loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 53

مذكرة المشروع التمهيدي :

1-تتضمن التشريعات المختلفة أحكاماً ، جد متباينة، بشأن تعيين زمان التعاقد بالمراسلة ومكانه . وقد اختار المشروع مذهب "العلم بالقبول" ، ولم يجعل من الرد بالقبول سوى قرينة بسيطة على حصول العلم به .

وبديهي أن هذا الحكم لا يسرى حيث تنصرف نية المتعاقدين إلى مخالفته صراحة أو ضمناً ، أو حيث يقضى القانون بالعدول عنه إلى حكم آخر ، كما هي الحال بالنسبة للسكوت أو التنفيذ الاختياري اللذين ينزلها القانون منزلة القبول  ولعل مذهب "العلم" هو أقرب المذاهب إلى رعاية مصلحة الموجب ذلك أن الموجب هو الذي يبتدىء التعاقد ، فهو الذي يحدد مضمونه ويعين شروطه فمن الطبيعي والحال هذه ، أن يتولى تحديد زمان التعاقد ومكانه ومن العدل، إذا لم يفعل ، أن تكون الإرادة المفروضة مطابقة لمصلحته عند عدم الاتفاق على ما يخالف ذلك . وبعد فمذهب "العلم" ، هو الذي يستقيم دون غيره مع المبدأ القاضي بأن التعبير عن الإرادة لا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى من وجه إليه على نحو يتوفر معه إمكان العلم بمضمونه ( أنظر الفقرة الأولى من المادة 125 من المشروع) و مؤدى ذلك أن القبول بوصفه تعبيراً عن الإرادة لا يصبح نهائياً، إلا في الوقت الذي يستطيع فيه الموجب أن يعلم به ، ولا يعتبر التعاقد تاماً إلا في هذا الوقت .

2 - ولم يستقر القضاء المصرى على رأي معين في هذا الصدد . فقد اختارت محكمة الاستئناف الأهلية مذهب العلم ، وبوجه خاص في المسائل المدنية (26 مارس سنة 1912 مج 13 ص 184 رقم 90) . أما محكمة الاستئناف المختلطة فقضاؤها موزع بين مذهب العلم ( 20 ینایر سنة 1896 ب 8 ص 101 و 9 فبراير سنة 1922 ب 34 ص 157 ، و 4 إبريل سنة 1923 ب 45 ص 226 ) . وبين مذهب "الإعلان" (13  يناير سنة 1926 ب 38 ص 179  و 9 فبراير سنة 1927 به 39 ص 227) . وليس ثمة شك في أن هذا المذهب الأخير هو أنسب المذاهب في المسائل التجارية على أن مذهب "الاصدار" ، قد رددت صداه بعض أحكام القضاء المختلط والقضاء الأهلى ( استئناف مختلط 6 مايو سنة 1925 ب 37 ص 401 . ودمياط 21 أبريل سنة 1915 الشرائع 2 ص 271) . ولم تتح لمحكمة النقض ، حتى اليوم، فرصة للفصل في هذه المسألة وغني عن البيان أن النص الذي اختاره المشروع يقضي على هذا الخلاف بأسره.

المشروع في لجنة المراجعة

 تليت المادة 129 من المشروع، فوافقت اللجنة عليها هي.

ثم قدمت بعد استبدال عبارة ( ويفترض ) بعبارة (ويكون مفروضاً ) في صدر الفقرة الثانية .

وأصبح رقم المادة 99 في المشروع النهائي

المشروع في مجلس النواب .

وافق المجلس على المادة دون تعديل ، تحت رقم 99 .

المشروع في مجلس الشيوخ .

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة الثالثة

تليت المادة 99 التي تبين كيفية إتمام العقد بين الغائبين .

فقال سعادة العشاري باشا إنه يوافق على المادة مع إضافة عبارة ، هذا القبول في آخر الفقرة الثانية منها رفعاً للبس في عودة الضمير .

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على المادة مع التعديل بالاضافة وأصبح رقمها 97.

مناقشات المجلس

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة. 

الأحكام

1 ـ لقاضى الموضوع فى حالة صدور الإيجاب لغائب دون تحديد صريح لميعاد للقبول أن يستخلص من ظروف الحال و طبيعة المعاملة و قصد الموجب الميعاد الذى إلتزم البقاء فيه على إيجابه ، و القاضى فيما يستخلصه من ذلك كله و فى تقديره للوقت الذى يعتبر مناسبا لإبلاغ القبول لا يخضع لرقابة محكمة النقض متى كان قد بين فى حكمة الأسباب المبررة لوجهة النظر التى انتهى إليها ، و المحكمة و هى بسبيل استخلاص الميعاد الذى قصد الموجب الالتزام فيه بايجابه لها أن تتحرى هذا القصد من كل ما يكشف عنه ، و لا تثريب عليها إذا استظهرته من أفعال تكون قد صدرت من الموجب بعد تاريخ الإيجاب و كشفت عن قصده هذا ، كما أنه لا على المحكمة فى حالة صدور الإيجاب من شركاء متعددين عن صفقة واحدة أن تستدل على قصدهم المتحد بأمور تكون قد صدرت من أحدهم كاشفة لهذا القصد.

(الطعن رقم 187 لسنة 29 جلسة 1964/07/02 س 15 ع 2 ص 895 ق 139)

2 ـ متى كان الحكم المطعون فيه قد قضى بصحة عقد البيع تأسيساً على أنه قد توافرت له أركان إنعقاده بدفع مورث المطعون ضدها - المشترى - الثمن كاملاً إلى الطاعنة - البائعة - و تسلم العقد الموقع عليه منها ، و تمسك المطعون ضدها - الوارثة للمشترى - بهذا العقد فى مواجهة البائعة ، و إقامتها عليها الدعوى بصحته و نفاذه مما مؤداه أن الحكم إعتبر ذلك قبولاً من المشترى للبيع ، يغنى عن توقيعه على العقد فإن هذا من الحكم يكون لا خطأ فيه و لا قصور .

(الطعن رقم 239 لسنة 38 جلسة 1973/12/18 س 24 ع 3 ص 1287 ق 223)

شرح خبراء القانون

التعاقد بين الغائبين :

أوضحنا في النصوص المتقدمة كيفية تكوين العقد، ونتناول الآن تحديد المكان والزمان اللذين يتم فيهما العقد، وقد أخذ القانون صراحة بنظرية العلم بالقبول، فاعتبر أن العقد يتم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول، وهذا يفترض أن المتعاقدين لم يجمعهما مجلس العقد على نحو ما أوضحناه بالمادة 94 وإنما يصدر القبول من الموجب له وهو بمكان يختلف عن المكان الذي به الموجب، فمتى علم الأخير بهذا القبول تم العقد في المكان الذي به الموجب، وقت علمه بالقبول وفي نفس هذا الوقت، ويقع على الموجب له عبء إثبات تحقق هذا العلم وله ذلك بكافة طرق الإثبات القانونية بما في ذلك البينة والقرائن لأنه يثبت واقعة مادية وهي العلم، وان كان يحسن أن يخطر الموجب له الموجب بقبوله بإنذار على يد محضر.

فإن أعلن الانذار لموطن الموجب ولغير شخصه أو أرسل خطاباً بالقبول كان ذلك قرينة قانونية بسيطة على علم الموجب بالقبول، ومن ثم جاز للموجب رغم وصول القبول إليه أن ينفي تلك القرينة بإثبات عدم علمه بالقبول، وحينئذ لا يتم العقد إذا كان قد عدل عن إيجابه في الحالة التي يكون فيها الإيجاب غير ملزم . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/الثاني، الصفحة/ 398)

المقصود بالتعاقد ما بين الغائبين، التعاقد الذي يتم بين طرفين لا يجمعهما مجلس واحد، وذلك بطريق من طرق المراسلة المختلفة، خطاب أو برقية أو رسول أو غير ذلك  .

وليس في قواعد القانون ما يمنع من أن ينعقد العقد بين غائبين، فيرسل الموجب إيجابه في خطاب أو في رسالة أو برقية أو على يد رسول ويرسل القابل قبوله بإحدى هذه الطرق. بل إن إمكان الانعقاد على هذه الصورة نتيجة من نتائج مبدأ الرضائية الذي حرر الإرادة من القيود والأشكال.

المهم هو وجود إرادتين متطابقتين. أما الأشكال فلا يعتد بها. وحتى في الأحوال التي يتطلب فيها القانون أشكالاً معينة لانعقاد بعض العقود كالهبة والرهن الرسمي فليس ما يمنع من انعقاد هذه العقود بين غائبين مع مراعاة الأشكال المطلوبة، طالما أن القانون يسلم بنظرية النيابة فينعقد التوكيل (بالهبة مثلاً) في الشكل المطلوب ويتم العقد (عقد الهبة) بعد ذلك بين الوكيل والطرف الآخر (الموهوب له).

 - تحديد المكان والزمان الذي يتم فيهما التعاقد :

يرجع تحديد المكان والزمان الذي يتم فيه التعاقد بين غائبين إلى إرادة المتعاقدين.

فإذا كان هناك اتفاق يتناول هذه المسألة وجب الأخذ به. وفي هذه الحالة يصبح ذلك التعيين مسألة موضوعية والتي لا رقابة فيها المحكمة النقض.

أما إذا لم يتفق المتعاقدان على شيء ولم يوجد نص قانوني خاص. فيعتبر العقد قد تم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول.

وقد أخذ التقنين المدني الجديد في هذا الأمر بمذهب العلم بالقبول، والذي تستند إليه أيضاً القاعدة العامة التي وضعها الشارع لتعيين الوقت الذي ينتج فيه التعبير عن  الإرادة أثره ، إذ تنص المادة 91 مدنی- كما رأينا في خصوص هذه القاعدة على أنه: - ينتج تعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك". ومن ثم فإن القبول لا ينتج أثره، وهو تمام العقد، إلا إذا وصل إلى علم الموجب، وقد سبق أن فصلنا حكم هذا النص.

ولعل مذهب العلم هو أقرب  المذاهب إلى رعاية مصلحة الموجب ذلك أن الموجب هو الذي يبتدئ التعاقد فهو الذي يحدد مضمونه ويعين شروطه. فمن الطبيعي والحال هذه، أن يتولى تحديد زمان التعاقد ومكانه. ومن العدل، إذا لم يفعل، أن تكون الإرادة المفروضة مطابقة لمصلحته عند عدم الاتفاق على ما يخالف ذلك وبعد فمذهب "العلم" هو الذي يستقيم دون غيره مع المبدأ القاضي بأن التعبير عن الإرادة لا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى من وجه إليه على نحو يتوفر معه إمكان العلم بمضمونه (أنظر الفقرة الأولى من المادة 125 من المشروع) ومؤدى ذلك أن القبول بوصفه تعبيراً عن الإرادة لا يصبح نهائياً، إلا في الوقت الذي يستطيع فيه الموجب أن يعلم به، ولا يعتبر التعاقد تاما إلا في هذا الوقت .

2- ولم يستقر القضاء المصرى على رأي معين في هذا الصدد. فقد اختارت محكمة الاستئناف الأهلية مذهب العلم، وبوجه خاص في المسائل المدنية (26 مارس سنة 1912 مج 13 ص 184 رقم 90).

أما محكمة الاستئناف المختلطة فقضاؤها موزع بين مذهب العلم (30 يناير سنة 1869 ب 8 ص 101 و 9 فبراير سنة 1922 ب 34 ص 157 و 4 إبريل سنة 1933 ب 45 ص 226). وبين مذهب "الإعلان" ( 13 يناير سنة 1926 ب ص 179 و 9 فبراير سنة 1927 ب 39 ص 227).

وليس ثمة شك في أن هذا المذهب الأخير هو أنسب المذاهب في المسائل التجارية. على أن مذهب "الإصدار" قد رددت صداه بعض أحكام القضاء المختلط والقضاء الأهلي (استئناف مختلط 6 مايو سنة 1925 ب 37 ص 401 ودمياط 21 إبريل سنة 1915 الشرائع 2 ص 271). ولم تتح لمحكمة النقض، حتى اليوم، فرصة للفصل في هذه المسألة. وغني عن البيان أن النص الذي اختاره المشروع يقضي على هذا الخلاف بأسره".

التعاقد بطريق التليفون:

يعتبر التعاقد بالتليفون، أو بأية طريقة أخرى مماثلة كالانترنت، تعاقدوا فيما بين حاضرين من حيث زمان انعقاد العقد، إذ بمجرد أن يصدر القبول يتم العلم به – ويأخذ حكمه وإلى ذلك تشير الفقرة الأولى من المادة 94 بقولها "وكذلك الحال إذا صدر الإيجاب من شخص إلى آخر بطريق التليفون أو بأي طريق مماثل".

أما من حيث المكان في التعاقد بالتليفون أو بما يشابهه يعتبر التعاقد بين غائبين، لاختلاف مكان كل من الطرفين عن مكان الآخر، ويأخذ حكمه، وذلك لاختلاف مكان كل من الطرفين عن مكان الآخر. ومن ثم يعتبر العقد قد تم في مكان الموجب إذ فيه يحصل العلم بالقبول، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك. وقد اشتمل المشروع التمهيدي على نص يجرى بهذا المعنى، هو المادة 140 منه التي تقول إنه يعتبر تعاقد بالتليفون أو بأي طريقة مماثلة كأنه تم بين حاضرين فيما يتعلق الزمان، وبين غائبين فيما يتعلق بالمكان ". ولكن حذفت هذه المادة لوضوح  حكمها .

تنص الفقرة الثانية من المادة  على أن: "ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان وفي الزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول فهذه الفقرة جعلت من وصول القبول إلى الموجب قرينة قانونية على علمه به، وهذه القرينة يجوز نقضها بالدليل العكسي، كأن يثبت الموجب أنه لم يعلم بالقبول رغم وصوله بسبب الغياب أو المرض.

تبدو أهمية تحديد زمان انعقاد العقد في المسائل الآتية:

1- تعيين الوقت الذي يبدأ فيه تنفيذ الالتزام.

2- تحديد مدة التقادم، إذ الالتزام لا يبدأ تقادمه إلا من الوقت الذي يصبح فيه الدين موجوداً مستحق الأداء، فإذا كان الالتزام غير مضاف إلى أجل أو غير معلق علي شرط موقف فإن تقادمه يبدأ من وقت انعقاد العقد.

3- تحديد الدين الذي يستطيع صاحبه أن يطعن في تصرف مدینه المعسر  بالدعوى البوليصية. إذ لا يستطيع الدائن الطعن في العقد الصادر من مدينة إلا إذا كان دينه سابقاً على هذا العقد.

4- النسبة إلى العقود التي صدرت من تاجر شهر إفلاسه، فهي تنفذ في حق الدائنين أولا تنفذ بحسب الفترة التي أبرمت خلالها .

أهمية تحديد مكان انعقاد العقد:

1- تعيين الاختصاص ذلك أنه في المواد التجارية يكون الاختصاص لمحكمة المدعى عليه أو للمحكمة التي تم الاتفاق ونفذ كله أو بعضه في دائرتها أو للمحكمة التي يجب تنفيذ الاتفاق في دائرتها (م 55 مرافعات).

وفي المنازعات المتعلقة بالتوريدات والمقاولات وأجرة المساكن وأجور العمال والصناع والإجراء يكون الاختصاص لمحكمة موطن المدعى عليه أو للمحكمة التي تم الاتفاق أو نفذ في دائرتها متى كان فيها موطن المدعي.

2-  في تطبيق قواعد القانون الدولي الخاص. 

 ذلك أن القاعدة في حالة عدم وجود اتفاق خاص بالنسبة إلى العقود التي يدخل فيها عنصر أجنبي. فإنها تخضع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه. ويجوز أيضاً أن تخضع للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية، كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطني المشترك (202 مدنی) كما يسري على الالتزامات التعاقدية عند اختلاف موطن المتعاقدين قانون الدولة التي تم فيها العقد (م 19/ 1 مدني ) . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/ 62)

ويتبين من هذا النص أن القانون الجديد ترك تعيين المكان والزمان اللذين يتم فيهما العقد فيما بين الغائبين إلى اتفاق المتعاقدين . وتحديد ما إذا كان المتعاقدان قد اتفقا على شيء في هذا الصدد وما هو الشيء الذي اتفقا عليه يعتبر من المسائل الموضوعية ، فلا رقابة فيه لمحكمة النقض .

أما إذا لم يتفق المتعاقدان على شيء ولم يوجد نص قانوني خاص، فيعتبر العقد قد تم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول وهذا هو مذهب العلم بالقبول أخذ به القانون الجديد في صراحة ووضوح . وهو في هذا لم يزد على أن طبق المبدأ الأساسي الذي سبقت الإشارة إليه من أن الإرادة لا تنتج أثرها إلا في الوقت الذي تتصل فيه بعلم من وجهت إليه، أي بعلم الموجب ومن أجل ذلك يجب تفسير الفقرة الثانية من المادة 97 على أن الحكم الذي أوردته ليس إلا تطبيقاً لهذا المبدأ . فيكون وصول القبول قرينة على العلم به . وهي قرينة قانونية لأنها وردت في نص قانوني، ولكنها قرينة غير قاطعة ، فيجوز إثبات العكس . وإذا كان النص لم يصرح بجواز إثبات العكس ، فإن هذا فمهوم من الرجوع إلى المبدأ الأساسي الذي ورد في العبارة الأخيرة من المادة 91 ، وهي تقضي بأن وصول التعبير عن الإرادة يعتبر " قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك " – وقد رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 97 ليست إلا تطبيقا لهذا المبدأ الأساسي ، فينبغي أن تفسر على مقتضاه .

وقد تقضى النصوص القانونية في حالات خاصة ، كما قدمنا ، بتعيين المكان والزمان اللذين يتم فيها العقد على غير الوجه المتقدم، فتتبع هذه النصوص، مثل ذلك ما ورد في المادة 599 من تجديد الإيجار تجداً ضمنياً ببقاء المستأجر في العين المؤجرة بعد انتهاء الإيجار بعلم المؤجر ودون اعتراض منه ، فيتم التجديد ببقاء المستأجر في العين دون حاجة أن يعلم بأن المؤجر لا يعترض على هذا البقاء.

ويتبين من هذا النص أن القانون الجديد ترك تعيين المكان والزمان اللذين يتم فيهما العقد فيما بين الغائبين إلى اتفاق المتعاقدين. وتحديد ما إذا كان المتعاقدان قد اتفقا على شيء في هذا الصدد وما هو الشيء الذي اتفقا عليه يعتبر من المسائل الموضوعية ، فلا رقابة فيه لمحكمة النقض.

أما إذا لم يتفق المتعاقدان على شيء ولم يوجد نص قانوني خاص، فيعتبر العقد قد تم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول وهذا هو مذهب العلم بالقبول أخذ به القانون الجديد في صراحة ووضوح وهو في هذا لم يزد على أن طبق المبدأ الأساسي الذي سبقت الإشارة إليه من أن الإرادة لا تنتج أثرها إلا في الوقت الذي تتصل فيه بعلم من وجهت إليه ، أي بعلم الموجب . ومن أجل ذلك يجب تفسير الفقرة الثانية من المادة 97 على أن الحكم الذي أوردته ليس إلا تطبيقاً لهذا المبدأ . فيكون وصول القبول قرينة على العلم به . وهي قرينة قانونية لأنها وردت في نص قانوني، ولكنها قرينة غير قاطعة ، فيجوز إثبات العكس . وإذا كان النص لم يصرح بجواز إثبات العكس ، فإن هذا فمهوم من الرجوع إلى المبدأ الأساسي الذي ورد في العبارة الأخيرة من المادة 91 ، وهي تقضي بأن وصول التعبير عن الإرادة يعتبر " قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك " – وقد رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 97 ليست إلا تطبيقا لهذا المبدأ الأساسي ، فينبغي أن تفسر على مقتضاه.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول  الصفحة/ 317)

ويؤخذ من ذلك أن المشرع يعتبر أن العقد يتم في الزمان الذي اتفق الطرفان على أن يتم فيه، أي أنه يجب على القاضي أن يتحرى في ذلك : اولاً وقبل كل شيء حقيقة قصد الطرفين في هذا الشأن . ومن المسلم أن استقصاء قصد الطرفين في أي شأن يعتبر مسألة موضوعية يفصل فيها القاضي دون معقب عليه، فإذا لم يجد القاضي للعاقدين قصداً واضحاً في هذا الشأن . بحث عن نص قانوني خاص بالعقد موضوع النزاع وطبقة عليهما، فإن لم يجد نصاً خاصاً طبق القاعدة العامة التي تقضي بأن يتم العقد في الزمان الذي يعلم فيه الموجب بالقبول، إلا في الحالات التي تحتمل أن يكون القبول فيها قبولاً ضمنياً أو من طريق تنفيذ العقد، وافترض في الموجب علمه بمجرد وصول القبول إليه إلا إذا أثبت أنه لم يعلم بالقبول وقت، وصوله لسبب يبرر ذلك .

ويتفرع على ذلك أن العقد لا يتم أذا سحب الموجب إيجابه قبل أن يصل القبول إلى علمه، أو على الأقل قبل أن يصل القبول الى موطنه . 

ولكن يلاحظ أن السحب ذاته لا ينتج أثره إلا بوصوله إلى علم من وجه إليه، فيتوقف إذن انعقاد العقد أو عدمه على معرفة أسبقية وصول كل من سحب الإيجاب والقبول إلى من وجهة إليه، فإذا وصل سحب الإيجاب إلى من وجه إليه قبل أن يصل قبول الأخير الى الموجب امتنع انعقاد العقد ، وأن وصل القبول إلى الموجب قبل أن يصل سحب الإيجاب إلى القابل كان السحب متأخراً ولم يمنع من انعقاد العقد وقت وصول القبول إلى الموجب. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/  الثاني الصفحة/ 200)

يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان و الزمان اللذين يعلم فيها الموجب بالقبول ما لم يوجد إتفاق أو نص يقضي بغير ذلك، ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان وفي الزمان الذين وصل إليه فيهما هذا القبول .

وبديهي أن هذا الحكم لا يسرى حيث تتصرف نية المتعاقدين الى مخالفته صراحة أو ضمناً أو حيث يقضى القانون بالعدول عنه إلى حكم آخر كما هي الحال بالنسبة للسكوت أو التنفيذ الاختياري اللذين ينزلهما القانون منزلة القبول ".

المادة 97 من القانون المدني ، المادتان 26 ، 31 من قانون نظام الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 . (التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2014، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء/ الأول صفحة 382 )

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثلاثون  ، الصفحة /  200

ب - الْعَقْدُ بالْكتَابَة أَو الرّسَالَة.

13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ في الْجُمْلَة عَلَى صحَّة الْعُقُود وَانْعقَادهَا بالْكتَابَة وَإرْسَال رَسُولٍ إذَا تَمَّ الإْيجَابُ وَالْقَبُولُ بهمَا، وَهَذَا في غَيْر عَقْد النّكَاح.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا في بَعْض الْعُقُود وَفَصَّلُوا في بَعْض الشُّرُوط. قَالَ الْمَرْغينَانيُّ: الْكتَابُ كَالْخطَاب، وَكَذَا الإْرْسَالُ، حَتَّى اعْتُبرَ مَجْلسُ بُلُوغ الْكتَاب وَأَدَاء الرّسَالَة. وَقَالَ الدُّسُوقيُّ في بَاب الْبَيْع: يَصحُّ بقَوْلٍ منَ الْجَانبَيْن أَوْ كتَابَةٍ منْهُمَا، أَوْ قَوْلٍ منْ أَحَدهمَا وَكتَابَةٍ منَ الآْخَر.

أَمَّا عَقْدُ النّكَاح فَلاَ يَنْعَقدُ بالْكتَابَة عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء: الْمَالكيَّة وَالشَّافعيَّة وَالْحَنَابلَة، سَوَاءٌ أَكَانَ الْعَاقدَان حَاضرَيْن أَمْ غَائبَيْن، قَالَ الدَّرْديرُ: وَلاَ تَكْفي في النّكَاح الإْشَارَةُ وَلاَ الْكتَابَةُ إلاَّ لضَرُورَة خَرَسٍ.

وَقَالَ في مَوْضعٍ آخَرَ: وَفُسخَ مُطْلَقًا قَبْلَ الدُّخُول وَبَعْدَهُ وَإنْ طَالَ، كَمَا لَو اخْتَلَّ شَرْطٌ 

منْ شُرُوط الْوَليّ أَو الزَّوْجَيْن أَوْ أَحَدهمَا، أَو اخْتَلَّ رُكْنٌ، كَمَا لَوْ زَوَّجَت الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بلاَ وَليٍّ أَوْ لَمْ تَقَع الصّيغَةُ بقَوْلٍ، بَلْ بكتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ أَوْ بقَوْلٍ غَيْر مُعْتَبَرٍ شَرْعًا.

وَقَالَ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ: وَلاَ يَنْعَقدُ بكتَابَةٍ في غَيْبَةٍ أَوْ حُضُورٍ؛ لأنَّ هَا كنَايَةٌ، فَلَوْ قَالَ لغَائبٍ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتي، أَوْ قَالَ: زَوَّجْتُهَا منْ فُلاَنٍ، ثُمَّ كَتَبَ فَبَلَغَهُ الْكتَابُ فَقَالَ: قَبلْتُ، لَمْ يَصحَّ.

وَقَالَ الْبُهُوتيُّ منَ الْحَنَابلَة: لاَ يَصحُّ النّكَاحُ منَ الْقَادر عَلَى النُّطْق بإشَارَةٍ وَلاَ كتَابَةٍ للاسْتغْنَاء عَنْهَا.

وَفَصَّلَ الْحَنَفيَّةُ في جَوَاز عَقْد النّكَاح بالْكتَابَة فَقَالُوا: لاَ يَنْعَقدُ بكتَابَة حَاضرٍ، فَلَوْ كَتَبَ: تَزَوَّجْتُك، فَكَتَبَتْ: قَبلْتُ، لَمْ يَنْعَقدْ، وَكَذَلكَ إذَا قَالَتْ: قَبلْتُ، أَمَّا كتَابَةُ غَائبٍ عَن الْمَجْلس فَيَنْعَقدُ بهَا النّكَاحُ بشُرُوطٍ وَكَيْفيَّةٍ خَاصَّةٍ نَقَلَهَا ابْنُ عَابدينَ عَن الْفَتْح فَقَالَ: يَنْعَقدُ النّكَاحُ بالْكتَابَة كَمَا يَنْعَقدُ بالْخطَاب، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهَا يَخْطُبَهَا، فَإذَا بَلَغَهَا الْكتَابُ أَحْضَرَت الشُّهُودَ وَقَرَأَتْهُ عَلَيْهمْ، وَقَالَتْ: زَوَّجْتُ نَفْسي منْهُ، أَوْ تَقُولُ: إنَّ فُلاَنًا كَتَبَ إلَيَّ يَخْطبُني فَاشْهَدُوا أَنّي زَوَّجْتُ نَفْسي منْهُ، أَمَّا لَوْ لَمْ تَقُلْ بحَضْرَتهمْ سوَى: زَوَّجْتُ نَفْسي منْ فُلاَنٍ، لاَ يَنْعَقدُ؛ لأنَّ  سَمَاعَ الشَّطْرَيْن شَرْطُ صحَّة النّكَاح، وَبإسْمَاعهمُ الْكتَابَ أَو التَّعْبيرَ عَنْهُ منْهَا يَكُونُونَ قَدْ سَمعُوا الشَّطْرَيْن، بخلاَف مَا إذَا انْتَفَيَا، وَنَقَلَ ابْنُ عَابدينَ عَن الْكَامل: هَذَا الْخلاَفَ إذَا كَانَ الْكتَابُ بلَفْظ التَّزَوُّج، أَمَّا إذَا كَانَ بلَفْظ الأْمْر، كَقَوْله: زَوّجي نَفْسَك منّي، لاَ يُشْتَرَطُ إعْلاَمُهَا الشُّهُودَ بمَا في الْكتَاب؛ لأنَّ هَا تَتَوَلَّى طَرَفَي الْعَقْد بحُكْم الْوَكَالَة.

14 - وَيُشْتَرَطُ في انْعقَاد الْعَقْد بالْكتَابَة - عُمُومًا - أَنْ تَكُونَ مُسْتَبينَةً؛ أَيْ تَبْقَى صُورَتُهَا بَعْدَ الانْتهَاء منْهَا، كَالْكتَابَة عَلَى الصَّحيفَة أَو الْوَرَق، وَأَنْ تَكُونَ مَرْسُومَةً بالطَّريقَة الْمُعْتَادَة بحَسَب الْعُرْف فَتُقْرَأُ وَتُفْهَمُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَبينَةٍ كَالْكتَابَة عَلَى الْمَاء أَو الْهَوَاء، أَوْ غَيْرَ مَرْسُومَةٍ بالطَّريقَة الْمُعْتَادَة فَلاَ يَنْعَقدُ بهَا أَيُّ عَقْدٍ.

وَوَجْهُ انْعقَاد الْعُقُود بالْكتَابَة هُوَ أَنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللّسَانَيْن كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ بَلْ رُبَّمَا تَكُونُ هيَ أَقْوَى منَ الأْلْفَاظ، وَلذَلكَ حَثَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمنينَ عَلَى تَوْثيق دُيُونهمْ بالْكتَابَة حَيْثُ قَالَ: ( يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) إلَى قَوْله سُبْحَانَهُ: ( ذَلكُمْ أَقْسَطُ عنْدَ اللَّه وَأَقْوَمُ للشَّهَادَة وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إلاَّ أَنْ تَكُونَ تجَارَةً حَاضرَةً تُديرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا).

علْمُ الْمُوجب بالْقَبُول :

25 - صَرَّحَ أَكْثَرُ الْحَنَفيَّة بأَنَّ سَمَاعَ كُلٍّ منَ الْعَاقدَيْن كَلاَمَ الآْخَر شَرْطٌ لانْعقَاد الْعَقْد، وَهَذَا يَعْني اشْترَاطَ علْم الْمُوجب بقَبُول الْقَابل في حَالَة التَّعَاقُد بَيْنَ الْحَاضرَيْن.

وَفي الْفَتَاوَى الْهنْديَّة: سَمَاعُ الْمُتَعَاقدَيْن كَلاَمَهُمَا شَرْطُ انْعقَاد الْبَيْع بالإْجْمَاع.

أَمَّا الشَّافعيَّةُ فَيَشْتَرطُونَ سَمَاعَ مَنْ يَقْرَبُ منَ الْعَاقد لاَ سَمَاعَ نَفْس الْعَاقد، قَالَ الأْنْصَاريُّ في شَرْح الْمَنْهَج: وَأَنْ يَتَلَفَّظَ بحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ بقُرْبه وَإنْ لَمْ يَسْمَعْهُ صَاحبُهُ.

وَهَذَا فيمَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَ حَاضرَيْن، بخلاَف مَا إذَا أَوْجَبَ لغَائبٍ؛ لأنَّ  الإْيجَابَ للْغَائب لَفْظًا كَالإْيجَاب لَهُ كتَابَةً، وَسَيَأْتي تَفْصيلُ الْعَقْد بَيْنَ الْغَائبَيْن.

2 - مَجْلسُ الْعَقْد في حَالَة غيَاب الْعَاقدَيْن :

26 - لَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَقْدَ كَمَا يَصحُّ انْعقَادُهُ بَيْنَ الْحَاضرَيْن بالإْيجَاب وَالْقَبُول بالْعبَارَة كَذَلكَ يَصحُّ بَيْنَ الْغَائبَيْن بالْكتَابَة أَوْ إرْسَال رَسُولٍ أَوْ نَحْوهمَا، فَإذَا كَتَبَ شَخْصٌ لآخَرَ مَثَلاً: بعْتُك دَاريَ بكَذَا، فَوَصَلَ الْكتَابُ لَهُ فَقَبلَ انْعَقَدَ الْعَقْدُ.

وَالظَّاهرُ منْ نُصُوص الْفُقَهَاء: أَنَّ مَجْلسَ الْعَقْد حَالَةَ غيَاب الْعَاقدَيْن هُوَ مَجْلسُ قَبُول مَنْ وُجّهَ لَهُ الْكتَابُ، أَوْ أُرْسلَ إلَيْه الرَّسُولُ.

قَالَ الْمَرْغينَانيُّ: وَالْكتَابُ كَالْخطَاب، وَكَذَا الإْرْسَالُ، حَتَّى اعْتُبرَ مَجْلسُ بُلُوغ الْكتَاب وَأَدَاء الرّسَالَة 

وَقَالَ الرَّمْليُّ منَ الشَّافعيَّة: لَوْ بَاعَ منْ غَائبٍ، كَبعْتُ دَاريَ منْ فُلاَنٍ وَهُوَ غَائبٌ، فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ قَالَ: قَبلْت انْعَقَدَ الْبَيْعُ، كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ.

وَقَالَ الْبُهُوتيُّ: وَإنْ كَانَ الْمُشْتَري غَائبًا عَن الْمَجْلس، فَكَاتَبَهُ الْبَائعُ أَوْ رَاسَلَهُ: إنّي بعْتُك دَاريَ بكَذَا، فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ قَبلَ الْبَيْعَ صَحَّ الْعَقْدُ.

وَحَيْثُ إنَّ مَجْلسَ الْعَقْد في حَالَة التَّعَاقُد بَيْنَ الْغَائبَيْن هُوَ مَجْلسُ الْقَبُول كَمَا قُلْنَا، فَالْمُعْتَبَرُ في اتّصَال الْقَبُول بالإْيجَاب هُوَ هَذَا الْمَجْلسُ، فَإذَا وَصَلَ الإْيجَابُ إلَى الْمُخَاطَب، فَكَأَنَّ الْمُوجبَ حَضَرَ بنَفْسه وَأَوْجَبَ الْعَقْدَ، فَإذَا قَبلَهُ الْمُخَاطَبُ في مَجْلسه دُونَ إعْرَاضٍ انْعَقَدَ الْعَقْدُ، وَإذَا انْفَضَّ الْمَجْلسُ أَوْ صَدَرَ ممَّنْ وُجّهَ لَهُ الإْيجَابُ مَا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضه عَن الْقَبُول عُرْفًا لاَ يَنْعَقدُ، وَالْمُعْتَبَرُ في التَّرَاخي هُوَ مَا بَيْنَ وُصُول الإْيجَاب وَصُدُور الْقَبُول في هَذَا الْمَجْلس.

وَلاَ يُشْتَرَطُ في حَالَة انْعقَاد الْعَقْد بَيْنَ الْغَائبَيْن علْمُ الْمُوجب بقَبُول الْقَابل، فَعبَارَاتُ الْفُقَهَاء صَريحَةٌ بأَنَّ الْعَقْدَ يَحْصُلُ بمُجَرَّد قَبُول الْقَابل في الْمَجْلس .

عُقُودٌ لاَ يُشْتَرَطُ فيهَا اتّحَادُ الْمَجْلس :

27 - طَبيعَةُ بَعْض الْعُقُود تَقْتَضي أَنْ لاَ يُشْتَرَطَ فيهَا اتّحَادُ الْمَجْلس في الإْيجَاب وَالْقَبُول، بَلْ إنَّ بَعْضَ هَذه الْعُقُود لاَ يَصحُّ فيه الْقَبُولُ في الْمَجْلس، وَمنْ هَذه الْعُقُود:

أ - عَقْدُ الْوَصيَّة، فَإنَّهَا تَمْليكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْت، فَيَصْدُرُ الإْيجَابُ فيهَا حَالَ حَيَاة الْمُوصي، لَكنْ لاَ يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ منَ الْمُوصَى لَهُ إلاَّ بَعْدَ وَفَاة الْمُوصي، فَإذَا قَبلَهَا الْمُوصَى لَهُ في مَجْلس الإْيجَاب أَوْ بَعْدَهُ في حَيَاة الْمُوصي لاَ تَنْعَقدُ به الْوَصيَّةُ. ر: (وَصيَّة) .

ب - عَقْدُ الْوصَايَة : (الإْيصَاءُ) فَهيَ إقَامَةُ شَخْصٍ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسه بَعْدَ وَفَاته في التَّصَرُّف أَوْ في تَدْبير شُئُون أَوْلاَده الصّغَار، فَلاَ يُشْتَرَطُ فيهَا أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ في مَجْلس الإْيجَاب، بَلْ يَمْتَدُّ زَمَنُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْت، فَالْوصَايَةُ خلاَفَةٌ تَظْهَرُ آثَارُهَا بَعْدَ وَفَاة الْمُوصي.

ج - عَقْدُ الْوَكَالَة، فَإنَّهَا وَإنْ كَانَتْ إقَامَةَ الشَّخْص الْغَيْرَ مَقَامَ نَفْسه في تَصَرُّفٍ منَ التَّصَرُّفَات في الْحَيَاة، لَكنَّهَا مَبْنيَّةٌ عَلَى التَّيْسير، فَإذَا قَبلَهَا الْوَكيلُ في غَيْر مَجْلس الإْيجَاب صَحَّت الْوَكَالَةُ، وَلاَ يَتَضَرَّرُ بذَلكَ الْوَكيلُ بسَبَب غيَابه؛ لأنَّ  لَهُ الرَّدَّ في أَيّ وَقْتٍ شَاءَ، حَيْثُ إنَّ الْوَكَالَةَ منَ الْعُقُود غَيْر اللاَّزمَة. ر: (وَكَالَة) .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاثون  ، الصفحة / 350

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُرْسَلِ مِنْ أَحْكَامٍ :

أَوَّلاً: الْمُرْسَلُ مُرَادًا بِهِ الرَّسُولُ:

يَتَعَلَّقُ بِالْمُرْسَلِ بِهَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ الأْحْكَامِ، وَمِنْ ذَلِكَ:

أ - انْعِقَادُ التَّصَرُّفَاتِ :

3 - لَوْ أَرْسَلَ شَخْصٌ رَسُولاً إِلَى رَجُلٍ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: إِنِّي بِعْتُ دَابَّتِي هَذِهِ مِنْ فُلاَنٍ الْغَائِبِ بِكَذَا.

فَاذْهَبْ إِلَيْهِ وَقُلْ لَهُ: إِنَّ فُلاَنًا أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ، وَقَالَ لِي: قُلْ لَهُ: إِنِّي قَدْ بِعْتُ دَابَّتِي هَذِهِ مِنْ فُلاَنٍ بِكَذَا، فَذَهَبَ الرَّسُولُ وَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: قَبِلْتُ، انْعَقَدَ الْبَيْعُ، لأِنَّ  الرَّسُولَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ عَنْ كَلاَمِ الْمُرْسِلِ، نَاقِلٌ كَلاَمَهُ إِلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ حَضَرَ بِنَفْسِهِ فَأَوْجَبَ الْبَيْعَ وَقَبِلَ الآْخَرُ فِي الْمَجْلِسِ فَانْعَقَدَ الْبَيْعُ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ النِّهَايَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي أَيْضًا فِي  الإْجَارَةِ  وَالْهِبَةِ وَالْكِتَابَةِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ (إِرْسَالٌ ف9، بَيْعٌ ف 25).

ب - الضَّمَانُ

4 - قَالَ الدَّرْدِيرُ: الرَّسُولُ إِنْ كَانَ رَسُولَ رَبِّ الْمَالِ فَالدَّافِعُ لَهُ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوُصُولِ، وَيَرْجِعُ الْكَلاَمُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَوَرَثَةِ الرَّسُولِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُصُولِ رَجَعَ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ فَلاَ رُجُوعَ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَوْصَلَهُ لِرَبِّهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ رَسُولَ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ فَلاَ يَبْرَأُ مَنْ أَرْسَلَهُ إِلاَّ بِوُصُولِهِ لِرَبِّهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُصُولِ رَجَعَ مُرْسِلُهُ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْوُصُولِ فَلاَ رُجُوعَ وَهِيَ مُصِيبَةٌ عَلَى الْمُرْسِلِ.

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: أَمَّا إِذَا لَمْ يَمُتِ الْمُرْسِلُ وَادَّعَى أَنَّهُ أَوْصَلَهَا لِلْمُرْسَلِ إِلَيْهِ، وَالْمُرْسَلُ إِلَيْهِ يُنْكِرُ ذَلِكَ، لَمْ يُصَدَّقِ الرَّسُولُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ .

وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولاً يَقْبِضُهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مَعَ الرَّسُولِ دِينَارًا فَضَاعَ الدِّينَارُ مَعَ الرَّسُولِ، فَالدِّينَارُ مِنْ مَالِ الْبَاعِثِ، وَهُوَ الْمَدِينُ فَيَضِيعُ عَلَيْهِ، لأِنَّ  الْوَكِيلَ لَمْ يَأْمُرْهُ الْمُرْسِلُ بِمُصَارَفَتِهِ، إِلاَّ أَنْ يُخْبِرَ الرَّسُولُ الْغَرِيمَ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِ الدِّينَارِ عَنِ الدَّرَاهِمِ، فَيَكُونُ الدِّينَارُ مِنْ ضَمَانِ الرَّسُولِ لِتَغْرِيرِهِ الْغَرِيمَ  وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِرْسَالٌ ف 11، وَدِيعَةٌ).

____________________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

( مادة ۸۳)

1- يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ، ما لم يوجد اتفاق او نص يقضي بغير ذلك

2- ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان وفي الزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول .

هذه المادة تطابق المادة 97 من التقنين الحالى .والمادة 87 من التقنين العراقي ، وتقابل المادة ۱۰۱ من التقنين الأردني ، والمادة 49 من التقنين المدني الكويتي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام الأعظم ابى حنيفة (رضى الله عنه ) إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية (1392هـ ـ 1972م  )

ومن باب البيع

مادة (3):

( لايعتبر الايجاب الصادر للغائب إلا بكتاب أو رسول ، أو ما يقوم مقام أحدها ويكون مجلس القبول هو مجلس العلم الحاصل بأحدها).

المذكرة الإيضاحية

 إذا صدر الإيجاب للغائب عن سماعه ، يعتبر باطلا إذا بلغه من شخص لم يكلف بتبليغه ولا ينعقد البيع اتفاقا ، وإنما يعتبر الإبلاغ إذا كان عن طريق الكتابة أو الرسول .

وصورة الكتابة أن يكتب ... فقد بعت هذا الشيء منك بكذا ، فلما بلغه الكتاب قال في مجلسه ذلك : اشتريت تم البيع بينهما .

وصورة الإرسال : أن يرسل رسولا ، فيقول البائع : بعت هذا من فلان النائب بألف درهم فاذهب یا فلان وقل له ، فذهب الرسول فأخبره بما قال، فقبل المشتري في مجلسه ذلك .

ومجلس القبول : هو مجلس بلوغ الكتاب أو الرسول، ولا يخفى أن قراءة الكتاب صارت بمنزله الإيجاب من الكتاب ، فإذا قبل المكتوب إليه في المجلس فقد صدر الإيجاب والقبول في مجلس واحد .