1 ـ لما كان المشرع بما أورده فى المادة 47 من قانون العقوبات قد نص صراحة ووضوح لا لبس فيه على أن " تعين قانوناً الجنح التي يعاقب على الشروع فيها وكذلك عقوبة هذا الشروع " هو مناط التجريم والعقاب ؛ إذ الأصل عدم العقاب على الشروع فى الجنح إلا بنص خاص ، وكانت المادة 98 (ب) من قانون العقوبات إذ سكتت عن النص على ثمة عقوبة للشروع فى الجريمة المنصوص عليها فيها ، وكان من المقرر أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، وإذا كان ذلك ، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمعدل بالحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وغابت عنه هذه الحقيقة القانونية وقضى على الرغم من ذلك بإدانة الطاعنين عن جنحة الشروع فى الترويج – موضوع التهمة الأولى – إعمالاً للمادة الأخيرة – على السياق المتقدم – رغم أنه فعل خارج عن نطاق التأثيم المنصوص عليه فى تلك المادة ولا يندرج تحت أي نص عقابي آخر ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله .
(الطعن رقم 22647 لسنة 84 ق - جلسة 2015/11/18)
2 ـ الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم ، لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته ، و ليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله ، متى رأت أن الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذى ترى أنه الوصف القانونى السليم ، طالما أن الواقعة المبينة بطلب التكليف بالحضور و التى كانت مطروحة بالجلسة هى بذاتها الواقعة التى إتخذتها المحكمة أساساً للوصف الجديد . و إذ كان ذلك ، و كانت المحكمة قد عدلت وصف التهمة المرفوعة به الدعوى من تسهيل دعارة الغير إلى شروع فى ذلك ، فإن الواقعة التى إتخذتها المحكمة أساساً للتعديل هى ذاتها الواقعة التى تضمنتها ورقة التكليف بالحضور و التى كانت مطروحة بالجلسة ، و من ثم فلا تلتزم فى مثل هذه الحالة تنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل فى الوصف القانونى .
(الطعن رقم 1678 لسنة 40 ق - جلسة 1970/12/27 س 21 ع 3 ص 1263 ق 304)
3 ـ إن تغيير المحكمة التهمة من شروع فى قتل إلى ضرب نشأت عنه عاهة مستديمة ليس مجرد تغيير فى وصف الأفعال المسندة إلى الطاعن فى أمر الإحالة مما تملك محكمة الجنايات إجراءه فى حكمها بغير سبق تعديل فى التهمة عملاً بنص المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية ، و إنما هو تعديل فى التهمة نفسها لا تملك المحكمة إجراءه إلا فى أثناء المحاكمة و قبل الحكم فى الدعوى لأنه لا يقتصر على مجرد إستبعاد واقعة فرعية هى نية القتل ، بل يجاوز ذلك إلى إسناد واقعة جديدة إلى الطاعن لم تكن موجودة فى أمر الإحالة ، وهى الواقعة المكونة للعاهة و التى قد يثير الطاعن جدلاً فى شأنها . و لما كان ما أورده الحكم المطعون فيه من عدم لفت المحكمة نظر الدفاع إلى ما أجرته من تعديل هو بعينه الإخلال بحق الدفاع المنهى عنه فى القانون ، و ما ساقه الحكم تبريرا لهذا الإجراء لا يصلح سنداً لتبريره ، ذلك بأن طلب المدافع أخذ المتهم بالقدر المتيقن كان منه بعد نفيه نية القتل عنه - كما يدل على ذلك سياق مرافعته ، و لا يدل بذاته على أنه طلب إعتبار الواقعة ضربا أحدث عاهة ، و لم يبد فى جلسة المحاكمة سواء من النيابة أو من الدفاع ما يدل صراحة أو ضمنا على الإلتفات إلى ما إستقرت عليه المحكمة أو إنتهت إليه فى المداولة من تعديل للتهمة ، و خصوصا أن تهمة الشروع فى القتل - كما وجهت إلى الطاعن - قد خلت من أية إشارة إلى العاهة ، و لا يغنى عن ذلك ورود وصفها فى التقرير الطبى أو فى شهادة الطبيب الشرعى فى جلسة المحاكمة ، و الدفاع بعد غير ملزم بواجب الإلتفات حيث تقعد المحكمة عن واجبها فى لفت نظره . و لما كان القانون لا يخول المحكمة أن تعاقب المتهم على أساس واقعة - شملتها التحقيقات - لم تكن مرفوعة بها الدعوى عليه ، دون أن تلفت الدفاع عنه إلى ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بنى على إجراء باطل مما يعيبه و يوجب نقضه .
(الطعن رقم 1075 لسنة 35ق - جلسة 1965/11/08 س 16 ع 3 ص 820 ق 156)
4 ـ إن التغيير الذى تجريه المحكمة فى التهمة من شروع فى قتل عمد إلى ضرب نشأت عنه عاهة مستديمة لا يعتبر مجرد تغيير فى وصف الأفعال المسندة للطاعن فى أمر الإحالة مما تملك محكمة الجنايات إجراءه فى حكمها بغير سبق تعديل فى التهمة عملاً بنص المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية و إنما هو تعديل فى التهمة نفسها لا تملك المحكمة إجراءه إلا أثناء المحاكمة و قبل الحكم فى الدعوى لأنه لا يقتصر على مجرد إستبعاد واقعة فرعية هى نية القتل بل يجاوز ذلك إلى إسناد واقعة جديدة إلى الطاعن لم تكن موجودة فى أمر الإحالة و هى الواقعة المكونة للعاهة المستديمة و التى قد يثير الطاعن جدلاً فى شأنها ، و فى عدم لفت المحكمة نظر الدفاع إلى ما أجرته من تعديل فى هذه الحالة إخلال بحق الدفاع يعيب الحكم و يوجب نقضه ، إذ القانون لا يخول المحكمة أن تعاقب المتهم على أساس واقعة شملتها التحقيقات لم تكن مرفوعة بها الدعوى عليه دون أن تلفت نظر المدافع عنه إلى ذلك .
(الطعن رقم 1061 لسنة 41 ق - جلسة 1971/12/26 س 22 ع 3 ص 808 ق 194)
5 ـ لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه قضى ببراءة المطعون ضدهما على أساس أن الواقعة غير ثابتة فى حقهما ، فأنه يكون قد إنطوى ضمناً على الفصل فى الدعوى المدنية بما يؤدى إلى رفضها ، لأن القضاء بالبراءة فى صدد هذه الدعوى و قد أقيم على عدم ثبوت وقوع الشروع فى التهريب من المطعون ضدهما ، أنما يتلازم معه الحكم برفض الدعوى المدنية ، و لو لم ينص على ذلك فى المنطوق .
(الطعن رقم 1838 لسنة 51 ق - جلسة 1982/02/10 س 33 ص 186 ق 36)
6 ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بعقوبة مستقلة عن كل من جريمتى التعدى على موظف عام و الشروع فى السرقة اللتين دان الطاعن بهما على الرغم مما تبنىء عنه صورة الواقعة كما أوردها الحكم من أن الجريمتين المسندتين إلى الطاعن مرتبطتان ببعضهما البعض إرتباطاً لا يقبل التجزئة ذلك أن الطاعن لم يتعد على المجنى عليه و يحدث به الإصابات موضوع التهمة الأولى إلا بقصد الخلاص من جريمة الشروع فى السرقة موضوع التهمة الثانية ، مما يوجب إعتبارهما معاً جريمة واحدة و الحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما و ذلك عملاً بالفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات ، و إذ كانت العقوبة المقررة لكل من الجريمتين هى الحبس أو الغرامة دون الجمع بينهما ، و من ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعقوبتى الحبس و الغرامة يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون مما يتعين معه نقضه نقضاً جزئياً و تصحيحه بإلغاء عقوبة الغرامة و الإكتفاء بعقوبة الحبس عن المتهمين إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة 39 من القانون رقم 52 لسنة 1959 بشأن حالات و إجراءات الطعن أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 5410 لسنة 51 ق - جلسة 1982/02/20 س 33 ص 237 ق 48)
وإعمالاً لهذا النص في الجنح فلا عقاب على الشروع في الجنح إلا بناءاً على نص خاص ومعنى هذا أن المشرع لم يضع في شأنها قاعدة عامة كما فعل بالنسبة للشروع في الجنايات ولهذا فيقتضي معرفة عقوبة الشروع في الجنحة الرجوع إلى النص الخاص بها فتارة تكون العقوبة "أقل" كما هو الشأن في عقوبة الشروع في السرقة (م 321 ع ) والنصب (م 336 ) والنصب والتهديد (م 326 ع) وتارة أخرى تكون العقوبة متساوية في الشروع والجريمة التامة كما هو الشأن في نقل المفرقعات أو المواد القابلة للالتهاب في القطارات والمركبات (م 170 ع) وإدخال البضائع الممنوع دخولها في البلاد (م 328 ع). ( موسوعة هرجة الجنائية ، للمستشار/ مصطفى مجدي هرجه، المجلد / الأول ، دار محمود الصفحة / 503)
يتضح من هذا النص أنه لا عقاب على الشروع في الجنح إلا إذا وجد نص خاص يقرر أن المشرع في جنحة معينة معاقب عليه و يحدد مقدار عقوبة هذا الشروع.
ولم ينص المشرع على عقاب الشروع إلا في جنح قليلة وخطته في تحديد مقدار العقاب عليها ليست واحدة إذ يسوي في بعض الحالات بين عقوبة الشروع و عقوبة الجنحة التامة كما في جنحة نقل المفرقعات أو المواد الملتهبة في القطارات والمركبات (المادة 170 عقوبات) وجنحة إدخال بضائع ممنوع دخولها في مصر المادة 228 عقوبات.
وفي بعض الأحوال يعاقب علي المشرع في الجنحة بثلثي العقوبة المقررة للجنحة التامة مثل جريمة غصب المال بالتهديد (المادة 326 عقوبات).
وأحيانا تكون عقوبة الشروع نصف العقوبة المقررة للجنحة التامة مثل العقاب علي الشروع في السرقات المعدودة من الجنح (المادة 321 عقوبات).
وفي أحوال أخرى تكون عقوبة الشروع ثلث العقوبة المقررة للجنحة التامة كما في جنحة النصب (المادة 336 عقوبات) وجنحة قتل الدواب أو المواشي أو الإضرار بها ضرراً كبيراً أو سمها أو سم الأسماك (المادة 355 عقوبات).
هذا ويلاحظ أنه إذا كانت الجريمة لها في البداية وصف الجناية واقتران بها عذر قانوني مخفف تغير وصفها على أثره من جناية إلى جنحة فإن يتعين النص صراحة علي العقاب علي الشروع فيها و إلا لما أمكن العقاب عليه. مثال ذلك: قتل الزوج لزوجته في حالة اقترانه بظرف التلبس بالزنا فهو يعتبر من الجنح ولا يعاقب على الشروع فيه لعدم النص على ذلك كما تقضي بذلك المادة (47) عقوبات. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول، الصفحة : 555)
والجنح المعاقب على الشروع فيها قليلة ومن أمثلتها جنح الضرب والجرح، والسرقة والنصب وغصب المال بالتهديد، وقتل المواشي والدواب أو الإضرار بها ضرراً كبيراً. ولم يتبع المشرع في العقاب على الشروع في الجنح خطة موحدة بل قدر العقوبة في كل جريمة على حدة. بل أنه بالنسبة لبعض الجنح سوى بين الجريمة التامة والشروع في العقوبة، ومثال ذلك جنحة إدخال بضائع ممنوعة إلى مصر (م 228).
وغني عن البيان أنه إذا تغير وصف الجناية إلى جنحة نظراً لتوافر عذر قانوني مخفف فإنه يجب النص صراحة على العقاب على الشروع وإلا لما أمكن العقاب عليه. ومثال ذلك اقتران القتل بالعذر القانوني الخاص بمفاجأة الزوج زوجته متلبسة بالزنا والمنصوص عليه بالمادة 237 عقوبات، فلا عقاب على الشروع فيه لعدم النص صراحة على ذلك. ومن ناحية أخرى إذا توافرت في الجنحة ظروف مشددة تغير من وصفها إلى جناية فإن الشروع في الجناية يعاقب عليه وفقا للمادة 46 عقوبات بالرغم من أنه غير معاقب في حالة الجنحة. (قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث، الصفحة : 506)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 32 .
(مادة 23)
لا عقاب على الشروع في الجنح، إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك.
وقد نص الفصل الرابع على الشروع في الجريمة (المواد (21) - (24))، فعرف الشروع (المادة (21))، وحدد عقوبته في الجنايات المادة (22))، ونص على عدم العقاب على الشروع في الجنح إلا إذا نص القانون على غير ذلك المادة (23))، ونص على عدم العقاب في حالة العدول عن إتمام الجريمة التي شرع الجاني في ارتكابها، متى توقف من تلقاء نفسه عن المضي في تنفيذها (المادة (24)).
ويلاحظ أن الشروع في الجرائم يقتصر على الجرائم التعزيرية دون الجرائم الحدية،
وقواعد الشريعة الموضوعة للعقاب على التعازير تمكن من وضع قواعد خاصة للشروع في الجرائم، وتكفي لحكم جرائم الشروع؛ لأن قواعد الحدود والقصاص تعالج جرائم تامة وقائمة بذاتها، أما إذا شرع في ارتكاب حد أو جريمة قصاص فإنه يمكن أن توقع العقوبة تعزيراً لعدم اكتمال جريمة الحد أو القصاص ويكون العقاب هنا على السلوك الإجرامي جائزا طبقا لقواعد التعزير في الشريعة.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 93
الشُّرُوعُ فِي الْجِنَايَاتِ:
يَتَحَقَّقُ الشُّرُوعُ فِي الْجِنَايَاتِ وَالْحُدُودِ: بِالْفِعْلِ لاَ بِالْقَوْلِ، وَلاَ بِالنِّيَّةِ.
مَا يَجِبُ إِتْمَامُهُ بِالشُّرُوعِ:
مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَلَى الْمُكَلَّفِ، إِذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِتْمَامُهُ بِاتِّفَاقٍ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهُ أَوِ الاِنْصِرَافُ عَنْهُ إِلاَّ بَعْدَ إِتْمَامِهِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حَالَةُ الضَّرُورَةِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ إِتْمَامِهِ، كَأَنْ يُنْتَقَضَ وُضُوءُ الْمُصَلِّي، أَوْ يُغْمَى عَلَيْهِ، أَوْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ أَثْنَاءَ الصَّلاَةِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَعُوقُ الْمُكَلَّفَ عَنِ الإْتْمَامِ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (اسْتِئْنَافٌ - حَيْضٌ - صَلاَةٌ).
وَمِثْلُ الصَّلاَةِ كُلُّ مَفْرُوضٍ مِنْ: صِيَامٍ أَوْ زَكَاةٍ، أَوْ حَجٍّ، إِذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ إِتْمَامُهُ، وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَقَدْ يَجْلِبُ عَلَيْهِ الْعِقَابَ فِي الدُّنْيَا، كَالْكَفَّارَةِ لِمَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فِي رَمَضَانَ بِدُونِ عُذْرٍ، وَلُزُومِ الْهَدْيِ لِمَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوْ عُمْرَتَهُ، وَإِعَادَتُهُمَا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ أَمْرٌ لاَزِمٌ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَمَّا الشَّارِعُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ، إِذَا أَرَادَ قَطْعَهُ فَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِهِ بُطْلاَنُ مَا مَضَى مِنَ الْفِعْلِ حَرُمَ كَصَلاَةِ الْجِنَازَةِ، وَإِلاَّ فَإِنْ لَمْ تَفُتْ بِقَطْعِهِ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَةُ لِلشَّارِعِ، بَلْ حَصَلَتْ بِتَمَامِهَا، كَمَا إِذَا شَرَعَ فِي إِنْقَاذِ غَرِيقٍ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ لإِنْقَاذِهِ جَازَ قَطْعًا.
نَعَمْ ذَكَرُوا فِي اللَّقِيطِ أَنَّ مَنِ الْتَقَطَ لَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، لَكِنْ لاَ عَلَى التَّمَامِ، وَالأْصَحُّ أَنَّ لَهُ الْقَطْعَ أَيْضًا، كَالْمُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ يَنْفَرِدُ، وَإِنْ قُلْنَا الْجَمَاعَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَالشَّارِعُ فِي الْعِلْمِ فَإِنَّ قَطْعَهُ لَهُ لاَ يَجِبُ بِهِ بُطْلاَنُ مَا عَرَفَهُ أَوَّلاً؛ لأِنَّ بَعْضَهُ لاَ يَرْتَبِطُ بِبَعْضٍ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ، فَالصُّوَرُ ثَلاَثَةٌ:
قَطْعٌ يُبْطِلُ الْمَاضِيَ فَيَبْطُلُ قَطْعًا، وَقَطْعٌ لاَ يُبْطِلُهُ وَلاَ يُفَوِّتُ الشَّاهِدَ فَيَجُوزُ قَطْعًا، وَقَطْعٌ لاَ يُبْطِلُ أَصْلَ الْمَقْصُودِ، وَلَكِنْ يُبْطِلُ أَمْرًا مَقْصُودًا عَلَى الْجُمْلَةِ، فَفِيهِ خِلاَفٌ.
قَالَ الْفَتُوحِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَتَعَيَّنُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَيَجِبُ إِتْمَامُهُ عَلَى الأْظْهَرِ وَيُؤْخَذُ لُزُومُهُ بِالشُّرُوعِ مِنْ مَسْأَلَةِ حِفْظِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ تَرْكُ الْحِفْظِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَفِي وَجْهٍ يُكْرَهُ.
أَمَّا مَا نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّارِعُ مِنَ السُّنَنِ فَإِنْ كَانَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَشَرَعَ فِيهِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الإْتْمَامُ بِاتِّفَاقٍ، لقوله تعالى :(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَإِتْمَامُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ مَحَلُّ خِلاَفٍ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي نَفْلٍ لَزِمَهُ إِتْمَامُهُ لقوله تعالى :(وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) فَمَا أَدَّاهُ وَجَبَ صِيَانَتُهُ وَحِفْظُهُ عَنِ الإْبْطَالِ؛ لأِنَّ الْعَمَلَ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى حِفْظِهِ إِلاَّ بِالْتِزَامِ الْبَاقِي، فَوَجَبَ الإْتْمَامُ ضَرُورَةً.
فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ بِدُونِ عُذْرٍ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَعَلَيْهِ الإْثْمُ، وَالْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ لِعُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ. فَأَصْبَحَتِ النَّافِلَةُ عِنْدَهُمْ وَاجِبًا بَعْدَ الشُّرُوعِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنَ النَّفْلِ بِعُذْرٍ، فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا شَرَعَ فِي النَّفْلِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمُضِيُّ فِيهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِذَا لَمْ يُتِمَّهُ؛ لأِنَّ النَّفَلَ لَمَّا شُرِعَ غَيْرَ لاَزِمٍ قَبْلَ الشُّرُوعِ، وَجَبَ أَنْ يَبْقَى كَذَلِكَ بَعْدَ الشُّرُوعِ؛ لأِنَّ حَقِيقَةَ الشَّرْعِ لاَ تَتَغَيَّرُ بِالشُّرُوعِ وَلَوْ أَتَمَّهُ صَارَ مُؤَدِّيًا لِلنَّفْلِ، لاَ مُسْقِطًا لِلْوُجُوبِ. أَمَّا لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ فَنَذَرَ إِتْمَامَهُ، لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْبَقَاءُ فِيهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ لاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
أَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: إِذَا شَرَعَ الْمُكَلَّفُ فِيهَا، فَيُكْرَهُ قَطْعُهَا لِمُكَالَمَةِ النَّاسِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْثِرَ كَلاَمَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ.
وَأَمَّا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَإِنَّهُمَا إِذَا شَرَعَتَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، نَاسِيَةً إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا حَائِضٌ، وَالأْخْرَى أَنَّهَا نُفَسَاءُ، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الاِسْتِمْرَارُ فِي الْقِرَاءَةِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَطْعُ.
أَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ، وَمَنْ بِهِ عُذْرٌ، كَسَلَسِ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُهُمَا لِلصَّلاَةِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا شَرَعَ فِي قِرَاءَةٍ مُتَوَضِّئًا، فَلاَ يَقْطَعُ نَدْبًا، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِتْمَامُ السُّورَةِ أَوِ الْحِزْبِ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
أَمَّا إِذَا شَرَعَ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لاَ يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، ثُمَّ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ لِضَرُورَةٍ طَرَأَتْ عَلَيْهِ - كَخُرُوجِ رِيحٍ، أَوْ حَصْرِ بَوْلٍ، فَلَهُ عَدَمُ إِتْمَامِ مَا قَرَأَ وَيَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ يَقِفُ، وَإِذَا تَرَكَهُ لاَ لِضَرُورَةٍ، فَلاَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَتَخَيَّرَ الْوَقْفَ، بِانْتِهَاءِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَقْرَأُ، فَلَوْ كَانَ يَقْرَأُ فِي قِصَّةِ مُوسَى، أَوْ هُودٍ أَوْ أَهْلِ الْكَهْفِ، فَلْيُتِمَّهَا نَدْبًا حَتَّى لاَ يَكُونُ كَلاَمُهُ مَبْتُورًا، وَحَتَّى تَكْتَمِلَ فِي رَأْسِهِ الْمَوْعِظَةُ.
أَمَّا إِذَا شَرَعَ فِي غَيْرِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ - كَوِرْدٍ مِنَ الأْوْرَادِ، أَوْ مَا يُسَمَّى بِالذِّكْرِ الْجَمَاعِيِّ أَوِ الْفَرْدِيِّ - فَلاَ يُطَالَبُ بِإِتْمَامِهِ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُلْزَمٍ بِهِ.
وَأَمَّا الْمُبَاحُ: إِذَا شَرَعَ فِيهِ الْمُكَلَّفُ فَإِتْمَامُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ؛ لأِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - خَيَّرَ الْمُكَلَّفَ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ.
الشُّرُوعُ فِي الْعُقُودِ:
أَوَّلاً: عَقْدُ الْبَيْعِ:
الْبَيْعُ إِيجَابٌ وَقَبُولٌ، فَإِنْ حَصَلَ الإِْيجَابُ كَانَ شُرُوعًا فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ وَافَقَهُ الْقَبُولُ كَانَ إِتْمَامًا لِلْبَيْعِ. فَإِنْ رَجَعَ الْمُوجِبُ فِي إِيجَابِهِ، قَبْلَ صُدُورِ الْقَبُولِ، يَكُونُ رُجُوعًا عَنِ الشُّرُوعِ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ صَدَرَ الْقَبُولُ قَبْلَ عَوْدِ الْمُوجِبِ تَمَّ الْبَيْعُ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِيجَابٌ) (وَبَيْعٌ)
ثَانِيًا: الْهِبَةُ:
يَكُونُ الشُّرُوعُ فِي الْهِبَةِ بِلَفْظِ: وَهَبْتُ، وَأَعْطَيْتُ، وَنَحَلْتُ، وَلاَ تَتِمُّ إِلاَّ بِالْقَبْضِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَلاَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (هِبَةٌ).
ثَالِثًا: الْوَقْفُ:
الشُّرُوعُ فِي الْوَقْفِ يَكُونُ بِلَفْظِ: وَقَفْتُ، وَحَبَسْتُ، فَمَنْ أَتَى بِكَلِمَةٍ مِنْهُمَا، كَانَ شَارِعًا فِي الْوَقْفِ، وَلَزِمَهُ لِعَدَمِ احْتِمَالِ غَيْرِهِمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ لاَ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِهِ، وَلِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَلْزَمَ، أَوْ يَحْكُمَ بِلُزُومِهِ حَاكِمٌ.
وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ، فَقَالاَ بِلُزُومِهِ، وَأَنَّهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ، وَلاَ يَقِفُ لُزُومُهُ عَلَى الْقَبْضِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: إِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، وَإِخْرَاجِ الْوَقْفِ لَهُ عَنْ يَدِهِ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (وَقْفٌ).
رَابِعًا: الْوَصِيَّةُ:
الشُّرُوعُ فِي الْوَصِيَّةِ يَقَعُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْكِتَابَةِ، كَأَنْ يُوصِيَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَتَتِمَّ وَيَلْزَمَ بِقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنَ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (وَصِيَّةٌ).
خَامِسًا: الْعَارِيَّةُ:
يَكُونُ الشُّرُوعُ فِيهَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمُنْضَبِطَةِ بِالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَيَكُونُ الإْيجَابُ بِقَوْلِهِ: أَعَرْتُكَ كَذَا شُرُوعًا فِي الإْعَارَةِ، وَيَكُونُ الْقَبُولُ فِيهَا إِتْمَامًا لِعَقْدِ الْعَارِيَّةُ، فَبِهِ يَتِمُّ الْعَقْدُ، وَلِكُلٍّ مِنَ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ الرُّجُوعُ قَبْلَ صُدُورِ الْقَبُولِ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا بِرَفْضِ أَخْذِهَا، وَلَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ لأَِنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. (ر: إِعَارَةٌ).
الشُّرُوعُ بِدُونِ إِذْنٍ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ:
الشُّرُوعُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَةِ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ، إِذْ إِنَّ فَرْضِيَّتَهَا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لاَ يَقْتَضِي إِذْنًا مِنْ أَحَدٍ.
أَمَّا الْعِبَادَاتُ غَيْرُ الْمَفْرُوضَةِ، وَالْمُعَامَلاَتُ، فَقَدْ أَوْجَبَ الشَّارِعُ الإْذْنَ فِيهَا لِحَقِّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ، كَحَقِّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَحَقِّ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ.
فَأَعْطَى لِلزَّوْجِ أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ زَوْجَتُهُ فِي فِعْلِ بَعْضِ النَّوَافِلِ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَإِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهَا، وَلَمْ تُطِعْهُ، كَانَ لَهُ مَنْعُهَا، فَإِذَا شَرَعَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْحَجِّ تَطَوُّعًا، بِدُونِ إِذْنِ زَوْجِهَا، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ.
وَكَذَا إِذَا شَرَعَتْ فِي صِيَامِ نَفْلٍ بِدُونِ إِذْنِهِ، لَهُ أَنْ يُفَطِّرَهَا، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ».