ثلاثة كخمسة أو سبعة لما في ذلك من زيادة في العمل والمصاريف.
وللمحكمة أن تعين خبيراً أو خبراء آخرين من باب الاحتياط يحلوا محل من يعتذر من الخبراء الأصليين وذلك ليتفادى الخصوم كثرة المصاريف وتأخر الفصل في النزاع.
ويذهب رأى في الفقه إلى أنه يجوز أن يتعدد الخبراء ولو كان العدد زوجاً، ولو زادوا على ثلاثة إذا كان كل واحد أو ثلاثة منهم سيعهد إليهم بعمل مستقل يستلزم معلومات فنية خاصة لا تتوافر لدى الباقين.
وفي حالة عدم اتفاق الخصوم على خبير يرتضونه. كما سنرى تفصيلاً - تلتزم المحكمة بندب الخبير أو الخبراء من بين خبراء الجدول والخبراء الحكوميين (خبراء وزارة العدل) ومصلحة الطب الشرعي والمصالح الأخرى التي يعهد إليها بأعمال الخبرة.
فقد نصت المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام جهات القضاء على أنه:
«يقوم بأعمال الخبرة أمام جهات القضاء خبراء الجدول الحاليون وخبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي والمصالح الأخرى التي يعهد إليها بأعمال الخبرة، وكل من ترى جهات القضاء عند الضرورة الاستعانة برأيهم الفني من غير من ذكروا».
كما نصت المادة (50) على أن: «لجهات القضاء أن تندب للقيام بأعمال الخبرة خبيراً أو أكثر من خبراء الجدول، أو تندب مكتب خبراء وزارة العدل أو قسم الطب الشرعي أو إحدى المصالح الأخرى المعهود إليها بأعمال الخبرة فإذا رأت الظروف خاصة أن تندب من غير هؤلاء وجب أن تبين ذلك في الحكم،وفي مواد الضرائب لا يقع الندب إلا لخبراء وزارة العدل».
وقد أكدت ذلك المادة 136 من قانون الإثبات - كما سنرى - إذ نصت على أنه إذا اتفق الخصوم على اختيار خبير أو ثلاثة خبراء أقرت المحكمة اتفاقهم.
وفيما عدا هذه الحالة تختار المحكمة الخبراء من بين المقبولين أمامها إلا إذا قضت بغير ذلك ظروف خاصة، و عليها حينئذٍ أن تبين هذه الظروف في الحكم، وتختار المحكمة الخبير - حسب الدور - من بين الخبراء المقبولين أمامها، ويستثنى من هذا – كما سنرى - أن يتفق الخصوم على اختيار خبير إذ يجب على المحكمة عندئذٍ أن تقر اتفاقهم.
غير أنه لا يترتب على مجرد ندب خبير في غير الدور بطلان تقرير الخبير، لأن مجرد ندب خبير في غير الدور يشف عن أن القاضي لا يرتاح إلى من تخطاه ويطمئن إلى من ندبه.
وجوب اشتراك الخبراء الثلاثة في أعمال الخبرة والمداولة :
إذا ندبت المحكمة ثلاثة خبراء وجب عليهم جميعاً أن يشتركوا في الأعمال التي تقتضيها المأمورية المعهود إليهم بها وأن يشتركوا جميعاً في المداولة وتكوين الرأي ويترتب على مخالفة ذلك بطلان التقرير.
المحكمة ليست ملزمة بندب خبير:
المحكمة ليست ملزمة بأن تجيب الخصوم إلى طلبهم ندب خبير د إذا كانت تستطيع أن تقف على الحقيقة من غير حاجة للرجوع لرأي الخبراء أو إذا كان العمل المطلوب من الخبير أداؤه لا يؤثر في سير الخصومة ولا في نتيجة الحكم فيها، أو إذا كان من الممكن الوصول إلى الحقيقة بأي طريقة أخرى، أو إذا كان من الممكن استخلاص وجه الحكم في الدعوى من أقوال الخصوم ومستنداتهم. وإذا كان الحكم بندب خبير أو برفض طلب الخصوم ندب خبير في الدعوى هو من الأمور التي تدخل في سلطة محكمة الموضوع، إلا أن رفض المحكمة لطلب تعيين خبير يجب أن يكون بناء على أسباب سائغة.
ندب الخبير أمام محكمة الدرجة الأولى ومحكمة الدرجة الثانية:
للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بندب خبير، سواء أكانت محكمة الدرجة الأولى أو الثانية.
ولمحكمة الدرجة الثانية ندب خبير ولو لم تكن محكمة الدرجة الأولى قد ندبت خبيراً.
ويجوز للخصم طلب ندب خبير لأول مرة في الاستئناف ولا يعد علم طلبه أمام محكمة الدرجة الأولى بمثابة نزول ضمني عن الطلب.
ويجوز لأي من الخصوم أن يطلب تعيين خبير سواء أكان مدعياً - أو مدعى عليه أم ضامناً أم متدخلاً في الدعوى.
ولا يشترط في تقديم الطلب شكل خاص فيصح إبداؤه شفوياً في الجلسة أو في مذكرة ولكن يجب على الطالب أن يبين الأسباب التي يستند إليها في طلب الخبير وأن يحدد المأمورية التي تعهد بها المحكمة إلى الخبير ومدى تأثيرها في اتجاه المنازعة والحكم فيها.
ويجوز إبداء هذا الطلب في أي مرحلة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف.
ما يجب أن يشتمل عليه منطوق الحكم الصادر بندب خبير:
أوجبت المادة أن يشتمل الحكم التمهيدي الصادر بندب خبير على ما يأتي:
(أ)- بياناً دقيقاً لمأمورية الخبير والتدابير العاجلة التي يؤذن له في اتخاذها : والمقصود بمأمورية الخبير الأعمال التي يعهد بها إلى الخبير كمعاينة أرض النزاع وبيان موقعها ومساحتها ووضع اليد عليها ومدته وسببه ... إلخ.
والتدابير التي يؤذن له في اتخاذها، مثل الاطلاع على ما يقدمه له الخصوم من مستندات وسماع الشهود دون حلف يمين، والانتقال إلى أية جهة حكومية أو غير حكومية للاطلاع على كل ما يراه لازماً لإظهار الحقيقة.
(ب)- الأمانة التي يجب إيداعها خزانة المحكمة لحساب مصروفات الخبير وأتعابه والخصم الذي يكلف إيداع هذه الأمانة، والأجل الذي يجب فيه الإيداع والمبلغ الذي يجوز للخبير سحبه لمصروفاته.
والأمانة هي مبلغ من النقود يسمى «أمانة الخبير» يحددها القاضي في حكم ندب الخبيز تودع خزانة المحكمة لحساب مصروفات وأتعاب الخبير.
ولم تضع المادة حداً أدنى لأمانة الخبير، عكس قانون المرافعات الملغي إذ حددته المادة 325 منه بثمانية جنيهات في القضايا الجزئية وباثنی عشر جنيهات في القضايا الأخرى.
والمحكمة تلزم بالأمانة الخصم الذي يطلب الإحالة على خبير، ويجوز أن تكلف الخصمين بدفع الأمانة إذا طلبا ندب خبير، وإذا كان ندب الخبير من تلقاء نفس المحكمة تحدد هي الخصم الذي يتحملها استناداً إلى ظروف الدعوى ومجرياتها والخصم الذي تعتبر الإحالة إلى الخبير في صالحه.
وجدير بالذكر أن مقدار الأمانة الذي تحدده المحكمة لا يعني تحديد مصروفات الخبير وأتعابه بهذا المبلغ، إذ أن تحديد ذلك إنما يكون بعد تقديمه تقريره ومعرفة ما أنفقه من مصروفات وما بذله من جهد.
ويجوز للمحكمة الإعفاء من دفع الأمانة، ولو كانت القضية غیر معفاة من الرسوم القضائية متى تحققت تفاهة قيمة الدعوى وعدم میسرة الخصوم وحاجاتها لعمل الخبرة.
(ج)- الأجل المضروب لإيداع تقرير الخبير:
وهو تحديد تحكمى تستشفه المحكمة من تصورها لما تحتاجه المهمة من وقت، ولا تثريب عليها إذا جاء أطول أو أقصر مما ينبغي.
والحكمة من هذا الأجل هو حث الخبير على إنجاز مهمته في هذا الوقت.
(د) - تاريخ الجلسة التي تؤجل إليها القضية للمرافعة في حالة إيداع الأمانة وجلسة أخرى أقرب منها لنظر القضية في حالة عدم إيداعها.
فإذا دفعت الأمانة سقطت الجلسة الأخيرة وبقيت الجلسة الأولى دون حاجة لأي إجراء لا من الخصوم ولا من قلم الكتاب.
والحكمة في تحديد جلسة قريبة لنظر الدعوى في حالة عدم إيداع الأمانة هو تحاشي إطالة السير في الدعوى دون جدوى، طالما أن عدم إيداعها سيمنع الخبير من مباشرة مأموريته وذلك حتى يكون ذلك حافزاً لمن كلف بإيداع الأمانة أن يودعها في الموعد الذي حدده الحكم.
ولم يرتب القانون البطلان جزاء على إغفال هذه البيانات، وعلى ذلك يسري في هذه الحالة حكم القواعد العامة في البطلان والمنصوص عليها في المواد 19 - 24 من قانون المرافعات وإذا لم تحدد المحكمة أجلاً للخبير وجب عليه أن يقدم تقريره في الوقت المناسب، ويجوز لصاحب المصلحة من الخصوم أن يطلب تحديد هذا الأجل، ويجوز للخبير برغم تحديد الأجل أن يطلب امتداده إذا كان غير كاف بشرط أن يقدم للمحكمة الأسباب المبررة لذلك، بل وللخبير أن يطلب إيداع الأمانة إذا كان الحكم قد أغفلها.
عدم شطب الدعوى في حالة دفع الأمانة قبل إخبار الخصوم بإيداع الخبير تقريره :
استحدث المشرع في المادة (135) حكماً جديداً لم يرد في المادة (225) من قانون المرافعات الملغي المقابلة لها، وهو أنه في حالة إيداع الأمانة المقرر إيداعها لحساب مصروفات وأتعاب الخبير فإنه لا يجوز شطب الدعوى إذ تخلف الخصوم عن الحضور قبل إخبار الخصوم بإيداع الخبير تقريره طبقاً للإجراءات المنصوص عليها في المادة 151 من القانون لأنه لا مبرر لإرهاق الخصوم بمتابعة الحضور في الجلسات السابقة على إخطارهم بإيداع تقرير الخبير وتعريض الدعوى لخطر الزوال نتيجة لذلك.(موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود، المجلد : الرابع ، الصفحة : 2130)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون التقاضي والإثبات ، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 177 ، 178 .
المذكرة الإيضاحية:
للخبرة سندها في الفقه الإسلامي، وفيما يلي بعض أقوال الفقهاء في أهل الخبرة، وكذا في الثقافة وهي تطبيق للاستعانة بأهل الخبرة.
قال في تبصرة الحكام، (2): (74)، (76)، (77)، (78)، (79):
«في القضاء يقول أهل المعرفة: ويجب الرجوع إلى أقوال أهل البصر، ومعرفة النخاسين في معرفة عيوب الرقيق من الإماء والعبيد».
ص (76): تنبيه: في شهادة عرفاء البنيان والقسام في عيوب الدار.
ص (77): فصل في اختلاف أهل المعرفة.
ص (78): ويرجع إلى أهل المعرفة في عيوب الدور، وما فيها من الصدوع والشقوق وسائر العيوب. فرع: ويرجع إلى أهل المعرفة من التجار في تقويم المتلفات وعيوب الثياب. فرع: ويرجع إلى أهل المعرفة والنساء في عيوب الفرج، وفي عيوب الجسد مما لا يطلع عليه الرجال. فرع: ويرجع إلى أهل المعرفة بالجوائح وما ينقص من الثمار. فرع: وكذلك يرجع إلى أهل المعرفة بمسائل الضرر مما يحدثه الإنسان على جاره، أو في الطرقات، وأنواع ذلك».
وقال ابن القيم في الطرق الحكمية ص (128): «ومنها ما يختص بمعرفة أهل الخبرة والطب، كالموضحة وشبهها، وداء الحيوان الذي لا يعرفه إلا البيطار، فيقبل في ذلك شهادة طبيب واحد وبيطار واحد إذا لم يوجد غيره. نص عليه أحمد». وكذا المغني (12): (161) وعند ابن القيم أيضاً ص (10): «ومن ذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده رضى الله عنهم بالقافة ، وجعلها دليلاً من أدلة ثبوت النسب، وليس هاهنا إلا مجرد الأمارات والعلامات». وكذلك ص (216) - (236).
وتبصرة الحكام، (2): (108) - (111): «الباب التاسع والستون: في القضاء بالقافة».
وقد وردت الاستعانة بأهل الخبرة في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالقانون نمرة (31) لسنة 1910 في الفصل الثامن من الباب الثالث، وعنوانه «في أهل الخبرة» في المواد من (211) إلى (241)، ونص في المادة (211) أنه: «إذا رأت المحكمة أن تستعين بأهل الخبرة - عينت واحداً أو ثلاثة ممن تثق بهم».
وفي المادة (340) أنه: «لا تكون المحكمة مقيدة برأي أهل الخبرة». ثم نقل ذلك إلى لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم (78) لسنة 1931 في الفصل الثامن من الباب الثالث، تحت عنوان «في أهل الخبرة في المواد من (211) إلى (241).
(مادة 154):
للمحكمة عند الاقتضاء أن تحكم بندب خبير واحد أو ثلاثة، ويجب أن تذكر في منطوق حكمها:
(أ) بیاناً دقيقاً لمأمورية الخبير، والتدابير العاجلة التي يؤذن له في اتخاذها.
(ب) الأمانة التي يجب إيداعها خزانة المحكمة ؛ لحساب مصروفات الخبير وأتعابه ، والخصم الذي يكلف إيداع هذه الأمانة، والأجل الذي يجب فيه الإيداع والمبلغ الذي يجوز للخبير سحبه لمصروفاته.
(ج) الأجل المضروب لإيداع تقرير الخبير.
(د) تاريخ الجلسة التي تؤجل إليها القضية للمرافعة في حالة إيداع الأمانة، وجلسة أخرى أقرب منها لنظر القضية في حالة عدم إيداعها.
(هـ) وفي حالة دفع الأمانة لا تشطب الدعوى قبل إخبار الخصوم بإيداع الخبير تقريره طبقاً للإجراءات المبينة في المادة (171).
م (135) إثبات مصري، و(211) و (214) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، و(138) و (140) بینات سوري، و(86) - (1) و (87) إثبات سوداني).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 45 ، 46 ، 47 ، 48
(مادة 14) :
طرق القضاء هي : الإقرار ، والإستجواب ، والشهادة ، والكتابة ، واليمين ، والقرائن ، والمعاينة ، والخبرة.
المذكرة الإيضاحية :
اختلف الفقهاء في بيان أدلة ثبوت الدعوى ( أي: الحجج الشرعية أو طرق القضاء). وقد حصرها البعض في سبعة هي : البينة ، والإقرار ، واليمين ، والنكول ، والقسامة ، وعلم القاضي ، والقرينة القاطعة (الدر، ورد المحتار). وقال في التكملة : والحاصل أن القضاء في الإقرار مجاز (لأن الحق يثبت به بدون حكم ، وإنما يأمره القاضي بدفع ما لزمه بإقراره، وليس لزوم الحق بالقضاء ، فجعل الإقرار من طرق القضاء إنما هو بحسب الظاهر ، وإلا فالحق يثبت به لا بالقضاء)، والقسامة داخلة في اليمين ، وعلم القاضي مرجوح، والقرينة مما انفرد به ابن الفرس ، فرجعت الحجج التي هي أسباب الحكم إلى ثلاث - أي البينة واليمين والنكول .
(انظر أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (7) - (11) و(219) وما بعدها)
وذكر ابن القيم في الطرق الحكمية خمسة وعشرين طريقاً ترجع عند النظر، إلى:
القرائن والعلامات الظاهرة، الشهادة، اليمين، النكول، اليد (أي الحيازة)، الإنكار، الإقرار، الخط، القرعة، القافة (أي: الخبرة في أمور النسب).
وذكر ابن فرحون في التبصرة : الشهادة والخط والإقرار والقرائن والقرعة والقافة .
وفي مجلة الأحكام العدلية نجد أن طرق القضاء هي : الإقرار ، والشهادة ، واليمين ، والنكول ، والخط ، والقرينة القاطعة .
وقد ذكرت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم (78) لسنة 1931 في المادة (123) أربعة أدلة ، هي: الإقرار ، والشهادة ، والنكول عن الحلف، والقرينة القاطعة ولكنها تكلمت في الباب الثالث الخاص بالأدلة على الأدلة الخطية (في الفصل الثاني بعد الإقرار) ، ثم على اليمين والنكول (في الفصل السادس) ، وعلى المعاينة (في الفصل السابع) ، وعلى الخبرة في الفصل الثامن) ، كما تكلمت على إستجواب الخصوم (في الفصل السابع من الباب الثاني م (115) وما بعدها) وبذا زادت الأدلة فيها على الأربعة المذكورة في المادة (123) وذلك على خلاف ما ذهب إليه المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم ؛ إذ قال في طرق القضاء (ص (9) - (10)) : «أقول : إن الناظر فيما جاء في اللائحة في حجية الأوراق الرسمية والعرفية ، وفي استجواب الخصوم ومعاينة المحكمة وأهل الخبرة - يراه لا يخرج عن هذه الحجج الثلاث ؛ إذ كله يرجع إلى الإقرار ، وأن الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان ، وهو الذي يجب التعويل عليه كما سيأتي». ولكن بالرجوع إلى المادة (134) من تلك اللائحة نجد أنها نصت على أن الأوراق الرسمية - أكانت سندات أم محررات - تكون حجة على أي شخص كان فيها تدون بها مما لا يدخلها دائماً في الإقرار ، وكذلك إستجواب الخصوم ومعاينة المحكمة وأهل الخبرة لا تدخل دائماً في الإقرار .
وبالرجوع إلى القوانين العربية الخاصة بالإثبات نجد أنها : الأدلة الكتابية ، والشهادة ، والقرائن ، والإستجواب ، والإقرار ، واليمين ، والمعاينة ، والخبرة .
(م (1) من قانون البينات السوري ، و(11) من قانون الإثبات السوداني ، وقانون الإثبات المصري ، وانظر السنهوري ، الوسيط ، ج (2) ص (89) وما بعدها) .
وإذا ألقينا نظرة فاحصة وجدنا أن طرق إثبات الدعوى ترجع إلى: الإقرار ، والشهادة ، والكتابة ، واليمين ، والنكول ، والقرينة ، والمعاينة ، والخبرة . أما القسامة - وهي خاصة بالقضاء بالدية - فهي يمين. وأما علم القاضي فالفتوى على أنه ليس طريقاً للقضاء لفساد الزمان وهو ما أخذ به هذا القانون في المادة (6) منه. وأما القافة فهي خاصة بالنسب وهو من الأحوال الشخصية وخارج عن نطاق هذا القانون .
وقد جرت بعض التقنينات على عدم النص على طرق القضاء بإعتبار أن ذلك من عمل الفقه ، ولكن تقنينات أخرى جرت على النص عليها ، کلائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، وقانون البينات السوري ، وقانون الإثبات السوري ، وقد روعي إتباع نهج التقنينات الأخيرة في هذا القانون زيادة في البيان .
وقد سار القانون على معالجة طرق القضاء بالترتيب الآتي :
1- الإقرار .
2- إستجواب الخصوم .
3- الشهادة .
4 - الكتابة .
5- اليمين .
6- القرائن .
7- المعاينة .
8- الخبرة .
وقد روعي في هذا الترتيب نظرة الفقه الإسلامي من تقديم الإقرار بوصفه أقوى الأدلة ، يليه الإستجواب بوصفه وسيلة للإقرار ، ثم الشهادة ، ويليها الكتابة لأنها في الغالب إما أن تكون إقراراً أو شهادة، ثم اليمين ، وبقية الأدلة .
وقد خصص باب لكل طريق من هذه الطرق .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 248
الْقَضَاءُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ (الْخِبْرَةِ):
اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِيمَا يَخْتَصُّونَ بِمَعْرِفَتِهِ إِذَا كَانُوا حُذَّاقًا مَهَرَةً. وَمِنْ ذَلِكَ الاِسْتِعَانَةُ فِي مَعْرِفَةِ قِدَمِ الْعَيْبِ أَوْ حَدَاثَتِهِ.
وَيُرْجَعُ إِلَى أَهْلِ الطِّبِّ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْجِرَاحِ فِي مَعْرِفَةِ طُولِ الْجُرْحِ وَعُمْقِهِ وَعَرْضِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ. وَكَذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِنَ النِّسَاءِ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ كَالْبَكَارَةِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع عشر ، الصفحة / 17
خِبْرَةٌ
التَّعْرِيفُ :
- الْخِبْرَةُ فِي اللُّغَةِ - بِكَسْرِ الْخَاءِ وَضَمِّهَا - الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ، وَمَعْرِفَتُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، مِنْ قَوْلِكَ: خَبَرْتُ بِالشَّيْءِ إِذَا عَرَفْتُ حَقِيقَةَ خَبَرِهِ. وَمِثْلُهُ الْخِبْرُ وَالْخُبْرُ، وَالْمَخْبُرَةُ. وَالْمُخْبِرَةُ. وَالْخَبِيرُ بِالشَّيْءِ، الْعَالِمُ بِهِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، مِثْلُ عَلِيمٍ، وَقَدِيرٍ، وَأَهْلُ الْخِبْرَةِ ذَوُوهَا
وَاسْتُعْمِلَ فِي مَعْرِفَةِ كُنْهِ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) وَالْخَبِيرُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهُوَ الْعَالِمُ بِكُنْهِ الشَّيْءِ الْمُطَّلِعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ. هَذَا فِي الأْصْلِ. وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ فِيمَا غَمُضَ مِنَ الأْشْيَاءِ وَلَطُفَ، وَفِيمَا تَجَلَّى مِنْهُ وَظَهَرَ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَقَدْ عَبَّرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْخِبْرَةِ بِلَفْظِ الْبَصِيرَةِ، كَمَا عَبَّرُوا عَنْهَا بِلَفْظِ الْمَعْرِفَةِ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الْعِلْمُ وَالْمَعْرِفَةُ :
أَوَّلاً: الْعِلْمُ :
- الْعِلْمُ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ: مِنْهَا مَا يَصِيرُ بِهِ الشَّيْءُ مُنْكَشِفًا، وَمِنْهَا الصُّورَةُ الْحَاصِلَةُ مِنَ الشَّيْءِ عِنْدَ الْعَقْلِ، وَمِنْهَا الإْدْرَاكُ، وَمِنْهَا الاِعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ.
ثَانِيًا: الْمَعْرِفَةُ :
- أَمَّا الْمَعْرِفَةُ فَهِيَ إِدْرَاكُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَهِيَ مَسْبُوقَةٌ بِجَهْلٍ، بِخِلاَفِ الْعِلْمِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْخِبْرَةِ، أَنَّ الْخِبْرَةَ الْعِلْمُ بِكُنْهِ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى حَقَائِقِهَا، فَفِيهَا مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ
ب - التَّجْرِبَةُ :
- التَّجْرِبَةُ مَصْدَرُ جَرَّبَ، وَمَعْنَاهُ الاِخْتِبَارُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَعَلَى ذَلِكَ فَالتَّجْرِبَةُ اسْمٌ لِلاِخْتِبَارِ مَعَ التَّكْرَارِ؛ لأِنَّهَا مِنَ التَّجْرِيبِ الَّذِي هُوَ تَكْرِيرُ الاِخْتِبَارِ وَالإْكْثَارُ مِنْهُ، وَلاَ يَلْزَمُ فِي الْخِبْرَةِ التَّكْرَارُ .
ح - الْبَصَرُ أَوِ الْبَصِيرَةُ :
- الْبَصِيرَةُ لُغَةً: الْعِلْمُ وَالْخِبْرَةُ، يُقَالُ: هُوَ ذُو بَصَرٍ وَبَصِيرَةٍ، أَيْ ذُو عِلْمٍ وَخِبْرَةٍ. وَيُعْرَفُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ مِمَّا أَوْرَدَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَرْجِعُ فِي تَقْدِيرِ الْقِيمَةِ إِلَى أَهْلِ الْبَصِيرَةِ وَهُمْ أَهْلُ النَّظَرِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي قِيمَةِ الشَّيْءِ .
د - الْقِيَافَةُ :
- الْقِيَافَةُ مَصْدَرُ قَافَ الأَْثَرَ قِيَافَةً إِذَا تَتَبَّعَهُ. وَالْقَائِفُ هُوَ مَنْ يَعْرِفُ الآْثَارَ وَيَتَتَبَّعُهَا، وَيَعْرِفُ شَبَهَ الرَّجُلِ بِأَخِيهِ، وَأَبِيهِ، وَالْجَمْعُ الْقَافَةُ. وَتُسْتَعْمَلُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ فِي نَفْسِ الْمَعْنَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي: الْقَافَةُ قَوْمٌ يَعْرِفُونَ الإْنْسَانَ بِالشَّبَهِ.
هـ - الْحِذْقُ :
- الْحِذْقُ الْمَهَارَةُ، يُقَالُ: حَذَقَ الصَّبِيُّ الْقُرْآنَ وَالْعَمَلَ يَحْذِقُهُ حِذْقًا وَحَذْقًا إِذَا مَهَرَ فِيهِ، وَحَذِقَ الرَّجُلُ فِي صَنْعَتِهِ أَيْ مَهَرَ فِيهَا، وَعَرَفَ غَوَامِضَهَا وَوَقَائِعَهَا .
فَالْحِذْقُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَهَارَةِ فِي الصَّنْعَةِ غَالِبًا، وَهُوَ لِهَذَا الاِعْتِبَارِ أَخَصُّ مِنَ الْخِبْرَةِ
و - الْفِرَاسَةُ :
- الْفِرَاسَةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ هِيَ التَّثَبُّتُ وَالتَّأَمُّلُ لِلشَّيْءِ وَالْبَصَرُ بِهِ، يُقَالُ: إِنَّهُ لَفَارِسٌ بِهَذَا الأْمْرِ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: « اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ » .
وَيَقُولُ ابْنُ الأْثِيرِ: الْفِرَاسَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ تُتَعَلَّمُ بِالدَّلاَئِلِ وَالتَّجَارِبِ وَالْخُلُقِ وَالأْخْلاَقِ فَتُعْرَفُ بِهِ أَحْوَالُ النَّاسِ. يَقُولُ ابْنُ فَرْحُونَ: الْفِرَاسَةُ نَاشِئَةٌ عَنْ جَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ وَحِدَّةِ النَّظَرِ وَصَفَاءِ الْفِكْرِ .
فَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى قَرِيبَةٌ لِمَعْنَى الْخِبْرَةِ.
حُكْمُ الْخِبْرَةِ :
- تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَنِ الْخِبْرَةِ وَاعْتَمَدُوا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَْحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ وَيَخْتَلِفُ حُكْمُهَا تَبَعًا لِمَوْطِنِهَا.
وَفِيمَا يَلِي بَيَانُهَا:
الْخِبْرَةُ فِي التَّزْكِيَةِ :
- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ حَالَ الشُّهُودِ يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مَنْ يُزَكِّيهِمْ عِنْدَهُ لِيَعْلَمَ عَدَالَتَهُمْ، لقوله تعالي : ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ ضَرُورِيَّةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَيَرَى بَعْضُهُمْ تَزْكِيَةَ الشَّاهِدِ، التَّزْكِيَةُ الْعَلاَنِيَةُ أَيْضًا.
وَتَزْكِيَةُ الشُّهُودِ تَكُونُ بِاخْتِيَارِ الْقَاضِي مَنْ هُمْ أَوْثَقُ النَّاسِ عِنْدَهُ، وَأَوْرَعُهُمْ دِيَانَةً، وَأَدْرَاهُمْ بِالْمَسْأَلَةِ وَأَكْثَرُهُمْ خِبْرَةً، وَأَعْلَمُهُمْ بِالتَّمْيِيزِ فِطْنَةً، فَيَكْتُبُ لَهُمْ أَسْمَاءَ وَأَوْصَافَ الشُّهُودِ، وَيُكَلِّفُهُمْ تَعَرُّفَ أَحْوَالِهِمْ مِمَّنْ يَعْرِفُهُمْ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالأْمَانَةِ، وَجِيرَانِهِمْ وَمُؤْتَمَنِي أَهَالِي مَحَلَّتِهِمْ، وَأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِمْ، وَمِمَّنْ يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ مِنْ مُعْتَمَدِي أَهْلِ صَنْعَتِهِمْ (أَيْ نَقِيبِ الْحِرْفَةِ مَثَلاً). فَإِذَا كَتَبُوا تَحْتَ اسْمِ كُلٍّ مِنْهُمْ: (عَدْلٌ، وَمَقْبُولُ الشَّهَادَةِ) يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِلاَّ فَلاَ .
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُزَكِّيَ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ أَسْبَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَمَعْرِفَةُ خِبْرَةِ بَاطِنِ مَنْ يُعَدِّلُهُ، لِخِبْرَةٍ، أَوْ جِوَارٍ، أَوْ مُعَامَلَةٍ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِمَا يَشْهَدُ. وَلأِنَّ عَادَةَ النَّاسِ إِظْهَارُ الصَّالِحَاتِ وَإِسْرَارُ الْمَعَاصِي، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَا خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ، رُبَّمَا اغْتَرَّ بِحُسْنِ ظَاهِرِهِ وَهُوَ فَاسِقٌ فِي الْبَاطِنِ .
هَذَا فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ، أَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلاَنِيَةِ فَتَحْصُلُ فِي حُضُورِ الْحَاكِمِ وَالْخَصْمَيْنِ. وَبِمَا أَنَّ تَزْكِيَةَ الْعَلاَنِيَةِ تُعْتَبَرُ شَهَادَةً، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنَ التَّعَدُّدِ وَالْعَدَالَةِ وَغَيْرِهِمَا . أَمَّا تَزْكِيَةُ السِّرِّ فَفِيهَا خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (تَزْكِيَةٌ، وَشَهَادَةٌ).
الْخِبْرَةُ فِي الْقِسْمَةِ :
- الْقِسْمَةُ تَحْتَاجُ إِلَى قَاسِمٍ، وَقَدْ يَتَوَلَّى الْقِسْمَةَ الشُّرَكَاءُ أَنْفُسُهُمْ إِذَا كَانُوا ذَوِي أَهْلِيَّةٍ وَمِلْكٍ وَوِلاَيَةٍ، فَيَقْسِمُونَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ بِالتَّرَاضِي، وَقَدْ يَتَوَلَّى الْقِسْمَةَ غَيْرُ الشُّرَكَاءِ مِمَّنْ يُعَيِّنُونَهُ أَوْ يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاسِمِ بِجَانِبِ سَائِرِ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا، عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ، عَارِفًا بِالْحِسَابِ وَالْمِسَاحَةِ، لِيُوصِلَ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ لأِنَّهَا مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ، وَلاَ بُدَّ مِنَ الاِعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَذَلِكَ بِالأْمَانَةِ وَالْعِلْمِ .
وَلاَ فَرْقَ فِي هَذَا الشَّرْطِ بَيْنَ الْقَاسِمِ الَّذِي عَيَّنَهُ الشُّرَكَاءُ، وَالَّذِي نَصَّبَهُ الإْمَامُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا: لاَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي مَنْصُوبِ الشُّرَكَاءِ لأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُمْ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ مُتَعَدِّدًا، فَيَكْفِيَ أَنْ يَكُونَ شَخْصًا وَاحِدًا ذَا مَعْرِفَةٍ وَخِبْرَةٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّ طَرِيقَهُ الْخَبَرُ عَنْ عِلْمٍ يَخْتَصُّ بِهِ قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، كَالْقَائِفِ وَالْمُفْتِي وَالطَّبِيبِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ لِلسِّلْعَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ قَاسِمَانِ؛ لأِنَّ التَّقْوِيمَ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ
وَجَاءَ فِي فَتْحِ الْعَلِيِّ الْمَالِكِ: إِذَا اطَّلَعَ أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ عَلَى عَيْبٍ فِيمَا خَصَّهُ، وَلَمْ يَعْلَمَا بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ خَفِيٌّ ثَبَتَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي أَكْثَرِ نَصِيبِهِ، خُيِّرَ بَيْنَ إِمْسَاكِ النَّصِيبِ وَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَبَيْنَ رَدِّ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ كَانَ النَّصِيبَانِ قَائِمَيْنِ رَجَعَا شَائِعَيْنِ بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَإِنْ فَاتَ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ بِنَحْوِ صَدَقَةٍ أَوْ بِنَاءٍ، أَوْ هَدْمٍ، رَدَّ آخِذُهُ قِيمَةَ نِصْفِهِ، وَكَانَ النَّصِيبُ الْقَائِمُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ فَاتَا تَقَاصَّا .
وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحَيْ: (قِسْمَةٌ، وَخِيَارُ الْعَيْبِ).
الْخِبْرَةُ فِي الْخَارِصِ :
- الْخَرْصُ: الْحَزْرُ وَالتَّحَرِّي، وَهُوَ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِ الشَّيْءِ (مِنَ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ) لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الزَّكَاةِ فِيهِ. فَإِذَا بَدَا صَلاَحُ الثِّمَارِ مِنَ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَحَلَّ بَيْعُهُمَا يَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ الإْمَامُ مَنْ يَخْرُصُهَا، وَيَعْرِفَ قَدْرَ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ).
وَيُشْتَرَطُ فِي الْخَارِصِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْخَرْصِ؛ لأِنَّهُ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَرِ وَالزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ فِيهِ، وَالْجَاهِلُ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الاِجْتِهَادِ فِيهِ، وَيُجْزِئُ خَارِصٌ وَاحِدٌ إِنْ كَانَ عَدْلاً عَارِفًا، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: وَيُشْتَرَطُ اثْنَانِ كَالتَّقْوِيمِ وَالشَّهَادَةِ .
وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَارِصُونَ فَيُعْمَلُ بِتَخْرِيصِ الأْعْرَفِ مِنْهُمْ .
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْخَرْصِ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا، مَا ثَبَتَ « أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى يَهُودَ، فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حَتَّى يَطِيبَ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ » .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْخَرْصُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ فَلاَ يَلْزَمُ بِهِ حُكْمٌ . وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « نَهَى عَنِ الْخَرْصِ » . وَقَالُوا: إِنَّ الْخَرْصَ الْوَارِدَ فِي بَعْضِ الأْحَادِيثِ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَعْلَمَ مِقْدَارَ مَا فِي نَخْلِهِمْ، ثُمَّ تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الزَّكَاةُ وَقْتَ الصِّرَامِ عَلَى حَسَبِ مَا يَجِبُ فِيهَا. وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ تَخْوِيفًا لِلْمُزَارِعِينَ لِئَلاَّ يَخُونُوا لاَ لِيَلْزَمَ بِهِ حُكْمٌ . (ر: خَرْصٌ).
خِبْرَةُ الْقَائِفِ :
- الْقَائِفُ مَنْ يَعْرِفُ الآْثَارَ وَيَتَتَبَّعُهَا، وَيَعْرِفُ شَبَهَ الرَّجُلِ بِأَخِيهِ وَأَبِيهِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْقَائِفِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إِذَا كَانَ خَبِيرًا مُجَرَّبًا، وَلَمْ تُوجَدْ لإِثْبَاتِ نَسَبِ الطِّفْلِ بَيِّنَةٌ، أَوْ تَسَاوَتْ بَيِّنَةُ الطَّرَفَيْنِ .
وَقَدْ وَرَدَ فِي الأْخْذِ بِقَوْلِ الْقَائِفِ أَحَادِيثُ مِنْهَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: « دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مَسْرُورٌ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأْقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ » .
وَيَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ فِي إِلْحَاقِ النَّسَبِ لأِنَّهُ كَحَاكِمٍ، فَيَكْفِي مُجَرَّدُ خَبَرِهِ.
وَيُشْتَرَطُ فِيهِ بِجَانِبِ سَائِرِ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا مُجَرَّبًا فِي الإْصَابَةِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : « لاَ حَكِيمَ إِلاَّ ذُو تَجْرِبَةٍ » وَلأِنَّهُ أَمْرٌ عِلْمِيٌّ فَلاَ بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ بِعِلْمِهِ لَهُ وَذَلِكَ لاَ يُعْرَفُ بِغَيْرِ التَّجْرِبَةِ فِيهِ.
وَمِنْ طُرُقِ تَجْرِبَتِهِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ وَلَدٌ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ فِي نِسْوَةٍ هِيَ فِيهِنَّ، فَإِذَا أَصَابَ فِي كُلٍّ فَهُوَ مُجَرَّبٌ . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِيَافَةٌ).
الْخِبْرَةُ فِي التَّقْوِيمِ :
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الأْخْذِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ مِنَ التُّجَّارِ، وَأَهْلِ الصَّنْعَةِ فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ، وَقِيمَةِ الْعَرْضِ الْمَسْرُوقِ، وَقِيَمِ السِّلَعِ الْمَبِيعَةِ، أَوِ الْمَأْجُورَةِ لإِثْبَاتِ الْعَيْبِ، أَوِ الْجَوْرِ، أَوِ الْغَرَرِ وَنَحْوِهَا. قَالَ فِي الدُّرِّ: لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ثُمَّ طُلِبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ رَجَعَ فِيهِ الْقَاضِي إِلَى أَهْلِ الْبَصِيرَةِ، أَيْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي قِيمَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ . وَنُصُوصُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الأْمُورِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: مَا ذُكِرَ فِي مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ أَنَّ نُقْصَانَ الثَّمَنِ يَكُونُ مَعْلُومًا بِإِخْبَارِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْخَالَيْنِ عَنِ الْغَرَضِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَوَّمَ الثَّوْبُ سَالِمًا ثُمَّ يُقَوَّمَ مَعِيبًا، فَمَا كَانَ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنَ التَّفَاوُتِ يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ .
وَيَقُولُ ابْنُ فَرْحُونَ: يُرْجَعُ إِلَى قَوْلِ التَّاجِرِ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ إِلاَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيمَةِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، كَتَقْوِيمِ الْعَرْضِ الْمَسْرُوقِ، هَلْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ النِّصَابَ أَوْ لاَ ؟ فَهَاهُنَا لاَ بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ .
لأِنَّ الْمُقَوِّمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَشْبَاهٍ: شَبَهُ الشَّهَادَةِ؛ لأِنَّهُ إِلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَشَبَهُ الرِّوَايَةِ؛ لأِنَّ الْمُقَوِّمَ مُتَصَدٍّ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لأِنَّ الشَّاهِدَ كَذَلِكَ، وَشَبَهُ الْحَاكِمِ؛ لأَِنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ فِي الْقِيمَةِ. فَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهِ حَدٌّ تَعَيَّنَ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ.
وَقَالَ أَيْضًا: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقَوِّمِ الْوَاحِدِ لأِرْشِ الْجِنَايَاتِ.
وَقَالَ الْخَرَشِيُّ: الْمُقَوِّمُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى تَقْوِيمِهِ قَطْعٌ، أَوْ غُرْمٌ فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّعَدُّدِ وَإِلاَّ فَيَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: وَيُرْجَعُ إِلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِنَ التِّجَارَةِ فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ وَعُيُوبِ الثِّيَابِ .
وَمِثْلُهُ مَا وَرَدَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مِنْ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ وَنَقْصِ الثَّمَنِ إِلَى الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ، وَتَقْوِيمُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ مِنَ التُّجَّارِ وَأَهْلِ الصَّنْعَةِ. لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ التَّقْوِيمَ لاَ يَكُونُ بِالْوَاحِدِ بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى اثْنَيْنِ؛ لأِنَّهُ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّعَدُّدِ .
وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي أَبْوَابِهَا مِنَ الضَّمَانِ، وَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَالشَّهَادَةِ وَالْغَرَرِ وَنَحْوِهَا.
الْخِبْرَةُ فِي مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ الْمُوجِبَةِ لِلْخِيَارِ :
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ قَدِيمٌ لاَ يُمْكِنُ إِزَالَتُهُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ.
وَمَعَ تَفْصِيلِهِمْ وَخِلاَفِهِمْ فِي وَضْعِ ضَابِطٍ لِلْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ، فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ وَقِدَمِهِ قَوْلُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ: (الْعَيْبُ هُوَ مَا يُنْقِصُ ثَمَنَ الْمَبِيعِ عِنْدَ التُّجَّارِ وَأَرْبَابِ الْخِبْرَةِ. وَنُقْصَانُ الثَّمَنِ يَكُونُ مَعْلُومًا بِإِخْبَارِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ). وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ وَالزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ .
وَنَحْوُهُ مَا جَاءَ فِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ مَعَ اخْتِلاَفٍ فِي الْعِبَارَةِ حَيْثُ قَالُوا: الْقَوْلُ فِي نَفْيِ الْعَيْبِ أَوْ نَفْيِ قِدَمِهِ لِلْبَائِعِ إِلاَّ بِشَهَادَةِ الْعَادَةِ أَيْ شَهَادَةِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ لِلْمُشْتَرِي.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْمَعْرِفَةِ مِنَ النَّخَّاسِينَ فِي مَعْرِفَةِ عُيُوبِ الْحَيَوَانَاتِ .
كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَوِ اخْتَلَفَ الطَّرَفَانِ فِي الْمَوْجُودِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ أَوْ لاَ ؟ أَوِ اخْتَلَفَا فِي مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، رُجِعَ فِيهِ لأِهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: هُوَ عَيْبٌ، فَلَهُ الْفَسْخُ، وَإِلاَّ فَلاَ . يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (خِيَارُ الْعَيْبِ).
خِبْرَةُ الطَّبِيبِ وَالْبَيْطَارِ :
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُرْجَعُ إِلَى الأْطِبَّاءِ مِمَّنْ لَهُمْ خِبْرَةٌ فِي مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَفِي مَعْرِفَةِ الشِّجَاجِ وَالْجِرَاحِ وَتَحْدِيدِ أَسْمَائِهَا مِنَ الْمُوضِحَةِ، وَالدَّامِيَةِ، وَالدَّامِغَةِ وَنَحْوِهَا.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى الأْخْذِ بِقَوْلِ الْبَيَاطِرَةِ مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ فِي عُيُوبِ الدَّوَابِّ. وَفِيمَا يَأْتِي بَعْضُ النُّصُوصِ مِنْ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْمَجَالِ:
قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: يُرْجَعُ إِلَى أَهْلِ الطِّبِّ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْجِرَاحِ فِي مَعْرِفَةِ طُولِ الْجُرْحِ، وَعُمْقِهِ، وَعَرْضِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْقِصَاصَ فَيَشُقُّونَ فِي رَأْسِ الْجَانِي أَوْ فِي بَدَنِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَلاَ يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ .
وَجَاءَ فِي الْمُغْنِي: إِذَا اخْتُلِفَ فِي الشَّجَّةِ هَلْ هِيَ مُوضِحَةٌ أَوْ لاَ، أَوْ فِيمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَالْهَاشِمَةِ، وَالْمُنَقِّلَةِ، وَالآْمَّةِ، وَالدَّامِغَةِ، أَوْ أَصْغَرَ مِنْهَا كَالْبَاضِعَةِ، وَالْمُتَلاَحِمَةِ، وَالسِّمْحَاقِ، أَوْ فِي الْجَائِفَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْجِرَاحِ الَّتِي لاَ يَعْرِفُهَا إِلاَّ الأْطِبَّاءُ، أَوِ اخْتَلَفَا فِي دَاءٍ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الأْطِبَّاءُ أَوْ فِي دَاءِ الدَّابَّةِ، يُؤْخَذُ بِقَوْلِ طَبِيبَيْنِ أَوْ بَيْطَارَيْنِ إِذَا وُجِدَا، فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى اثْنَيْنِ أَجْزَأَ وَاحِدٌ؛ لأِنَّهُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ .
وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مَوَاضِعِهَا (ر: شَهَادَةٌ، شِجَاجٌ، خِيَارُ الْعَيْبِ).
عَدَدُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ :
- الأْصْلُ أَنَّ قَوْلَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ إِنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الشَّهَادَةِ يَجِبُ فِيهِ اثْنَانِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، إِلاَّ إِذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى اثْنَيْنِ. وَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الإْخْبَارِ وَالرِّوَايَةِ فَلاَ يَجِبُ فِيهِ التَّعَدُّدُ وَيَكْفِي فِيهِ الْمُخْبِرُ الْوَاحِدُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُسْلِمٍ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فِي الْعُيُوبِ، وَمِنْهُمُ الطَّبِيبُ وَالْبَيْطَارُ، وَالْخَارِصُ، وَالْقَائِفُ، وَالْقَسَّامُ، وَقَائِسُ الشِّجَاجِ وَنَحْوُهُمْ .
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: الْقِيمَةُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَدٌّ كَتَقْوِيمِ الْعَرْضِ الْمَسْرُوقِ، هَلْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ النِّصَابَ أَمْ لاَ ؟ فَهَاهُنَا لاَ بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ. وَقَالَ نَقْلاً عَنِ الْمُدَوَّنَةِ: إِذَا اجْتَمَعَ عَدْلاَنِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهَا ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ .
وَقَالَ: وَيَكْفِي الْوَاحِدُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّؤَالِ، وَفِيمَا كَانَ عِلْمًا يُؤَدِّيهِ.
وَمِثْلُهُ مَا قَالَ فِي قَائِسِ الْجِرَاحِ مِنَ الاِكْتِفَاءِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، لأِنَّهُ لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الشَّهَادَةِ.
وَجَاءَ فِي مَعِينِ الْحُكَّامِ: مَا بَطَنَ مِنَ الْعُيُوبِ فِي حَيَوَانٍ - فَالطَّرِيقُ هُوَ الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِ الْبَصَرِ إِنْ أَخْبَرَ وَاحِدٌ عَدْلاً يَثْبُتُ الْعَيْبُ فِي الْخُصُومَةِ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ الاِكْتِفَاءُ بِقَوْلِ الْقَائِفِ الْوَاحِدِ فِي النَّسَبِ، وَالتَّاجِرِ الْوَاحِدِ فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفَاتِ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونَ.
وَقَالَ الْخَرَشِيُّ: الْقَاسِمُ الْوَاحِدُ يَكْفِي؛ لأِنَّ طَرِيقَهُ عَنْ عِلْمٍ يَخْتَصُّ بِهِ الْقَلِيلُ مِنَ النَّاسِ كَالْقَائِفِ، وَالْمُفْتِي، وَالطَّبِيبِ وَلَوْ كَافِرًا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَجَّهَهُ الْقَاضِي فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ .
وَمِثْلُهُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٌ).
اخْتِلاَفُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ :
- إِذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فِي التَّقْوِيمِ، أَوِ الْخَرْصِ، أَوِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلِلْفُقَهَاءِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ آرَاءٌ تُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهَا، وَفِيمَا يَلِي أَمْثِلَةٌ مِنْهَا:
أ - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ التُّجَّارُ، أَوْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فِي وُجُودِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ عَيْبٌ، وَقَالَ الآْخَرُونَ لاَ، فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ، إِذْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا بَيِّنًا عِنْدَ الْكُلِّ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي اخْتِلاَفِ شُهُودِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي تَعَيُّبِ السِّلْعَةِ وَقِدَمِ الْعَيْبِ فِيهَا رَأْيَانِ: الأْخْذُ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَتَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الْمُبْتَاعِ .
قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ نَقْلاً عَنِ الْمُتَيْطِيَّةِ: إِذَا أَثْبَتَ مُبْتَاعُ الدَّارِ تَشَقُّقَ الْحِيطَانِ، وَتَعَيُّبَهَا، وَأَنَّهَا مُتَهَيِّئَةٌ لِلسُّقُوطِ، وَإِنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ يَحُطُّ مِنْ ثَمَنِهَا كَثِيرًا، وَأَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْ أَمَدِ التَّبَايُعِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَظْهَرُ مِنْ خَارِجِ الدَّارِ لاَ مِنْ دَاخِلِهَا، وَشَهِدَ لِلْبَائِعِ شُهُودٌ أَنَّ الدَّارَ سَالِمَةٌ مِمَّا ادَّعَى الْمُبْتَاعُ، مَأْمُونَةُ السُّقُوطِ لاِعْتِدَالِ حِيطَانِهَا وَسَلاَمَتِهَا مِنَ الْمَيْلِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّهَدُّمِ، وَأَنَّ التَّشَقُّقَ لاَ يَضُرُّهَا مَعَ أَنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَى مَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا، وَثَبَتَ جَمِيعُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ: يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِمَّنْ لَهُ بَصَرٌ بِعُيُوبِ الدُّورِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: بَيِّنَةُ الْمُبْتَاعِ أَوْلَى؛ لأِنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي تُوجِبُ الْحُكْمَ إِذَا قُبِلَتْ أَعْمَلُ مِنَ الَّتِي تَنْفِيهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى الأْخْذِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِيمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ وَقِدَمِهِ. فَلَوْ فُقِدَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَوِ اخْتَلَفُوا، صُدِّقَ الْمُشْتَرِي لِتَحَقُّقِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، وَالشَّكِّ فِي مُسْقِطِ الرَّدِّ.
وَمِثْلُهُ مَا فِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ فِي بَابِ الإْجَارَاتِ .
وَتَفْصِيلُهُ فِي (خِيَارُ الْعَيْبِ).
ب - إِذَا اخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ لِلسَّرِقَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: قِيمَتُهَا ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إِذَا اجْتَمَعَ عَدْلاَنِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهَا ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ، وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ عِيسَى: إِذَا اجْتَمَعَ عَلَى السَّرِقَةِ رَجُلاَنِ، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى مَنْ خَالَفَهُمَا، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلاً عَنْ مَالِكٍ: إِنْ دُعِيَ أَرْبَعَةٌ فَاجْتَمَعَ رَجُلاَنِ عَلَى قِيمَةٍ قَالَ: يَنْظُرُ الْقَاضِي إِلَى أَقْرَبِ التَّقْوِيمِ إِلَى السَّدَادِ، بِأَنْ يَسْأَلَ مَنْ سِوَاهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ السَّدَادُ مِنْ ذَلِكَ.
ج - إِنِ اخْتَلَفَ الْخَارِصُونَ فِي قَدْرِ التَّمْرِ الَّذِي خَرَصُوهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يُعْمَلُ بِتَخْرِيصِ الأْعْرَفِ مِنْهُمْ، وَيُلْغَى تَخْرِيصُ مَا سِوَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَعْرَفُ، فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ جُزْءٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ . (ر: خَرْصٌ).

