مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني، الصفحة : 57
مذكرة المشروع التمهيدي :
1-ينبغي التفريق بين التعبير الضمني عن الإرادة وبين مجرد السكوت . فالتعبير الضمني وضع إيجابي، أما السكوت فهو مجرد وضع سلبي . وقد يكون التعبير الضمني، بحسب الأحوال، إيجاباً أو قبولاً، أما السكوت فمن الممتنع على وجه الإطلاق، أن يتضمن إيجابياً، وإنما يجوز، في بعض فروض استثنائية أن يعتبر قبولاً، وقد تناول النص هذه الفروض، ونقل بشأنها عن تقنين الالتزامات السويسري ضابطاً مرناً، يهيئ للقاضي أداة عملية للتوجيه قوامها عنصران : أولها التثبت من عدم توقع أي قبول صريح، وهذه الواقعة قد تستخلص من طبيعة التعامل، أو من عرف التجارة وسننها، أو من ظروف الحال . والثاني التثبت من اعتصام من وجه إليه الإيجاب بالسكوت فترة معقولة . وقد أورد المشروع تطبيقات ثلاثة لهذا الضابط : أحدها، وهو الخاص بتمحض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه، يتعلق بطبيعة التعامل الخاصة. والتطبيقان الآخران - وهما الخاصان بقيام تعامل سابق بين المتعاقدين، وبالشروط الواردة في الفاتورة - يتصلان بعرف التجارة وسننها وغير ذلك من الظروف .
2 - ويراعى بالنسبة لهذه العقود، أن انقضاء الميعاد المعقول أو المناسب هو الذي يحدد وقت تحقق السكوت النهائي، الذي يعدل القبول ويكون له حكمه، وفي هذا الوقت يتم العقد . أما فيما يتعلق بمكان الإنعقاد، فيعتبر التعاقد قد تم في المكان الذي يوجد فيه الموجب عند انقضاء الميعاد المناسب إذ هو يعلم بالقبول في هذا المكان .
3- ولم تعرض التقنينات اللاتينية، فيما عدا استثناءات خاصة، لقيمة السكوت كطريق من طرق التعبير عن الإرادة . بيد أن التقنيات الجرمانية وغيرها من التقنيات التي تأثرت بها، تورد، على النقيض من ذلك، أحكاماً وافية في هذا الشأن، ويستخلص من دراسة مختلف المذاهب ومقارنتها، في النصوص التشريعية وأحكام القضاء، أن مجرد السكوت البسيط لا يعتبر إفصاحاً أو تعبيراً عن الإرادة . أما السكوت . الموصوف، وهو الذي يعرض حيث يفرض القانون التزاماً بالكلام، فلا يثير إشكالاً ما، لأن القانون نفسه يتكفل بتنظيم أحكامه . وليس يبقى بعد ذلك سوى السكوت . الملابس، وهو ما تلابسه ظروف يحل معها حل الإرادة، فهو وحده الذي يواجهه النص، محتذياً في ذلك حذو أحدث التقنيات وأرقاها .
4- وقد أخذ القضاء المصري بحلول تشابه الحلول التي يقررها النص فالأصل عنده أن السكوت وحده، مجرداً من أي ظرف آخر، لا يعتبر قبولاً ولكن يجوز أن يستخلص القبول من ظروف معينة تلابس السكوت، كقيام تعامل سابق بين العاقدين ( استئناف مختلط 18 نوفمبر سنة 1925 ب 38 ص 56 ) ويجوز أن يكون السكوت، بمنزلة القبول لا بالنسبة لإتمام العقد فحسب، بل وكذلك بالنسبة لإلغائه أو الإقالة منه (استئناف مختلط 11 أبريل سنة 1917 ب 29 ص 258 ) .
ويجوز أن يجعل عرف التجارة للسكوت شأن القبول، وتفريعاً على ذلك قضى بأنه لا تجوز المنازعة في بيع يعتبر في عرف السوق تاماً، وفقاً للشروط المدونة في بطاقة أو مذكرة لم يردها العاقد من فوره، متى كان هذا العرف يفرض على من يطلب نقض البيع، بعد فوات الوقت، أن يقيم الدليل على عدم انعقاد العقد . وهو دليل لا يسوغ للعاقد أن يستخلصه من إهماله أو خطئه الشخصى، ( استئناف مختلط 12 فبراير سنة 1930 ب 42 ص 272 ) . ولا يكون للسكوت دلالة القبول إلا إذا عرض في وضع يستتبع حمله على محمل الإرتباط البات، وقد حكم بأن السكوت أكثر من ثمانية أيام إزاء إيجاب اشترط فيه البائع شرطاً لقبول ما عرض عليه المشتري من قبل، لا يمكن أن يستفاد منه قبول المشتري لهذا الإيجاب الأخير، واعتبار الصفقة تامة بصفة نهائية على أساس هذا القبول فليس يمكن أن تختم مفاوضات استمرت أسابيع عدة، إلا برد كتابی دقیق واضح ويجب أن يحصل الرد في ميعاد قصير، إذا تعلق البيع بسلعة متغير سعرها ونبه البائع المشتري إلى رغبته في الوقوف على ما ينتوية على وجه الاستعجال ومثل هذا الرد ألزم، عند عدم تطابق الإيجاب الصادر من البائع مع إيجاب بالشراء سبق له رفضه ( محكمة اسكندرية التجارية 6 ديسمبر سنة 1926، جازيت 17 ص 286) .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 143 من المشروع .
وبعد المناقشة وافقت اللجنة على إدخال تعديلات لفظية فأصبح نصها:
1- إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحاً بالقبول فإن العقد يعتبر قد تم إذا لم يرفض الايجاب في وقت مناسب .
2 - ويعتبر السكوت عن الرد قبولاً إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الايجاب بهذا التعامل أو إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه وكذالك يعتبر سكوت المشتري بعد أن يتسلم البضائع التي اشتراها قبولاً لما ورد في ,الفاتورة، من شروط.
وأصبح رقم المادة 100 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل، تحت رقم 100.
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الثالثة تليت المادة 100 التي تحكم المعاملات التجارية فتساءل سعادة العشماوي باشا ألا يجوز ترك ذلك للقاضي .
فأجاب الدكتور بغدادی إن هذه المادة تتناول السكوت على اعتبار أنه تعبير عن الإرادة وضرب أمثلة بالمعاملات التي تحدث يومياً من المخابز ومحلات بيع اللبن وبين الأهالي وقال إن التعامل السابق قرينة على القبول في تعامل لاحق.
محضر الجلسة الرابعة
المادة 100 - لم تكن اللجنة قد انتهت من بحث المادة المائة وبعد أن فهم مدلولها من شرح الحكومة لها اعترض سعادة العشماوي باشا على الجزء الأخير من الفقرة الثانية منها وهو ( وكذلك يعتبر سكوت المشتري بعد أن يتسلم البضائع التي اشتراها قبولاً لما ورد في الفاتورة من شروط ). . وقال إنه من الجائز أن يتسلم المشتري البضائع ثم يجد بعد ذلك أن الفاتورة تحتوي على شروط مجحفة . فإذا كان المفروض أن البضاعة تسلم مع الفاتورة كما يقول بذلك الدكتور حسن بغدادي فيجب أن يبين هذا في المادة . واقترح إضافة عبارة « متى كان قد اطلع عليها عند التسلم، في آخر الفقرة الثانية من المادة المذكورة .
فتساءل سعادة الرئيس ألا تغني الفقرة الأولى من المادة مائة عن عبارة "كذلك يعتبر سكوت المشتري بعد .... الخ"، الواردة في آخر الفقرة الثانية من المادة المذكورة فأجاب الدكتور بغدادی بأن الفقرة الثانية تتضمن تطبيقات واضحة،وكلما كانت التطبيقات واضحة كلما كانت أدني إلى الفهم، وعلى العموم فلا ضرر من إيراد النص على هذا الوضع، فعقب على ذلك سعادة الرئيس بأن قال إنه يحسن أن يضمن تقرير اللجنة تلك التطبيقات على أن يكون من الأعمال التحضيرية للمشروع.
فاعترض على ذلك من حضرة الشيخ المحترم جمال الدين أباظه بك بأن تقرير اللجنة غير ملزم للقاضي .
وقد اقترح أن يكون موضوع هذه المادة الباب الخاص بعقد البيع لأنها تتكلم عن سكوت المشتري بصفة خاصة . فرد الدكتور بغدادي على هذا الاقتراح بأن هذه المادة تتضمن قواعد عامة تنطبق على جميع العقود وأضاف سعادة الرئيس إلى ذلك أن هذه المادة خاصة بتلاقى الإرادتين ويمكن قصرها على الحكم الوارد في الفقرة الأولى، وإذا كان هذا لا يمكن فإن سعادته يقترح حذف عبارة وكذلك يعتبر سكوت المشتري ... الخ، الواردة في آخر الفقرة الثانية .
وتلاه سعادة العشماوي باشا فقال إنه نظراً لأن المادة المائة تفيد القبول الضمني فإنه يقترح إما استبقاء المادة كلها باعتبارها تعرض صورة غالية من القبول الضمني مع إضافة, متى كان قد اطلع عليها عند التسلم، في آخر الفقرة الثانية منها، وإما حذفها لأن الفن التشريعي يقتضي ذلك وقد سبق القول إن القبول الضمني لا يحتاج إلى نص وبالتالى لا نحتاج إلى نصوص لعرض بعض صوره وإنه يحسن ترك ذلك لاجتهاد القاضي .
فأجاب الدكتور بغدادی بأن هذه المادة تتكلم عن السكوت باعتباره تعبيراً عن الإرادة وتقرر بوجه خاص أن السكوت المجرد لا يعتبر تعبيراً عن الإرادة إلا إذا اقترن بما يدل على الرضا وهو ما يعبر عنه بالسكوت الملابس وهذا فضلاً عن الحالات التي يعطى فيها القانون السكوت وصفاً خاصاً.
وقد وضح سعادة الرئيس القاعدة الشرعية في زواج البكر بأنها إذا سكتت يعتبر سكوتها قبولاً أما الثيب إذا سكتت فلا بد أن تعرب عن رأيها.
فقال سعادة العشماوي باشا إن هذه المادة لم تأت بجديد للقاضى لأن المسألة تقديرية .
وكان رد عبده محرم بك والدكتور بغدادی أن المادة تضمنت ضوابط وقواعد ليحكم القاضي على هداها فيما يعرض له، واستشهد محرم بك على ذلك بما جاء في المذكرة التفصيلية المشروع الأصلى ص 32 وما بعدها فقد ذكرت أنه ينبغي التفريق بين التعبير الضمني عن الإرادة و بين مجرد السكوت فالتعبير الضمني وضع إيجابي أما السكوت فهو مجرد وضع سلبی وقد يكون التعبير الضمني بحسب الأحوال إيجاباً أو قبولاً أما السكوت فمن الممتنع على وجه الاطلاق أن يتضمن إيجاباً وإنما يجوز في بعض فروض استثنائية أن يعتبر قبولاً، وقد تناول نص هذه المادة هذه الفروض ووضع القاضي ضابطاً مرناً يهيئ له أداة عملية للتوجيه قوامها عنصران : أولها التثبت من عدم توقع أي قبول صريح وهذه الواقعة قد تستخلص من طبيعة التعامل أو من عرف التجارة وسننها أو من ظروف الحال - والثاني التثبت من اعتصام من وجه إليه الايجاب بالسكوت فترة معقولة وقد أوردت المادة تطبيقات ثلاثة لهذا الضابط أحدها وهو الخاص بتمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه يتعلق بطبيعة التعامل الخاصة، والتطبيقان الآخران -، هما الخاصان بقيام تعامل سابق بين المتعاقدين وبالشروط الواردة في الفاتورة - يتصلان بعرف التجارة وسننها وغير ذلك من الظروف .
ويستخلص من دراسة مختلف المذاهب ومقارنتها في النصوص التشريعية وأحكام القضاء أن مجرد السكوت البسيط لا يعتبر إفصاحاً أو تعبيراً عن الارادة، أما السكوت الموصوف فهو الذي يعرض حيث يفرض القانون التزاماً بالكلام فلا يثير اشكالاً ما لأن القانون نفسه يتكفل بتنظيم أحكامه وليس يبقى بعد ذلك سوى السكوت الملابس وهو ما تلابسه ظروف يحمل معها محل الإرادة فهو وحده الذي يواجهة النص محتذياً في ذلك حذو أحدث التقنيات وأرقاها.
وقد أخذ القضاء المصري بحلول تشابه الحلول التي تقررها المادة المائة الأصل عنده أن السكوت وحده مجرداً من أي ظرف آخر لا يعتبر قبولاَ ولكن قد يستخلص القبول من ظروف معينه تلابس السكوت كقيام تعامل سابق بين العاقدين ويجوز أن يكون السكوت بمنزلة القبول لا بالنسبة لإتمام العقد فحسب بل كذلك بالنسبة لالغائه أو الإقالة منه ويجوز أن يجعل عرف التجارة للسكوت شأن القبول بمعنى أنه لا يجوز المنازعة في بيع يعتبر في عرف السوق تاماً وفقاً للشروط المدونة في بطاقة أو مذكرة لم يردها العاقد من فوره متى كان هذا العرف يفرض على من يطلب نقض البيع بعد فوات الوقت أن يقيم الدليل على عدم انعقاد العقد وهو دليل لا يسوغ للعاقد أن يستخلصه من إهماله أو خطئه الشخصي .
وهنا أعلن سعادة الرئيس أنه توجد ثلاثة اقتراحات الأول بحذف المادة والثاني ببقائها مع إضافة عبارة، من كان قد اطلع عليها عند التسلم، في آخر الفقرة الثانية من المادة والثالث بقائها مع حذف عبارة , وكذلك يعتبر سكوت المشتري بعد أن يتسلم البضائع قبولاً لما ورد في الفاتورة من شروط "من الفقرة الثانية" .
قرار اللجنة:
وعلى ذلك قررت اللجنة بأغلبيتها بقاء المادة المائة مع حذف عبارة , وكذلك يعتبر سكوت المشتري ... الخ، من آخر الفقرة الثانية منها . باعتبار هذا الجزء المحذوف من الأحوال العامة التي يشتمل عليها القانون المدني .
تقرير اللجنة :
حذفت الحملة الأخيرة في الفقرة رقم 2 ونصها :
"وكذلك يعتبر سكوت المشتري بعد أن يتسلم البضائع التي اشتراها قبولاً لما ورد في الفاتورة من شروط" لأنها تواجه تطبيقاً يحسن أن يترك فيه التقدير للقضاء في كل حالة بخصوصها.
وأصبح رقم المادة 98
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
1 ـ إذ كان لمحكمة الموضوع سلطة تقدير الظروف الملابسة التى قد تحيط بالسكوت و تجعله دالاً على القبول ، إلا أنها تلتزم بأن تورد الأسباب السائغة . التى تقيم قضاءها و ألا تدع دفاعاً للخصوم قد يتغير به وجه الرأى فى هذا التقدير دون أن تجيب عليه بأسباب خاصة .
(الطعن رقم 748 لسنة 46 جلسة 1984/06/21 س 35 ع 2 ص 1706 ق 325)
2 ـ المقرر وفقاً لنص المادة 2/98 من القانون المدنى أن مجرد السكوت عن الرد لا يصلح بذاته تعبيراً عن الإرادة و لا يعتبر قبولاً إلا إذا كان متعلقاً بتعامل سابق بين المتعاقدين و إتصل الإيجاب بهذا التعامل بأن كان مكملاً أو منفذاً أو معدلاً أو ناسخاً له .
(الطعن رقم 1649 لسنة 51 جلسة 1984/11/26 س 35 ع 2 ص 1920 ق 366)
دلالة السكوت :
أوضحنا فيما تقدم أنه يلزم لإتمام العقد، أن يعبر كل من المتعاقدين عن إرادته وأن تطابق تلك الإرادات تطابقة تامة، ومفاد ذلك، أنه يجب أن يكون لكل إراحة علامات يستدل منها عليها، مثل الكتابة أو الكلام أو التنفيذ أو غير ذلك، فإن إنتفت تلك العلامات فلا يصح القول بوجود التعبير، فالسكوت ليس علامة على توافر التعبير إذ لا ينسب لساكت قول كما يقول فقهاء الشريعة الإسلامية .
ولكن إذا لابس السكوت أو اقترنت به علامات، فيصح أن يكون تعبير رداً على تعبير موجه لصاحب السكوت الملابس أو غير الملابس، ومن ثم يجوز أن يكون السكوت قبولاً ولا يجوز إطلاقاً أن يكون إيجاباً لما يتطلبه الإيجاب من تحديد للمسائل الجوهرية للعقد فلا يصح السكوت لذلك.
وأوردت المادة 98 أمثلة للسكوت الملابس الذي يدل على القبول وهی :
1 - وجود عرف على إعتبار السكوت قبولاً، كما لو أرسل البنك لعملية کشفاً بحسابه الجاري لديه وطلب إليه التعقيب عليه خلال أجل معين وإلا أعتبر الحساب نهائياً، فإن سكت العميل كان ذلك قبولاً للحساب. وکسكوت الموكل على الحساب الذي قدمه له الوكيل.
2 - إذا وجد تعامل سابق، كما لو كان تاجر تجزئة إعتاد على طلب بضاعة من تاجر الجملة، فيرسلها له الأخير دون رد صريح بالقبول، فسكون تاجراً الجملة على طلب تاجر التجزئة يفيد إتمام العقد، وعلى تاجر الجملة : رفض الطلب أن يخطر تاجر التجزئة برفضه في الوقت المناسب إخطاراً صريحاً .
3- إذا كان الإيجاب نافعاً من كل الوجوه لمن وجه إليه، كسكوت المتنازل له عن دين عليه، والإيجاب المنصب على مهلة للوفاء فيتم عقد الموجب بالبقاء إيجابه خلال تلك المدة كما في الوعد بالتعاقد "م 101" .
فإن كان هناك عقد بين الطرفين صح أن يكون السكوت الملابس قبولا على العقد أو فسخه، ولا ينهض السكوت غير الملابس دليلاً على ذلك، فقد يتفق البائع والمشتري على ابقاء بعض الثمن لحين إتمام التسجيل وأن يحصل المشترى الأجرة ويستحق هو نصفها أما نصفها الآخر فيستحقه البائع على أن يتم الوفاء به مع باقي الثمن، ثم يوجه المشترى إنذارا للبائع يخطره فيه بسقوط حقه في نصف الأجرة إن لم يقم بالتسجيل خلال أجل معين، وينقضى الأجل دون رد من البائع، فإن سکوت الأخير هو سكوت غير ملابس لا يؤدى الى تعديل شروط العقد، فإن تم التسجيل و امتنع المشتري عن الوفاء للبائع بما يخصه من الأجرة كان للأخير طلب الفسخ، كما أن له أن يطلب ذلك إذا كان العقد يلزم المشتري بدفع نصف الأجرة شهريه له، وفي الحالة الأخيرة إذا سكت البائع فلم يطلب الفسخ ولم يطلب حصته في الأجرة ولم يعترض في وقت مناسب، كان سكوته ملابساً ويؤدي إلى تعديل العقد فتصبح الأجرة كلها من حق المشترى. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني، الصفحة/402)
الفرق بين التعبير الضمني عن الإرادة وبين السكوت :
تجب التفرقة بين التعبير الضمني عن الإرادة وبين السكوت. فالتعبير الضمني يتضمن من جانب المعبر عملاً إيجابياً تستفاد منه إرادته.
أما السكوت فهو مجرد وضع سلبی.
والتعبير الضمني قد يكون إيجاباً أو قبولاً أما السكوت فلا يجوز أن يتضمن إيجابياً لأن الإيجاب ينطوي على عرض موجه من أحد الطرفين إلى الآخر، ولا يتصور أن يستخلص هذا العرض من مجرد السكوت. والأصل أن السكوت بمجرده لا يصلح تعبيراً عن القبول. ومن هنا كانت القاعدة الفقهية المعروفة التي تقول: "لا ينسب لساكت قول"، فالسكوت عدم، والساكت لا يعمل شيئاً يمكن أن تستخلص منه إرادته.
وبالترتيب على ذلك فإنه إذا أرسل بنك إلى عميل خطاباً يخبره فيه أنه قيد اسمه في قائمة المكتتبين في مشروع معين وأنه احتسب في رصيده قيمة الأسهم فإن سكوت العميل عن الرد لا يعتبر قبولاً للاكتتاب.
وإذا أرسل ناشر صحيفة دورية إلى شخص لم يرفضها ولم يردها فإن سكوته لا يعتبر قبولاً للاشتراك، حتى لو ذكر في غلاف الصحيفة أن استلامها يعتبر قبولاً.
وإذا أرسل تاجر عينة من بضاعة إلى شخص ذاكراً له أن عدم رده للعينة في مدة معينة يعتبر قبولاً للشراء فإن سكوت هذا الشخص عن الرد لا يكون قبولاً.
الحالات التي يعتبر فيها السكوت قبولا :
رأينا في البند السابق أن الأصل أن السكوت لا يصلح قبولاً لأنه لا ينسب لساكت قول ولكن يرد على هذه القاعدة استثناء تتضمنه القاعدة الفقهية التي تقول: "إن السكوت في معرض الحاجة بيان" ومعنى هذا أن السكوت إذا صاحبته ظروف تخلع عليه دلالة الرضا فإنه حينئذ يعتبر قبولاً وهو الذي يقال له السكوت الملابس.
وتقدير وجود الظروف الملابسة من عدمه من المسائل الموضوعية التي يستقل بها قاضي الموضوع، وإن كان يجب عليه أن يورد الأسباب السائغة التي يستند إليها في وجود هذه الظروف أو انتفائها.
وقد أوردت المادة (98) بعض الأمثلة للحالات التي يعتبر فيها السكوت قبولاً بسبب ما يلابسه من ظروف.
وهذه الحالات هي:
(الحالة الأولى): إذا كانت طبيعة المعاملة تدل على أن الموجب لم يكن ينتظر تصريحاً بالقبول.
كما إذا أرسل التاجر البضاعة لمن طلبها وأضاف في "الفاتورة "شروطاً مستجدة سكت عنها المشتري ولم يبادر إلى رفضها.
(الحالة الثانية): إذا كان العرف الذي جرى عليه العمل يقضي بأن السكوت يدل على الرضاء، كما إذا أرسل المصرف بیاناً لعميله عن حسابه في المصرف وذكر فيه أن عدم الاعتراض على هذا البيان يعتبر إقراراً له .
(الحالة الثالثة): إذا تمحض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه:
إذا كان الإيجاب نافعاً من كل الوجوه للمعروض عليه، فإن سكوته هذا دليل على قبوله له. کهبة لا تشترط فيها الرسمية تعرض على الموهوب له فيسكت، أو عارية استعمال تعرض على المستعير فيلزم الصمت.
(الحالة الرابعة): إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين من شأنه أن يجعل الموجب لا يتوقع تصريحاً بالقبول من الموجب له، إذا كان راغباً في الصفقة التي يعرضها عليه والتي تتصل بهذا التعامل، بل يجعله على النقيض من ذلك، يتوقع تصريحاً بالرفض إذا كان راغبا عنها، فإن سكوت من وجه إليه الإيجاب يعتبر منه قبولاً. ومثال هذه الحالة تاجر الجملة الذي تعود أن يرسل كمية من البضائع التي تصل إليه، إلى تاجر تجزئة من عملائه، الذي تعود بدوره أن يرفض مالاً يعجبه منها، ويسكت على ما يعجبه. في مثل هذه الحالة، تحتم ظروف التعاقد، في ضوء ما تم منه في القديم، أن يصرح تاجر التجزئة برفضه كل صفقة يكون عنها راغباً، بحيث أن تاجر الجملة هنا لا ينتظر منه تصريحاً بالقبول، إذا كان له في الصفقة هوى، فإذا سكت تاجر التجزئة بالنسبة إلى صفقة معينة، زمناً معقولاً يحدده قاضي الموضوع اعتبر سكوته قبولاً إياها وتعذر عليه بالتالي أن يتملص منها.
وهذه الحالات الأربع ليست إلا أمثلة، وعلى ذلك فإن كل سكوت تصاحبه ملابسات بحيث يستخلص القاضي من مجموعها القبول يصلح تعبيراً عن القبول، ومن ثم فإن علم الموكل بمجاوزة الوكيل حدود الوكالة وسكوته على ذلك يعتبر إقراراً لذلك التجاوز. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/68)
فالاستثناء إذن هو أن يعتبر السكوت قبولاً إذا أحاطت به ظروف ملابسه من شأنها أن تجعله يدل على الرضاء هذه الظروف الملابسة ضرب لها القانون الجديد الأمثلة الآتية :
(1) إذا كان العرف التجاري الذي جرى عليه العمل قضي بأن السكوت يدل على الرضاء ، كما إذا أرسل المصرف بياناً لعمليه عن حسابه في المصرف ، وذكر أن عدم الاعتراض على هذا البيان يعد إقراراً له، أو كانت طبيعة المعاملة تقضي بذلك ، كما إذا أرسل التاجر البضاعة لمن طلبها وأضاف في " الفاتورة " شروط مستجدة سكت عنها المشتري ولم يبادر إلى رفضها.
(2) إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين كما إذا اعتاد عميل استيراد البضائع التي يريدها من تاجر بالكتابة إليه فيرسل له التاجر ما يريد دون أن يؤذنه بالقبول . فإذا طلب العميل شيئاً وظل التاجر ساكتاً كعادته كان للعميل أن يعتبر هذا السكوت رضاء وأن التاجر سيرسل له ما طلب كما عودة . وقد يكون هناك عقد سابق بين الطرفين، فيستخلص السكوت قبولاً إذا كان العقد الجديد من مكملات تنفيذ العقد السابق، أو معدلاً له، أو فاسخاً .
(3) إذا تمحض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه وسكت هذا ، فيعتبر سكوته رضاء، كالهبة التي لا تشترط فيها الرسمية تعرض على الموهوب له فيسكت، وكعارية الاستعمال تعرض على المستعير فيلزم الصمت وليس فيما تقدم إلا امثلة لم ترد على سبيل الحصر ، فكل سكوت تلازمه ملابسات تدل على الرضاء فهو " سكوت ملابس" ، ويعتبر قبولاً، كما إذا علم الموكل بمجاوزة الوكيل حدود الوكالة فإن سكوته إجازة، وكالمالك الحقيقي في بيع ملك الغير إذا علم بالبيع وسكت دون عذر كان سكوته إقراراً للبيع . في كل هذا لو كان الساكت أراد أن يعترض لتكلم، ولكنه سكت في معرض الحاجة إلى الكلام ، ويقول فقهاء الشريعة الإسلامية هنا أيضاً : " السكوت في معرض الحاجة بيان " . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول الصفحة/ 284)
وهذا النص يشير الى ثلاث حالات أوردها على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر، مما يسمح بمد حكمها إلى حالات أخرى مماثلة لها . ونتناول فيما يلي عرض الحالات المنصوص عليها ثم نورد بعدها الحالات المماثلة لها التي يسري عليها نفس الحكم .
1-حالة وجود. عرف على اعتبار السكوت في معاملة معينة بمثابة القبول أو إذا كانت طبيعة المعاملة تقضي بذلك، ومثل ذلك إرسال المصرف لعميله بياناً بحسابه الجاري فإن عدم اعتراض العميل على الحساب في وقت مناسب يعتبر اعتماداً له، وكذلك في إرسال التاجر بضاعة إلى عميله مصحوبة بفاتورة فيها شروط معينة، فإن سكوت العميل على الاعتراض على الشروط المذكورة يعتبر قبولاً لها، هذا ما لم تكن تلك الشروط مخالفة لما جرى عليه العمل بين الطرفين .
2- حالة وجود تعامل سابق بين طرفين يسمح لأحدهما أن يعول "على رضا الآخر دون انتظار قبول صريح منه ، كما إذا جرى تاجر التجزئة على أن يطلب دفعات معينة من السلع من تاجر الجملة فيجيبه هذا الى طلبه بتنفيذه دون رد صريح بالقبول فإذا طلب الأول من الثاني دفعة معينة، كان من حقه أن يعتبر سكوت الأخير قبولاً لأن ما بينهما من تعامل سابق كان يوجب على تاجر الجملة أن يرد بالرفض إذا لم تكن عنده نية القبول وكما إذا جرت إدارة جريدة معينة على إرسال أعدادها الى مشترك فيها بعد انتهاء مدة اشتراكه فإن عدم رده هذه الأعداد يعتبر قبولاً ضمنياً لتجديد اشتراكه.
3-حالة الإيجاب الذي يتمحض كله لمصلحة من وجه إليه ، كما في الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد فإنه يتمحض لمصلحة الجانب الآخر الموعود له ، فيعتبر سكوت الأخير قبولاً، لأن الإيجاب المعروض عليه لا ضرر له منه حتى يتصور رفضه أياه وكما في عرض الكفيل على الدائن أن يكفل له دين مدينه، إذ أن هذا العرض يعتبر إيجاباً يتمحض لمصلحة الدائن الموجب له فيعتبر عدم رد الدائن على هذا الإيجاب قبولاً له، ومن هذا القبيل ما سيجيء في نبذة 79 من اعتبار الإيجاب فيما بين الغائبين متضمناً تعهداً من الموجب بالبقاء على ايجابه المدة اللازمة لوصول الإيجاب وتلقى الرد عليه واعتبار هذا التعهد مقبولاً ممن وجه إليه دون حاجة إلى انتظار رد منه بذلك.
ومن الأمثلة الأخرى التي لم يرد لها ذكر في النص سكوت الموكل على تجاوز الوكيل حدود الوكالة مع علم الموكل بهذا التجاوز، وكذلك سكوت المؤجر على بقاء المستأجر في العين المؤجرة بعد انتهاء مدة الإجارة الخ. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني، الصفحة/ 141)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 235
وَسَائِلُ التَّعْبِيرِ عَنِ الرِّضَا:
15 - إِنَّ الرِّضَا فِي حَقِيقَتِهِ - كَمَا سَبَقَ - هُوَ الْقَصْدُ، وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَيْسَ لَنَا مِنْ سَبِيلٍ إِلَيْهِ إِلاَّ مِنْ خِلاَلِ وَسَائِلَ تُعَبِّرُ عَنْهُ، وَهِيَ اللَّفْظُ وَالْفِعْلُ - أَيِ الْبَذْلُ - وَالْكِتَابَةُ، وَالإْشَارَةُ، وَالسُّكُوتُ فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ. يَقُولُ الْبَيْضَاوِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ضَرُورَةَ وُجُودِ الرِّضَا حَقِيقَةً: لَكِنَّهُ لَمَّا خَفِيَ نِيطَ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ صَرِيحًا وَيَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ الأْلْفَاظَ بَيْنَ عِبَادِهِ تَعْرِيفًا وَدَلاَلَةً عَلَى مَا فِي نُفُوسِهِمْ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ مِنَ الآْخَرِ شَيْئًا عَرَّفَهُ بِمُرَادِهِ وَمَا فِي نَفْسِهِ بِلَفْظِهِ، وَرَتَّبَ عَلَى تِلْكَ الإْرَادَاتِ وَالْمَقَاصِدِ أَحْكَامَهَا بِوَاسِطَةِ الأْلْفَاظِ، وَلَمْ يُرَتِّبْ تِلْكَ الأْحْكَامَ عَلَى مُجَرَّدِ مَا فِي النُّفُوسِ مِنْ غَيْرِ دَلاَلَةِ فِعْلٍ، أَوْ قَوْلٍ، وَلاَ عَلَى مُجَرَّدِ أَلْفَاظٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهَا لَمْ يُرِدْ مَعَانِيَهَا وَلَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا، بَلْ تَجَاوَزَ لِلأْمَّةِ عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ، أَوْ تُكَلِّمْ بِهِ. فَإِذَا اجْتَمَعَ الْقَصْدُ وَالدَّلاَلَةُ الْقَوْلِيَّةُ، أَوِ الْفِعْلِيَّةُ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ، هَذِهِ قَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ عَدْلِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَإِنَّ خَوَاطِرَ الْقُلُوبِ وَإِرَادَةَ النُّفُوسِ لاَ تَدْخُلُ تَحْتَ الاِخْتِيَارِ.
وَسَنُوجِزُ الْقَوْلَ فِي دَلاَلَةِ هَذِهِ الْوَسَائِلِ:
16 - دَلاَلَةُ اللَّفْظِ عَلَى الرِّضَا، حَيْثُ هُوَ الْوَسِيلَةُ الأْولَى وَالأْفْضَلُ فِي التَّعْبِيرِ عَنِ الرِّضَا، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْخِلاَفُ فِيهِ مُنْصَبًّا عَلَى بَعْضِ الصِّيَغِ، كَصِيَغِ الاِسْتِفْهَامِ، أَوِ الْكِنَايَةِ، أَوِ الْمُضَارِعِ، حَيْثُ وَقَفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عِنْدَ مُلاَحَظَةِ نَوْعِيَّةِ الدَّلاَلَةِ اللُّغَوِيَّةِ، وَاشْتَرَطُوا أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهَا احْتِمَالٌ، فِي حِينِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ - مِنْهُمُ الْمَالِكِيَّةُ - ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْعُمْدَةَ فِي ذَلِكَ دَلاَلَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْعُرْفُ، كَمَا أَنَّ الْقَرِينَةَ أَيْضًا لَهَا دَوْرٌ فِي جَعْلِ اللَّفْظِ دَالًّا عَلَى الْمَقْصُودِ.
وَهُنَاكَ تَفْصِيلٌ وَاسِعٌ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (عَقْد).
17 - دَلاَلَةُ الْفِعْلِ عَلَى الرِّضَا (الْبَذْلُ) أَيْ عَرْضُ الشَّخْصِ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُهُ الآْخَرُ فَيَدْفَعُ قِيمَتَهُ، وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِالْمُعَاطَاةِ، أَيْ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، أَوِ الْقَوْلِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْعَرْضِ مِنَ الآْخَرِ، أَيِ الإْعْطَاءِ مِنْ أَحَدٍ دُونَ قَوْلٍ، وَالْجَانِبُ الثَّانِي يُعَبِّرُ عَنِ الرِّضَا بِالْقَوْلِ، أَوِ الْكِتَابَةِ، أَوْ نَحْوِهِمَا.
وَقَدْ ثَارَ الْخِلاَفُ فِي مَدَى دَلاَلَتِهِ عَلَى الرِّضَا عَلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ مُوجَزُهَا:
الرَّأْيُ الأْوَّلُ: عَدَمُ صَلاَحِيَةِ الْفِعْلِ (الْبَذْلِ) لِلتَّعْبِيرِ عَنِ الرِّضَا فِي الْعُقُودِ، هَذَا رَأْيُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ.
الرَّأْيُ الثَّانِي: صَلاَحِيَتُهُ لِلدَّلاَلَةِ عَلَى الرِّضَا، وَإِنْشَاءِ الْعَقْدِ بِهِ مُطْلَقًا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ - مَا عَدَا الْكَرْخِيَّ - وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ - مَا عَدَا الْقَاضِيَ - وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمُ الْبَغَوِيُّ وَالنَّوَوِيُّ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ هَؤُلاَءِ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِالْعُرْفِ.
الرَّأْيُ الثَّالِثُ: صَلاَحِيَتُهُ فِي الأْشْيَاءِ الرَّخِيصَةِ، وَعَدَمُ صَلاَحِيَتِهِ فِي الْغَالِيَةِ وَالنَّفِيسَةِ، وَهَذَا رَأْيُ الْكَرْخِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَابْنِ سُرَيْجٍ، وَالْغَزَالِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ.
دَلاَلَةُ الْكِتَابَةِ عَلَى الرِّضَا:
18 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْكِتَابَ كَالْخِطَابِ فِي دَلاَلَتِهِ عَلَى الرِّضَا سَوَاءٌ أَكَانَ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ أَمِ الْغَائِبِينَ، وَاسْتَثْنَوُا النِّكَاحَ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى عَدَمِ صَلاَحِيَةِ الْكِتَابَةِ لإِنْشَاءِ الْعُقُودِ إِلاَّ لِلْعَاجِزِ عَنِ الْكَلاَمِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكِتَابَ كَالْخِطَابِ فِيمَا بَيْنَ الْغَائِبِينَ دُونَ الْحَاضِرِينَ.
دَلاَلَةُ الإْشَارَةِ عَلَى الرِّضَا:
19 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِشَارَةَ الْعَاجِزِ عَنِ النُّطْقِ الْمَفْهُومَةَ هِيَ كَالْكَلاَمِ، وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إِشَارَةَ النَّاطِقِ لاَ تَصْلُحُ إِيجَابًا أَوْ قَبُولاً فِي النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ فِي إِشَارَةِ النَّاطِقِ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ فَهَلْ تُقْبَلُ دَلِيلاً عَلَيْهِ أَوْ لاَ؟.
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ - مِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى عَدَمِ صَلاَحِيَةِ الإْشَارَةِ وَحْدَهَا لِلتَّعْبِيرِ عَنِ الرِّضَا بِالنِّسْبَةِ لِلنَّاطِقِ.
- وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الإْشَارَةَ كَاللَّفْظِ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ؛ لأِنَّ الْعِبْرَةَ بِالرِّضَا فَمَا دَامَ قَدْ ظَهَرَ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ فَلاَ بُدَّ أَنْ يُقْبَلَ، إِذْ لاَ دَلِيلَ عَلَى تَخْصِيصِ لَفْظٍ خَاصٍّ لَهُ.
دَلاَلَةُ السُّكُوتِ عَلَى الرِّضَا:
20 - لاَ شَكَّ أَنَّ السُّكُوتَ السَّلْبِيَّ لاَ يَكُونُ دَلِيلاً عَلَى الرِّضَا أَوْ عَدَمِهِ، وَلِذَلِكَ تَقْضِي الْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ: «لاَ يُسْنَدُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ، وَلَكِنَّ السُّكُوتَ فِي مَعْرِضِ الْحَاجَةِ بَيَانٌ» وَذَلِكَ إِذَا صَاحَبَتْهُ قَرَائِنُ وَظُرُوفٌ بِحَيْثُ خَلَعَتْ عَلَيْهِ ثَوْبَ الدَّلاَلَةِ عَلَى الرِّضَا.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْوَارِدِ، حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم: «لاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا».
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والعشرون ، الصفحة / 136
حُكْمُ السُّكُوتِ فِي الْمُعَامَلاَتِ وَالْعُقُودِ:
11 - الْمُعَامَلاَتُ وَالْعُقُودُ أَسَاسُهَا الرِّضَا الَّذِي يَتَحَقَّقُ غَالِبًا بِالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ الْقَوْلِيِّ.
وَالأْصْلُ أَنَّ السُّكُوتَ لاَ يُعْتَبَرُ رِضًا فَالْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ تَقُولُ: (لاَ يُنْسَبُ إِلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ ) وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ وَالسُّيُوطِيُّ فِي أَشْبَاهِهِمَا مِنْ أَنَّ الثَّيِّبَ لَوْ سَكَتَتْ عِنْدَ الاِسْتِئْذَانِ فِي النِّكَاحِ لَمْ يَقُمْ مَقَامَ الإْذْنِ. وَلَوْ رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مَالَهُ فَسَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنِ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلاً بِسُكُوتِ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ أَوْ إِتْلاَفِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَنْعِ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهُ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَسُكُوتُ الْوَلِيِّ عَنْ مُطَالَبَةِ التَّفْرِيقِ لَيْسَ بِرِضًا مَا لَمْ تَلِدْ .
وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ بَعْضِ هَذِهِ الْفُرُوعِ وَنَظَائِرِهَا فِيمَا بَعْدُ مَعَ الأْدِلَّةِ. هَذَا هُوَ الأْصْلُ.
لَكِنْ قَدْ يَتَحَقَّقُ الرِّضَا بِالْفِعْلِ وَالتَّعَاطِي، أَوِ الْقَوْلِ مِنْ طَرَفٍ وَالْفِعْلِ مِنْ طَرَفٍ آخَرَ، أَوِ الْقَوْلِ مِنْ جَانِبٍ وَالسُّكُوتِ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، كَمَا فُصِّلَ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْد)
وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَمْثِلَةً لِمَا يَدُلُّ السُّكُوتُ فِيهَا عَلَى الرِّضَا وَالإْذْنِ وَفْقًا لِقَاعِدَةِ: إِنَّ السُّكُوتَ فِي مَعْرِضِ الْحَاجَةِ بَيَانٌ، كَمَا ذَكَرُوا أَمْثِلَةً لِمَا لاَ يَدُلُّ فِيهِ السُّكُوتُ عَلَى الرِّضَا بِنَاءً عَلَى الأْصْلِ.
السُّكُوتُ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ:
15 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ كَمَا تَنْعَقِدُ بِالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ صَرَاحَةً تَنْعَقِدُ كَذَلِكَ بِالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ دَلاَلَةً. فَإِذَا وَضَعَ رَجُلٌ مَالَهُ فِي دُكَّانٍ مَثَلاً، فَرَآهُ صَاحِبُ الدُّكَّانِ وَسَكَتَ، ثُمَّ تَرَكَ الرَّجُلُ ذَلِكَ الْمَالَ وَانْصَرَفَ صَارَ ذَلِكَ الْمَالُ عِنْدَ صَاحِبِ الدُّكَّانِ وَدِيعَةً، لأِنَّ سُكُوتَ صَاحِبِ الدُّكَّانِ حِينَ وَضَعَ الْمَالَ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ حِفْظِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِذَا فَرَّطَ فِي حِفْظِهِ يَكُونُ ضَامِنًا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الأْمَانَاتِ .
أَمَّا السُّكُوتُ فِي الْعَارِيَّةِ فَلاَ يُعْتَبَرُ رِضًا وَإِذْنًا مِنَ الْمُعِيرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلَوْ طَلَبَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ إعَارَةَ شَيْءٍ، فَسَكَتَ صَاحِبُ ذَلِكَ الشَّيْءِ ثُمَّ أَخَذَهُ الْمُسْتَعِيرُ كَانَ غَاصِبًا.
وَهَذَا هُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالُوا: الأْصَحُّ فِي النَّاطِقِ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ يُشْعِرُ بِالإْذْنِ أَوْ بِطَلَبِهِ، كَأَعَرْتُكَ هَذَا وَنَحْوَهُ. وَفِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ لاَ يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ .
وَتَفْصِيلُ الْمَوْضُوعِ فِي مُصْطَلَحَيْ: (وَدِيعَة، عَارِيَّةً).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 162
أَثَرُ الْعُرْفِ فِي دَلاَلَةِ الصِّيغَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ:
14 - لِلْعُرْفِ أَثَرٌ فِي دَلاَلَةِ الصِّيغَةِ عَلَى الْمُرَادِ، وَمُرَاعَاةُ حَمْلِ الصِّيغَةِ عَلَى الْعُرْفِ لَهُ أَثَرٌ فِي الأْحْكَامِ الاِجْتِهَادِيَّةِ الَّتِي لاَ نَصَّ فِيهَا وَالَّتِي بُنِيَتْ أَسَاسًا عَلَى الأْعْرَافِ الَّتِي كَانَتْ سَائِدَةً.
يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ: مِمَّا تَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَتْوَى لِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، مِثْلُ: مُوجَبَاتِ الأْيْمَانِ وَالإْقْرَارِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِهَا، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَالِفَ إِذَا حَلَفَ: لاَ رَكِبْتُ دَابَّةً، وَكَانَ فِي بَلَدٍ عُرْفُهُمْ فِي لَفْظِ الدَّابَّةِ الْحِمَارُ خَاصَّةً اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ، وَلاَ يَحْنَثُ بِرُكُوبِ الْفَرَسِ وَلاَ الْجَمَلِ، وَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ فِي لَفْظِ الدَّابَّةِ الْفَرَسُ خَاصَّةً حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهَا دُونَ الْحِمَارِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْحَالِفُ مِمَّنْ عَادَتُهُ رُكُوبُ نَوْعٍ خَاصٍّ مِنَ الدَّوَابِّ كَالأْمَرَاءِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا اعْتَادَهُ مِنْ رُكُوبِ الدَّوَابِّ، وَيُفْتَى كُلُّ بَلَدٍ بِحَسَبِ عُرْفِ أَهْلِهِ، وَيُفْتَى كُلُّ أَحَدٍ بِحَسَبِ عَادَتِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا حَلَفَ لاَ أَكَلْتُ رَأْسًا فِي بَلَدٍ عَادَتُهُمْ أَكْلُ رُءُوسِ الضَّأْنِ خَاصَّةً، لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ وَنَحْوِهَا. وَإِذَا أَقَرَّ الْمَلِكُ أَوْ أَغْنَى أَهْلِ الْبَلَدِ لِرَجُلٍ بِمَالٍ كَثِيرٍ لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ بِالدِّرْهَمِ وَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُتَمَوَّلُ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَقِيرٌ يُعَدُّ عِنْدَهُ الدِّرْهَمُ وَالرَّغِيفُ كَثِيرًا قُبِلَ مِنْهُ.
وَقَدْ عَقَدَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ فَصْلاً كَامِلاً فِي كِتَابِهِ قَوَاعِدِ الأْحْكَامِ فِي مَصَالِحِ الأْنَامِ تَحْتَ عِنْوَانٍ: «فَصْلٌ فِي تَنْزِيلِ دَلاَلَةِ الْعَادَاتِ وَقَرَائِنِ الأْحْوَالِ مَنْزِلَةَ صَرِيحِ الأْقْوَالِ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَغَيْرِهَا»، وَأَوْرَدَ فِي ذَلِكَ ثَلاَثًا وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً .
وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ فَتَاوَى الْعَلاَّمَةِ قَاسِمٍ: التَّحْقِيقُ أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ وَالْمُوصِي وَالْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ وَكُلِّ عَاقِدٍ يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا، وَافَقَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ وَلُغَةَ الشَّارِعِ أَوْ لاَ وَيَقُولُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى: «. وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَعَادَةُ النَّاسِ تُؤَثِّرُ فِي تَعْرِيفِ مُرَادِهِمْ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ ».
وَنَظِيرُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا أَوْرَدَهُ الْقَرَافِيُّ فِي فُرُوقِهِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثلاثون ، الصفحة / 211
د - الْعَقْدُ بالتَّعَاطي (الْمُعَاطَاة).
16 - التَّعَاطي مَصْدَرُ تَعَاطَى، منَ الْعَطْو بمَعْنَى التَّنَاوُل، وَصُورَتُهُ في الْبَيْع: أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَري الْمَبيعَ وَيَدْفَعَ للْبَائع الثَّمَنَ، أَوْ يَدْفَعَ الْبَائعُ الْمَبيعَ فَيَدْفَعَ الآْخَرُ الثَّمَنَ منْ غَيْر تَكَلُّمٍ وَلاَ إشَارَةٍ، وَكَمَا يَكُونُ التَّعَاطي في الْبَيْع يَكُونُ في غَيْره منَ الْمُعَاوَضَات.
وَعَقْدُ الزَّوَاج لاَ يَنْعَقدُ بالتَّعَاطي.
أَمَّا سَائرُ الْعُقُود فَالأْصْلُ فيهَا أَنْ تَنْعَقدَ بالأَْقْوَال؛ لأنَّ الأَْفْعَالَ لَيْسَ لَهَا دَلاَلَةٌ بأَصْل وَضْعهَا عَلَى الالْتزَام بالْعَقْد، لَكنْ إذَا كَانَ التَّعَاطي يَنْطَوي عَلَى دَلاَلَةٍ تُشْبهُ الدَّلاَلَةَ اللَّفْظيَّةَ حَسْبَ الْعُرْف وَالْعَادَة فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء إلَى أَنَّهُ يَنْعَقدُ به الْعَقْدُ إذَا وُجدَتْ قَرَائنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفيدُ الرّضَا، وَهَذَا في عُقُود الْمُعَاوَضَات كَالْبَيْع وَالإْجَارَة وَالاسْتصْنَاع وَنَحْوهَا، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفيَّة وَالْمَالكيَّة وَالْحَنَابلَة.
وَالْمَذْهَبُ عنْدَ الشَّافعيَّة: عَدَمُ جَوَاز الْعُقُود بالتَّعَاطي، وَبَعْضُهُمْ أَجَازَ الْعَقْدَ بالتَّعَاطي في الْمُحَقَّرَات دُونَ غَيْرهَا، وَاخْتَارَ النَّوَويُّ وَجَمَاعَةٌ، منْهُمُ الْمُتَوَلّي وَالْبَغَويُّ الانْعقَادَ بهَا في كُلّ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع والثلاثون ، الصفحة / 246
الْمُوَالاَةُ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ
16 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ الْمُوَالاَةَ لاَ تُشْتَرَطُ فِي الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلاَ يَضُرُّ تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنِ الإْيجَابِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَتَشَاغَلاَ بِمَا يَقْطَعُهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْمُوَالاَةُ بَيْنَ الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْعَقْدِ شَرْطٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ طَالَ ضَرَّ لأِنَّ طُولَ الْفَصْلِ يُخْرِجُ الثَّانِي عَنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنِ الأْوَّلِ فَكُلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ مِنَ الْعُقُودِ فَعَلَى الْفَوْرِ أَيْ أَنْ يَكُونَ عَقِبَ الإْيجَابِ وَلاَ يَضُرُّ عِنْدَهُمُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ .
وَانْظُرِ التَّفْصِيلَ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْدٌ ف 24).
____________________________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة ۸۰)
1- لا ينسب إلى ساكت قول ، ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان يعتبر قبولاً .
2- يعتبر السکوت قبولاً بوجه خاص في الأحوال الآنية :
(۱) اذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحاً بالقبول فان العقد يعتبر قد تم اذا لم يرفض الايجاب في وقت مناسب.
(ب) اذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الايجاب بهذا التعامل وسكت من وجه اليه الايجاب عن الرد •
(ج) اذا تمحض الايجاب لمنفعة من وجه اليه •
3- يعتبر سكوت المشتري بعد أن يتسلم البضائع التي اشتراها قبولا لما ورد في قائمة الثمن من شروط .
الفقرة الأولى من هذه المادة نص مستحدث يتضمن القاعدة والاستثناء فيما يتعلق بمدى صلاحية السكوت للتعبير عن ارادة القبول . وهو مستمد من الفقه الاسلامی: وقد نصت عليه المادة 67 من المجلة . كما وردت تطبيقات لحكمه في مواد عديدة من المجلة (انظر م 276 ، 438، 805 ، 1659). (انظر كذلك الاشباه والنظائر لابن نجیم ص 78 الاشباه والنظائر للسیوطی ص ۹۷، ۹۸)
وهذه الفقرة تطابق الفقرة الأولى من المادة 81 من التقنين العراقي ، والفترة الأولى من المادة 95 من التقنين الأردنی و تطابق في الجزء الأخير منها الفقرة الأولى من المادة من التقنين المدني الكويتي .
أما الفقرة الثانية من المادة المقترحة فتقابل المادة 98 من التقنين الحالي ، وتقابل الفقرة الثانية من المادة 81 من التقنين العراقي ، والفقرة الثانية من المادة 95 من التقنين الأردني ، والفقرة الثانية من المادة 44 من التقنين المدني الكویتی
أما الفقرة الثالثة فتضيف تطبيقاً كان وارداً في نص المشروع التمهيدي للتقنين الحالي.
وما جاء في الفقرتين الثانية والثالثة يتضمن مجرد تطبيقات للاستثناء الوارد على القاعدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأحكام العدلية
مادة (67) السكوت
لا ينسب إلى ساكت قول لكن السكوت في معرض الحاجة بيان، يعني أنه لا يقال لساكت أنه قال كذا لكن السكوت فيما يلزم التكلم به إقرار وبيان.
مادة (276) مشاهدة البائع لقبض المشتري للمبيع
عدم منع البائع حينما يشاهد قبض المشتري للمبيع يكون إذناً من البائع بالقبض.
مادة (438) السكوت في الإجارة
السكوت في الإجارة يعد قبولاً ورضاء، مثلاً لو أستأجر رجل حانوتاً في الشهر بخمسين قرشاً، وبعد أن سكن فيه مدة أشهر أتى الآجر وقال: إن رضيت بستين فاسكن وإلا فاخرج ورده المستأجر وقال: لم أرض واستمر ساكناً يلزمه خمسون قرشاً كما في السابق. وإن لم يقل شيئاً ولم يخرج من الحانوت واستمر ساكناً يلزمه إعطاء ستين قرشاً. كذلك لو قال صاحب الحانوت مائة قرش وقال المستأجر ثمانون وأبقى المالك المستأجر وبقي هو ساكناً أيضاً يلزمه ثمانون ولو أصر الطرفإن على كلامهما واستمر المستأجر ساكناً تلزمه أجرة المثل.
مادة (805) سكوت المعير
سكوت المعير لا يعد قبولاً فلو طلب شخص من آخر إعارة شيء فسكت صاحب ذلك الشيء ثم أخذه المستعير كان غاصباً.
مادة (1659) بيع المال
إذا باع أحد مالا على انه ملكه في حضور شخص آخر لشخص وسلمه ثم ادعى الحاضر بأنه ملكه مع أنه كان حاضرا في مجلس البيع وسكت بلا عذر، فينظر: إلى أن الحاضر هل كان من أقارب البائع أم لا فإن كان من أقاربه أو زوجها أو زوجته لا تسمع دعواه هذه مطلقاً، وإن كان من الأجانب فلا يكون حضوره وسكوته في مجلس البيع فقط مانعاً لدعواه بل بعد حضوره وسكوته في مجلس البيع بلا عذر إن تصرف المشتري في ذلك الملك تصرف الملاك بناء أو هدماً أو غرساً ورآه الحاضر ثم بعد ذلك لو ادعى بقوله هذا ملكي أو لي فيه حصة فلا تسمع دعواه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام الأعظم ابى حنيفة (رضى الله عنه ) إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية (1392هـ ـ 1972م )
۱۲ - إعمال الكلام أولى من إهماله .
المذكرة الإيضاحية
يعنى لا يهمل الكلام ما أمكن حمله على معنى ، كما إذا قال لك عندى مال يحمل كلامه على أقل ما یسمی مالا ولا يهمل .
14 - (ا) لا ينسب إلى ساكت قول .
(ب) والسكوت في معرض الحاجة بيان .
المذكرة الإيضاحية
يعني أنه لا يقال لساكت أنه قال كذا لكن السكوت فما يلزم التكلم به إقرار و بیان ، وذلك كما إذا رأيت أحدا يتصرف في شيء تصرف المالك بلا إذن منك ، وسكت بلا عذر بعد ذلك إقرار منك بأنك غير مالك له ، فلو رأي أجنبيا ببيع ماله فسكت ولم ينهه لم يكن وكيلا بسكوته .