مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 68
مذكرة المشروع التمهيدي:
1- من حق عقود الإذعان، وهي ثمرة التطور الاقتصادي في العهد الحاضر أن يفرد لها مكان في تقنين يتطلع الى مسايرة التقدم الاجتماعي، الذى أسفرت عنه الظروف الاقتصادية، وقد بلغ من أمر هذه العقود أن اصبحت، في رأي بعض الفقهاء، سمة بارزة من سمات التطور العميق الذى أصاب النظرية التقليدية للعقد، على أن المشروع لم ير مجاراة هذا الرأي إلى غايته، بل اجتزأ بذكر هذه العقود، واعتبر تسليم العاقد بالشروط المقررة فيها ضرباً من ضروب القبول، فثمة قبول حقیقی تتوافر به حقيقة التعاقد ومع ذلك ، فليس ينبغي عند تفسير هذه العقود إغفال ما هو ملحوظ في إذعان العاقد، فهو أقرب إلى معنى التسليم منه إلى معنى المشيئة ويقتضى هذا وضع قاعدة خاصة لتفسير هذه العقود، تختلف عن القواعد التي تسري على عقود التراضي، وقد أفرد المشروع هذه القاعدة نصاً خاصاً بين النصوص المتعلقة بتنفيذ العقود وتفسيرها.
2 -وتتميز عقود الإذعان عن غيرها باجتماع مشخصات ثلاثة : أولها تعلق العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات الأولى بالنسبة للمستهلكين أو المنتفعين والثاني احتكار هذه السلع أو المرافق، احتكاراً قانونياً أو فعلياً، أو قيام منافسة محدودة النطاق بشأنها والثالث توجيه عرض الانتفاع بهذه السلع أو المرافق إلى الجمهور بشروط متماثلة على وجه الدوام بالنسبة لكل فئة منها. وعلى هذا النحو يعتبر من قبيل عقود الإذعان، تلك العقود التي يعقدها الأفراد مع شركات الكهرباء والغاز والمياه والسكك الحديدية، أو مع مصالح البريد والتليفونات والتلغرافات أو مع شركات التأمين.
3- وقد ذهب القضاء في مصر إلى أن عقود الإذعان تتوافر على حقيقة التعاقد، وترتب جميع آثاره ومع ذلك فقد جنح، في نطاق معين ، للتخفيف من نتائج بعض الشروط الجائرة فيها ، وقد حكم ، فيما يتعلق بحقيقة هذه العقود ، بأن كل تاجر يقوم بإيداع بضائعه في مخازن شركة البوندد، يفرض فيه العلم بأحكام اللائحة الداخلية، التي قامت الشركة بنشرها ووضعها تحت تصرف الجمهور (استئناف مختلط 7 ديسمبر سنة 1921 ب 34 ص 44)، وأن الشروط المطبوعة في عقود التأمين لها من قوة الإلزام ما للشروط المخطوطة بالنسبة للمؤمن ( استئناف مختلط 29 يناير سنة 1890 ب 2 ص 360) وأنه لا يجوز للمؤمن إزاء ذلك أن ينازع في سقوط اشتراطه في عقد التأمين بدعوى أن الاشتراط كان مطبوعاً ( استئناف مختلط 15 أبريل سنة 1905 ب 18 ص 188) وقضى كذلك بأن الشروط الواردة في تذكرة الشحن يجب أن تطبق بوصفها شريعة للتعاقدين، متى خلت مما يتعارض مع النظام العام ( استئناف مختلط 20 أبريل سنة 1927 ب 39 ص 405).
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 145 من المشروع.
وأدخلت تعديلات لفظية عليها، وأصبح النص كما يأتي :
القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها.
وأصبح رقم المادة 102 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 102.
المشروع في مجلس الشيوخ .
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الرابعة
تليت المادة وهي الخاصة بالقبول في عقود الإذعان فوافقت اللجنة عليها . وأصبح رقم المادة 100.
محضر الجلسة الثانية والستين
يقترح حضرات مستشارى محكمة النقض أن تصاغ المادة 100 كما يأتي : عقد الإذعان هو الذي يقتصر موقف المتعاقد فيه على مجرد التسليم بشروط مقررة وضعها المتعاقد الآخر غير قابل للمناقشة فيها .
وذلك ليكون النصر مطابقاً لمرجعه ( المادة 172 لبنانی ).
وقد حبذ سعادة دوس باشا الأخذ بالاقتراح لأنه يورد تعريفاً لعقد الإذعان ولكن حضرة مندوب الحكومة. اعترض على الاقتراح بقوله إن الصيغة المقترحة ليست مطابقة لمرجع النص ثم أنها لا تتضمن تعريفاً يبرز جميع خصائص عقود الإذعان بل ولو كلت مقومات التعريف لكان من الأنسب إغفاله لوجوب تجنب التعريفات في نصوص التقنين ما أمكن . وخلص حضرته من ذلك إلى أن نص المشروع أفضل من حيث الصياغة التشريعية ومناسبة السياق فهو يقتصر على إيراد حكم لا تعريف وهو يورد الحكم في معرض بيان صور خاصة للقبول.
قرار اللجنة :
قررت الأغلبية عدم الأخذ بالاقتراح. أما معالى حلمي باشا فإنه يؤيد تعریف عقد الإذعان .
ملحق تقرير اللجنة :
اقترح تعديل المادة 100 بأن تستهل بعبارة ( عقد الإذعان هو الذي يقتصر موقف المتعاقد فيه على مجرد التسليم ) وبذلك تتمحض عبارتها لتعريف عقد الإذعان نفسه لا لوصف القبول في عقود الإذعان على نحو ما فعل المشروع، ليكون النص في صيغته المقترحة مطابقاً لمرجعه، وهو المادة 172 من التقنين اللبناني ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح لأن الصيغة المقترحة ليست مطابقة لمرجع النص ولم يكن في الوسع أن تطابقه لأنه فقهي النزعة بصورة غير مألوفة في التقنين ثم أن هذه الصيغة لا تتضمن تعريفاً يبرز جميع خصائص عقود الإذعان، بل ولو كملت مقومات التعريف لكان من الأنسب إغفاله لوجوب تجنب التعريفات في نصوص التقنين ما أمكن، هذا إلى أن نص المشروع أفضل من حيث الصياغة التشريعية ومناسبة السياق فهو يقتصر على إيراد حكم لا تعريف وهو يورد الحكم في معرض بيان صور خاصة للقبول.
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة.
1 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن من خصائص عقود الاذعان أنها تتعلق بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة للمستهلكين أو المنتفعين ويكون فيها إحتكارا قانونيا أو فعليا أو تكون سيطرته عليها من شأنها أن تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق وأن يكون صدور الأيجاب منه إلى الناس كافة وبشروط واحدة ولمدةغير محدودة، والسلع الضروريةهى التى لا غنى للناس عنها والتى لاتستقيم مصالحهم بدونها بحيث يكونون فى وضع يضطرهم إلى التعاقد بشأنها، ولا يمكنهم رفض الشروط التى يصنعها الموجب ولو كانت جائرة وشديدة.
(الطعن رقم 851 لسنة 58 جلسة 1993/02/04 س 44 ع 1 ص 482 ق 81)
2 ـ من خصائص عقود الاذعان أنها تتعلق بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة إلى المستهلكين أو المنتفعين ، و يكون فيها احتكار الموجب لهذه السلع أو المرافق احتكارا قانونيا أو فعليا أو تكون سيطرته عليها من شأنها أن تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق ، وأن يكون صدور الايجاب إلى الناس كافة وبشروط واحدة ولمدة غير محددة . وإذن فمتى كانت الحكومة قد أشهرت شروط مناقصة فى عملية إنشاء طريق وكان من مقتضى هذه الشروط أن يتقدم كل ذى عطاء بشروط العمل وتحديد زمنه وتكاليفه ، ولم يكن الايجاب فيه مستمرا لزمن غير محدد ، وكان لكل إنسان حرية القبول أو الرفض بعدم تقديم عطائه أصلا أو بتضمينه الشروط التى يرتضيها وتلك التى لا يقبلها ، فان التعاقد عن هذه العملية لا يعتبر عقدا من عقود الاذعان .
(الطعن رقم 208 لسنة 21 جلسة 1954/04/22 س 5 ع 2 ص 788 ق 119)
3 ـ المقرر أنه إذا كان وجه النعى يحمل فى طياته دفاعا قانونيا يخالطه واقع لم يسبق التمسك به أمام محكمة الموضوع فلا يجوز التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض وكان ما تمسك به الطاعنان بوجه النعى من أن العلاقة بينهما وبين البنك المطعون ضده ناشئة من عقد إذعان باعتبارهما الطرف الضعيف فى تلك العلاقة بشأن المبالغ المحرر بشأنها سند الدين محل التداعى هو من قبيل الدفاع القانونى الذى يخالطه واقع لم يسبق لهما التمسك به أمام محكمة الموضوع فلا يجوز لهما إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 8031 لسنة 78 جلسة 2015/06/25)
4 ـ يجب لكى يعتبر العقد عقد إذعان - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن يتضمن إحتكارا قانونيا أو فعليا أو فى القليل سيطرة على السلعة أو المرفق تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق ، و إذ كان تأميم شركات النقل البحرى لا يقوم فى ذاته دليلا على الإحتكار لأن التأميم لا يقتضى بطبيعته إنعدام المنافسة بين الشركات المؤممة و لو عملت فى قطاع إقتصادى واحد ، و كان النزاع بين طرفى الخصومة - على ما يبين من الحكم المطعون فيه - يدور حول عملية نقل داخلى مما يتولاه الى جانب شركات النقل المؤممة أفراد أو مؤسسات تابعة للقطاع الخاص مما يوفر عنصر المنافسة بين جميع هؤلاء فى عمليات النقل و ينتفى معه الإحتكار فيها فإن الحكم المطعون فيه إذ إنتهى فى حدود السلطة التقديرية لقاضى الموضوع إلى القول بعدم قيام إحتكار فى عملية النقل محل النزاع و بالتالى فلا يكون العقد موضوع الدعوى عقد إذعان ، لا يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 248 لسنة 35 جلسة 1969/06/03 س 20 ع 2 ص 851 ق 134)
5 ـ إذا كان يبين من الإطلاع على الحكم المطعون فيه - أن محكمة الإستئناف - بعد أن بينت ان الحكم الجنائي الذى قضى بإدانة سائق السيارة المؤمن عليه قام على تحميل تلك السيارة أكثر من الحمولة المقررة بطنين و بأنها كانت فى حالة غير صالحة للعمل من حيث فراملها و عجلة قيادتها ، عرضت لما أدلت به شركة التأمين الطاعنة فى دفاعها من أن هاتين الحالتين لا تدخلان فى نطاق التأمين إذ نصت المادة الثانية من وثيقة التأمين على أن التأمين لا يشملهما - و لم تأخذ بهذا الدفاع و أسست وجهة نظرها فى التقرير بمسئولية الطاعنة عن دفع مبلغ التأمين على أن ما إحتوته وثيقة التأمين من شروط مطبوعة - عددت فيها الحوادث و الأضرار التى تعفى فيها الطاعنة من المسئولية - يوصل إلى القول بأن الشركة قد إعتبرت نفسها فى الواقع متحللة من دفع التأمين عن الحوادث التى تقع نتيجة مخالفة القوانين و اللوائح عموما - بما يترتب عليه عدم الإعتداد بهذا الشرط وإهداره، فإن هذا الذى أقام الحكم المطعون فيه قضاءه عليه يكون مخالفاً للقانون - ذلك إنه و إن كان مؤدى ما انتهى إليه ذلك الحكم هو إعتبار وثيقة التأمين موضوع الخصومة الحالية و التى عقدت فى ظل أحكام القانون المدنى القديم عقد إذعان ، إلا إنه لا يتأدى من ذلك أن يهدر نص المادة الثانية بجميع ما تضمنه من الصور و الحالات التى نص فيها على أن التأمين لا يشملها - ذلك أن ما يسوغ إبطاله فى هذه الحالة - إنما يقتصر على الشروط التعسفية التى تتناقض مع جوهر العقد بإعتبارها مخالفة للنظام العام ، و لما كان ما ورد بالبندين ثانيا و رابعا من المادة الثانية من العقد من أن التأمين لا يشمل بصفة خاصة ما يقع من الحوادث و الأضرار نتيجة لتحميل السيارة بأكثر من حمولتها المقررة رسميا ، أو نتيجة لعدم العناية بها [ و هاتان الحالتان هما عماد الحكم الجنائي فى إدانة سائق السيارة المؤمن عليها ] لا يعتبر من الشروط القائمة على التعسف و الناقضة لجوهر العقد و لا مخالفة فيها للنظام العام بل أن مبناها الرغبة المشروعة فى الحد من نطاق المسئولية بإستبعاد بعض الصور التى يكون من شأنها جعل الخطر أشد إحتمالا ، فإنه يتعين لذلك إعمال مقتضاهما ، لما كان ذلك و كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فإنه يكون متعين النقض .
(الطعن رقم 296 لسنة 25 جلسة 1960/04/21 س 11 ع 2 ص 330 ق 50)
6 ـ لما كانت أوراق الطعن قد خلت مما يدل على أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع ، بأن المطعون عليها أساءت إستعمال حقها المقرر فى البند السادس من دفتر الشروط ، أو أن ما تضمنه هذا البند هو من شروط الإذعان يجوز للقاضى تعديله أو الإعفاء منه ، و لم يقدم الطاعن ما يدل على تمسكه أمامها بهذا الدفاع ، فإن ما جاء بهذا النعى يكون سبب جديدا لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 285 لسنة 36 جلسة 1970/12/17 س 21 ع 3 ص 1263 ق 206)
7 ـ متى كان ما يقوله الطاعن - من أن الشرط الذى قبل بموجبه بيانات الشركة المطعون ضدها كوسيلة للإثبات هو من قبيل شروط الإذعان - هو دفاع خلت الأوراق مما يدل على سبق التمسك به أمام محكمة الموضوع ، وإذ كانت محكمة الموضوع هى التى تملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفياً ، فإنه لا يجوز للطاعن أن يبدى هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 53 لسنة 32 جلسة 1966/10/18 س 17 ع 1 ص 1543 ق 215)
8 ـ التمسك بأن قيود البناء الواردة فى عقد البيع الصادر من الشركة المطعون عليها يعتبر من شروط الإذعان التي لا سبيل للمشتري عند توقيعه إلى المناقشة فيها، لا يصح التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام أنه لم يسبق طرحه من قبل أمام محكمة الموضوع .
(الطعن رقم 280 لسنة 25 جلسة 1960/02/25 س 11 ع 1 ص 184 ق 29)
القبول في عقود الإذعان :
وقد ثار الشك أول الأمر حول اعتبار الإذعان قبولاً ينعقد به عقد حقيقي أو إعتبار العلاقة بين المحتكر والمذعنين له علاقة لائحية ينظمها عند الاحتكار إن كان الاحتكار قانونياً أو يجب أن ينظمها القانون ان كان الاحتكار فعلية، والراجح الآن في فقه القانون المدني أن الضغط الذي يكون الطرف المذعن واقعة تحته لا يبلغ حد الإكراه الذي يعدم الرضا ولا حتى حد الإكراه الذي يفسده وبالتالي فإن القبول بطريق الإذعان قبول صحيح ينعقد باقترافه بالإيجاب عقد حقیقی وقد نظم المشرع الإذعان في بعض النصوص منها المادتين 149 و151 من القانون المدني " راجع التعليق عليهما" كما نظم التزام المرافق العامة وعقد التأمين باعتبارهما من أهم عقود الإذعان الشائعة. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني الصفحة/ 413)
عقد الإذعان هو العقد الذي يسلم فيه القابل بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها، وذلك فيما يتعلق بسلعة أو مرفق ضروري تكون محل احتكار قانونی فعلی أو تكون المنافسة محدودة النطاق في شأنها.
وهذا العقد وليد التطور في الحياة الاقتصادية الحديثة. فالصورة التقليدية للعقد تقوم على المساومة وتفترض مناقشة شروط العقد وبحثها بحرية من جانب الطرفين على قدم مساواة. ولكن النشاط المتزايد في الحياة الاقتصادية أدى إلى زيادة هائلة في عدد ما يجب أن يبرم من عقود، واقتضى هذا ضرورة إبرام أكبر عدد ممكن في أقل وقت وبأقل مجهود، فترتب على ذلك بالنسبة إلى عدد كبير من العقود أن انفرد الموجب بتحديد شروط العقد واستحال النقاش عند إبرامه. وقد وجد إلى جانب هذا التطور بالنسبة إلى عقد الإذعان تفاوت محسوس في مركز الطرفين من الناحية الاقتصادية، وذلك بسبب ما يتمتع به الموجب في هذا العقد من احتكار قانوني أو فعلي فأصبح الموجب يقدم لمن يريد التعاقد معه شروط العقد ككل يأخذه جملة أو يدعه، ولابد لهذا الاخير من أن يتعاقد، لأن المسألة تتعلق بسلعة أو مرفق لا غنى عنه، فهو بذلك يرضخ ويذعن لمشيئة الطرف القوى، ومن هنا جاءت تسمية "عقد الإذعان.
ومن أمثلة عقود الإذعان عقد العمل في الصناعات الكبيرة، وعقد التأمين بأنواعه المختلفة، وعقد النقل مع الهيئة القومية للسكك الحديدية والتلغراف وشركات السيارات العامة وشركات البواخر وشركات الطيران، وعقد الاشتراك في المياه والنور والغاز والتليفون.
ففي هذه العقود يعرض الموجب إيجابه بصورة قاطعة لا تقبل النقاش، ولا مفر للطرف الآخر من القبول لأنه يتعاقد مع محتكر لسلعة أو مرفق من ضروريات الحياة التي لا غنى عنها.
خصائص عقود الإذعان:
يتميز عقد الإذعان بخصائص ثلاث أساسية هي:
1-أن يتعلق العقد بسلعة أو مرفق تعتبر من الضروريات ليس بالنسبة لفرد بعينه، وأما بالنسبة لجمهرة الناس، بحيث لا يستطيع هؤلاء الاستغناء عنها في حياتهم، دون أن يلحقهم الأذى أو الضيق.
وتحديد ما إذا كانت السلعة أو الخدمة من ضروريات الحياة أم لا مسألة واقع، وتدخل بالتالي في سلطة قاضي الموضوع التقديرية.
أن يكون أحد المتعاقدين محتكراً للسلعة أو المرفق، سواء أكان احتكاره هذا قانونياً أو فعلياً، أو على الأقل تكون سيطرته عليها سيطرة تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق.
صدور الإيجاب إلى الناس كافة وبشروط واحدة وعلى نحو مستمر أي لمدة غير محدودة. ويغلب أن يكون في صيغة مطبوعة تحتوي على شروط مفصلة لا تجوز فيها المناقشة وأكثرها لمصلحة الموجب، فهي تارة تخفف من مسئوليته التعاقدية وأخرى تشدد في مسئولية الطرف الآخر، وهي في مجموعها من التعقيد بحيث يغمم فهمها على أوساط الناس.
مالاً يعتبر من عقود الإذعان :
الاتفاق على عدم مسئولية المؤجر عما يصيب المحصول من هلاك يسبب القوة القاهرة، لا يجعل عقد الإيجار من عقود الإذعان.
لا يجوز التمسك بأن العقد ينطوي على شروط إذعان لأول مرة أمام محكمة النقض:
يتم التعاقد في عقود الإذعان بناء على إيجاب يصدر من مقدم السلعة أو الخدمة، ثم قبول من الطرف المذعن.
فالإيجاب هو عرض السلعة أو الخدمة من صاحبها على من يشاء من الجمهور. وهو يجاب مسخر، يتم وفق شروط موضوعة سلفاً ومنشورة على الناس، بحيث يستطيعون العلم بها. ويترتب على كون الإيجاب مستمراً، أنه إذا قبله أي شخص، قام العقد نهائياً، وما استطاع مقدم السلعة أو الخدمة التحلل من إبرامه، حتى إذا ما قعد عن تنفيذ الالتزامات المتولدة عنه، انشغلت مسئوليته التعاقدية. ولكن يلاحظ أنه في بعض الأحيان يقترن الإيجاب هنا بشروط أو تحفظات تمليها طبيعة التعاقد ذاتها، بحيث لو أنها تخلفت، اعتبر الإيجاب غیر قائم أصلاً. ومثال ذلك الإيجاب بالتأمين على الحياة الموجه للجمهور من شركات التأمين. فهذا الإيجاب معلق بالضرورة على شرط أن يكون المؤمن على حياته خالياً من الأمراض التي تتهدد الحياة. ومثال ذلك أيضاً الإيجاب الموجه من شركات الخطوط الجوية وشركات النقل على خلاف أنواعها، فهذا الإيجاب معلق على شرط أن يكون هناك مقاعد شاغرة.
والإيجاب في عقود الإذعان، على نحو ما ذكرنا لايعدو أن يكون تطبيقاً للقاعدة العامة التي تقضي بأنه يصح أن يوجه الإيجاب إلى أشخاص غير محددين، طالما كانت شخصية من يراد التعاقد معه غير ذات اعتبار أساسي في التعاقد، وذلك مع مراعاة ما تقتضيه ظروف الحال.
ويتم القبول في عقود الإذعان، إذا جاء شخص وارتضى الإيجاب الموجه له ولغيره من أفراد الناس، فينعقد العقد بمجرد أن يتصل رضاؤه هذا بعلم الموجب. ولا يحول دون اعتبار ارتضاء الإيجاب هنا قبولا إياه من شأنه أن يقيم العقد، أن يكون قد انبنى من صاحبه على الرضوخ والإذعان لمشيئة الطرف الآخر. فهذا لا يمنع من كون العاقد قد أراد العقد، وكان في وسعه أن يمتنع عن إبرامه. وعلى أية حال فالقانون يقنع بهذا النوع من الرضاء لذات انعقاد العقد. وإن رتب عليه آثاراً معينة سنذكرها فيما بعد، وهي آثار تسبغ حماية فعالة للطرف الذي جاء رضاؤه بالعقد عن رضوخ وإذعان لمشيئة غريمه. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني، الصفحة/85)
قد يكون القبول مجرد إذعان لما يمليه الموجب، فالقابل للعقد لم يصدر قبوله بعد مناقشة ومفاوضة، بل هي في موقفه من الموجب لا يملك إلا أن يأخذ أو أن يدع ولما كان في حاجة إلى التعاقد على شيء لا غنى عنه، فهو مضطر إلى القبول فرضاؤه موجود، ولكنه مفروض عليه ومن ثم سميت هذه العقود بعقود الإذعان هذا الضرب من الإكراه ليس هو المعروف في عيوب الإرادة، بل هو إكراه متصل بعوامل اقتصادية أكثر منه متصلاً بعوامل نفسية .
ويتبين مما تقدم أن عقود الإذعان لا تكون إلا في دائرة معينة تحددها الخصائص الآتية : ( 1 ) تعلق العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة إلى المستهلكين أو المنتفعين . ( 2 ) احتكار الموجب لهذه السلع أو المرافق احتكاراً قانونياً أو فعلياً، أو على الاقل سيطرته عليها سيطرة تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق . ( 3 ) صدور الإيجاب إلى الناس كافة وبشروط واحدة وعلى نحو مستر أي لمدة غير محددة . ويغلب أن يكون في صيغة مطبوعة تحتوي على شروط منفصلة لا تجوز فيها المناقشة وأكثرها لمصلحة الموجب، فهي تارة تخفف من مسئولية التعاقدية وأخرى تشدد في مسئولية الطرف الآخر، وهي في مجموعها من التعقيد بحيث يعم فهمها على أوساط الناس.
وأمثلة هذه العقود كثيرة : فالتعاقد مع شركات النور والماء والغاز، ومع مصالح البريد والتلغراف والتلفون، وعقد النقل بوسائله المختلفة من سكك حديدية وكهربائية وبواخر وسيارات وطيارات وغير ذلك، والتعاقد مع شركات التأمين بأنواعه المتعددة، وعقد العمل في الصناعات الكبرى، كل هذا يدخل في دائرة عقود الإذعان . ومن ثم نرى أن القبول في هذه العقود هو كما قدمنا إذعان . فالموجب يعرض إيجابه في شكل بات نهائي لا يقبل مناقشة فيه، فلا يسع الطرف الآخر إلا أن يقبل إذ لا غنى له عن التعاقد، فهو محتاج إلى الماء والنور والغاز، وكثيرا ما تعرض له حاجة إلى الاتصال بالناس عن طريق التراسل ولا بد له من التنقل والسفر في بعض الأحايين، وهو مضطر إلى العمل ليكسب ما يقوم بأوده .
طبيعة عقود الإذعان : وقد انقسم الفقهاء في طبيعة عقود الإذعان إلى مذهبين رئيسيين . فبضعهم يرى أن عقود الإذعان ليست عقوداً حقيقية، ويذهب فريق آخر إلى إنها لا تختلف عن سائر العقود .
أما الفريق الأول – وعلى رأسهم الأستاذ سالي وتابعه في ذلك فقهاء القانون العام مثل ديجيه وهوريو – فينكر على عقود الإذعان صبغتها التعاقدية، إذ أن العقد توافق إرادتين عن حرية واختيار، أما هنا فالقبول مجرد إذعان ورضوخ . فقعد الإذعان أقرب إلى أن يكون قانوناً أخذت شركات الاحتكار الناس باتباعه فيجب تفسيره كما يفسر القانون، ويراعى في تطبيقه مقتضيات العدالة وحسن النية، وينظر فيه إلى ما تستلزمه الروابط الاقتصادية التي وضع لتنظيمها . ويرى الأستاذ ديموج، ويتفق في هذا مع فقهاء القانون العام، أن عقد الإذعان هو مركز قانوني منظم يجب أن يعني في تطبيقه بصالح العمل أولاً، ثم بما يستحق الحماية من صالح كل من طرفي العقد .
ويرى الفريق الثاني – وهم غالبية فقهاء القانون المدني – أن عقد الإذعان عقد حقيقي يتم بتوافق إرادتين، ويخضع للقواعد التي تخضع لها سائر العقود . ومهما قيل من أن أحد المتعاقدين ضعيف أمام الآخر، فإن هذه ظاهرة اقتصادية لا ظاهرة قانونية، وعلاج الأمر لا يكون بإنكار صفة العقد على عقد حقيقي، ولا بتمكين القاضي من تفسير هذا العقد كما يشاء بدعوى حماية الضعيف، فتضطرب المعاملات وتفقد استقرارها، بل أن العلاج الناجع هو تقوية الجانب الضعيف حتى لا يستغله الجانب القوي . ويكون ذلك بإحدى وسيلتين أو بهما معاً : الأولى وسيلة اقتصادية فيجتمع المستهلكون ويتعاونون على مقاومة التعسف من جانب المحتكر، والثانية وسيلة تشريعية فيتدخل المشرع – لا القاضي - لينظم عقود الإذعان. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول، الصفحة/ 293 )
القبول بطريق الإذعان- ومع أن الأصل في العقود حرية الإرادة في اختيار ما تبرمه منها وحريتها في تنظيم آثاره، فإن بعض الظروف قد تضطر أشخاصاً، معينين إلى أبرام نوع معين من العقود دون أن يكون لهم اختيار في إبرامه أو عدمه أو في ترتيب آثاره بشكل أو بآخر، ومثل ذاك التعاقد مع شركات الاحتكار سواء كان الاحتكار فعلياً أو قانونیاً . فمن يتعاقد مع شركة المياه أو شركة النور أو شركة السكك الحديدية في جهة ما يكون مضطراً إلى التعاقد معها لأنه لا يستغني عن خدماتها أو من استعمال المرفق الذي تحتكره هي فهو من الناحية النظرية فقط يملك أن يتعاقد معها أو ألا يتعاقد، ولكنه من الناحية العملية مجبر على التعاقد معها، وهي في هذا التعاقد لا تسمح له بمناقشة شروطه بل تملى عليه هذه الشروط أملاء، ويغلب أن تطبعها في استمارات خاصة تطلب من المتعاملين معها توقيعها إيذانا بقبولهم التعاقد على أساس هذه الشروط، فإما أن يذعن الشخص لهذه الشروط صاغراً وإما أن يرفض التعاقد فيحرم نفسه من استعمال مرفق من المرافق الضرورية لذلك سمى القبول في هذه الحالة إذعاناً.
وقد ثار الشك أول الأمر حول اعتبار الإذعان قبولاً ينعقد به عقد حقيقي أو اعتبار العلاقة بين المحتكر والمذعنين له علاقة لائحية ينظمها - عقد الاحتكار إن كان الاحتكار قانونياً أو يجب أن ينظمها القانون ان كان الاحتكار فعلياً والراجح الآن في فقه القانون المدني أن الضغط الذي يكون الطرف المذعن واقعاً تحته لا يرجع إلى عوامل نفسية ولا يبلغ حد الإكراه الذي يعدم الرضا ولا حتى الإكراه الذي يفسده، بل يرجع الى ظروف اجتماعية أو اقتصادية لا تفسد الرضا وبالتالي أن القبول بطريق الإذعان يعتبر قبولاً صحيحاً ينعقد باقترانه بالإيجاب عقد حقيقي ( أنظر المادة 100 مدنی ).
وغاية الأمر أن الطرف المذعن، يكون جديراً بحمايته من تعسف الطرف المحتكر ولذلك فكر بعض فقهاء القانون الفرنسي وذهبت المحاكم عندنا في ظل التقنين الملغى إلى جواز تعديل الشروط التعسفية التي يتضمنها عقد الإذعان لرفع أثر التعسف عن الجانب المذعن غير أن هذا الحل كان يعوزه السند القانوني لأن التسليم بأن عقد الاذعان عقد حقيقي كان يقتضي اعتبار هذا العقد شريعة المتعاقدين ولا يسمح بتعديله بأي حال. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني، الصفحة/ 182)
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة 85)
يعتبر التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب في عقد الاذعان قبولاً.
هذه المادة تقابل المادة ۱۰۰ من التقنين الحالي والمادة 104 من التقنين الأردني والمادة 167 فقرة أولى من التقنين العراقي والمادة ۸۰ من القانون الكویتی
وعقد الاذعان هو العقد الذي يسلم فيه القابل بشروط "مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها ، وذلك فيما يتعلق بسلعة أو مرفق ضروری تكون محل احتكار قانوني أو فعلي ، أو تكون المنافسة محدودة النطاق في شأنها . وهذا العقد واكب التطور في الحياة الاقتصادية الحديثة ، حيث ظهرت شركات الاحتكار للمرافق العامة والسلع الضرورية . ومن أمثلته عقد العمل في الصناعات الكبيرة ، وعقد التامين بانواعه المختفلة ، وعقد النقل مع مصلحة السكك الحديدية وشركات السيارات العامة وشركات البواخر وشركات الطيران، وعقد الاشتراك في المياه والنور والغاز والهاتف ، والتعاقد مع مصلحة البريد والبرق .
ولذلك لا يتحدث الفقه الاسلامي عن عقد الاذعان ، وانما يتناول الفكرة الجوهرية التي يقوم عليها هذا العقد ، وهي ألا يحتكر الشخص سلعة ضرورية فيزيد من سعرها وبيعها للناس بحسب هواه، فيرضخ الناس للسعر الذي يفرضه نظره الى حاجتهم الشديدة لهذه السلعة .
وقد حمل الفقه الاسلامي على الاحتكار وتناوله في صورتين كانتا مألوفتين في عهده ، وهما بیع متلقي السلع وبيع الحاضر للبادی (انظر في الاحتكار : الفتاوی الهندية : ج ۳ ص ۲۱۳ و 214: المدونة الكبرى ج 10 ص 123 . القوانين الفقهية لابن جزي ص 255، 256 . المهذب ج ۱ ص ۲۹۲ - المغني ج 4 ص ۲۸۲ و ۲۸۳ • وانظر في بیع متلقي السلع أو الجلب أو الركبان وهو صورة من صور الاحتكار : البدائع ج 5 م ۲۳۲ - الجوهرة النيرة للجداوي في شرح مختصر القدوری ج۱ ص 106 - القوانين الفقهية لابن جزي ص 259 . المهذب ج ۱ ص ۲۹۲. وانظر في بيع الحاضر للبادى وهو أيضا صورة من صور الاحتكار : البدائع ج 5 ص 233 • فتح القدیر ج5 ص 240 المهذب ج۱ ص ۲۹۱ و ۲۹۲ • المغني ج4 ص ۲۸۰ • عبد الرازق السنهوري ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج۲ ص ۸۱ - ۹۲) ۰
ويتضح من هذا أن الشريعة الإسلامية تؤيد حماية الطرف المذعن في عقد الاذعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ