المادة 48 - هي مادة 47 مكرراً التي أضيفت إلى قانون العقوبات بالقانون رقم 28 الصادرة في 16 يونية سنة 1910 وقد حذفت منها الفقرة الأخيرة التي اضيفت اليها باز مستم من رقم 84 في 28 أغسطس سنة 1933 ونصها " وفي حالة ارتكاب جناية و عدة جنايات نتيجة لاتفاق جنائي تم بين أكثر من شخصين يعفي من العقوبة المقررة للاتفاق الجنائي ومن العقوبة المقررة للجناية أو الجنايات التي وقعت من بادر ممن عدا المحرضين من الجناة بأخبار الحكومة ودلها على الوسائل التي توصل فعلاً إلى ضبط الجناة الاخرين وذلك لأنه إذا كان من بادر من الجناة بأخبار الحكومة بوجود الاتفاق الجنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة يستحق الإعفاء من العقوبة فإنه لا يستحق الإعفاء منها إذا كان الإخبار لم يقع إلا بعد ارتكاب جناية او عدة جنايات نتيجة للاتفاق . علي إن خطورة بعض الجنايات أو صعوبة إثباتها مما يسوغ الاعفاء في هذه الحالة أيضاً وهذا هو ما رعاه القانون إذ نص على الإعفاء في الجنايات المضرة بأمن الحكومة من جهة الداخل (المادة 102) - التي أصبحت المادة 101 - وجناية الرشوة ( المادة 109) - التي أصبحت المادة 108- و تزييف المسكوكات ( المادة 207) - أصبحت المادة 205- وتزوير اختام الحكومة أو إحدى المصالح العمومية او الشركات المأذونة من قبل الحكومة .... الخ ( المادة 212) -- أصبحت المادة 210 .
1- لا جدوى للطاعنين من نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة لتهمة الاتفاق الجنائي والقضاء ببراءتهما منها بعد قضاء المحكمة الدستورية العليا بحكمها الصادر بتاريخ ........... في الدعوى رقم ..... لسنة ..... ق دستورية ، بعدم دستورية نص المادة (48) من قانون العقوبات ، مما يخرج الواقعة التى كانت مؤثمة بمقتضاها عن نطاق التجريم طالما أن السند التشريعى في تجريمها قد ألغى. ما دام الحكم قد دانهما بالجريمتين المسندتين إليهما وأعمل في حقهما المادة 32 من قانون العقوبات ، وأوقع عليهما عقوبة واحدة وهى الأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وهى العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد باعتبارها الجريمة الأشد التى أثبتها في حقهما ، ومن ثم فلا مصلحة لهما من تبرئتها من تهمة الاتفاق الجنائي .
( الطعن رقم 30159 لسنة 69 ق - جلسة 17 / 2 / 2003 )
2- لما كانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت في الدعوى رقم 114 لسنة 21 ق دستورية بتاريخ 2 / 6 / 2001 بعدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات التي نصت على جريمة الاتفاق الجنائية وعقوبتها وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بتاريخ 4 / 6 / 2001 بما لا يجوز معه تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي عملاً بالمادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا ومن ثم فإن المحكمة تستبعد تلك الجريمة من الاتهامات المسندة إلى المتهمين .
( الطعن رقم 23633 لسنة 70 ق - جلسة 23 / 12 / 2002 )
3- لما كان البين من مطالعة دفاع الطاعنين الأول والثالثة بجلسة المحاكمة أنه لم يتمسك بإعفائهما من العقاب عملاً بالمادة 48 / 5 من قانون العقوبات ، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بتقصى أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها ما لم يدفع به أمامها فإذا لم يتمسك أمام المحكمة بقيام سبب تلك الأسباب فلا يكون له أن ينعى على حكمها إغفال التحدث عن ذلك ، هذا فضلاً عن أن الفقرة الأخيرة من المادة 48 من قانون العقوبات تنص على أن يعفى من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائى ومن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة .
( الطعن رقم 4702 لسنة 64 ق - جلسة 24 / 3 / 1996 )
4- لما كان لا يشترط لتكوين جريمة الاتفاق الجنائي المنصوص عليها في المادة 48 من قانون العقوبات أكثر من أتحاد إرادة شخص أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما سواء كانت معينة أم غير معينة أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها سواء وقعت الجريمة المقصودة من الاتفاق أو لم تقع ، ومن المقرر أنه لا حرج على المحكمة من أن تستنتج الاتفاق السابق من فعل لا حق على الجريمة يشهد به ، وأنه يكفى أن تستخلص العناصر القانونية لجريمة الاتفاق الجنائي من ظروف الدعوى وملابساتها مادام في وقائع الدعوى ما يسوغ الاعتقاد بوقوعه ، وهى في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى ، وإذ استخلص الحكم المطعون فيه من وقائع الدعوى التى ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق وبأسباب مؤدية إلى ما قصده الحكم منها أن اتفاقا مسبقاً قد تم بين الطاعنين على قتل المجنى عليه بالسم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون من قبيل الجدل الموضوعى في مسائل واقعية تملك محكمة الموضوع التقدير فيها بلا معقب من محكمة النقض .
( الطعن رقم 4702 لسنة 64 ق - جلسة 24 / 3 / 1996 )
5- لما كان لا يشترط لتكوين جريمة الاتفاق الجنائي المنصوص عليها في المادة 48 من قانون العقوبات أكثر من إتحاد إرادة شخصين أو أكثر على إرتكاب جناية أو جنحة ما سواء وقعت الجريمة المقصودة من الاتفاق أو لم تقع ، وأنه يكفى أن تستخلص المحكمة العناصر القانونية لجريمة الاتفاق الجنائي من ظروف الدعوى وملابساتها ما دام في وقائع الدعوى ما يسوغ الاعتقاد بوقوعه وهى في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد إستخلص من وقائع الدعوى التى ترد إلى أصل صحيح في الأوراق وبأسباب مؤدية إلى ما رتبه عليها أن إتفاقاً مسبقاً قد تم بين الطاعن الأول وباقى الطاعنين على إرتكاب جريمة إتلاف وإحراق بعض السيارات المملوكة .......... وأمدهم الطاعن الأول بالآدوات والمواد اللازمة لذلك ثم قاموا جميعاً باحراق هذه السيارات فعلاً فإن مباشرة ما يثيره الطاعن من نعى على الحكم بدعوى القصور في التسبيب وإختلال فكرة الجريمة في ذهن المحكمة يكون غير سديد .
( الطعن رقم 17047 لسنة 63 ق - جلسة 21 / 9 / 1995 )
6- الفقرة الأولى من المادة 48 من قانون العقوبات إذ نصت بصفة مطلقة على أنه " يوجد اتفاق جنائى كلما اتفق شخصان فأكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما أو على الأعمال المجهزة أو السهلة لارتكبها " قد دلت بوضوح وجلاء على أن حكمها يتناول كل اتفاق على أية جناية أو جنحة مهما كان نوعها وجلاء على أن حكمها يتناول كل اتفاق على أية جناية أو جنحة مهما كان نوعها أو الغرض منها وهذا يلزم عنه أنه إذا لم ترتكب الجريمة المقصودة من الاتفاق فإنه يبقى العقاب على الاتفاق ذاته أما إذا ارتكبت أو شرع في ارتكابها وكان الشروع معقبا عليه فإنه يكون هناك جريمتان وفى هذه الحالة يوقع على المتهمين عقوبة واحدة هى عقوبة الجريمة الأشد طبقا للمادة 32 من قانون العقوبات .
( الطعن رقم 4207 لسنة 61 ق - جلسة 21 / 12 / 1992 )
7- يشترط في الاعتراف الذي يؤدي إلى إعفاء المتهم من العقوبة وفقاً لنص المادة 48 من قانون العقوبات أن يكون حاصلاً لدى جهة الحكم حتى تتحقق فائدته، فإذا حصل الاعتراف لدى جهة التحقيق ثم عدل عنه لدى المحكمة فلا يمكن أن ينتج الإعفاء، وإذ كان الثابت بالحكم ومحضر الجلسة أن الطاعن أنكر الاتهام المسند إليه أمام المحكمة ولم يعترف به فإن الحكم لا يكون مخطئاً إذا لم يعمل في حقه الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 سالفة الذكر بالإضافة إلى ما تقدم فإن الفقرة الأخيرة من تلك المادة - لكي يستفيد الجناة من الإعفاء من العقاب - توجب المبادرة بإخبار الحكومة بوجود الاتفاق الجنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أيه جناية أو جنحة وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن الجناة المشتركين في الاتفاق، فإذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الإخبار فعلاً إلى ضبط الآخرين، وكان الثابت من مطالعة المفردات المضمومة أنه تم ضبط المتهم الأول .......... بدون ثمة إخبار من جانب الطاعن، وأن إقرار الأخير بالجريمة بتحقيق النيابة حدث بعد ضبطه وبعد أن وقعت الجريمة ولم يكن من شأنه تمكين السلطات من التوصل فعلاً إلى ضبط المتهم الآخر، ومن ثم فلا محل لما قاله الطاعن من حقه في الانتفاع بالإعفاء المقرر في المادة 48 من قانون العقوبات لعدم توافر مسوغاته التي قررها القانون ويكون نعيه على الحكم في هذا الخصوص غير سديد .
( الطعن رقم 150 لسنة 56 ق - جلسة 3 / 4 / 1986 )
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 2 يونيه سنة 2001 الموافق العاشر من ربيع الأول سنة 1422هـ .
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين / حمدى محمد على وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور
وحضور السيد المستشار/محمد خيرى طه عبد المطلب النجار رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 114 لسنة 21 قضائية "دستورية "
المقامة من
السيد / السعيد عيد طه نور
ضد
1 - السيد رئيس الجمهورية
2 - السيد وزير العدل
3 - السيد رئيس مجلس الشعب
4 - السيد النائب العام
" الإجراءات "
بتاريخ الثاني والعشرين من يونيو سنة 1999 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة (48) من قانون العقوبات.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن النيابة العامة أحالت المدعى إلى محكمة جنايات طنطا، متهمة إياه بأنه - بدائرة مركز زفتى محافظة الغربية - أحرز بغير ترخيص سلاحاً، واتفق مع آخر على ارتكاب جنحة سرقة مرتبطة بجناية ارتكبها الأخير، وأثناء نظر الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (48) من قانون العقوبات، فقدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت له برفع الدعوى الدستورية فأقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (48) من قانون العقوبات يجرى نصها كالآتى :
فقرة أولى " يوجد اتفاق جنائى كلما اتحد شخصان فأكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما أوعلى الأعمال المجهِّزة أو المسهِّلة لارتكابها، ويعتبر الاتفاق جنائياً سواء أكان الغرض منه جائزاً أم لا إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التى لوحظت فى الوصول إليه".
فقرة ثانية " وكل من اشترك فى اتفاق جنائى سواء كان الغرض منه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب لمجرد اشتراكه بالسجن. فإذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب المشترك فيه بالحبس".
فقرة ثالثة "وكل من حرض على اتفاق جنائى من هذا القبيل أو تداخل فى إدارة حركته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة فى الحالة الأولى المنصوص عليها فى الفقرة السابقة وبالسجن في الحالة الثانية ".
فقرة رابعة "ومع ذلك إذا لم يكن الغرض من الاتفاق إلا ارتكاب جناية أو جنحة معينة عقوبتها أخف مما نصت عليه الفقرات السابقة فلا توقع عقوبة أشد مما نص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة ".
فقرة خامسة "ويعفى من العقوبات المقررة فى هذه المادة كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائى، وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة، وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة، فإذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الإخبار فعلاً إلى ضبط الجناة الأخرين".
وحيث إن المدعى ينعى على نص هذه المادة عدم بيانه للركن المادى للجريمة، ذلك أن الركن المادى هو سلوك أو نشاط خارجى، فلا جريمة بغير فعل أو ترك، ولا يجوز للمشرع الجنائى أن يعاقب على مجرد الأفكار والنوايا، باعتبار أن أوامر القانون ونواهيه لا تنتهك بالنية وحدها، وإنما بالأفعال التى تصدر عن إرادة آثمة ؛ فضلاً عن أن النص جاءت صياغته واسعة يمكن تحميلها بأكثر من معنى وتتعدد تأويلاتها إذ ترك تحديد الأعمال المجهزة والمسهلة للجريمة لاجتهادات مختلفة مما يُفقده خاصية اليقين التى يجب توافرها فى النصوص الجزائية .
وحيث إنه باستعراض التطور التاريخى للمادة (48) المشار إليها، يبين أن المشرع المصرى أدخل جريمة الاتفاق الجنائى كجريمة قائمة بذاتها - تختلف عن الاتفاق كسبيل من سبل المساهمه الجنائية - بالمادة (47) مكرراً من قانون العقوبات الأهلى، وكان ذلك بمناسبة اغتيال رئيس مجلس النظار سنة 1910 فقدمت النيابة العامة إلى قاضى الإحالة تسعة متهمين أولهم بتهمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد، والباقين بتهمة الاشتراك فى القتل، غير أن القاضى اقتصر على تقديم الأول إلى محكمة الجنايات ورفض إحالة الباقين لعدم توافر أركان الجريمة قبلهم، فتقدمت الحكومة إلى مجلس شورى القوانين بمشروع بإضافة نص المادة (47) مكرراً إلى قانون العقوبات الأهلى - وهو يؤثم جريمة الاتفاق الجنائى المجرد على ذات النحو الذى ورد بعد ذلك بالنص الطعين مع خلاف بسيط فى الصياغة - غير أن المجلس عارض الموافقة على المشروع مستنداًً إلى أن القانون المصرى -كالقوانين الأخرى - لا يعاقب على شئ من الأعمال التى تتقدم الشروع فى ارتكاب الجريمة، كالتفكير فيها والتصميم عليها واتفاق الفاعلين أو الفاعلين والشركاء على كيفية إرتكابها، ولاعلى إتيان الأعمال المجهِّزة أو المحضِّرة لها. وعرّج المجلس إلى المقارنة بين النص المقترح ونظيره فى القانون المقارن موضحاً أن القانون الفرنسى يشترط للتجريم وجود جمعية من البغاة أو اتفاق بين عدة أشخاص وأن يكون غرض الجمعية أو الاتفاق تحضير أو ارتكاب جنايات على الأشخاص والأموال. وأشار المجلس إلى أنه إذا كانت هناك حاجة للاستثناء من ذلك فيجب أن يكون بقدر الضرورة التى يقتضيها حفظ النظام، وأنه لأجل أن تكون المادة (47) مكرراً مقيسة بمقياس الضرورة النافعة فيجب ألا تشمل سوى الجمعيات التى يُخشى منها على ما يجب للموظفين العموميين أو السياسيين من الطمأنينة، أو بعبارة أخرى يجب أن لا يُقصد منها إلا حماية نظام الحكومة، فلايشمل النص الأحوال الأخرى كالاتفاقات الجنائية التي تقع بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة تدخل فى باب الجرائم العادية كجرائم السرقة أو الضرب أو التزوير أو غير ذلك من الجرائم الواقعة على الأشخاص وعلى الأموال؛ غير أن نظارة الحقانية رفضت اقتراح المجلس إذ رأته يثير صعوبات كبيرة فى العمل ويفتقد الضمانات الفعالة ضد جميع الاتفاقات التى تكون غايتها تحقيق المقاصد السياسية بطريق القوة، وأضافت أن القانون الجديد لم يوضع إلا للأحوال التي تجعل الأمن العام فى خطر، ولن يُعمل به أصلاً بما يجعله مهدداً للحرية الشخصية، والمأمول أن لا تدعو الأحوال إلى تطبيق هذا القانون إلا فى النادر كما فى البلاد التى استُقى منها. وصدر نص المادة (47) مكرراً عقوبات أهلى معاقباً على الاتفاق الجنائى، بعد أن برر مستشار الحكومة استعمال المشرع لتعبير الاتفاق الجنائى بديلاً عن كلمة association الواردة فى القانون الفرنسى - والتى جاءت أيضاً فى النسخة الفرنسية لقانون العقوبات الأهلى - بأن هذا اللفظ الأخير قد يفيد قدراً من التنظيم والاستمرار.
وحيث إن أحكام القضاء فى شأن جريمة الاتفاق الجنائى -كجريمة قائمة بذاتها - اتجهت فى البداية إلى وجوب قيام اتفاق منظم ولو فى مبدأ تكوينه وأن يكون مستمراً ولو لمدة من الزمن، واستند القضاء فى ذلك إلى الاسترشاد بالفكرة التى حملت المشرع إلى تجريم الاتفاق الجنائى، غير أنه عدل بعد ذلك عن هذا الاتجاه، فقُضى بأن مجرد الاتفاق على ارتكاب جناية
أو جنحة كاف بذاته لتكوين جريمة الاتفاق الجنائى بلا حاجة إلى تنظيم ولا إلى استمرار، وقد أُشير فى بداية هذا العدول إلى أن المادة (47) مكررة عقوبات أهلى هى فى حقيقة الواقع من مشكلات القانون التى لا حل لها لأنها أتت بمبدأ يُلقى الاضطراب الشديد فى بعض أصول القانون الأساسية، وأن عبارات التنظيم والاستمرار هى عبارات اضطرت المحاكم للقول بها هرباً من طغيان هذه المادة، والظاهر - من الأعمال التحضيرية للنص - أن مراد واضعيه أن يكون بيد الحكومة أداة تستعملها عند الضرورة وفى الأحوال الخطرة استعمالاً لا يكون فى اتساع ميدانه وشموله محلاً للتأويل من جهة القضاء التى تطبقه، وأن الأجدر معاودة النظر فى ذلك النص بما يوائم بين الحفاظ على النظام والأمن العام من جهة ويزيل اللبس والخلط بينه والمبادئ الأخرى، وإلى أن يتم ذلك فلا سبيل لتفادى إشكال هذا النص ومنع إضراره، إلا ما حرصت عليه النيابة العامة من عدم طلب تطبيقه إلا فى الأحوال الخطرة على الأمن العام. وإذا كان المشرع قد عاود النظر مرتين فى المادة سالفة الذكر سنتى 1933، 1937 إلا أنه ظل على فكرته الأساسية فيها التى تقوم على عقاب الاتفاق البسيط على ارتكاب أية جناية أو جنحة، ولو لم تقع أية جريمة نتيجة لذلك الاتفاق.
وحيث إن نص المادة (48) المشار إليها كان محل انتقاد اللجنة التى شُكِّلَتْ لوضع آخر مشروع حديث متكامل لقانون العقوبات - خلال الوحدة بين مصر وسوريا تحت إشراف مستشار رئيس الجمهورية للشئون القانونية آنذاك - برئاسة الأستاذ على بدوى وزير العدل وعميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة الأسبق وعضوية كل من رئيس الدائرة الجنائية بمحكمة النقض والمستشار عادل يونس والدكتور على راشد أستاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق بجامعة عين شمس... وغيرهم، حيث ورد بالمذكرة الإيضاحية للمشروع أنه قد أصلح من أحكام جريمة الاتفاق الجنائى التى تم وضع نصها فى ظروف استثنائية والتى لم يكن لها نظير... وأعيدت صياغة أحكامها بحيث تتفق مع اتجاهات التشريع الحديث؛ واختُتِمَت تلك المذكرة بأنه قد رؤى أنه من الأفضل أن يُلحق بالنصوص المقترحة ما يتصل بها من تعليقات وإيضاحات مبرِّرة لها أو مفسرة لأحكامها كترجمة مباشرة لأفكار من اشتركوا فى صوغ أحكامه وقت مناقشتها مما لايتوفر عادة فى المذكرات الإيضاحية .... فضلاً عن ميزة تسهيل الوقوف على مقاصد النصوص التى تم التوصل إليها بإجماع الآراء.... وبذلك يكون المشروع خلاصة لأعمال لجان متعددة ومشاريع استغرق وضعها سنين طويلة الأمد، روجعت على ضوء القانون المقارن والفقه الحديث ونشاط المؤتمرات الدولية ليكون ذلك القانون مرآة لما بلغته الجمهورية من تطور مرموق فى الميدان التشريعي . وفى مقام التعليق على نص المشروع فى المادة (59) منه (المقابلة للمادة (48) من قانون العقوبات) أوردت اللجنة أنها "رأت بمناسبة وضع التشريع الجديد أن جريمة الاتفاق الجنائى على الوضع المقرر فى التشريع المصرى الحالى فى المادة (48) إنما هو نظام استثنائي اقتضت إنشاءه ظروف استثنائية ويندر وجود نظير له فى الشرائع الأخرى الحديثة ... هذا فضلاً عما أفضى إليه تطبيقه من الاضطرابات والجدل فى تفسير أحكامه، ولذلك فضلت اللجنة العدول عنه فى المشروع الجديد اكتفاء بجرائم الاتفاقات الخاصة التي نص عليها القانون فى حالات معينة بارزة الخطورة . يضاف إلى ذلك أن اللجنة رأت... اعتبار تعدد المجرمين ... ظرفاً مشدداً إذا وقعت الجريمة بناء على اتفاقهم السابق، فإذا بقى الاتفاق بغير نتيجة كان هناك محل لتوقيع التدابير الاحترازية التى يقررها القانون.... بدلاً من توقيع العقوبات العادية ...، وتحديداً لمعنى الخطورة ... اشترط النص أن يقع الاتفاق بين ثلاثة على الأقل حتى يتحقق الظرف المشدد أو يتوافر شرط توقيع التدابير الاحترازية . وليس المراد بالاتفاق فى هذه الحالة مجرد التفاهم العرَضى وإنما هو الاتفاق المصمم عليه الذى تُدبَّر فيه الجريمة وكيفية إرتكابها، وهذا النوع من الاتفاق هو الذى يبلغ درجة من الخطورة تقتضى معالجتها تشريعياً بتشديد العقاب إذا وقعت الجريمة المدبرة، أو بتوقيع التدابير الاحترازية التى يقررها القانون.... إذا لم تقع الجريمة، والمفهوم من تعبير وقوع الجريمة نتيجة للاتفاق... هو أن تقع الجريمة تامة أو مشروعاً فيها شروعاً معاقباً عليه".
وحيث إنه إذا كان الهدف من التجريم قديماً هو مجرد مجازاة الجاني عن الجريمة التى اقترفها، فقد تطور هذا الهدف فى التشريع الحديث ليصبح منع الجريمة سواء كان المنع ابتداء أو ردع الغير عن ارتكاب مثلها، فالاتجاهات المعاصرة للسياسة الجنائية فى مختلف الدول تتجه - كما تشير المؤتمرات المتعاقبة للأمم المتحدة بشأن منع الجريمة ومعاملة المجرمين - إلى أهمية إتخاذ التدابير المانعة لوقوع الجريمة وسن النصوص التى تكفل وقاية المجتمع منها وتجريم الاشتراك فى الجمعيات الإجرامية وتنمية التعاون الدولى لمكافحة الجريمة المنظمة، إلا أن شرعية النصوص التى تتخذ كوسيلة لتحقيق هذه الأهداف مناطها توافقها وأحكام الدستور واتفاقها ومبادئه ومقتضاه، ومن ثم يتعين على المشرع - فى هذا المقام - إجراء موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى .
وحيث إن الدستور ينص فى المادة (41) على أن "الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس... "كما ينص فى المادة (66) على أن " العقوبة شخصية . ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون"، كما حرص فى المادة (67) على تقرير افتراض البراءة، فالمتهم برئ إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة من صفة تُكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه.
وحيث أن الدستور - بنص المادة (66) سالفة الذكر - قد دل على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره يتمثل أساساً فى فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابى، مفصحاً بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائى ابتداء فى زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه إيجابياً كان هذا الفعل أم سلبياً، ذلك أن العلائق التى ينظمها هذا القانون فى مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، فى علاماتها الخارجية، ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هى مناط التأثيم وعلته، وهى التى يتصور إثباتها ونفيها، وهى التى يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهى التى تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، ولا يتصور بالتالى وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادى، ولا إقامة الدليل على توافر السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التى أحدثها بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه. ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية -وليس النوايا التي يضمرها الإنسان فى أعماق ذاته - تعتبر واقعة فى منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكاً خارجياً مؤاخذاً عليه قانوناً. فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجياً فى صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة .
وحيث إنه من القواعد المبدئية التى يتطلبها الدستور فى القوانين الجزائية، أن تكون درجة اليقين التى تنتظم أحكامها فى أعلى مستوياتها، وأظهر فى هذه القوانين منها فى أية تشريعات أخرى، ذلك أن القوانين الجزائية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثراً، ويتعين بالتالي - ضماناً لهذه الحرية - أن تكون الأفعال التي تؤثمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون تلك القوانين جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، ذلك أن التجهيل بها أو انبهامها فى بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التى يتعين عليهم تجنبها.كذلك فإن غموض مضمون النص العقابى مؤداه: أن يُحَال بين محكمة الموضوع وبين إعمال قواعد من ضبطة تُعيّن لكل جريمة أركانها وتقرر عقوبتها بما لا خفاء فيه. وهي قواعد لا ترخص فيها وتمثل إطاراً لعملها لا يجوز تجاوزه، ذلك أن الغاية التي يتوخاها الدستور هى أن يوفر لكل مواطن الفرص الكاملة لمباشرة حرياته فى إطار من الضوابط التى قيدها بها، ولازم ذلك أن تكون القيود على الحرية التى تفرضها القوانين الجزائية، محددة بصورة يقينية لأنها تدعو المخاطبين بها إلى الامتثال لها لكى يدفعوا عن حقهم فى الحياة وكذلك عن حرياتهم، تلك المخاطر التى تعكسها العقوبة، بحيث لا يتم تجاوز الحدود التى اعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لمباشرة الحقوق والحريات التى كفلها، وهو مايخل فى النهاية بالضوابط الجوهرية التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة وفقاً لنص المادة (67) من الدستور.
وحيث إن البيّن من استقراء نص الفقرة الأولى من المادة (48) المشار إليها أنها عرفت الاتفاق الجنائى بأنه اتحاد شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة أوعلى الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها، ولم يشترط النص عدداً أكثر من اثنين لقيام الجريمة، كما لم يتطلب أن يستمر الاتفاق لمدة معينة أو أن يكون على قدر من التنظيم، وقد يكون محل الاتفاق عدة جنايات، أو عدة جنح، أو مجموعة جرائم مختلطة من النوعين معاً، كما قد لا يرد الاتفاق إلا على جناية أوجنحة واحدة، ولم يستلزم النص أن تكون الجريمة أو الجرائم المتفق على إرتكابها على درجة من الجسامة، بل قد يكون محل الاتفاق اقتراف أى جنحة مهما كانت قليلة الأهمية فى دلالتها الإجرامية، كما أنه ليس بلازم أن تتعين الجناية أو الجنحة محل الاتفاق كما لو تم الاتفاق على استعمال العنف - بأى درجة - لتحقيق غاية الاتفاق، سواء كانت هذه الغاية فى ذاتها مشروعة أو غير مشروعة، ومن ثم فإن نطاق التجريم جاء واسعاً فضفاضاً لاتقتضيه ضرورة اجتماعية مبرَّرة .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرعية الجزاء - جنائياً كان أم مدنياً أم تأديبياً - مناطها أن يكون متناسباً مع الأفعال التي أثمها المشرع أو حظرها أو قيد مباشرتها. فالأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فكل ما كان الجزاء الجنائى بغيضاً أو عاتياً، أو كان متصلاً بأفعال لا يسوغ تجريمها، أو مجافياً بصورة ظاهرة للحدود التى يكون معها متناسباً مع خطورة الأفعال التي أثمها المشرع، فإنه يفقد مبررات وجوده ويصبح تقييده للحرية الشخصية إعتسافاً؛ متى كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة (48) تقرر عقوبة السجن على الاتفاق الجنائي على ارتكاب جناية، وكانت عقوبة السجن هى وضع المحكوم عليه فى أحد السجون العمومية وتشغيله داخل السجن أو خارجه فى الأعمال التى تعينها الحكومة المدة المحكوم بها عليه، ولا يجوز أن تنقص عن ثلاث سنوات ولا أن تزيد على خمس عشرة سنة إلا فى الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانوناً، بينما هناك جنايات كثيرة حدد المشرع العقوبة فيها بالسجن مدة تقل عن خمس عشرة سنة ؛ كما تنص ذات الفقرة على أن عقوبة الاتفاق الجنائي على ارتكاب الجنح هى الحبس أى وضع المحكوم عليه فى أحد السجون المركزية أو العمومية المدة المحكوم بها عليه وحدها الأدنى أربع وعشرون ساعة ولا تزيد على ثلاث سنوات إلا فى الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانوناً، بينما هناك جنح متعددة حدد المشرع العقوبة فيها بالحبس مدة تقل عن ثلاث سنوات؛ وهو ما يكشف عن عدم تناسب العقوبات الواردة فى الفقرة الثانية من النص المطعون فيه مع الفعل المؤثم، ولا وجه للمحاجة فى هذا المقام بأن الفقرة الرابعة من المادة (48) المشار إليها تقضى بأنه إذا كان محل الاتفاق جناية أو جنحة معينة عقوبتها أخف مما نصت عليه الفقرة السابقة فلا توقع عقوبة أشد مما نص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة، ذلك أن محل الاتفاق - كما سبقت الإشارة - قد يكون ارتكاب جناية أو جنحة غير معيّنة بذاتها وعندئذ توقع العقوبات الواردة فى الفقرة الثانية من المادة وحدها، وهى تصل إلى السجن خمْس عشرة سنة أو الحبس ثلاث سنوات - حسب الأحوال - ولا شك أنها عقوبات مفرطة فى قسوتها تكشف عن مبالغة المشرع فى العقاب بما لا يتناسب والفعل المؤثم.
وحيث إنه لما كان الهدف من العقوبة الجنائية هو الزجر الخاص للمجرم جزاء لما اقترف، والردع العام للغير ليحمل من يُحتمل ارتكابهم الجريمة على الإعراض عن إتيانها، وكانت الفقرة الرابعة من المادة (48) تقرر توقيع العقوبة المقررة لارتكاب الجناية أو الجنحة محل الاتفاق على مجرد الاتفاق على اقترافها حتى ولو لم يتم إرتكابها فعلاً، فإنها بذلك لا تحقق ردعاً عاماً ولا خاصاً، بل أن ذلك قد يشجع المتفقين على ارتكاب الجريمة محل الاتفاق طالما أن مجرد الاتفاق على اقترافها سيؤدى إلى معاقبتهم بذات عقوبة ارتكابها.
وحيث إن السياسة الجنائية الرشيدة يتعين أن تقوم على عناصر متجانسة، فإن قامت على عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها، بحيث لا تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لإنعدام الرابطة المنطقية بينها؛ تقديراً بأن الأصل فى النصوص التشريعية - فى الدولة القانونية - هو ارتباطها عقلاً بأهدافها، باعتبار أن أى تنظيم تشريعى ليس مقصوداً لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف؛ ومن ثم يتعين دائماً استظهار ما إذا كان النص الطعين يلتزم إطاراً منطقياً للدائرة التى يعمل فيها، كافلاً من خلالها تناغم الأغراض التى يستهدفها، أم متهادماً مع مقاصده أو مجاوزاً لها، ومناهضاً - بالتالى - لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه فى المادة (65) من الدستور؛ متى كان ذلك وكان المشرع الجنائى قد نظم أحكام الشروع فى الباب الخامس من قانون العقوبات (المواد من 45 إلى 47) وهو الذى يسبق مباشرة الباب السادس الخاص بالاتفاق الجنائى، وكان الشروع هو البدء فى تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، وكان مجرد العزم على ارتكاب الجريمة أو الأعمال التحضيرية لذلك لا يعتبر شروعاً، بحيث يتعدى الشروع مرحلة مجرد الاتفاق على ارتكاب الجريمة إلى البدء فعلاً فى تنفيذها، وكان الشروع غير معاقب عليه فى الجنح إلا بنص خاص، أما فى الجنايات فإن عقوبة الشروع تقل درجة عن العقوبة المقررة لارتكاب الجناية، أو بما لا يزيد على نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة التامة ؛ فإذا أعقب المشرع تلك الأحكام بالنص فى المادة (48) على تجريم مجرد اتحاد إرادة شخصين أو أكثر على ارتكاب أى جناية أو جنحة أو على الأعمال المجهِّزة
أو المسهِّلة لارتكابها، وتحديد العقوبة على النحو السالف بيانه بالعقوبة المقررة لارتكاب الجناية أو الجنحة محل الاتفاق، فإنه يكون منتهجاً نهجاً يتنافر مع سياسة العقاب على الشروع، ومناقضاً - بالتالى - للأسس الدستورية للتجريم.
وحيث إن الفقرة الأخيرة من المادة (48) تقرر الاعفاء من العقوبات المقررة لمن يبادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود الاتفاق الجنائى والمشتركين فيه قبل وقوع الجناية أو الجنحة محل الاتفاق، فإن حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل إلى ضبط الجناة، وذلك ابتغاء تشجيع المتفقين على الإبلاغ بإعفائهم من العقاب على النحو السالف البيان؛ إلا أن مؤدى النص أنه إذا ما تم الاتفاق ثم عدل المتفقون جميعاًمن تلقاء أنفسهم عن المضي في الاتفاق فإن جريمة الاتفاق الجنائى تكون قد وقعت متكاملة الأركان ويحق العقاب على المتفقين، فيغدو ارتكاب الجريمة محل الاتفاق - فى تقدير المتفقين - ليس أسوأ من مجرد الاتفاق عليها ولا يكون لتجنب ارتكابها والعدول عن اقترافها فائدة ما، وهو مايعنى عدم تحقيق النص المطعون عليه للمقاصد التي ابتغاها المشرع.
وحيث إن الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن دستورية النصوص العقابية، تضبطها مقاييس صارمة، ومعايير حادة تلتئم وطبيعة هذه النصوص فى اتصالها المباشر بالحرية الشخصية التى أعلى الدستور قدرها، مما يفرض على المشرع الجنائى أن ينتهج الوسائل القانونية السليمة سواء فى جوانبها الموضوعية أو الإجرائية لضمان ألا تكون العقوبة أداة عاصفة بالحرية، وأن تكون العقوبة التى يفرضها فى شأن الجريمة تبلور مفهوماً للعدالة يتحدد على ضوء الأغراض الاجتماعية التى تستهدفها، فلا يندرج تحتها مجرد رغبة الجماعة فى إرواء تعطشها للثأر والانتقام، أو سعيها للبطش بالمتهم، كما لا يسوغ للمشرع أن يجعل من نصوصه العقابية شباكاً أو شراكاً يلقيها ليتصيد باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وكان الجزاء الجنائى لا يعد مُبرَّراً إلا إذا كان واجباً لمواجهة ضرورة اجتماعية لها وزنها، ومتناسباً مع الفعل المؤثم فإن جاوز ذلك كان مفرطاً فى القسوة مجافياً للعدالة، ومن فصلاً عن أهدافه المشروعة ؛ متى كان ماتقدم جميعه فإن المادة (48) المشار إليها تكون قد وقعت فى حمأة المخالفة الدستورية لخروجها على مقتضى المواد (41، 65، 66، 67) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (48) من قانون العقوبات، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
وعلى كل حال فإنه ظاهر من هذا النص أن لهذه الجريمة أركانا ثلاثة هي :
1) اتفاق شخصين فأكثر.
2) أن يكون الاتفاق على ارتكاب جناية أو جنحة ما أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها.
3) القصد الجنائي.
وفيما يلي تفصيل لازم لكل ركن من هذا الأركان.
1- الاتفاق بين شخصين فأكثر
معنى الإتفاق :
ركن الجريمة المادي هو الاتفاق والمقصود به تقابل الإرادات وتبادل الرضا بين الجناة على ما أضمروه فلا يكفي التوافق على النص المشار إليه بالمادة 243 من قانون العقوبات بل يجب حصول "اتفاق" وهو لا يوجد إلا إذا انعقد العزم بين الجناة وأحدث إرادتهم على العمل.
والقانون المصرى لا يشترط أكثر من اتفاق شخصين ولكن يشترط أن يكون كل من الشخصين أهلا لحمل المسئولية الجنائية فلا يعد اتفاقاً جنائياً الاتفاق الذي يحصل بين شخص أهل وبين مجنون أو صغير غير مميز أما إذا بقي شخصان بعد استبعاد من ليس أهلا فإن كلا منهما يكون مسئولا عن الاتفاق وإذا كان المتفقان اثنين مسئولين وبادر أحدهما إلى الإخبار بوجود الاتفاق وبمن اشترك معه فيه فإن هذا لا يترتب عليه أكثر من إعفائه وحده من العقاب وليس من شأنه أن يؤثر في قيام الجريمة عدم معرفة جميع الفاعلين فيكفي لتطبيق المادة 48 أن يثبت لدى المحكمة أن المتهم اتحد مع غيره على ارتكاب جناية أو جنحة ولو بقي هذا الغير مجهولاً.
ولا يشترط في الاتفاق أن يكون كتابة وإنما قد ينعقد بالأقوال أي شفاهة وعلى أي حال يجب أن يكون جدياً فإذا اتفق شخص مع آخر على ارتكاب جناية بقصد الإيقاع به فإن هذا الاتفاق لا يكون جديا لأنه ينتفى به اتحاد الإرادتين على جناية أو جنحة وبالتالي لا يعتبر جريمة طبقاً للمادة 48 ع أما إذا كان أطراف الاتفاق أكثر من اثنين والتقت إرادتان على الأقل بصفة جدية فإن الاتفاق ينعقد جدياً ويكون قائماً ولو كانت مساهمة الآخرين فيها غير جدية إلا تقوم المسئولية بالنسبة لهم فقط لانتفاء القصد الجنائي لديهم".
والعلاقة بين الاتفاق الجنائي المنصوص عليه بالمادة 48 ع والاتفاق كوسيلة اشتراك هي ذات العلاقة بين النص والعام الاتفاق كوسيلة للاشتراك يتطلب العقاب عليه وقوع الجريمة بناء على هذا الاتفاق في حد ذاته. أن النص التجريمي الخاص بالجريمة المتحققة يستغرق تطبيقه نص المادة 48 وبالتالي لا يمكن أعمال النصين معا. أي لا نكون بصدد تعدد بين الجرائم وإنما بصدد تنازع ظاهري بين والنصوص .
ويكفي الاتفاق لتكوين الجريمة فلا يشترط وجود جمعية منظمة لها رؤساء وقوانين كما لا يشترط أن يستمر الاتفاق مدة من الزمن وبعبارة أخرى يجوز أن يكون الاتفاق الجنائي وقتيا كما يجوز أن يكون مستمراً ومتى استمر الاتفاق تكون الجريمة مستمرة لأن الفعل المعاقب عليه ليس هو وقوع الاتفاق الذي يحدث عرضا أو بطريق الصدفة بل هو حالة الاتفاق أعني تلك الحالة التي تدوم منذ وقوع الاتفاق إلى أن يتم القصد المراد منه مع وجود ذات الأركان المكونة له.
وإذا كانت جريمة الاتفاق الجنائي لا تتم إلا باتحاد إرادتين على الأقل على ارتکاب جناية أو جنحة فإن الشروع غير منصور في هذه الجريمة فالاتفاق أما أن ينعقد تاما أو لا يحصل أصلا ولذلك فالعدول عنه بعد تمامه لا يمحو الجريمة إلا إذا تبين للمحكمة أن الاتفاق قد انحل وانتهى فعلا وأن وقائع الدعوى وظروفها تدل على أن الاتفاق لم يعد له وجود.
2- الاتفاق على ارتكاب جناية أو جنحة أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها يجب أن ينصب الاتفاق على جريمة هي جناية أو جنحة أياً كان نوعها وبذلك يخرج عن نطاق جريمة الاتفاق الجنائي المخالفات ولكن يدخل في مضمونها جميع الجنايات والجنح حتى التي يتكفل بالنص على تجريم الاتفاق فيها نصوص خاصة ذلك أن المادة 48 ع تعتبر نصاً احتياطاً أو عاماً لجميع النصوص التي تجرم الاتفاقات الخاصة بأنواع معينة من الجرائم. ولا يلزم في موضوع الاتفاق على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها ولذلك فإن الاتفاق على تحريض آخرين على ارتكاب الجريمة تكتمل به الجريمة كذلك الاتفاق على توفير مواد لازمة لارتكاب الجريمة بواسطة الغير.
ولا يشترط أن يكون الغرض من الاتفاق الجنائي غير مشروع لأنه لا عبرة بالغايات وإنما يجب أن يكون تلاقي الإرادات قد انعقد على ارتكاب جناية أو جنحة سواء كان ذلك الارتكاب ذاته هو الغاية أو كان الارتكاب وسيلة إلى الغاية التي قد تكون مشروعة وقد عبرت عن ذلك المادة 48 ع فقرة أولى شطر ثان بقولها " ويعتبر الاتفاق جنائياً سواء كان الغرض منه جائزاً أو لا إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه " ولا يشترط أن يقع أي فعل تنفيذاً لهذا الاتفاق أو في سبيل تنفيذه وإنما يكفي التقاء الإرادات وحده.
ويصعب تصور حصول الاتفاق في الجرائم غير العمومية لأن الضرر الحادث فيها لا يمكن التنبؤ به سلفاً وكذلك الجرائم ذات النتائج الاحتمالية كالضرب الذي تنشأ عنه عاهة مستديمة أو يفضي إلى الموت وإن كان الاتفاق يتصور في جنحة الضرب البسيط وعلة ذلك أن الجاني في هذه الجرائم مأخوذ بقصده الإحتمالي والنتيجة الحاصلة مرتبطة بفعله المادي برابطة السببية ومن الصعب حصول الاتفاق على مثل هذه النتيجة المحتملة.
ولا يشترط أن يعلم المساهم في الاتفاق جميع تفصيلاته أو منفذ الجريمة أو جميع المساهمين فيه وإنما يكفي أن تلتقي إرادته معهم على ارتكاب جناية أو جنحة أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لها .
ويعتبر الاتفاق جنائياً سواء أكانت الجناية أو الجنايات أو الجنحة أو الجنح المقصودة منه معينة أم لا كما لو أشير إلى استعمال القوة أو العنف أو المفرقعات أو الأسلحة وهكذا كوسائل للوصول إلى غرض جائز أم لا. وليس العقاب مقصوراً على الاتفاقات التي يكون الغرض منها تنفيذ جناية أو جنحة بل يتناول أيضاً الاتفاقات التي يكون الغرض منها تحضير هذه الجناية أو الجنحة أوتسهيل ارتكابها فيقع تحت طائلة المادة من ينفقون على صنع أسلحة أو مفرقعات معدة لاستعمالها فيما بعد كما يقع تحتها من ينفقون على استعمال هذه الأسلحة أو المفرقعات.
وإذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب جريمة خارج الإقليم المصري على نحو تخضع به لأحكام هذا القانون فإن الاتفاق يعد جنائياً إذ بخضوع موضوع الاتفاق للقانون المصري يكتسب وفقاً له صفة إجرامية يصلح بذلك موضوعاً للاتفاق ولا وجه للتفرقة بين الحالات المختلفة لخضوع الجريمة للقانون المصرى.
القصد الجنائي
القصد الجنائي في جريمة الاتفاق هو الركن الأدبي ومعناه دخول المتفق في الاتفاق عالما أن المراد من هذا الاتفاق هو ارتكاب جناية أو جنحة أو إثبات الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها فإذا تم الاتفاق ولم يتوافر القصد فلا جريمة ولا عقاب - مثال ذلك إذا اتفق اثنان على نقل أمتعة من مكانها إلى مكان آخر وكان أحدهما يرمي إلى السرقة والآخر لا يعلم ذلك بل يعتقد أن تلك الأمتعة هي ملك لمن اتفق معه فلا يعتبر مشتركا في اتفاق جنائيا لعدم توفر القصد الجنائي عنده.
عقوبة الاتفاق الجنائي :
إذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب جناية أو عدة جنايات أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه كانت العقوبة السجن من 3-15 سنة. فإذا كان الغرض منه ارتکاب جناية واحدة أو اتخاذها وسيلة لفرضه وكانت عقوبتها أقل مما تقدم فتكون العقوبة المقررة لها تامة هي الواجبة التطبيق. أما إذا كانت عقوبتها أكثر من السجن فيكون السجن هو العقوبة المقررة. .
أما إذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب جنحة أو عدة جنح أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض منه كانت العقوبة الحبس ( من 24 ساعة إلى 3 سنوات) فإذا كان الغرض منه ارتكاب جنحة واحدة أو اتخاذها وسيلة لغرضه وكانت عقوبتها أقل مما تقدم فتكون العقوبة المقررة لها هي الواجبة التطبيق والعبرة بعقوبة الجنحة التامة.
عقوبة التحريض على الاتفاق أو التداخل في إدارة حركته :
تنص المادة 3/ 48 عقوبات على أن " وكل من حرض على اتفاق جنائى من هذا القبيل أو تداخل في إدارة حركته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة في الحالة الأولى المنصوص عنها في الفقرة السابقة وبالسجن في الحالة الثانية " والعلة من تشديد العقوبة على المحرضين هي أنهم هم الذين يغررون برفاقهم من ضعیفی الإرادة ويدفعونهم إلى الجريمة.
الإعفاء من العقوبة :
تنص الفقرة الأخيرة من المادة 48 من قانون العقوبات على أنه "ويعفى من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بأخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة فإذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الإخبار فعلاً إلى ضبط الجناة الآخرين " وللإعفاء المقرر بهذا النص حالتان:
الأولى: يستفيد فيها الجاني بالإعفاء بمجرد الإخبار ويشترط لنواله:
1) أن يخبر عن الاتفاق الجنائي وعن المشتركين فيه وليس بشرط أن يخبر عن أعضاء الاتفاق جمعيا بل يكفي أن يخبر عمن يعرفه منهم.
2) أن يكون الإخبار قبل وقوع أية جناية أو جنحة فإذا وقع شئ من ذلك امتنع الإعفاء.
3) أن يكون الإخبار قبل بحث الحكومة وتفتيشها عن الجناة ويقصد البحث هنا البحث والتفتيش المبنيان على المادة 48 وهما يستلزمان بالضرورة سبق العلم بوجود الاتفاق ومن أجل ذلك يستفيد الجاني إذا أخبر عن الجناة ولو كان البحث عنهم جاريا بسبب جرائم أخرى ارتكبوها وليس بشرط الامتناع الإعفاء أن يكون هناك تحقيق قضائي قد بدأ فعلاً بل يكفي مجرد بحث البوليس.
الثانية: يشترط لنوال الإعفاء فيها أن يوصل الإخبار فعلاً إلى ضبط الجناة الآخرين وهي تتفق مع الحالة الأولى في وجوب الإخبار عن الجناة الذين يعرفهم وأن يكون ذلك قبل وقوع أية جناية أو جنحة تنفيذا للاتفاق ولكنها تختلف في الشرط الأخير منها فقد رأى الشارع أن يفسح المدى للجاني فيسعه أن يخبر بعد البحث والتفتيش عن الجناة ويستفيد بالإعفاء. ولكنه اشترط مقابل ذلك أن يؤدي خدمة جدية بأن يعن الحكومة ويدلها على الوسائل التي توصل فعلا إلى ضبط بقية الجناة. ومبادرة أحد الجناة إلى الإخبار بوجود الاتفاق وبمن اشتركوا فيه لا يترتب عليه بنص المادة 48 أكثر من إعفائه وحده من العقاب وليس من شأنه أن يؤثر في قيام الجريمة ذاتها ولو لم يكن الاتفاق إلا بين اثنين فقط هما المبلغ والمبلغ عنه. ( موسوعة هرجة الجنائية، للمستشار / مصطفى مجدي هرجه، المجلد / الأول، دار محمود الصفحة / 521)
الانفاق الجنائي
قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات التي تتناول الاتفاق الجنائي : الطعن رقم 114 لسنة 21، الجريدة الرسمية العدد 24 في 14 يونية سنة 2001. وقد آثرت الإبقاء على هذه الصفحات التي تتناول الاتفاق الجنائي لقيمتها العلمية من ناحية، ولاحتمال أن يعود المشرع إلى إقرار هذه الجريمة من ناحية أخرى، لاسيما وأن حكم المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن محل نظر
تمهيد : يجرم الشارع الاتفاق الجنائي ذاته، أي لا يجعل العقاب عليه معلقاً على ارتكاب الجريمة أو الجرائم التي كانت محلا له، ويعني ذلك أن الاتفاق تكمن فيه ذاته الصفة غير المشروعة، أي أنه لا يستمدها من فعل غير مشروع خارج عن كيانه وعلى هذا النحو يتضح أن للاتفاق تكييفين قانونيين يتميز كل منهما عن الآخر : فهو وسيلة اشتراك في جريمة متميزة عنه، ثم هو جريمة في ذاته مختلفة عن الجريمة أو الجرائم المتفق عليها .
تعريف: وضع الشارع تعريفاً للاتفاق الجنائي ضمنه المادة 48 من قانون العقوبات، فنص على أنه «يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فأكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها » ويتضح من هذا التعريف أن جوهر الاتفاق الجنائي هو «اتحاد شخصين فأكثر »، ويعني الشارع بذلك اتحاد إرادتين أو أكثر وانعقادها على الإجرام . ويتميز الاتفاق بموضوعه، إذ يتعين أن تكون له صفة إجرامية، وقد حدد الشارع هذه الصفة فتطلب انعقاد الإرادات علی جناية أو جنحة معينة أو غير معينة أو على عمل مجهز أو مسهل لارتكابها. وإذا كان الاتفاق الجنائي من حيث طبيعته انعقاد إرادتين أو أكثر على الإجرام، فمعنى ذلك أنه لا فارق - من حيث جوهره - بينه وبين الاتفاق كوسيلة اشتراك.
الفرق بين نوعي الاتفاق من حيث اللور القانوني لكل منها : الاتفاق - كما قدمنا - وسيلة اشتراك ثم هو جريمة في ذاته، والفرق بينهما واضح من حيث الدور القانوني؛ ولكنه في حاجة إلى التفصيل : فالغاية من التجريم ليست واحدة، إذ يجرم الشارع الاتفاق كوسيلة اشتراك لأنه يريد تحديد المسئولية عن جريمة ارتكبت فعلا، ولكنه يجرم الاتفاق في ذاته لأنه يلمس فيه خطورة ذاتية على المجتمع؛ ويتفرع عن ذلك القول بأن الصفة غير المشروعة للاتفاق كوسيلة اشتراك مستمدة من جريمة الفاعل، ولكن هذه الصفة أصيلة في الاتفاق الجنائي، والنتيجة التي تترتب على ذلك أنه لا عقاب يوقع على المتفق باعتباره شريكاً إلا إذا ثبت ارتكاب جريمة وتوافر علاقة السببية بينها وبين الاتفاق، ولكن العقاب يوقع على المتفق باعتباره فاعلا لجريمة الاتفاق الجنائي دون توقف على ارتكاب جريمة أخرى بناء عليه . وهذا الخلاف يستتبع فروقاً بين النوعين من حيث شروط تجريم كل منهما : فالشارع يتطلب لتجريم الاتفاق كوسيلة اشتراك أن يكون محله جريمة معينة، ولكن يستوي بالنسبة للاتفاق الجنائي أن يكون محله جريمة معينة أو غير معينة؛ وسواء في الاتفاق كوسيلة اشتراك أن يكون محله جناية أو جنحة أو مخالفة، أما الاتفاق الجنائي فيشترط أن تكون محله جناية أو جنحة. وهذان الفارقان يفسرهما اختلاف الدور القانونى لنوعي الاتفاق : فالاتفاق كوسيلة اشتراك يهدف إلى تحديد المسئول عن جريمة ارتكبت، وكون الجريمة قد ارتكبت فعلا يفترض أنها معينة؛ أما الاتفاق الجنائي فلا يشترط فيه ذلك، لأن الشارع قرر أنه ينطوي على الخطورة ولو كان محله جرائم غير معينة . واستبعاد المخالفات من نطاق الاتفاق الجنائي دون الاتفاق كوسيلة اشتراك يفسره أن المخالفات تنشأ المسئولية الجنائية عنها، فإذا كان هدف الاتفاق كوسيلة اشتراك تحديد من يحملون هذه المسئولية تعين الاعتراف له بهذا الدور بالنسبة للمخالفات؛ أما الاتفاق الجنائي فخطورته الذاتية تقتضي أن تكون محله جرائم خطيرة، وليست المخالفات كذلك .
تقسيم الدراسة : دراسة الاتفاق الجنائي تتطلب بيان أركانه ثم تحديد عقابه .
أركان الاتفاق الجنائي
تمهيد وتقسيم: تقوم جريمة الاتفاق الجنائي على أركان ثلاثة: رکن مادی هو الاتفاق، وموضوع هو جناية أو جنحة معينة أو غير معينة أو الأعمال المجهزة أو المسهلة لها، وركن معنوي هو القصد الجنائي .
1- الركن المادي للاتفاق الجنائي
ماهية الركن المادي للاتفاق الجنائي : قوام هذا الركن كما قدمنا هو الاتفاق ذاته، والاتفاق هو انعقاد إرادتين أو أكثر واجتماعها على موضوع معين . والاتفاق بطبيعته له مظهر مادي ملموس، إذ يفترض تعبير كل واحد من أطرافه عن إرادته بحيث يعلم بها زملاؤه في الاتفاق، فيتحقق لهم أن إرادتهم تسير في اتجاه واحد وتتلاقى عند موضوع معين ؛ والتعبير عن الإرادة يفترض ماديات كالقول الشفوي أو العبارات المكتوبة أو الإيماء إذا كانت له دلالة مفهومة، وبهذه الماديات يقوم الركن المادي لجريمة الاتفاق الجنائي . وسواء أن يستغرق انعقاد الإرادات برهة أو أن يمتد زمناً طويلاً . وسواء كذلك أن يكون منظماً مفصلاً فيتخذ شكل « الجمعية الإجرامية »، أو أن يكون عارضاً مجملاً اقتصر أعضاؤه على مجرد العزم على جريمة معينة دون تعيين لكيفية تنفيذها أو تحديد لدور كل منهم فيها .
وتحديد طبيعة الركن المادي للاتفاق الجنائي على هذا النحو يعني ألا فرق بينه وبين الاتفاق كوسيلة اشتراك، فالأتفاقان « من واد واحد». فإذا كان لنوعي الاتفاق طبيعة واحدة، فهل يعني ذلك التعارض بين نصوص القانون إلى الحد الذي يجعل بعضها ناسخاً لبعض ؟ إذا كان الاتفاق يعاقب عليه في ذاته، فيما قيمة النصوص التي تجعله وسيلة اشتراك بحيث لا يعاقب عليه إلا إذا ارتكبت جريمة بناء عليه ؟ أن المتفق يعاقب لمجرد اتفاقه، فإن قلنا بعد ذلك إنه لا يعاقب إلا إذا أفضى الاتفاق إلى جريمة، أفلا يكون بين القولين تناقض ؟ نعتقد أن الشارع قد أراد أن يكون للاتفاق دور احتياطي حين لا تتوافر الشروط التي يتطلبها دوره الأصلي فيعجز عن القيام به . فالدور الأصلي للاتفاق أنه وسيلة اشتراك، وعن طريق هذا الدور يتي تحديد المسئولين عن جريمة ارتكبت، فإذا لم ترتكب جريمة فلا سبيل إلى قيامه بدوره هذا، ويعني ذلك أنه لا عقاب عليه بهذه الصفة؛ وقد قدر الشارع أن عدم العقاب إطلاقا إضرار بالمجتمع، فعين للاتفاق دوراً احتياطياً كجريمة قائمة بذاتها بحيث يعاقب عليه ولو انتفى الشرط المتطلب للعقاب حين يقوم بدوره الأصلي وقد كان مقتضى هذه الخطة أنه إذا أتيح للاتفاق أداء دوره الأصلى بارتكاب الجريمة المتفق عليها فلا محل لدوره الاحتياطي، أي لا محل للعقاب عليه كجريمة في ذاته. ولكن ليست هذه خطة الشارع، ومن ثم كان متصوراً أن يجمع الاتفاق بين دورية؛ وليس ذلك رجوعا من الشارع عن خطته، وإنما يفسره حرصه على عدم الإخلال بالقواعد الخاصة بتعدد الجرائم والعقوبات، وتقديره أنها كفيلة بالتوفيق بين دورى الاتفاق وتحديد العقوبة الواجبة التطبيق على نحو يحقق مصلحة المجتمع ولا ينطوي على إخلال بالعدالة.
دور الإرادة في تكوين الاتفاق : الاتفاق في جوهره انعقاد إرادتين أو أكثر، ومن ثم كان للإرادة الدور الأول في تكوين الاتفاق، ولكن الإرادة مجردة غير كافية، وإنما يتعين أن تتعدد الإرادات فتكون اثنتين أو أكثر، بل أن التعدد في ذاته غير كاف، إذ ينبغي أن تتعقد فيما بينها . وتترتب على هذا التحديد النتائج التالية : لا وجود للاتفاق بغير إرادة يعتد بها القانون، فإرادة غير المميز أو المكره متجردة من القيمة القانونية ولا عبرة بها في تكوين الأتفاق، ولا قيام للاتفاق بإرادة واحدة، ومن ثم كان شخص بمفرده عاجزاً عن ارتكاب هذه الجريمة، وتعدد الإرادات يعني أن تتوافر إرادتان جادتان على الأقل، وأن تكون كل منهما محلاً لاعتداد القانون بها .
فإذا تعددت الإرادات، ولكن لم تكن من بينها غير إرادة واحدة جادة ومعتبرة، إذ كان سائر المتفقين هازلين أو مخادعين يريدون العبث أو الوشاية بصاحب الإرادة الجادة أو كانوا غير مميزين أو مكرهين، فلا قيام للاتفاق ولكن ليس معنى ذلك أنه لا وجود للاتفاق إلا إذا قبض على اثنين على الأقل من المتفقين وثبت توافر الإرادة الجادة لدى كل منهما، إذ يستطيع القاضي أن يدين بهذه الجريمة واحدا فقط وهو مقتنع بأن له زملاء جادين لم يقبض عليهم بعد وإذا استفاد أحد المتفقين من مانع عقاب، كما لو أخبر عن الإتفاق والمشتركين فيه، فإن ذلك لا ينفي أن كانت له إرادة جادة معتبرة، ومن ثم يكون توقيع العقاب على زميله متعيناً إذا توافرت للاتفاق سائر أركانه . ولا يكفي لقيام الاتفاق تعيد الإرادات، وإنما يتعين أن تتجه إلى نفس الموضوع الإجرامي وأن تتلاقى عنده، أي تجتمع عليه، ويعني ذلك أن الإيرادات غير المتحدة في اتجاهها لا يقوم بها الاتفاق، بل أن الإرادات المتوافقة على الإجرام - أي التي تحقق بينها التوافق في المعنى الذي تحدده المادة 243 من قانون العقوبات - لا يقوم بها الاتفاق، إذ لم يتحقق بينها الانعقاد.
هل الاتفاق الجنائي جريمة مستمرة و الجريمة المستمرة يستغرق ارتكابها وقتاً طويلاً نسبياً، أي تمتد ماديتها ومعنوياتها خلال هذا الوقت والاتفاق الجنائي يغلب أن يكون جريمة مستمرة، فالنتيجة التي تترتب على الاتفاق هي صيرورة إرادات المتفقين مجتمعة على الإجرام، وهذه الحالة التي تعد من ماديات الجريمة تستغرق في الغالب وقتاً طويلاً، إذ يظل هذا الاجتماع منعقدا حتى يستنفد غرضه فترتكب الجرائم المتفق عليها أو يعدل المتفقون عنه، ومعنى ذلك أن ماديات الجريمة تستغرق وقتاً طويلاً نسبياً، وتمتد معنوياتها كذلك لأن الإرادات تتجه خلال هذا الوقت إلى الإجرام . وقد يكون الاتفاق جريمة وقتية إذا انفض اجتماع الإرادات بعد انعقاده ببرهة من الزمن يسيرة . وحينما يكون الاتفاق جريمة مستمرة فهو يخضع لكل أحكام هذا النوع من الجرائم : فتسري عليه القوانين الجديدة الأشد إذا عمل : بها بعد انعقاده وقبل انتهائه، كما لو اتفق المتهمون على فعل مباح ثم عمل بقانون يجرمه، إذ يعد الاتفاق جنائيا إذا استمر بعد العمل بهذا القانون . وإذا انعقد الاتفاق خارج الإقليم المصرى على جريمة تخضع لقانونه ثم قدم إلى هذا الإقليم أحد أفراد الاتفاق لتنفيذه خضع الاتفاق للقانون المصري، وجازت محاكمة المتفقين الذين ظلوا في الخارج. وتختص بالمحاكمة عن الاتفاق كل محكمة حل بدائرة اختصاصها أحد أفراد الاتفاق لتنفيذه . ويحوز الحكم قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة لحالة الاستمرار السابقة عليه دون التالية له . ولا تبدأ مدة سقوط الحق في تحريك الدعوى الجنائية إلا من وقت انتهاء الاتفاق، سواء باقتراف الجريمة المتفق عليها أو بعدول المتفقین .
لحظة تمام الركن المادي : إن الاستقلال الذي يقرره القانون الجريمة الاتفاق الجنائي يستتبع التمييز بين ركنها المادي والركن المادي للجريمة المتفق عليها فبانعقاد الإرادات يتوافر الاتفاق ويستكمل الركن المادي عناصره ولو لم تنفذ الجريمة المتفق عليها وإذا لم يكن تنفيذ الجريمة المتفق عليها عنصراً في الاتفاق الجنائي، فمن باب أولى لا يشترط أن يكون الشخص الذي يعهد إليه بتنفيذ الجريمة طرفاً في الاتفاق . فإلاتفاق على جريمة تنفذ عن طريق شخص يعين لذلك في المستقبل هو اتفاق جنائي على الرغم من أن منفذ الجريمة لم يعرف بعد، ولم يتح له تبعاً لذلك أن يشترك في الاتفاق، ولم يسلم إليه جعل أو سلاح.
وتترتب على هذا التحديد نتیجتان : الأولى : أن عدول المتفقين عن تنفيذ الجرائم المتفق عليها لا يحول دون العقاب على جريمة الاتفاق الجنائي، إذ لا يمس هذا العقول الركن المادي الذي توافرت جميع عناصره. الثانية، أنه إذا لم تتعقد الإرادات فلا وجود للاتفاق الجنائي كجريمة تامة، فالدعوة إلى الاتفاق التي لم يصادفها قبول لا تتم بها هذه الجريمة وتحديد ما إذا كانت هذه الدعوة تعد شروعاً في الاتفاق يقتضي تطبيق قواعد الشروع، فإن توافرت أركانه ولم يكن ثمة حائل من القانون دون توقيع العقاب عليه، فلا مبرر للقول بأن الشروع في هذه الجريمة غير متصور أو غير معاقب عليه .
2- موضوع الاتفاق الجنائي .
أهمية موضوع الاتفاق في تحديد صفته الجنائية : يستمد الاتفاق صفته الجنائية من موضوعه : فإذا لم تكن لموضوعه صفة إجرامية، أي كان فعلا مشروعا ولم تكن له صلة بجريمة ما، فليس الاتفاق جنائيا . ولكن الشارع لم يكتف بصفة إجرامية أيا كانت، أي أنه لم يحل إلى القواعد العامة في تحديد ما إذا كان محل الاتفاق فعلاً مشروعاً أم غير مشروع، بل حرص على وضع تحديد خاص للصفة الإجرامية لموضوع الاتفاق، فنصت المادة 48 من قانون العقوبات على أن موضوع الاتفاق هو « ارتكاب جناية أو جنحة ما » أو « الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها » ؛ وهذا التحديد يشذ على القواعد العامة من ناحيتين : الأولى، أنه لا يعتد بغير الجنايات والجنح، فالمخالفات لا تصلح مصدراً للصفة الجنائية للاتفاق؛ والثانية، أنه يعتد بالأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكاب الجنايات أو الجنح، ولو كانت هذه الأعمال في ذاتها غير ذات صفة اجرامية . ونفصل فيما يلي ما يعنيه الشارع بهذا التحديد :
امتداد موضوع الاتفاق إلى كل الجنايات والجنح: لا يفرق القانون بين جرائم خطيرة وغير خطيرة، ولا يفرق بين جرائم سياسية وغير سياسية، فكل جناية أو جنحة مهما ضؤلت، ولو كانت عقوبتها الغرامة فقط، يجوز أن تكون موضوعاً لاتفاق جنائي.
الجنايات أو الجنح غير المعينة : يجوز أن تكون موضوعاً للاتفاق جنايات أو جنح غير معينة، كما لو أشير إلى استعمال العنف لتحقيق الغرض الذي يرمي إليه المتفقون، أو كان موضوع الاتفاق ارتكاب جرائم سرقة ضد أشخاص غير محددين مقدماً. ولكن يشترط ألا يحول عدم تعيين الجرائم دون تحديد ما إذا كانت جنايات أو جنح أو مخالفات، إذ التفرقة بين الجنايات والجنح من ناحية والمخالفات من ناحية أخرى أهمية في تحديد ما إذا كان الاتفاق جنائياً أم غير جنائي، وللتفرقة بين الجنايات من ناحية والجنح من ناحية أخرى أهمية في تحديد عقوبة الاتفاق.
الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكاب الجنايات أو الجنح، إذا ثبت أن موضوع الاتفاق عمل مجهز أو مسهل لارتكاب الجنايات أو الجنح فلهذا الاتفاق الصفة الجنائية سواء أكان هذا العمل في ذاته مشروعاً أم غير مشروع : فالاتفاق على تدريب غلمان على السرقة أو تجهیز مواد سامة أو ضارة لاستعمالها فيما بعد في ارتكاب جرائم أو جمع معلومات عن أشخاص للاعتداء عليهم في وقت لاحق، في كل هذه الحالات يعد الاتفاق جنائياً.
التلازم بين الصفة الإجرامية لموضوع الاتفاق والصفة الجنائية للاتفاق : إذا عرض لموضوع الاتفاق سبب ينفي عنه صفته الإجرامية، كما لو انعقدت ارادات المتفقين على ارتكاب فعل يجرمه القانون أصلا ولكن في ظروف يخضع فيها لسبب إباحة فإن الاتفاق لا يعد جنائياً . أما إذا عرض لموضوع الاتفاق سبب لا يزيل هذه الصفة، فالاتفاق يظل جنائياً ولو كان من شأن هذا السبب أن يقلل من خطورته . وتقود هذه الحقيقة إلى النتائج الآتية : أولاً، إذا أضاف المتفقون تنفيذ الجريمة إلى أجل أو علقوه على شروط الاتفاق يظل جنائياً، إذ ليس لأجل أو الشرط شأن بالصفة الاجرامية لموضوع الاتفاق . ثانياً، إذا كان موضوع الاتفاق جريمة مستحيلة في حالة لا تحول فيها الاستحالة دون توقيع العقاب، فإن الاتفاق تظل له الصفة الجنائية . ثالثاً، إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب جريمة خارج الإقليم المصرى على نحو تخضع به لأحكام هذا القانون، فإن الاتفاق يعد جنائيا، إذ بخضوع موضوع الاتفاق للقانون المصري يكتسب وفقاً له صفة إجرامية ويصلح بذلك موضوعا للاتفاق، ولا وجه للتفرقة بين الحالات المختلفة لخضوع الجريمة للقانون المصرى . رابعاً، إذا ثبتت لموضوع الاتفاق الصفة الإجرامية فلا عبرة بكون الغرض المستهدف به مشروعا أو غير مشروع، إذ أن مشروعية الغاية لا تمس التكييف غير المشروع للفعل، وقد صرح القانون بهذه النتيجة، فنص على « أن يعتبر الاتفاق جنائياً سواء أكان الغرض منه جائزاً أو لا إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه » ؛ وتطبيقاً لذلك فإن الاتفاق على تحقيق إصلاحات مشروعة في ذاتها عن طريق ارتكاب الجنايات أو الجنح أو التهديد بها هو اتفاق جنائي، ويعد جنائيا كذلك الاتفاق على حمل شخص على فعل مشروع عن طريق تهديده بجريمة .
3- الركن المعنوي للاتفاق الجنائي
تمهيد : الاتفاق الجنائي جريمة عمدية، فيتخذ ركنه المعنوي صورة القصد الجنائي . ويتلازم الركنان المادي والمعنوي لهذه الجريمة، فإذا كان الاتفاق مفترضا لدى كل متفق إرادة متجهة إلى الإجرام فمعنى ذلك أنه يفترض توافر القصد الجنائي لديه، إذ أن هذه الإرادة يقوم بها القصد الجنائي .
عناصر القصد الجنائي : للقصد الجنائي عنصران : العلم والإرادة . فالعلم يتعين أن ينصرف إلى موضوع الاتفاق، فيجب أن يعلم كل متفق بماهية الفعل أو الأفعال المتفق عليها، وبما لها من خصائص يعتمد عليها الشارع في إسباغ الصفة الاجرامية عليها، ولكن لا يشترط أن يعلم بالصفة الإجرامية ذاتها، إذ العلم بقانون العقوبات - طبقاً للرأي السائد في الفقه والقضاء - مفترض على نحو لا يقبل إثبات العكس فإذا لم يعلم المتهم بالفعل موضوع الاتفاق أو بخصائصه، فاعتقد أنه فعل معين فإذا به فعل آخر، وكان الأول مشروعاً والثاني غير مشروع، فالقصد الجنائي لا يتوافر لديه : فمن انضم إلى اتفاق معتقداً أنه للاتجار في مواد غذائية فإذا به للاتجار في مواد مخدرة؛ ومن انضم إلى جماعة اعتقد أنها تنشر آراء معينة بالوسائل المشروعة فإذا بها تستعمل الجرائم لفرض آرائها لا يعد القصد الجنائي متوافراً لديهما .
أما الإرادة فيتعين أن تتجه إلى الدخول في الاتفاق، أي أن المتفق يريد أن يصير طرفاً في الاتفاق وأن يقوم بالدور المعهود به إليه . فإذا لم تتجه الإرادة على هذا النحو، فكان المتفق غير جاد يسعى إلى الوشاية بأعضاء الاتفاق، أو يريد مجرد استطلاع أمرهم دون الإنضمام إليهم أو كان هازلاً يريد العبث بهم فلا يتوافر القصد الجنائي لديه .
وليس الباعث من عناصر القصد، ولذلك لا يحول نبله دون توافر القصد، فمن أراد الانضمام إلى اتفاق عالماً بأن لموضوعه صفة إجرامية، فالقصد الجنائي متوافر لديه، ولو كان يستهدف غاية نبيلة كتحقيق إصلاح أو نشر آراء صالحة . وقد قدمنا أن الغرض من الاتفاق ليس من عناصر ركنه المادي، ولذلك لا يكون الاتجاه الإرادة إليه قيمة قانونية .
عقوبة الاتفاق الجنائي
تقسيم : وضع الشارع قواعد البيان مقدار العقوبة التي توقع على أعضاء الاتفاق الجنائي ثم بين حالات الإعفاء من هذه العقوبة .
1- مقدار العقوبة
قواعد توزيع العقاب : میز الشارع في تحديد عقوبة الاتفاق الجنائي بين وضعين : الأول، إذا كان موضوعه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه، والثاني، إذا كان موضوعه ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيلة إلى غرضه، وفرق بعد ذلك بالنسبة لكل وضع بين المحرضين على الاتفاق أو المتدخلين في إدارة حركته وبين أعضائه العاديين . وعلى أساس من هذه القواعد نستطيع التمييز بين حالات أربع، ولكل حالة عقوبتها : 1- إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة إلى غرضه، فعقوبة المحرضين عليه أو المتدخلين في إدارة حركته هي السجن المشدد . 2- إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة إلى غرضه، فعقوبة أعضائه العاديين هي السجن . 3- إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب الجنح واتخاذها وسيلة للوصول إلى غرضه، فعقوبة المحرضين عليه أو المتدخلين في إدارة حركته هي السجن . 4- إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى غرضه، فعقوبة أعضائه العاديين هي الحبس . وعلة هذه القواعد هي تفاوت خطورة الاتفاق والمتهم به : فإذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب جنايات أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى غرضه فهو أخطر مما إذا كانت الجنح موضوعه أو وسيلته ؛ ومن كان محرضاً على الاتفاق أو متدخلاً في إدارة حركته فدوره فيه أخطر من دور العضو العادي، إذ هو صاحب فكرته أو الداعي إليه أو الموجه لنشاطه .
حالة ما إذا كان الغرض من الاتفاق ارتکاب جناية أو جنحة معينة : أورد الشارع في هذه الحالة تحفظا على القواعد السابقة من شأنه تخفيف العقاب فنص على أنه « إذا لم يكن الغرض من الاتفاق إلا ارتكاب جناية أو جنحة معينة عقوبتها أخف مما نصت عليه الفقرات السابقة فلا توقع عقوبة أشد ممانص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة ». ومن شأن هذا التحفظ الهبوط بعقوبة الاتفاق الجنائي إلى العقوبة المقررة للجريمة المتفق عليها . وغني عن البيان أن محل تطبيق هذا التحفظ أن تكون عقوبة هذه الجريمة أخف من عقوبة الاتفاق الجنائي، أما إذا كانت أشد فعقوبة الاتفاق هي الواجبة التوقيع، فهدف الشارع من هذا التحفظ هو تخفيف عقوبة الاتفاق لا تشديدها ؛ ويعني ذلك أن العقوبة التي يقررها القانون للمتفق على جريمة معينة هي أخف العقوبتين : عقوبة الاتفاق وعقوبة الجريمة المتفق عليها . ويستفيد من هذا التخفيف المحرضون على الاتفاق والمتدخلون في إدارة حركته كما يستفيد منه الأعضاء العاديون، إذ لم يقرر القانون تفرقة بين الفريقين . ويعني هذا التحفظ أن القواعد السابقة التي يقررها القانون في شأن توزيع العقاب على المتفقين يقتصر نطاقها على حالة ما إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب جنايات أو جنح متعددة أو كان موضوعه جناية أو جنحة غير معينة . وعلة هذا التحفظ أنه من الشذوذ أن تكون عقوبة الاتفاق الجنائي أشد من عقوبة الجريمة المتفق عليها، ولتفادي هذا الشذوذ وحد الشارع بينهما في صورة جعل عقوبة الجريمة المتفق عليها حدا لا تجاوزه عقوبة الاتفاق الجنائي . والعلة في قصر نطاق هذا التحفظ على حالة ما إذا كان موضوع الاتفاق جريمة معينة أنه حينما تتعدد الجرائم المتفق عليها يغدو الاتفاق في ذاته خطرا بحيث لا يكون ثمة شذوذ في أن تجاوز عقوبته عقوبة إحدى هذه الجرائم .
ارتكاب الجناية أو الجنحة المتفق عليها : إذا ارتكبت بالفعل الجريمة المتفق عليها، فما العقوبة التي توقع على المتفقين؟ ذهب رأي إلى أن ارتكاب هذه الجريمة ينهي حالة الاتفاق ويستنفدها فلا يكون محل لتوقيع عقوبة الاتفاق، وإنما توقع عقوبة هذه الجريمة وحدها . والحجة في ذلك أن الشارع قد استهدف بجريمة الاتفاق الجنائي أن يوقع العقاب حيث لا تكفل القواعد العامة في المساهمة الجنائية توقيعه، فإذا ارتكبت الجريمة المتفق عليها وأصبح العقاب متعینا طبقا القواعد العامة فلا محل للاتفاق الجنائي . وهذا الرأي يتسق مع العلة في تجريم الاتفاق الجنائي، إذ لا جدال في أن الشارع قد أراد به حماية المجتمع بتوقيع العقاب حيث لا تكفل القواعد العامة ذلك، ولكنه لا يتفق مع خطة القانون : فقواعد تعدد الجرائم والعقوبات تأباه، إذ أن ارتكاب جريمة لاحقة لا ينهي المسئولية الناشئة عن جريمة سابقة، وليس من السائغ مخالفة هذه القواعد دون سند من نصوص القانون؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن المادة 48 من قانون العقوبات تلحظ هذا الرأي، فهي تقرر إعفاء المتفق من عقوبة الاتفاق إذا أبلغ السلطات العامة عن الاتفاق والمشتركين فيه قبل ارتكاب أية جناية أو جنحة، مما يعني أنه إذا ارتكبت جناية أو جنحة فلا محل لتمتعه بالإعفاء، أي أن عقوبة الاتفاق توقع عليه على الرغم من ارتكاب الجريمة المتفق عليها . والرأي الصحيح هو تطبيق القواعد العامة المتعلقة بتعدد الجرائم والعقوبات، ذلك أنه قد ارتكبت جريمتان : جريمة الاتفاق الجنائي والجريمة المتفق عليها، وتجمع بينهما وحدة العرض وبينهما ارتباط لا يقبل التجزئة فتوقع العقوبة المقررة لأشدهما (المادة 32 من قانون العقوبات، الفقرة الثانية . وتطبيق هذا الرأي يقتضي أن تحيد عقوبة الاتفاق الجنائي وفقا للقواعد السابقة وعقوبة الجريمة المتفق عليها ثم توقع أشدهما. وإذا وقف تنفيذ الجريمة المتفق عليها عند مرحلة الشروع، فالمقارنة تجري بين عقوبة الاتفاق الجنائي وعقوبة الشروع في الجريمة المتفق عليها لاختيار أشدهما وتوقيعها وحدها . ويفترض هذا الرأي أن الجاني مسئول عن الجريمتين، ولا تثير المسئولية عن الاتفاق الجنائي صعوبة، إذ هو طرف فيه؛ أما المسئولية عن الجريمة المتفق عليها أو الشروع فيها فتفترض أحد وضعين : أما أنه قد ارتكبها كفاعل لها، وإما أنه شريك فيها طبقا لقواعد المساهمة الجنائية ؛ فإن كان فاعلاً لها فلا صعوبة، أما إذا سئل عنها كشريك فمن المتعين أن يكون موضوع الاتفاق جريمة أو جرائم معينة؛ وبذلك تستبعد حالة من كان طرفا في اتفاق موضوعه جرائم غیر معينة ولم يرتكب إحداها كفاعل لها، إذ لا يسأل كشريك عما يرتكبه عضو آخر في الاتفاق، ويعني ذلك أن تقتصر مسئوليته على الاتفاق الجنائي.
2- امتناع العقاب
تمهيد: نص الشارع على حالتين لامتناع العقاب في الفقرة الأخيرة من المادة 48 من قانون العقوبات فقرر أن « يعفى من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة . فإذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الإخبار فعلاً إلى ضبط الجناة الآخرين ». والفعل الذي يتعين أن يقوم به الجاني کی يستفيد من امتناع العقاب هو « الإخبار »، ويجمع بين حالتي امتناع العقاب أن الإخبار يتعين أن يكون سابقا على وقوع أية جناية أو جنحة . وتفترقان من حيث أن إحداهما تفترض سبق الإخبار على بحث الحكومة وتفتيشها عن الجناة في حين تفترض الثانية أن الإخبار، جاء تالياً لهذا البحث والتفتيش ويكتفى الشارع في الحالة الأولى بمجرد الإخبار عن الاتفاق والمشتركين فيه، أما الحالة الثانية فيشترط فيها أن يوصل الإخبار فعلاً إلى ضبط الجناة.
علة امتناع العقاب : علة امتناع العقاب هي تشجيع المتفقين على الانسحاب من الاتفاق وكشف أمره للسلطات العامة، وهي بعد ذلك تمكين هذه السلطات من الحيلولة دون ارتكاب الجرائم المتفق عليها .
الأخبار قبل البحث والتفتيش : تفترض هذه الحالة أن الإخبار كان سابقا على ارتكاب أية جناية أو جنحة، وأنه كان سابقا كذلك على البحث والتفتيش . ولا يعني القانون بالبحث والتفتيش التحقيق القضائي، وإنما يريد به أي بحث صادر عن السلطات العامة، ويفترض القانون اتجاه البحث إلى الكشف عن الاتفاق الجنائي والمشتركين فيه، أما إذا كان من أجل جريمة أخرى فهو لا يحول دون أن ينتج الإخبار أثره - ويكتفي الشارع بمجرد الإخبار عن الاتفاق الجنائي والمشتركين فيه فلا يشترط أن يوصل إلى ضبط الجناة . ولكن يشترط أن يكون صادقاً مفصلاً، فإذا كان مضللاً متضمناً معلومات غير صحيحة، أو كان مجملاً بحيث أغفل الكشف عن بعض المشتركين في الاتفاق الذين يعرفهم المخبر، فلا محل الامتناع العقاب، أما إذا كان يجهلهم فلا يحول إغفالهم في الإخبار دون امتناع العقاب .
الإخبار بعد البحث والتفتيش : تفترض هذه الحالة أن أمر الاتفاق لم يعد مجهولا للسلطات العامة التي اتخذت بالفعل إجراءات البحث والتفتيش . ولذلك لا يكون لمجرد الإخبار بالاتفاق والمشتركين فيه قيمة، إذ لن يكشف للسلطات ما كان خافيا عليها، من أجل ذلك يشترط القانون أن يوصل إلى ضبط الجناة الآخرين . وتتطلب هذه الحالة سبق الإخبار علی ارتكاب أية جناية أو جنحة . (شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 540)
العقاب على وجود الاتفاق الجنائي بوصفة جريمة مستقلة :
إذا كانت القواعد العامة في الاشتراك الجنائي تتطلب لعقاب الشريك وقوع فعل من الفاعل غير مشروع، فمعنى ذلك أن مجرد الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يمكن العقاب عليه تحت وصف الاشتراك. ولكن نظرا للخطورة الإجرامية التي يبرزها مجرد الاتفاق الجنائي فقد تدخل المشرع بالعقاب عليه بوصفه جريمة مستقلة أياً كان موضوع الاتفاق اكتفاء بكونه منصباً على جناية أو جنسية أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه.
وهذا ما نصت عليه المادة 48 من قانون العقوبات.
غير أن المشرع لم يكتف بهذا النص العام في تجريم الاتفاق الجنائي في محيط جرائم أمن الدولة . فقد قدر المشرع أهمية المصالح المحمية في محيط تلك الطائفة من الجرائم، ولذلك نص على تجريم الاتفاق الجنائي في محيطها وقدر له عقوبة أشد من تلك المقررة بالنص العام. وفي محيط جرائم أمن الدولة فرق المشرع أيضاً بين جرائم أمن الدولة من جهة الخارج وبين جرائم أمن الدولة من جهة الداخل. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة: 61)
نصت المادة 1/48 على أنه يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فأكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها. ويعتبر الاتفاق جنائياً سواء أكان الغرض منه جائزاً أم لا إن كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه.
وعلى ذلك فعناصر الجريمة تتمثل أولاً في وجود اتفاق بين شخصين أو أكثر وثانياً أن ينصب موضوعة على ارتكاب جناية أو جنحة أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لها. وثالثاً الركن المعنوي في صورة القصد الجنائي.
أولاً – الاتفاق بين شخصين فأكثر :
يقصد بالاتفاق تقابل إرادتين أو أكثر واتحادها حول موضوع معين ولذلك يخرج من معني الاتفاق مجرد التوافق بين الإرادات.
ويجب أن تكون كل إرادة من الإرادات المتقابلة صحيحة قانوناً في التعبير عن صاحبها وغير مشوبة بعيب من عيوب الرضا وهذا يتطلب العلم الصحيح بجميع الظروف المحيطة بإرادة الطرف المقابل.
ولا يشترط في الاتفاق أن يكون منظماً. كما لا يشترط أن ينصب في شكل خاص. فهو كما يكون كتابة يمكن أن يكون شفاهة. كما لا يشترط أن يكون مستمراً. فالسلوك المادي المكون للجريمة يتحقق بمجرد اتحاد الإرادات حول موضوع الاتفاق والعلاقة بين الاتفاق الجنائي المنصوص عليه بالمادة 48 والاتفاق كوسيلة اشتراك هي ذات العلاقة بين النص الخاص والعام فالاتفاق كوسيلة للاشتراك يتطلب العقاب عليه وقوع الجريمة بناء على هذا الاتفاق بينما الاتفاق الجنائي المنصوص عليه بالمادة 48 يفترض عدم وقوع الجريمة.
ولذلك فأن وقوع الجريمة يستغرق النص الذي يعاقب على الاتفاق في حد ذاته . أي أن النص التجريمي الخاص بالجريمة المتحققة يستغرق تطبيقه نص المادة 48 وبالتالي لا يمكن إعمال النصين معا أي لا نكون بصدد تعدد بين الجرائم وإنما بصدد تنازع ظاهري بين النصوص كما سنرى في موضعه ويترتب على ذلك أن نطاق تطبيق المادة 48 هو في الفروض التي لا تتحقق فيها الجريمة موضوع الاتفاق حتى ولو كان عدم تحققها راجعا لعدول أحد المتفقين عن التنفيذ. ذلك أن العدول عن الاتفاق يكون عدولا لاحقا على تمام الجريمة لا يستفيد منه صاحبه ومن أجل ذلك نص المشرع في الفقرة الأخيرة للمادة 48 على اعتبار المبادرة بإخبار السلطات مانعاً للعقاب.
ثانياً - موضوع الاتفاق :
يجب أن ينصب الاتفاق على جريمة هي جناية أو جنحة أياً كان نوعها وبذلك يخرج عن نطاق جريمة الاتفاق الجنائي المخالفات. ولكن يدخل في مضمونها جميع الجنايات والجنح حتى التي تكفل بالنص على تجريم الاتفاق فيها نصوص خاصة. فقد رأينا أن المادة 48 تعتبر نصا احتياطياً أو عاماً لجميع النصوص التي تجرم الاتفاقات الخاصة بأنواع معينة من الجرائم ولا يلزم الاتفاق على ارتكاب عدة جرائم بل أن الاتفاق على ارتكاب جريمة واحدة كفيل بتطبيق المادة 48.
ولا يلزم في موضوع الاتفاق أن ينصب على الارتكاب وكيفية التنفيذ وإنما يكفي الاتفاق على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها. ولذلك فأن الاتفاق على تحريض آخرين على ارتكاب الجريمة تكتمل به الجريمة كذلك الاتفاق على توفير مواد لازمة لارتكاب الجريمة بواسطة الغير ويكفي التوافر الشرط الذي نحن بصده اتحاد الإرادات على ارتكاب الجريمة أو التجهيز والإعداد لارتكابها حتى ولو كان تنفيذها معلقاً على شرت أو مؤجلا إلى تاريخ غير معروف سلفاً ولا يشترط أن يكون تنفيذ الجناية أو الجنحة موضوع الاتفاق يتم في الأراضي المصرية، طالما أن قانون العقوبات المصري يسري عليها بالتطبيق لمبدأ العينية. أما الجرائم التي يمتد إليها القانون المصري بالتطبيق لمبدأ الشخصية فتخرج عن نطاق الجريمة موضوع البحث لأن العبرة هي بالاختصاص الأصيل للقانون المصري وغير المعلق على وجود الجاني في الأراضي المصرية.
ثالثاً - القصد الجنائي في جريمة الاتفاق الجنائي :
يقوم الركن المعنوي في جريمة الاتفاق الجنائي على القصد الجنائي ويتحقق القصد الجنائي بتوافر العلم بالعناصر المكونة للجريمة وبإرادة تحقيق الواقعة المجرمة والعلم يتوافر متى كان الجاني عالماً بإرادة الآخرين، واتجاهها نحو ارتكاب جناية أو عمل من الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها. ولذلك فأن الغلط حول موضوع الاتفاق أو حول اتجاه إرادة الآخرين من شأنه أن ينفي العلم وبالتالي القصد الجنائي.
ويلزم لتوافر القصد الجنائي فضلاً عن العلم أن تتجه إرادة الجاني إلى تحقيق الواقعة المكونة للجريمة وهذا يتحقق بتوافر إرادة الدخول في الاتفاق مع الآخرين بنية تحقيق موضوع الاتفاق.
فإذا كان تدخل الشخص في الاتفاق ليس بقصد تحقيق موضوع الاتفاق فأن القصد الجنائي ينتفي لديه لانتفاء إرادة الاتفاق ولكن لا يلزم لتوافر إرادة الاتفاق أن يكون تحقيق الجريمة أو الأعمال موضوع الاتفاق منوطا بالجاني فهذه الإرادة تتوافر حتى ولو كان التنفيذ منوطة بآخرين غيره.
ولا يتأثر القصد الجنائي بالأهداف النهائية التي يرمي إلى تحقيقها الجناة عن طريق الجرائم أو الأعمال موضوع الاتفاق. وقد نص المشرع على ذلك صراحة بالمادة 1/48 بقوله «ويعتبر الاتفاق جنائياً سواء أكان الغرض منه جائزاً أم لا إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لو لحظت في الوصول إليه».
عقوبة الاتفاق الجنائي
فرق المشرع في عقوبة الاتفاق الجنائي بين أحوال أربع
أولاً : الاتفاق الجنائي على جنايات متعددة :
إذا كان موضوع الاتفاق الجنائي ارتكاب أكثر من جناية أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود من الاتفاق تكون العقوبة المقررة لكل تحقيق مشترك في الاتفاق لمجرد اشتراكه هي السجن الذي يصل في حده الأقصى إلى خمسة عشر سنة ولا تقل عن ثلاث سنوات .
ثانياً : التحريض أو إدارة حركة الاتفاق على جنایات متعددة :
يعاقب على التحريض على الاتفاق الجنائي المنصب على جنايات متعددة بالأشغال الشاقة المؤقتة وكذلك أيضاً على التداخل في إدارة حركة هذا الاتفاق.
ثالثاً : الاتفاق الجنائي على جنح متعددة والتحريض أو التدخل في إدارة حركته:
إذا كان الغرض من الاتفاق هو ارتكاب جنح متعددة أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب المشترك فيه بالحبس.
رابعاً : الاتفاق على جناية واحدة أو جنحة واحدة معينة :
في هذه الحالة تطبق كقاعدة العقوبات المقررة للجناية أو الجنحة الا إذا كانت اشد من العقوبات المقررة في البنود السابقة فتطبق العقوبات السابقة وفقاً لنوع الجريمة موضوع الاتفاق والقاعدة السابقة، أي تطبيق العقوبات المقررة للجريمة موضوع الاتفاق، تسري أيضاً على المحرضين والمتداخلين في إدارة حركة الاتفاق.
والقاعدة السابقة، أي تطبيق العقوبات المقررة للجريمة موضوع الاتفاق، تسري أيضا على المحرضين والمتدخلين في إدارة حركة الاتفاق.
ولم يتعرض المشرع لحالة ما إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب أكثر من جريمة إحداها جناية والأخرى جنحة. ونرى أنه في هذه الحالة تطبق العقوبة الخاصة بالجناية الواحدة بوصفها الأشد أو تطبق العقوبة الخاصة بالجنايات المتعددة إذا كانت أخف من تلك المقررة للجناية.
امتناع العقاب :
ونصت الفقرة الأخيرة من المادة 48 على أنه "يعفى من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أيه جناية أو جنحة وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة. فإذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يواصل الإخبار فعلاً إلى الجناة الآخرين".
ويستفاد من الفقرة الأخيرة للمادة 48 أن الإخبار بالاتفاق الجنائي إذا توافرت فيه الشروط المنصوص علها يعتبر مانعاً للعقاب دون أن يؤثر على توافر الأركان القانونية للجريمة. وهذه سمة موانع العقاب عموما والتي ينص عليها المشرع لاعتبارات تتعلق بملائمة العقوبة.
ويشترط في الإخبار لكي يحدث عليها أثره القانوني في امتناع العقاب ما يأتي:
أولاً : أن يتم الإخبار للحكومة. ويقصد بالحكومة في هذا الصدد سلطات الأمن أو الضبط القضائي. ويقع الشرط صحيحاً إذا حدث الأخبار للنيابة العامة.
وثانياً : أن ينصب الإخبار على وجود اتفاق جنائي والأشخاص المشتركين فيه ولذلك فالإخبار بوجود الاتفاق والإمساك عن ذكر المشتركين فيه أو إخفاء بعض الأسماء المشتركة مع العلم بذلك ينفي توافر الشرط الذي نحن بصده.
وثالثاً: أن يتم الإخبار قبل وقوع جناية أو جنحة موضوع الاتفاق وقبل البحث والتفتيش من قبل الحكومة عن الجناة. فإذا كانت السلطات قد أخذت علماً بالاتفاق وجاري البحث عن المشتركين فيه، أو علمت بالاتفاق والمشتركين فيه وجاري البحث والتفتيش عنهم فيلزم أن يكون الإخبار مؤدياً فعلاً إلى ضبط الجناة. (قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث، الصفحة : 626)