مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 95
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- إذا كان شخص النائب هو الواجب الاعتداد به فيما يتعلق بإتمام العقد فعلى النقيض من ذلك ينبغي أن يرجع إلى شخص الأصيل وحده ، عند تعيين مصير آثاره، فالأصيل دون النائب هو الذي يعتبر طرفاً في التعاقد وإليه تنصرف جميع آثاره ، فيكسب مباشرة كل ما ينشأ عنه من حقوق ، ويقع على عاتقه كل ما يترتب من التزامات ، ولعل هذا الأثر المباشر أهم ما أحرز القانون الحديث من تقدم في شأن النيابة القانونية .
2- ومع ذلك فينبغي التفريق بين صور مختلفة فالقاعدة التي تقدمت الإشارة إليها تتطبق حيث يتعاقد النائب باسم الأصيل وهي تنطبق كذلك حيث يتعاقد النائب بأسمه الشخصی ، رغم حقيقة نيابته ، متى كان من تعاقد معه يعلم أو كان ينبغي أن يعلم ، بوجود النيابة أو كان يستوي عنده أن يتعامل مع الأصيل أو نائيه، وقد استحدث المشروع ، باقتباس هذا النص من تقنين الإلتزامات السويسري ، حكماً هاماً يطابق أحكام الشريعة الإسلامية، أما القواعد الخاصة بالاسم المستعار أو التسخير وهي التي تقضي بانصراف آثار العقد إلى النائب أو المسخر ، فلا تنطبق إلا إذا كان من يتعامل مع هذا النائب يجهل وجود النيابة أو كان لا يستوي عنده التعامل معه أو مع من فوضه .
المشروع في لجنة المراجعة
تلیت المادة 158 من المشروع .
فأقرتها اللجنة بعد تعديلات لفظية وأصبح نصها ما يأتي :
1- إذا أبرم النائب في حدود نیابته عقداً ، بأسم الأصيل فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات يضاف إلى الأصيل .
2 - ويكون لمن يتعاقد مع النائب أن يطلب منه إثبات نیابته فإذا كانت النيابة مثبتة في سند مكتوب كان له أن يحصل منه على صورة مطابقة للأصل تحمل توقيعه، وأصبح رقم المادة 108 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 108 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الخامسة
تليت المادة 108 وهي الخاصة بإضافة الحقوق والالتزامات التي تنشأ عن العقد الذي يبرمه النائب في حدود نیابته إلى الأصيل وبحق الطرف الذي يتعاقد مع النائب في طلب ما يثبت نيابة هذا النائب .
وقد وافقت اللجنة على الفقرة الأولى من المادة أما الفقرة الثانية فقد قررت حذفها إذ قد اعترض عليها بأنه لا فائدة إطلاقاً من النص على أن سسند النيابة يكون عرفياً فإذا أريد الإبقاء على هذه الفقرة فيجب أن ينص فيها على أن يكون مسند النيابة رسمياً خصوصاً وأن لهذه المادة مقابلاً في القانون الحالى وهي المادة 518 مدني ، ولما تبين من المناقشة أن هذه الفقرة لا أهمية لها ولا لزوماً لها أيضاً لأن الشخص الذي يتعاقد مع نائب عن الغير تقضي عليه الظروف الاحتياط والحكمة في معاملته فقد يكتفي بسند عرفي وقد يصر على طلب سند رسمی و قد يصرف النظر عن هذا وذاك فالمرجع في هذا الخصوص إلى رغبة المتعاقد مع النائب عن الغير .
قرار اللجنة :
قررت أغلبية اللجنة بقاء الفقرة الأولى من المادة 108 وحذف الفقرة الثانية بالإجماع.
تقرير اللجنة :
حذفت الفقرة الثانية من هذه المادة لأنها تتناول مسألة عملية تفصيلية في القواعد العامة ماينى عن النص عنها .
وأصبح رقم المادة 105.
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- النص فى المادة 105 من القانون المدنى على أنه " إذا أبرم النائب فى حدود نيابته عقداً باسم الأصيل فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات يضاف إلى الأصيل " ، وفى المادة 699 منه على أن " الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانونى لحساب الموكل " وما جاء بالمذكرة التمهيدية للقانون المدنى من أنه " إذ كان شخص النائب هو الواجب الاعتداد به فيما يتعلق بتمام العقد فعلى النقيض من ذلك ينبغى أن يرجع إلى شخص الأصيل وحده ، عند تعيين مصير أثاره فالأصيل دون النائب هو الذى يعتبر طرفاً فى التعاقد وإليه تنصرف جميع أثاره فيكسب مباشرة كل ما ينشأ عنه من حقوق ويقع على عاتقه كل ما يترتب من التزامات ولعل هذا الأثر المباشر أهم ما أحرز القانون الحديث فى شأن النيابة القانونية " كل ذلك يدل على أن أثر ما يبرمه النائب فى حدود نيابته تنصرف إلى الأصيل مباشرة لأن نيابة النائب ليست نيابة الالتزام بأحكام العقد إنما هى فى إنشاء العقد وبالتالى يبقى النائب غريباً عن آثار التصرف الذى أبرمه باسم الأصيل فلا ينصرف إليه شيء مما أنتجه من حقوق والتزامات ولا يقبل مقاضاته بصفته الشخصية عن شيء من ذلك .
(الطعن رقم 17687 لسنة 77 جلسة 2010/03/08 س 61 ص 362 ق 56)
2- مؤدى نصي المادتين 3, 35 من قرار رئيس الجمهورية رقم 317 لسنة 1956 بإصدار قانون الجمعيات التعاونية وقرار رئيس الجمهورية رقم 1431 لسنة 1960 بتحديد الجهات الإدارية المختصة بالإشراف على الجمعيات التعاونية والمادة الرابعة من قرار وزير الزراعة وإصلاح الأراضي رقم 109 لسنة 1961 أن مباشرة بنك التسليف الزراعي والتعاوني لسلطته فى إبرام عقود العمل الخاصة بتعيين كتبة الجمعيات التعاونية الزراعية إنما يكون بوصفه نائباً عنها ومن ثم لا تنصرف إلية آثار هذه العقود وإنما تضاف إلى الأصيل حسبما تقضي به القواعد العامة فى القانون المدني.
(الطعن رقم 3399 لسنة 59 جلسة 1998/02/15 س 49 ع 1 ص 154 ق 36)
3- النص فى المادة708من القانون المدنى على أنه "1) إذا أناب الوكيل عنه غيره فى تنفيذ الوكالة دون ان يكون مرخصا له فى ذلك كان مسئولا عن عمل النائب كما لو كان هذا العمل قد صدر منه هو ، ويكون الوكيل ونائبه فى هذه الحالة متضامنين فى المسئولية 2) اما إذا رخص للوكيل فى اقامة نائب عنه دون أن يعين شخص النائب فإن الوكيل لا يكون مسئولا إلا عن خطئه فى اختيار نائبه او عن خطئه فى ما اصدره له من تعليمات. 3) ويجوز فى الحالتين السابقتين للموكل او لنائب الوكيل ان يرجع كل منهما مباشرة على الآخر ، يدل على أنه يجوز للوكيل أن ينيب عنه غيره فى تنفيذ جميع ما وكل فيه أو فى جزء منه ما لم يكن ممنوعا من ذلك بنص خاص فى سنة وكالته ويكون له ذلك من باب أولى إذا تضمن سند التوكيل والترخيص له فى ذلك سواء عين الموكل شخص النائب أو اطلق أمر اختياره للوكيل ويترتب على تلك الإنابة متى قامت صحيحة متوافرة الأركان قيام علاقة مباشرة بين نائب الوكيل والموكل ينصرف بموجبها إلى الأخير كافة التصرفات التى يبرمها النائب متى تحققت شروط أعمال هذا الأثر ولا يكون لوفاة الوكيل - بعد إبرامه عقد الإنابة - باعتباره من التصرفات التى يخولها له سند وكالته وينصرف أثرها مباشرة إلى الموكل - أى أثر فى علاقة النائب بالموكل فيما يأتيه من تصرفات أو توافر صفته فى القيام بأى إجراء يتسع له عقد الإنابة كنتيجة لتلك العلاقة المباشرة .
(الطعن رقم 2256 لسنة 65 جلسة 1996/05/08 س 47 ع 1 ص 748 ق 139)
4- مؤدى نص المادة 699 من القانون المدنى أن ما يجريه الوكيل من تصرفات وكل فيها إنما هى لحساب الأصيل فإذا باشر إجراءاً معيناً سواء كان من أعمال التصرف أو الادارة فلا يجوز مقاضاته عن هذا الإجراء وإنما توجه الخصومة للأصيل ، لما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن جوهر النزاع بين الطاعن والمطعون ضده الاول يدور حول حصول البيع الموكل فيه الأول من عدمه، وكان إجراء هذا التصرف إنما يكون لحساب الأصيل، مما يقتضى توجيه الدعوى فى النزاع الناشىء عنه إلى الاخير واذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفه وبإثبات التعاقد موضوع النزاع على سند أنه مفوض فى إبرامه والتوقيع عليه بمقتضى عقد الوكالة فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 119 لسنة 64 جلسة 1995/04/19 س 46 ع 1 ص 666 ق 133)
5- قرار وزير النقل البحرى رقم 143 لسنة 1976 بتأسيس شركة القناة للتوكيلات الملاحية قد خولها مزاولة كافة أعمال الوكالة البحرية (أمين السفينة وأمين الحمولة والسمسار البحرى وأعمال السياحة والتخليص الجمركى ومناولة البضائع) دون أن يتضمن تحديداً للطبيعة القانونية لأعمال أمين السفينة أو بيان نطاق الأعمال التى تدخل تحت مسئوليته ، وكان قانون التجارة البحرى لم يعرض لنظام أمين السفينة الذى كان وليد الضرورات العملية والتجارة البحرية الحديثة، ولم يصدر أى تشريع يحدد الطبيعة القانونية لأعمال هذا الأمين (الوكيل الملاحى) ، أو نطاق الأعمال التى يقوم بها ، فإنه يتعين الرجوع فى هذا الشأن إلى القواعد العامة فى النيابة ، والتى من مقتضاها – حسبما يبين من نص المادة 105 من القانون المدنى – إضافة الحقوق والالتزامات التى تنشأ من التصرفات التى يبرمها النائب باسم الأصيل إلى هذا الأخير أخذاً بأن إرادة النائب وإن حلت محل إرادة الأصيل، إلا أن الأثر القانونى لهذه الإرادة ينصرف إلى شخص الأصيل كما لو كانت الإرادة قد صدرت منه هو.
(الطعن رقم 1203 لسنة 60 جلسة 1994/11/24 س 45 ع 2 ص 1466 ق 277)
6- من مقتضى القواعد العامة فى النيابة حسبما يبين من نص المادة 105 من القانون المدنى إضافة الحقوق والالتزامات التى تنشأ عن التصرفات التى يبرمها النائب بأسم الأصيل إلى هذا الأخير أخذا بأن إرادة النائب وإن حلت محل إرادة الأصيل إلا أن الأثر القانونى لهذه الإرادة ينصرف إلى شخص الأصيل كما لو كانت الإرادة قد صدرت منه هو وبالتالى فإن استيفاء الديون المترتبة فى ذمته بناء على تصرف النائب عنه يكون إما بأدائها اختيارا أو بطريق التنفيذ الجبرى ثم الوفاء بها من حصيلة هذا التنفيذ مما لازمه ألا يوقع الحجز إلا على ما هو مملوك للمدين دون النائب إذ لا يسأل هذا الخير فى أمواله عن آثار التصرفات التى يبرمها بأسم الأصيل.
(الطعن رقم 1203 لسنة 60 جلسة 1994/11/24 س 45 ع 2 ص 1466 ق 277)
7- الحارس القضائي يصبح بمجرد تعيينه نائباً عن صاحب الحق فى المال الموضوع تحت الحراسة و هو بهذه المثابة ملزم بالمحافظة على الأعيان التى تحت يده الخاضعة للحراسة و القيام بإدارتها و هو صاحب الصفة فى التقاضى فيما ينشأ عن هذه الأعمال من منازعات بإعتباره نائباً عن ملاكها و كان الأصل وفقاً لنص المادة 105 من القانون المدنى أن ما يبرمه النائب فى حدود نيابته ينصرف إلى الأصيل إلا أن هذه النيابة تقف عند حد الغش فإذا تواطأ الحارس مع الغير للإضرار بحقوق صاحب الحق فى المال الموضوع تحت الحراسة فإن التصرف على هذا النحو لا ينصرف أثره الى هذا الأخير .
(الطعن رقم 1788 لسنة 53 جلسة 1986/12/25 س 37 ع 2 ص 1052 ق 213)
8- إذ كان الثابت أن الحارس العام بعد تفويضه من رئيس الوزراء بالبيع بمقتضى الأمر رقم 183 لسنة 1965 قد باع المصنع الخاضع للحراسة إلى المؤسسة المصرية العامة للغزل والنسيج و التى خلفتها الشركة المطعون ضدها الأولى - ليس بصفته مالكاً له و إنما بصفته نائباً عن أصحابه و منهم الطاعن و ذلك بعقد بيع إبتدائى مؤرخ 1965/7/20 فإن هذا التصرف الصادر من الحارس أثناء فرض الحراسة على أموال الطاعن يكون قد صدر من ذى صفة فى النيابة عنه . و لما كان مؤدى نص المادة 105 من القانون المدنى - أن التصرف الذى يبرمه فى حدود نيابته تنصرف أثاره إلى الأصيل - و من ثم فإن آثار عقد البيع الإبتدائى المشار إليه تضاف إلى أصحاب المصنع المبيع - و منهم الطاعن - ولا يغير من ذلك صدور القرار رقم 795 لسنة 1968 برفع الحراسة عن أموال الطاعن لأن رفع الحراسة لا ينفى سبق قيامها وترتيبها لآثارها طبقاً للقانون ، كما لا ينال من صحة التصرفات التى صدرت من الحارس العام فى حدود سلطاته المخولة له قانوناً و ذلك إستقراراً للمعاملات و حماية للمراكز القانونية التى نشأت قبل رفع الحراسة .
(الطعن رقم 1196 لسنة 47 جلسة 1986/12/08 س 37 ع 2 ص 952 ق 194)
9- الأصل أن العقود لا تنفذ إلا فى حق عاقديها ، و أن صاحب الحق لا يلتزم بما صدر من غيره من تصرفات بشأنها . إلا أنه بإستقراء نصوص القانون المدنى يبين أن المشرع قد إعتد فى عدة تطبيقات هامة بالوضع الظاهر لإعتبارات توجبها العدالة و حماية حركة التعامل فى المجتمع و تنضبط جميعاً مع وحدة علتها و إتساق الحكم المشترك فيها ، بما يحول و وصفها بالإستثناء . و تصبح قاعدة واجبة الإعمال متى توافرت موجبات إعمالها و إستوفت شرائط تطبيقها ، و مؤداها أنه إذا كان صاحب الحق قد أسهم بخطئه - سلباً أو إيجاباً - فى ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه ، مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه ، للشواهد المحيطة بهذا المركز ، و التى من شأنها أن تولد الإعتقاد الشائع بسوابقه هذا المظهر للحقيقة ، مقتضاه نفاذ التصرف المبرم بعرض بين صاحب الوضع الظاهر و الغير حسن النية فى مواجهة صاحب الحق .
(الطعن رقم 826 لسنة 54 جلسة 1986/02/16 س 33 ع 1 ص 639 ق 2 ( هيئة عامة ) )
10- لما كان التحقق من توافر صفة النيابة عن الخصم أو عدم توافرها مسألة موضوعية ، و كان الحكم قد نفى هذه الصفة عن المطعون ضده الثانى - بأسباب سائغة و تؤدى عقلاً إلى المعنى الذى خلص إليه فإن النعى على ذلك لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً تنحسر عنه رقابة محكمة النقض .
(الطعن رقم 614 لسنة 49 جلسة 1984/12/17 س 35 ع 2 ص 2128 ق 404)
11- لما كان مقتضى النيابة حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل مع إنصراف الأثر القانونى لهذه الإرادة إلى شخص الأصيل كما لو كانت الإرادة قد صدرت منه هو - فهى فى جوهرها تخويل للنائب حق إبرام عمل أو تصرف تتجاوز آثاره ذمة القائم به إلى ذمة الأصيل بإعتبار أن الإلتزام فى حقيقته رابطة بين ذمتين ماليتين و ليس رابطة بين شخصين . و لازم ذلك أن النائب فى النيابة القانونية لا يكون مسئولاً قبل الغير إلا إذا إرتكب خطأ تجاوز به حدود هذه النيابة يستوجب مسئوليته فإذا لم يرتكب هذا الخطأ لم يكن مسئولاً حتى لو أصاب الغير ضرر من تنفيذ النيابة .
(الطعن رقم 157 لسنة 42 جلسة 1981/12/27 س 32 ع 2 ص 2437 ق 444)
12- إذ كان الأصيل لا يعتبر من الغير بالنسبة إلى المحرر العرفى الذى وقعه نائباً أياً كانت صفته فى النيابة ، و يكون المحرر حجة عليه وفق المادة 15 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 ، فإن إيصالات سداد الأجرة محل النعى تكون حجة على الطاعن فى تاريخها و لو لم يكن نائبا طالما لم يقم الدليل على عدم صحة هذا التاريخ بإعتباره طرفاً فيها بواسطة وكيله .
(الطعن رقم 969 لسنة 44 جلسة 1978/03/15 س 29 ع 1 ص 762 ق 150)
13- لئن كان الأصل وفقاً للمادة 105 من القانون المدنى أن ما يبرمه الوكيل فى حدود وكالته ينصرف إلى الأصيل إلا أن نيابة الوكيل عن الموكل تقف عند حد الغش ، فإذا تواطأ الوكيل مع الغير للأضرار بحقوق موكله ، فإن التصرف على هذا النحو لا ينصرف أثره إلى الموكل . و إذ كان البين من الحكم الإبتدائى الذى أحال إليه الحكم المطعون فيه لأسبابه أنه إستخلص فى حدود سلطته التقديرية من أقوال شهود المطعون عليه الأول أن عقدى الإيجار سنة الطاعن الأول صدرا فى ظروف مريبة و فى غير مواعيد تحديد عقود إيجار الأراضى الزراعية ، و أن الطاعن الثانى لم يبرزهما إلا بعد أن دب الخلاف بينه و بين المطعون عليه الأول ، و إتخذ من عدم إشارة الطاعن الثانى فى الإنذار الموجه منه إلى هذين العقدين قرينة على إصطناعهما و كانت هذه الأسباب سائغة و مؤدية إلى النتيجة التى إنتهى إليها الحكم من عقدى الإيجار قد حررا بطريق الغش و التواطؤ ، و كان الحكم إذ تحدث عن صورية عقدى الإيجار الصادرين إلى الطاعن الأول من شقيقه - الطاعن الثانى - بوصفه وكيلاً عن المطعون عليه الأول مستنداً إلى القرائن التى إستظهرها إنما قصد التدليسية المبنية على الغش و التواطؤ بين طرفى العقد إضراراً بالموكل ، فإنه لا يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 273 لسنة 42 جلسة 1976/04/07 س 27 ع 1 ص 886 ق 169)
14- تنص المادة 105 من القانون المدنى على أنه إذا أبرم النائب فى حدود نيابته عقداً بإسم الأصيل ، فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق و إلتزامات يضاف إلى الأصيل . و إذ كان الثابت بالأوراق أن الدعوى قد رفعت ضد الشركة العربية المتحدة لأعمال النقل البحرى التى إندمجت فى شركة إسكندرية للتوكيلات الملاحية - بصفتها وكيلة عن الشركة العامة للمراقبة - و كان يبين من الحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع بما لها من سلطة فى تفسير العقود قد إستخلصت مما له أصله الثاب بالأوراق - أن الشركة العامة للمراقبة قد أبرمت مشارطة التأجير بصفتها وكيلة عن شركة ريوجراندى و فى حدود نيابتها عنها ، و رتبت على ذلك قضاءها بعدم قبول الدعوى الناشئة عن هذا العقد و المرفوعة قبل الشركة العامة للمراقبة بصفتها الشخصية ، فإن النعى على حكمها بالخطأ فى تطبيق القانون يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 214 لسنة 38 جلسة 1974/06/13 س 25 ع 1 ص 1045 ق 172)
15- الوصاية نوع من أنواع النيابة القانونية ، تحل بها إرادة الوصى محل إرادة القاصر مع انصراف الأثر القانونى إلى ذلك الأخير ، و لئن كانت المادة 39 من القانون رقم 119 لسنة 1952 الخاص بأحكام الولاية على المال قد تضمنت بياناً بالتصرفات التى لا يجوز أن يباشرها الوصى إلا بإذن من محكمة الأحوال الشخصية ، و من بينها التحكيم الذى أنزلته الفقرة الثالثة منها منزلة أعمال التصرف إعتباراً بأنه ينطوى على التزامات متبادلة بالنزول على حكم المحكمين ، إلا أن إستصدار هذا الإذن فى الحالات التى يوجب فيها القانون ذلك ليس بشرط للتعاقد أو التصرف ، و إنما قصد به -و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- إلى رعاية حقوق ناقصى الأهلية و المحافظة على أموالهم بالنسبة لتصرفات معينة إرتأى الشارع لخطورتها ألا يستقل الوصى بالرأى فيها ، فنصب من محكمة الأحوال الشخصية للولاية على المال رقيباً عليه فى صددها . و هو بهذه المثابة يعد إجراء شرع لمصلحة القصر دون غيرهم . و إذ كان الأمر فى الدعوى الماثلة أن مشارطة التحكيم أبرمت بين الطاعن و المطعون عليها عن نفسها و نيابة عن أولادها القصر بعد أن رفضت محكمة الأحوال الشخصية الإذن لها بذلك كما رفضت التصديق على حكم المحكمين عقب صدوره ، فإنه لا يكون للطاعن الحق فى التمسك ببطلان حكم المحكمين و يكون ذلك الحق مقصوراً على المحتكمين من ناقصى الأهلية الذين صدر حكم المحكمين حال قصرهم ، و ذلك بعد بلوغهم سن الرشد .
(الطعن رقم 275 لسنة 36 جلسة 1971/02/16 س 22 ع 1 ص 179 ق 31)
16- يشترط لاعتبار الوكيل الظاهر نائبا عن الموكل ، أن يكون المظهر الخارجى الذى أحدثه هذا الأخير خاطئا ، و أن يكون الغير الذى تعامل مع الوكيل الظاهر قد إنخدع بمظهر الوكالة الخارجى دون أن يرتكب خطأ أو تقصيرا فى إستطلاع الحقيقة . و لما كان تعيين المدير وفقاً لنظام الشركة المشهر - و الذى صار حجة على الكافة - لا يترتب عليه خلق مظهر خارجى خاطىء من شأنه أن يخدع المتعامل معه ، وكان المدين الذى إتفق معه على إبرائه من جزء من الدين المستحق فى ذمته لا يعتبر حسن النية لأنه كان يعلم أن هذا التصرف التبرعى لا يملكه مجلس الإدارة بغير ترخيص من الجمعية العمومية للمساهمين ولا يملك توكيل غيره فى إجرائه ، ومن ثم فإن موافقة المدير على هذا الإبراء لا تكون حجة على الشركة الطاعنة لانعدام نيابته عنها فى الحقيقة والظاهر .
(الطعن رقم 225 لسنة 36 جلسة 1971/01/21 س 22 ع 1 ص 100 ق 18)
17- حيازة النائب تعتبر حيازة للأصيل فلهذا أن يستند إليها عند الحاجة . فمتى ثبت وضع اليد الفعلى للمستأجر ، فإن المؤجر يعتبر مستمرا فى وضع يده بالحيازة التى لمستأجره . ويتم التقادم لمصلحت إذا كان من شأن هذه الحيازة أن تؤدى إليه . و الحيازة على هذا النحو ظاهرة لاخفاء فيها ولاغموض
(الطعن رقم 133 لسنة 36 جلسة 1970/06/09 س 21 ع 2 ص 998 ق 160)
18- لما كان عضو مجلس الإدارة المنتدب هو الذى يمثل الشركة أمام القضاء فى جميع الدعاوى التى ترفع منها أو عليها وكان مجلس الإدارة قد إختار لجنة ثلاثية من أعضائه لتتولى إدارة الأعمال وتمارس سلطات العضو المنتدب حتى يبت نهائيا فى شغل هذا المركز فإن هذه السلطات تنتقل إلى اللجنة الثلاثية التى حلت محل العضو المنتدب . وإذا لم ينص قرار مجلس الإدارة على عدم جواز إنفراد أى من أعضاء هذه اللجنة بالإدارة فان لكل عوض من أعضائها أن يقوم وحده بأى عمل من أعمال الإدارة المختلفة التى عهد بها مجلس الادارة إلى اللجنة ويدخل فيها توكيل المحامين والاتفاق على الأتعاب على أن لكل من العضوين الآخرين أن يعترض على العمل قبل تمامه وإلا كان هذا الاتفاق ملزماً للشركة لصدوره ممن يمثلها قانوناً عملاً بالمادة 105 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 338 لسنة 30 جلسة 1966/04/28 س 17 ع 2 ص 916 ق 126)
19- لصاحب العمل أن يعهد إلى أحد عماله بإبرام تصرفات قانونية لحسابه إلى جانب ما يباشره من أعمال مادية أو فنية أخرى فيجمع بذلك بين صفته كأجير وصفته كوكيل متميزة كانت كل منها عن الأخرى أو مختلفة وهو مايتعين إستظهاره والتحقق منه لإمكان تكييف العلاقة القانونية بين الطرفين . وإذ يبين من الحكم المطعون فيه إنه كيف العلاقة بين طرفى الخصومة على إنها وكالة لا عقد عمل إستناداً إلى توكيلات عامة صرح فيها الموكل [ صاحب العمل ] للوكيل [العامل ] بحضور المزايدات الرسمية وغيرالرسمية والتزايد عنه فيها والشراء بإسمه سواء بالنسبة للأطيان الزراعية أو العقارات أو المنقولات ودفع ثمنها وإدارة كافه أملاكه من الأطيان والعقارات وإجراء كل مايلزم لذلك وبيع المحصولات وقبض ثمنها وغير ذلك وشراء الأطيان والعقارات والمنقولات لحسابه ودفع ثمنها حسب مايراه . ورتب على ذلك " إستبعاد تكييف العلاقة بين الطرفين بأنها علاقة عمل " بينما هى تقريرات قاصرة ليس من شأنها أن تنفى علاقة العمل التى يدعيها الطاعن ويقيم عليها دعواه فإنه يكون قاصراً فى أسبابه متعيناً نقضه.
(الطعن رقم 3 لسنة 31 جلسة 1965/02/24 س 16 ع 1 ص 215 ق 34)
20- من يعير اسمه ليس إلا وكيلا عمن أعاره و حكمه هو حكم كل وكيل فيمتنع عليه قانوناً أن يستأثر لنفسه بشىء وكل فى أن يحصل عليه لحساب موكله و لا فارق بينه و بين غيره من الوكلاء إلا من ناحية أن وكالته مستترة - و هذا يقتضى أن تعتبر الصفقة فيما بين الموكل و الوكيل قد تمت لمصلحة الموكل و لحسابه فيكسب كل ما ينشأ عن التعاقد من حقوق و لا يكسب الوكيل من هذه الحقوق شيئا و لا يكون له أن يتحيل بأية وسيلة للاستئثار بالصفقة دونه ، و من ثم فاذا كان التعاقد يتعلق ببيع عقار كانت الملكية للأصيل فيما بينه و بين وكيله و إن كانت للوكيل معير الاسم فيما بينه و بين البائع و الغير . و يرجع ذلك إلى أنه مهما كان للوكيل المسخر من ملكية ظاهرة فى مواجهة الكافة فانها ملكية صورية بالنسبة إلى الأصيل يمنع من الاحتجاج بها قبله قيام الوكالة الكاشفة لحقيقة الأمر بينهما - و ينتج من هذا أن الأصيل لا يحتاج - لكى يحتج على وكيله المسخر بملكية ما اشتراه - إلى صدور تصرف جديد من الوكيل ينقل به الملكية إليه ، إذ يعتبر الأصيل فى علاقته بالوكيل هو المالك بغير حاجة إلى أى إجراء و إنما يلزم ذلك الإجراء فى علاقة الأصيل بالغير .
(الطعن رقم 17 لسنة 30 جلسة 1964/11/26 س 15 ع 3 ص 1073 ق 158)
21- خروج الوكيل عن حدود وكالته فى تعاقد سابق لا يلزم منه اعتبار تصرف آخر لاحق حاصل من الوكيل للطاعنين نافذاً فى حق الموكل ما دام أن هذا التصرف كان صادراً من وكيل خارج حدود الوكالة إذ هو لا ينفذ فى حقه إلا بإجازة ذات التصرف.
(الطعن رقم 374 لسنة 25 جلسة 1960/05/12 س 11 ع 2 ص 391 ق 60)
22- إن إستناد أثر الشرط إلى الماضى على النحو المستفاد من نص المادة 105 من القانون المدنى إنما يصح حيث يكون التعليق على الشرط ناشئاً عن إرادة المتعاقدين . أما حيث يكون القانون هو الذى قرر الشرط و علق عليه حكماً من الأحكام فإن الحكم المشروط لا يوجد و لا يثبت إلا عند تحقق شرطه أما قبله فلا لأن الأصل أن الأثر لا يسبق المؤثر .و على هذا لا محل لتطبيق المادة 105 المذكورة فى غير باب التعهدات و العقود . و بصفة خاصة لا محل لتطبيقها على ما كان من الشروط جعلياً مردوداً إلى إرادة الشارع ، كشرط التسجيل لنقل الملكية ، لأن هذا النوع من الشرط باق على أصله فلا إنسحاب لأثره على الماضى وعلى أن القول بالأثر الرجعى للتسجيل فيه منافاة لمقصود الشارع فى وضع قانون التسجيل . فالحكم الذى يقضى برفض دعوى الشفعة بناءاً على أن الشفيع لم يكن مالكاً للعين المشفوع بها يوم إشتراها بل من تاريخ تسجيل عقد الشراء لا يكون مخالفاً للقانون فى نفيه الأثر الرجعى للتسجيل .
(الطعن رقم 128 لسنة 15 جلسة 1946/11/21 س ع ع 5 ص 255 ق 112)
23- أن الوكيل عندما يعمل بإسم الموكل يكون نائبا عنه و تحل إرادته محل إرادة الأصيل كما لو كانت الإرادة قد صدرت منه ، و لما كان النائب يعمل بإسم الأصيل فأثر العقد لا يلحقه هو بل يلحق الأصيل و تتولد عن النيابة علاقة مباشرة فيما بين الأصيل و الغير و يختص شخص النائب منهما المتعاقدان وهما اللذان ينصرف إليهما أثر العقد فيكسب الأصيل الحقوق التي تولدت له من العقد و يطالب الغير بها دون وساطة النائب كما يكتسب الغير الحقوق التي تولت له من العقد و يرجع بها مباشرة على الأصيل ، و هو ما تقضي به المادة 105 من القانون المدني حيث نص على أنه إذا أبرم النائب في حدود نیابته عقداً بإسم الأصيل فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق و إلتزامات تضاف إلى الأصيل ، لذلك فإن شركة البهنساوى للتجارة و الهندسة و قد أفصحت صراحة لدى تقديمها العرض المؤرخ 11 من ديسمبر سنة 1959 و الذي قبلته الهيئة العامة للمصانع الحربية أنها إنما تتقدم بهذا العرض نيابة عن موكلتها شركة سودامين و قد تم قبول هذا العرض و أبرم العقد على أساسه فأن الأثر القانوني للعقد المبرم إنما ينصرف إلى الشركة الأصيلة وحدها فإذا ما وجهت دعوى في شأن المطالبة بالإلتزامات المترتبة على هذا العقد تعين توجيهها إلى الشركة الأصيلة إذ لا يجوز توجيه هذه المطالبة إلى الشركة الوكيلة .
(المحكمة الإدارية العليا الطعن رقم 195 لسنة ۱۲ ق - جلسة 23/ 11/ 1968 س 14 ص 56)
انصراف أثر التصرف الى الأصيل :
متى أبرم النائب العقد، خرج النائب عن نطاق ما يرتبه العقد من حقوق و التزامات متقابلة، ففي العلاقة، ما بين الأصيل والغير الذي تعاقد النائب معه، من علاقة مباشرة فيما بينها لا محل فيها للنائب، فيرجع الأصيل على الغير دعوى مباشرة مطالبة إياه بحقوقه المتولدة عن العقد، وأيضاً يرجع الغير بدعوى مباشرة على الأصيل لإجباره على تنفيذ العقد .
وفي العلاقة ما بين النائب والغير، فإن الغير لا يجوز له الرجوع على النائب فيما يتعلق بتنفيذ العقد إلا إذا كانت وكالته تخول له القيام بهذا التنفيذ، وفيما عدا ذلك، فلا يجوز الرجوع عليه إلا إذا ارتكب خطأ عند التعاقد أو عند التنفيذ إن كان مخولاً به مما يرتب مسئوليته الشخصية .
أما في علاقة النائب بالأصيل، فيحددها مصدر إنشائها، العقد في النيابة الاتفاقية والقانون في النيابة القانونية وحكم القاضي في النيابة القضائية كما في الحراسة القضائية والولاية والوصاية والقوامة. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني الصفحة/443)
انصراف آثار العقد الذي يبرمه الوكيل إلى الأصيل :
إذا أبرم النائب العقد في حدود نيابته باسم الأصيل، فإن أثر العقد يضاف إلى الأصيل. ويترتب على ذلك أنه بعد تمام العقد لا تقوم بين النائب ومن تعاقد معه علاقة فيما يتعلق بآثار هذا العقد فلا يستطيع النائب أن يطالب من تعاقد معه بحق ناشئ عن العقد إلا إذا خولت له النيابة تنفيذ العقد كما خولت له إبرامه، وفي هذه الحالة تكون المطالبة بأسم الأصيل، كذلك لا يستطيع الغير أن يطالب النائب بالتزام ناشئ عن العقد .
والعلاقة بين النائب والأصيل يحكمها المصدر الذي يحدد سلطة النائب فإذا كانت النيابة اتفاقية كان عقد الوكالة هو الذي يحدد حقوق النائب والتزاماته قبل الأصيل وإذا كانت النيابة قانونية تولى القانون تحديد هذه الحقوق والالتزامات، ومن هذا فإن حكم هذه العلاقة مسألة مستقلة عن حكم الآثار التي تترتب على التصرف الذي يبرمه النائب.
أما في العلاقة بين الأصيل والغير فيتجلى فيها الأثر الذي يترتب على النيابة إذا تنشأ بينهما علاقة مباشرة، فهما المتعاقدان، وهما اللذان تترتب في حقهما آثار التصرف. أما شخص النائب الذي أبرم العقد أو ساهم في إبرامه فإنه يختفي تماماً فيما يتعلق بهذه الآثار ويترتب على كون الأصيل هو المتعاقد أنه لو أناب شخص آخر في ایام تصرف يحرم عليه أن يبرمه، كما لو كان الأصيل قاضياً لا يجوز له أن يشتري الحق المتنازع فيه إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرها في دائرتها، فإن التصرف الذي يبرمه النائب يقع باطلاً كما ينظر إلى الأصيل التي تحديد طبيعة الالتزام المدنية أو التجارية. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/ 125)
فيكسب الأصيل الحقوق التي تولدت له من العقد ، ويطالب الغير بها دون وساطة النائب .
كذلك يكسب الغير الحقوق التي تولدت له من العقد ، ويرجع بها مباشرة على الأصيل. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول الصفحة/ 255 )
ومعنى ذلك أنه تنشأ بين الأصيل و الغير فيما يتعلق بآثار العقد الذي أبرمه الأخير مع النائب علاقة مباشرة لا محل فيها النائب فينشئ العقد في ذمة الأصيل حقوقاً والتزامات تقابل ما ينشئه في ذمة من تعاقد مع نائبه من التزامات وحقوق ، ويجوز للأصيل أن يطالب بحقوقه ذلك الغير مباشرة أى دون وساطة نائبه ، كما يجوز لذلك الغير أن يطالبه مباشرة بحقوقه هو دون حاجة به إلى توجيه هذه المطالبة الى نائبه أو إليه من طريق نائبه.
وهذه العلاقة المباشرة التي توجدها النيابة بين الأصيل، والمتعاقد مع النائب هي الخاصة المميزة للنيابة في القوانين الحديثة ، والتي تقدم أن القانون الروماني لم يعرفها في أول عهده ولم يصل إليها بعد ما مر به من تطور إلا في نطاق محدود جداً. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقص، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني الصفحة/ 241)
أثر ما يبرمه النائب في حدود نيابته يتصرف إلى الأصيل مباشرة فهو الذي تترتب في ذمته مباشرة آثار التصرف لأن نيابة النائب ليست نيابة في الإلتزام بأحكام العقد وإنما هي نيابة في إنشاء العقد ومن ثم ينصرف ما ترتب على هذا الإنشاء من حقوق والتزامات إلى الأصيل ، دون حاجة إلى قبول هذا الأخير فلا يكون له قبول بعض آثار التصرف دون الأخرى لأن تصرف النائب وحده لا يتجزأ فتلحق آثاره الأصيل دون حاجة إلى أي إجراء أخر، ويبقى النائب غريبا عن آثار التصرف فلا يلتزم بما انتجه من التزامات ولا يكتسب ما ولده من حقوق ولا يرتبط مع الغير الذي تعاقد معه بأي رباط، ويقتصر الحق في المطالبة بالحقوق الناشئة عن العقد علی الأصيل دون النائب إلا إذا كانت نيابته تتسع لتنفيذ التصرف الذي أبرمه فله أن يقوم بذلك بصفته نائباً عن الأصيل وهو ما يتحقق دائما في حالة النيابة الضرورية وهي النيابة عن معدومي الأهلية أو ناقصيها ومن جهة أخرى فإن الغير الذي أبرم التصرف مع النائب تقوم علاقته مباشرة مع الأصيل دون النائب فيكتسب قبل الأصيل بما أنشأ له التصرف من حقوق ويلتزم قبله بما فرضه عليه التصرف من التزامات (جمال مرسي في البنود 137 ، 160 ، 165).
وتقف حدود النيابة في جميع الأحوال عند حد الغش : فإذا تواطأ النائب مع الغير اضراراً بالأصيل لم ينصرف أثر التصرف إلى الأصيل ولو كان التصرف يدخل في حدود النيابة (السنهوري في الجزء السابع من الوسيط المجلد الأول - بند 304).
ويبقى النائب غريباً عن آثار التصرف الذي أبرمه بأسم الأصيل فلا ينصرف إليه شيء مما أنتجه من حقوق والتزامات ولا يقبل مقاضاته بصفته الشخصية عن شيء من ذلك.
وإذا أبرم النائب تصرفاً أقل خطورة من التصرف المحدد المذاب فيه قال البعض بجواز هذا التصرف على أساس قاعدة من يملك الأكثر يملك الأقل، ولكن الراجح أن يترك ذلك للقضاء ليقرر ما يراه في كل حالة على حدة في ضوء الظروف والملابسات التي قد تجعل التصرف الذي أبرمه النائب أشد خطورة من الناحية العملية من التصرف المذاب فيه (جمال مرسي بند 99 ويراجع فيه استعراضه الأحكام القضاء في هذا الصدد) .
فإن تجاوز النائب حدود نيابته أو لم تكن هناك نيابة لم ينصرف اثر التصرف الى الأصيل إلا إذا أقره الاخير وتعين حدود نيابة النائب بموجب مصدر النيابة فإن كان مصدرها القانون تولى هذا القانون ذلك وكان تعيين هذه الحدود مسألة قانون يخضع فيه القاضي لرقابة محكمة النقض، أما إذا كان مصدرها الاتفاق كان تعيين حدودها إلى الإنابة الصادرة من الأصيل ويكون المرجع في بيان هذه الحدود إلى تفسير إرادة الأصيل وهي مسألة موضوعية ( جمال مرسی بند 95 وراجع في البنود التالية) صور تقييد الأصيل سلطة النائب في إبرام التصرف سواء من حيث الزمان أو من حيث شخص الغير أو من حيث الموضوع أو من حيث الشكل الذي يفرغ فيه التصرف أو من حيث التعليق على شرط ، ويقع على عاتق الغير عند تعاقده مع النائب التثبت من صفته كنائب وحدود هذه الصفة كما يقع عليه عند التمسك بالتصرف الصادر من النائب عبء إثبات النيابة وأن النائب التزم حدود النيابة ( السنهوري الجزء السابع المجلد الأول هامش ص 595 ).
أثر تعليمات الأصيل النائب : إذا فإن الأصيل الإنابة التي أصدرها إلى النائب بتعليمات ضمنها كيفية استعمال الأخير لسلطاته أو ما يراه من قيود في مباشرته هذه السلطة فإن هذه التعليمات وان تعلقت بالعقد مصدر الإنابة أي العقد الذي يربط الأصيل بالنائب إلا أنها لا تتعلق بالإنابة ومن ثم فإنه لا يكون لها أي أثر على التصرف الذي يبرمه النائب مع الغير في حدود الإنابة وإن خالف النائب في إبرامه التعليمات الداخلية فيسرى في حق الأصيل الذي لا يكون له إلا أن يرجع على النائب ( جمال مرسی بند 116، 115).
حالات انصراف أثر التصرف إلى الأصيل رغم تجاوز حدود النيابة :
تنحصر هذه الحالات في ثلاثة أولها إقرار الأصيل للتصرف ويشترط فيه أن يكون الأصيل عالما بأن التصرف الذي يقره خارج عن حدود النيابة ويقصد اضافة أثره إلى نفسه .
وقد يكون الإقرار صريحاً كما قد يكون ضمنياً فإذا وقع الإقرار كان باتاً لا يجوز الرجوع فيه وكان له أثر رجعي فينفذ التصرف في حق الأصيل من تاريخ إبرامه وليس من تاريخ إقراره، وقد خلت نصوص التقنين من تحديد مهلة للاصيل يفصح فيها عن موقفه على خلاف بعض التشريعات الأخرى وكان نص المادة 990 من المشروع التمهيدي يجيز للغير أن يحدد للأصيل ميعاداً مناسباً لإقرار التصرف وإلا كان له التحلل من آثاره ولكن هذا النص حذف في لجنة المراجعة اكتفاء بما تقدم من أحكام النيابة (مجموعة الأعمال التحضيرية الجزء الخامس ص 225 حتى 228) وإن كان حكم النص المحذوف يتفق والقواعد العامة فيمكن العمل به ( السنهوري في الجزء السابع المجلد الأول بند 305 - جمال مرسی بند 112) والحالة الثانية هي حالة كون المتصرف تابعاً للأصيل ، أما الحالة الثالثة فهي حالة وجود ظروف من فعل الأصيل من شأنها إعطاء فكرة أوسع في الحقيقة عن مدى النيابة ( جمال مرسي بندی 113 ، 114).
مسئولية النائب قبل الغير عند التقاء النيابة أو تجاوز حدودها : يفرق بين حالة ما إذا كان الغير يعلم بانتفاء صفة النيابة أو مجاوزة حدودها أو كان ينبغي أن يعلم بذلك ففي هذه الحالة لا تكون هناك مسئولية على النائب إذ هذه الصورة هي صورة الفضالة، أما إذا لم يكن الغير يعلم بذلك فإن آثار التصرف لا تتصرف إلى الأصيل حسبما أسلفنا ، كما أنها لا تتصرف إلى النائب لأنه لم يتعاقد بأسمه ولم تتجه إرادته إلى التصرف لحسابه، ويكون النائب مسئولاً عن تعويض الضرر الذي يصيب الغير من جراء عدم نفاذ التصرف على النحو السالف، واذ كانت هذه المسئولية لا تستند إلى العقد الذي أبرمه النائب فقد اختلف الرأي حول أساس هذه المسئولية فقال البعض انها تكون مسئولية تقصيرية ، ولكن بالنظر إلى أن هذا الأساس يلقي على الغير عبء إثبات الخطأ والضرر ورابطة السببية بينهما فقد ذهب البعض إلى تأسيس هذه المولية على فكرة الخطأ عند تكوين العقد وهي تتيح اعفاء الغير من إثبات الخطأ ولكنها تقصر مقدار التعويض على المصلحة السلبية أي على ما لحق الغير من خسارة نتيجة دخوله في عقد غير نافذ وهي تفترق عن التعويض عن الضرر الناجم عن عدم تنفيذ العقد، ومن ثم اتجه البعض الى إقامة مسئولية النائب على أساس فكرة التعهد عن الغير بتقدير اعتبار النائب ملتزماً بالتزام بعمل هو الحصول على إقرار الاصيل العقد لكن اعترض على هذا الرأي بأن الأصل في التعهد عن الغير ان يكون صريحاً، ومن هنا تضمن التقنين المدني الألماني تنظيماً تشريعياً لمسئولية النائب في هذه الصورة ، ففرق بين حالة علم النائب بإنعدام صفته أو بتجاوزه حدود النيابة وبين حالة عدم علمه بذلك ففي الحالة الأولى جعل الخيار للغير أن يطالب النائب اما بتنفيذ العقد وإما بتعويض عن كامل الضرر الناجم عن عدم إقرار الأصيل للعقد وذلك بغض النظر عن حسن نية النائب أو سوء نيته ، أما في الحالة الثانية فقد قصر التزام النائب على تعويض الغير عن المصلحة السلبية وحدها ( يراجع في تفصيل ذلك جمال مرسي في البنود 112 حتى 118 - ويراجع السنهوري في الجزء السابع بند 303 ).
المسئولية عن خطأ النائب : الأصل أن النائب لا يكون مسئولاً قبل الغير عما يصيب الأخير من ضرر من تنفيذ الوكالة ما لم يرتكب خطأ ، فإذا قام بقبض شيك مرور من البنك نيابة عن العميل دون أن يعلم بتزويره لم يكن مسئولاً قبل البنك عما أصابه من ضرر وإنما تقع المسئولية على الأصيل، أما إذا ارتكب النائب أثناء تنفيذ النيابة ضرراً شخصياً سبب ضرراً للغير فإنه يكون مسئولاً عن تعويض هذا الضرر سواء ارتكب هذا الخطأ من نفسه أو بتعليمات من الأصيل فإذا ارتكب محام سباً أو قذفاً في حق خصم موكله أو قدم ضده بلاغاً كاذباً بسوء نية كان مسئولاً نحو خصم موكله عن تعويض الضرر الذي ناله من جراء ذلك، أما مسئولية الأصيل عن خطأ النائب فإن الأصل عدم مسئوليته عنه إلا إذا كان قد وقع منه هو خطأ شخصى أو كانت تتوافر في علاقته بالنائب شروط علاقة المتبوع بالتابع وأهمها خضوع الأخير الإشراف وتوجيه الأصيل إذ يجب التمييز بين صفة النائب وصفة التابع إذ أن النائب لا يعتبر تابعاً للأصل بمجرد النيابة ومن ثم فإنه ما لم تكن العلاقة الداخلية بينهما تنطوي على علاقة التبعية كالحال في الخادم أو العامل ومدير الشركة ففي هاتين الصورتين يسأل الأصيل عن تعويض الغير عن الضرر الذي ناله من جراء خطأ النائب ( يراجع في تفصيل ذلك السنهوري في الجزء السابع المجلد الأول بند 309 - جمال مرسی بندي 158 ، 159 حيث يوضح أن المسئولية عن خطأ النائب منقطعة الصلة بالنيابة في ذاتها).
النيابة الظاهرة : اذا كان الأصل أنه إذا انعدمت النيابة أو تجاوز النائب حدودها فان آثار التصرف لا تضاف الى الأصيل، حتى لو كان الغير حسن النية، إلا أن هنالك حالات يدعم حسن نية الغير مظهر خارجي يبرر اعتقاده بوجود النيابة ووقوع التصرف في حدودها وان كانت العدالة تقضي في هذه الصورة انفاذ التصرف في حق الأصيل فإن القضاء لم يجد سبيلاً إلى ذلك سوى ابتداع فكرة الانابة الظاهرة ، مع ملاحظة عدم الخلط بينها وبين الإنابه الضمنية حيث تكون هناك انابه حقيقية ولكن تعبير الأصيل عنها كان تعبيراً ضمنياً، ( جمال مرسى هامش بند 126) ويشترط في الإنابة الظاهرة توافر ثلاثة شروط أولها أن يعمل النائب باسم الأصيل ولكن دون نيابة سواء لانتقاء النيابة أو بطلانها أو انقضائها أو تجاوزه حدودها ويلحق بذلك سوء استخدام النائب للنيابة باستغلالها تحقيقاً لأغراض شخصية، وثانيها حسن نية الغير وهو يستلزم عدم علمه بانتفاء النيابة أو بطلانها أو انقضائها أو تجاوزها وإذا كان الأصل أن يثبت المتعامل مع نائب من حدود نيابته فإنه يقع على الغير عبء إثبات حسن نيته، وقد طبق المشرع المصري هذا الشرط في المادة 107 وثالثها أن يقوم مظهر خارجی منسوب الى الأصيل سواء بتقصير منه أو بغير تقصير يبرر الإعتقاد بوجود النيابة وعدم تجاوز حدودها، فإن توافرت هذه الشروط الثلاثة ترتب علی النيابة الظاهرة ما يترتب على النيابة الحقيقية مع ملاحظة أن في العلاقة الداخلية بين النائب والأصيل يتعين التفرقة بين ما إذا كان الأول سيئ النية فيرجع عليه الأصيل بالتعويض أو حسن النية فلا يرجع عليه الأصيل بشيء (السنهوري في الوسيط الجزء السابع المجلد الأول في البنود 306 حتى 308) بما يكشف عن أن الاعتداد بحار الانابة الظاهرة يرجع الى ما ينسب الى الأصيل من مساهمة في خلق المظهر الخارجي الذي خدع الغير، (المرجع السابق في البنود 306 حتى 30) ولكن لما كان اجماع القضاء والفقه على الإقرار بالنيابة الظاهرة إنما يستهدف حماية استقرار المعاملات، وكان اشتراط المظهر الخادع إلى الأصيل لا يوفر هذه الحماية في جميع الصور الجديرة بالحماية، فقد اتجه الرأي الى بناء النيابة الظاهرة على مجرد الحالة الظاهرة دون اشتراط نسبتها إلى الأصيل ما دامت ظروف الحال تكفي لتبرير اقناع الغير بقيام الأنابة وسعتها وقد أخذت بذلك محكمة النقض الفرنسية بدوائرها المجتمعة في حكمها الصادر في 13/12/1962 (يراجع في ذلك جمال مرسی بند 132) وإذا كان يتضح أن الجوهري على كل حال هو حسن نية الغير، فان لازم ذلك أن يتحدد مدى الإنابة الظاهرة بحسن نية الغير، فلا ينصرف اثر التصرف إلى الأصيل متى كان الغير عالماً بانتفاء النيابة أو عدم اتساعها له ولو كانت الحالة الظاهرة تسمح بالقول باتساع النيابة لهذا التصرف في نطاق الإنابة الظاهرة يتحدد بمدى حسن نية الغير لا بمدى ما يمكن نسبه إلى الأصيل من إنابة ظاهرة ( جمال مرسي بند 134) .
نظرية الأوضاع الظاهرة :
إذا كنا قد تعرضنا فيما سلف للانابة الظاهرة، فإن ذلك يقتضي التعرض لنظرية الاوضاع الظاهرة ، وهي أوسع واشمل من النيابة الظاهرة ، ذلك أنهما وان كانتا تشتركان في الاعتداد بالظاهر ولو خالف الحقيقة حماية الاستقرار و المعاملات و تأكيداً للثقة كما تتفقان في نفاذ التصرف في حق الشخص صاحب الحق موضوع التصرف على غير ارادة حقيقية منه ، إلا أنهما تختلفان في آن التصرف في النيابة الظاهرة يبرمه النائب بصفته نائباً عن صاحب الحق موضوع التصرف ولحسابه، أما في نظرية الأوضاع الظاهرة فأن حماية الغير تمتد الى التصرفات التي يظهر فيها من يبرم التصرف بمظهر صاحب الحق ويبرمه باسمه ولحسابه فتقوم نظرية الأوضاع الظاهرة بتصحيح التصرف باعتبار التصرف وكأنه صدر من صاحب المركز الحقيقي، فنظرية الأوضاع الظاهرة تقوم على الاعتداد بالتصرفات التي تصدر من صاحب المركز الظاهر إلى الغير حسن النية، فتجعلها تنتج ذات الآثار التي كانت تنتجها لو أنها صدرت من صاحب المركز الحقيقي مقتی كانت المظاهر العامة من شأنها أن تولد لدى الغير خطأ شائعا بأن صاحب المركز الظاهر هو صاحب الحق فيما أجراه من تصرفات، وهكذا نجد أنفسنا في نطاق نظرية الأوضاع الظاهرة حيال صاحب المركز القانوني الحقيقي أي الذي يخوله أعمال القاعدة القانونية على وجه صحيح التمتع بالحق محل التصرف ، وصاحب مرکز ظاهر وهو شخص وان كان إعمال القاعدة القانونية على وجهها الصحيح لا يخوله التمتع بمكنات وميزات هذا الحق إلا أنه يظهر بمظهر صاحب الحق فيجوز المكنات والميزات التي يخولها الحق ، فيكون له مرکز فعلي يواجه المركز القانوني الصاحب الحق حسبما يعرفه القانون فيضفي عليه حمايته، وإذا كان البادي من النظرة الأولى إلى هذه المواجهة أن القانون يضفي حمايته على صاحب المركز القانوني لأنه وحده الذي تتوافر فيه شروط إعمال القاعدة القانونية التي تنشئ الحق، إلا أن حيازة صاحب المركز الفعلي المكتبات و الميزات التي يخولها هذا الحق وظهوره بأنه صاحب المركز القانوني بما يبرر أقدام الغير على التعامل معه دفع القضاء والفقه إلى صياغة نظرية الأوضاع الظاهرة استقرار المعاملات وتوكيد الثقة فيها وهو هدف يتصل بالصالح العام على نحو يبرر التضحية بمصلحة صاحب المركز القانوني الحقيقي .
وقد اختلف الفقه في تأصيل اقرار تصرف صاحب المركز الظاهر فذهب البعض إلى تلمس اساس ذلك في نظرية النيابة سواء كانت ظاهرة أو ضمنية أو قانونية ، وذهب البعض الى تلمسها في نظرية الصورية، في حين تلمسها البعض في قواعد المسئولية المدنية ولكن الراجح أن الاعتداد بتصرف صاحب المركز الظاهر يجد سنده في الظاهر بمجرده ، فمظهر الحق متى كان معقولاً ينبغي أن ينتج في العلاقة مع الغير نفس الآثار التي ينتجها الحق نفسه ، إذ المظهر المستقر المبرر يصلح في ذاته أساساً قانونياً كافياً لإقرار ونفاذ التصرف الذي أبرمه مع الغير صاحب الوضع الظاهر ، ومن هنا فإن السبب في حماية الغير هو وجود الظاهر، وهذا يكفي دون حاجة الى البحث فيما وراء ذلك أساساً للاعتداد بالتصرف لأنه بحث فلسفي يجاوز حدود القانون.
غير أنه يشترط للاعتداد بالوضع الظاهر توافر أربعة أركان :
الركن الأول : وهو الركن المادي : ويتمثل في العنصر أو العناصر اللازمة للمركز الفعلي لصاحب المركز الظاهر ، فكما أن للمركز القانوني لصاحب حق الملكية مثلاً عناصر يستدل بها عليه كعقد شراء صحيح ، أو حيازة مكناته وممارساتها ، كذلك المركز الفعلي للمالك الظاهر عناصر يستدل بها عليه كعقد باطل أو مزور أو مفسوخ ، أو ممارسته حق الملكية، فالركن المادي للظاهر قد ينحصر في واقعة منشئة أو مقررة للمركز وهي قد تكون تصرفاً إرادياً أو واقعاً مادياً أو قراراً إدارياً أو حكماً قضائياً، ويضاف إلى ذلك حيازة ظاهرة للمركز الفعلي عن طريق مباشرة مكنات أو امتيازات أو سلطات أو صلاحيات واختصاصات بمنحها مركز معين، وهكذا يتضح أن العناصر المكونة للركن المادي الظاهر تأخذ صوراً متعددة فهي قد تكون تصرفاً قانونياً باطلاً أو معدوماً، وقد تكون سنداً مثبتاً لتصرف وهمي كالتصرف المبني على إرادة معدومة أو معيبة أو غير جادة أو صورية ، وقد تكون حكماً قضائياً يتضح بعد ذلك فساده ، أو قراراً إدارياً غير صحيح أو مشوباً أو ملغياً، وقد تتمثل في شهر التصرف او تخلف شهره (يراجع في تفصيل ذلك نعمان جمعة في البنود 14 حتى 17).
الركن الثاني : وهو الركن المعنوي : وهو يشترط توافره فى الغير الذي تعامل مع صاحب المركز الظاهر ويبرر حمايته حيث لا ينسب اليه غش أو سوء قصد أو رغبة في الإضرار بالآخرين، فيكون مثل صاحب الحق كلاهما ضحية للوضع الظاهر، ويتمثل الركن المعنوي في توافر حسن النية المبرر أو المشروع، وحتى يتوافر حسن النية يتعين توافر شرطين أولهما أن يكون المتعامل مع صاحب المركز الظاهر من الغير، وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان أجنبياً عن التصرف أو الواقعة التي انشأت الوضع الظاهر وعن أطراف هذه الواقعة أو ذلك التصرف فلا يعتبر غيراً من ساهم في وجود التصرف أو الواقعة التي أنشأت الوضع الظاهر أو من كان خلفا الصاحب هذا الوضع، فالغير هو الأجنبي عن الظاهر أن الشخص الذي لم يقم ولم يساهم في وجود الوضع الظاهر او استقراره وليس خلفاً عاماً لصاحب الوضع الظاهر ولم يكن ممثلاً له او ممثلاً به في خصوص هذا الوضع ( نعمان جمعة بند 32)، وثانيهما أن يكون هذا الغير حسن النية ويرى البعض أن حسن النية يتمثل في الغلط المبرر المشروع بانتفاء الخطة العمدي وغير العمد لأن الخطأ في کل صورة يتعارض مع حسن النية ويزيله ، ولكننا نرى مع الدكتور نعمان جمعة أن حسن النية في هذا الصدد يتمثل في قصد الالتزام بالحدود التي يفرضها القانون وليس يلزم تحقيق الالتزام بالفعل فقد يقصد الشخص احترام القانون ثم يؤدي سلوكه إلى مخالفته سواء لعدم ادراكه لكل الحقائق الواقعية أو لجهله بحكم القانون ومن ثم يكون سوء النية ه و قصد مخالفة القانون أي الخروج عليه ، وهو موقف عبدي يدخل فيه الغش وقصد الإضرار ولكن لا يدخل فيه الإهمال وعدم الاحتياط ، فإذا انتفى عن الغير سوء النية بهذا المعنى تحقق فيه المقصود بحسن النية في هذا الصدد (نعمان جمعة ص 137) فالغير حسن النية هو شخص يرغب في ابرام تصرف معين يسعى من خلاله إلى الحصول على حق أو ميزة معينة وقد انعقد عزمه على عدم الخروج على حكم القانون، ثم هو يتعامل مع غير ذي صفة قانونية بالنسبة إلى الحق موضوع التصوف، ولكنه لا يعلم بانعدام الصفة ، ولذلك فإن نظرية الأوضاع الظاهرة تتدخل لحمايته مما تقضي به القواعد العامة من عدم الاعتداد بهذا التصرف لصدوره من غير ذي صفة عن طريق تصحيح هذا العيب .
الركن الثالث : هو الغلط الشائع : إذ لا يكفي حسن النية الذاتي لدى الغير بالمعنى المتقدم ، وانما يتعين فوق ذلك أن يشيع الغلط لدى الكافة في شأن المركز الظاهر بالاعتقاد أنه يطابق المركز الحقيقي ومن ثم ليس يكفي ثبوت توهم من تعاقد معه صاحب المركز الظاهر بأنه صاحب المركز الحقيقي ولو تكررت بينهما التعاملات على هذا الأساس وإنما يتعين أن يثبت شيوع هذا الاعتقاد لدى غيره من الكافة بتكرار تعاملهم مع صاحب المركز الظاهر على الأساس نفسه ، ويتضح من ذلك عدم صحة ما ذهب إليه البعض من اعتبار شیوع الغلط أحد عناصر الركن المعنوي وهو حسن نية من تعامل مع صاحب المركز الظاهر (نعمان جمعة بند 39)، وقد اختلف الرأي في تحديد المقصود بالغلط الشائع فاكتفى البعض بالقول بأنه الغلط العام أو الجماعي أي اعتقاد الكافة بحقيقة الظاهر، في حين عرفه البعض بأنه الغلط الذي لا يمكن تفاديه إذ لا يكون في وسع الغير توقعه أو دفعه، بينما عرفه البعض الآخر - وهو ما أشارت إليه محكمة النقض في حكمها الذي ستورده - بأنه الغلط المبرر أو المشروع وهو لا يكون كذلك إذا كان لا يقع فيه غير السذج وذو الغفلة والمهملون لوضوح الحقيقة ، وبمعنى آخر يكون الغلط مبرراً إذا كان الوضع الظاهر مما يخدع الرجل المعتدل المتوسط ، ولكن الدكتور نعمان جمعة يرى أن الأمر في شأن الغلط الشائع مرجعه إلى الركن المادي ، فإن كانت العناصر المكونة لهذا الركن في المركز الظاهر متقنة وقريبة الشبه بالعناصر التي يتكون منها المركز القانوني الحقيقي كان غلط الغير فيها من الغلط الشائع أما إذا كان زيفها ومخالفتها للحقيقة واضحاً ملموساً لم يدخل الغلط فيها في المقصود بالغلط الشائع، والتفرقة بين الظاهر المتقن والظاهر المكشوف معیاره موضوعي ينصب على سند الظاهر ويعتمد على قواعد القانون التي تحكم مثل الوضع الظاهر وعلى العرف والمألوف في التعامل، فالوارث الظاهر يعتبر ظاهرة متقنة إذا كان قريباً للمتوفي في درجة تسمح بالتوريث (نعمان جمعة في البنود 37 حتى 39 ويراجع في البند 41 تطبيقات قضائية) .
والركن الرابع : هو إسهام صاحب المركز الحقيقي بخطأه سلباً أو إيجاباً في ظهور صاحب المركز الظاهر بمظهر صاحب المركز الحقيقي، فإذا توافرت تلك الأركان الأربعة في الوضع الظاهر أنتج أثره في تصحيح التصرف الصادر من صاحب المركز الظاهر، على أن هذا التصحيح يقتصر على العيب الناجم عن صدور التصرف من غير ذي صفة فلا يمتد إلى ما قد يشوب التصرف من عيوب أخرى قد تتصل بالمحل أو بالسبب أو بالارادة ، ومن ثم ينحصر بحث نية الغير في نطاق صفة المتصرف فقط دون أي عنصر آخر من عناصر التصرف التي تبقى خاضعة للقواعد العامة ( نعمان جمعة بند 33).
فإذا أنتج الوضع الظاهر أثره في تصحيح التصرف على النحو السالف اعتبر التصرف صحيحاً من جهة صفة المتصرف، فيحصل بمقتضاه الغير الذي تعامل مع صاحب المركز الظاهر على كافة الحقوق التي يخولها ويلتزم بكافة الالتزامات والأعباء التي يفرضها، ويفقد صاحب المركز القانوني الحقيقي الحق موضوع التصرف، وإن جاز له الرجوع على صاحب المركز الظاهر بالتعويض وهو ما يتوقف هداه على حسن او سوء نية الأخير ، أما بالنسبة الى صاحب المركز الظاهر فإن موقفه حيال صاحب المركز الحقيقي طبقا لقواعد المسئولية المدنية أو الإثراء بلا سبب حسبما أشرنا ، أما عن موقفه حيال الغير الذي تعامل معه فانه يلتزم حياله بكل ما يفرضه التصرف من التزامات كالتسليم وضمان الاستحقاق والتعرض والعيوب وتتحدد مسئوليته وفقاً لقواعد المسئولية العقدية (نعمان جمعة بندی 12، 13).
ويلاحظ اخيراً أن الظاهر وإن كان يقوم بتصحيح التصرف الصادر من صاحب المركز الظاهر من عيب صدوره من غير ذي صفة حماية الاستقرار المعاملات وتوكيداً للثقة فيها، إلا أنه يقوم بدور احتياطي ومن ثم لا يلجأ إليه إلا حيث يستحيل الوصول إلى نفس النتائج بوسيلة قانونية أخرى ، ومن ثم لا لزوم للجوء إليه لتصحيح أعمال الادارة لأنها تعتبر من الأعمال الضرورية اللازمة لحفظ المال فتصح ولو صدرت من الحائز غير المالك ولا لزوم للجوء إليه في شأن بيع المنقول إلى مشتر حسن النية اذ تكفي في حمايته قاعدة أن الحيازة في المنقول سند الملكية كما يتعين قصره على نطاق التصرفات بعوض دون التبرعات اذ في شأن الأخيرة تكون حماية صاحب المركز الحقيقي أولى بالرعاية من الغير المتبرع له ( نعمان جمعة ص 57 ، 58).
وإزاء ذلك عرض الأمر على الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض فانحازت إلى الاعتداد بنظرية الأوضاع الظاهرة . (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة :634)
بمقتضى القواعد العامة في النيابة حسبما يبين من نص المادة 105 من القانون المدني إضافة الحقوق والالتزامات التي تنشأ عن التصرفات التي يبرمها النائب باسم الأصيل إلى هذا الأخير أخذاً بأن إرادة النائب وإن حلت محل إرادة الأصيل إلا أن الأثر القانوني لهذه الإرادة ينصرف إلى شخص الأصيل كما لو كانت الإرادة قد صدرت منه. (التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2014، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء/ الأول صفحة 411
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثلاثون ، الصفحة / 219
ثَانيًا – الْعَاقدَان :
28 - الْمُرَادُ بالْعَاقدَيْن: كُلُّ مَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ، إمَّا أَصَالَةً كَأَنْ يَبيعَ أَوْ يَشْتَريَ لنَفْسه، أَوْ وَكَالَةً كَأَنْ يَعْقدَ نيَابَةً عَن الْغَيْر بتَفْويضٍ منْهُ في حَيَاته، أَوْ وصَايَةً كَمَنْ يَتَصَرَّفُ خلاَفَةً عَن الْغَيْر في شُئُون صغَاره بَعْدَ وَفَاته بإذْنٍ منْهُ أَوْ منْ قبَل الْحَاكم.
وَحَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ لاَ يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ منْ غَيْر عَاقدٍ فَقَدْ جَعَلَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء منْ أَرْكَان الْعَقْد كَمَا تَقَدَّمَ.
وَلكَيْ يَنْعَقدَ الْعَقْدُ صَحيحًا نَافذًا يُشْتَرَطُ في الْعَاقدَيْن مَا يَأْتي:
الأْوَّلُ - الأْهْليَّةُ :
29 - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَاقدُ أَهْلاً للتَّصَرُّف، وَهُوَ: الْبَالغُ الرَّشيدُ فَلاَ يَصحُّ منْ صَغيرٍ غَيْر مُمَيّزٍ وَمَجْنُونٍ وَمُبَرْسَمٍ.
أَمَّا الصَّبيُّ الْمُمَيّزُ فَتَصحُّ عُقُودُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ النَّافعَةُ نَفْعًا مَحْضًا، كَقَبُول الْهبَة وَالصَّدَقَة وَالْوَصيَّة وَالْوَقْف دُونَ حَاجَةٍ إلَى إذْن الْوَليّ، وَلاَ تَصحُّ عُقُودُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ الضَّارَّةُ ضَرَرًا مَحْضًا، كَالْهبَة وَالْوَصيَّة للْغَيْر وَالطَّلاَق وَالْكَفَالَة بالدَّيْن وَنَحْوهَا، وَلَوْ أَجَازَ هَذه التَّصَرُّفَات وَليُّهُ أَوْ وَصيُّهُ. أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الدَّائرَةُ بَيْنَ النَّفْع وَالضَّرَر كَالْبَيْع وَالإْجَارَة وَنَحْوهمَا فَتَصحُّ منَ الصَّبيّ الْمُمَيّز بإجَازَة الْوَليّ، وَلاَ تَصحُّ بدُونهَا عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء: الْحَنَفيَّة وَالْمَالكيَّة وَالْحَنَابلَة.
وَيُشْتَرَطُ عنْدَ الشَّافعيَّة لصحَّة الْبَيْع في الْعَاقد الرُّشْدُ ر: (أَهْليَّة ف 18).
الثَّاني - الْولاَيَةُ.
30 - الْولاَيَةُ: مَأْخُوذَةٌ منَ الْوَلْي، وَهُوَ في اللُّغَة: بمَعْنَى الْقُرْب، وَالْولاَيَةُ: النُّصْرَةُ وَفي الاصْطلاَح: تَنْفيذُ الْقَوْل عَلَى الْغَيْر شَاءَ الْغَيْرُ أَوْ لاَ.
وَلكَيْ يَنْعَقدَ الْعَقْدُ صَحيحًا نَافذًا تَظْهَرُ آثَارُهُ شَرْعًا لاَ بُدَّ في الْعَاقد - بجَانب أَهْليَّة الأْدَاء - أَنْ تَكُونَ لَهُ ولاَيَةُ التَّصَرُّف ليَعْقدَ الْعَقْدَ. وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَح: (ولاَيَة).
الثَّالثُ - الرّضَا وَالاخْتيَارُ :
31 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرّضَا أَسَاسُ الْعُقُود، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالْبَاطل إلاَّ أَنْ تَكُونَ تجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ منْكُمْ).
وَقَالَ صلي الله عليه وسلم : «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ».
وَالرّضَا: سُرُورُ الْقَلْب وَطيبُ النَّفْس. وَهُوَ ضدُّ السَّخَط وَالْكَرَاهَة.
وَعَرَّفَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء: بأَنَّهُ قَصْدُ الْفعْل دُونَ أَنْ يَشُوبَهُ إكْرَاهٌ وَعَرَّفَهُ الْحَنَفيَّةُ: بأَنَّهُ امْتلاَءُ الاخْتيَار، أَيْ بُلُوغُهُ نهَايَتَهُ، بحَيْثُ يُفْضي أَثَرُهُ إلَى الظَّاهر منَ الْبَشَاشَة في الْوَجْه، أَوْ إيثَار الشَّيْء وَاسْتحْسَانه. ر: (رضًا ف 2)
أَمَّا الاخْتيَارُ: فَهُوَ الْقَصْدُ إلَى أَمْرٍ مُتَرَدّدٍ بَيْنَ الْوُجُود وَالْعَدَم دَاخلٍ في قُدْرَة الْفَاعل بتَرْجيح أَحَد الْجَانبَيْن عَلَى الآْخَر ر: (اخْتيَار ف 1).
وَبنَاءً عَلَى هَذه التَّفْرقَة قَالَ الْحَنَفيَّةُ: إنَّ الرّضَا شَرْطٌ لصحَّة الْعُقُود الَّتي تَقْبَلُ الْفَسْخَ وَهيَ الْعُقُودُ الْمَاليَّةُ منْ بَيْعٍ وَإجَارَةٍ وَنَحْوهمَا، فَهيَ لاَ تَصحُّ إلاَّ مَعَ التَّرَاضي، وَقَدْ تَنْعَقدُ الْعُقُودُ الْمَاليَّةُ لَكنَّهَا تَكُونُ فَاسدَةً، كَمَا في بَيْع الْمُكْرَه وَنَحْوه، يَقُولُ الْمَرْغينَانيُّ:... لأنَّ منْ شُرُوط صحَّة هَذه الْعُقُود التَّرَاضي.
فَأَصْلُ الْعُقُود الْمَاليَّة تَنْعَقدُ عنْدَهُمْ بدُون الرّضَا، لَكنَّهَا لاَ تَكُونُ صَحيحَةً، فَيَنْعَقدُ بَيْعُ الْمُخْطئ نَظَرًا إلَى أَصْل الاخْتيَار؛ لأنَّ الْكَلاَمَ صَدَرَ عَنْهُ باخْتيَاره، أَوْ بإقَامَة الْبُلُوغ مَقَامَ الْقَصْد، لَكنْ يَكُونُ فَاسدًا لعَدَم الرّضَا حَقيقَةً، أَمَّا الْعُقُودُ الَّتي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ عنْدَ الْحَنَفيَّة فَالرّضَا لَيْسَ شَرْطًا لصحَّتهَا، فَيَصحُّ عنْدَهُمُ النّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالْعَتَاقُ وَالرَّجْعَةُ وَنَحْوُهَا حَتَّى مَعَ الإْكْرَاه.
أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاء فَتَدُورُ عبَارَاتُهُمْ بَيْنَ التَّصْريح بأَنَّ الرّضَا أَصْلٌ أَوْ أَسَاسٌ أَوْ شَرْطٌ للْعُقُود كُلّهَا، فَلاَ يَنْعَقدُ الْعَقْدُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّق الرّضَا سَوَاءٌ أَكَانَ مَاليًّا أَوْ غَيْرَ مَاليٍّ. ر: (رضًا ف 13)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والأربعون ، الصفحة / 25
نِيَابَة
التَّعْرِيف:
1 - النِّيَابَةُ فِي اللُّغَةِ: جَعْلُ الإْنْسَانِ غَيْرَهُ نَائِبًا عَنْهُ فِي الأْمْرِ .
وَيُقَالُ: نَابَ عَنْهُ فِي هَذَا الأْمْرِ نِيَابَةً: إِذَا قَامَ مَقَامَهُ.
وَالنَّائِبُ: مَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي أَمْرٍ أَوْ عَمَلٍ .
وَالنِّيَابَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: قِيَامُ الإْنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ بِفِعْلِ أَمْرٍ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْوِلاَيَةُ:
2 - الْوِلاَيَةُ فِي اللُّغَةِ، بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ: الْقُدْرَةُ، وَالنُّصْرَةُ، وَالتَّدْبِيرُ، يُقَالُ: هُمْ عَلَى وِلاَيَةٍ أَيْ مُجْتَمِعُونَ فِي النُّصْرَةِ.
وَالْوَلِيُّ هُوَ: الْمُحِبُّ، وَالصَّدِيقُ، وَالنَّصِيرُ أَوِ النَّاصِرُ.
وَقِيلَ: الْمُتَوَلِّي لأِمُورِ الْعَالَمِ وَالْخَلاَئِقِ الْقَائِمُ بِهَا.
وَوَلِيُّ الْيَتِيمِ: الَّذِي يَلِي أَمْرَهُ وَيَقُومُ بِكِفَايَتِهِ.
وَوَلِيُّ الْمَرْأَةِ: الَّذِي يَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا، وَلاَ يَدَعُهَا تَسْتَبِدُّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ دُونَهُ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْوِلاَيَةُ: تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ الْغَيْرُ أَمْ لاَ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالْوِلاَيَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وِلاَيَةُ أُمُورِ الْغَيْرِ فِي أَمْرٍ مِنَ الأْمُورِ.
ب - الإْيصَاءُ:
3 - الإْيصَاءُ فِي اللُّغَةِ - مَصْدَرُ أَوْصَى - يُقَالُ: أَوْصَى فُلاَنٌ بِكَذَا يُوصِي إِيصَاءً، وَالاِسْمُ الْوِصَايَةُ (بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا) وَهُوَ: أَنْ يَعْهَدَ إِلَى غَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ مِنَ الأْمُورِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقِيَامُ بِذَلِكَ الأْمْرِ فِي حَالِ حَيَاةِ الطَّالِبِ أَمْ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ .
أَمَّا فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ، فَالإْيصَاءُ بِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ إِقَامَةُ الإْنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي تَصَرُّفٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، أَوْ فِي تَدْبِيرِ شُئُونِ أَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ وَرِعَايَتِهِمْ، وَذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُقَامُ يُسَمَّى الْوَصِيَّ.
أَمَّا إِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَلاَ يُقَالُ لَهُ فِي الاِصْطِلاَحِ إِيصَاءٌ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ وِكَالَةٌ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالإْيصَاءِ، أَنَّ النِّيَابَةَ أَعَمُّ مِنَ الإْيصَاءِ.
ج - الْقِوَامَةُ:
4 - الْقِوَامَةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ الْقِيَامُ عَلَى الأْمْرِ أَوِ الْمَالِ أَوْ وِلاَيَةُ الأْمْرِ . وَالْقَيِّمُ: هُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَى شُئُونِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَيَلِيهِ، وَيَرْعَاهُ، وَيُصْلِحُ مِنْ شَأْنِهِ، وَمِنْهُ قوله تعالي : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالْقِوَامَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وِلاَيَةُ أُمُورِ الْغَيْرِ.
د - الْوِكَالَةُ:
5 - الْوَكَالَةُ بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ، فِي اللُّغَة أَنْ يَعْهَدَ إِلَى غَيْرِهِ لِيَعْمَلَ لَهُ عَمَلاً.
وَالتَّوْكِيلُ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ إِلَى غَيْرِهِ، وَسُمِّيَ الْوَكِيلُ وَكِيلاً لأِنَّ مُوكِلَهُ قَدْ وَكَلَ إِلَيْهِ الْقِيَامَ بِأَمْرِهِ، فَهُوَ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ الأْمْرُ .
وَالْوَكَالَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا: إِقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامَ نَفْسِهِ تَرَفُّهًا أَوْ عَجْزًا فِي تَصَرُّفٍ جَائِزٍ مَعْلُومٍ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالْوِكَالَةِ أَنَّ النِّيَابَةَ أَعَمُّ مِنَ الْوِكَالَةِ.
أَنْوَاعُ النِّيَابَةِ:
تَتَنَوَّعُ النِّيَابَةُ إِلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَثْبُتُ بِتَوْلِيَةِ الْمَالِكِ (اتِّفَاقِيَّةٌ)، وَنَوْعٌ يَثْبُتُ شَرْعًا لاَ بِتَوْلِيَةِ الْمَالِكِ (شَرْعِيَّةٌ).
أَوَّلاً: النِّيَابَةُ الاِتِّفَاقِيَّةُ (وَهِيَ الْوَكَالَةُ):
6 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ جَائِزَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) . وَمِنْهَا: حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ - رضي الله عنه - «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ» .
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْوَكَالَةِ مُنْذُ عَصْرِ الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِنَا هَذَا. لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وَانْظُرْ تَفْصِيلَ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ فِي مُصْطَلَحِ (وَكَالَة).
ثَانِيًا: النِّيَابَةُ الشَّرْعِيَّةُ:
7 - النِّيَابَةُ الشَّرْعِيَّةُ - وَهِيَ الْوِلاَيَةُ - ثَابِتَةٌ شَرَعًا عَلَى الْعَاجِزِينَ عَنِ التَّصَرُّفِ بِأَنْفُسِهِمْ بِسَبَبِ الصِّغَرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَذَلِكَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.
أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَدْ وَرَدَتْ مِنْهُ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْوِلاَيَةِ، مِنْ ذَلِكَ قوله تعالي : ( وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا ( 5 ) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْكِحُوا الأْيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ) .
فَهَذِهِ الآْيَاتُ خِطَابٌ لِلأْوْلِيَاءِ عَلَى الْمَالِ وَالنَّفْسِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَرَدَتْ فِي شَرْعِيَّةِ الْوِلاَيَةِ، مِنْهَا: قَوْلُ الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم : «لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ» .
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنِ اشْتَجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ» .
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَإِنَّ ثُبُوتَ وِلاَيَةِ النَّظَرِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنِ النَّظَرِ مِنْ بَابِ الإْعَانَةِ عَلَى الْبِرِّ، وَمِنْ بَابِ الإْحْسَانِ، وَمِنْ بَابِ إِعَانَةِ الضَّعِيفِ وَإِغَاثَةِ اللَّهْفَانِ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ عَقْلاً وَشَرْعًا.
وَلأِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ شُكْرِ النِّعْمَةِ وَهِيَ نِعْمَةُ الْقُدْرَةِ، إِذْ شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ عَلَى حَسَبِ هَذِهِ النِّعْمَةِ، فَشُكْرُ نِعْمَةِ الْقُدْرَةِ مَعُونَةُ الْعَاجِزِ، وَشُكْرُ النِّعْمَةِ وَاجِبٌ عَقْلاً وَشَرْعًا فَضْلاً عَنِ الْجَوَازِ .
أَنْوَاعُ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ:
8 - النِّيَابَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ الْوِلاَيَةُ، وَالْوِلاَيَةُ تَتَنَوَّعُ إِلَى نَوْعَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَحَلِّهَا:
وِلاَيَةٌ عَلَى الْمَالِ، وَوِلاَيَةٌ عَلَى النَّفْسِ.
فَالْوِلاَيَةُ عَلَى الْمَالِ هِيَ سُلْطَةُ الْوَلِيِّ عَلَى أَنْ يَعْقِدَ الْعُقُودَ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِأَمْوَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَتَكُونُ تَصَرُّفَاتُهُ وَعُقُودُهُ نَافِذَةً دُونَ الْحَاجَةِ إِلَى إِذْنٍ مِنْ أَحَدٍ.
وَالْوِلاَيَةُ عَلَى النَّفْسِ هِيَ السُّلْطَةُ عَلَى شُئُونِ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِشَخْصِهِ وَنَفْسِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهَا تَزْوِيجُهُ.
وَتُنْظَرُ الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوِلاَيَةِ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى النَّفْسِ فِي مُصْطَلَحِ (وِلاَيَة).
النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَاتِ:
تَتَنَوَّعُ الْعِبَادَاتُ فِي الشَّرْعِ إِلَى أَنْوَاعٍ ثَلاَثَةٍ:
مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ، وَبَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ، وَمُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ.
النَّوْعُ الأْوَّلُ: الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ الْمَحْضَةُ
9 - الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ الْمَحْضَةُ كَالزَّكَاةِ، وَالصَّدَقَاتِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَالنُّذُورِ.
وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْعِبَادَاتِ تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ عَلَى الإْطْلاَقِ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْعِبَادَةُ قَادِرًا عَلَى الأْدَاءِ بِنَفْسِهِ، أَوْ لاَ. وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَالْمَعْقُولِ:
فَمِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) .
وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنَ الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَوَّزَ الْعَمَلَ عَلَى الزَّكَاةِ، وَذَلِكَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَأَمَّا الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا فَهُمُ الْجُبَاةُ، وَالسُّعَاةُ يَسْتَحِقُّونَ مِنْهَا قِسْطًا عَلَى ذَلِكَ .
وَمِنَ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ أَحَادِيثُ مِنْهَا:
مَا وَرَدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: «أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ: إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَك عَلَى تَرْقُوَتِهِ» .
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الأْمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ - وَرُبَّمَا قَالَ: يُعْطِي - مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلاً مُوَفَّرًا طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ» .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: «وَكَّلَنِي النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ» وَحَدِيثُ: «أَعْطَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ غَنَمًا يُقَسِّمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ» .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» .
وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: «اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم رَجُلاً مِنَ الأْسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ» .
وَمِنَ الْمَعْقُولِ: أَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذِهِ الْعِبَادَاتِ إِخْرَاجُ الْمَالِ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ .
وَأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ فَجَازَ أَنْ يُوَكَّلَ فِي أَدَائِهِ كَدُيُونِ الآْدَمِيِّينَ .
النَّوْعُ الثَّانِي: الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ الْمَحْضَةُ:
10 - الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْعِبَادَاتِ لاَ تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ عَلَى الإْطْلاَقِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَالْمَعْقُولِ:
أَمَّا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) . إِلاَّ مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: «لاَ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلاَ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» .
أَيْ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ لاَ فِي حَقِّ الثَّوَابِ، فَإِنَّ مَنْ صَامَ أَوْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ وَجَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ مِنَ الأْمْوَاتِ أَوِ الأْحْيَاءِ جَازَ. وَيَصِلُ ثَوَابُهَا إِلَيْهِمْ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (ثَوَاب ف 10).
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَلأِنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلاَ يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهَا وَلأِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الاِبْتِلاَءُ وَالاِخْتِبَارُ وَإِتْعَابُ النَّفْسِ وَذَلِكَ لاَ يَحْصُلُ بِالتَّوْكِيلِ .
وَأَمَّا النِّيَابَةُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهَا. وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَدَاء ف 15).
النَّوْعُ الثَّالِثِ: الْعِبَادَاتُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ:
11 - الْعِبَادَاتُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ هِيَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ، وَقَابِلِيَّتِهِ لِلنِّيَابَةِ لِلْعُذْرِ الْمَيْئُوسِ مِنْ زَوَالِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ، وَذَهَبَ مَالِكٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي مَذْهَبِهِ، إِلَى أَنَّ الْحَجَّ لاَ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ لاَ عَنِ الْحَيِّ وَلاَ عَنِ الْمَيِّتِ، مَعْذُورًا أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (حَجٍّ ف 114 وَمَا بَعْدَهَا، وَأَدَاءٍ ف 16، وَعِبَادَةٍ ف 7). أَمَّا الْعُمْرَةُ فَتَقْبَلُ النِّيَابَةَ فِي الْجُمْلَةِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عُمْرَةٍ ف 38).
____________________________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 185)
من باشر بطريق الوكالة عن غيره عقد هبة أو صدقة أو إعارة أو إيداع أو رهن أو قرض فإن كان وكيلاً من جهة مريد التمليك يصح العقد على الموكل مطلقاً سواء أضاف الوكيل العقد لموكله أو لنفسه.
وإن كان وكيلاً من جهة طالب التمليك فإن أضاف العقد إلى نفسه يقع العقد له لا للموكل وإن أضاف العقد للموكل العقد للموكل وتتعلق به الحقوق في غير القرض إلا إذا بلغ على سبيل الرسالة.
(مادة 186)
من باشر بالتوكيل عن غيره عقداً من عقود المعاوضات المالية كالبيع والشراء والإجارة والصلح عن إقرار يقع العقد للموكل سواء أضاف الوكيل العقد إلى نفسه أو إلى الموكل.
(مادة 187)
إذا أضاف الوكيل عقد المعاوضة المالية إلى نفسه تعود حقوق العقد كلها إليه فإن كان لبيع أو إجارة أو صلح من جهة المدعى يكون هو المطالب بتسليم ما باعه أو آجره ويكون له المطالبة بالثمن والأجرة وبدل الصلح وإذا استحق المبيع أو المؤجر أو المصالح عنه يكون للمشتري أو المستأجر أو المدعى عليه المصالح الرجوع عليه بالثمن أو الأجرة أو بدل الصلح.
وإن كان وكيلاً بشراء شيء أو استئجاره أو المصالحة عنه من جهة المدعى عليه فله قبض ما اشتراه أو استأجره وعليه دفع ثمنه أو أجرته وبدل ما صالح عنه.
فإن أضاف العقد إلى موكله عادت كل حقوقه على موكله فلا مطالبة للوكيل ولا عليه مما يترتب على العقد من الحقوق والواجبات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1460) إضافة العقد
يلزم أن يضيف الوكيل العقد إلى موكله في الهبة والإعارة والرهن والإيداع والإقراض والشركة والمضاربة والصلح عن إنكار وإن لم يضفه إلى موكله لا يصح.
مادة (1461) عدم اشتراط الإقرار في إضافة العقد
لا تشترط إضافة العقد إلى الموكل في البيع والشراء والإجارة والصلح عن إقرار فإن لم يضفه إلى موكله واكتفى بإضافته إلى نفسه صح أيضاً، وعلى كلتا الصورتين لا تثبت الملكية إلا لموكله ولكن إن لم يضف العقد إلى الموكل تعود حقوق العقد إلى العاقد يعني الوكيل وإن أضيف إلى الموكل تعود حقوق العقد إلى الموكل ويكون الوكيل بهذه الصورة كالرسول. مثلاً لو باع الوكيل بالبيع مال الموكل واكتفى بإضافة العقد إلى نفسه ولم يضفه إلى موكله يكون مجبوراً على تسليم المبيع إلى المشتري وله أن يطلب ويقبض الثمن من المشتري وإذا خرج للمال المشتري مستحق وضبطه بعد الحكم فيرجع المشتري على الوكيل بالبيع يعني يطلب الثمن الذي أعطاه إياه منه والوكيل بالشراء إذا لم يضف العقد إلى موكله على هذا الوجه يقبض المال الذي اشتراه ويجبر على إعطاء ثمنه للبائع من ماله وإن لم يتسلم الثمن من موكله وإذا ظهر عيب قديم في المال المشتري فللوكيل حق المخاصمة لأجل رده ولكن إذا كان الوكيل قد أضاف العقد إلى موكله بأن عقد البيع بقوله بعت بالوكالة عن فلان أو اشتريت لفلان فعلى هذا الحال تعود الحقوق المبينة آنفاً كلها إلى الموكل ويبقى الوكيل في حكم الرسول بهذه الصورة.
مادة (1462) حقوق العقد
تعود حقوق العقد في الرسالة إلى المرسل ولا تتعلق بالرسول أصلا.