المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الجزء الثاني ص 81
مذكرة المشروع التمهيدي :
ا- تعرض نصوص هذه المواد 152 - 154 لأحكام العربون في جملتها ، وينبغي التفريق في هذا الصدد بين فروض عدة .
فإذا اتفق المتعاقدان على خيار العدول جاز لكل منهما أن يستقل بنقض العقد ، فإن عدل من دفع العربون وجب عليه تركه ، وأن عدل من قبضه رد ضعفه ، على أن خيار العدول هذا ، لايفترض ، بل يجب الاتفاق عليه صراحة وقد جعلت التقنيات اللاتينية القديمة ، ولا سيما التقنين الفرنسي من العربون قرينة على ثبوت الخيار ، ولكن المشروع آثر على نقيض ذلك ، أن يتبع مذهب التقنيات الجرمانية وغيرها من التقنيات الحديثة .
أما إذا لم يتفق المتعاقدان على خيار فلا يجوز لأيهما أن يستقل بالعدول عن العقد ، مالم يقض العرف بغير ذلك ويجب رد العربون ، إذا اتفق الطرفان على الالغاء أو الإقالة ، أو فسخ العقد بحطهما ، أو وقع الفسخ لإستحالة التنفيذ بسبب ظروف لا دخل لها فيها على أن لكل من المتعاقدين في غير هذه الأحوال أن يطلب تنفيذ العقد .
(أ) و في حالة التخلف الاختياري عن الوفاء ، يكون للعاقد الآخر أن تختار بين التنفيذ الجبري و بين الفسخ مع اقتضاء العربون على سبيل التعويض - بأن يحتفظ بالعربون الذي قبضه ، أو بأن يطالب بضعف العربون الذي دفعه - ولو لم يلحق به ضرر من جراء ذلك ويكون الاشتراط العربون في هذه الحالة شأن الشرط الجزائي ولكنه يفترق عنه من حيث عدم جواز التخفيض أو الإلغاء ، فهو يستحق ولو انتي الضرر على وجه الاطلاق، أما إذا كان الضرر الواقع يجاوز مقدار العربون نتجوز المطالبة بتعويض أكبر ، وفقاً للمبادىء العامة .
(ب) وفي حالة تنفيذ الإلتزام إختيارياً يخص العربون من قيمة الإلتزام ، فإذا استحال الخصم وجب رده إلى من أداه .
2 - والظاهر أن القضاء المصرى لا يشنه كثيراً عن اتباع القواعد التي تقدم بيانها ، فقد ذهبت محكمة الاستئناف المختلطة إلى أن العربون يعتبر ، عند الشك ، مخصصة لتعويض الضرر الذي ينشأ عن تخلف أحد المتعاقدين عن تنفيذ العقد ، ولايعتبر خياراً للعدول بيد أن هذا الضرب من التعويض يعجل تحديد مقداره ، فلا يجوز تخفيضه ولا الزيادة فيه على ما يظهر ، وعلى هذا الأساس قضت محكمة الاستئناف بأن اشتراط , العربون ، ليست دلالته إثبات خیار تحكى العدول يحتفظ به للعاقدين ، بل إثبات حق الفسخ مع تعجيل تحديد التعويض الواجب عند التخلف عن الوفاء ( 17 ابريل سنة 1902 ب 14 ص 254 )، وقضت كذلك فيها يتعلق بالتقدير الجزافي للعربون ، بأن الشرط الذي يقضي بأن يكون العربون من حق البائع دون حاجة إلى إعذار ، إذا تخلف المشتري عن تسر البضاعة في الميعاد المتفق عليه ، ينطوي على تقدير جزافي لا يستحق عند التخلف عن التنفيذ . وعلى هذا الأساس ، لايجوز للبائع أن يطالب فوق ذلك بالفرق بين السعر الذي اتفق عليه ، والسعر الجاري في التاريخ المحدد للتسليم (27 مارس سنة 1902 ب 14 ص 242 ) وإذا كانت محكمة الاستئناف المختلطة قد ذهبت، في بعض أحكامها إلى أن العربون يثبت خيار العدول ، فقد بني قضاؤها هذا على مايستخلص من الرجوع لإرادة المتعاقدين وقد جاء في أحد أحكامها أنه إذا نص في اتفاق تمهيدي على البيع ، على أن امتناع أحد المتعاقدين عن توقيع العقد النهائي يستبع التزام البائع برد العربون الذي قبضه - إذا كان هو الممتنع - وسقوط حق المشتري فيه ، ودفع مبلغ معادل له على سبيل التعويض - إذا وقع الإمتناع منه - فمثل هذا الاتفاق الاخول للشتری حق الملك ولا حق المطالبة بتنفيذ البيع ، بل يخوله حق المطالبة برد العربون حسب وهو بذلك يكون مجرد دائن بالتزام ، فلا يجوز له أن يطلب إلى قاضي الأمور المستعجلة إتخاذ أي إجراء تحفظي على الأموال ذاتها . (17 ديسمبر سنة 1919 ب 22 ص 74).
أما فيما يتعلق بخصم العربون فقد حكمت محكمة الاستئناف المختلطة ، بأن المبلغ الذي يدفع بوصفه عربون، في بيع بات لا يعتبر إلا جزءاً معجلاً من التمن . (30 اكتوبر سنة 1916 ب 29 ص 22 و7 فبراير سنة 1917 ب 29 ص 204 و 11 ابريل سنة 1917 ب 29 ص 352 و 4 نوفمبر سنة 1925 ب 38 ص 11) .
وقد حكم فيما يتعلق بترك العربون ورد ضعفه بأنه لا يكون للمشتري إذا تخلف عن الوفاء في الميعاد أن يطالب بالمبلغ الذي أداه كعربون يخصم من الثمن كما أن البائع إذا تأخر ، تعين عليه أن يرد المبلغ الذي قبضه و مبلغا معادلا له على سبيل التعويض، (17 ابريل سنة 1902 ب 14 ص 254 )، ولا يتطلب القضاء إثبات الضرر لترتيب حكم الالتزام بالترك أو الرد .. فقد حكم بأن المشتري يفقد العربون بمجرد التخلف عن تنفيذ العقد، دون أن يكون له حق في إقامة الدليل على أن البائع لم يصبه ضرر من جراء ذلك ، على نقيض ما يجري بشأن الشروط الجزائية (16 نوفمبر سنة 1915 ب 28 ص 22 ، و 1 فبراير سنة 1922 ب 34 ص 142 )
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 152 من المشروع .
وأقرتها اللجنة على أصلها بعد أن استبدلت عبارة ( أن العقد أصبح باتاً ) بعبارة أن العقد بات، وقدمت في المشروع النهائيتحت رقم 105 بعد إبدال نص الفقرة الأولى بالنص الآتي :
1- دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن العقديات لايجوز العدول عنه إلا إذا قضى الاتفاق أو العرف يغير ذلك.
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 100 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الرابعة
تليت المادة 105 و هي خاصة بالعربون وأحكامه، فقال عبده بك محرم إن المقصود بهذه المادة أن يكون البيع مثلاً بالعربون باتاً .
ولزيادة إيضاح ما ترمي إليه المادة قلا الدكتور بغدادی من المذكرة الإيضاحية المطولة للمشروع الأصلى ما يأتي : و تعرض نصوص هذه المادة وما تليها لأحكام العربون في جملتها وينبغي التفريق في هذا الصدد بين فروض عدة .
فاذا اتفق المتعاقدان على خيار العدول جاز لكل منهما أن يستقل بنقض العقد فإن عدل من دفع العربون وجب عليه تركه وإن عدل من قبضه رد ضعفه على أن خيار العدول هذا لايفترض بل يجب الاتفاق عليه صراحة وقد جعلت التقنينات اللاتينية القديمة ولاسيما التقنين الفرنسي من العربون قريئة على ثبوت الخيار ولكن المشروع آثر على نقيض ذاك أن يتبع مذهب التقنيات الجرمانية وغيرها من التقنيات الحديثة .
أما إذا لم يتفق المتعاقدان على خيار فلا يجوز لأيهما أن يستقل بالعدول عن العقد ما لم يقض العرف بغير ذلك وجب رد العربون إذا اتفق الطرفان على الإلغاء أو الإقالة أو فسخ العقد بخطهما أو وقع الفسخ لإستحالة التنفيذ بسبب ظروف لا دخل لها فيها على أن لكل من المتعاقدين في غير هذه الأحوال أن يطلب تنفيذ العقد .
وفي حالة التخلف الاختیاری عن الوفاء يكون العاقد الآخر أن يختار بين التنفيذ الجيري و بين الفسخ مع اقتضاء العربون على سبيل التعويض - بأن يحتفظ بالعربون الذي قبضه أو بأن يطالب بضعف العربون الذي دفعه - ولو لم يلحق به ضرر من جراء ذلك ويكون لإشتراط العربون في هذه الحالة شأن الشرط الجزائي ولكنه يفترق عنه من حيث عدم جواز التخفيض أو الإلغاء فهو يستحق ولو انتفي الضرر على وجه الإطلاق أما إذا كان الضرر الواقع يجاوز مقدار العربون فتجوز المطالبة بعربون أكبر وفقاً للمبادىء العامة .
وفي حالة تنفيذ الالتزام اختيارية يخصم العربون من قيمة الالتزام فإذا استحال الخصم وجب رده إلى من أداه ..
وبعد ذلكع استطرد حضرته قائلاً إن الخلاف العملی محدود وبسيط لأنه مع وجود النص لا شبهة في عدم التقيد به بشرط الاتفاق على ذلك بين المتعاقدين .
وعقب على ذلك سعادة العشماوي باشا فقال بأن نص هذه المادة مأخوذ من القانون البولوني و يحسن بتاً الرجوع إلى المذكرة الإيضاحية المطولة للمشروع الأصلى التفهم الأحكام المختلفة فتلاً سعادته منها ما يأتي :
والظاهر أن القضاء المصرى لا يشذ كثيراً عن اتباع القواعد المقررة في هذه المواد فقد ذهبت محكمة الاستئناف المختلطة إلى أن العربون يعتبر عند الشك مخصصة التعويض الضرر الذي ينشأ عن تخلف أحد المتعاقدين عن تنفيذ العقد ولا يعتبر خيارة للعدول بيد أن هذا الضرب من التعويض يعجل تحديد مقداره فلا يجوز تخفيضه ولا الزيادة فيه على ما يظهر وعلى هذا الأساس قضت محكمة الاستئناف بأن اشتراط العربون لیست دلالته إثبات خیار تحكى للعدول يحتفظ به للعاقدين بل إثبات حق الفسخ مع تعجيل تحديد التعويض الواجب عند التخلف عن الوفاء وقضت كذلك فيما يتعلق بالتقدير الجزافي للعربون بأن الشرط الذي يقضي بأن يكون العربون من حق البائع دون حاجة إلى إعذار إذا تخلف المشتري عن تسلم البضاعة في الميعاد المتفق عليه ينطوي على تقدير جزافي لا يستحق عند التخلف عن التنفيذ وعلى هذا الأساس لا يجوز للبائع أن يطالب فوق ذلك بالفرق بين السعر الذي اتفق عليه والسعر الجاري في التاريخ المحدد للتسليم .
وإذا كانت محكمة الاستئناف المختلطة قد ذهبت في بعض أحكامها إلى أن العربون يثبت خیار العدول فقد بني قضاؤها على ما يستخلص من الرجوع لإرادة المتعاقدين وقد جاء في أحد أحكامها أنه إذا نص في اتفاق تمهيدي على البيع على آن امتناع أحد المتعاقدين عن توقيع العقد النهائيي يستتبع التزام البائع برد العربون الذي قبضه – إذا كان هو الممتنع - وسقوط حق المشتري فيه ودفع مبلغ معادل له على سبيل التعويض - إذا وقع الامتناع منه - فثل هذا الاتفاق لا يخول للمشتري حق الملك ولا خق المطالبة بتنفيذ البيع بل يخوله حق المطالبة برد العربون حسب وهو بذلك يكون مجرد دائن بالتزام فلا يجوز له أن يطلب إلى قاضي الأمور المستعجلة إتخاذ أي إجراء تحفظي على الأموال ذاتها وخرج سعادته من ذلك إلى أنه يجب إرجاء البت في هذه المادة حتى يتمكن حضرات الأعضاء من دراسة مصادرها ومدی إتفاقها مع أحكام القضاء المصري .
وقد لاحظ سعادة الرئيس على المادة أنها تحدث بلبلة في الأحكام لأنها ترجع بتات العقد إلى العرف وهو متغير و مختلف عليه في البيئات المختلفة.
فرد عبده محرم بك على تلك الملاحظة بقوله إن العرف هو ما تواضع عليه القضاء بمعنى أن أحكام القضاء إذا اطردت في مسألة معينة فرضت على الناس إقراراً لما تعارفه الناس - ثم أجلت المناقشة الجلسة المقبلة .
محضر الجلسة الخامسة
طلب سعادة الرئيس من الدكتور بغدادی آن يدل اللجنة وهي بصدد بحث المادة 105 الخاصة بالعربون على نظائرها في القانون الفرنسي وفي الشريعة الإسلامية .
فأجابه الدكتور بغدادی بأن المادة 105 لها نظير في القانون الفرنسي ولا نظير لها في كتاب مرشد الحيران ومن الجائز أن يكون لها مثيل في مجلة الأحكام العدلية .
وقد حدثت مناقشة اشترك فيها سعادة الرئيس وصاحبة السعادة علوية باشا والعشماوي باشا حول العرف في تقرير أحكام العربون ومن المستحسن تعدیل نص المادة 105 تعديلاً يتفق مع العرف والقضاء في مصر .
وانتهت المناقشة إلى اقتراح النص الآتي للمادة 105 :
دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك .
فإذا عدل من دفع العربون فقده وإذا عدل من قبضه رد ضعفه ولو لم يترتب على العدول ضرر .
قرار اللجنة:
وافقت أغلبية اللجنة على هذا النص المقترح ما عدا سعادة الرئيس وحضرة الشيخ المحترم جمال الدين أباظة بلك فإنهما يؤيدان النص الأصلي.
وانبني على ذلك حذف المادة 106 لان النص المقترح تضمن أحكام المادتين 105، 106 .
تقرير اللجنة :
رأت اللجنة أن تأخذ بحكم يخالف ما قررته المادة تمشيا مع العرف فعدلت الفقرة الأولى بإبدال عبارة ( لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه ) بعبارة ( العقد بات لا يجوز العدول عنه ) وحذف عبارة ( أو العرف ) لزوال وجه الحاجة إليها بعد التعديل واستعاضت عن الفقرة الثانية بالنص الآتي،فإذا عدل من دفع العربون فقده ، وإذا عدل من قبضه رد ضعفه ولو لم يترتب على العدول ضرر ، وقد صدرت اللجنة في هذه الإضافة عن وجوب المشي مع العرف، ولم تر محلاً للإبقاء على الفقرة الثالثة لحذفتها تاركة أمر تفسير نية المتعاقدين لتقدير القاضي، وأصبح النص كالآتي :
1- دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك .
2 -فإذا عدل من دفع العربون فقده ، وإذا عدل من قبضه رد ضعفه، هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر .
وأصبح رقم المادة 103 .
محضر الجلسة الثانية والستين، يقترح حضرات مستشاري محكمة النقض والإبرام تعديل المادة 103 على الوجه الآتي :
دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه إلا إذا تبين أن نيتهما كانت منصرفة إلى غير ذلك ..
لأن العبرة بالقصد الحقيقي لا بألفاظ الاتفاق .
وقال حضرة مندوب الحكومة ردا على ذلك الاقتراح إنه وسط بين نص مشروع الحكومة و نص اللجنة وترك الخيار للجنة .
قرار اللجنة :
لم تر اللجنة الأخذ بالاقتراح إذ أن نص اللجنة يفضله لأن اصطلاح، الاتفاق ، الوارد في نص اللجنة لم يصرف النص إلى إلفاظ العقد بل قصد به التصرف القانوني نفسه وقوامه إرادة المتعاقدين .
ملحق تقرير اللجنة :
اقترح تعديل صيغة الاستثناء الوارد على حكم العربون في المادة 103 على الوجه الآتي : إلا إذا تبين أن نيتهما كانت منصرفة إلى غير ذلك ، وأريد بهذه العبارة أن تكون بديلاً من عبارة إلا إذا قضى الاتفاق يغير ذلك ، الواردة في نص المشروع لأن العبرة بالقصد الحقيقة لا بألفاظ الاتفاق، ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح لأن اصطلاح الاتفاق لم يصرف في النص إلى إلفاظ العقد بل قصد به التصرف القانوني نفسه وقوامه إرادة المتعاقدين .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- النص فى الفقرة الأولى من المادة 103 من القانون المدنى على أن " دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق فى العدول عنه إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك " يدل على أنه وإن كان لدفع العربون دلالة العدول إلا أن شروط التعاقد قد تقضى بغير ذلك والمرجع فى بيان هذه الدلالة هو بما تستقر عليه نية المتعاقدين وإعطاء العربون حكمه فى القانون . وأن لمحكمة الموضوع أن تستظهر نية المتعاقدين من ظروف الدعوى ووقائعها لتتبين ما إذا كان المبلغ المدفوع هو بعض الثمن الذى انعقد به البيع باتا أم أنه عربون فى بيع مصحوب بخيار العدول إذ أن ذلك يدخل فى سلطتهاالتقديرية التى لا تخضع فيها لرقابة محكمة النقض طالما أن قضاءها يقوم على أسباب سائغة .
(الطعن رقم 2388 لسنة 71 جلسة 2003/01/21 س 54 ع 1 ص 212 ق 37)
2- لما كان النص فى المادة 103 من القانون المدني على أن "1- دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق فى العدول عنه, إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك. 2- فإذا عدل من دفع العربون فقده, وإذا عدل من قبضه رد ضعفه, هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن القانون قد وضع قرينة مفادها أن الأصل فى دفع العربون وقت العقد أن تكون له دلالة جواز العدول عن البيع إلا إذا اتفق الطرفان صراحة أو ضمناً - مستخلصاً من ظروف الدعوى ووقائعها - على أن دفع العربون يقصد به تأكيد العقد, فيعتبر المدفوع تنفيذا له وجزءا من الثمن ونية المتعاقدين وحدها التي يجب التعويل عليها فى إعطاء العربون حكمه القانوني, فإذا ثبت للمحكمة اتجاه نية المتعاقدين إلى الأخذ بالقرينة الواردة فى المادة 103 من القانون المدني سالفة الذكر, بأن دفع العربون لتأكيد حق كل منهما فى العدول عن الصفقة, فيستطيع المشتري العدول فيخسر العربون الذي دفعه للبائع نظير هذا العدول،وكذلك يستطيع البائع أن يرجع عن البيع، ويكون الجزاء فى هذه الحالة هو رد ضعف العربون الذي قبضه، وذلك بغض النظر عن الضرر الذي يكون قد أصاب الطرف الآخر من جراء هذا العدول إعمالاً لصريح نص الفقرة الثانية من المادة 103 سالفة الذكر أما إذا تبين للمحكمة أن العربون كان للبت والتأكيد على تمام العقد فلا يجوز لأي من الطرفين العدول عن البيع، ويعتبر العربون المدفوع جزءاً من الثمن، وجاز لأي من الطرفين إلزام الطرف الآخر بتنفيذ العقد ويجرى على العقد القواعد العامة من جواز المطالبة بالتنفيذ العيني أو بالتعويض أو بالفسخ مع التعويض إن كان له وجه
(الطعن رقم 618 لسنة 70 جلسة 2001/01/04 س 52 ع 1 ص 118 ق 22)
3- إذ كان الثابت من عقد البيع موضوع الدعوى المؤرخ 1996/7/21 -وبما لا خلاف عليه بين الطرفين-أن المطعون ضده (المشتري) دفع للطاعن (البائع) مبلغ مائة ألف جنيه عربون الصفقة، ولم يتفق الطرفان فى العقد على دلالة دفع العربون، ثم نشب الخلف بينهما أثناء تنفيذ العقد، عن أي منهما الذي عدل عن البيع الأمر الذي كان يوجب على المحكمة قبل أن تفصل فى موضوع النزاع، أن تتصدى للفصل فى أمرين أولهما دلالة دفع العربون، هل كان لإثبات حق العدول للطرفين أم لتأكيد الصفقة، والثاني أي من الطرفين الذي عدل ثم تنزل أحكام القانون الواجب إعمالها على النزاع، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى إلزام الطاعن برد المتبقي من العربون دون أن يبين الأساس الذي أقام عليه قضاءه ورفض دعواه الفرعية - بإلزام الطاعن (المشتري) بالتعويض لعدم قيامه بتنفيذ التزامه العقدي - فإنه يكون معيباً بالقصور.
(الطعن رقم 618 لسنة 70 جلسة 2001/01/04 س 52 ع 1 ص 118 ق 22)
4- النص فى الفقرة الأولى من المادة 103 من القانون المدني على أن "دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق فى العدول عنه إلا إذا قضى الإتفاق بغير ذلك" يدل على أنه وإن كان لدفع العربون دلالة العدول، إلا أن شروط التعاقد قد تقضي بغير ذلك والمرجع فى بيان هذه الدلالة هو لما تستقر عليه نية المتعاقدين وإعطاء العربون حكمه القانوني، وإذ كان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد نص البندين...، ... من عقد البيع - وقد جاء صريحاً فى أن ما دفعه المشتريان هو "عربون" - والذي ينص أولهما على موعد محدد للتوقيع على العقد النهائي ويتضمن الثاني الشرط الفاسخ الصريح انتهى إلى أن نية المتعاقدين استقرت على أن يكون العقد باتاً - وهو استخلاص موضوعي سائغ - ثم رتب الحكم على ذلك رفض دفاع الطاعنين البائعين بأن لهما الحق فى خيار العدول فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ فى تطبيقه.
(الطعن رقم 286 لسنة 38 جلسة 1975/02/23 س 26 ع 1 ص 457 ق 93)
5- تشترط المادة 851 من قانون المرافعات السابق معدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1962 و التى رفعت الدعوى وقت سريانها لسلوك طريق إستصدار أمر الأداء ، أن يكون الدين المطالب به مبلغاً من النقود ثابتاً بالكتابة و معين المقدار و حال الأداء ، و مقتضى ذلك أن هذا الطريق لا يتبع إلا إذا كان كل مطلوب الدائن هو دين تتوافر فيه شروط إستصدار الأمر أما إذا كان بعض ما يطالب به مما لا تتوافر فيه هذه الشروط فإن سبيله فى المطالبة يكون هو الطريق العادى لرفع الدعاوى ، و لا يجوز له فى هذه الحالة أن يلجأ إلى طريق إستصدار أمر بالأداء ، لأنه إستثناء من القواعد العامة فى رفع الدعاوى لا يجوز التوسع فيه . و لما كان الثابت أن مورث المطعون عليهم التسعة الأول قد أقام دعواه للمطالبة بمبلغ 1100 ج تأسيساً على أن المطعون عليه العاشر و مورث الطاعنين لم ينفذا صفقة البيع المتفق عليها و أن من حقه المطالبة بضعف العربون الوراد فى الإتفاق المبرم بينه و بينهما ، فإن ما يطالب به لا يكون كله ثابتاً فى هذه الورقة و لا تكون المطالبة به إلا بطريق الدعوى العادية و إذ رفع دعواه بالطريق العادى فإنها تكون قد رفعت بالطريق القانونى .
(الطعن رقم 674 لسنة 40 جلسة 1975/12/09 س 26 ص 1593 ق 299)
6- استظهار نية العاقدين من ظروف الدعوى و وقائعها مما يدخل فى سلطة قاضى الموضوع . وإذ كانت محكمة الموضوع قد استخلصت من نصوص العقد و ظروف الدعوى و بأسباب سائغة ، أن المتعاقدين قصدوا أن يكون البيع باتا منجزا بشرط جزائى و لم يقصدوا أن يكون بيعا بعربون فإن النعى على الحكم بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا مما يستقل به قاضى الموضوع و لا رقابة لمحكمة النقض عليه .
(الطعن رقم 556 لسنة 35 جلسة 1970/02/26 س 21 ع 1 ص 344 ق 56)
7 ـ العربون هو ما يقدمه أحد العاقدين إلى الآخر عند إنشاء العقد ، و قد يريد العاقدان بالإتفاق عليه أن يجعلا عقدهما مبرما بينهما على وجه نهائى و قد يريدان أن يجعلا لكل منهما الحق فى إمضاء العقد أو نقضه و نية العاقدين هى وحدها التى يجب التعويل عليها فى إعطاء العربون حكمه القانونى
(الطعن رقم 6 لسنة 36 جلسة 1970/04/30 س 21 ع 2 ص 743 ق 120)
8- متى كان قد نص فى عقد البيع صراحة على أن المشترى دفع عربوناً وحدد مقداره والحالة التى تبيح للمشترى استرداده وتلك التى تبيح للبائع الإحتفاظ به كما حدد فى العقد موعد الوفاء بباقى الثمن و شرط استحقاقه فإن تكييف محكمة الموضوع لهذا العقد بأنه بيع بالعربون يحوى خيار العدول هو تكييف سليم ، ولايعيب الحكم عدم تعرضه للعبارة التى ختم بها العقد من أنه ,, عقد بيع نافذ المفعول ،، ما دامت هذه العبارة لا تعنى أكثر من نفاذ العقد بشروطه ومن بينها أن حق المشترى فى العدول عن العقد لا يسقط إلا عند تمام الواقعة التى حددها الطرفان لإنتهاء خيار العدول .
(الطعن رقم 327 لسنة 22 جلسة 1956/04/05 س 7 ع 2 ص 508 ق 68)
9- لمحكمة الموضوع أن تستظهر نية المتعاقدين من ظروف الدعوى و وقائعها و من نصوص العقد لتتبين ما إذا كان المبلغ المدفوع هو بعض الثمن الذى انعقد به البيع باتاً أم أنه عربون فى بيع مصحوب بخيار العدول إذ أن ذلك مما يدخل فى سلطتها الموضوعية متى كان مقاماً على أسباب سائغة .
(الطعن رقم 307 لسنة 22 جلسة 1956/03/22 س 7 ع 1 ص 369 ق 55)
10 ـ إذا كانت المحكمة لم تبين فى أسباب حكمها فى خصوص المبلغ المدفوع للبائع بموجب عقد البيع إن كان عربونا فيفقده المشترى كفدية يتحلل بها عند نكوله عن اتمام ما اتفق عليه مع البائع أم أنه كان جزءا من الثمن لايحكم به للبائع كتعويض إلا متى ثبت خطأ المشترى وحاق ضرر بالبائع ، بل قررت أن المشترى قد فقد المبلغ الذى دفعه نتيجة تقصيره فى إتمام العقد سواء اعتبر المبلغ المدفوع عربونا أم جزءا من الثمن دون أن تمحص دفاع المشترى ومؤداه أن عدوله عن اتمام الصفقة كان بسبب عيب خفى فى المنزل المبيع سلم له به البائع وبسببه اتفق و إياه على التفاسخ وعرض المنزل على مشتر آخر ، و كان هذا الدفاع جوهريا يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإنه كان لزاما على المحكمة أن تتعرض له و تفصل فيه وتبين ما إذا كان المبلغ المدفوع من المشترى هو فى حقيقته عربون أم جزء من الثمن لاختلاف الحكم فى الحالتين وإذ هى لم تفعل يكون حكمها قد شابه قصور يبطله ويستوجب نقضه.
(الطعن رقم 421 لسنة 21 جلسة 1953/02/12 س 4 ع 1 ص 495 ق 72)
11- إذا طالب المدعى المدعى عليه بتعويض عن صفقة من الجنيهات الذهب يقول إنه عقدها معه ثم نكل المدعى عليه عن إتمامها مع دفعه عربوناً فيها ، فرد المدعى عليه بأنه بفرض عقد هذه الصفقه بالشروط التى إدعاها المدعى فإن دفع العربون منه يفيد خيار نقض البيع من جانبه فلا يلزم عنه نكوله بأكثر من العربون الذى دفعه وقدم شهادة من بعض تجار الذهب تؤيد هذا الدفاع ، فرد الحكم على قوله هذا بأنه غير صحيح لأن التعامل فى الذهب كالتعامل بالعقود فى القطن لايعتبر العربون المدفوع فيه كالعربون فى بيع الأشياء المعينة بل هو مبلغ يدفع سلفاً من أحد الفريقين لتغطية الحساب عند تقلب الأسعار ، و ذلك دون أن يبين سنده فى هذا التقرير فإنه يكون حكماً قاصراً قصوراً يستوجب نقضه
(الطعن رقم 128 لسنة 19 جلسة 1951/12/27 س 3 ع 1 ص 275 ق 49)
البيع بالعربون :
قد يتفق المتعاقدان عند التعاقد على أن يدفع أحدهما مبلغاً من النقود وينصرف قصدهما من ذلك إلى أحد أمرين :
1- تخويل من قام بدفع هذا المبلغ حق العدول عن التعاقد مقابل احتفاظ التعاقد الآخر بهذا المبلغ الذي تسلمه، بدون حاجة الى اعذار، ويجوز في هذه الحالة للمتعاقد الآخر العدول عن التعاقد على أن يرد ما قبضه ومثله وهذا هو الأصل، وقد يتفق الطرفان على أن لكل منهما حق العدول على أنه إذا كان العدول من جانب من دفع المبلغ سقط حقه فيه، أما إن كان العدول من جانب من تسلم المبلغ التزم برده ومثله للمتعاقد الآخر وقد يشترط أن حق العدول لمن دفع المبلغ وحده دون المتعاقد الآخر وفي هذه الحالة الأخيرة يكون لمن دفع أن يجبر من قبض على التنفيذ العيني أن كان ممكنا دون تدخله وليس له أن يتحلل من التزامه بدفع المبلغ الذي قبضه ومثله للمتعاقد الآخر إذ أن ذلك قاصر على من له حق العدول وقد تضمن العقد اسقاطه عنه، وهو شرط جائز، أما إن كان التنفيذ العينی غیر ممکن بدون تدخل المدين، كما في بيع الأشياء التي سوف تصنع، فإن للطرف الآخر أن يطلب الفسخ مع التعويض وفقا للقواعد العامة، وقد يجاوز التعويض المبلغ المدفوع، ففي هذه الحالات يكون المبلغ سالف الذكر بمثابة عربون مقابل حق العدول عن التعاقد.
2 - وقد يقصد المتعاقدان من دفع هذا المبلغ تأكيد التعاقد، فيصبح المبلغ تنفيذاً جزئياً للتعاقد فلا يجوز العدول عنه.
وإن كان لا يشترط في وصف عقد البيع بعربون أن ترد به وبالذات كلمة عربون، إلا أنه يجب في جميع الأحوال أن تكون نية المتعاقدين قد انصرفت فقط إلى تقرير حق العدول عن الوفاء بالالتزام العينى إلى الالتزام التعويضی انصرافاً لا يشوبه شك وأما إذا وردت عبارة الغرامة أو التعويض على سبيل تقدير التعويض ذاته .
من حيث تقريره وتقديره ومن حيث أنه جزاء لمن يخالف نصوص الى يجب النظر إلى هذا كله على إعتبار أن شرط التعويض قد ورد لیکون شرطاً جزائياً، لإنصراف نية المتعاقدين إلى ذلك، وعلى المحكمة أن تبت في أم المدفوع وهل هو عربون أم شرطاً جزائياً لاختلاف الحكم في الحالتين، دون أن تنقید بوصف المبلغ المدفوع، فإن وصفة المتعاقدان بأنه عربوناً و استظهرت المحك من نصوص العقد أن نيتهما قد انصرفت إلى إتمام العقد، تعين عليها اعتباره شرطاً جزائياً وليس عربوناً، وحينئذ تلتزم أحكام هذا الشرط .
وإن انقضت المدة التي يجوز فيها العدول دون أن أن يتمسك به صاحب الحق فيه، أصبح العقد باتاً ويعتبر العربون الذي دفع تنفيذاً جزئياً له، ومن ثم تسري في شأنه القواعد المتعلقة بالعقود من حيث التنفيذ العيني أو الفسخ والتعويض وفقاً للقواعد العامة، وتستوي كافة العقود في ذلك سواء تعلقت ببيع أو إيجار أو مقاولة أو أي عقد آخر .
ويختلف العربون عن الشرط الجزائي، فالأول وسيلة لإثبات خيار العدول بينما الثانی جزاء عن عدم التنفيذ أو للتأخير فيه، ويستحق العربون ولو لم يترتب أي ضرر بسبب الرجوع بينما الشرط الجزائي تعویض اتفاقی أساسه الضرر فيخضع التقدير القاضي فله أن يقضى به أو يخفضه أو يلغيه إن انتفى الضرر.
وننوه إلى أن المشرع وقع في خطأ لغوي، سواء في نص المادة 103 أو في المذكرة الإيضاحية، إذ قصد من لفظ «ضعف» العربون، مثلين من العربون أي العربون ومثله، وهذا خطأ شائع في تفسير هذا اللفظ، والصحيح أن والضعف، هو المثل، فنقول ضعف الشئ مثل الشئ أو قدره، ونقول ضعفى الشئ أي مثلی الشئ، كقوله تعالى (رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ )، سورة الأحزاب 68 أي مثل العذاب مرتين وقوله تعالى (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ)، آل عمران 14، وجاء في مختار الصحاح أن ضعف الشيء مثله وضعفاه مثلاً، وأضعافه أمثاله ورغم هذا الخطأ اللغوي فإنه يجب تفسير لفظ (ضعف)، الوارد بالنص على أنه مثلین، ای العربون ومثله.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني الصفحة/ 431)
العربون - في التقنين المدني الجديد - مبلغ من النقود أو منقول من نوع آخر يدفعه أحد المتعاقدين للآخر عند إبرام العقد، يعتبر دليلاً على أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عن العقد خلال المدة التي يجوز له فيها ذلك، فإذا مضت هذه المدة دون ان يعدل أحدهما صار العقد باتاً لا يجوز العدول عنه
غير أنه يجوز للمتعاقدين الاتفاق صراحة أو ضمناً - كما ستري على أن يكون عربون لتأكيد العقد، وفي هذه الحالة لا يجوز لأي منهما أن يعدل عن العقد .
(ب) دلالة العربون في ظل التقنين المدني الجديد :
تنص المادة 103 صراحة على أن دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه.
فالأصل إلين أن دفع العربون دلالة على الحق في العدول عن العقد فيجوز لكل من المتعاقدين العدول عن العقد في المعدة التي يجوز فيها ذلك، ومعنى ذلك أن الحريون لا يقيد تأكيد الحقن, و يسرني ذلك على كافة العقود، كالبيع والمقايضة والإيجار.
غير أن المادة أجازت للمتعاقدين أن يتفقا على خلاف ذلك، فحكم العرنون لا يتعلق بالنظام العالم، فيجوز إن للمتعاقدين أن يتفقا على أن القصد من دفع العربون تأكيد الثبات في العقد، فلا يجوز لأي منهما العدول عنه.
و مفاد ذلك أن المشرع جعل من دفع العربون وقت إبرام العقد قرينة قانونية على أنه يقيد كل من المتعاقدين حق العدول أو خيار العدول عن العقد الذي أبرمه، إلا أن هذه القرينة بسيطة فيجوز دحضها بإقامة الدليل على أن إرادة المتعاقدين المشتركة قد اتجهت صراحة أو ضمناً إلى ما يخالفها ويجوز تحت هذه القرينة بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن.
و اتفاق المتعاقدين على أن يكون العربون للتأكيد و البت كما يكون صريحاً، يصح أن يكون ضمنياً .
ومن القرائن التي تدل على أن العربون ليس له دلالة الرجوع – كما هو الأصل الوارد بالمادة - أن يكون المبلغ المدفوع كبيراً، كما إذا اشترى شخص سيارة مثلاً بمائة ألف جنيه، ودفع من الثمن خمسين ألف أو أكثر فجسامة المبلغ المدفوع بالنسبة إلى الثمن المطلوب، تنهض بذاتها قرينة، وإن لم تكن قاطعة، على أن المتعاقدين لم يقصدا منه أن يكون عربوناً مخولاً حق العدول عن البيع، وإنما قصد به أن يكون جزءاً معجلاً من الثمن في بيع بات لا رجوع فيه، والأمر من بعد متروك لتقدير قاضي الموضوع.
ويعتبر البيع بالعربون حيث يكون العربون دالاً على حق العدول بيعاً معلقاً على شرط، ولكن ثار الخلاف في طبيعة هذا الشرط وما إذا كان واقفاً أو فاسخاً والراجح في فرنسا ومصر أنه شرط واقف هو عدم استعمال حق العدول أثناء المدة المحددة فتوقف كل آثار العقد خلال المدة المحددة لجواز العدول، ثم تترتب هذه الآثار مستندة إلى وقت انعقاد العقد أي بأثر رجعي عند انتهاء تلك المدة بغير عدول.
استخلاص نية المتعاقدين في دلالة العربون مسألة موضوعية
استخلاص محكمة الموضوع نية الطرفين في أن يكون العربون دلالة على تأكيد البيع وعدم الرجوع فيه على عكس القرينة المنصوص عليها بالمادة (103) هو أمر موضوع يخضع لمطلق تقديرها، دون رقابة عليها في ذلك المحكمة النقض.
لا يجوز التحدي لأول مرة أمام محكمة النقض بأن العقد هو بيع بالعربون.
وقت مباشرة خيار العدول في التعاقد بالعربون :
يجب التمييز في هذا الشأن بين فرضين :
الفرض الأول :
أن يكون المتعاقدان قد حددا ميعاداً للعدول سواء كان هذا التحديد صريحاً أم ضمنياً أو يكون الميعاد محددا في العرف - ولم يتفق الطرفان على خلافه - في هذا الفرض يسري هذا الميعاد، ويجب أن يباشر الحق في العدول خلاله، فإذا لم يتم ذلك تأكد العقد وأصبح نهائياً .
وكذلك يسقط حق العدول إذا كان العقد معتبراً معلقاً على شرط واقف بقيام صاحبه بأي عمل مما يعتبر تنفيذاً لعقد البيع، كأن يدفع المشتري من المتعاقدين الثمن أو جزءاً منه، ولم يقم المشتري بذلك إذ بعد ذلك نزولاً منه عن حق العدول.
الفرض الثاني
ألا يكون ثمة ميعاد للعدول عن العقد، سواء بالاتفاق أو بحسب العرف في هذا الفرض يظل خيار العدول قائماً إلى أن يصدر من المتعاقد ما ينم عن رغبته في تأكيد العقد، إما صراحة أو ضمناً، إذ يعتبر ذلك منه نزولاً عن خيار العدول.
والرغبة في تأكيد العقد هذه، قد تتم بصورة صريحة أو ضمنية تستخلص من ظروف الحال، كان يقوم المتعاقد بعد دفع العربون أو قبضه على حسب الأحوال، بتنفيذ الالتزامات التي يولدها العقد في ذمته.
ويراعى أنه يجوز لأي من المتعاقدين أن ينذر الطرف الآخر بالتنفيذ أو إبداء رغبته في العدول في مدة معينة.
آثار العربون:
أولاً : في حالة العدول عن العقد :
إذا كانت دلالة العربون هي أن يكون لأي من الطرفين الحق في العدول عن العقد، وتم العدول - بالتفصيل السابق - فإن الطرف الذي عدل عن العقد يجب عليه أن يدفع للمتعاقد الآخر قدر العربون فإذا كان هو الذي دفع العربون فقده وأصبح العربون حقاً لمن قبضه.
وإذا كان هو الذي قبض العربون وجب عليه أن يرده و برد مثله .
والعاقد الذي تم العدول من جهته يلزم بقيمة العربون باعتباره ثمناً لاستعماله الحق في العدول لا باعتباره تعويضاً عن الإخلال بالتزامات ناشئة عن العقد ولذلك لا يشترط في استحقاق هذا الثمن حدوث ضرر للطرف الآخر من جراء العدول وهو ما حسن عليه المشرع صراحة في المادة .
كما لا يلزم في ذلك إجراء تنبيه أو تكليف رسمی.
وفي هذا يختلف العربون عن الشرط الجزائي، فالشرط الجزائي يعتبر تعويضاً عن الإخلال بالالتزام الأصلي، ويشترط في استحقاقه إعذار المدين وثبوت ضرر الحساب الدائن من جراء إخلال المدين بالتزامه الأصلي، كما يجوز للقاضي أن يخفض التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام قد نفذ في جزء منه (م 224 مدنی).
في حالة عدم العدول عن العقد :
إذا كانت دلالة العربون هو حق كل من المتعاقدين في العدول عنه، ولم يعدلا عن العقد، أو كانت دلالته تأكيد العقد وجعله باتاً، فإن العقد يصبح باتاً، ولا يكون لأي من العاقدين بإرادته المنفردة العدول عن العقد.
ويعتبر المبلغ - أو المنقول - المدفوع وقت العقد جزءاً من الثمن أو الأجرة - بحسب الأحوال - يخصم مما يستحق على دافعه، باعتباره معجل دفع تنفيذاً للعقد.
فإذا كان المشتري مثلاً، هو الذي دفعه، خصم من الثمن المستحق عليه وإذا كان المستأجر هو الذي دفعه استقطع من الأجرة المطلوبة.
أما إذا لم يقم أي من المتعاقدين بتنفيذ هذا العقد، والذي أصبح باتاً، يسري عليه من الأحكام ما يسري على العقود الأخرى التي لا رجوع عنها، فيجوز للطرف الآخر المطالبة بتنفيذ العقد تنفيذاً عيناً، أو بالتعويض، أو بالفسخ، أو بالفسخ والتعويض.
وإذا فسخ العقد وترتب على الفسخ تعويض، فليس من الضرورة أن يقدر التعويض بقدر العربون، فقد يكون أكثر أو أقل بحسب جسامة الضرر. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة / 109)
ويتبين من هذا النص أنه إذا دفع عربون وقت إبرام العقد ، ولم يتفق المتعاقدان صراحة أو ضمناً على أنه إنما دفع لتأكيد البتات في التعاقد ، كان دفعه دليلاً على أن المتعاقدين أرادا أن يكون لكل منهما الحق في العدول عن العقد ، يستوى في ذلك البيع أو الإيجار وأي عقد آخر، فإذا لم يعدل أحد منهما عن العقد في خلال المدة التي يجوز له فيها العدول ، أصبح العقد باتاً ، واعتبر العربون تنفيذاً جزئياً له ، ووجب استكمال التنفيذ ، أما إذا عدل أحد المتعاقدين عنه في المدة التي يجوز له فيها ذلك ، وجب على من عدل أن يدفع للطرف الآخر قدر العربون جزاء العدول فإذا كان هو الذي دفع العربون فإنه يفقده ، ويصبح العربون حقاً لمن قبضه أما إذا كان الطرف الذي عدل هو الذي قبض العربون ، فإنه يرده ويرد مثله ، أي يرد ضعفيه ، للطرف الآخر ، حتى يكون بذلك قد دفع قيمة العربون جزاء عدوله عن العقد ويلاحظ أن النص يرتب التزاماً بدفع قيمة العربون في ذمة الطرف الذي عدل عن العقد ، لا تعويضاً عن الضرر الذي أصاب الطرف الآخر من جراء العدول ، فإن الالتزام موجود حتى لو لم يترتب على العدول أي ضرر كما هو صريح النص ، بل تفسيراً لنية المتعاقدين ، فقد فرض المشرع أن المتعاقدين أرادا إثبات حق العدول لكل منهما في نظير الالتزام بدفع قدر العربون فجعلا العربون مقابلاً لحق العدول وفي هذا يختلف العربون عن الشرط الجزائي ، فإن هذا الشرط تقدير اتفق عليه المتعاقدان لقيمة التعويض عن الضرر الذي ينشأ عن الإخلال بالعقد ، ومن ثم جاز للقاضي تخفيض هذا التقدير إذا كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة ، بل جاز له إلا يحكم به أصلاً إذا لم يلحق الدائن أي ضرر، وسيأتي بيان ذلك عند الكلام في الشرط الجزائي .
أما إذا اتفق المتعاقدان صراحة أو ضمناً على أن دفع العربون إنما كان لتأكيد العقد لا لإثبات حق العدول ، وجبت مراعاة ما اتفقا عليه، فلا يجوز لأحد منهما العدول عن العقد ، ولكل منهما مطالبة الآخر بتنفيذه، ويعتبر العربون تنفيذاً جزئياً يجب استكماله، وتجري على العقد الذي أبرم القواعد العامة التي تجري على سائر العقود من جواز المطالبة بالتنفيذ العيني أو بالتعويض أو بالفسخ، وإذا فسخ العقد وترتب على الفسخ تعويض ، فليس من الضروري أن يقدر التعويض بقدر العربون ، فقد يكون أكثر أو أقل بحسب جسامة الضرر .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول الصفحة/ 337)
وبناءً على ذلك يعتبر الأصل في التقنين الحالي أن مجرد دفع عربون عند إبرام العقد يفيد احتفاظ المتعاقدين بحق العدول لكل منهما في مقابل خسارة ما يعادل العربون ، وتعتبر هذه الخسارة بمثابة ثمن الإستعمال الحق في العدول، يصبح مستحقاً في ذمة من عدل لمجرد عدوله ويقطع النظرعن حصول ضرر للطرف الآخر أو عدم حصوله.
وإذا عين العاقدان ميعاداً لإستعمال حق العدول في مقابل ترك العربون ، فإن هذا الحق يسقط بعدم استعماله الى حين انقضاء الميعاد المعين .
وعلى أن هذا الأصل الذي نصت عليه المادة 103 يجوز الاتفاق على ما يخالفه ، فإذا كان العقد بیعاً مثلاً ، جاز الاتفاق فيه على أنه بات لا رجوع فيه وفي هذه الحالة يتسبب العربون من أصل الثمن إذا نفذ العقد ، ويعتبر في حكم الشرط الجزائي إذا فسخ العقد يخطأ أحد العاقدين وأصاب العاقد الآخر ضرر من ذلك ، كما يجوز الاتفاق على أن البائع اذا عدل تعين عليه أن يرد العربون الذي قبضة دون زيادة ، وأن المشتري اذا عدل لا يكتفي منه بترك العربون بل يلزم بأن يدفع فوق ذلك ضعفه أو ضعفیه .
ومؤدى ذلك أن نص المادة 103 مدني يتزور قرينة قانونية بعيطة على أن دفع عربون عند إبرام العقد قصد به الاحتفاظ لكل من العاقدين بحق العدول عن العقد مقابل خسارة ما يعادل العربون ، ولكن هذه القرينة تقبل اثبات العكس ، فيجوز لخصم من يتمسك بها أن يثبت حصول الاتفاق على أن الغرض من دفع العربون تأكيد بثات البيع ، فإذا عجز عن ذلك نظرت في حقة القرينة المذكورة ، وتقدير الدليل ذي يقدم في هذا الشأن يدخل في سلطة قاضي الموضوع المطلقة.
ويلاحظ أن دفع العربون اذا كان يعلب فيه أن يقترن بالتعاقد بين الحاضرين ، فانه لا مانع من اقترانه بالتعاقد الذي يتم بالمراسلة ، وإن كان ذلك نادراً ، ولذلك آثرنا عرض موضوعه بمناسبة التعاقد الذي يتم في حالة اجتماع العاقدين في مجلس واحد ، مع الإشارة هنا إلى أن حكمه لا يختلف اذا صحب إبرام العقد في الحالة التي يتم فيها التعاقد بين طرفين لا يجمعهما مجلس واحد. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني الصفحة/ 191 )
لم يكن هناك نص مقابل له في القانون المدني المصري القديم فكان القضاء يتردد بين الدلالتين وكان يأخذ في ذلك بنية المتعاقدين .
ويلاحظ التفرقة بين التعاقد بالعربون وبين إنهاء العقد بإرادة منفردة حيث ينص العقد على حق أي من طرفيه أو كليهما في العدول عن العقد بعد تمام إبرامه نظير التزامه بأداء مقابل متفق عليه إلى الطرف الآخر ، إذ في هذه الصورة الأخيرة يكون العدول عن العقد بعد تمامه بالفعل وليس ثمناً للعدول عن إتمامه وهو اتفاق مشروع يلتزم بمقتضاه الطرف الذي يستخدم حقه في العدول بأداء المقابل المتفق عليه نظير استخدامه هذا الحق ، وقد يتقرر هذا الحق لكل من الطرفين أو لأحدهما حسبما يقضي الاتفاق ( يراجع في هذه الصورة البدراوى بند 318 - الشرقاوي بند 65 - الدكتور سليمان مرقس في عقد البيع طبعة 1980 بند 42 ) وواضح أن هذه الصورة تفترق عن التعاقد بالعربون حيث يكون العدول عن إتمام العقد وليس العدول عن العقد بعد تمام إبرامه ، كما يكون حق العدول لأي من الطرفين مع إلزام من قبض العربون برد ضعفه في حين يقتصر حق العدول عن العقد بعد تمامه على الطرف الذي يتقرر له ذلك بنص العقد ونظير المقابل المتفق عليه بغض النظر عما يكون قد وقعه أو قبضه بغرض إعادة الحال إلى ما كانت عليه، وواضح كذلك أن المقابل الذي يلتزم بأدائه من تقرر له بنص العقد حق العدول عنه بعد تمام إبرامه يختلف في طبيعته وآثاره عن التعويض الاتفاقي المنصوص عليه في المادة 223 إذ أن استحقاق هذا التعويض مرهون بثبوت الخطأ في جانب الملتزم به وبثبوت الضرر فی جانب المستحق له في حين أن المقابل الذي يلتزم به الطرف الذي استخدم حقه في العدول عن العقد بعد تمامه لا يرتبط بشيء من ذلك ومن ثم فهو لا يخضع لسلطة القاضي المنصوص عليها في المادة 244. (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة 103)
النص في الفقرة الأولى من المادة 103 من القانون المدني على أن "دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك " يدل على أنه و إن كان لدفع العربون دلالة العدول ، إلا أن شروط التعاقد قد تقضي بغير ذلك و المرجع في بيان هذه الدلالة هو لما تستقر عليه نية المتعاقدين و إعطاء العربون حكمه القانوني. (التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2014، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء/ الأول صفحة 399)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع ، الصفحة / 93
بَيْعُ الْعَرَبُونِ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْعَرَبُونُ بِفَتْحَتَيْنِ كَحَلَزُونٍ، وَالْعُرْبُونُ وِزَانُ عُصْفُورٍ، لُغَةٌ فِيهِ. وَالْعُرْبَانُ بِالضَّمِّ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ بِوَزْنِ الْقُرْبَانِ . وَأَمَّا الْفَتْحُ مَعَ الإْسْكَانِ فَلَحْنٌ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ .
وَهُوَ مُعَرَّبٌ . وَفَسَّرُوهُ لُغَةً: بِمَا عُقِدَ بِهِ الْبَيْعُ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ: أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ، وَيَدْفَعَ إِلَى الْبَائِعِ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ، عَلَى أَنَّهُ إِنْ أَخَذَ السِّلْعَةَ، احْتَسَبَ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا فَهُوَ لِلْبَائِعِ .
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:
2 - وَالْفُقَهَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ:
(أ) فَجُمْهُورُهُمْ، مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، يَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَالْحَسَنِ كَمَا يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ، وَذَلِكَ: لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ»
وَلأِنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَفِيهِ غَرَرٌ وَلأِنَّ فِيهِ شَرْطَيْنِ مُفْسِدَيْنِ: شَرْطَ الْهِبَةِ لِلْعُرْبُونِ، وَشَرْطَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِتَقْدِيرِ أَنْ لاَ يَرْضَى .
وَلأِنَّهُ شَرَطَ لِلْبَائِعِ شَيْئًا بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَهُ لأِجْنَبِيٍّ .
وَلأِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخِيَارِ الْمَجْهُولِ، فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ أَنَّ لَهُ رَدَّ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مُدَّةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَلِي الْخِيَارُ، مَتَى شِئْتُ رَدَدْتُ السِّلْعَةَ، وَمَعَهَا دِرْهَمٌ .
3 - (ب) وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ جَوَازُ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنَ الْبُيُوعِ.
وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الأْئِمَّةُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ، هُوَ الْقِيَاسُ، لَكِنْ قَالُوا: وَإِنَّمَا صَارَ أَحْمَدُ فِيهِ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ نَافِعِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّهُ اشْتَرَى لِعُمَرَ دَارَ السِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ، وَإِلاَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ الأْثْرَمُ: قُلْتُ لأِحْمَدَ: تَذْهَبُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: أَيَّ شَيْءٍ أَقُولُ؟ هَذَا عُمَرُ رضي الله عنه.
وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي النَّهْيِ عَنْهُ . لَكِنْ قَرَّرَ الشَّوْكَانِيُّ أَرْجَحِيَّةَ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ؛ لأِنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلأِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْحَظْرَ، وَهُوَ أَرْجَحُ مِنَ الإبَاحَةِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الأْصُولِ .
مِنْ أَهَمِّ الأْحْكَامِ فِي بَيْعِ الْعُرْبُونِ:
4 - أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِنْ أَعْطَى الْعُرْبُونَ عَلَى أَنَّهُ: إِنْ كَرِهَ الْبَيْعَ، أَخَذَهُ وَاسْتَرَدَّهُ، وَإِلاَّ حَاسَبَ بِهِ، جَازَ كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ .
5 - وَأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يُفْسَخُ عِنْدَهُمْ، فَإِنْ فَاتَ (أَيْ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ) أَمْضَى الْبَيْعَ بِالْقِيمَةِ .
6 - إِنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إِلَى الْبَائِعِ دِرْهَمًا، وَقَالَ: لاَ تَبِعْ هَذِهِ السِّلْعَةَ لِغَيْرِي، وَإِنْ لَمْ أَشْتَرِهَا مِنْكَ فَهَذَا الدِّرْهَمُ لَكَ:
أ - فَإِنِ اشْتَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ، وَاحْتَسَبَ الدِّرْهَمَ مِنَ الثَّمَنِ صَحَّ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ خَلاَ عَنِ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ شِرَاءَ دَارِ السِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الَّذِي وَقَعَ لِعُمَرَ، كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، جَمْعًا بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ الْخَبَرِ وَمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ وَالأَْئِمَّةِ الْقَائِلِينَ بِفَسَادِ بَيْعِ الْعُرْبُونِ.
ب - وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ السِّلْعَةَ، لَمْ يَسْتَحِقَّ الْبَائِعُ الدِّرْهَمَ، لأِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلِصَاحِبِهِ الرُّجُوعُ فِيهِ.
وَلاَ يَصِحُّ جَعْلُهُ عِوَضًا عَنِ انْتِظَارِهِ، وَتَأَخُّرِ بَيْعِهِ مِنْ أَجْلِهِ، لأِنَّهُ لَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ، لَمَا جَازَ جَعْلُهُ مِنَ الثَّمَنِ فِي حَالِ الشِّرَاءِ، وَلأِنَّ الاِنْتِظَارَ بِالْبَيْعِ لاَ تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهُ، وَلَوْ جَازَتْ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ، كَمَا فِي الإْجَارَةِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 72
وَعْد
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَعْدُ فِي اللُّغَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَيُقَالُ: وَعَدْتُهُ خَيْرًا وَوَعَدْتُهُ شَرًّا.
وَالْعِدَةُ: الْوَعْدُ، وَقَالُوا فِي الْخَيْرِ: وَعَدَهُ وَعْدًا وَعِدَةً، وَفِي الشَّرِّ: وَعَدَهُ وَعِيدًا، فَالْمَصْدَرُ فَارِقٌ بَيْنَهُمَا.
وَيُقَالُ: أَنْجَزَ الْوَعْدَ إِنْجَازًا؛ أَيْ أَوْفَى بِهِ، وَنَجَزَ الْوَعْدُ، وَهُوَ نَاجِزٌ: إِذَا حَصَلَ وَتَمَّ، وَوَعَدْتُهُ فَاتَّعَدَ: أَيْ قَبِلَ الْوَعْدَ .
وَالْوَعْدُ فِي الاِصْطِلاَحِ: الإْخْبَارُ بِإِيصَالِ الْخَيْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْعَهْدُ:
2 - الْعَهْدُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ عَهِدَ، يُقَالُ: عَهِدْتُ إِلَيْهِ عَهْدًا، مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَهُوَ الْوَصِيَّةُ وَالأَْمَانُ وَالْمَوْثِقُ وَالذِّمَّةُ، قَالَ أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيُّ: الْعَهْدُ مَا كَانَ مِنَ الْوَعْدِ مَقْرُونًا بِشَرْطٍ، نَحْوَ قَوْلِكَ: إِنْ فَعَلْتَ كَذَا فَعَلْتُ كَذَا، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ فَأَنَا عَلَيْهِ، وَالْعَهْدُ يَقْتَضِي الْوَفَاءَ، وَالْوَعْدُ يَقْتَضِي الإْنْجَازَ. وَيُقَالُ: نَقَضَ الْعَهْدَ، وَأَخْلَفَ الْوَعْدَ.
وَالْعَهْدُ فِي الاِصْطِلاَحِ: حِفْظُ الشَّيْءِ وَمُرَاعَاتُهُ حَالاً بَعْدَ حَالٍ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْمَوْثِقِ الَّذِي تَلْزَمُ مُرَاعَاتُهُ . وَقَالَ الْكَفَوِيُّ: وَالْعَهْدُ الْمَوْثِقُ، وَوَضْعُهُ لِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُرَاعَى وَيُتَعَهَّدَ، كَالْقَوْلِ وَالْقَرَارِ وَالْيَمِينِ وَالْوَصِيَّةِ وَالضَّمَانِ وَالْحِفْظِ وَالزَّمَانِ وَالأْمْرِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَعْدِ وَالْعَهْدِ: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ الْوَفَاءُ بِهِ شَرْعًا.
ب- الْوَأْيُ:
3 - الْوَأْيُ فِي اللُّغَةِ: الْوَعْدُ، يُقَالُ: وَأَيْتُهُ وَأْيًا؛ أَيْ وَعَدْتُهُ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه : «كَانَ لِي عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وَأْيٌ» أَيْ عِدَةٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْوَأْيُ: الْوَعْدُ الَّذِي يُوَثِّقُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَعْزِمُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ .
أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَأْيِ وَالْوَعْدِ، فَقَدْ قَالَ فِيهِ أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيُّ: إِنَّ الْوَعْدَ يَكُونُ مُؤَقَّتًا وَغَيْرَ مُؤَقَّتٍ، فَالْمُؤَقَّتُ كَقَوْلِهِمْ: جَاءَ وَعْدُ رَبِّكَ، وَغَيْرُ الْمُؤَقَّتِ كَقَوْلِهِمْ: إِذَا وَعَدَ زَيْدٌ أَخْلَفَ وَإِذَا وَعَدَ عَمْرٌو وَفَّى. وَالْوَأْيُ: مَا يَكُونُ مِنَ الْوَعْدِ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ، أَلاَ تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: إِذَا وَأَى زَيْدٌ أَخْلَفَ أَوْ وَفَّى. وَلاَ تَقُولُ: جَاءَ وَأْيُ زَيْدٍ، كَمَا تَقُولُ: جَاءَ وَعْدُهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْوَأْيُ: الْعِدَةُ الْمَضْمُونَةُ، وَقِيلَ: الْوَأَيُ الْعِدَةُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ، وَالْعِدَةُ: التَّصْرِيحُ بِالْعَطِيَّةِ .
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَعْدِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْوَعْدِ أَحْكَامٌ، مِنْهَا:
أ- الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ:
4 - الْوَعْدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ بِشَيْءٍ وَاجِبٍ أَوْ بِشَيْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ.
أَمَّا الْوَعْدُ بِشَيْءٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ إِنْجَازُ وَعْدِهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْلاَفُهُ شَرْعًا .
قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَنْ وَعَدَ بِمَا لاَ يَحِلُّ أَوْ عَاهَدَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَنْ وَعَدَ بِزِنًا أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ بِمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ لَيْسَ كُلُّ مَنْ وَعَدَ فَأَخْلَفَ أَوْ عَاهَدَ فَغَدَرَ مَذْمُومًا وَلاَ مَلُومًا وَلاَ عَاصِيًا، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُطِيعًا مُؤَدِّيَ فَرْضٍ .
وَأَمَّا مَنْ وَعَدَ بِشَيْءٍ وَاجِبٍ شَرْعًا، كَأَدَاءِ حَقٍّ ثَابِتٍ أَوْ فِعْلِ أَمْرٍ لاَزِمٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِنْجَازُ ذَلِكَ الْوَعْدِ .
وَأَمَّا مَنْ وَعَدَ بِفِعْلِ شَيْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ إِلَيْهِ، فَيَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يُنْجِزَ وَعْدَهُ، حَيْثُ إِنَّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ مِنْ مَكَارِمِ الأْخْلاَقِ وَخِصَالِ الإْيمَانِ، وَقَدْ أَثْنَى الْمَوْلَى جَلَّ وَعَلاَ عَلَى مَنْ صَدَقَ وَعْدَهُ فَامْتَدَحَ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام بِقَوْلِهِ: ( إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) وَكَفَى بِهِ مَدْحًا، وَبِمَا خَالَفَهُ ذَمًّا.
5 - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ وَاجِبٌ .
وَإِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ذَهَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي ابْنُ الأْشْوَعِ الْكُوفِيُّ الْهَمْدَانِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ اخْتَارَهُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ .
وَحُجَّتُهُمْ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ قوله تعالي : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) .
وَكَذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» .
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ وَاجِبٌ إِلاَّ لِعُذْرٍ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْوَعْدَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلاَّ لِعُذْرٍ .
وَقَالَ أَيْضًا: وَإِذَا وَعَدَ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَفِيَ، فَلاَ يَضُرُّهُ إِنْ قَطَعَ بِهِ عَنِ الْوَفَاءِ قَاطِعٌ كَانَ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْ جِهَةِ فِعْلٍ اقْتَضَى أَلاَّ يَفِيَ لِلْمُوعَدِ بِوَعْدِهِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «إِذَا وَعَدَ الرَّجُلُ وَيَنْوِي أَنْ يَفِيَ بِهِ فَلَمْ يَفِ، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ» .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ دِيَانَةً لاَ قَضَاءً، وَهُوَ رَأْيُ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَلاَ أَقُولُ يَبْقَى دَيْنًا حَتَّى يُقْضَى مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِنَّمَا أَقُولُ: يَجِبُ الْوَفَاءُ تَحْقِيقًا لِلصِّدْقِ وَعَدَمِ الإْخْلاَفِ .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ مُسْتَحَبٌّ، فَلَوْ تَرَكَهُ فَاتَهُ الْفَضْلُ وَارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ شَدِيدَةً، وَلَكِنْ لاَ يَأْثَمُ. وَهُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ .
قَالَ النَّوَوِيُّ: الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُسْتَحَبٌّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا، وَيُكْرَهُ إِخْلاَفُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَدَلاَئِلُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعْلُومَةٌ وَلاِتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَوْعُودَ لاَ يُضَارِبُ بِمَا وُعِدَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ .
وَقَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ ابْنُ مُفْلِحٍ: لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، نَصَّ عَلَيْهِ الإْمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لأِنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَنَصَّ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ عَلَى أَنَّ الْوَعْدَ بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ مُبَاحٌ، فَإِنَّ الأْوْلَى الْوَفَاءُ بِهِ مَعَ الإْمْكَانِ .
الْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ الْمُجَرَّدِ غَيْرُ وَاجِبٍ، أَمَّا الْوَعْدُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لاَزِمًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، حَيْثُ نَقَلَ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنِ الْقُنْيَةِ: لاَ يَلْزَمُ الْوَعْدُ إِلاَّ إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ: أَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَاءِ صُوَرِ التَّعْلِيقِ تَكُونُ لاَزِمَةً . وَنَصَّتِ الْمَادَّةُ (84) مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: الْمَوَاعِيدُ بِصُوَرِ التَّعَالِيقِ تَكُونُ لاَزِمَةً.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لآِخَرَ: ادْفَعْ دَيْنِي مِنْ مَالِكَ، فَوَعَدَهُ الرَّجُلُ بِذَلِكَ، ثُمَّ امْتَنَعَ عَنِ الأْدَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يُلْزَمُ الْوَاعِدُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ، أَمَّا قَوْلُ رَجُلٍ لآِخَرَ: بِعْ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلاَنٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِكَ ثَمَنَهُ فَأَنَا أُعْطِيهِ لَكَ، فَلَمْ يُعْطِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، لَزِمَ الْمُوَاعِدَ أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى وَعْدِهِ .
وَأَسَاسُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الإْنْسَانَ إِذَا أَنْبَأَ غَيْرَهُ بِأَنَّهُ سَيَفْعَلُ أَمْرًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَرْغُوبًا لَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الأْمْرُ غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْوَعْدِ؛ لأِنَّ الْوَعْدَ لاَ يُغَيِّرُ الأْمُورَ الاِخْتِيَارِيَّةَ إِلَى الْوُجُوبِ وَاللُّزُومِ. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَوَاعِيدُ مُفْرَغَةً فِي قَالَبِ التَّعْلِيقِ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُ لِقُوَّةِ الاِرْتِبَاطِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ حُصُولَ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ مَوْقُوفٌ عَلَى حُصُولِ شَرْطِهِ، وَذَلِكَ يُكْسِبُ الْوَعْدَ قُوَّةً، كَقُوَّةِ الاِرْتِبَاطِ بَيْنَ الْعِلِّيَّةِ وَالْمَعْلُولِيَّةِ، فَيَكُونُ لاَزِمًا .
عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ إِنَّمَا اعْتَبَرُوا الْوُعُودَ بِصُوَرِ التَّعَالِيقِ لاَزِمَةً إِذَا كَانَ الْوَعْدُ مِمَّا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ شَرْعًا حَسَبَ قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِمْ، حَيْثُ إِنَّهُمْ أَجَازُوا تَعْلِيقَ الإْطْلاَقَاتِ وَالْوَلاَيَاتِ بِالشَّرْطِ الْمُلاَئِمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَجَازُوا تَعْلِيقَ الإْسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ بِالْمُلاَئِمِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشُّرُوطِ، أَمَّا التَّمْلِيكَاتُ وَكَذَا التَّقْيِيدَاتُ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ عِنْدَهُمْ .
وَالنَّافُونَ لِوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ حَمَلُوا الْمَحْظُورَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَمَقَتَ فَاعِلَهُ فِي قوله تعالي : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) عَلَى مَنْ وَعَدَ وَفِي ضَمِيرِهِ أَلاَّ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ بِهِ، أَوْ عَلَى الإْنْسَانِ الَّذِي يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا لاَ يَفْعَلُهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» فَقَالُوا بِأَنَّ ذَمَّ الإْخْلاَفِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ الْكَذِبَ الْمَذْمُومَ إِنْ عَزَمَ عَلَى الإْخْلاَفِ حَالَ الْوَعْدِ، لاَ إِنْ طَرَأَ لَهُ .
قَالَ الإْمَامُ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا يَنْزِلُ عَلَى مَنْ وَعَدَ وَهُوَ عَلَى عَزْمِ الْخُلْفِ أَوْ تَرْكِ الْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَأَمَّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْوَفَاءِ فَعَنَّ لَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ مِنَ الْوَفَاءِ، لَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ مَا هُوَ صُورَةُ النِّفَاقِ .
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ حَرَامٌ إِذَا وَعَدَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ لاَ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ، أَمَّا إِذَا وَعَدَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ فَلَمْ يَفِ، فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ .
الْقَوْلُ السَّادِسُ: إِنَّ الْوَعْدَ إِذَا كَانَ مُرْتَبِطًا بِسَبَبٍ وَدَخَلَ الْمَوْعُودُ فِي السَّبَبِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْعَقْدِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُبَاشِرِ الْمَوْعُودُ السَّبَبَ فَلاَ شَيْءَ عَلَى الْوَاعِدِ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا وَعَدَهُ أَنْ يُسْلِفَهُ ثَمَنَ دَارٍ يُرِيدُ شِرَاءَهَا فَاشْتَرَاهَا الْمَوْعُودُ حَقِيقَةً، أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ مَبْلَغَ الْمَهْرِ فِي الزَّوَاجِ، فَتَزَوَّجَ اعْتِمَادًا عَلَى هَذَا الْوَعْدِ... فَفِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَأَمْثَالِهِمَا يُلْزَمُ الْوَاعِدُ قَضَاءً بِإِنْجَازِ وَعْدِهِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يُبَاشِرِ الْمَوْعُودُ السَّبَبَ، فَلاَ يُلْزَمُ الْوَاعِدُ بِشَيْءٍ.
وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ وَالرَّاجِحُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَعَزَاهُ الْقَرَافِيُّ إِلَى مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَسُحْنُونٍ .
الْقَوْلُ السَّابِعُ: أَمَّا إِذَا كَانَ الْوَعْدُ مُرْتَبِطًا بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ يَجِبَ الْوَفَاءُ بِهِ قَضَاءً، سَوَاءٌ دَخَلَ الْمَوْعُودُ فِي السَّبَبِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَبِطًا بِسَبَبٍ فَلاَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ: فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لآِخَرَ: أَعِدُكَ بِأَنْ أُعِيرَكَ بَقَرِي وَمِحْرَاثِي لِحِرَاثَةِ أَرْضِكَ، أَوْ أُرِيدُ أَنْ أُقْرِضَكَ كَذَا لِتَتَزَوَّجَ. أَوْ قَالَ الطَّالِبُ لِغَيْرِهِ: أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ أَوْ أَنْ أَقْضِيَ دَيْنِي أَوْ أَنْ أَتَزَوَّجَ، فَأَقْرِضْنِي مَبْلَغَ كَذَا. فَوَعَدَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ عَنْ وَعْدِهِ قَبْلَ أَنْ يُبَاشِرَ الْمَوْعُودُ السَّبَبَ الَّذِي ذَكَرَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ زَوَاجٍ أَوْ وَفَاءِ دَيْنٍ أَوْ حِرَاثَةِ أَرْضٍ... فَإِنَّ الْوَاعِدَ يَكُونُ مُلْزَمًا بِالْوَفَاءِ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالتَّنْفِيذِ جَبْرًا إِنِ امْتَنَعَ.. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعِدَةُ غَيْرَ مُرْتَبِطَةٍ بِسَبَبٍ، كَمَا إِذَا قُلْتَ لآِخَرَ: أَسْلِفْنِي كَذَا، وَلَمْ تَذْكُرْ سَبَبًا، أَوْ أَعِرْنِي دَابَّتَكَ أَوْ بَقَرَتَكَ، وَلَمْ تَذْكُرْ سَفَرًا وَلاَ حَاجَةً، فَقَالَ: نَعَمْ. أَوْ قَالَ الْوَاعِدُ مِنْ نَفْسِهِ: أَنَا أُسْلِفُكَ كَذَا أَوْ أَهَبُ لَكَ كَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، فَلاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهُوَ قُوْلٌ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ .
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ الَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيُّ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ عِدَةً لاَ تُدْخِلُ مَنْ وَعَدَ بِهَا فِي شَيْءٍ، فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُفَسَّرَةً أَوْ مُبْهَمَةً.
- فَإِنْ كَانَتْ مُفَسَّرَةً: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَعِرْنِي دَابَّتَكَ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا. فَيَقُولُ: أَنَا أُعِيرُكَ غَدًا، أَوْ يَقُولُ: عَلَيَّ دَيْنٌ فَأَسْلِفْنِي مِائَةَ دِينَارٍ أَقْضِهِ، فَيَقُولُ: أَنَا أُسْلِفُكَ.
فَهَذَا قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُحْكَمُ بِإِنْجَازِ مَا وَعَدَ بِهِ، كَالَّذِي يُدْخِلُ الإْنْسَانَ فِي عَقْدٍ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى خِلاَفِ هَذَا؛ لأِنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ بِوَعْدِهِ فِي شَيْءٍ يَضْطَرُّهُ إِلَى مَا وَعَدَ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ مُبْهَمَةً: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَسْلِفْنِي مِائَةَ دِينَارٍ، وَلاَ يَذْكُرُ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا، أَوْ يَقُولَ: أَعِرْنِي دَابَّتَكَ أَرْكَبْهَا، وَلاَ يَذْكُرُ لَهُ مَوْضِعًا وَلاَ حَاجَةً. فَهَذَا قَالَ أَصْبَغُ: لاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا.
فَإِذَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الأْولَى: إِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْعِدَةِ إِذَا كَانَ الأْمْرُ أَدْخَلَهُ فِيهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: انْكِحْ وَأَنَا أُسْلِفُكَ مَا تُصْدِقُهَا. فَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ الْوَعْدِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ وُعِدَ، فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَمْ لاَ؟ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ، أَلْزَمَهُ ذَلِكَ بِالْوَعْدِ .
الاِسْتِثْنَاءُ فِي الْوَعْدِ:
6 - نَصَّ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْوَاعِدِ أَنْ يَسْتَنْثِيَ فِي وَعْدِهِ بِقَوْلِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ لقوله تعالي : ( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) وَلأِنَّ الْوَاعِدَ لاَ يَدْرِي هَلْ يَقَعُ مِنْهُ الْوَفَاءُ أَمْ لاَ، فَإِذَا اسْتَثْنَى وَعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ الإْلَهِيَّةِ خَرَجَ عَنْ صُورَةِ الْكَذِبِ فِي حَالِ التَّعَذُّرِ.
غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الاِسْتِثْنَاءِ فِي الْوَعْدِ:
- فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ الأْوْلَى.
- وَقَالَ الْجَصَّاصُ: إِنْ لَمْ يَقْرِنْهُ بِالاِسْتِثْنَاءِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ.
- وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ الْوَعْدُ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ.
الْمُوَاعَدَةُ:
7 - الْمُوَاعَدَةُ: مُفَاعَلَةٌ مِنْ وَاعَدَ. وَقَدْ عَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنْ يَعِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ؛ لأِنَّهَا مُفَاعَلَةٌ لاَ تَكُونُ إِلاَّ مِنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ وَعَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ فَهَذِهِ الْعِدَةُ.
وَقَدْ تَنَاوَلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُوَاعَدَةَ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا، وَذَكَرُوا بَعْضًا مِنْ أَحْكَامِهَا، وَذَلِكَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - الْمُوَاعَدَةُ عَلَى مَا لاَ يَصِحُّ حَالاً:
8 - قَالَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ مِنْ أُصُولِ مَالِكٍ مَنْعَ الْمُوَاعَدَةِ فِيمَا لاَ يَصِحُّ وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ. وَمِنْ ثَمَّ مَنَعَ مَالِكٌ الْمُوَاعَدَةَ عَلَى النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ، وَالْمُوَاعَدَةَ عَلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَعَلَى الْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَعَلَى بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَجَاءَ فِي قَوَاعِدِ الْوَنْشَرِيسِيِّ: الأْصْلُ مَنْعُ الْمُوَاعَدَةِ بِمَا لاَ يَصِحُّ وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ حِمَايَةً . بِمَعْنَى أَنَّ الْمُوَاعَدَةَ عَلَى عَقْدٍ مَحْظُورٍ-بِالنَّظَرِ لِمَا تَؤُولُ إِلَيْهِ- كَالْوَسِيلَةِ لِلْغَايَةِ الْمَمْنُوعَةِ، فَتُحْمَى الْمَقَاصِدُ الَّتِي حَظَرَهَا الشَّرْعُ مِنْ أَنْ تُنْتَهَكَ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ الَّتِي تُفْضِي إِلَيْهَا.
ب - الْمُوَاعَدَةُ عَلَى عَقْدِ الصَّرْفِ
9 - أَمَّا الْمُوَاعَدَةُ عَلَى الصَّرْفِ فَفِيهَا ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَهُمْ:
أَحَدُهَا الْجَوَازُ.
وَثَانِيهَا الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَثَالِثُهَا الْكَرَاهَةُ، وَشُهِرَتْ أَيْضًا نَظَرًا لِجَوَازِ الصَّرْفِ فِي الْحَالِ، وَشُبِّهَتْ بِعَقْدٍ فِيهِ تَأْخِيرٌ .
وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ: وَأَمَّا الْمُوَاعَدَةُ عَلَى الصَّرْفِ فَتُكْرَهُ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَتَمَّ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُوَاعَدَةِ، لَمْ يُفْسَخْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يُفْسَخُ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَجْهَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُوَاعَدَةِ عَلَى الصَّرْفِ فِي حُكْمٍ -حَيْثُ قِيلَ بِجَوَازِهَا وَبِكَرَاهَتِهَا إِلَى جَانِبِ الْقَوْلِ بِمَنْعِهَا- وَبَيْنَ الْمُوَاعَدَةِ عَلَى النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَعَلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَنَحْوِهِمَا، فَقَالَ: وَإِنَّمَا مُنِعَتْ فِيهِمَا؛ لأِنَّ إِبْرَامَ الْعَقْدِ مُحَرَّمٌ فِيهِمَا، فَجُعِلَتِ الْمُوَاعَدَةُ حَرِيمًا لَهُ، وَلَيْسَ إِبْرَامُ الْعَقْدِ فِي الصَّرْفِ بِمُحَرَّمٍ، فَتُجْعَلُ الْمُوَاعَدَةُ حَرِيمًا لَهُ .
وَتَعَرَّضَ الإْمَامُ الشَّافِعِيُّ لِلْمُوَاعَدَةِ فِي الصَّرْفِ فَقَالَ: إِذَا تَوَاعَدَ الرَّجُلاَنِ الصَّرْفَ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلاَنِ الْفِضَّةَ ثُمَّ يُقِرَّانِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَتَبَايَعَاهَا وَيَصْنَعَا بِهَا مَا شَاءَا.
___________________________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة ۸۸)
1- دفع العربون وقت ابرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه خلال مدة معقولة . الا اذا قضى الأتفاق بغير ذلك .
2- فاذا عدل من دفع العربون ، فقده ، واذا عدل من قبضه ، رده ورد مثله معه
هذه المادة تقابل المادة 103 من التقنين الحالي .
وهي تقابل المادة 107 من التقنين الأردني ، وتقابل المادة ۹۲ من التقنين العراقي ، وتقابل المادتين 75 و 76 من التقنين المدني الكويتی
وحكم العربون ، وان كان غير منفق عليه في الفقة الاسلامی ، الا ان الامام أحمد بن حنبل يجيز بيع العربون ( انظر المغني ج4 ص 58 و 59) : ( وأنظر رايا مخالفا عند الامام مالك : الموطا ۲ ص 609 ،611
أما دلالة العربون في الفقه الاسلامي عند الشك ، هل هي للتعاقد أو لجواز العدول ، فأمر يترك للعرف والعادة ، ففي الفقه الاسلامی العادة محكمة ( أنظر عبد الرزاق السنهوری ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج ۲ ص 96 – ۱۰۲ )۰
وقد أخذ في النص المقترح، كما هو الحكم في التقنين الحالي ، بدلالة العدول ، حيث يعتبر دفع العربون دليلا على أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عن العقد خلال المدة التي يجوز له فيها ذلك ( الا اذا قضى الاتفاق بغير ذلك )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م
مادة (47) :
(۱): بيع العربون صحيح .
(ب) : العربون يحسب من الثمن، إن تم العقد ، وإلا: فیکون من حق البائع.
إيضاح
(1) بيع العربون : هو دفع بعض الثمن في بيع عقداه ، ويقول مشتر لبائع: أن أخذت المبيع احتسبت بما دفعت من الثمن ، وإلا فهو لك .
أو يقول : إن جئتك بالباقي من الثمن وإلا فهو لك ، وإن لم يعين وقتاً .
وبيع العربون صحبح، وقد استئن من قاعدة تعليق البيع للأثر الوارد . فقد روي عن نافع بن الحارث : أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية ، فان رضى عمر وإلا فله كذا وكذا ، قال الأثرم : قلت لأحمد : تذهب إليه ؟ قال: «أي شيء أقول هذا عمر، وقد ضعف أحمد حديث ابن ماجه من أنه صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع العربون .
(ب) : إذا أعطى المشتري البائع مثلا در ما ، وقال له إن أخذت المبيع فالد هم من المن ، و إلا فهولك ، صح البيع ، فإن تم العقد ، احتسب الدرهم من الثمن ، وإن لم يتم كان البائع.
أما إذا دفع المشتري للبائع درهما قبل العقد ، وقال له : لاتبع هذه السلعة لغيرى ، فإن لم أشترها فالدرهم لك. فإن اشتراها منه وحسب الدرهم من الثمن ، صح لخلو العقد عن شرط ، و إلا رجع بالدرهم ، لأن رب السلعة لوأخذ الدرهم لأخذه بغير عوض . ولا يجوز جمله عوضا عن انتظاره ، لأن الانتظار بالبيع لايجوز المعاوضة عنه، ولوجازت لوجب أن يكون معلوم القدر . وهذا هو المذهب .
وهناك رأي: بأن بيع العربون لا يصح ، قاله أبو الخطاب ، واحتج بما رواه ابن ماجة ، من أنه (نهى عن بيع العربون ) . ولأنه شرط للبائع شيئا بغير عوض ، فلم يصح ، كما لوشرطه لأجنبي ، ولأنه بمنزلة الخيار المجهول فإن اشترط أن له رد البيع ، من غير ذكر مدة فلم يصح ، كما لو قال: إلى الخيار من شئت رددت المسلمة ومعها درهم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م
مادة (56)
( بيع العربون هو أن يدفع المشترى للبائع جزءا من الثمن يتقرر مصيره بما يتفقان عليه عند عقد البيع ، فإن اتفقا على أنه إن تم البيع حسب العربون من ثمن المبيع ، وإن لم يتم رد للمشتري جاز البيع، وإن اتفقا على تركه للبائع عند عدم تمامه لم يجز البيع وفسخ إن وقع وكان المبيع قائما ، فإن فات مضى بقيمته وبحسب العربون من القيمة )
إيضاح
العربون بضم العين وسكون الراء وبفتحها هو ما يدفعه المشتري من الثمن عند ابتداء عقد البيع ، وامتنع بيع العربون عند شرط ترك العربون بائع إذ لم يتم البيع بينهما ، لأن أخذه بغير مقابل من أكل مال الغير بالباطل ، وهذا هو ما ذهب إليه الجمهور ، وذهب قوم من التابعين منهم مجاهد وابن سيرين و نافع بن الحارث وزيد بن أسلم إلى جواز بيع العربون مطلقا وهو مذهب الإمام أحمد.
المراجع : الشرح الصغير ج۲ ص ۳۸ ، والشرح الكبير ج۳
ص 56 ، و بداية المجتهد ج ۲ ص 135 .