مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 73
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- يتناول النص حكم الوعد بالتعاقد سواء فيما يتعلق بالعقود الملزمة للجانبين والعقود الملزمة لجانب واحد ويشترط اصحة مثل هذا الاتفاق التمهيدي تحديد المسائل الأساسية في التعاقد ، والمدة التي يتم فيها أما فيما يتعلق بالشكل فلا يشترط وضع خاص - على نقيض التقنين البولوني فهو يشترط الكتابة إطلاقاً ، في المادة 62 فقرة 2 - إلا إذا كان القانون يعلق صحة العقد المقصود إبرامه على وجوب استيفاء شكل معين ففي هذه الحالة ينسحب الحكم الخاص باشتراط الشكل على الاتفاق التمهيدي نفسه ويوجه هذا النظر إلى أن إغفال هذا الاحتياط يعين على الإفلات من قيود الشكل الذي يفرضه القانون ، ما دام أن الوعد قد يؤدي إلى إتمام التعاقد المراد عقده ، فيما إذا حكم القضاء بذلك ویكی لبلوغ هذه الغاية أن يعدل المتعاقدان عن إبرام العقد الذي يرغب في الإفلات من القيود الخاصة بشكله ، ويعمدا إلى عقد اتفاق تمهيدي أو وعد بإتمام هذا العقد ، لايستوفي فيه الشكل المفروض ، ثم يستصدر حكماً يقرر إتمام التعاقد بينهما ، وبذلك يتاح لها أن يصلا من طريق غير مباشر إلى عدم مراعاة القيود المتقدم ذكرها.
2- ومع ذلك ، فالوعد بإبرام عقد رسمي لا يكون خطوا من أي أثر قانوني ، إذا لم يستوف ركن الرسمية فإذا صح أن مثل هذا الوعد لا يؤدي إلى إتمام التعاقد المقصود فعلاً ، فهو بذاته تعلق كامل يرتب التزامات شخصية ، طبقاً لمبدأ سلطان الإرادة، وهو بهذه المثابة قد ينتهي عند المطالبة بالتنفيذ إلى إتمام عقد الرهن، أو على الأقل إلى قيام دعوى بالتعويض ، بل وإلى سقوط أجل القرض الذي يراد ترتیب الرهن لضمان الوفاء به.
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 150 من المشروع.
وأدخلت تعديلات لفظية وأصبح نصها النهائي ما يأتي :
1- الاتفاق الابتدائي الذي يعد بموجبه لا المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا ينعقد إلا إذا عينت جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه والمدة التي يجب إبرامه فيها .
2- وإذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل تجب مراعاته أيضاً في الاتفاق الذي يتضمن الوعد بإبرام هذا العقد .
وأصبح رقم المادة 103 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل ، تحت رقم 103.
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الرابعة
تليت المادة 103 .
فتساءل سعادة الرئيس عنا هو مقصود بالشكل المعين .
فأجابه الدكتور بغدادی أن المقصود بالشكل - الرسمية في عرف الفقه والقضاء مادام عقد الهبة لا يتم إلا إذا عمل رسمياً طبقاً للأوضاع المقررة له فالوعد بالهبة لا يصح إلا إذا عمل رسمياً أيضاً وهذا هو مدلول الفقرة الثانية من المادة 103.
قرار اللجنة :
وافقت اللجنة على المادة وأصبح رقمها 101 .
محضر الجلسة السادسة والستين
اعترض الدكتور حامد زكي بك على كلمة (ابتدائي ) الواردة في المادة 101 : قائلاً إنها قد تحدث لبساً لأن العمل قد جرى على إعتبار العقود الابتدائية عقوداً نهائية.
وبعد مناقشة قصيرة وافقت اللجنة على هذا الاقتراح .
قرار اللجنة :
وافقت اللجنة على حذف كلمة ( الابتدائي ) الواردة بعد كلمة ( الاتفاق ) في المادة 101 دفعاً للبس
ملحق تقرير اللجنة :
اقترح في الفقرة الأولى من المادة 101 حذف كلمة ( الابتدائي ) الواردة بعد كلمة في الاتفاق، وقد أخذت اللجنة بهذا الإقتراح دفعة لكل لبس .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 151 من المشروع، وذكر معالي السنهورى بأشأن هذه المادة لاتعرض الحالة التي فيها يوجد عقد يسمي خطأ بالعقد الابتدائي وهو في الواقع عقد نهائي لأن هذه الحالة منصوص عليها في المادة 287 وإنما يعرض النصر في حالة ما إذا وجد عقد ابتدائي بالمعنى الصحيح يتلوه عقد نهائي لاسيما إذا كان العقد من العقود الشكلية كالرهن الرسمي فمن وجد وعد برهن رسمی مثلاً وكان هذا الوعد قد استوفي الشروط الشكلية جاز إذا لم ينفذ الواعد و عده أن يجبر على ذلك ويقوم الحكم مقام العقد النهائي وهذا الحكم ليس مقطوعاً به في القانون الحالى فوجب النص حتى يزول كل شك .
تأثير اعتراض على تحديد أجل التنفيذ واستقر الرأي بعد المناقشة على حذف هذا الشرط وأصبحت المادة في نصها النهائي كما يأتي :
إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل وطلب المتعاقد الآخر تنفيذ الوعد وكانت الشروط اللازمة لصحة العقد وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل متوافرة قام الحكم منه حاز قوة الشيء المقضي به مقام العقد.
ثم قدم النص بعد إستبدال عبارة ( وقاضاه المتعاقد الآخر طالبة تنفيذ الوعد) بعبارة ( وطلب المتعاقد الأخير تنفيذ الوعد ) .
وأصبح رقم المادة 104 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 104 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
الجلسة الرابعة
تليت المادة 104.
فرأى سعادة العشماوي باشا حذف عبارة ، وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل ، لأن المادة 103 تغني عنها .
اعترض الدكتور بغدادي على ذلك بأنه يحسن الإبقاء على هذه العبارة رفعة الشبهة التي قامت عند بحث المادة 103 في أن الشكل قد لا يكون لازماً فقيل على السان سعادة الرئيس إننا لو قلنا والشروط اللازمة لتمام العقد ، بدلاً من : الشروط اللازمة لصحة العقد، لأغننا العبارة الأولى عن عبارة ، وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل ، لأن العقود المشروط لتمامها شكل مهين لا تتم إلا بتوافر هذا الشكل لها ولأن صحة العقد تتطلب مراعاة الشكل والموضوع ، وبذلك يكون نص المادة ما يأتي :
مادة 104 - إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل وقاضاه المتعاقد الأخر طالبة تنفيذ الوعد، وكانت الشروط اللازمة لإتمام العقد متوافرة قام الحكم منى حاز قوة الشيء المقضي به مقام العقد .
وقد أضاف سعادة الرئيس إلى ذلك أنه يقترح أيضاً حذف و متی حاز قوة الشيء المقضي به ، من المادة لأنه إذا صدر لشخص حكم ابتدائی بصحة البيع ، ولم يتمكن المشتري من تسجيله فيمكن للمحكوم عليه أن يتصرف لأخر في الشيء المبيع.
فأجاب الدكتور بغدادي على هذا الإقتراح بأن الأثر الرجعي يكون من تاريخ تسجيل صحيفة الدعوى .
قرار اللجنة :
وافقت اللجنة على المادة معدلة بالصيغة التي اقترحها سعادة الرئيس أولاً .
محضر الجلسة الخامسة والأربعين
المادة 104 - كانت اللجنة قد حذفت منها عبارة روخاصة ما يتعلق منها بالشكل ثم عادت ورفعت هذا الحذف بناء على طلب الحكومة لأن هذه العبارة أساسية في المادة إذ توجب أن يكون الوعد بإبرام عقد متوافر فيه الشروط الشكلية الخاصة العقد الأصلي.
تقرير اللجنة :
استبدال عبارة لإتمام العقد ، بعبارة و الصحة العقد .
وأصبح رقم المادة 102 .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة و أقرتها اللجنة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الطاعن قد استنجذ المطعون ضدهم فى إتمام العقد النهائى بإظهار رغبته فى إتمام هذا العقد فى أشكال مختلفة بداية من الإنذار حتى رفع هذه الدعوى ( بندب خبير لتقدير ثمن الأرض محل الوعد بالبيع ) بعد أن لمس رغبة منهم فى النكول عن الوعد بتوقف إجراءات البيع التى طلب المحافظ اتخاذها رغم موافقة بعض الجهات المختصة عليه وتسليمه الأرض وإصدار ترخيص له يحمل رقم 1 لسنة 1984 من مجلس مدينة شبرا الخيمة بإقامة سور حولها واستغلالها فعلاً فى الغرض المطلوب الشراء من أجله وكان يجوز للموعود إعمالاً لحكم المادة 102 من القانون المدنى فى حالة نكول المتعاقد الآخر من إنجاز وعده مقاضاته طالباً تنفيذ الوعد متى كانت الشروط اللازمة لتمام العقد متوافرة ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدعوى لعدم توافر شروط الوعد بالبيع فإنه يكون معيباً .
(الطعن رقم 1915 لسنة 64 جلسة 2003/03/20 س 54 ع 1 ص 525 ق 90)
2- أنه و إن كان الأصل أن للدائن طلب تنفيذ إلتزام مدينة عيناً ، و كان يرد على هذا الأصل إستثناء من حق القاضى اعماله تقضى به الفقرة الثانية من المادة 203 من القانون المدنى أساسه إلا يكون هذا التنفيذ مرهقاً للمدين فيجوز فى هذه الحالة أن يقتصر على دفع تعويض نقدى متى كان ذلك لايلحق بالدائن ضرراً جسيماً ، إلا أنه لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه لم يتضمن مايفيد أن الطاعن الأول دفع الدعوى بأن تنفيذ الوعد بالإيجار عيناً ينطوى على رهق له و أبدى إستعداده للتنفيذ بمقابل ، و كان الطاعنان لم يقدما ما يدل على تمسكهما بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع ، و هو أمر يخالطه عناصر واقعية و يقتضى تحقيق إعتبارات موضوعية ، فإنه لايجوز لهما أثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ، و يكون النعى غير مقبول .
(الطعن رقم 565 لسنة 43 جلسة 1977/03/30 س 28 ع 1 ص 865 ق 151)
3- يشترط لإنعقاد الوعد بالتعاقد طبقاً للمادة 101 من القانون المدنى أن يتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه فضلاً عن المدة التى يجب إبرامه فيها و ذلك حتى يكون السبيل مهيئاً لإبرام العقد النهائى بمجرد ظهور رغبة الموعود له دون حاجة إلى إتفاق على شيء آخر ، و المقصود بالمسائل الجوهرية أركان هذا العقد و شروطه الأساسية التى يرى العاقدان الإتفاق عليها ، و التى ما كان يتم العقد بدونها . و إذ كان يبين من مطالعة الإتفاق المبرم بين الطرفين أنه لم يفصح أصلاً عن ماهية العقد المراد إبرامه ، و لم يكشف عن حقيقة العلاقة القانونية بين الطرفين أو الأركان المميزة لها ، و لم يعين صراحة أو دلالة المدة التى يجب فيها إبرام العقد النهائى ، و كان لا وجه لما تدعيه الطاعنة من أن الإتفاق ينطوى على عقد عمل غير محدد المدة مع ما ينص عليه الإتفاق صراحة من أن العلاقة بينها وبين المطعون ضده ينظمها فى المستقبل عقد جديد ، فضلاً عن أنه لم يتضمن باقى العناصر التى تتحقق بها علاقة العمل و هى توافر التبعية ، و كون الأعمال محل هذه العلاقة أعمالاً مادية ، مما مؤداه تخلف الشرطين الواجب توافرهما لإنعقاد الوعد بالتعاقد ، فإن النعى على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 11 لسنة 37 جلسة 1973/04/21 س 24 ع 2 ص 649 ق 115)
4- يشترط قانوناً لإنعقاد عقد بيع إذا ما أبدى الموعود له رغبته فى التعاقد، مطابقة إرادته لإرادة الواعد التي عبر عنها فى وعده مطابقة تامة فى كل المسائل الجوهرية التي تناولها التعاقد فإذا اقترنت هذه الرغبة بما يعدل فى الوعد فلا ينعقد العقد ما لم يقبل الواعد هذا التعديل إذ تعتبر هذه الرغبة بمثابة إيجاب جديد فلا ينعقد به العقد إلا إذا صادفه قبول من الطرف الأخر. فإذا كانت محكمة الموضوع قد استخلصت بأسباب سائغة وفي نطاق سلطتها الموضوعية أن إرادة طرفي العقد لم تتطابق بشأن ركن الثمن فإن الحكم إذ انتهى إلى أن البيع لم ينعقد لفقده ركناً جوهرياً من أركان انعقاده وهو الثمن ورتب على ذلك بقاء عقد الإيجار المبرم بينهما من قبل سارياً كما كان قبل إظهار المستأجر رغبته فى الشراء لا يكون قد خالف القانون.
(الطعن رقم 198 لسنة 31 جلسة 1965/12/16 س 16 ع 3 ص 1291 ق 202)
5- متى كان المطعون عليه قد تعهد بأن يبيع عقارا للطاعن إذ قبل هذا الأخير ذلك وقام بدفع الثمن فى خلال مدة معينة ، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ إذ كيف هذا الاتفاق بأنه وعد بالبيع من جانب المطعون عليه يسقط من تلقاء نفسه بلا إنذار ولا تنبيه إذا انقضى الأجل دون أن يظهر الطاعن رغبته فى الشراء ذلك أن الطاعن لم يلتزم بشىء بل كان له الخيار إن شاء قبل ايجاب المطعون عليه ودفع الثمن خلال الأ>ل المتفق عليه ، وإن شاء تحلل من الاتفاق دون أية مسئولية عليه
(الطعن رقم 202 لسنة 21 جلسة 1954/05/06 س 5 ص 834 ق 124)
6- إذا كان الطاعن قد اقتصر فى دفاعه أمام محكمة الاستئناف على طلب تأييد الحكم الابتدائى القاضى برفض دعوى المطعون عليه و كان هذا الحكم يبين منه أن محكمة الدرجة الأولى اعتبرت العقد محل الدعوى بيعا باتا لا مجرد وعد بالبيع مصحوب بعربون و أن قضاءها برفض الدعوى إنما كان مبناه عدم دفع المطعون عليه باقى الثمن ، فلا يقبل من هذا الطاعن بعد ذلك أن ينعى على محكمة الاستئناف أنها إذ قضت بصحة التعاقد قد أخطأت فى تكييف العقد ، و خصوصا إذا كان لم يقدم دليلا على أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بما أورده فى طعنه من دفاع مبنى على عناصر واقعية .
(الطعن رقم 99 لسنة 18 جلسة 1950/05/04 س 1 ع 1 ص 465 ق 118)
استصدار حكم بصحة ونفاذ الوعد بالتعاقد :
أوضحنا بالمادة السابقة، أن الوعد بالتعاقد قد يكون ملزماً للجانبين وهو يختلف في هذه الحالة عن العقد الابتدائي، وقد يكون ملزما لجانب واحد، وقلنا أنه يشترط لاعتبار الإتفاق وعداً، أن تحدد به المسائل الجوهرية اللازمة لإبرام العقد الموعود به وأن تحدد بهذا الاتفاق مدة لإظهار الرغبة في إتمام العقد، وإن كان العقد الموعود به يتطلب القانون له شكلاً معيناً، رسمية أو مجرد كتابة، وجب أن يرد الوعد في ذات هذا الشكل أو في شكل أقوى.
فإن توافرت هذه الشروط، كان الإتفاق وعداً ملزماً للواعد طوال المدة المحددة به، فإن أظهر الموعود له رغبته خلالها في إتمام العقد، فإن العقد يتم منذ إبداء هذه الرغبة وترتب عليه كافة آثاره القانونية، فإن كان بيعا التزم البائع بالتسليم ما لم يكن الوعد متضمناً شرطة بارجائه لأجل محدد، كما يلتزم بنقل ملكية المبيع وبعدم التعرض للمشتري، ويلتزم الأخير بدفع الثمن بالطريقة المتفق عليها وبتسليم المبيع، ولا يكون المشتري في حاجة إلى الحصول على رضاء من البائع بإتمام البيع فقد توفر هذا الرضاء بموجب الوعد .
فإن امتنع البائع عن تنفيذ التزامه، جاز للمشترى رفع دعوى بصحة ونفاذ عقد البيع، وبإلزام البائع بالتسليم، ومتى حكم له بذلك وحاز الحكم قوة الشيء المقضي، قام الحكم مقام العقد في نقل الملكية، فإن كان المبيع عقدة وسجل المشتري الحكم، انتقلت إليه الملكية من وقت هذا التسجيل، فإن كان في صحيفة الدعوى وأشر بالحكم الصادر بصحة ونفاذ العقد على هامش الصحيفة، انتقلت إليه الملكية من وقت تسجيل الصحيفة وليس من وقت إلى بالحكم ويجب تسجيل الصحيفة لقبول الدعوى، على التفصيل الذي أوضحناه بالمادة 428 فنحيل إليها .
ويجب على المشتري، حتى يقضي له بصحة ونفاذ العقد، أن يقدم للمحكمة ما يدل على أنه أظهر رغبته في إتمام العقد للواعد خلال المدة المتفق عليها بعقد الوعد، وإظهار الرغبة واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة الطرق القانونية بما في ذلك البينة والقرائن، ومن القرائن قيام الموعود له بالتصرف في الشيء الموعود به خلال الأجل، ويحسن أن ينذر الموعود له الواعد برغبته في إتمام العقد إنذاراً رسمياً على يد محضر، كما يكفي رفع دعوى صحة التعاقد خلال المدة الواردة بالوعد فإن رفعت بعدها وادعى الواعد أن الموعود له لم يظهر رغبته إلا بعد إنقضاء المدة فصلت المحكمة في الدعوى على ضوء ما يقدم لها من طرق الإثبات، فإن ثبت لها أن الموعود له أبدى رغبته خلال المدة قضت بصحة ونفاذ العقد، أما إن ثبت لها أنه أبداها بعد المدة قضت برفض الدعوى وذلك استناداً الى أن الوعد بالتعاقد يسقط بقوة القانون دون حاجة لتنبيه أو أي إجراء آخر بمجرد إنقضاء المدة المحددة به دون أن يبدى الموعود له رغبته في إتمام العقد، إذ يصبح الوعد حينئذ كأن لم يكن ويكفي الواعد أن يتمسك بذلك في الدعوى التي يقيمها الموعود له ومن ثم لا حاجة به لإقامة دعوى بفسخ الوعد الذي يعتبر مفسوخاً من تلقاء نفسه منذ إنقضاء المدة ولا يرد الفسخ إلا على عقد قائم. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني الصفحة/427)
آثار الوعد بالبيع قبل حلول الميعاد أو ظهور الرغبة :
سواء كان الوعد بالتعاقد ملزماً لجانب واحد أو ملزماً للجانبين فإنه إذا اتعقد صحيحاً، فطالما لم يحل الميعاد المحدد للوعد ولم يعبر الموعود له عن إرادته للوعد فإنه لا يكون الموعود له قبل الواعد سوى التزامات شخصية، هي أن يقوم بوعده عند ظهور رغبة الموعود له، وهذا التزام بعمل، ولكن لا يترتب على الوعد ثمة آثار من آثار العقد الموعود به، فالوعد بالعقد لا ينشئ حقوقاً عينية، حتى ولو كان العقد المراد إبرامه من شأنه أن يؤدي إلى إنشاء حقوق عبثية فمثلاً الوعد بالبيع لا ينشئ حقوقا له حقاً عينياً على الشيء محل الوعد، ولكنه ينشىء له حقاً شخصياً في مواجهة الواعد وعلى هذا النحو فإن الواحد يظل مالكاً للشيء ويستطيع التصرف فيه بالبيع لشخص أخر، وفي هذه الحالة لا يكون للموعود له أن يرجع بشيء علی تعرف إليه، وكل ما له هو أن يرجع بالتحريض على الواعد.
وإذا هلك الشيء قضاءً وقدراً تحمل الواعد تبعة هلاكه، لا لأنه لم يسلمه إلى عن الأخر فحسب كما في العقد النهائي، بل أيضاً لأنه لا يزال المالك، ولكنه لا که مسئولاً عن الضمان نحو الموعود له إن المفروض أن الشيء لك قضاءً وقدراً .
آثار الوعد بالبيع بعد انتهاء الميعاد أو ظهور الرغبة :
إذا انتهت عدة الوعد دون دون أن يظهر الموعود له رغبته في التعاقد سقط الوعده وفي هذه الحالة يزول ما كان يلتزم به أحد الطرفين أو كل منهما نحو الأخر، لا فرق في ذلك بين أن يكون الوعد ملزماً لجانب واحد أو ملزماً للجانبين، ولا يصح قصر هذا الحكم على الوعد الملزم لجانب واحد، لأن اتفاق الطرفين في الموعد الملزم للجانبين على مدة لإبداء الرغبة في التعاقد على أن إرادتهما قد اتجهت إلى التحلل من هذا الوعد إذا لم تظهر هذه الرغبة من جانب أي منهما في خلال هذه المدة، وكذلك يسقط الوعد إذا كانت المدة لم تنته ولكن الموعود له أعلن عدم رغبته في التعاقد لا يكون قد نزل عن الحق الذي له قبل الواعد.
أما إذا أظهر الموعود له رغبته في التعاقد قبل فوات المدة المعينة لذلك فإن العقد النهائي يتم، و يعتبر تمامه هذا من وقت إبداء الرغبة لا من وقت قيام الوعد لأن إبداء الرغبة في التعاقد يكون بمثابة قبول الإيجاب يتمثل في الموعد الذي يلتزم به أنواع والذي يشتمل على جميع المسائل الجوهرية للعقد النهائي، فوقت إبداء الرغبة هو الوقت الذي يتم فيه العقد النهائي، وهو بالتالي الوقت الذي تترتب فيه آثار العقد وذلك دون إرادة جديدة من جانب الواعد.
فقيام العقد إن لا يحتاج إلى رضاء جديد من جانب الواعد.
على أنه لا يعتد برضاء الموعود له إلا إذا جاء على نحو ما تضمنه الوعد فإذا امیر الموعود له إبرام العقد، ولكن على نحو يتغاير مع المتفق عليه في الوعد شروط فإنه لا يقوم أصلاً .
ويكفي لقيام العقد الموعود بايرامه أن يرتضيه الموعود له ويتصل رضاؤه يعلم داني المدة المحددة، فلا يلزم بعد ذلك أن يقوم الموعود له بالوفاء بالإلتزامات - عليه العقد الذي ارتضاه ، ما لم يتفق في الوعد على غير ذلك كما لا يمنع من قیام الخلاف بين الطرفين حول تنفيذ كل منهما لإلتزاماته، ما لم يستدل من سكوت الموعود له على أنه أراد أن يوجب للواعد بالتقليل من العقد الذي قام، وفي هذه الحالة اذ قبل الواعد بدوره التقايل بن صراحة أو دلالة، اعتبر العقد الموعود بإبرامه أنه قام فعلاً ولكنه انحل بعد قيامه واستخلاص حصول التقايل هنا من عدمه مسألة واقع، ويدخل بالتالي في سلطة قاضي الموضوع التقديرية.
امتناع الواعد عن تنفيذ وعده :
إذا أعلن الموعود له رغبته في التعاقد، وامتع الواعد عن تنفيذ العقد النهائي الذي تم بإعلان هذه الرغبة كان للموعود عليه أن يستصدر حكماً يقوم مقام العقد وإذا كان العقد الموعود به بيع عقار فإنه بتسجيل هذا الحكم تنقل ملكية العقار إلى الموعود له غير أنه إذا كان محل العقد الموعود به شيئاً معيناً بالذات وتصرف فيه الواعد إخلالاً منه بوعده فلا يبقى أمام الموعود له في هذه الحالة سوى الرجوع على الواعد بالتعويض .
ويقوم الحكم الذي يصدره القاضي مقام العقد الموعود بإبرامه ويكون حكماً مقرراً هنا لا منشئاً بمعنى أن العقد الموعود به يعتبر منعقداً لا من الوقت الذي يصدر فيه الحكم ولكن من الوقت الذي يكون فيه الموعود له قد عبر عن رغبته في من النصف النهائي ويكون الحكم الذي يصدره القاضي منشئاً إذا كان المتعاقدان في عقد الوعد قد جعلا انعقاد العقد الموعود متوقفاً على كتابة في ورقة رسمية إذ لا کر أن يحير الموعود له فقط عن رغبته في إبرام العقد النهائي بل لابد أن ان كل من الواعد والموعود له في إعداد الورقة الرسمية فإذا نكل الواعد عن ذلك وقاضاه الموعود له، فإن الحكم الذي يصدره القاضي يكون منشئاً لا مقرراً ولا يعبر - الموعود به منعقداً إلا من وقت صدور الحكم في الوقت الذي يكون فيه الموعود له قد عبر عن رغبته في إبرامه.
غير أنه إذا كان تنفيذ الوعد مرفقاً للواعد فيجوز في هذه الحالة أن يقتصر القاضي على إلزام الواعد بدفع تعويض نقدي من كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً (م203/2 مدني) .
سقوط حق الموعود له بفوات المدة دون أن يعلن رضاءه بالوعد دون إجراء آخر :
إذا انقضت المدة المحددة لبقاء الوعد، دون أن يعلن الموعود له الواعد برضائه بالتعاقد، فإن الوعد يسقط من فوره، ومن تلقاء نفسه دون حاجة من الواعد إلى اتخاذ إجراء ما كتبيه أو إعذار .
عدم سقوط الوعد بالعقد بالموت :
موت الواعد أو الموعود له لا يؤثر في إمكانية قيام العقد الموعود به، إذا حصل الرضاء به في ميعاده فالوعد بالعقد لا يسقط بالموت، فإذا مات الواعدة بقى للموعود له خياره في قيام العقد الموعود به، ليباشره في مواجهة ورثة الواحد، حتى إذا ما صدر رضاؤه بذات العقد على نحو ما يتطلبه القانون قام والتقد، وإذا مات الموجود له، انتقل خيار قيام العقد الموعود به إلى خلفائه ، ما لم يكن الوعد قد أعطي له بمراعاة شخصه .
العدول عن الخطبة
الخطبة هي تمهيد لعقد الزواج وليست ركن من أركانه، فهی وعد بعقد زواج و ليس للوعد بعف قوة إلزام عند جمهور الفقهاء خلافاً لمالك في بعض أقواله، بل وفي بعض الأقوال المروية عنه أن الوعد يجب الوفاء به بحكم القضاء في بعض الأحوال، أنه لا يلزم الوفاء بالوعد في الخطبة.
وعلى ذلك فإنه يجوز لأي من الخاطبين العدول عن الخطبة في أي وقت دون مسئولية عليه، وأياً كان سبب العدول ولو كان العدول دون مبرر، وهذا لا يمنع أن العدول عن الخطبة دون مبرر مكروه شرعاً لما فيه من إخلاف للوعد والرجوع عن القول لكنه غير محرم .
فالمكروه هو الفعل الذي لا يثاب فاعله ولا يأثم يفعله وبالتالي لا يعاقب عليه بشئ.
أما إذا كان العدول عن الخطية قد لازمته أفعال أخرى مستقلة تتهما استقلالاً اسمها وكانت هذه الأفعال قد ألحقت ضرراً مالياً أو أدبياً بأحد المتواعدين، فإن وقعت منه يکون مسئولاً علماً لحق الآخر من ضرر على أمام أن هذه الأفعال - بغض - من العدول المجرد - أفعال ضارة موجبة للتعويض (م 163 مدني).
ومثل الأفعال المستقلة عن مسترد الود والتي ترتب الحق في التعويض، أن تكون المخطوبة طالبة أو عاملة، وطلب منها الخالب ترك الدراسة أو الإستقالة من العمل أي أن يطلب منها إعداد أثاث معين لا يمكنها الانتفاع به. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/ 101)
وهذا الحكم نتيجة منطقية من أن كلاً من الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي هو خطوة نحو التعاقد النهائي ، فوجب أن يكون السبيل مهيأ لإبرام العقد النهائي بمجرد ظهور رغبة الموعود له في الوعد بالتعاقد الملزم لجانب واحد ، أو بمجرد حلول الميعاد في الاتفاق الابتدائي الملزم للجانبين .
والمسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه هي أركان هذا العقد فإن كان بيعاً وجب أن يتفق الطرفان على المبيع والثمن وإن كان شركة وجب أن يتفقا على المشروع المالي الذي تكونت من أجله الشركة وعلى حصة كل شريك وإن كان مقايضة وجب أن يتفقا على الشيئين اللذين يقع فيهما التقايض؛ وهكذا فإذا لم يتم الاتفاق على جميع هذه المسائل ، فإن الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي لا ينعقدان .
وتعيين المدة التي يجب في خلالها إبرام العقد الموعود به ضروري أيضاً لانعقاد الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي وهذا التعيين قد يقع صراحة على مدة محددة أو قابلة للتحديد ، وقد يقع دلالة كما إذا كان العقد الموعود به لا يجدي تنفيذه بعد فوات وقت معين ، فهذا الوقت هو المدة التي يجب في خلالها إبرام هذا العقد وإذا اتفق الطرفان على أن تكون المدة هي المدة المعقولة ، وكان في عناصر القضية ما ينهض لتحديد هذه المدة ، جاز الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي لأن المدة هنا تكون قابلة للتحديد ، وإذا اختلف الطرفان على تحديدها تكفل القاضي بذلك .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول الصفحة/ 322)
ويبين من ذلك أن المشرع الحديث قد ساوى في هذه النصوص بين الوعد المتبادل الذي يعد بموجبه كلا المتعاقدين بابرام عقد معين في المستقبل وبين الوعد الملزم لجانب واحد الذي يعد بموجبه أحد المتعاقدين فقط، بإبرام عقد معين في المستقبل ، بسواء من حيث الشروط الواجب توافرها في الوعد ، أو من حيث الأثر الذي يمكن أن يترتب على الموعد وبخاصة إمكان تنفيذه تنفيذاً عينياً بغير إرادة المدين .
ولا يكفي في انعقاد الوعد بالعقد الاتفاق على طبيعته ، بل يجب أن يتناول الاتفاق أيضاً المسائل الجوهرية العقد الموعود به ، ويدخل في ذلك أركان العقد وشروطه الأساسية ، فيجب أن يتناول الاتفاق محل العقد أي أن يتم تعيين المال الموعود ببيعه مثلاً وثمن المبيع ، بالطريقة التي يجب تعيينهما بها في عقد البيع ذاته ، ويجب بالتالى أن يكون هذا المحل مشروعاً ، وأن يكون للعقد بسبب مشروع .
وتقول محكمة النقض في ذلك أن المقصود بالمسائل الجوهرية أركان العقد وشروطه الأساسية التي يرى العاقدان الاتفاق عليها والتي كان العقد يتم بدونها .
أما المدة التي يجب فيها إبرام العقد ، فقد تقدم أن القانون الفرنسي لم يشترط تعيينها في الوعد ولذا لم يعتبر هذا التعيين لازماً لانعقاد العقد ولم يرتب الشراح والمحاكم على عدمة بطلان الوعد، بل اعتبروا الوعد المطلق صحيحاً يجيز للموعود له أن يقبل الشراء في أي وقت ما لم يسقط حقه في ذلك بعدم استعماله خلال ثلاثين سنة، ولكنهم أجازوا للواعد أن يلجأ إلى القضاء لوضع حد لارتباطه بوعده، ومتی عين القضاء مدة وجب على الموعود له أن يستعمل حقه في الشراء في خلال هذه المدة، وإلا سقط الوعد بل أجازوا للواعد أن يحدد بنفسه أجلاً للموعود له وأن يعلنه به لكي يستعمل فيه حقه، فيعتبر هذا الأجل متفقاً عليه ما لم يعترض عليه الموعود له ويرفع أمره إلى القضاء ويحمل على تحديد أجل أبعد من الأول .
ولم يكتف واضعو التقنين المدني المصري الحالي بذلك، بل اشترطوا لانعقاد الوعد أن يتفق فيه على المدة التي يبرم فيها العقد الموعود به فإذا لم تعين هذه المدة، لم ينعقد الوعد أو وقع باطلاً بطلاناً أصلياً ولم يترتب عليه أي أثر ، فلا يجوز للواعد أن يعين هو من تلقاء نفسه مدة يعلن بها الموعود له، ولا يجوز للمحكمة أن تكمل العقد بتحديدها مدة يستعمل في خلالها الموعود له حقه في الشراء.
غير أن الاتفاق على المدة التي يجب فيها إبرام العقد لا يشترط أن يكون صريحا، بل يجوز أن يكون ضمنياً، فيجوز للقاضي أن يستخلص من ظروف الاتفاق على الوعد أن الطرفين قصداً تحديده بمدة معينة ، فيكفي ذلك لاعتبار الوعد منعقداً وعدم الحكم ببطلانه .
فإذا ورد الوعد بالبيع مثلا في ضمن عقد ايجار ، أمكن أن يستفاد من ذلك أن مدة الوعد بالبيع هي : مدة الإيجار ذاتها، إذ الغالب أن يكون قصد الطرفين من هذا الوعد إعطاء المستأجر رخصة إلزام المؤجر بأن ببيع إليه العين المؤجرة عند انتهاء مدة الإجارة و عدم رغبة المؤجر في تجديدها أو إشتراطه رفع الأجرة لذلك.
وإذا ثبت للقاضي في أي حالة من حالات الوعد بالعقد أن الطرفين قصداً تحديد الوعد بمدة ولم يتبين له حقيقة هذه المدة ، جاز له أن يعتبر هما قد اتفقا على المدة المعقولة وثبت له حق تحديد هذه المدة.
هذه هي الأركان المشتركة الواجب توافرها في جميع صور الوعد بالعقد ، فمتى توافرت انعقد العقد وأمكن أن يؤدي إلى العقد الموعود بمجرد إبداء الموعود له قبول هذا العقد في المدة المتفق عليها لذلك - ولا يحول دون ذلك اختلاف الطرفين حول تنفيذ التزاماتهما كاختلافهما بشأن ميعاد الوفاء بالثمن، وسنعرض فيما بعد لكل واحدة من هذه الصور على حدة .
أيعتبر الشكل ركناً في الوعد بعقد شكلي كما هو ركن في العقد الموعود به ؟ قد يتبادر إلى الذهن من نص الفقرة الثانية من المادة (101) أنه يشترط في الوعد بعقد شكلى كالرهن الرسمي توافر الشكل المطلوب في ذلك العقد أي أنه يشترط في الوعد برهن رسمي أن يكون هو أيضاً بورقة رسمية، وإلا كان الوعد باطلاً بطلاناً مطلقاً ولم يترتب عليه أي أثر يترتب عليه أي أثر .
غير أنه بتقريب هذا النص من نص المادة 102 يتضح أن توافر شكل العقد الموعود لم يشترط لانعقاد الوعد بل لإمكان الحصول به بمقتضاه على حكم يقوم مقام العقد الموعود به، فإذا صدر الوعد بالرهن مثلاً دون ورقة رسمية لم يجز للموعود له أن يستصدر حكماً يقوم مقام الرهن، ولكن ليس معنى ذلك أن الوعد يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً ولا يترتب عليه أي أثر، بل يكون صحيحاً ومنشئاً لالتزام شخصي بإنشاء حق الرهن ، ويكون تنفيذ هذا الالتزام جبراً عن المدين أمر مستحيلاً فلا يترتب على عدم تنفيذه الا أحد أمرين أما الحكم على المديين بالتعويض وفقاً للقاعدة العامة في جزاء الإخلال بالالتزامات العقدية ، وأما الحكم بإسقاط أجل الدين و بإلزام المدين بالوفاء فوراً ، ويجوز في الحالين للدائن أن يحصل بمقتضى هذا الحكم على اختصاص عقار من عقارات المدين قد يكون هو العقار الموعود برهنه أو غيره (144 مكرر) .
أثر الوعد بالعقد :
(1) أثر الوعد الملزم لجانب، و في الموعد الملزم لجانب واحد يترتب على الوعد في ذاته بمجرد إبرامه نشوء التزام في ذمة الواعد بأن يبرم مع الموعود له العقد الموعود به متى طلب الأخير ذلك في المدة المتفق عليها ولا يترتب عليه أي أثر عن آثار العقد الموعود به ، فإن كان وعداً بالبيع مثلاً لا يلزم الواعد بنقل الملكية ولا بتسليم المال الموعود ببيعه ولا يلزم المشتري بدفع الثمن ولا يخوله الحق في ثمار المبيع لأن هذه الآثار الأخيرة هي آثار البيع موضوع الوعد ، فلا تنشأ إلا بعد أن يتم تنفيذ الوعد أي بعد أن يتم عقد البيع .
ويقابل التزام الواعد بابرام العقد الموعود به حق شخص للموعود له يخوله المطالبة بإبرام ذلك العقد، وهذا الحق في ذاته له قيمة مالية ويجوز للموعود له بيعه إلى الغير، وتظهر فائدة ذلك في الوعد بالبيع مثلاً إذا كانت قيمة المال الموعود ببيعه قد ارتفعت في الفترة ما بين الوعد والأجل المعين لاختيار الموعود له الشراء فإذا كان الأخير لا يرغب في الشراء أو ليس لديه المال اللازم لذلك، أمكنه أن يجد من يرغب في شراء المال الموعود ببيعه بالثمن المسمى في عقد الوعد، ونزل إليه عن حقه في شراء المال المذكور بهذا الثمن في مقابل جزء من زيادة القيمة .
هذا كله في الفترة ما بين إبرام الوعد وانقضاء المدة المحددة لإبرام العقد الموعود به وقبل أن يستعمل الموعود له خنقه في إبرام ذلك العقد.
فاذا انقضت الفترة المذكورة دون أن يستعمل الموعود له هذا الحق أوإذا صرح قبل نهايتها برغبته عن استعماله، انتهى بذلك عقد الوعد و انقضى بانتهائه التزام الواعد وحق الموعود له وصار الوعد كأن لم يكن .
أما إذا استعمل الموعود له حقه في إبرام العقد الموعود به قبل انقضاء المدة المحددة لذلك، كان استعماله إياه قبولاً بالتعاقد الموعود به يترتب على وصوله الى الواعد تمام العقد الموعود به تأسيساً على أن وعد الواعد يتضمن إيجاباً ملزماً فيما يتعلق بالعقد الموعود بإبرامه، فيرد قبول الموعود له على هذا الإيجاب ويقترن به ويتم باقترانهما العقد وآثاره وقت قبوله الوعد، أي أنه في الوعد بالبيع الملزم البائع يتم عقد البيع وينتج أثاره المعروفة من وقت قبول الموعود له الشراء لا من وقت قبوله الوعد، فيصير الواعد بائعاً ويلتزم بنقل الملكية إلى الموعود له الذي يصير مشترياً ويلتزم بدفع الثمن من وقت اتصال قبوله الشراء بعلم الواعد.
فإذا تم في هذا المثل تنفيذ الالتزام بنقل الملكية، سواء أتم هذا التنفيذ بقوة القانون كما في الأموال المنقولة الحاضرة المعينة بالذات والمملوكة للبائع أم اقتضى عملا يقوم به البائع كفرز المبيع المثلي أو ایجاد البيع الذي لم يكن موجوداً من قبل أو توقيع العقد اللازم للتسجيل اذا كان المبيع عقاراً، انتهى الأمر ولم تنشأ عن تحويل الوعد بالبيع إلى بيع تام أية صعوبة خاصية، وسرت على العلاقة بين الطرفين جميع أحكام البيع العادية .
أما إذا كان لابد في انتقال الملكية من عمل يقوم به الواعد، كما في بيع العقار حيث لا تنتقل الملكية إلا بتسجيل العقد، وحيث يقتضي التسجيل وجود عقد مكتوب وموقع عليه من البائع توقيعاً مصدقاً عليه جاز للموعود له متى قبل الشراء وأبلغ هذا القبول الى الواعد مطالبة هذا الأخير بإعطائه عقد بيع موقع منه فإذا امتنع البائع عن ذلك، جاز المشتري أن يطلب وفقاً للمادة 102 مدنی حكماً بإثبات التعاقد من وقت إبلاغه قبوله الشراء إلى الواعد، وقام هذا الحكم متى حاز قوة الأمر المقضي مقام العقد، أي أنه يجوز تسجيله ويتم بهذا التسجيل نقل الملكية من الواعد الى الموعود له .
هذا إذا كان انتقال الملكية لا يزال ممكناً، أما اذا كان الواعد قد تصرف الى الغير في المال الموعود ببيعه، فإن التزام الواعد بنقل الملكية يصبح مستحيلاً استحالة ترجع الى اخلاله بوعده، فيلزم هذا بالتعويض عن هذا الإخلال .
أثر الوعد الزمن الجانبين -- يتكون الوعد الملزم للجانبين من تعهدين متقابلين، أحدهما: مثلاً وعد بالبيع والآخر وعند بالشراء، ومن قبول كل من الطرفين تعهد الطرف الآخر.
وقد تقدم أن المشرع المصري قد تفادى في التقنين المدني الحالي الخلاف الذي ثار في القانون الفرنسي بشأن الوعد الملزم للجانبين واعتباره، بیعاً تاماً أو مجرد وعد بالبيع، إذ نص في المادة 101 على أن يعتبر من قبيل الوعد بالتعاقد « الاتفاق الذي يعد بموجبه كلا المتعاقدين هو بإبرام عقد معين في المستقبل».
وقد سبق أن لاحظنا أن هذا النص يشترط في انعقاد الوعد أن تعين فيه المدة التي يجب فيها إبرام العقد الموعود به .
وبناءً على ذلك نفرق بين حالتين : الأولى إذا وعدتك أن أبيعك سيارتي مثلاً بخمسة آلاف جنيه إذا أنت قبلت شراءها ، وقبل أنت منى هذا الوعد ووعدتني أن تشتريها مني بهذا الثمن إذا أن قبلت بيعها إليك، فقبلت أنا منك هذا الوعد، فإن هذا الرضا المتبادل لا يعتبر وعداً بالبيع وبالشراء إذ ينقصه ركن هام من أركان الوعد بالبيع وهو أن يكون الموعود به إبرام عقد بيع في المستقبل أي في مدة معينة ومحددة في الإتفاق .
غير أن هذا الاتفاق الذي لم تكتمل فيه شروط الوعد بالبيع تتوافر فيه أركان البيع ذاته لأن إرادة كل من الطرفين اتجهت فيه الى الإرتباط بعقد بيع إذا قبل الطرف الآخر ذلك، وقد تحقق هذا الشرط من وقت تبادل الرضا، فيعتبر الاتفاق بيعاً تاماً وينتج من وقت انعقاده جميع آثار البيع، فننتقل به الملكية ويلتزم البائع بالتسليم و المشتري بالثمن.
وتكون هذه الحالة غير داخلة في نطاق الوعد بالبيع بالرغم من استعمال الطرفين صيغة الوعد ومن تسميتهما الاتفاق وعداً بالبيع .
أما الحالة الثانية هي التي يلتزم فيها كل من العاقدين بإبرام للبيع في المستقبل إذا طلب منه العائد الآخر ذلك في مدة معينة، كما اذا اقتسم أخوان تركة تشمل عقاراً محملاً بدين مؤجل، وكان كل منهما يرغب في العقار المحمل بالدين، فاقترعا عليه ، ثم رأى من وقع في نصيبه هذا العقار أن يجامل أخاه فوعده أن يبيعه هذا العقار بثمن قدره عشرة آلاف جنيه إذا تيسر له جمع هذا الثمن وأراد شراء العقار به في خلال سنة، و قبل الموعود له هذا الوعد وأراد هو أيضاً أن يؤمن أخاه الذي التزم بالدين المحمل به العقار فوعده بشراء هذا العقار منه بالثمن المذكور احتاج إلى الثمن الوفاء الذين المحمل به العقار ورغب في البيع في خلال سنة، ففي هذه الحالة يكون هناك وعد متبادل بالبيع والشراء لمدة سنة، لم تتجه فيه نية المتعاقدين إلى الالتزام بنقل الملكية أو بالثمن، وإنما اتجهت فقط إلى انشاء التزام في ذمة كل منهما بإبرام عقد البيع للطرف الآخر ذلك قبل انتهاء المدة المتفق عليها ، فلا يمكن القول بأن هذا الوعد المتبادل بالبيع والشراء يعتبر بيعا من وقت حصوله، بل يتعين الاحتفاظ له بصفته وعداً، ويشترك مع الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد في جميع أحكامه، عدا أن حق تحويل الوعد إلى بيع يكون لكل من طرفيه باعتبار أن كلاً منهما موعوداً له - بدلاً من أن يكون لأحد الطرفين فقط كما في الوعد الملزم لجانب واحد . (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني الصفحة/ 210)
في لجان المراجعة ذكر الدكتور السنهورى :" هذه المادة لا تعرض الحالة التي فيها يوجد عقد يسمى خطأ بالعقد الابتدائي وهو في الواقع عقد نهائى، وإنما يعرض النص في حالة ما إذا وجد عقد ابتدائي بالمعنى الصحيح يتلوه عقد نهائی لا سيما إذا كان العقد من العقود الشكلية كالرهن الرسمي فمتى وجد وعد برهن رسمی مثلاً وكان هذا الوعد قد استوفي الشروط الشكلية جاز إذا لم ينفذ الواعد وعده أن يجبر على ذلك ويقوم الحكم مقام العقد النهائي .(التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2014، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء/ الأول صفحة 397
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 72
وَعْد
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَعْدُ فِي اللُّغَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَيُقَالُ: وَعَدْتُهُ خَيْرًا وَوَعَدْتُهُ شَرًّا.
وَالْعِدَةُ: الْوَعْدُ، وَقَالُوا فِي الْخَيْرِ: وَعَدَهُ وَعْدًا وَعِدَةً، وَفِي الشَّرِّ: وَعَدَهُ وَعِيدًا، فَالْمَصْدَرُ فَارِقٌ بَيْنَهُمَا.
وَيُقَالُ: أَنْجَزَ الْوَعْدَ إِنْجَازًا؛ أَيْ أَوْفَى بِهِ، وَنَجَزَ الْوَعْدُ، وَهُوَ نَاجِزٌ: إِذَا حَصَلَ وَتَمَّ، وَوَعَدْتُهُ فَاتَّعَدَ: أَيْ قَبِلَ الْوَعْدَ .
وَالْوَعْدُ فِي الاِصْطِلاَحِ: الإْخْبَارُ بِإِيصَالِ الْخَيْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْعَهْدُ:
2 - الْعَهْدُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ عَهِدَ، يُقَالُ: عَهِدْتُ إِلَيْهِ عَهْدًا، مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَهُوَ الْوَصِيَّةُ وَالأَْمَانُ وَالْمَوْثِقُ وَالذِّمَّةُ، قَالَ أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيُّ: الْعَهْدُ مَا كَانَ مِنَ الْوَعْدِ مَقْرُونًا بِشَرْطٍ، نَحْوَ قَوْلِكَ: إِنْ فَعَلْتَ كَذَا فَعَلْتُ كَذَا، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ فَأَنَا عَلَيْهِ، وَالْعَهْدُ يَقْتَضِي الْوَفَاءَ، وَالْوَعْدُ يَقْتَضِي الإْنْجَازَ. وَيُقَالُ: نَقَضَ الْعَهْدَ، وَأَخْلَفَ الْوَعْدَ.
وَالْعَهْدُ فِي الاِصْطِلاَحِ: حِفْظُ الشَّيْءِ وَمُرَاعَاتُهُ حَالاً بَعْدَ حَالٍ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْمَوْثِقِ الَّذِي تَلْزَمُ مُرَاعَاتُهُ . وَقَالَ الْكَفَوِيُّ: وَالْعَهْدُ الْمَوْثِقُ، وَوَضْعُهُ لِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُرَاعَى وَيُتَعَهَّدَ، كَالْقَوْلِ وَالْقَرَارِ وَالْيَمِينِ وَالْوَصِيَّةِ وَالضَّمَانِ وَالْحِفْظِ وَالزَّمَانِ وَالأْمْرِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَعْدِ وَالْعَهْدِ: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ الْوَفَاءُ بِهِ شَرْعًا.
ب- الْوَأْيُ:
3 - الْوَأْيُ فِي اللُّغَةِ: الْوَعْدُ، يُقَالُ: وَأَيْتُهُ وَأْيًا؛ أَيْ وَعَدْتُهُ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه : «كَانَ لِي عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وَأْيٌ» أَيْ عِدَةٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْوَأْيُ: الْوَعْدُ الَّذِي يُوَثِّقُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَعْزِمُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ .
أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَأْيِ وَالْوَعْدِ، فَقَدْ قَالَ فِيهِ أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيُّ: إِنَّ الْوَعْدَ يَكُونُ مُؤَقَّتًا وَغَيْرَ مُؤَقَّتٍ، فَالْمُؤَقَّتُ كَقَوْلِهِمْ: جَاءَ وَعْدُ رَبِّكَ، وَغَيْرُ الْمُؤَقَّتِ كَقَوْلِهِمْ: إِذَا وَعَدَ زَيْدٌ أَخْلَفَ وَإِذَا وَعَدَ عَمْرٌو وَفَّى. وَالْوَأْيُ: مَا يَكُونُ مِنَ الْوَعْدِ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ، أَلاَ تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: إِذَا وَأَى زَيْدٌ أَخْلَفَ أَوْ وَفَّى. وَلاَ تَقُولُ: جَاءَ وَأْيُ زَيْدٍ، كَمَا تَقُولُ: جَاءَ وَعْدُهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْوَأْيُ: الْعِدَةُ الْمَضْمُونَةُ، وَقِيلَ: الْوَأَيُ الْعِدَةُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ، وَالْعِدَةُ: التَّصْرِيحُ بِالْعَطِيَّةِ .
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَعْدِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْوَعْدِ أَحْكَامٌ، مِنْهَا:
أ- الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ:
4 - الْوَعْدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ بِشَيْءٍ وَاجِبٍ أَوْ بِشَيْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ.
أَمَّا الْوَعْدُ بِشَيْءٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ إِنْجَازُ وَعْدِهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْلاَفُهُ شَرْعًا .
قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَنْ وَعَدَ بِمَا لاَ يَحِلُّ أَوْ عَاهَدَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَنْ وَعَدَ بِزِنًا أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ بِمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ لَيْسَ كُلُّ مَنْ وَعَدَ فَأَخْلَفَ أَوْ عَاهَدَ فَغَدَرَ مَذْمُومًا وَلاَ مَلُومًا وَلاَ عَاصِيًا، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُطِيعًا مُؤَدِّيَ فَرْضٍ .
وَأَمَّا مَنْ وَعَدَ بِشَيْءٍ وَاجِبٍ شَرْعًا، كَأَدَاءِ حَقٍّ ثَابِتٍ أَوْ فِعْلِ أَمْرٍ لاَزِمٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِنْجَازُ ذَلِكَ الْوَعْدِ .
وَأَمَّا مَنْ وَعَدَ بِفِعْلِ شَيْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ إِلَيْهِ، فَيَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يُنْجِزَ وَعْدَهُ، حَيْثُ إِنَّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ مِنْ مَكَارِمِ الأْخْلاَقِ وَخِصَالِ الإْيمَانِ، وَقَدْ أَثْنَى الْمَوْلَى جَلَّ وَعَلاَ عَلَى مَنْ صَدَقَ وَعْدَهُ فَامْتَدَحَ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام بِقَوْلِهِ: ( إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) وَكَفَى بِهِ مَدْحًا، وَبِمَا خَالَفَهُ ذَمًّا.
5 - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ وَاجِبٌ .
وَإِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ذَهَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي ابْنُ الأْشْوَعِ الْكُوفِيُّ الْهَمْدَانِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ اخْتَارَهُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ .
وَحُجَّتُهُمْ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ قوله تعالي : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) .
وَكَذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» .
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ وَاجِبٌ إِلاَّ لِعُذْرٍ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْوَعْدَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلاَّ لِعُذْرٍ .
وَقَالَ أَيْضًا: وَإِذَا وَعَدَ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَفِيَ، فَلاَ يَضُرُّهُ إِنْ قَطَعَ بِهِ عَنِ الْوَفَاءِ قَاطِعٌ كَانَ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْ جِهَةِ فِعْلٍ اقْتَضَى أَلاَّ يَفِيَ لِلْمُوعَدِ بِوَعْدِهِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «إِذَا وَعَدَ الرَّجُلُ وَيَنْوِي أَنْ يَفِيَ بِهِ فَلَمْ يَفِ، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ» .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ دِيَانَةً لاَ قَضَاءً، وَهُوَ رَأْيُ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَلاَ أَقُولُ يَبْقَى دَيْنًا حَتَّى يُقْضَى مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِنَّمَا أَقُولُ: يَجِبُ الْوَفَاءُ تَحْقِيقًا لِلصِّدْقِ وَعَدَمِ الإْخْلاَفِ .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ مُسْتَحَبٌّ، فَلَوْ تَرَكَهُ فَاتَهُ الْفَضْلُ وَارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ شَدِيدَةً، وَلَكِنْ لاَ يَأْثَمُ. وَهُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ .
قَالَ النَّوَوِيُّ: الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُسْتَحَبٌّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا، وَيُكْرَهُ إِخْلاَفُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَدَلاَئِلُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعْلُومَةٌ وَلاِتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَوْعُودَ لاَ يُضَارِبُ بِمَا وُعِدَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ .
وَقَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ ابْنُ مُفْلِحٍ: لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، نَصَّ عَلَيْهِ الإْمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لأِنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَنَصَّ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ عَلَى أَنَّ الْوَعْدَ بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ مُبَاحٌ، فَإِنَّ الأْوْلَى الْوَفَاءُ بِهِ مَعَ الإْمْكَانِ .
الْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ الْمُجَرَّدِ غَيْرُ وَاجِبٍ، أَمَّا الْوَعْدُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لاَزِمًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، حَيْثُ نَقَلَ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنِ الْقُنْيَةِ: لاَ يَلْزَمُ الْوَعْدُ إِلاَّ إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ: أَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَاءِ صُوَرِ التَّعْلِيقِ تَكُونُ لاَزِمَةً . وَنَصَّتِ الْمَادَّةُ (84) مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: الْمَوَاعِيدُ بِصُوَرِ التَّعَالِيقِ تَكُونُ لاَزِمَةً.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لآِخَرَ: ادْفَعْ دَيْنِي مِنْ مَالِكَ، فَوَعَدَهُ الرَّجُلُ بِذَلِكَ، ثُمَّ امْتَنَعَ عَنِ الأْدَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يُلْزَمُ الْوَاعِدُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ، أَمَّا قَوْلُ رَجُلٍ لآِخَرَ: بِعْ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلاَنٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِكَ ثَمَنَهُ فَأَنَا أُعْطِيهِ لَكَ، فَلَمْ يُعْطِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، لَزِمَ الْمُوَاعِدَ أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى وَعْدِهِ .
وَأَسَاسُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الإْنْسَانَ إِذَا أَنْبَأَ غَيْرَهُ بِأَنَّهُ سَيَفْعَلُ أَمْرًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَرْغُوبًا لَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الأْمْرُ غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْوَعْدِ؛ لأِنَّ الْوَعْدَ لاَ يُغَيِّرُ الأْمُورَ الاِخْتِيَارِيَّةَ إِلَى الْوُجُوبِ وَاللُّزُومِ. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَوَاعِيدُ مُفْرَغَةً فِي قَالَبِ التَّعْلِيقِ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُ لِقُوَّةِ الاِرْتِبَاطِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ حُصُولَ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ مَوْقُوفٌ عَلَى حُصُولِ شَرْطِهِ، وَذَلِكَ يُكْسِبُ الْوَعْدَ قُوَّةً، كَقُوَّةِ الاِرْتِبَاطِ بَيْنَ الْعِلِّيَّةِ وَالْمَعْلُولِيَّةِ، فَيَكُونُ لاَزِمًا .
عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ إِنَّمَا اعْتَبَرُوا الْوُعُودَ بِصُوَرِ التَّعَالِيقِ لاَزِمَةً إِذَا كَانَ الْوَعْدُ مِمَّا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ شَرْعًا حَسَبَ قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِمْ، حَيْثُ إِنَّهُمْ أَجَازُوا تَعْلِيقَ الإْطْلاَقَاتِ وَالْوَلاَيَاتِ بِالشَّرْطِ الْمُلاَئِمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَجَازُوا تَعْلِيقَ الإْسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ بِالْمُلاَئِمِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشُّرُوطِ، أَمَّا التَّمْلِيكَاتُ وَكَذَا التَّقْيِيدَاتُ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ عِنْدَهُمْ .
وَالنَّافُونَ لِوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ حَمَلُوا الْمَحْظُورَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَمَقَتَ فَاعِلَهُ فِي قوله تعالي : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) عَلَى مَنْ وَعَدَ وَفِي ضَمِيرِهِ أَلاَّ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ بِهِ، أَوْ عَلَى الإْنْسَانِ الَّذِي يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا لاَ يَفْعَلُهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» فَقَالُوا بِأَنَّ ذَمَّ الإْخْلاَفِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ الْكَذِبَ الْمَذْمُومَ إِنْ عَزَمَ عَلَى الإْخْلاَفِ حَالَ الْوَعْدِ، لاَ إِنْ طَرَأَ لَهُ .
قَالَ الإْمَامُ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا يَنْزِلُ عَلَى مَنْ وَعَدَ وَهُوَ عَلَى عَزْمِ الْخُلْفِ أَوْ تَرْكِ الْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَأَمَّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْوَفَاءِ فَعَنَّ لَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ مِنَ الْوَفَاءِ، لَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ مَا هُوَ صُورَةُ النِّفَاقِ .
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ حَرَامٌ إِذَا وَعَدَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ لاَ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ، أَمَّا إِذَا وَعَدَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ فَلَمْ يَفِ، فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ .
الْقَوْلُ السَّادِسُ: إِنَّ الْوَعْدَ إِذَا كَانَ مُرْتَبِطًا بِسَبَبٍ وَدَخَلَ الْمَوْعُودُ فِي السَّبَبِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْعَقْدِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُبَاشِرِ الْمَوْعُودُ السَّبَبَ فَلاَ شَيْءَ عَلَى الْوَاعِدِ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا وَعَدَهُ أَنْ يُسْلِفَهُ ثَمَنَ دَارٍ يُرِيدُ شِرَاءَهَا فَاشْتَرَاهَا الْمَوْعُودُ حَقِيقَةً، أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ مَبْلَغَ الْمَهْرِ فِي الزَّوَاجِ، فَتَزَوَّجَ اعْتِمَادًا عَلَى هَذَا الْوَعْدِ... فَفِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَأَمْثَالِهِمَا يُلْزَمُ الْوَاعِدُ قَضَاءً بِإِنْجَازِ وَعْدِهِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يُبَاشِرِ الْمَوْعُودُ السَّبَبَ، فَلاَ يُلْزَمُ الْوَاعِدُ بِشَيْءٍ.
وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ وَالرَّاجِحُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَعَزَاهُ الْقَرَافِيُّ إِلَى مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَسُحْنُونٍ .
الْقَوْلُ السَّابِعُ: أَمَّا إِذَا كَانَ الْوَعْدُ مُرْتَبِطًا بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ يَجِبَ الْوَفَاءُ بِهِ قَضَاءً، سَوَاءٌ دَخَلَ الْمَوْعُودُ فِي السَّبَبِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَبِطًا بِسَبَبٍ فَلاَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ: فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لآِخَرَ: أَعِدُكَ بِأَنْ أُعِيرَكَ بَقَرِي وَمِحْرَاثِي لِحِرَاثَةِ أَرْضِكَ، أَوْ أُرِيدُ أَنْ أُقْرِضَكَ كَذَا لِتَتَزَوَّجَ. أَوْ قَالَ الطَّالِبُ لِغَيْرِهِ: أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ أَوْ أَنْ أَقْضِيَ دَيْنِي أَوْ أَنْ أَتَزَوَّجَ، فَأَقْرِضْنِي مَبْلَغَ كَذَا. فَوَعَدَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ عَنْ وَعْدِهِ قَبْلَ أَنْ يُبَاشِرَ الْمَوْعُودُ السَّبَبَ الَّذِي ذَكَرَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ زَوَاجٍ أَوْ وَفَاءِ دَيْنٍ أَوْ حِرَاثَةِ أَرْضٍ... فَإِنَّ الْوَاعِدَ يَكُونُ مُلْزَمًا بِالْوَفَاءِ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالتَّنْفِيذِ جَبْرًا إِنِ امْتَنَعَ.. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعِدَةُ غَيْرَ مُرْتَبِطَةٍ بِسَبَبٍ، كَمَا إِذَا قُلْتَ لآِخَرَ: أَسْلِفْنِي كَذَا، وَلَمْ تَذْكُرْ سَبَبًا، أَوْ أَعِرْنِي دَابَّتَكَ أَوْ بَقَرَتَكَ، وَلَمْ تَذْكُرْ سَفَرًا وَلاَ حَاجَةً، فَقَالَ: نَعَمْ. أَوْ قَالَ الْوَاعِدُ مِنْ نَفْسِهِ: أَنَا أُسْلِفُكَ كَذَا أَوْ أَهَبُ لَكَ كَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، فَلاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهُوَ قُوْلٌ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ .
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ الَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيُّ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ عِدَةً لاَ تُدْخِلُ مَنْ وَعَدَ بِهَا فِي شَيْءٍ، فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُفَسَّرَةً أَوْ مُبْهَمَةً.
- فَإِنْ كَانَتْ مُفَسَّرَةً: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَعِرْنِي دَابَّتَكَ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا. فَيَقُولُ: أَنَا أُعِيرُكَ غَدًا، أَوْ يَقُولُ: عَلَيَّ دَيْنٌ فَأَسْلِفْنِي مِائَةَ دِينَارٍ أَقْضِهِ، فَيَقُولُ: أَنَا أُسْلِفُكَ.
فَهَذَا قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُحْكَمُ بِإِنْجَازِ مَا وَعَدَ بِهِ، كَالَّذِي يُدْخِلُ الإْنْسَانَ فِي عَقْدٍ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى خِلاَفِ هَذَا؛ لأِنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ بِوَعْدِهِ فِي شَيْءٍ يَضْطَرُّهُ إِلَى مَا وَعَدَ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ مُبْهَمَةً: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَسْلِفْنِي مِائَةَ دِينَارٍ، وَلاَ يَذْكُرُ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا، أَوْ يَقُولَ: أَعِرْنِي دَابَّتَكَ أَرْكَبْهَا، وَلاَ يَذْكُرُ لَهُ مَوْضِعًا وَلاَ حَاجَةً. فَهَذَا قَالَ أَصْبَغُ: لاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا.
فَإِذَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الأْولَى: إِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْعِدَةِ إِذَا كَانَ الأْمْرُ أَدْخَلَهُ فِيهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: انْكِحْ وَأَنَا أُسْلِفُكَ مَا تُصْدِقُهَا. فَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ الْوَعْدِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ وُعِدَ، فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَمْ لاَ؟ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ، أَلْزَمَهُ ذَلِكَ بِالْوَعْدِ .
الاِسْتِثْنَاءُ فِي الْوَعْدِ:
6 - نَصَّ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْوَاعِدِ أَنْ يَسْتَنْثِيَ فِي وَعْدِهِ بِقَوْلِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ لقوله تعالي : ( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) وَلأِنَّ الْوَاعِدَ لاَ يَدْرِي هَلْ يَقَعُ مِنْهُ الْوَفَاءُ أَمْ لاَ، فَإِذَا اسْتَثْنَى وَعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ الإْلَهِيَّةِ خَرَجَ عَنْ صُورَةِ الْكَذِبِ فِي حَالِ التَّعَذُّرِ.
غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الاِسْتِثْنَاءِ فِي الْوَعْدِ:
- فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ الأْوْلَى.
- وَقَالَ الْجَصَّاصُ: إِنْ لَمْ يَقْرِنْهُ بِالاِسْتِثْنَاءِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ.
- وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ الْوَعْدُ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ.
الْمُوَاعَدَةُ:
7 - الْمُوَاعَدَةُ: مُفَاعَلَةٌ مِنْ وَاعَدَ. وَقَدْ عَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنْ يَعِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ؛ لأِنَّهَا مُفَاعَلَةٌ لاَ تَكُونُ إِلاَّ مِنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ وَعَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ فَهَذِهِ الْعِدَةُ.
وَقَدْ تَنَاوَلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُوَاعَدَةَ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا، وَذَكَرُوا بَعْضًا مِنْ أَحْكَامِهَا، وَذَلِكَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - الْمُوَاعَدَةُ عَلَى مَا لاَ يَصِحُّ حَالاً:
8 - قَالَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ مِنْ أُصُولِ مَالِكٍ مَنْعَ الْمُوَاعَدَةِ فِيمَا لاَ يَصِحُّ وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ. وَمِنْ ثَمَّ مَنَعَ مَالِكٌ الْمُوَاعَدَةَ عَلَى النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ، وَالْمُوَاعَدَةَ عَلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَعَلَى الْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَعَلَى بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَجَاءَ فِي قَوَاعِدِ الْوَنْشَرِيسِيِّ: الأْصْلُ مَنْعُ الْمُوَاعَدَةِ بِمَا لاَ يَصِحُّ وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ حِمَايَةً . بِمَعْنَى أَنَّ الْمُوَاعَدَةَ عَلَى عَقْدٍ مَحْظُورٍ-بِالنَّظَرِ لِمَا تَؤُولُ إِلَيْهِ- كَالْوَسِيلَةِ لِلْغَايَةِ الْمَمْنُوعَةِ، فَتُحْمَى الْمَقَاصِدُ الَّتِي حَظَرَهَا الشَّرْعُ مِنْ أَنْ تُنْتَهَكَ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ الَّتِي تُفْضِي إِلَيْهَا.
ب - الْمُوَاعَدَةُ عَلَى عَقْدِ الصَّرْفِ
9 - أَمَّا الْمُوَاعَدَةُ عَلَى الصَّرْفِ فَفِيهَا ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَهُمْ:
أَحَدُهَا الْجَوَازُ.
وَثَانِيهَا الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَثَالِثُهَا الْكَرَاهَةُ، وَشُهِرَتْ أَيْضًا نَظَرًا لِجَوَازِ الصَّرْفِ فِي الْحَالِ، وَشُبِّهَتْ بِعَقْدٍ فِيهِ تَأْخِيرٌ .
وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ: وَأَمَّا الْمُوَاعَدَةُ عَلَى الصَّرْفِ فَتُكْرَهُ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَتَمَّ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُوَاعَدَةِ، لَمْ يُفْسَخْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يُفْسَخُ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَجْهَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُوَاعَدَةِ عَلَى الصَّرْفِ فِي حُكْمٍ -حَيْثُ قِيلَ بِجَوَازِهَا وَبِكَرَاهَتِهَا إِلَى جَانِبِ الْقَوْلِ بِمَنْعِهَا- وَبَيْنَ الْمُوَاعَدَةِ عَلَى النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَعَلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَنَحْوِهِمَا، فَقَالَ: وَإِنَّمَا مُنِعَتْ فِيهِمَا؛ لأِنَّ إِبْرَامَ الْعَقْدِ مُحَرَّمٌ فِيهِمَا، فَجُعِلَتِ الْمُوَاعَدَةُ حَرِيمًا لَهُ، وَلَيْسَ إِبْرَامُ الْعَقْدِ فِي الصَّرْفِ بِمُحَرَّمٍ، فَتُجْعَلُ الْمُوَاعَدَةُ حَرِيمًا لَهُ .
وَتَعَرَّضَ الإْمَامُ الشَّافِعِيُّ لِلْمُوَاعَدَةِ فِي الصَّرْفِ فَقَالَ: إِذَا تَوَاعَدَ الرَّجُلاَنِ الصَّرْفَ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلاَنِ الْفِضَّةَ ثُمَّ يُقِرَّانِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَتَبَايَعَاهَا وَيَصْنَعَا بِهَا مَا شَاءَا.
____________________________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة ۸۷)
اذا وعد شخص بأبرام عقد ، وقاضاه المتعاقد الآخر طالباً تنفيذ العقد ، وكانت الشروط اللازمة لتمام العقد وبوجه خاص ما يتعلق منها بالشكل متوافرة ، قام الحكم متى حاز قوة الأمر المقضي مقام العقد
هذه المادة تقابل المادة ۱۰۲ من التقنين الحالي والتي تنص على ما يأتي :
إذا وعد شخص بابرام عقا. ثم نكل ، وقاضاء المتعاقد الآخر طالبا تنفيذ الوعد ، وكانت الشروط اللازمة لتمام العقد وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل متوافرة ، قام الحكم متى حاز قرة الشيء المقضی به مقام العقد •
وقد عدلت صياغة هذه المادة على النحو الوارد في المادة المقترحة لابراز ان العقد الموعود به ينعقد بمجرد أن يظهر الموعود له رغبته في التعاقد . اذ أن ابداء الرغبة يكون بمثابة قبول الايجاب يتمثل في الوعد الذي يلتزم به الواعد والذي يشتمل على جميع المسائل الجوهرية للعقاد النهانی • ومن ثم يكون طلب المتعاقد الآخر منصبا على تنفيذ العقد وليس على تنفيذ الوعد .
كما ادخلت تعديلات الفعلية ، قاستبدلت غبارة وبوجه خاص بعبارة « وبخاصة ، واستبدلت عبارة « قوه الأمر المقضى ، بعبارة وقوة الشيء المقضي به
والمادة المقترحة تقابل المادة 106 من التقنين الأردني التي تطابق المادة ۱۰۲ من التقنين المصري الحالي .
والسند الشرعي لها هو ذلك المبدا الاساسي في الشريعة الإسلامية الذي جاء في الآية الكريمة : (يأيها الذين آمنوا اوفوا بالعقود)