loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 105

مذكرة المشروع التمهيدي:

1- يتصور أن يتعاقد الشخص مع نفسه في حالتين، فقد يكون الشخص طرفا في التعاقد لحساب نفسه من ناحية ، ومتعاقد بالنيابة عن الطرف الآخر من ناحية أخرى ، وبذلك يتحقق التعارض بين مصالحه الشخصية ، ومصالح الأصيل، وقد يتعاقد الشخص بصفته نائباً عن الطرفين في آن واحد، وفي هذه الحالة يكون عمله أقرب إلى معنى التحكيم منه إلى معنى النيابة، وغني عن البيان أن مصلحة الأصيل لا تتيسر لها ضمانات الحماية الواجبة في كلتا الحالتين ، ولهذه العلة اعتير تعاقد الشخص مع نفسه قابلا للبطلان لمصلحة الأصيل، ومع ذلك فقد أبيح للأصيل أن يأذن للنائب في التعاقد على هذه الصورة ، أو أن يقر التعاقد بعد حصوله، ومن الواضح أن البطلان المقرر في هذا الشأن قد أنشىء بمقتضى نص خاص .

2 - ويجوز أن تقضي بعض نصوص التشريع أو بعض قواعد التجارة بصحة تعاقد الشخص مع نفسه فمن ذلك إباحة تعامل الولى مع ولده وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وإباحة تعامل الوكيل بالعمولة باسم طرفي التعاقد وفقا لقواعد القانون التجاري .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 161 من المشروع.

فأقرتها اللجنة بعد تعديلات وأصبح نصها  :

,لايجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه سواء أكان التعاقد الحساب هو أم الحساب شخص آخر دون ترخيص من الأصيل ، على أنه يجوز للأصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد كل هذا مع مراعاة ما يخالفه مما قضى به القانون أو قواعد التجارة .

وقدمت تحت رقم 111 في المشروع النهائي بعد استبدال كلة و يقضى ، بكلمة (قضی) ،،

المشروع في مجلس النواب

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 111

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة السادسة

تليت المادة 111 وهذا نصها :

لا يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه سواء أكان التعاقد الحسابه هو أم لحساب شخص آخر دون ترخيص من الأصيل على أنه يجوز للأصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد، كل هذا مع مراعاة ما يخالفه ما يقضى به القانون أو قواعد التجارة

فاستفسر سعادة علوبه باشا عن المقصود بعبارة أم لحساب شخص آخر ، وعن العلة في عدم جواز تعاقد الشخص مع نفسه في الصورتين البيتين في المادة .

فأجاب الدكتور بغدادی أن المقصود من عبارة أم لحساب شخص آخر أن يكون الشخص نائبة عن اثنين وأن العلة في عدم الجواز في رفع الحرج عن النائب لأنه قد تتعارض مصلحته مع واجبه سواء أكانت مصلحته هو أم مصلحة الأصيل ثم ذكر أن النصب على الإجازة واجب لأنها تختلف عن الترخيص وهو سابق على التعاقد أما الإجازة فلاحقة عليه وأنه يخشى إذا لم ينص عليها قيام شبهة على عدم جواز استعمالها فقال سعادة العشماوي باشا إن الإجازة مثل الترخيص فيجب حذف عبارة على أنه يجوز للأصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد ، لأن المشرع أراد بها تصوير الإجازة اللاحقة وهي قاعدة عامة من بدهيات القانون فإذا قلنا دون موافقة الأصيل أغنتنا هذه العبارة عن النص على الترخيص السابق والإجازة اللاحقة.

فأظهر سعادة الرئيس عدم موافقته على ذلك قائلاً : إنه يلاحظ أنه جاء في صدر المادة عبارة ولا يجوز ، وما دام الأمر كذلك فيجب النص على الإجازة اللاحقة .

وقد تساءل سعادة العشماوي باشا عن الجزاء على مخالفة نص هذه المادة فإن لم يمكن البطلان فا هو ؟

فأجاب الدكتور بغدادی بأنه لا يترتبة على المخالفة البطلان وانا لاحتج بالعقد۔ على الأصيل . وأخيرآ تساءل علويه باشا هل الترخيص السابق يغني عن الإجازة اللاحقة فأجيب بالإيجاب من الدكتور بغدادی .

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة بالإجماع على بقاء المادة كما هي  

وأصبح رقم المادة 108.

محضر الجلسة السادسة والستين

 اعترض الدكتور حامد زكي بك على أن القاعدة الواردة في المادة 108 تخالف، القاعدة التقليدية .

قال عبده محرم بك إن القانون يشترط لتمام العقد تقابل إرادتين وإنه في الحالة المنصوص عليها في المادة 108 ليس فيها تقابل إرادتين وإنما هي إرادة واحدة فإما أن يكون الشخص وكيلاً عن اثنين فيكون هناك تضارب في المصالح وإما أن يكون الشخص أصيلاً عن قفسه و وكلا عن غيره فيكون التضارب أكبر - لذلكن نصر على عدم إمكان تعاقد الشخص مع نفسه باسم من ينوب عنه .

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على بقاء المادة كما هي .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة ما أقرتها اللجنة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأحكام

1- إذ كان الثابت فى الدعوى أن الطاعن و هو وكيل للدائنين قد قام بأعمال الدلالة كخبير مثمن بمناسبة بيع البضائع المملوكة للتفليسة و إحتجز جزءاً من الثمن لنفسه كعمولة نظير ذلك و هو ما يعتبر من قبيل التعاقد مع النفس المحظور على الوكيل القيام به ، و كانت جماعة الدائنين لم تجز هذا التصرف فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم إستحقاق الطاعن للمبلغ الذى احتجزه لا يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 514 لسنة 51 جلسة 1987/03/30 س 38 ع 1 ص 509 ق 109) 

2- النص فى المادة 108 من القانون المدنى على أنه " لا يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه بإسم من ينوب عنه سواء كان التعاقد لحسابه هو أم لحساب شخص آخر دون ترخيص من الأصيل " و المادة 706 على أنه " ليس للوكيل أن يستعمل مال الموكل لصالح نفسه " مؤداه منع الحارس قانوناً من إستغلال أموال الحراسة لصالحه بتأجيرها لنفسه .

(الطعن رقم 950 لسنة 46 جلسة 1981/05/09 س 32 ع 2 ص 1407 ق 255)

3- متى كان وفاء الكفيل المتضامنين وفاء صحيحاً لدين قائم فإنه يحق له أن يرجع على باقى الكفلاء المتضامنين معه كل بقدر حصته فى الدين الذى أوفاه للدائن  ويكون هذا الرجوع إما بدعوى الحلول أو بالدعوى الشخصية التى أساسها النيابة التبادلية المفترضة قانوناً بين المتعهدين المتضامنين فى الدين على ما تقرره المادة 108 من القانون المدنى الملغى . وإذ كانت الدعوى الشخصية تقدم على الوكالة المفترضة بين الكفلاء المتضامنين فإنه يتعين فى شأن تقادمها إعمال قواعد التقادم المقررة فى شأن الوكالة وإعتبار مدة التقادم بالنسبة لتلك الدعوى خمسة عشرة سنة تبدأ من تاريخ وفاء الكفيل المتضامن إذ من هذا التاريخ فقط ينشأ حقه فى الرجوع على المتعهدين المتضامنين معه ويصبح هذا الحق مستحق الأداء .

(الطعن رقم 392 لسنة 31 جلسة 1966/02/10 س 17 ع 1 ص 279 ق 37)

4- تقضى المادة 108 من القانون المدنى بأنه " لا يجوز للشخص أن يتعاقد مع نفسه بإسم من ينوب عنه سواء كان التعاقد لحسابه هو أم لحساب شخص آخر دون ترخيص من الأصيل " فإذا حصل التعاقد بغير هذا الترخيص فلا يكون نافذا فى حق الأصيل إلا إذا أجازه ، و قد استثنت المادة من حكمها الأحوال التى يقضى فيها القانون أو قواعد التجارة بصحة هذا التعاقد . فإذا كان الموقع على الإيصال سند الدعوى هو مدير الشركة الطاعنة بوصفه ممثلا لها وقد تضمن هذا الإيصال على ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه إقراره بهذه الصفة باستلام الشركة منه بصفته الشخصية المبلغ المثبت به بصفة وديعة لدى الشركة ، فإن هذا الإقرار يكون متضمنا انعقاد عقد وديعة بين نفسه و بين الشخص الاعتبارى الذى ينوب عنه (الشركه) و هو مالا يجوز عملاً بالمادة 108 سالفة الذكر إلا بترخيص من الشركة أو بإجازتها لهذا التعاقد و بالتالى لا يجوز للمدير أن يرجع على الشركة على أساس عقد الوديعة ، و إذ كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر العبارة المؤشر بها على ظهر الإيصال و الموقع عليها من المدير بصفته الشخصية متضمنة إقرارا منه بملكية سيدة ما لقيمة تلك الوديعة و كان هذا الإقرار منصبا على ذات الوديعة المشار إليها فى صلب السند فإن الإقرار المذكور لا يكون من شأنه أن يرتب بذاته فى ذمة الشركة التزاما جديدا مستقلا عن الالتزام الناشىء عن عقد الوديعة و إنما يستمد ذلك الإقرار أثره من هذا العقد و بالتالى يدور معه وجودا و عدما ، و من ثم فإن عدم نفاذ عقد الوديعة فى حق الشركة الطاعنة يستتبع أن يكون الإقرار المذكور غير ملزم لها .

(الطعن رقم 28 لسنة 29 جلسة 1963/12/19 س 14 ع 3 ص 1173 ق 169)

5- ليس ما يمنع فى القانون من أن يكون البائع وكيلا بالعمولة و لم يحرم القانون إجتماع الصفتين فى شخص واحد حتى مع وحدة البضاعة و وحدة المشترى . و لا يغير من الأمر شيئا ألا يكون الوكيل بالعمولة قد قبض أجره لأن إنعقاد الوكالة أمر مستقل عن قبض أجرها .

(الطعن رقم 379 لسنة 22 جلسة 1956/06/28 س 7 ع 2 ص 767 ق 108)

6- لا يستطيع الوصى وفقا لقانون المجالس الحسبية الصادر فى سنة 1925 أن يستأجر أموال القاصر إلا بإذن المجلس الحسبى فإذا كان الإيجار قد إنعقد قبل تنصيبه وصياً فإن التعارض فى المصلحة بين القاصر و وصيه يصدق على مرحلة تنفيذ العقد كما يصدق عليه إبتداء .

(الطعن رقم 8 لسنة 25 جلسة 1956/03/29 س 7 ع 1 ص 440 ق 64)

7- متى قررت محكمة الموضوع أن مديناً متضامناً قام بتسوية الدين و نزع ملكية أطيان المدينين الآخرين و شرائها بالمزاد لنفسه و أنه أوفى مقابل التسوية لحسابهم جميعاً و من المال المشترك ، فان النيابة التبادلية فى الالتزامات التضامنية أو الوكالة الضمنية التى قررتها تلك المحكمة فى هذه الحالة تمنع من إضافة الملك إلى الوكيل أو النائب الراسى عليه المزاد بل و يعتبر رسو المزاد كأنه لم يكن إلا فى خصوص إنهاء علاقة الدائن بالمدينين المنزوعة ملكيتهم.

(الطعن رقم 345 لسنة 21 جلسة 1956/02/09 س 7 ع 1 ص 168 ق 23)

8- إن تحريم تعاقد الشخص مع نفسه إنما يقوم على قرينة قانونية هي أن الشخص إذا وكل عنه غيره في التعاقد فهو لا يقصد التوسع في هذه الوكالة إلى حد أن يبيح للوكيل أن يتعاقد مع نفسه لما في ذلك من تعارض في المصالح، لأنه لو قصد ذلك لتعاقد معه مباشرة دون حاجة إلى توكيل فإذا ما تعاقد الوكيل مع نفسه بالرغم من ذلك كان مجاوزا حدود الوكالة ويكون شأنه شأن كل وكيل جاوز حدود وكالته فلا يكون عمله نافذا في حق الموكل إلا إذا أجازه. والقرينة القانونية المذكورة قابلة لإثبات العكس فيجوز للأصيل أن ينقضها وأن يرخص مقدما للوكيل في التعاقد مع نفسه وفي هذه الحالة يعمل الوكيل في حدود وكالته إذا تعاقد مع نفسه ويكون عمله نافذا في حق الأصيل".

(طعن رقم 476 لسنة 48 ق جلسة2/4/1981 - غير منشور)

شرح خبراء القانون

تعاقد النائب مع نفسه :

يتم تعاقد الشخص مع نفسه في صورتين، الأولى، أن يبرم تصرفاً بالأصالة عن نفسه من جهة ونائباً عن الطرف الآخر من جهة أخرى كأن يشتري ما عهد إليه بيعه، أما الصورة الثانية، فهي التي يبرم فيها العقد نائباً عن الطرفين، كأن يبرم عقد البيع نائباً عن كل من البائع والمشتري.

 والأصل، أن الشخص لا يجوز له أن يتعاقد مع نفسه إلا في الحالات التي أجاز القانون فيها ذلك أو جرى بها العرف، على أنه إذا خالف الشخص ذلك، فتعاقد مع نفسه في غير الحالات الجائز فيها مثل هذا التعاقد، فإنه يكون متجاوزاً حدود نيابته مما يترتب عليه عدم نفاذ تعاقده في حق الأصيل إلا إذا أقره أو كان قد فوض النائب في إبرامه ، ويختلف عدم النفاذ عن البطلان إذ أن البطلان  المطلق لا ترد عليه الادارة، كما أن البطلان النسبي  قاصر على أحد المتعاقدين المطلق أحد المتعاقدين من حيث الاجازة " أنظر بالنسبة لشراء النائب ما عهد إليه ببيعه المادة 479 " .

وتنحصر الاستثناءات الواردة على هذا الأصل فيما نصت المادة 479 مدني في شأن البيع ، وما نصت عليه المادة 31 من قانون الولاية علي المال رقم 119 لسنة 1952 التي أوجبت تعيين وصي خاص إذا ما تعارضت مصلحة القاصر مع  مصلحة الوصي أو زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو مع من يمثله الوصي وفي حالة يراء عقد عن عقود المعاوضة أو تعديله أو فسخه أو إبطال الغاؤه بين  القاصر وبين الوصي أو أحد المذكورين فيما تقدم، ويتم تعيين الوصي الخاص بموجب طلب يقدم لقاضي الأحوال الشخصية للولاية على المال ليأمر بتعيينه لمباشرة الإجراء الوارد بالطلب ومن الاستثناءات أيضاً ما نصت عليه المادة 14 من القانون سالف الذكر بأن الأب أن يتعاقد مع نفسه بإسم القاصر سواء أكان ذلك لحسابه أو لحساب شخص آخر إلا إذا نص القانون على غير ذلك كما أجازت المادتين 6 و 9  من ذات القانون للولي أن يتصرف في عقار القاصر لنفسه أو أن يفترض مال القاصر على أن يكون ذلك بإذن المحكمة، كما أجازت المادة 39 للوصی أن يستأجر مال القاصر بإذن المحكمة أنظر م 118 .

كما جرت قواعد التجارة على جواز أن يتعاقد الوكيل بالعمولة مع نفسه نيابة عن طرفي التعاقد ومثله  سمسار الأوراق المالية في البورصة . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني  الصفحة/455)

حظر تعاقد النائب مع نفسه :

حظرت المادة على الشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه، سواء أكان العقد لحسابه هو أم لحساب شخص آخر، دون ترخيص من الأصيل فللتعاقد مع النفس المحظور صورتان :

الصورة الأولى، أن يكون الشخص طرفا في التعاقد لحساب نفسه من ناحية، وتعاقداً بالنيابة عن الطرف الآخر من ناحية أخرى ومثل ذلك أن يهب الأب بصفته الشخصية ماله لابنه، ثم يقبل الهبة بصفته ولياً عنه، أو أن يبرم مدير الشركة بصفته شخصية عقد وديعة مع الشركة نفسها باعتباره ممثلها القانوني.

والصورة الثانية، أن يبرم الشخص العقد بصفته نائباً عن كل من طرفيه، كما لو مع الأب مال أحد أبنائه ثان له، بصفته ولياً عن الاثنين.

وفي الصورة الأولى يتحقق التعارض بين مصالح الشخص ومصالح الأصيل مما يخشى معه أن يضحي العاقد بمصلحة الأصيل في سبيل مصلحته.

وفي الصورة الثانية يكون عمل الشخص أقرب إلى معنى التحكيم منه إلى معنى تبية ومصلحة الأصيل لا تتيسر لها ضمانات الحماية الواجبة، إذ يخشى التضحية بمصالح أحد الطرفين .

 عدم نفاذ التعاقد في حق الأصيل

للعلة التي ذكرناها في البلد السابق، اعتبر تعاقد النائب مع نفسه بدون ترخيص من الأصيل غير نافذ في حق الأصيل، لأنه إذا تعاقد النائب مع نفسه، ولم يكن ذلك مسموحاً به قانوناً اعتبر أنه في تعاقده هذا خارجاً عن حدود نيابته، ومن ثم لا يكون التصرف نافذاً في حق الأصيل، كالشأن في أي تصرف يتجاوز فيه النائب حدود نيابته ولوجود قرينة قانونية هي أن الشخص إذا وكل غيره عنه في التعاقد فهو لا يقصد بذلك أن يبيح للوكيل أن يتعاقد مع نفسه لما في ذلك من تعارض في المصالح ولأنه لو قصد ذلك التعاقد معه مباشرة دون حاجة إلى توكيل .

وقد نصت المادة على أنه يجوز للأصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد- وعلى ذلك إذا أقر الأصيل التصرف الذي قام به النائب مجاوزاً حدود نيابته، فإن التصرف ينفذ في حقه. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/139)

فالأصل إذن أن تعاقد الشخص مع نفسه لا يجوز ، سواء في ذلك تعاقد الشخص لحساب نفسه كما إذا كان موكلاً في بيع مال فاشتراه لنفسه أو تعاقد لحساب غيره وهو نائب عن طرفي العقد كما لو كان موكلاً في بيع مال فاشتراه لشخص وكله في الشراء، ذلك أنه يتحكم بإرادته وحده في مصلحتين متعارضتين ، وهذا التعارض في الحالة الثانية لم يحسب حسابه أحد من الأصيلين ، وهو في الحالة الأولى تعارض مع مصلحته الشخصية ذاتها ، فلا تتيسر الحماية الواجبة لمصلحة الأصيل في كلتا الحالتين .

وهناك رأي يذهب إلى أن تعاقد الشخص مع نفسه في القانون الجديد قابل للإبطال لمصلحة الأصيل ولذلك ترد عليه الإجازة ، وقد تقرر هذا بمقتضى نص خاص وقد كنا من القائلين بهذا الرأي وقررناه في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي  ولكن تبينا بعد التأمل أن تحريم تعاقد الشخص مع نفسه إنما يقوم على قرينة قانونية هي أن الشخص إذا أناب عن غيره في التعاقد فهو لا يقصد التوسع في هذه الإنابة إلى أن يبيح للنائب أن يتعاقد مع نفسه أصيلاً أو نائباً عن شخص آخر ، لما ينجم عن هذا الموقف من تعارض في المصالح فإذا ما تعاقد النائب مع نفسه بالرغم من ذلك كان مجاوزاً لحدود النيابة ، يكون شأنها شأن كل وكيل جاوز حدود نيابته ، فلا يكون عمله نافذاً في حق الأصيل إلا إذا أجازه وهذا ما يقضي به صراحة نص المادة 108 .

على أن هذه القرينة القانونية قابلة لإثبات العكس ، فيجوز للأصيل أن ينقضها وأن يرخص مقدماً للنائب في التعاقد مع نفسه وفي هذه الحالة يعمل النائب في حدود نيابته إذا تعاقد مع نفسه ، يكون عمله نافذاً في حق الأصيل وهذا ما صرحت به أيضاً المادة 108 سالفة الذكر .

وتنقض هذه القرينة القانونية كذلك إذا وجد نص فى القانون أو قضت قواعد التجارة بجواز تعاقد الشخص مع نفسه مثل النص القانوني ما قضى به قانون الولاية على المال فى المادة 14 منه من أن للأب أن يتعاقد مع نفسه باسم القصر سواء أكان ذلك لحسابه هو أم لحساب شخص آخر إلا إذا نص القانون على غير ذلك . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول  الصفحة/258)

 ويبين من هذا النص باديء الأمر أنه يعتبر الأصل عدم جواز تعاقد الشخص منع نفسه، دون تفرقة في ذلك بين حالة الشخص الذي يتعاقد لحساب نفسه وحالة من يتعاقد لحساب غيره وينوب عن طرفي العقد، وأن هذا الأصل ترد عليه استثناءات بنص القانون أو بمقتضى قواعد التجارة .

ويعتبر كذلك تطبيقاً لهذا الأصل ما نصت عليه المادة 31 من القانون رقم 119 لسنة 1952 الخاص بالولاية على المال حيث أوجبت في فقرتیها (ب) و (ج) أن تقيم المحكمة وصياً خاصاً تحدد مهمته وذلك في أحوال معينة منها حالة ما « إذا تعارضت مصلحة القاصر مع مصلحة الوصي أو زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو مع من يمثله الوصي » ، وفي حالة « ابرام عقد من عقود المعاوضة أو تعديله أو فسخه أو ابطاله أو الغائه بين القاصر وبين الوصي أو أحد من المذكورين  فيما تقدم » . (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقص، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/  الثاني  الصفحة/ 246)

فالأصل أنه يمتنع تمثيل شخص واحد لطرفي العقد الأصليين بأن يبرم العقد نائباً عن كل منهما أو أن يبرمه أصالة عن نفسه ونائباً عن الآخر أو أن يكون ممثلاً قانونياً للشخصين اعتباريين ويبرم العقد بينهما نيابة عنهما (حمدي عبد الرحمن ص 179- السنهوري بند 97 وراجع فيه تكييف جزاء مخالفة النص بين اعتبار التصرف قابلاً للإبطال لمصلحة الأصيل أو اعتباره غير نافذ في حقه إلا إذا أجازه - الصده في المصادر بند 127 ويراجع فيه التطبيقات التشريعية في عقد البيع وقانون الولاية علي المال) . (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة 687 )

 

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثامن   ، الصفحة /  115

تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ:

18 - تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِصُورَتَيْنِ:

الأْولَى: إِذَا ارْتَفَعَ مَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ فَهَلْ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا

الثَّانِيَةُ: أَنْ تُؤَدِّيَ صِيغَةُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ إِلَى مَعْنَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ.

19 - أَمَّا الصُّورَةُ الأْولَى: فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ لاَ يَصِيرُ الْعَقْدُ الْبَاطِلُ صَحِيحًا عِنْدَهُمْ إِذَا ارْتَفَعَ مَا يُبْطِلُهُ. وَعَلَى ذَلِكَ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ، وَالزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالْبَذْرِ فِي الْبِطِّيخِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ؛ لأِنَّ هُ لاَ يُعْلَمُ وُجُودُهُ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ، حَتَّى لَوْ سُلِّمَ اللَّبَنُ أَوِ الدَّقِيقُ أَوِ الْعَصِيرُ لاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا؛ لأِنَّ  الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ  كَالْمَعْدُومِ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَلاَ يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُ الْعَقْدِ بِدُونِهِ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلاً، فَلاَ يَحْتَمِلُ التَّصْحِيح.

أَمَّا الْجُمْهُورُ (وَهُمْ لاَ يُفَرِّقُونَ فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ) فَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ كَالْحَنَفِيَّةِ، لاَ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ الْبَاطِلُ صَحِيحًا بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ.

فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ حَذَفَ الْعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ، وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ، لَمْ يَنْقَلِبِ الْعَقْدُ صَحِيحًا؛ إِذْ لاَ عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ.

وَفِي مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ: الْفَاسِدُ لاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنَّهُمْ يُوَافِقُونَ الْجُمْهُورَ فِي هَذَا الْحُكْمِ، إِلاَّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطٍ لاَ يُؤَدِّي إِلَى الإْخْلاَلِ بِشَيْءٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا إِذَا أُسْقِطَ الشَّرْطُ، وَذَلِكَ كَبَيْعِ الثُّنْيَا، وَهُوَ أَنْ يَبْتَاعَ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ فَالسِّلْعَةُ لَهُ، وَكَالْبَيْعِ بِشَرْطِ السَّلَفِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ عِنْدَهُمْ يَكُونُ فَاسِدًا، لَكِنَّهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا إِنْ حُذِفَ الشَّرْطُ.

أَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ تَحَوُّلُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ إِلَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ، فَيَكَادُ الْفُقَهَاءُ يَتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ تَحْوِيلُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ إِلَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ - لِتَوَفُّرِ أَسْبَابِ الصِّحَّةِ فِيهِ - صَحَّ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الصِّحَّةُ عَنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، أَمْ عَنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْبَعْضِ الآْخَرِ؛ نَظَرًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي قَاعِدَةِ: هَلِ الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا.

21 - وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا يَأْتِي:

الْمُضَارَبَةُ، وَهِيَ: أَنْ يَدْفَعَ شَخْصٌ إِلَى آخَرَ مَالَهُ لِيَتَّجِرَ فِيهِ، وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ، وَيُسَمَّى الْقَائِمُ بِالتِّجَارَةِ مُضَارِبًا، فَلَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْمُضَارِبِ لَمْ يَكُنْ مُضَارَبَةً، وَلَكِنْ يَكُونُ قَرْضًا، تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ؛ لأِنَّ هُ لَوْ بَقِيَ مُضَارَبَةً لَكَانَ بَاطِلاً؛ لأِنَّ  الْمُضَارِبَ لاَ يَمْلِكُ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ حَتَّى يَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لَهُ، فَجُعِلَ قَرْضًا؛ نَظَرًا لِلْمَعْنَى، لِيَصِحَّ الْعَقْدُ.

وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، اعْتُبِرَ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِبْضَاعًا، تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ الْمُضَارِبُ وَكِيلاً مُتَبَرِّعًا لِصَاحِبِ الْمَالِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ.

وَبِهِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَصَحَّحُوا الْوَكَالَةَ إِذَا عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، وَالْحَوَالَةَ إِذَا عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ؛ لاِشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى، حَيْثُ قَالُوا: إِنْ أَحَالَ مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ رَجُلاً عَلَى رَجُلٍ آخَرَ مَدِينٍ لَهُ، لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّصَرُّفُ حَوَالَةً، بَلْ وَكَالَةً تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا، وَإِنْ أَحَالَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَاحِبَ الدَّيْنِ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، لَمْ يُجْعَلْ هَذَا التَّصَرُّفُ حَوَالَةً، بَلِ اقْتِرَاضًا.

وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَحَالَهُ لاَ دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ اعْتُبِرَ وَكَالَةً فِي الاِقْتِرَاضِ.

وَفِي الْفِقْهِ الشَّافِعِيِّ: إِذَا وَهَبَ شَخْصٌ لآِخَرَ شَيْئًا بِشَرْطِ الثَّوَابِ، اعْتُبِرَ هَذَا التَّصَرُّفُ بَيْعًا بِالثَّمَنِ لاَ هِبَةً، فِي أَصَحِّ الأْقْوَالِ.

الْبَاطِلُ لاَ يَصِيرُ صَحِيحًا بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ:

22 - التَّصَرُّفَاتُ الْبَاطِلَةُ لاَ تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِنَفَاذِ التَّصَرُّفَاتِ الْبَاطِلَةِ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ وَعَوْدَتِهِ يُعْتَبَرُ قَائِمًا فِي نَفْسِ الأْمْرِ، وَلاَ يَحِلُّ لأِحَدٍ الاِنْتِفَاعُ بِحَقِّ غَيْرِهِ نَتِيجَةَ تَصَرُّفٍ بَاطِلٍ مَا دَامَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ. فَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لاَ يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً.

هَذَا هُوَ الأْصْلُ، وَالْقُضَاةُ إِنَّمَا يَقْضُونَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ أَدِلَّةٍ وَحُجَجٍ يَبْنُونَ عَلَيْهَا أَحْكَامَهُمْ، وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِ الأْمْرِ.

وَلِذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  فِيمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْهُ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِمَا أَسْمَعُ، وَأَظُنُّهُ صَادِقًا، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».

23 - وَمُضِيِّ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ عَلَى أَيِّ تَصَرُّفٍ، مَعَ عَدَمِ تَقَدُّمِ أَحَدٍ إِلَى الْقَضَاءِ بِدَعْوَى بُطْلاَنِ هَذَا التَّصَرُّفِ، رُبَّمَا يَعْنِي صِحَّةَ هَذَا التَّصَرُّفِ أَوْ رِضَى صَاحِبِ الْحَقِّ بِهِ. وَمِنْ هُنَا نَشَأَ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِهَا بِحَسَبِ الأْحْوَالِ، وَبِحَسَبِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَبِحَسَبِ الْقَرَابَةِ وَعَدَمِهَا، وَمُدَّةِ الْحِيَازَةِ، لَكِنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ الَّتِي تَمْنَعُ سَمَاعَ الدَّعْوَى لاَ أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ، إِنْ كَانَ بَاطِلاً. يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ: الْحَقُّ لاَ يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، قَذْفًا أَوْ قِصَاصًا أَوْ لِعَانًا أَوْ حَقًّا لِلْعَبْدِ.

وَيَقُولُ: يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، إِلاَّ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: لَوْ قَضَى بِبُطْلاَنِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِالتَّقَادُمِ.

وَفِي التَّكْمِلَةِ لاِبْنِ عَابِدِينَ: مِنَ الْقَضَاءِ الْبَاطِلِ: الْقَضَاءُ بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ سِنِينَ. ثُمَّ يَقُولُ. عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ ثَلاَثِينَ سَنَةً، أَوْ بَعْدَ الاِطِّلاَعِ عَلَى التَّصَرُّفِ، لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى بُطْلاَنِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مَنْعٍ لِلْقَضَاءِ عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى، مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ لِصَاحِبِهِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ يَلْزَمُهُ.

وَفِي مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأِنَّ هَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ، فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ.

وَالْمَالِكِيَّةُ - وَإِنْ كَانُوا يَشْتَرِطُونَ لِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى حِيَازَةَ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ مُدَّةً تَخْتَلِفُ بِحَسَبِهِ مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ - إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْمُدَّعِي حَاضِرًا مُدَّةَ حِيَازَةِ الْغَيْرِ، وَيَرَاهُ يَقُومُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالتَّصَرُّفِ وَهُوَ سَاكِتٌ. أَمَّا إِذَا كَانَ يُنَازِعُهُ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ لاَ تُفِيدُ شَيْئًا مَهْمَا طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَفِي فَتْحِ الْعَلِيِّ لِمَالِكٍ: رَجُلٌ اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضٍ بَعْدَ مَوْتِ أَهْلِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، مَعَ وُجُودِ وَرَثَتِهِمْ، وَبَنَاهَا وَنَازَعَهُ الْوَرَثَةُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مَنْعِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ رُؤَسَاءِ بَلْدَتِهِمْ، فَهَلْ لاَ تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا؟ أُجِيبَ: نَعَمْ. لاَ تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا... سَمِعَ يَحْيَى مِنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ عُرِفَ بِغَصْبِ أَمْوَالِ النَّاسِ لاَ يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ مَالَ غَيْرِهِ فِي وَجْهِهِ، فَلاَ يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، وَإِنْ طَالَ بِيَدِهِ أَعْوَامًا إِنْ أَقَرَّ بِأَصْلِ الْمِلْكِ لِمُدَّعِيهِ، أَوْ قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ؛ لأِنَّ  الْحِيَازَةَ لاَ تُوجِبُ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا هِيَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ تُوجِبُ تَصْدِيقَ غَيْرِ الْغَاصِبِ فِيمَا ادَّعَاهُ مَنْ تَصِيرُ إِلَيْهِ؛ لأِنَّ  الظَّاهِرَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ، وَهُوَ حَاضِرٌ لاَ يَطْلُبُهُ وَلاَ يَدَّعِيهِ، إِلاَّ وَقَدْ صَارَ إِلَى حَائِزَةٍ إِذَا حَازَهُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوَهَا.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني عشر ، الصفحة / 58

تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ :

11-  الْفُقَهَاءُ عَدَا الْحَنَفِيَّةَ لاَ يُفَرِّقُونَ فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْعَقْدَ لاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ. فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ حَذَفَ الْعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ - وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ - لَمْ يَنْقَلِبِ الْعَقْدُ صَحِيحًا، إِذْ لاَ عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ .

وَفِي الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ: لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِفَهُ أَوْ يُقْرِضَهُ، أَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ وَالْعَقْدُ بَاطِلٌ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو  رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ   صلي الله عليه وسلم  نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» . وَلأِنَّهُ  اشْتَرَطَ عَقْدًا فِي عَقْدٍ فَفَسَدَ كَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ؛ وَلأِنَّهُ  إِذَا اشْتَرَطَ الْقَرْضَ زَادَ فِي الثَّمَنِ لأِجْلِهِ، فَتَصِيرُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ عِوَضًا عَنِ الْقَرْضِ وَرِبْحًا لَهُ، وَذَلِكَ رِبًا مُحَرَّمٌ، فَفَسَدَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ؛ وَلأِنَّهُ  بَيْعٌ فَاسِدٌ فَلاَ يَعُودُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ ثُمَّ تَرَكَ أَحَدَهُمَا .

وَفِي بَابِ الرَّهْنِ قَالَ: لَوْ بَطَلَ الْعَقْدُ لَمَا عَادَ صَحِيحًا .

وَفِي شَرْحِ منتهى الإرادات: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَصِحُّ الْعَقْدُ إِذَا حُذِفَ الشَّرْطُ الْمُفْسِدُ لِلْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْطًا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، أَمْ كَانَ شَرْطًا يُخِلُّ بِالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، إِلاَّ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ مَعَهَا وَلَوْ حُذِفَ الشَّرْطُ، وَهِيَ:

أ - مَنِ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى أَنَّهُ إِنْ مَاتَ فَالثَّمَنُ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، فَإِِنَّهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَلَوْ أَسْقَطَ هَذَا الشَّرْطَ لأِنَّهُ  غَرَرٌ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ: إِنْ مَاتَ فَلاَ يُطَالِبُ الْبَائِعُ وَرَثَتَهُ بِالثَّمَنِ.

ب - شَرْطُ مَا لاَ يَجُوزُ مِنْ أَمَدِ الْخِيَارِ، فَيَلْزَمُ فَسْخُهُ وَإِنْ  أَسْقَطَ لِجَوَازِ كَوْنِ إِسْقَاطِهِ أَخْذًا بِهِ.

ج - مَنْ بَاعَ أَمَةً وَشَرَطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ لاَ يَطَأَهَا، وَأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ فَهِيَ حُرَّةٌ، أَوْ عَلَيْهِ دِينَارٌ مَثَلاً، فَيُفْسَخُ وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ لأِنَّهُ  يَمِينٌ.

د - شَرْطُ الثُّنْيَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ.

وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ شَرْطًا خَامِسًا وَهُوَ:

هـ - شَرْطُ النَّقْدِ (أَيْ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ) فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَسْقَطَ شَرْطَ النَّقْدِ فَلاَ يَصِحُّ .

وَفِي الإْجَارَةِ  جَاءَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: تَفْسُدُ الإجَارَةُ بِالشَّرْطِ الَّذِي يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَمَحَلُّ الْفَسَادِ إِنْ لَمْ يُسْقِطَ الشَّرْطَ، فَإِنْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ صَحَّتْ .

وَيُوَضِّحُ ابْنُ رُشْدٍ سَبَبَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ أَوْ عَدَمِ صِحَّتِهِ. فَيَقُولُ: هَلْ إِذَا لَحِقَ الْفَسَادُ بِالْبَيْعِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْطِ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ إِذَا ارْتَفَعَ الشَّرْطُ، أَوْ لاَ يَرْتَفِعُ؟ كَمَا لاَ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ اللاَّحِقُ لِلْبَيْعِ الْحَلاَلِ مِنْ أَجْلِ اقْتِرَانِ الْمُحَرَّمِ الْعَيْنَ بِهِ، كَمَنْ بَاعَ غُلاَمًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَزِقِّ خَمْرٍ، فَلَمَّا عَقَدَ الْبَيْعَ قَالَ: أَدَّعِ الزِّقَّ. وَهَذَا الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِإِجْمَاعٍ.

وَهَذَا أَيْضًا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ آخَرَ. هُوَ: هَلْ هَذَا الْفَسَادُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرُ مَعْقُولٍ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، لَمْ يَرْتَفِعِ الْفَسَادُ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ. وَإِنْ  قُلْنَا: مَعْقُولٌ، ارْتَفَعَ الْفَسَادُ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ.

فَمَالِكٌ رَآهُ مَعْقُولاً، وَالْجُمْهُورُ رَأَوْهُ غَيْرَ مَعْقُولٍ، وَالْفَسَادُ الَّذِي يُوجَدُ فِي بُيُوعِ الرِّبَا وَالْغَرَرِ هُوَ أَكْثَرُ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ لَيْسَ يَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ أَصْلاً، وَإِنْ  تُرِكَ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَارْتَفَعَ الْغَرَرُ .

12-وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ - خِلاَفًا لِزُفَرَ - تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، بِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ دُونَ الْبَاطِلِ، وَيَقُولُونَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ: إِنَّ ارْتِفَاعَ الْمُفْسِدِ فِي الْفَاسِدِ يَرُدُّهُ صَحِيحًا، لأِنَّ  الْبَيْعَ قَائِمٌ مَعَ الْفَسَادِ، وَمَعَ الْبُطْلاَنِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِصِفَةِ الْبُطْلاَنِ، بَلْ كَانَ مَعْدُومًا.

وَعِنْدَ زُفَرَ: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ.

لَكِنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا. يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: الأْصْلُ  عِنْدَنَا أَنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى  الْفَسَادِ، فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا بِأَنْ دَخَلَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ - وَهُوَ الْبَدَلُ أَوِ الْمُبْدَلُ - لاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، كَمَا إِذَا بَاعَ عَبْدًا بأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، فَحَطَّ الْخَمْرَ عَنِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فَاسِدٌ وَلاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا.

وَإِنْ  كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بَلْ فِي شَرْطٍ جَائِزٍ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَمْ يُوَقَّتْ، أَوْ وُقِّتَ إِلَى  وَقْتٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ، أَوْ لَمْ يُذْكُرِ الْوَقْتُ، وَكَمَا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى  أَجَلٍ مَجْهُولٍ، فَإِذَا أَسْقَطَ الأْجَلَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ قَبْلَ حُلُولِهِ وَقَبْلَ فَسْخِهِ جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، وَلَوْ كَانَ إِسْقَاطُ الأْجَلِ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ.

وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ بِسَبَبِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ بِالْبَائِعِ فِي التَّسْلِيمِ إِذَا سَلَّمَ الْبَائِعَ بِرِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ - كَمَا إِذَا بَاعَ جِذْعًا لَهُ فِي سَقْفٍ، أَوْ آجُرًّا لَهُ فِي حَائِطٍ، أَوْ ذِرَاعًا فِي دِيبَاجٍ - أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأِنَّهُ  لاَ يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ إِلاَّ بِالنَّزْعِ وَالْقَطْعِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْبَائِعِ، وَالضَّرَرُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ، فَكَانَ هَذَا عَلَى التَّقْدِيرِ بَيْعُ مَا لاَ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ شَرْعًا، فَيَكُونُ فَاسِدًا. فَإِنْ نَزَعَهُ الْبَائِعُ أَوْ قَطَعَهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى  الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ جَازَ الْبَيْعُ؛ لأِنَّ  الْمَانِعَ مِنَ الْجَوَازِ ضَرَرُ الْبَائِعِ بِالتَّسْلِيمِ، فَإِذَا سَلَّمَ بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ، فَجَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ .

وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ طِبْقًا لِقَاعِدَةِ: إِذَا زَالَ الْمَانِعُ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي عَادَ الْحُكْمُ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ. وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَالزَّرْعُ وَالنَّخْلُ فِي الأْرْضِ، وَالتَّمْرُ فِي النَّخِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاعِ؛ لأِنَّ هَا مَوْجُودَةٌ، وَامْتِنَاعُ الْجَوَازِ لِلاِتِّصَالِ، فَإِذَا فَصَّلَهَا وَسَلَّمَهَا جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ .

وَمِثْلُ ذَلِكَ: إِذَا رَهَنَ الأْرْضَ بِدُونِ الْبِنَاءِ، أَوْ بِدُونِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ، أَوْ رَهَنَ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ بِدُونِ الأْرْضِ، أَوْ رَهَنَ الشَّجَرَ بِدُونِ الثَّمَرِ، أَوْ رَهَنَ الثَّمَرَ بِدُونِ الشَّجَرِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ  الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ، وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ. وَلَوْ جُذَّ الثَّمَرُ وَحُصِدَ الزَّرْعُ وَسُلِّمَ مُنْفَصِلاً جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ .

 تَصْحِيحُ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِهِ عَقْدًا آخَرَ :

13-هَذَا، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إِذَا أَمْكَنَ تَحْوِيلُهُ إِلَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ لِتَوَافُرِ أَسْبَابِ الصِّحَّةِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الصِّحَّةُ عَنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، أَمْ عَنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْبَعْضِ الآْخَرِ نَظَرًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي قَاعِدَةِ (هَلِ الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا).

وَنُوَضِّحُ ذَلِكَ بِالأْمْثِلَةِ الآْتِيَةِ:

14-فِي الأْشْبَاهِ لاِبْنِ نُجَيْمٍ: الاِعْتِبَارُ لِلْمَعْنَى لاَ لِلأْلْفَاظِ، صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا: الْكَفَالَةُ، فَهِيَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الأْصِيلِ حَوَالَةً، وَهِيَ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَتِهِ كَفَالَةً .

وَفِي الاِخْتِيَارِ: شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَتَسَاوَى الشَّرِيكَانِ فِي التَّصَرُّفِ وَالدَّيْنِ وَالْمَالِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ.. فَلاَ تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، فَإِذَا عَقَدَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ الْمُفَاوَضَةَ صَارَتْ عِنَانًا عِنْدَهُمَا، لِفَوَاتِ شَرْطِ الْمُفَاوَضَةِ وَوُجُودِ شَرْطِ الْعِنَانِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فَاتَ مِنْ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ  يُجْعَلُ عِنَانًا إِذَا أَمْكَنَ، تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِمَا بِقَدْرِ الإْمْكَانِ .

وَفِي الاِخْتِيَارِ أَيْضًا: عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ، إِنْ شُرِطَ فِيهِ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ فَهُوَ قَرْضٌ؛ لأِنَّ  كُلَّ رِبْحٍ لاَ يُمْلَكُ إِلاَّ بِمِلْكِ رَأْسِ الْمَالِ، فَلَمَّا شُرِطَ لَهُ جَمِيعُ الرِّبْحِ فَقَدْ مَلَّكَهُ رَأْسَ الْمَالِ، وَإِنْ  شُرِطَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ كَانَ إِبْضَاعًا، وَهَذَا مَعْنَاهُ عُرْفًا وَشَرْعًا .

وَجَاءَ فِي مِنَحِ الْجَلِيلِ: مَنْ أَحَالَ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَأَعْلَمَ الْمُحَالَ، صَحَّ عَقْدُ الْحَوَالَةِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ تَصِحَّ، وَتَنْقَلِبُ حَمَالَةً أَيْ كَفَالَةً.  

وَفِي أَشْبَاهِ السُّيُوطِيِّ: هَلِ الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا؟ خِلاَفٌ. التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ فِي الْفُرُوعِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: إِذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا عَلَى أَلْفٍ. إِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ فَسَدَ وَلاَ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ، وَإِنْ  قُلْنَا: عِتْقٌ بِعِوَضٍ، صَحَّ وَوَجَبَ الْمُسَمَّى. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ، فَهُوَ إِقَالَةٌ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَخَرَّجَهُ السُّبْكِيُّ عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَالتَّخْرِيجُ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ: إِنِ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى فَإِقَالَةٌ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثلاثون  ، الصفحة /  219

ثَانيًا – الْعَاقدَان :

28 - الْمُرَادُ بالْعَاقدَيْن: كُلُّ مَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ، إمَّا أَصَالَةً كَأَنْ يَبيعَ أَوْ يَشْتَريَ لنَفْسه، أَوْ وَكَالَةً كَأَنْ يَعْقدَ نيَابَةً عَن الْغَيْر بتَفْويضٍ منْهُ في حَيَاته، أَوْ وصَايَةً كَمَنْ يَتَصَرَّفُ خلاَفَةً عَن الْغَيْر في شُئُون صغَاره بَعْدَ وَفَاته بإذْنٍ منْهُ أَوْ منْ قبَل الْحَاكم.

وَحَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ لاَ يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ منْ غَيْر عَاقدٍ فَقَدْ جَعَلَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء منْ أَرْكَان الْعَقْد كَمَا تَقَدَّمَ.

وَلكَيْ يَنْعَقدَ الْعَقْدُ صَحيحًا نَافذًا يُشْتَرَطُ في الْعَاقدَيْن مَا يَأْتي:

الأْوَّلُ - الأْهْليَّةُ :

29 - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَاقدُ أَهْلاً للتَّصَرُّف، وَهُوَ: الْبَالغُ الرَّشيدُ فَلاَ يَصحُّ منْ صَغيرٍ غَيْر مُمَيّزٍ وَمَجْنُونٍ وَمُبَرْسَمٍ.

أَمَّا الصَّبيُّ الْمُمَيّزُ فَتَصحُّ عُقُودُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ النَّافعَةُ نَفْعًا مَحْضًا، كَقَبُول الْهبَة وَالصَّدَقَة وَالْوَصيَّة وَالْوَقْف دُونَ حَاجَةٍ إلَى إذْن الْوَليّ، وَلاَ تَصحُّ عُقُودُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ الضَّارَّةُ ضَرَرًا مَحْضًا، كَالْهبَة وَالْوَصيَّة للْغَيْر وَالطَّلاَق وَالْكَفَالَة بالدَّيْن وَنَحْوهَا، وَلَوْ أَجَازَ هَذه التَّصَرُّفَات وَليُّهُ أَوْ وَصيُّهُ. أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الدَّائرَةُ بَيْنَ النَّفْع وَالضَّرَر كَالْبَيْع وَالإْجَارَة وَنَحْوهمَا فَتَصحُّ منَ الصَّبيّ الْمُمَيّز بإجَازَة الْوَليّ، وَلاَ تَصحُّ بدُونهَا عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء: الْحَنَفيَّة وَالْمَالكيَّة وَالْحَنَابلَة.

وَيُشْتَرَطُ عنْدَ الشَّافعيَّة لصحَّة الْبَيْع في الْعَاقد الرُّشْدُ ر: (أَهْليَّة ف 18).

الثَّاني - الْولاَيَةُ.

30 - الْولاَيَةُ: مَأْخُوذَةٌ منَ الْوَلْي، وَهُوَ في اللُّغَة: بمَعْنَى الْقُرْب، وَالْولاَيَةُ: النُّصْرَةُ وَفي الاصْطلاَح: تَنْفيذُ الْقَوْل عَلَى الْغَيْر شَاءَ الْغَيْرُ أَوْ لاَ.

وَلكَيْ يَنْعَقدَ الْعَقْدُ صَحيحًا نَافذًا تَظْهَرُ آثَارُهُ شَرْعًا لاَ بُدَّ في الْعَاقد - بجَانب أَهْليَّة الأْدَاء - أَنْ تَكُونَ لَهُ ولاَيَةُ التَّصَرُّف ليَعْقدَ الْعَقْدَ. وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَح: (ولاَيَة).

الثَّالثُ - الرّضَا وَالاخْتيَارُ :

31 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرّضَا أَسَاسُ الْعُقُود، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالْبَاطل إلاَّ أَنْ تَكُونَ تجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ منْكُمْ).

وَقَالَ صلي الله عليه وسلم  : «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ».

وَالرّضَا: سُرُورُ الْقَلْب وَطيبُ النَّفْس. وَهُوَ ضدُّ السَّخَط وَالْكَرَاهَة.

وَعَرَّفَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء: بأَنَّهُ قَصْدُ الْفعْل دُونَ أَنْ يَشُوبَهُ إكْرَاهٌ وَعَرَّفَهُ الْحَنَفيَّةُ: بأَنَّهُ امْتلاَءُ الاخْتيَار، أَيْ بُلُوغُهُ نهَايَتَهُ، بحَيْثُ يُفْضي أَثَرُهُ إلَى الظَّاهر منَ الْبَشَاشَة في الْوَجْه، أَوْ إيثَار الشَّيْء وَاسْتحْسَانه. ر: (رضًا ف 2)

أَمَّا الاخْتيَارُ: فَهُوَ الْقَصْدُ إلَى أَمْرٍ مُتَرَدّدٍ بَيْنَ الْوُجُود وَالْعَدَم دَاخلٍ في قُدْرَة الْفَاعل بتَرْجيح أَحَد الْجَانبَيْن عَلَى الآْخَر ر: (اخْتيَار ف 1).

وَبنَاءً عَلَى هَذه التَّفْرقَة قَالَ الْحَنَفيَّةُ: إنَّ الرّضَا شَرْطٌ لصحَّة الْعُقُود الَّتي تَقْبَلُ الْفَسْخَ وَهيَ الْعُقُودُ الْمَاليَّةُ منْ بَيْعٍ وَإجَارَةٍ وَنَحْوهمَا، فَهيَ لاَ تَصحُّ إلاَّ مَعَ التَّرَاضي، وَقَدْ تَنْعَقدُ الْعُقُودُ الْمَاليَّةُ لَكنَّهَا تَكُونُ فَاسدَةً، كَمَا في بَيْع الْمُكْرَه وَنَحْوه، يَقُولُ الْمَرْغينَانيُّ:... لأنَّ  منْ شُرُوط صحَّة هَذه الْعُقُود التَّرَاضي.

فَأَصْلُ الْعُقُود الْمَاليَّة تَنْعَقدُ عنْدَهُمْ بدُون الرّضَا، لَكنَّهَا لاَ تَكُونُ صَحيحَةً، فَيَنْعَقدُ بَيْعُ الْمُخْطئ نَظَرًا إلَى أَصْل الاخْتيَار؛ لأنَّ  الْكَلاَمَ صَدَرَ عَنْهُ باخْتيَاره، أَوْ بإقَامَة الْبُلُوغ مَقَامَ الْقَصْد، لَكنْ يَكُونُ فَاسدًا لعَدَم الرّضَا حَقيقَةً، أَمَّا الْعُقُودُ الَّتي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ عنْدَ الْحَنَفيَّة فَالرّضَا لَيْسَ شَرْطًا لصحَّتهَا، فَيَصحُّ عنْدَهُمُ النّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالْعَتَاقُ وَالرَّجْعَةُ وَنَحْوُهَا حَتَّى مَعَ الإْكْرَاه.

أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاء فَتَدُورُ عبَارَاتُهُمْ بَيْنَ التَّصْريح بأَنَّ الرّضَا أَصْلٌ أَوْ أَسَاسٌ أَوْ شَرْطٌ للْعُقُود كُلّهَا، فَلاَ يَنْعَقدُ الْعَقْدُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّق الرّضَا سَوَاءٌ أَكَانَ مَاليًّا أَوْ غَيْرَ مَاليٍّ. ر: (رضًا ف 13).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني والأربعون  ، الصفحة / 25 

نِيَابَة

التَّعْرِيف:

1 - النِّيَابَةُ فِي اللُّغَةِ: جَعْلُ الإْنْسَانِ  غَيْرَهُ نَائِبًا عَنْهُ فِي  الأْمْرِ .

وَيُقَالُ: نَابَ عَنْهُ فِي هَذَا  الأْمْرِ  نِيَابَةً: إِذَا قَامَ مَقَامَهُ.

وَالنَّائِبُ: مَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي أَمْرٍ أَوْ عَمَلٍ .

وَالنِّيَابَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: قِيَامُ الإْنْسَانِ  عَنْ غَيْرِهِ بِفِعْلِ أَمْرٍ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْوِلاَيَةُ:

2 - الْوِلاَيَةُ فِي اللُّغَةِ، بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ: الْقُدْرَةُ، وَالنُّصْرَةُ، وَالتَّدْبِيرُ، يُقَالُ: هُمْ عَلَى وِلاَيَةٍ أَيْ مُجْتَمِعُونَ فِي النُّصْرَةِ.

وَالْوَلِيُّ هُوَ: الْمُحِبُّ، وَالصَّدِيقُ، وَالنَّصِيرُ أَوِ النَّاصِرُ.

وَقِيلَ: الْمُتَوَلِّي لأِمُورِ  الْعَالَمِ وَالْخَلاَئِقِ الْقَائِمُ بِهَا.

وَوَلِيُّ الْيَتِيمِ: الَّذِي يَلِي أَمْرَهُ وَيَقُومُ بِكِفَايَتِهِ.

وَوَلِيُّ الْمَرْأَةِ: الَّذِي يَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا، وَلاَ يَدَعُهَا تَسْتَبِدُّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ دُونَهُ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْوِلاَيَةُ: تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ الْغَيْرُ أَمْ لاَ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالْوِلاَيَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وِلاَيَةُ أُمُورِ الْغَيْرِ فِي أَمْرٍ مِنَ الأْمُورِ.

ب - الإْيصَاءُ:

3 - الإْيصَاءُ فِي اللُّغَةِ - مَصْدَرُ أَوْصَى - يُقَالُ: أَوْصَى فُلاَنٌ بِكَذَا يُوصِي إِيصَاءً، وَالاِسْمُ الْوِصَايَةُ (بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا) وَهُوَ: أَنْ يَعْهَدَ إِلَى غَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ مِنَ الأْمُورِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقِيَامُ بِذَلِكَ  الأْمْرِ  فِي حَالِ حَيَاةِ الطَّالِبِ أَمْ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ .

أَمَّا فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ، فَالإْيصَاءُ بِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ إِقَامَةُ الإْنْسَانِ  غَيْرَهُ مَقَامَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي تَصَرُّفٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، أَوْ فِي تَدْبِيرِ شُئُونِ أَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ وَرِعَايَتِهِمْ، وَذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُقَامُ يُسَمَّى الْوَصِيَّ.

أَمَّا إِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَلاَ يُقَالُ لَهُ فِي الاِصْطِلاَحِ إِيصَاءٌ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ وِكَالَةٌ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالإْيصَاءِ، أَنَّ النِّيَابَةَ أَعَمُّ مِنَ الإْيصَاءِ.

ج - الْقِوَامَةُ:

4 - الْقِوَامَةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ الْقِيَامُ عَلَى  الأْمْرِ  أَوِ الْمَالِ أَوْ وِلاَيَةُ  الأْمْرِ . وَالْقَيِّمُ: هُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَى شُئُونِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَيَلِيهِ، وَيَرْعَاهُ، وَيُصْلِحُ مِنْ شَأْنِهِ، وَمِنْهُ قوله تعالي : (  الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) .

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالْقِوَامَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وِلاَيَةُ أُمُورِ الْغَيْرِ.

د - الْوِكَالَةُ:

5 - الْوَكَالَةُ بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ، فِي اللُّغَة أَنْ يَعْهَدَ إِلَى غَيْرِهِ لِيَعْمَلَ لَهُ عَمَلاً.

وَالتَّوْكِيلُ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ إِلَى غَيْرِهِ، وَسُمِّيَ الْوَكِيلُ وَكِيلاً لأِنَّ  مُوكِلَهُ قَدْ وَكَلَ إِلَيْهِ الْقِيَامَ بِأَمْرِهِ، فَهُوَ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ الأْمْرُ  .

وَالْوَكَالَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا: إِقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامَ نَفْسِهِ تَرَفُّهًا أَوْ عَجْزًا فِي تَصَرُّفٍ جَائِزٍ مَعْلُومٍ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالْوِكَالَةِ أَنَّ النِّيَابَةَ أَعَمُّ مِنَ الْوِكَالَةِ.

أَنْوَاعُ النِّيَابَةِ:

تَتَنَوَّعُ النِّيَابَةُ إِلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَثْبُتُ بِتَوْلِيَةِ الْمَالِكِ (اتِّفَاقِيَّةٌ)، وَنَوْعٌ يَثْبُتُ شَرْعًا لاَ بِتَوْلِيَةِ الْمَالِكِ (شَرْعِيَّةٌ).

أَوَّلاً: النِّيَابَةُ الاِتِّفَاقِيَّةُ (وَهِيَ الْوَكَالَةُ):

6 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ جَائِزَةٌ فِي الْجُمْلَةِ  وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) . وَمِنْهَا: حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ - رضي الله عنه - «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ» .

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْوَكَالَةِ مُنْذُ عَصْرِ الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم  إِلَى يَوْمِنَا هَذَا. لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وَانْظُرْ تَفْصِيلَ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ فِي مُصْطَلَحِ (وَكَالَة).

ثَانِيًا: النِّيَابَةُ الشَّرْعِيَّةُ:

7 - النِّيَابَةُ الشَّرْعِيَّةُ - وَهِيَ الْوِلاَيَةُ - ثَابِتَةٌ شَرَعًا عَلَى الْعَاجِزِينَ عَنِ التَّصَرُّفِ بِأَنْفُسِهِمْ بِسَبَبِ الصِّغَرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَذَلِكَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَدْ وَرَدَتْ مِنْهُ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْوِلاَيَةِ، مِنْ ذَلِكَ قوله تعالي : (  وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا ( 5 ) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْكِحُوا الأْيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ) .

فَهَذِهِ الآْيَاتُ خِطَابٌ لِلأْوْلِيَاءِ عَلَى الْمَالِ وَالنَّفْسِ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَرَدَتْ فِي شَرْعِيَّةِ الْوِلاَيَةِ، مِنْهَا: قَوْلُ الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم : «لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ» .

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنِ اشْتَجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ» .

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَإِنَّ ثُبُوتَ وِلاَيَةِ النَّظَرِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنِ النَّظَرِ مِنْ بَابِ الإْعَانَةِ عَلَى الْبِرِّ، وَمِنْ بَابِ الإْحْسَانِ، وَمِنْ بَابِ إِعَانَةِ الضَّعِيفِ وَإِغَاثَةِ اللَّهْفَانِ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ عَقْلاً وَشَرْعًا.

وَلأِنَّ  ذَلِكَ مِنْ بَابِ شُكْرِ النِّعْمَةِ وَهِيَ نِعْمَةُ الْقُدْرَةِ، إِذْ شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ عَلَى حَسَبِ هَذِهِ النِّعْمَةِ، فَشُكْرُ نِعْمَةِ الْقُدْرَةِ مَعُونَةُ الْعَاجِزِ، وَشُكْرُ النِّعْمَةِ وَاجِبٌ عَقْلاً وَشَرْعًا فَضْلاً عَنِ الْجَوَازِ .

أَنْوَاعُ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ:

8 - النِّيَابَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ الْوِلاَيَةُ، وَالْوِلاَيَةُ تَتَنَوَّعُ إِلَى نَوْعَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَحَلِّهَا:

وِلاَيَةٌ عَلَى الْمَالِ، وَوِلاَيَةٌ عَلَى النَّفْسِ.

فَالْوِلاَيَةُ عَلَى الْمَالِ هِيَ سُلْطَةُ الْوَلِيِّ عَلَى أَنْ يَعْقِدَ الْعُقُودَ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِأَمْوَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَتَكُونُ تَصَرُّفَاتُهُ وَعُقُودُهُ نَافِذَةً دُونَ الْحَاجَةِ إِلَى إِذْنٍ مِنْ أَحَدٍ.

وَالْوِلاَيَةُ عَلَى النَّفْسِ هِيَ السُّلْطَةُ عَلَى شُئُونِ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِشَخْصِهِ وَنَفْسِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهَا تَزْوِيجُهُ.

وَتُنْظَرُ الأْحْكَامُ  الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوِلاَيَةِ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى النَّفْسِ فِي مُصْطَلَحِ (وِلاَيَة).

النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَاتِ:

تَتَنَوَّعُ الْعِبَادَاتُ فِي الشَّرْعِ إِلَى أَنْوَاعٍ ثَلاَثَةٍ:

مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ، وَبَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ، وَمُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ.

النَّوْعُ الأْوَّلُ: الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ الْمَحْضَةُ

9 - الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ الْمَحْضَةُ كَالزَّكَاةِ، وَالصَّدَقَاتِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَالنُّذُورِ.

وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْعِبَادَاتِ تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ عَلَى الإْطْلاَقِ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْعِبَادَةُ قَادِرًا عَلَى الأْدَاءِ  بِنَفْسِهِ، أَوْ لاَ. وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَالْمَعْقُولِ:

فَمِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) .

وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنَ الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَوَّزَ الْعَمَلَ عَلَى الزَّكَاةِ، وَذَلِكَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَأَمَّا الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا فَهُمُ الْجُبَاةُ، وَالسُّعَاةُ يَسْتَحِقُّونَ مِنْهَا قِسْطًا عَلَى ذَلِكَ .

وَمِنَ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ أَحَادِيثُ مِنْهَا:

مَا وَرَدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: «أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ: إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَك عَلَى تَرْقُوَتِهِ» .

وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الأْمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ - وَرُبَّمَا قَالَ: يُعْطِي - مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلاً مُوَفَّرًا طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ» .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: «وَكَّلَنِي النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ»  وَحَدِيثُ: «أَعْطَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ غَنَمًا يُقَسِّمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ» .

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما  - قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» .

وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: «اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  رَجُلاً مِنَ الأْسْدِ  عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ» .

وَمِنَ الْمَعْقُولِ: أَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذِهِ الْعِبَادَاتِ إِخْرَاجُ الْمَالِ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ .

وَأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ فَجَازَ أَنْ يُوَكَّلَ فِي أَدَائِهِ كَدُيُونِ الآْدَمِيِّينَ .

النَّوْعُ الثَّانِي: الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ الْمَحْضَةُ:

10 - الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْعِبَادَاتِ لاَ تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ عَلَى الإْطْلاَقِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَالْمَعْقُولِ:

أَمَّا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) . إِلاَّ مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ  لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما  -: «لاَ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلاَ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» .

أَيْ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ لاَ فِي حَقِّ الثَّوَابِ، فَإِنَّ مَنْ صَامَ أَوْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ وَجَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ مِنَ الأْمْوَاتِ  أَوِ الأْحْيَاءِ جَازَ. وَيَصِلُ ثَوَابُهَا إِلَيْهِمْ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (ثَوَاب ف 10).

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَلأِنَّ  هَذِهِ الْعِبَادَةَ تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلاَ يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهَا  وَلأِنَّ  الْمَقْصُودَ مِنْهَا الاِبْتِلاَءُ وَالاِخْتِبَارُ وَإِتْعَابُ النَّفْسِ وَذَلِكَ لاَ يَحْصُلُ بِالتَّوْكِيلِ .

وَأَمَّا النِّيَابَةُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهَا. وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَدَاء ف 15).

النَّوْعُ الثَّالِثِ: الْعِبَادَاتُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ:

11 - الْعِبَادَاتُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ هِيَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ، وَقَابِلِيَّتِهِ لِلنِّيَابَةِ لِلْعُذْرِ الْمَيْئُوسِ مِنْ زَوَالِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ، وَذَهَبَ مَالِكٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي مَذْهَبِهِ، إِلَى أَنَّ الْحَجَّ لاَ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ لاَ عَنِ الْحَيِّ وَلاَ عَنِ الْمَيِّتِ، مَعْذُورًا أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (حَجٍّ ف 114 وَمَا بَعْدَهَا، وَأَدَاءٍ ف 16، وَعِبَادَةٍ ف 7). أَمَّا الْعُمْرَةُ فَتَقْبَلُ النِّيَابَةَ فِي الْجُمْلَةِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عُمْرَةٍ ف 38).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والأربعون  ، الصفحة /  39 

عَدَمُ بَيْعِ الْوَكِيلِ لِنَفْسِهِ:

77 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْقَيْدِ عَلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ، لأِنَّ الْعُرْفَ فِي الْبَيْعِ بَيْعُ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِهِ فَحُمِلَتِ الْوَكَالَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَلأِنَّهُ يَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ.

وَعَلَّلَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ هَذَا الْحُكْمَ بِأَنَّ الْوَاحِدَ لاَ يَكُونُ مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا، وَقَالُوا: لَوْ أَمَرَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي الأْصَحِّ: يَتَوَلَّى الْوَكِيلُ طَرَفَيِ الْعَقْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِذَا انْتَفَتِ التُّهْمَةُ كَأَبِ الصَّغِيرِ.

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنَ الْمَنْعِ مَا إِذَا تَنَاهَتِ الرَّغَبَاتُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ فَيَجُوزُ.

الرَّأْيُ الثَّانِي: عَنِ الإْمَامِ  أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ: يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ إِذَا زَادَ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ، أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَبِيعُ وَكَانَ هُوَ أَحَدَ الْمُشْتَرِينَ، لأِنَّهُ بِذَلِكَ يَحْصُلُ غَرَضُ الْمُوَكِّلِ مِنَ الثَّمَنِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ لأِجْنَبِيٍّ.

وَفِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: أَنَّ الْجَوَازَ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ.

الثَّانِي: أَنْ يَتَوَلَّى النِّدَاءَ غَيْرُهُ.

قَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي وَاجِبًا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلاَمِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا.

الرَّأْيُ الثَّالِثُ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ إِنْ لَمْ يُحَابِ نَفْسَهُ .

_______________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

( مادة ۹۳)

لا يجوز ان يتعاقد مع نفسه  باسم من ينوب عنه ، سواء اكان التعاقد لحسابه ام لحساب شخص اخر ، دون ترخيص من الاصيل ، فاذا وقع هذا التعاقد ، كان موقوف على اجازة الاصيل وهذا مع مراعاة ما يخالفه مما يقضى به القانون او قواعد التجارة

هذه المادة تقابل المادة 108 من التقنين الحالي التي تنص على انه لا يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه ، سواء اكان التعاقد لحسابه أم لحساب شخص آخر دون ترخيص من الاصيل على أنه يجوز للاصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد كل هذا مع مراعاة مايخالفه مما يقضي به القانون او قواعد التجارة ،

وقد عدلت هذه المادة على النحو المذكور في المتن ، وذلك أخذا بفكرة لعقد الموقوف المعروف في الفقه الاسلامي والعقد الموقوف ينشأ صحيحا ، ولكنه لا ينتج لآثاره فتظل هذه الأثار موقوفة الى ان ينقضي العقد فيبطل أو تلحقه الإجازة فينفذ : فاذا تعاقد الغائب مع أنفسه انعقد العقد موقوفا على أجازة الأصيل ، وذلك على اساس ان الغائب قد جاوز حدود نیابته . فاذا اجاز الأصيل العقد نفذ ، واذا لم يجزه بظل.

والمادة المقترحة يقابل المادة 115 من التقنين الأردني التي تطابق المادة 108 من التنين المصري الحالى .

و تقابل المادة 62 من التقنين الكويت التي تتفق في حكمها مع المادة ۱۰۸ من التقنين المصري الحالي حيث تنص على أنه لا يجوز للنائب بدون اذن خاص ، أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه، ولو اجرى هذه التعاقد لحساب ش خص آخر غيره . فأذا حصل منه ذلك كله ما لم يقض كان تصرفه غير نافذ في مواجهة الأصيل ، ما لم يحصل اقراره ، وذلك كله ما لم يقض القانون او عرف التجارة بما يخالفه

 أما التقنين العراقي فلم يزد فيه نص عام في هذا الموضوع، وانما أكتفى الشارع فيه بتحريم التعاقد مع النفس في حالات معينة ،

كذلك لم يرد في الفقه الاسلامی قاعده عامة في هذا الخصوص وإنما اقتصر الأمر فيه على تحريم التعاقد مع النفس في حالات معينة ( انظر المادتين 1488 و 1496 من المجلة ، والمواد 363 - 366 من مرشد الحيران ) .