مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 115
المشروع التمهيدي
لا مقابل لها.
المشروع في لجنة المراجعة
اقترح إضافة هذه المادة في المشروع النهائي بالنص الآتي:
1- إذا كان الصی مجزا وكان غير مصاب بجنون أو عنه كانت تصرفاته المالية صحيحة متى كانت نافعة نفعاً محضاً و باطلة متى كانت ضارة ضرراً محضاً .
2- أما التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر فتكون قابلة للإبطال المصلحة القاصر ويزول حق التمسك بالأبطال إذا أجاز القاصر التصرف بعد بلوغه سن الرشد أو إذا صدرت الإجازة من وليه أو من المحكمة بحسب الأحوال وفقاً للقانون .
وأصبح رقم المادة 114 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 114 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة السادسة
تليت المادة 114 وهذا نصها:
1- صحيحة متى كانت نافعة نفعاً حضاً وباطلة متى كانت ضارة ضررة محضة.
2- أما التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر فتكون قابلة للإبطال المصلحة القاصر ويزول حق التمسك بالإبطال إذا أجاز القاصر التصرف بعد بلوغه سن الرشد أو إذا صدرت الإجازة من وليه أو من المحكمة بحسب الأحوال وفقاً للقانون .
قاعترض سعادة الرئيس على إيراد عبارة ، وكان غير مصاب بجنون أو عته واقترح حذفها ما دام المشرع قد أفرد لأحكام الجنون والعته مواد أخرى .
قرار اللجنة :
وافقت اللجنة على المادة مع حذف عبارة , وكان غير مصاب بجنون أو عته من الفقرة الأولى منها.
والعلة في ذلك أن الجنون والعته لها أحكام خاصة تنطبق في جميع الأحوال والصور.
تقرير اللجنة :
حذفت من الفقرة الأولى عبارة ، وكان غير مصاب بجنون أوعته لأن في المادة 114 ما يغني عن إيرادها .
وأصبح رقم المادة 111.
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
1- النص فى المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال - مؤداه أن الولي إذا تنازل عن حقوق القاصر المشمول بولايته دون إذن من المحكمة يكون متجاوزاً حدود نيابته ولا تنصرف آثاره إلى القاصر، فلا يجوز للولي دون إذن المحكمة التنازل عن حق القاصر الشخصي فى الإنتفاع بالعين المؤجرة الناشئ عن إمتداد عقد الإيجار بحكم القانون.
(الطعن رقم 5235 لسنة 61 جلسة 1999/05/26 س 50 ع 1 ص 732 ق 144)
2- إستصدار إذن محكمة الأحوال الشخصية للنائب عن ناقص الأهلية ليس بشرط للتعاقد أو التصرف إنما قصد به على ما جرى به قضاء هذه المحكمة إلى رعاية حقوق ناقص الأهلية و المحافظة على أموالهم بالنسبة لتصرفات معينة و لهم وحدهم بعد بلوغهم سن الرشد الحق فى إبطال هذه التصرفات .
(الطعن رقم 1370 لسنة 50 جلسة 1984/03/25 س 35 ع 1 ص 803 ق 153)
3- إجازة التعاقد الباطل بإعتبارها تصرفاً قانونياً يتضمن إسقاطاً لحق . لا يملكها ناقص الأهلية .
(الطعن رقم 429 لسنة 49 جلسة 1980/03/12 س 31 ع 1 ص 806 ق 159)
4- ثبوت القصر عند التعاقد كاف لقبول دعوى الإبطال و لو تجرد التصرف الدائن بين النفع و الضرر من أى غبن مهما كان مقدار إفادة القاصر منه و لو لم يعلن القاصر قصره للمتعاقد الآخر أو أخفى حالته عنه أو أدعى كذباً بلوغه سن الرشد . و سواء كان هذا المتعاقد يعلم بحالة القصر أو يجهلها .
(الطعن رقم 429 لسنة 49 جلسة 1980/03/12 س 31 ع 1 ص 806 ق 159)
5- النص فى المادتين 62 ، 64 من القانون رقم 119 لسنة 1952 و فى الفقرة الثانية من المادة 111 من القانون المدنى يدل على أن القاصر المأذون يعتبر كامل الأهلية فيما إذن فيه ، و أما التصرفات التى لم يؤذن فيها فإنها تكون قابلة للإبطال لمصلحته . متى كانت دائرة بين النفع و الضرر .
(الطعن رقم 260 لسنة 43 جلسة 1980/03/04 س 31 ع 1 ص 696 ق 136)
6- إذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الإلتزام الأساسى فى العقد سند الدعوى هو تعلم المطعون ضده مهنة ميكانيكا النسيج ، فإنه يكون عقد تدريب ، لا يدخل فى نطاق ما أذن القانون للقاصر فى إبرامه ، على ذلك يخضع للقواعد العامة فى قانون الولاية على المال ، و لأنه حوى شرطاً جزئياً بإلزام المطعون ضده بأداء تعويض فى حالة فسخ العقد و لأن العبرة فى وصف العقد بوقت نشوئه لا بما قد يسفر عنه تنفيذه فإنه يكون منذ إنعقد تصرفاً دائراً بين النفع و الضرر وقابلاً للإبطال لمصلحة القاصر .
(الطعن رقم 260 لسنة 43 جلسة 1980/03/04 س 31 ع 1 ص 696 ق 136)
7- لما كان عقد البيع من التصرفات المالية الدائرة بين النفع و الضرر على أساس أنه يترتب عليه حقوق و إلتزامات متقابلة فإنه طبقاً للمادتين 1/115 و 2/111 من القانون المدنى يكون التصرف بالبيع الصادر من المحجوز عليه للغفلة أو السفة قابل للإبطال لمصلحته و يزول حق التمسك بالإبطال إذا أجاز المحجوز عليه التصرف بعد رفع الحجز عنه أو إذا صدرت الإجازة من القيم أو من المادة 1/39 من القانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال التى أحالت عليها المادة 78 من ذات القانون فى شأن القوامة تجيز للقيم بشرط الحصول على إذن من المحكمة أن يباشر جميع التصرفات التى من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو التبعية أو نقله أو تغييره أو زواله و كذلك جميع التصرفات المقررة لحق من حقوق المذكورة المحكمة بحسب الأحوال وفقا للقانون .
(الطعن رقم 308 لسنة 42 جلسة 1976/02/03 س 27 ع 1 ص 376 ق 81)
8- يقضى الشق الثانى من الفقرة الأولى من المادة 111 من القانون المدنى ببطلان تصرفات الصبى المميز متى كانت ضارة به ضررا محضا ، وتقضى الفقرة الثانية من المادة 141 من ذات القانون بسقوط دعوى البطلان بمضى خمس عشرة سنة من وقت العقد ، ومؤدى هذين النصين مرتبطين أن يعتبر إقرار الصبى المميز بمحضر صلح تصرفاً باطلاً ، ولا تسقط الدعوى ببطلانه إلا بمضى خمس عشرة سنة منذ صدوره فيما لو اعتبر ضاراً به ضرراً محضاً .
(الطعن رقم 213 لسنة 34 جلسة 1967/12/12 س 18 ع 4 ص 1866 ق 283)
9- يترتب على تسجيل طلب الحجر ما يترتب على تسجيل قرار الحجر نفسه. فإذا كان الحكم المطعون فيه لم يعتد بإقرار المحجور عليه للسفه - بالتنازل عن الإستئناف - الصادر منه بعد تسجيل طلب الحجر بوصفه إقراراً ضاراً به ضرراً محضاً وذلك عملاً بالفقرة الأولى من المادتين111 و 115 من القانون المدني فإن الحكم لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
(الطعن رقم 13 لسنة 31 جلسة 1965/11/02 س 16 ع 3 ص 953 ق 151)
10- إذا كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر عقد المقايضة الذي عقدته الوصية بدون إذن المحكمة الحسبية هو عقد باطل بطلاناً نسبياً يصح بإجازة القاصر بعد بلوغه سن الرشد وجعل الإجازة تستند إلى التاريخ الذي تم فيه العقد فإنه يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح.
(الطعن رقم 107 لسنة 30 جلسة 1965/01/21 س 16 ع 1 ص 73 ق 12)
11- عقد القسمة من العقود التبادلية التي تتقابل فيها الحقوق، ومن التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر ومن ثم فإذا كان أحد أطرافها قاصراً فإن عقد القسمة يكون قابلاً للإبطال لمصلحته ويزول حق التمسك بالإبطال بإجازته التصرف بعد بلوغه سن الرشد.
(الطعن رقم 449 لسنة 26 جلسة 1962/05/03 س 13 ع 1 ص 595 ق 89)
12- إجازة العقد قد تكون صريحة أو ضمنية، ومن ثم فلا تثريب على محكمة الموضوع إذا استخلصت - فى حدود سلطتها الموضوعية استخلاصاً سائغاً من وقائع الدعوى ومستنداتها - إجازة الطاعنة لعقد القسمة إجازة ضمنية بعد بلوغها سن الرشد من توقيعها كشاهدة على عقود البيع الصادرة من بعض المتقاسمين الآخرين والمشار فيها إلى أن أصل التمليك يرجع إلى عقد القسمة المذكور وبالتالي لا تعدو المجادلة فى ذلك أن تكون جدلاً موضوعياً لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
(الطعن رقم 449 لسنة 26 جلسة 1962/05/03 س 13 ع 1 ص 595 ق 89)
13- متى كانت التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر - مثل التصرف بالبيع - قابلة للابطال لمصلحة القاصر - كما هو حكم المادة 111 من القانون المدنى - فإن للقاصر فى حال حياته أن يباشر طلب الإبطال بواسطة من يمثله قانوناً ، كما أن هذا الحق ينتقل بعد وفاته لوارثه بوصفه خلفا عاما له يحل محل سلفه فى كل ماله و ما عليه فتؤول إليه جميع الحقوق التى كانت لسلفه . و إذ كان موضوع طلب الإبطال تصرفا ماليا فإنه بهذا الوصف لا يكون حقا شخصيا محضا متعلقا بشخص القاصر بحيث يمتنع على الخلف العام مباشرته .
(الطعن رقم 42 لسنة 24 جلسة 1958/02/27 س 9 ع 1 ص 161 ق 19)
14- متى كان القاصر بعد أن بلغ سن الرشد قدم مذكرة تتضمن موافقته على الحكم الابتدائى القاضى برد العين المبيعة وفائيا إليه وإلى باقى الورثة و بطلب تأييده فانه يكون غير منتج التمسك بأن الوصى قد طلب الاسترداد باسم القاصر و هو لايملك هذا الحق إذ فى موافقة القاصر على الحكم اجازة لعمل الوصى .
(الطعن رقم 123 لسنة 21 جلسة 1954/12/02 س 6 ع 1 ص 199 ق 26)
15- يشترط لصحة إنعقاد الوكالة أن يكون الموكل أهلا لأن يؤدي بنفسه العمل الذي وكل غيره فيه ، و كانت الموكلة وقت الوكالة قاصراً إلا أنه طالما أنها كانت في السادسة عشرة من عمرها ، و بلغت بذلك سن التمييز ، و كان التصرف القانوني محل الوكالة ليس من قبيل التصرفات المالية الضارة ضرراً محضاً و إنما هو من قبيل التصرفات المالية الدائرة بين النفع و الضرر بإعتبار أن محله مجرد إسترداد لما أنفق على الطالبة من مصروفات في أثناء الدراسة فإن هذا التصرف يكون في حكم المادة ۱۱۱ من القانون المدني قابلا للإبطال لمصلحة القاصر و يزول حق التمسك به إذا جاز القاصر التصرف بعد بلوغه سن الرشد ، و إذ حضرت المدعى عليها الأولى أمام محكمة القضاء الإداري على ما سلف البيان ، و أبدت دفاعها على أساس من قيام التصرف القانونی محل هذه الوكالة فإن هذا يكون أعترافاً منها به و أجازة له ، و إذ كان الأمر كذلك فإنه يتعين الإعتداد بهذه الوكالة و بموضوعها و من ثم ينصرف أثر تصرف المدعى عليه الثاني إلى المدعى عليها الأولى مباشرة.
(المحكمة الإدارية العليا الطعن رقم 1003 لسنة ۱۳ ق - جلسة 3/ 5/ 1969 س 14 ص 671)
تصرفات الصبي المميز :
الصبي المميز هو الذي بلغ سن التمييز أي السابعة من عمره ولم يبلغ سن الرشد أى الحادية والعشرين، وتكون أهليته ناقصة خلال هذه المرحلة وتتوقف صحة تصرفاته على ما إذا كانت نافعة له أم غير نافعة، فإن أبرم تصرفه وكان التصرف نافعاً له نفعاً محضاً لا يلتزم بموجبه بأداء مقابل ، كقبول وصية أو هبة أو اشتراط لمصلحته، وقع هذا التصرف صحيحاً لما فيه من اقتناء للقاصر، أما إن كان التصرف ضارة به ضرراً محضاً، وهو ما يؤدي إلى افتقاره، لأنه يعطى بموجبه دون مقابل، کالهبة والوصية التي يقدمها القاصر، فإن هذا التصرف يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً ولكن له الإيصاء متى بلغ الثامنة عشرة بعد استئذان المحكمة الحسبية وقد يدور التصرف بين النفع والضرر، كالبيع والمقاولة والشركة والايجار، وهي تصرفات يجب أن يبرمها الولي أو الوصي، أما أن أبرمها القاصر بنفسه كانت قابلة للابطال ولو لم تنطو على غبن بالنسبة له، وتظل هذه التصرفات قابلة للابطال الى أن يجيزها الولي أو الوصي أو القاضي أو القاصر نفسه بعد بلوغه سن الرشد، على أن اجازة الولي أو الوصي لا يحاج بها إلا إذا كان التصرف بريئاً من الغبن الفاحش، ويكون للوصي الذي أبرم التصرف بدون إذن المحكمة أن يطلب إبطاله.
ووفقاً للمادة 60 من قانون الولاية على المال، يكون القاصر في هذه المرحلة، كامل الأهلية بالنسبة لدفع المهر والنفقة متى أذنت له المحكمة في الزواج ومن ثم لا يرد البطلان على تصرفه فيهما، كما تكون أهليته كاملة، ووفقاً للمادة 61 من ذات القانون، بالنسبة للمال الذي يسلم له لأغراض نفقته ووفقاً للمادة 63 يكون القاصر متى بلغ السادسة عشرة قبض أجره والتصرف فيما يكسبه من عمله تصرفاً دائراً بين النفع والضرر ولكن ليس له أن يهبه.
وقد خرج المشرع على تلك القواعد العامة، فأجاز للصبي التصرف فيما يسلم إليه لنفقته ولا تكون تصرفاته المتعلقة بها مضمونة إلا في حدود ما يسلم إليه فلا يمتد الضمان لأمواله الأخرى " م 61 ق 119 لسنة 1952 " كما أجاز له إبرام عقد عمله بوصفه عاملاً وليس رب عمل إذ يتطلب ذلك توافر أهلية الإدارة ببلوغه ثمانية عشر عاماً «م 112 مدنی» ، ويجوز للولي أو الوصي أن يطلب من المحكمة فسخ العقد هم 62 ق 119 ، كما أجازت المادة 63 له التصرف فيما يكسبه من عمله متى بلغ السادسة عشرة، لكن لا يجوز له تأجير المباني "م 56 ق 119"، ولا يجوز له الإتجار إلا إذا بلغ الثامنة عشرة وأذنت المحكمة فلا يكفي في ذلك إذن الولي خلافاً للادارة "م 57 ق 119"، وله بموجب المادة 5 من قانون الوصية أن يوصي بإذن المحكمة فإن لم يستأذنها أو رفضت كانت وصيته قابلة للإبطال، كما يكون له الحق في دفع مهره والنفقة "م 60 " .
دعوى القاصر : القاصر المأذون :
إذا رفع القاصر المميز دعوى بنفسه، أو رفعت عليه شخصياً دعوی دون اختصام وليه أو وصيه، كانت الدعوى باطلة، وظل هذا البطلان عالقا بها في كافة مراحلها وجاز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى، ويكون للمدعى عليه ولو كان كامل الأهلية أن يتمسك بهذا البطلان لانعدام أهلية القاصر في رفع الدعوى، بل للمحكمة أن تقضى بهذا البطلان من تلقاء نفسها حتى لا تستمر في إجراءات قابلة للزوال.
فإن رفعت الدعوى على ناقص الأهلية شخصياً، ولكن تدخل فيها وليه أو وصيه ولم يتمسك بالبطلان إنما ترافع فيها، فإن ذلك يصحح الإجراءات ولا يجوز له بعد ذلك التمسك بالبطلان، وأيضاً إذا بلغ القاصر سن الرشد ولم يتمسك بالبطلان فور ذلك فإن رفع الدعوى يصبح صحيحة ولا يجوز للمدعى عليه بعد ذلك التمسك بالبطلان وفقاً للمادتين 22 و 108 مرافعات.
وبديهي أن الدعوى التي ترفع من الولي أو الوصي أو القيم أو التي ترفع عليه باعتبارها نائبة عن ناقص الأهلية تسري بشأنها القواعد العامة . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني الصفحة/ 463 )
أنواع التصرفات بالنسبة للأهلية :
تختلف أهلية الأداء اللازمة لإجراء التصرفات القانونية، باختلاف نوع هذه تصرفات.
والتصرفات في هذا الصدد تنقسم أساسا إلى ثلاثة هي :
1- تصرفات نافعة نفعاً محضاً :
وهي التصرفات التي تؤدي إلى تمليك الشخص مالاً أو حصوله على منفعة دون عوض بل دون أي تكليف، مثال ذلك الهبة غير المقترنة بشرط والاشتراط لمصلحته عقد من عقود التأمين.
وحكم القانون بالنسبة لهذه التصرفات إذا ما صدرت من الصبي المميز أنها صحيحة أي أن الصبي المميز يتمتع بأهلية أداء كاملة بالنسبة لها.
2- تصرفات ضارة ضرراً محضاً :
وهي التصرفات التي تؤدي إلى خروج مال من ذمة الصغير دون مقابل أو عوض وتعتبر باطلة بطلاناً مطلقاً متى صدرت من ناقص الأهلية.
يعتبر الصبي المميز بالنسبة لهذه التصرفات عديم الأهلية شأنه في ذلك ش أن سي غير المميز، ومثال هذه التصرفات هبة الصغير المال معين من أمواله وإبراء المدينة من دين عليه والتبرع.
3 - تصرفات دائرة بين النفع والضرر:
وهي التصرفات التي لا تتمحض للنفع ولا للضرر، وإنما هي التصرفات التي بمقتضاها يعطى المتصرف ويحصل على مقابل ما أعطاه وتسمى عقود المعاوضة أو العقود التبادلية ومثال ذلك البيع الذي بمقتضاه ينقل البائع ملكية المبيع ويحصل مقابل ذلك على الثمن الذي يؤديه المشتري ومثال ذلك أيضاً المؤجر الذي يعطي للمستأجر منفعة الشيء مقابل الحصول على الأجرة ولا يغير من طبيعة هذه التصرفات عدم تعادل الحقوق المتبادلة فالعبرة هي بالطبيعة الأصلية للتصرف، بغض النظر عما قد يمس هذه الطبيعة من ظروف خاصة بكل تصرف، ويكون من شأنها عدم التعادل بين الحقوق التي يحصل عليها كل طرف.
وتشمل الأهلية اللازمة لإجراء التصرفات الدائرة بين النفع والضرر نوعين فرعيين :
1- أهلية التصرف بعوض أو بمقابل وهي تلزم لإجراء التصرفات التي من شأنها أن تفقد المال من صاحبه ولو جزئياً، كالبيع والشراء.
2- أهلية الإدارة، وهي الأعمال القانونية التي تنحصر في استغلال الشيء واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات وتصرفات لتيسير هذا الاستغلال، فهي من الأعمال التي تحمل صاحبها، بالتزامات شخصية فقط أي دون أن يكون من بين أهدافها إنشاء أو نقل حق عینی.
ولكن هذا المعيار لا يعبر تماماً عن الواقع فقد استقر الفقه ومعه المشرع عن أن هناك بعض التصرفات التي ترد على حقوق عينية ومع ذلك تعد من أعمال الإدارة فمن يدير أرضا زراعية يستطيع أن يشتري السماد والبذور ويستطيع أن يبيع المحصول ويبيع ألبان المواشي. وكذلك يستطيع الوكيل وكالة عامة، وهو لا يملك سوى أعمال الإدارة، أن يبيع الثمار والمنقولات التي تكون عرضة للهلاك أو لنقص القيمة.
والنوع الأول من هذه التصرفات إذا صدرت من الصبي المميز تكون باطلة إلا أن هذا البطلان نسبي وليس مطلقاً .
أما بالنسبة للنوع الثاني سنعرض له فيما بعد.
1 - أهلية الصبي الذي بلغ السابعة :
الصبي الذي بلغ سن السابعة دون أن يصل إلى الواحد والعشرين من عمره، هو التي يطلق عليه القاصر أو الصبي المميز، فهو يميز ولكنه غير رشيد.
ولذلك فهو ليس عديم التمييز وليس كامل التمييز، وإنما هو ناقص التمييز وبالتالي ناقص الأهلية.
ونظراً لطول المدة التي تفصل بين السابعة والواحد والعشرين من العمر، والتي ضمن نمواً متدرجاً في ملكات القاصر وقدراته الذهنية أي في تمييزه وإدراكه وبالتالى في صلاحيته لإبرام التصرفات فقد راعى المشرع ذلك بأن منح للقاصر بعض الصلاحيات أحيانا ببلوغه السابعة وأحياناً ببلوغه السادسة عشرة من عمره وأحياناً ببلوغه الثامنة عشرة.
أولاً : صلاحيات الصبي المميز ببلوغه السابعة من العمر :
تصرف القاصر في أمواله الموضوعة تحت تصرفه لأغراض نفقته : وفي هذا تنص المادة 61 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال على أن : " للقاصر " أهلية التصرف فيما يسلم له أو يوضع تحت حرق عادة من مال لأغراض نفقته ويصبح التزامه المتعلق بهذه الأغراض في حدود هذا مال فقط .
2 - إبرام القاصر عقد العمل الفردي :
فقد نصت المادة 62 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 على أن: " القاصر أن يبرم عقد العمل الفردي وفقاً لأحكام القانون، وللمحكمة بناءً على طلب الوصي أو ذي شأن إنهاء العقد رعاية لمصلحة القاصر أو مستقبله أو لأي مصلحة أخرى ظاهرة ".
3 - تصرف القاصر فيما يكسبه من عمله أو من أجره أو غيره :
وفي هذا تنص المادة 63 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 على أنه : يكون للقاصر الذي بلغ السادسة عشرة آهلاً للتصرف فيما يكسبه من عمله أو من أجره أو غيره، ولا يجوز أن يتعدى أثر التزام القاصر حدود المال الذي يكسبه من میته أو صناعته.
4-تصرف القاصر في المهر والنفقة إذا أذنته المحكمة في الزواج :
تنص المادة 60 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 على أنه :
"إذا أذنت من المال الحكمة في زواج القاصر الذي له مال كان ذلك إذناً له في التصرف في المهر والنفقة عمر المحكمة بغير ذلك عند الإذن أو في قرار لاحق ".
ثانياً : صلاحيات القاصر البالغ من العمر ثماني عشرة سنة :
إذا بلغ القاصر ثماني عشرة سنة، فإن هناك حالتين يأذن فيهما الولى أو المحكمة - حسب الأول - للقاصر بأهلية جزئية في أمرين :
1- الإذن للقاصر بإدارة أمواله.
2- الإذن للقاصر بالاتجار. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/155)
ويتبين من ذلك أن الصبي المميز له أهلية الاغتناء ، فيستطيع قبول الهبات لأن ذلك نافع له نفعاً محضاً وليست له أهلية التبرع ولا يستطيع أحد أن يباشرها عنه إلا في الحدود التي قدمناها ، فلا يستطيع أن يهب شيئاً من ماله لأن ذلك ضار به ضرراً محضاً أما أهلية الإدارة وأهلية التصرف ، وهي الأعمال الدائرة بين النفع والضرر ، فلا يملكها ، ولكن يباشرها عنه الولى أو الوصي في الحدود المتقدم ذكرها في حالة الصبي غير المميز .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول الصفحة/ 357)
وقد نصت المواد من 110 الى 112 - مدني على أحكام أهلية الإنسان في جميع أدوار حياته : وقد استمدت هذه الأحكام من الشريعة الاسلامية كما كان معمولاً بها قبل صدور التقنين المدني الحالي ، ثم أضاف المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 الخاص بأحكام الولاية على المال الى ذلك أحكاما أخرى بمناسبة تنظيم الولاية على أموال ناقص الأهلية.
ويؤخذ من مجموع هذه الأحكام أنها تقسم التصرفات ثلاثة أقسام وحياة الإنسان أربعة أدوار.
أما أقسام التصرفات ، فهی :
1 - تصرفات نافعة نفعاً محضاً ، وهى تصرفات يغتني بها من يباشرها دون أن يدفع مقابلاً لذلك، كقبول الهبة أو الوصية أو الإشتراط لمصلحة الغير، وتسمى أعمال الاغتناء.
2 - تصرفات - ضارة ضرراً محضاً وهي تصرفات يفتقر بها حتماً من يباشرها دون أن تأخذ مقابلاً لذلك ، كالإيهاب والإيصاء وتسمى أعمال التبرع.
3 - تصرفات تدور بين النفع والضرر، وهي تصرفات يلتزم بموجبها العاقد ويأخذ مقابلاً لما التزم به ، فتارة يكون هو الرابح ، وتارة يكون هو الخاسر، كالبيع والإجارة والشركة والمبادلة إلخ، وتسمى أعمال التصرف، وهي اذا أبرمت بقصد استغلال رأس المال والتصرف في ريعه تسمى أعمال الادارة .
والعبرة في هذا التقسيم بطبيعة التصرف في ذاته وكونه ینشیء التزامات في ذمة أحد الطرفين فقط أو في ذمة كل منهما .
أما أدوار الحياة فهی :
الدور الأول - قبل الولادة ( الجنين ).
الدور الثاني - من الولادة الى سن التمييز وهي محددة بسبع سنين ميلادية ( المادة 45 فقرة ثانية والمادة 3 مدنی ) ( الصبي غير المميز ).
الدور الثالث - من سن التمييز إلى بلوغ الرشد ( الصبي المميز ) ، وكانت الشريعة الإسلامية تعول على البلوغ الطبيعي وتحدد له حداً أقصى سن الخامسة عشرة بشرط أن يبلغ الولد رشيداً ، أي حسن التصرف، والتدبير، وقد نص التقنين المدني الحالي على أن سن الرشد هي إحدى وعشرون سنة ميلادية كاملة .
وهذا الدور يشمل ثلاث مراحل إحداهما سابقة على بلوغ الصبي سن السادسة عشرة ، والثانية من بلوغه هذه السن الى الثامنة عشرة، والثالثة من بلوغه هذه السن إلى الحادية والعشرين .
الدور الرابع - من سن بلوغ الرشد الى الموت ( البالغ ) .
وعلى أساس هذين التقسيمين تحدد أهلية الإنسان في كل مرحلة من مراحل الحياة كما يأتي :
1- أما الجنين فليست له أهلية أداء مطلقاً ، ولا تقضي الشريعة الاسلامية بتعيين وصي أو ولي له ، وانما تجعل ماله الموقوف، لأجله تحت يد أمين ، ولكن المادة 29 من القانون رقم 119 لسنة 1952 الخاص بأحكام الولاية على المال جعلت للجنين وصياً تقيمه المحكمة حتى لا تضيع الغلات ، ولا تفسد الأملاك التي تثبت له ، وأذن فهذا الوصي هو الذي يباشر حقوق الجنين و يقوم بالتصرفات اللازمة لإدارة أمواله .
2- والصبي غير المميز كذلك ليست له أهلية أداء مطلقاً ، ولكن له ولياً أو وصياً ينوب عنه في مباشرة جميع الأعمال القانونية في الحدود التي رسمتها القوانين والقواعد الشرعية، وإذا فرض أن باشر الصغير غير المميز أي عمل من الأعمال القانونية، فإن تصرفه يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً ولا يكون له أي أثر ( المادة 110 مدنی).
3 - (أ) والصبي المميز قبل السادسة عشرة له أهلية أداء كاملة بالنسبة إلى أعمال الاغتناء، فان قيل هبة أو وصية كان قبوله صحيحاً نافذاً ( المادة 111 فقرة أولى ) وليست له أهلية أداءً مطلقاً بالنسبة إلى أعمال التبرع، فإن وهب ماله أو أبرأ مدينه وقع تصرفه باطلاً بطلاناً مطلقاً ( المادة 111 فقرة أولى ) ، أما الأعمال التي تدور بين النفع والضرر فيملك بالنسبة إليها أهلية أداء ناقصة ، ومعنى ذلك طبقاً للشريعة الاسلامية أن الصبي المميز يجوز له أن يباشر هذه الأعمال بأذن وليه أو وصية ، فإن باشرها بغير الأذن توقفت على الإجازة أي أنها لا تكون نافذة ولا تنتج أثراً إلا إذا أجازها الولي أو الوصي، وطبقاً للقانون المدني أن هذه الأعمال يقوم بها الولي او الوصي نيابة عن الصغيرة فإن باشرها الصغير بنفسه كانت باطلة بطلاناً نسبياً أي قابلة للإبطال لمصلحته (المادة 111 فقرة ثانية ) فيجوز له في حال حياته أن يباشر طلب الأبطال بواسطة من يمثله قانوناً ، أو أن يباشره بنفسه بعد بلوغه ، وينتقل هذا الحق بعد وفاته إلى وارثه.
ولا يشترط في اعتبار العمل القانوني قابلا للإبطال في هذه الحالة الاخيرة أن ينطوى على غبن للصغير وتزول قابلية التصرف للإبطال بإجازته من الصغير بعد بلوغه أو من وليه أو وصيه أو من القاضي قبل ذلك على ان يشترط في صحة الإجازة التي تصدر من الولى أو الوصى ان لا يكون التصرف الذي ترد عليه الإجازة منطويا على غبن فاحش للصغير لأن الولى و الوصى لا يملكان التصرف في مال الصغير بالغبن الفاحش ، فمن باب أولى لا تصح إجازتهما التصرف المنطوي على غبن فاحش .
على أن المادة 61 من قانون الولاية على المال قد زادت في أهلية الصغير المميز في ناحية معينة حيث نصت على أن له أهلية التصرف فيما يسلم له أو يوضع تحت تصرفه عادة من مال لأغراض نفقته، ويصح التزامه المتعلق بهذه الأعراض في حدود هذا المال فقط ، أي أنها جعلت الصغير الذى جاوز السابعة أهلية أداء كاملة بالنسبة الى البيع والشراء في حدود المال الذي يسلم إليه لأغراض نفقته.
فإذا بلغ الصبي المميز السادسة عشرة كان له فوق ما تقدم أهلية قبض أجرته وأهلية ادارة ماله الذي كسبه من عمله في المادة 63 من القانون رقم 119 لسنة 1952 الخاص بالولاية على المال ، فليس له أن يهب هذا المال ولكن له أن يستثمره وأن يتصرف فيه بالبيع والشراء والقرض والعارية و غيرها وأن يتصرف فيما اشتراه بكسب عمله ولو كان عقاراً غير أن ما يعقده من التزامات على هذا الوجه لا يكون نافذا في ذمته إلا في حدود كسبه من عمله الخاص دون غيره من أمواله الأخرى ، ومع ذلك فللمحكمة - إذا اقتضت المصلحة أن تقيد حق القاصر في ماله المذكور ، كما إذا كان القاصر ممثلاً سينمائياً بربح من عمله مالاً كثيراً ويخشى عليه من البيئة التي يعمل فيها أن يبدد هذا المال.
وكذلك نصت المادة 60 من قانون الولاية على المال على أنه إذا أذنت المحكمة في زواج القاصر الذي له مال ، كان ذلك إذناً له في التصرف في المهر والنفقة ما لم تأمر المحكمة بغير ذلك عند الأذن أو في قرار لاحق ، وهي تجعل للقاصر الذي أذن له في الزواج أهلية كاملة في دفع المهر والنفقة ، فلا يحتاج في ذلك إلى وليه أو وصيه ولا يكون تصرفه فيهما قابلاً للأبطال .
(ج) فإذا بلغ الصغير الثامنة عشرة جاز أن يؤذن له في تسلم أمواله لإدارتها (المادة 112 مدني)، فيكون له في هذه الحالة قسط أوفر من الأهلية.
ويجوز للمحكمة بعد سماع أقوال الوصي أن تأذن القاصر الذي بلغ الثامنة عشرة في تسلم أمواله كلها أو بعضها لادارتها ، وإذا رفضت المحكمة الإذن فلا يجوز تجديد طلبه قبل مضي سنة من تاريخ صدور القرار النهائي بالرفض (المادة 55 من قانون الولاية على المال) .
وللولي أن يأذن للقاصر الذي بلغ الثامنة عشرة في تسلم أمواله كلها أو بعضها لإدارتها ، ويكون ذلك بشهاد لدى الموثق وله أن بسحب هذا الأذن أو يحد منه بأشهاد آخر مع مراعاة حكم المادة 1027) من قانون المرافعات ، أي مع مراعاة شهر الإشهاد الصادر بسلب الأذن أو الحد منه (المادة 54 من قانون الولاية على المال ) .
وللقاصر المأذون أن يباشر أعمال الإدارة، بما في ذلك أعمال الصيانة الضرورية لحفظ الأموال المسلمة إليه، ويدخل في أعمال الإدارة كل عمل من أعمال التصرف تقتضيه هذه الإدارة كبيع الحاصلات وشراء ما يلزم للزراعة ، وله أن يفى وأن يستوفي الديون المترتبة على هذه الأعمال ولكن لا يجوز له أن يؤجر الأراضي الزراعية والمباني لمدة تزيد على سنة ، ولا أن يفى الديون الأخرى ولو كانت ثابتة بحكم واجب النفاذ أو بسند تنفيذي آخر إلا بإذن خاص من المحكمة أو من الوصی فيما يملكه من ذلك ، ولا يجوز للقاصر أن يتصرف في صافي دخله إلا بالقدر اللازم لسد نفقاته ومن تلزمه نفقتهم قانوناً ( المادة 56 من قانون الولاية على المال).
ولا يجوز للقاصر، سواء كان مشمولاً بالولاية أو الوصية، أن يتجر الا اذا بلغ الثامنة عشرة من عمره وأذنت المحكمة في ذلك إذناً مطلقاً أو مقيداً .
ويعتبر القاصر المأذون له من قبل، وليه أو المحكمة أو نص القانون كامل الأهلية فيما أذن له فيه وفي الثقافي فيه، وأما التصرفات التي لم يؤذن فيها فإنها تكون قابلة للإبطال لمصلحته متى كانت دائرة بين النفع والضرر .
والشخص البالغ الرشيد ، وهو من بلغ 21 سنة ولم بحكم باستمرار الوصاية عليه ولم يحجر عليه ، تكون له أهلية الأداء بالنسبة إلى جميع الأعمال القانونية سواء كانت إقتناء أو إدارة أو تصرفاً أو تبرعاً. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الأول الصفحة/ 759)
إذا كان الصبي مميزاً كانت تصرفاته المالية صحيحة متى كانت نافعة نفعاً محضا ، وباطلة متى كانت ضارة ضرراً محضاً ومتى كانت التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر - مثل التصرف بالبيع مثلاً - قابلة للابطال لمصلحة القاصر - ووفقاً لحكم المادة 111 من القانون المدني - فإن للقاصر في حال حياته أن يباشر طلب الإبطال بواسطة من يمثله قانوناً ، كما أن هذا الحق ينتقل بعد وفاته لورثته بوصفهم خلفاً عاماً له يحلوا محل سلفهم في كل ماله و ما عليه فتؤول إليهم جميع الحقوق التي كانت لسلفهم، ويزول حق التمسك بالإبطال إذا أجاز القاصر التصرف بعد بلوغه سن الرشد ، أو إذا صدرت الإجازة من وليه أو من المحكمة بحسب الأحوال وفقاً للقانون. (التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2014، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء/ الأول صفحة 436)
نطاق إعمال النص : يلاحظ أن حكم النص قاصر على الأعمال القانونية التي تصدر من القاصر غير المميز شخصياً، أما الأعمال التي تصدر من الولى أو الوصى عليه فيحكمها القانون المنظم للولاية والوصاية، ويتوقف نفاذها أو عدم نفاذها في حق القاصر على مدى التزامها حدود الولاية وذلك ما تنص عليه المادة 118 .
إجازة القاصر للتصرف بعد بلوغه سن الرشد، قد تكون صريحة وقد تكون ضمنية كتصرفه بعد بلوغه هذه السن في العين التي اشتراها وهو غير مميز أو إستئجاره العين التي كان قد باعها (المستشار محمد كمال حمدي في الولاية على المال الجزء الأول طبعة 1996 ص 154 والأحكام المشار إليها فيه) .
وإجازة الولي أو الوصي مرهونة بصدورها في حدود ولايته، ويشترط ألا ينطوي التصرف محل الإجازة على غبن فاحش للقاصر (كمال حمدي الجزء الأول هامش ص 154 والمراجع المشار إليها فيه .
والتصرفات الضارة ضرراً محضاً باطلة بطلاناً مطلقاً فلا ترد عليها الاجازة وان سقطت دعوى البطلان بخمسة عشر عاماً.
ومجرد قصر المتصرف كاف لبطلان التصرف أو طلب ابطاله ولو كان مجردة من الغبن . (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 701)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 34
الإْشْهَادُ عَلَى بَيْعِ مَالِ الصَّغِيرِ نَسِيئَةً:
10 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الإْشْهَادُ عَلَى بَيْعِ مَالِ الصَّغِيرِ نَسِيئَةً خَوْفَ جَحْدِهِ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ تُرِكَ الإْشْهَادُ بَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ عَسُرَ الإْشْهَادُ كَأَنْ كَانَ يَبِيعُ الْوَصِيُّ أَوِ الأْمِينُ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا، فَإِنْ بَاعَا مِقْدَارًا كَبِيرًا جُمْلَةً فَلاَ بُدَّ مِنَ الإْشْهَادِ.
وَلاَ يَجِبُ الإْشْهَادُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى بَيْعِ مَالِ الصَّغِيرِ نَسِيئَةً، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلأْبِ، أَمَّا الْوَصِيُّ فَفِيهِ قَوْلاَنِ. أَحَدُهُمَا يُصَدَّقُ بِلاَ بَيِّنَةٍ، وَالثَّانِي تَلْزَمُهُ الْبَيِّنَةُ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن ، الصفحة / 115
تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ:
18 - تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِصُورَتَيْنِ:
الأْولَى: إِذَا ارْتَفَعَ مَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ فَهَلْ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا
الثَّانِيَةُ: أَنْ تُؤَدِّيَ صِيغَةُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ إِلَى مَعْنَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ.
19 - أَمَّا الصُّورَةُ الأْولَى: فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ لاَ يَصِيرُ الْعَقْدُ الْبَاطِلُ صَحِيحًا عِنْدَهُمْ إِذَا ارْتَفَعَ مَا يُبْطِلُهُ. وَعَلَى ذَلِكَ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ، وَالزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالْبَذْرِ فِي الْبِطِّيخِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ؛ لأِنَّ هُ لاَ يُعْلَمُ وُجُودُهُ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ، حَتَّى لَوْ سُلِّمَ اللَّبَنُ أَوِ الدَّقِيقُ أَوِ الْعَصِيرُ لاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا؛ لأِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كَالْمَعْدُومِ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَلاَ يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُ الْعَقْدِ بِدُونِهِ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلاً، فَلاَ يَحْتَمِلُ التَّصْحِيح.
أَمَّا الْجُمْهُورُ (وَهُمْ لاَ يُفَرِّقُونَ فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ) فَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ كَالْحَنَفِيَّةِ، لاَ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ الْبَاطِلُ صَحِيحًا بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ.
فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ حَذَفَ الْعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ، وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ، لَمْ يَنْقَلِبِ الْعَقْدُ صَحِيحًا؛ إِذْ لاَ عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ.
وَفِي مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ: الْفَاسِدُ لاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنَّهُمْ يُوَافِقُونَ الْجُمْهُورَ فِي هَذَا الْحُكْمِ، إِلاَّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطٍ لاَ يُؤَدِّي إِلَى الإْخْلاَلِ بِشَيْءٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا إِذَا أُسْقِطَ الشَّرْطُ، وَذَلِكَ كَبَيْعِ الثُّنْيَا، وَهُوَ أَنْ يَبْتَاعَ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ فَالسِّلْعَةُ لَهُ، وَكَالْبَيْعِ بِشَرْطِ السَّلَفِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ عِنْدَهُمْ يَكُونُ فَاسِدًا، لَكِنَّهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا إِنْ حُذِفَ الشَّرْطُ.
- أَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ تَحَوُّلُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ إِلَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ، فَيَكَادُ الْفُقَهَاءُ يَتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ تَحْوِيلُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ إِلَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ - لِتَوَفُّرِ أَسْبَابِ الصِّحَّةِ فِيهِ - صَحَّ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الصِّحَّةُ عَنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، أَمْ عَنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْبَعْضِ الآْخَرِ؛ نَظَرًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي قَاعِدَةِ: هَلِ الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا.
21 - وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا يَأْتِي:
الْمُضَارَبَةُ، وَهِيَ: أَنْ يَدْفَعَ شَخْصٌ إِلَى آخَرَ مَالَهُ لِيَتَّجِرَ فِيهِ، وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ، وَيُسَمَّى الْقَائِمُ بِالتِّجَارَةِ مُضَارِبًا، فَلَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْمُضَارِبِ لَمْ يَكُنْ مُضَارَبَةً، وَلَكِنْ يَكُونُ قَرْضًا، تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ؛ لأِنَّ هُ لَوْ بَقِيَ مُضَارَبَةً لَكَانَ بَاطِلاً؛ لأِنَّ الْمُضَارِبَ لاَ يَمْلِكُ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ حَتَّى يَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لَهُ، فَجُعِلَ قَرْضًا؛ نَظَرًا لِلْمَعْنَى، لِيَصِحَّ الْعَقْدُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، اعْتُبِرَ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِبْضَاعًا، تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ الْمُضَارِبُ وَكِيلاً مُتَبَرِّعًا لِصَاحِبِ الْمَالِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ.
وَبِهِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَصَحَّحُوا الْوَكَالَةَ إِذَا عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، وَالْحَوَالَةَ إِذَا عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ؛ لاِشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى، حَيْثُ قَالُوا: إِنْ أَحَالَ مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ رَجُلاً عَلَى رَجُلٍ آخَرَ مَدِينٍ لَهُ، لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّصَرُّفُ حَوَالَةً، بَلْ وَكَالَةً تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا، وَإِنْ أَحَالَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَاحِبَ الدَّيْنِ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، لَمْ يُجْعَلْ هَذَا التَّصَرُّفُ حَوَالَةً، بَلِ اقْتِرَاضًا.
وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَحَالَهُ لاَ دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ اعْتُبِرَ وَكَالَةً فِي الاِقْتِرَاضِ.
وَفِي الْفِقْهِ الشَّافِعِيِّ: إِذَا وَهَبَ شَخْصٌ لآِخَرَ شَيْئًا بِشَرْطِ الثَّوَابِ، اعْتُبِرَ هَذَا التَّصَرُّفُ بَيْعًا بِالثَّمَنِ لاَ هِبَةً، فِي أَصَحِّ الأْقْوَالِ.
الْبَاطِلُ لاَ يَصِيرُ صَحِيحًا بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ:
22 - التَّصَرُّفَاتُ الْبَاطِلَةُ لاَ تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِنَفَاذِ التَّصَرُّفَاتِ الْبَاطِلَةِ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ وَعَوْدَتِهِ يُعْتَبَرُ قَائِمًا فِي نَفْسِ الأْمْرِ، وَلاَ يَحِلُّ لأِحَدٍ الاِنْتِفَاعُ بِحَقِّ غَيْرِهِ نَتِيجَةَ تَصَرُّفٍ بَاطِلٍ مَا دَامَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ. فَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لاَ يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً.
هَذَا هُوَ الأْصْلُ، وَالْقُضَاةُ إِنَّمَا يَقْضُونَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ أَدِلَّةٍ وَحُجَجٍ يَبْنُونَ عَلَيْهَا أَحْكَامَهُمْ، وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِ الأْمْرِ.
وَلِذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم فِيمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْهُ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِمَا أَسْمَعُ، وَأَظُنُّهُ صَادِقًا، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».
23 - وَمُضِيِّ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ عَلَى أَيِّ تَصَرُّفٍ، مَعَ عَدَمِ تَقَدُّمِ أَحَدٍ إِلَى الْقَضَاءِ بِدَعْوَى بُطْلاَنِ هَذَا التَّصَرُّفِ، رُبَّمَا يَعْنِي صِحَّةَ هَذَا التَّصَرُّفِ أَوْ رِضَى صَاحِبِ الْحَقِّ بِهِ. وَمِنْ هُنَا نَشَأَ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِهَا بِحَسَبِ الأْحْوَالِ، وَبِحَسَبِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَبِحَسَبِ الْقَرَابَةِ وَعَدَمِهَا، وَمُدَّةِ الْحِيَازَةِ، لَكِنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ الَّتِي تَمْنَعُ سَمَاعَ الدَّعْوَى لاَ أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ، إِنْ كَانَ بَاطِلاً. يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ: الْحَقُّ لاَ يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، قَذْفًا أَوْ قِصَاصًا أَوْ لِعَانًا أَوْ حَقًّا لِلْعَبْدِ.
وَيَقُولُ: يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، إِلاَّ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: لَوْ قَضَى بِبُطْلاَنِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِالتَّقَادُمِ.
وَفِي التَّكْمِلَةِ لاِبْنِ عَابِدِينَ: مِنَ الْقَضَاءِ الْبَاطِلِ: الْقَضَاءُ بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ سِنِينَ. ثُمَّ يَقُولُ. عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ ثَلاَثِينَ سَنَةً، أَوْ بَعْدَ الاِطِّلاَعِ عَلَى التَّصَرُّفِ، لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى بُطْلاَنِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مَنْعٍ لِلْقَضَاءِ عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى، مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ لِصَاحِبِهِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ يَلْزَمُهُ.
وَفِي مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأِنَّ هَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ، فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ - وَإِنْ كَانُوا يَشْتَرِطُونَ لِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى حِيَازَةَ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ مُدَّةً تَخْتَلِفُ بِحَسَبِهِ مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ - إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْمُدَّعِي حَاضِرًا مُدَّةَ حِيَازَةِ الْغَيْرِ، وَيَرَاهُ يَقُومُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالتَّصَرُّفِ وَهُوَ سَاكِتٌ. أَمَّا إِذَا كَانَ يُنَازِعُهُ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ لاَ تُفِيدُ شَيْئًا مَهْمَا طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَفِي فَتْحِ الْعَلِيِّ لِمَالِكٍ: رَجُلٌ اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضٍ بَعْدَ مَوْتِ أَهْلِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، مَعَ وُجُودِ وَرَثَتِهِمْ، وَبَنَاهَا وَنَازَعَهُ الْوَرَثَةُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مَنْعِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ رُؤَسَاءِ بَلْدَتِهِمْ، فَهَلْ لاَ تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا؟ أُجِيبَ: نَعَمْ. لاَ تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا... سَمِعَ يَحْيَى مِنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ عُرِفَ بِغَصْبِ أَمْوَالِ النَّاسِ لاَ يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ مَالَ غَيْرِهِ فِي وَجْهِهِ، فَلاَ يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، وَإِنْ طَالَ بِيَدِهِ أَعْوَامًا إِنْ أَقَرَّ بِأَصْلِ الْمِلْكِ لِمُدَّعِيهِ، أَوْ قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ؛ لأِنَّ الْحِيَازَةَ لاَ تُوجِبُ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا هِيَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ تُوجِبُ تَصْدِيقَ غَيْرِ الْغَاصِبِ فِيمَا ادَّعَاهُ مَنْ تَصِيرُ إِلَيْهِ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ، وَهُوَ حَاضِرٌ لاَ يَطْلُبُهُ وَلاَ يَدَّعِيهِ، إِلاَّ وَقَدْ صَارَ إِلَى حَائِزَةٍ إِذَا حَازَهُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوَهَا.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 322
تَسْلِيمُ الْمَالِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ:
12 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ لاَ يُسَلَّمُ إِلَيْهِ مَالُهُ إِلاَّ بَعْدَ مَعْرِفَةِ رُشْدِهِ، وَذَلِكَ بِاخْتِبَارِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ فِي التَّصَرُّفَاتِ؛ لقوله تعالي : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) أَيِ اخْتَبِرُوهُمْ، وَاخْتِبَارُ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ يَحْصُلُ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا أَمْثَالُهُ إِلَيْهِ؛ لِيُتَبَيَّنَ مَدَى إِدْرَاكِهِ وَحُسْنُ تَصَرُّفِهِ .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (حَجْرٌ).
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَمْوَالَ الصَّغِيرِ لاَ تُسَلَّمُ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ رَاشِدًا؛ لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ دَفْعَ الْمَالِ إِلَيْهِ عَلَى شَرْطَيْنِ هُمَا الْبُلُوغُ وَالرُّشْدُ فِي قوله تعالي : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)، وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطَيْنِ لاَ يَثْبُتُ بِدُونِهِمَا، فَإِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ رَشِيدًا مُصْلِحًا لِلْمَالِ، وَجَبَ دَفْعُ مَالِهِ إِلَيْهِ وَفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ. وَإِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ أَشْهَدَ عِنْدَ الدَّفْعِ .لقوله تعالي فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 58
تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ :
11- الْفُقَهَاءُ عَدَا الْحَنَفِيَّةَ لاَ يُفَرِّقُونَ فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْعَقْدَ لاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ. فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ حَذَفَ الْعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ - وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ - لَمْ يَنْقَلِبِ الْعَقْدُ صَحِيحًا، إِذْ لاَ عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ .
وَفِي الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ: لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِفَهُ أَوْ يُقْرِضَهُ، أَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ وَالْعَقْدُ بَاطِلٌ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» . وَلأِنَّهُ اشْتَرَطَ عَقْدًا فِي عَقْدٍ فَفَسَدَ كَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ؛ وَلأِنَّهُ إِذَا اشْتَرَطَ الْقَرْضَ زَادَ فِي الثَّمَنِ لأِجْلِهِ، فَتَصِيرُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ عِوَضًا عَنِ الْقَرْضِ وَرِبْحًا لَهُ، وَذَلِكَ رِبًا مُحَرَّمٌ، فَفَسَدَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ؛ وَلأِنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَلاَ يَعُودُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ ثُمَّ تَرَكَ أَحَدَهُمَا .
وَفِي بَابِ الرَّهْنِ قَالَ: لَوْ بَطَلَ الْعَقْدُ لَمَا عَادَ صَحِيحًا .
وَفِي شَرْحِ منتهى الإرادات: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَصِحُّ الْعَقْدُ إِذَا حُذِفَ الشَّرْطُ الْمُفْسِدُ لِلْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْطًا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، أَمْ كَانَ شَرْطًا يُخِلُّ بِالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، إِلاَّ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ مَعَهَا وَلَوْ حُذِفَ الشَّرْطُ، وَهِيَ:
أ - مَنِ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى أَنَّهُ إِنْ مَاتَ فَالثَّمَنُ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، فَإِِنَّهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَلَوْ أَسْقَطَ هَذَا الشَّرْطَ لأِنَّهُ غَرَرٌ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ: إِنْ مَاتَ فَلاَ يُطَالِبُ الْبَائِعُ وَرَثَتَهُ بِالثَّمَنِ.
ب - شَرْطُ مَا لاَ يَجُوزُ مِنْ أَمَدِ الْخِيَارِ، فَيَلْزَمُ فَسْخُهُ وَإِنْ أَسْقَطَ لِجَوَازِ كَوْنِ إِسْقَاطِهِ أَخْذًا بِهِ.
ج - مَنْ بَاعَ أَمَةً وَشَرَطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ لاَ يَطَأَهَا، وَأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ فَهِيَ حُرَّةٌ، أَوْ عَلَيْهِ دِينَارٌ مَثَلاً، فَيُفْسَخُ وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ لأِنَّهُ يَمِينٌ.
د - شَرْطُ الثُّنْيَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ.
وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ شَرْطًا خَامِسًا وَهُوَ:
هـ - شَرْطُ النَّقْدِ (أَيْ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ) فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَسْقَطَ شَرْطَ النَّقْدِ فَلاَ يَصِحُّ .
وَفِي الإْجَارَةِ جَاءَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: تَفْسُدُ الإجَارَةُ بِالشَّرْطِ الَّذِي يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَمَحَلُّ الْفَسَادِ إِنْ لَمْ يُسْقِطَ الشَّرْطَ، فَإِنْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ صَحَّتْ .
وَيُوَضِّحُ ابْنُ رُشْدٍ سَبَبَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ أَوْ عَدَمِ صِحَّتِهِ. فَيَقُولُ: هَلْ إِذَا لَحِقَ الْفَسَادُ بِالْبَيْعِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْطِ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ إِذَا ارْتَفَعَ الشَّرْطُ، أَوْ لاَ يَرْتَفِعُ؟ كَمَا لاَ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ اللاَّحِقُ لِلْبَيْعِ الْحَلاَلِ مِنْ أَجْلِ اقْتِرَانِ الْمُحَرَّمِ الْعَيْنَ بِهِ، كَمَنْ بَاعَ غُلاَمًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَزِقِّ خَمْرٍ، فَلَمَّا عَقَدَ الْبَيْعَ قَالَ: أَدَّعِ الزِّقَّ. وَهَذَا الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِإِجْمَاعٍ.
وَهَذَا أَيْضًا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ آخَرَ. هُوَ: هَلْ هَذَا الْفَسَادُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرُ مَعْقُولٍ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، لَمْ يَرْتَفِعِ الْفَسَادُ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ. وَإِنْ قُلْنَا: مَعْقُولٌ، ارْتَفَعَ الْفَسَادُ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ.
فَمَالِكٌ رَآهُ مَعْقُولاً، وَالْجُمْهُورُ رَأَوْهُ غَيْرَ مَعْقُولٍ، وَالْفَسَادُ الَّذِي يُوجَدُ فِي بُيُوعِ الرِّبَا وَالْغَرَرِ هُوَ أَكْثَرُ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ لَيْسَ يَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ أَصْلاً، وَإِنْ تُرِكَ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَارْتَفَعَ الْغَرَرُ .
12-وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ - خِلاَفًا لِزُفَرَ - تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، بِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ دُونَ الْبَاطِلِ، وَيَقُولُونَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ: إِنَّ ارْتِفَاعَ الْمُفْسِدِ فِي الْفَاسِدِ يَرُدُّهُ صَحِيحًا، لأِنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ مَعَ الْفَسَادِ، وَمَعَ الْبُطْلاَنِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِصِفَةِ الْبُطْلاَنِ، بَلْ كَانَ مَعْدُومًا.
وَعِنْدَ زُفَرَ: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ.
لَكِنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا. يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: الأْصْلُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى الْفَسَادِ، فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا بِأَنْ دَخَلَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ - وَهُوَ الْبَدَلُ أَوِ الْمُبْدَلُ - لاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، كَمَا إِذَا بَاعَ عَبْدًا بأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، فَحَطَّ الْخَمْرَ عَنِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فَاسِدٌ وَلاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا.
وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بَلْ فِي شَرْطٍ جَائِزٍ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَمْ يُوَقَّتْ، أَوْ وُقِّتَ إِلَى وَقْتٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ، أَوْ لَمْ يُذْكُرِ الْوَقْتُ، وَكَمَا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، فَإِذَا أَسْقَطَ الأْجَلَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ قَبْلَ حُلُولِهِ وَقَبْلَ فَسْخِهِ جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، وَلَوْ كَانَ إِسْقَاطُ الأْجَلِ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ.
وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ بِسَبَبِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ بِالْبَائِعِ فِي التَّسْلِيمِ إِذَا سَلَّمَ الْبَائِعَ بِرِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ - كَمَا إِذَا بَاعَ جِذْعًا لَهُ فِي سَقْفٍ، أَوْ آجُرًّا لَهُ فِي حَائِطٍ، أَوْ ذِرَاعًا فِي دِيبَاجٍ - أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ إِلاَّ بِالنَّزْعِ وَالْقَطْعِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْبَائِعِ، وَالضَّرَرُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ، فَكَانَ هَذَا عَلَى التَّقْدِيرِ بَيْعُ مَا لاَ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ شَرْعًا، فَيَكُونُ فَاسِدًا. فَإِنْ نَزَعَهُ الْبَائِعُ أَوْ قَطَعَهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ جَازَ الْبَيْعُ؛ لأِنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْجَوَازِ ضَرَرُ الْبَائِعِ بِالتَّسْلِيمِ، فَإِذَا سَلَّمَ بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ، فَجَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ .
وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ طِبْقًا لِقَاعِدَةِ: إِذَا زَالَ الْمَانِعُ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي عَادَ الْحُكْمُ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ. وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَالزَّرْعُ وَالنَّخْلُ فِي الأْرْضِ، وَالتَّمْرُ فِي النَّخِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاعِ؛ لأِنَّ هَا مَوْجُودَةٌ، وَامْتِنَاعُ الْجَوَازِ لِلاِتِّصَالِ، فَإِذَا فَصَّلَهَا وَسَلَّمَهَا جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ: إِذَا رَهَنَ الأْرْضَ بِدُونِ الْبِنَاءِ، أَوْ بِدُونِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ، أَوْ رَهَنَ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ بِدُونِ الأْرْضِ، أَوْ رَهَنَ الشَّجَرَ بِدُونِ الثَّمَرِ، أَوْ رَهَنَ الثَّمَرَ بِدُونِ الشَّجَرِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ، وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ. وَلَوْ جُذَّ الثَّمَرُ وَحُصِدَ الزَّرْعُ وَسُلِّمَ مُنْفَصِلاً جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ .
تَصْحِيحُ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِهِ عَقْدًا آخَرَ :
13-هَذَا، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إِذَا أَمْكَنَ تَحْوِيلُهُ إِلَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ لِتَوَافُرِ أَسْبَابِ الصِّحَّةِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الصِّحَّةُ عَنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، أَمْ عَنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْبَعْضِ الآْخَرِ نَظَرًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي قَاعِدَةِ (هَلِ الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا).
وَنُوَضِّحُ ذَلِكَ بِالأْمْثِلَةِ الآْتِيَةِ:
14-فِي الأْشْبَاهِ لاِبْنِ نُجَيْمٍ: الاِعْتِبَارُ لِلْمَعْنَى لاَ لِلأْلْفَاظِ، صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا: الْكَفَالَةُ، فَهِيَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الأْصِيلِ حَوَالَةً، وَهِيَ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَتِهِ كَفَالَةً .
وَفِي الاِخْتِيَارِ: شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَتَسَاوَى الشَّرِيكَانِ فِي التَّصَرُّفِ وَالدَّيْنِ وَالْمَالِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ.. فَلاَ تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، فَإِذَا عَقَدَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ الْمُفَاوَضَةَ صَارَتْ عِنَانًا عِنْدَهُمَا، لِفَوَاتِ شَرْطِ الْمُفَاوَضَةِ وَوُجُودِ شَرْطِ الْعِنَانِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فَاتَ مِنْ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ يُجْعَلُ عِنَانًا إِذَا أَمْكَنَ، تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِمَا بِقَدْرِ الإْمْكَانِ .
وَفِي الاِخْتِيَارِ أَيْضًا: عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ، إِنْ شُرِطَ فِيهِ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ فَهُوَ قَرْضٌ؛ لأِنَّ كُلَّ رِبْحٍ لاَ يُمْلَكُ إِلاَّ بِمِلْكِ رَأْسِ الْمَالِ، فَلَمَّا شُرِطَ لَهُ جَمِيعُ الرِّبْحِ فَقَدْ مَلَّكَهُ رَأْسَ الْمَالِ، وَإِنْ شُرِطَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ كَانَ إِبْضَاعًا، وَهَذَا مَعْنَاهُ عُرْفًا وَشَرْعًا .
وَجَاءَ فِي مِنَحِ الْجَلِيلِ: مَنْ أَحَالَ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَأَعْلَمَ الْمُحَالَ، صَحَّ عَقْدُ الْحَوَالَةِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ تَصِحَّ، وَتَنْقَلِبُ حَمَالَةً أَيْ كَفَالَةً.
وَفِي أَشْبَاهِ السُّيُوطِيِّ: هَلِ الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا؟ خِلاَفٌ. التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ فِي الْفُرُوعِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: إِذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا عَلَى أَلْفٍ. إِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ فَسَدَ وَلاَ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ، وَإِنْ قُلْنَا: عِتْقٌ بِعِوَضٍ، صَحَّ وَوَجَبَ الْمُسَمَّى. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ، فَهُوَ إِقَالَةٌ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَخَرَّجَهُ السُّبْكِيُّ عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَالتَّخْرِيجُ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ: إِنِ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى فَإِقَالَةٌ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع عشر ، الصفحة / 87
الْحَجْرُ عَلَى الصَّغِيرِ:
6 - يَبْدَأُ الصِّغَرُ مِنْ حِينِ الْوِلاَدَةِ إِلَى مَرْحَلَةِ الْبُلُوغِ، وَلِمَعْرِفَةِ مَتَى يَتِمُّ الْبُلُوغُ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (بُلُوغٌ).
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ حَتَّى يَبْلُغَ ثُمَّ يَسْتَمِرَّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَرْشُدَ.
لقوله تعالي : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وَذَلِكَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ لِقُصُورِ إِدْرَاكِهِ.
وَيَنْتَهِي الْحَجْرُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ لقوله تعالي : ) فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) أَيْ: أَبْصَرْتُمْ وَعَلِمْتُمْ مِنْهُمْ حِفْظًا لأِمْوَالِهِمْ وَصَلاَحِهِمْ فِي تَدْبِيرِهِمْ. وَلاَ يَنْتَهِي الْحَجْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّبِيِّ وَلاَ يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ قَبْلَ وُجُودِ الأْمْرَيْنِ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ وَلَوْ صَارَ شَيْخًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لأِبِي حَنِيفَةَ كَمَا سَيَأْتِي.
أَثَرُ الْحَجْرِ عَلَى تَصَرُّفَاتِ الصَّغِيرِ:
7 - سَبَقَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رَشِيدًا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ فِي حُكْمِ تَصَرُّفَاتِهِ، هَلْ تَقَعُ صَحِيحَةً غَيْرَ نَافِذَةٍ أَمْ تَقَعُ فَاسِدَةً ؟
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ طَلاَقُ الصَّبِيِّ وَلاَ إِقْرَارُهُ وَلاَ عِتْقُهُ وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا، وَإِذَا عَقَدَ الصَّبِيُّ عَقْدًا فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ صَحَّ الْعَقْدُ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.
وَكَذَا إِذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَجَبَتِ الأْجْرَةُ اسْتِحْسَانًا.
وَإِذَا عَقَدَ الصَّبِيُّ عَقْدًا يَدُورُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ وَكَانَ يَعْقِلُهُ (أَيْ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ لَهُ)، فَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ صَحَّ، وَإِذَا رَدَّهُ بَطَلَ الْعَقْدُ. هَذَا إِذَا لَمْ يَتَضَمَّنِ الْعَقْدُ غَبْنًا فَاحِشًا وَإِلاَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لاَ يَعْقِلُهُ فَقَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ.
وَإِذَا أَتْلَفَ الصَّبِيُّ - سَوَاءٌ عَقَلَ أَمْ لاَ - شَيْئًا مُتَقَوِّمًا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ ضَمِنَهُ، إِذْ لاَ حَجْرَ فِي التَّصَرُّفِ الْفِعْلِيِّ، وَتَضْمِينُهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّكْلِيفِ فَيَضْمَنُ الصَّبِيُّ مَا أَتْلَفَهُ مِنَ الْمَالِ لِلْحَالِ، وَإِذَا قَتَلَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إِلاَّ فِي مَسَائِلَ لاَ يَضْمَنُ فِيهَا لأِنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ: كَمَا إِذَا أَتْلَفَ مَا اقْتَرَضَهُ، وَمَا أُودِعَ عِنْدَهُ بِلاَ إِذْنِ وَلِيِّهِ، وَكَذَا إِذَا أَتْلَفَ مَا أُعِيرَ لَهُ وَمَا بِيعَ مِنْهُ بِلاَ إِذْنٍ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ رَشِيدًا، وَزِيدَ فِي الأُْنْثَى دُخُولُ الزَّوْجِ بِهَا، وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلاَحِ حَالِهَا.
وَلَوْ تَصَرَّفَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ بِمُعَاوَضَةٍ بِلاَ إِذْنِ وَلِيِّهِ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَهِبَةِ الثَّوَابِ (الْهِبَةُ بِعِوَضٍ) فَلِلْوَلِيِّ رَدُّ هَذَا التَّصَرُّفِ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ تَعَيَّنَ عَلَى الْوَلِيِّ رَدُّهُ كَإِقْرَارٍ بِدَيْنٍ.
وَلِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ رَدُّ تَصَرُّفِ نَفْسِهِ قَبْلَ رُشْدِهِ إِنْ رَشَدَ حَيْثُ تَرَكَهُ وَلِيُّهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِتَصَرُّفِهِ أَوْ لِسَهْوِهِ أَوْ لِلإْعْرَاضِ عَنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ.
وَلَوْ حَنِثَ بَعْدَ رُشْدِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ حَالَ صِغَرِهِ: أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ كَذَا فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ، فَفَعَلَهُ بَعْدَ رُشْدِهِ فَلَهُ رَدُّهُ فَلاَ يَلْزَمُهُ طَلاَقٌ وَلاَ عِتْقٌ، وَلَهُ إِمْضَاؤُهُ. وَلاَ يُحْجَرُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِضَرُورَةِ الْعَيْشِ كَدِرْهَمٍ مَثَلاً، وَلاَ يُرَدُّ فِعْلُهُ فِيهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ.
وَيَضْمَنُ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ مَا أَفْسَدَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فِي الذِّمَّةِ، فَتُؤْخَذُ قِيمَةُ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ إِنْ كَانَ، وَإِلاَّ أُتْبِعَ بِهَا فِي ذِمَّتِهِ إِلَى وُجُودِ مَالٍ، هَذَا إِذَا لَمْ يُؤْتَمَنِ الصَّبِيُّ عَلَى مَا أَتْلَفَهُ، فَإِنِ اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لأِنَّ مَنِ ائْتَمَنَهُ قَدْ سَلَّطَهُ عَلَى إِتْلاَفِهِ، وَلأِنَّهُ لَوْ ضَمِنَ الْمَحْجُورُ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْحَجْرِ. وَاسْتَثْنَى ابْنُ عَرَفَةَ: الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَزِدْ عَنْ شَهْرٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لأِنَّهُ كَالْعَجْمَاءِ. وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ إِذَا لَمْ يَخْلِطْ فِيهَا، فَإِنْ خَلَطَ بِأَنْ تَنَاقَضَ فِيهَا أَوْ أَوْصَى بِغَيْرِ قُرْبَةٍ لَمْ تَصِحَّ.
وَإِنَّ الزَّوْجَةَ الْحُرَّةَ الرَّشِيدَةَ يُحْجَرُ عَلَيْهَا لِزَوْجِهَا فِي تَصَرُّفٍ زَائِدٍ عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا وَتَبَرُّعُهَا مَاضٍ حَتَّى يُرَدَّ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إِلَى الْبُلُوغِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مُمَيِّزًا أَمْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ.
وَالصِّبَا يَسْلُبُ الْوِلاَيَةَ وَالْعِبَارَةُ فِي الْمُعَامَلَةِ كَالْبَيْعِ، وَفِي الدَّيْنِ كَالإْسْلاَمِ، إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ مِنْ عِبَادَةٍ مِنْ مُمَيِّزٍ، لَكِنَّهُ يُثَابُ عَلَى الْفَرِيضَةِ أَقَلُّ مِنْ ثَوَابِ الْبَالِغِ عَلَى النَّافِلَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ عَدَمُ خِطَابِهِ بِهَا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لاَ ثَوَابَ أَصْلاً لِعَدَمِ خِطَابِهِ بِالْعِبَادَةِ، لَكِنَّهُ أُثِيبَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْعِبَادَةِ، فَلاَ يَتْرُكُهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَاسْتُثْنِيَ كَذَلِكَ مِنَ الْمُمَيِّزِ الإِذْنُ فِي دُخُولِ الدَّارِ، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا إِيصَالُ هَدِيَّةٍ مِنْ مُمَيِّزٍ مَأْمُونٍ أَيْ لَمْ يُجَرَّبْ عَلَيْهِ كَذِبٌ.
وَلِلصَّبِيِّ تَمَلُّكُ الْمُبَاحَاتِ وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرَاتِ وَيُثَابُ عَلَيْهَا كَالْمُكَلَّفِ، وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي تَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ إِذَا عُيِّنَ لَهُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالْحُكْمُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَالْحُكْمِ فِي السَّفِيهِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا فِيمَا أَتْلَفَاهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِمَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَوْ غَصَبَاهُ فَتَلِفَ فِي أَيْدِيهِمَا، وَانْتِفَاءُ الضَّمَانِ عَنْهُمَا فِيمَا حَصَلَ فِي أَيْدِيهِمَا بِاخْتِيَارِ صَاحِبِهِ وَتَسْلِيطِهِ كَالثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ وَالاِسْتِدَانَةِ، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمَا فِيمَا تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِمَا، وَإِنْ أَتْلَفَاهُ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ.
مَتَى يُدْفَعُ الْمَالُ إِلَى الصَّغِيرِ:
8 - إِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ رَشِيدًا أَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ ثُمَّ رَشَدَ دُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ وَفُكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، لقوله تعالي : (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وَلِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «لاَ يُتْمَ بَعْدَ احْتِلاَمٍ» . وَلاَ يُحْتَاجُ فِي هَذَا إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، لأِنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ ثَبَتَ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ فَيَزُولُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمَذْهَبِ - وَالْحَنَابِلَةُ).
وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ يَفْتَقِرُ إِلَى الْحَاكِمِ، لأِنَّ الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الصَّغِيرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى:
فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَهُوَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ بِبُلُوغِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ سَفَهٌ أَوْ يَحْجُرْهُ أَبُوهُ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ قَدْ مَاتَ وَعَلَيْهِ وَصِيٌّ فَلاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ إِلاَّ بِالتَّرْشِيدِ. فَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ مِنَ الأْبِ (وَهُوَ الْوَصِيُّ الْمُخْتَارُ) فَلَهُ أَنْ يُرَشِّدَهُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ مُقَدَّمًا مِنْ قَاضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرْشِيدُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ الْقَاضِي.
وَقَالَ الدَّرْدِيرُ: إِنَّ الْحَجْرَ عَلَى الصَّبِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَالِهِ يَكُونُ لِبُلُوغِهِ مَعَ صَيْرُورَتِهِ حَافِظًا لِمَالِهِ بَعْدَهُ فَقَطْ إِنْ كَانَ ذَا أَبٍ أَوْ مَعَ فَكِّ الْوَصِيِّ وَالْمُقَدَّمُ (الْوَصِيُّ الْمُعَيَّنُ مِنَ الْقَاضِي) إِنْ كَانَ ذَا وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ فَذُو الأْبِ بِمُجَرَّدِ صَيْرُورَتِهِ حَافِظًا لِلْمَالِ بَعْدَ بُلُوغِهِ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَفُكَّهُ أَبُوهُ عَنْهُ، قَالَ ابْن عَاشِرٍ: يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا حَجَرَ الأَْبُ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ عِنْوَانُ الْبُلُوغِ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ حَافِظًا لِلْمَالِ إِلاَّ لِفَكِّ الأَْبِ.
وَأَمَّا فَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْوَصِيِّ فَيَحْتَاجُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْعُدُولِ: اشْهَدُوا أَنِّي فَكَكْتُ الْحَجْرَ عَنْ فُلاَنٍ وَأَطْلَقْتُ لَهُ التَّصَرُّفَ لِمَا قَامَ عِنْدِي مِنْ رُشْدِهِ وَحُسْنِ تَصَرُّفِهِ، فَتَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْفَكِّ لاَزِمٌ لاَ يُرَدُّ. وَلاَ يَحْتَاجُ لإِِذْنِ الْحَاكِمِ فِي الْفَكِّ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَبْلُغَ وَلاَ يَكُونَ لَهُ أَبٌ وَلاَ وَصِيٌّ، وَهُوَ الْمُهْمَلُ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرُّشْدِ إِلاَّ إِنْ تَبَيَّنَ سَفَهُهُ.
وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى فَهِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهَا: إِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَبٍ فَإِنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ تَبْقَى فِي حِجْرِهِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَيَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَتَبْقَى مُدَّةً بَعْدَ الدُّخُولِ.
وَاخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ عَامٍ إِلَى سَبْعَةِ أَعْوَامٍ.
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا حُسْنُ تَصَرُّفِهَا فِي الْمَالِ وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ بِذَلِكَ.
الثَّانِي: إِنْ كَانَتْ ذَاتَ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ لاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهَا إِلاَّ بِهَذِهِ الأَْرْبَعَةِ (وَهِيَ بُلُوغُهَا، وَالدُّخُولُ بِهَا، وَبَقَاؤُهَا مُدَّةً بَعْدَ الدُّخُولِ، وَثُبُوتُ حُسْنِ التَّصَرُّفِ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ) وَفَكَّ الْوَصِيُّ أَوِ الْمُقَدَّمُ. فَإِنْ لَمْ يَفُكَّا الْحَجْرَ عَنْهَا بِتَرْشِيدِهَا كَانَ تَصَرُّفُهَا مَرْدُودًا وَلَوْ عَنَسَتْ أَوْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَطَالَتْ إِقَامَتُهَا عِنْدَهُ .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ إِنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ (أَيْ قَبْلَ بُلُوغِهِ هَذِهِ السِّنَّ مَعَ إِينَاسِ الرُّشْدِ) وَيُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ مَتَى بَلَغَ الْمُدَّةَ وَلَوْ كَانَ مُفْسِدًا لقوله تعالي : (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) وَالْمُرَادُ بِالْيَتِيمِ هُنَا مَنْ بَلَغَ، وَسُمِّيَ فِي الآْيَةِ يَتِيمًا لِقُرْبِهِ مِنَ الْبُلُوغِ، وَلأِنَّهُ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِ الْبُلُوغِ قَدْ لاَ يُفَارِقُهُ السَّفَهُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا فَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، لأِنَّهُ حَالُ كَمَالِ لُبِّهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَنْتَهِي لُبُّ الرَّجُلِ إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَقَالَ أَهْلُ الطَّبَائِعِ (الأْطِبَّاءُ): مَنْ بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَ رُشْدَهُ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ سِنًّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ فِيهَا جَدًّا، لأِنَّ أَدْنَى مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا الْغُلاَمُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ الْوَلَدُ يَبْلُغُ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا، حَتَّى لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ مُبَذِّرًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ مَالُهُ، لأِنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا فَلاَ يُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ الْمَالِ، وَلأِنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّأْدِيبِ عُقُوبَةٌ عَلَيْهِ، وَالاِشْتِغَالُ ذعِنْدَ رَجَاءِ التَّأَدُّبِ، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ فَقَدِ انْقَطَعَ رَجَاءُ التَّأَدُّبِ فَلاَ مَعْنَى لِمَنْعِ الْمَالِ بَعْدَهُ .
الْحَجْرُ عَلَى الْمَجْنُونِ:
9 - الْجُنُونُ هُوَ اخْتِلاَلُ الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ جَرَيَانَ الأَْفْعَالِ وَالأَْقْوَالِ عَلَى نَهْجِهِ إِلاَّ نَادِرًا .
وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْبِقًا أَوْ مُتَقَطِّعًا .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَجْنُونِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا أَمْ طَارِئًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَوِيًّا أَمْ ضَعِيفًا، وَالْقَوِيُّ: الْمُطْبِقُ، وَالضَّعِيفُ: غَيْرُهُ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجُنُونَ مِنْ عَوَارِضِ الأَْهْلِيَّةِ فَهُوَ يُزِيلُ أَهْلِيَّةَ الأَْدَاءِ إِنْ كَانَ مُطْبِقًا، فَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ آثَارُهَا الشَّرْعِيَّةُ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْجُنُونُ مُتَقَطِّعًا فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ التَّكْلِيفَ فِي حَالِ الإِْفَاقَةِ وَلاَ يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ كَمَا يَلِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ.
قَالَ الْحَصْكَفِيُّ: وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ وَالدُّرَرِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا الْمِعْرَاجُ حَيْثُ فَسَّرَ الْمَغْلُوبَ بِاَلَّذِي لاَ يَعْقِلُ أَصْلاً. ثُمَّ قَالَ: وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنِ الْمَجْنُونِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ كَتَصَرُّفِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْتُوهُ.
وَجَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنَّهُ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ عَابِدِينَ حَيْثُ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ (الْحَصْكَفِيِّ صَاحِبِ الدُّرِّ) أَنْ يَقُولَ: فَحُكْمُهُ كَعَاقِلٍ أَيْ: فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِيَظْهَرَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَغْلُوبِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ غَيْرُ الْمَغْلُوبِ كَمُمَيِّزٍ لاَ يَصِحُّ طَلاَقُهُ وَلاَ إِعْتَاقُهُ كَالْمَغْلُوبِ.
وَإِذَا أَتْلَفَ الْمَجْنُونُ شَيْئًا مُقَوَّمًا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ ضَمِنَهُ إِذْ لاَ حَجْرَ فِي التَّصَرُّفِ الْفِعْلِيِّ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ إِلاَّ إِذَا أَتْلَفَ شَيْئًا فَفِي مَالِهِ، وَالدِّيَةُ إِنْ بَلَغَتِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ كَالْمَالِ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ بِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلاَيَاتُ الثَّابِتَةُ بِالشَّرْعِ كَوِلاَيَةِ النِّكَاحِ، أَوِ التَّفْوِيضِ كَالإْيصَاءِ وَالْقَضَاءِ لأِنَّهُ إِذَا لَمْ يَلِ أَمْرَ نَفْسِهِ فَأَمْرُ غَيْرِهِ أَوْلَى.
وَلاَ تُعْتَبَرُ عِبَارَةُ الْمَجْنُونِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ لَهُ أَمْ عَلَيْهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَالإْسْلاَمِ وَالْمُعَامَلاَتِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ.
وَأَمَّا أَفْعَالُهُ فَمِنْهَا مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ كَإِحْبَالِهِ وَإِتْلاَفِهِ مَالَ غَيْرِهِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ بِوَطْئِهِ، وَتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى إِرْضَاعِهِ وَالْتِقَاطِهِ وَاحْتِطَابِهِ وَاصْطِيَادِهِ، وَعَمْدُهُ عَمْدٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْ: حَيْثُ كَانَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ سَبَقَ كَلاَمُهُمْ عَلَى الْمَجْنُونِ فِي الْكَلاَمِ عَلَى الصَّبِيِّ.
وَيَرْتَفِعُ حَجْرُ الْمَجْنُونِ بِالإْفَاقَةِ مِنَ الْجُنُونِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى فَكٍّ فَتُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُ وَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ (ر: جُنُونٌ).
الْحَجْرُ عَلَى الْمَعْتُوهِ:
10 - اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي تَفْسِيرِ الْمَعْتُوهِ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ: هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلاَمِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَضْرِبُ وَلاَ يَشْتِمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ.
وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ تَفْسِيرًا لِلْعَتَهِ فِي الاِصْطِلاَحِ.
وَالْمَعْتُوهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْعَاقِلِ.
أَمَّا إِذَا أَفَاقَ فَإِنَّهُ كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ .
وَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ تَعَرُّضًا لِحُكْمِ تَصَرُّفَاتِ الْمَعْتُوهِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (عَتَهٌ).
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ إِذَا كَانَ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَهُوَ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ.
وَذَهَبَ السُّبْكِيُّ وَالأْذْرَعِيُّ إِلَى أَنَّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ فَمَجْنُونٌ وَإِلاَّ فَهُوَ مُكَلَّفٌ .
وَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَعَرُّضًا لِلْمَسْأَلَةِ.
الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ:
أ - السَّفَهُ:
11 - السَّفَهُ لُغَةً: هُوَ نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ، وَأَصْلُهُ الْخِفَّةُ، وَسَفِهَ الْحَقَّ جَهِلَهُ، وَسَفَّهْتُهُ تَسْفِيهًا: نَسَبْتُهُ إِلَى السَّفَهِ، أَوْ قُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ سَفِيهٌ.
وَهُوَ سَفِيهٌ، وَالأْنْثَى سَفِيهَةٌ، وَالْجَمْعُ سُفَهَاءُ .
وَأَمَّا اصْطِلاَحًا فَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِهِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ السَّفَهَ هُوَ تَبْذِيرُ الْمَالِ وَتَضْيِيعُهُ عَلَى خِلاَفِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَوِ الْعَقْلِ، كَالتَّبْذِيرِ وَالإْسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ، وَأَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَاتٍ لاَ لِغَرَضٍ، أَوْ لِغَرَضٍ لاَ يَعُدُّهُ الْعُقَلاَءُ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ غَرَضًا، كَدَفْعِ الْمَالِ إِلَى الْمُغَنِّينَ وَاللَّعَّابِينَ وَشِرَاءِ الْحَمَامِ الطَّيَّارِ بِثَمَنٍ غَالٍ، وَالْغَبْنِ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ غَيْرِ مَحْمَدَةٍ (أَوْ غَرَضٍ صَحِيحٍ).
وَأَصْلُ الْمُسَامَحَاتِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْبِرِّ وَالإْحْسَانِ مَشْرُوعٌ إِلاَّ أَنَّ الإْسْرَافَ حَرَامٌ كَالإْسْرَافِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلِذَا كَانَ مِنَ السَّفَهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَبْذِيرُ الْمَالِ وَتَضْيِيعُهُ وَلَوْ فِي الْخَيْرِ كَأَنْ يَصْرِفَهُ كُلَّهُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ السَّفَهَ هُوَ التَّبْذِيرُ (أَيْ: صَرْفُ الْمَالِ فِي غَيْرِ مَا يُرَادُ لَهُ شَرْعًا) بِصَرْفِ الْمَالِ فِي مَعْصِيَةٍ كَخَمْرٍ وَقِمَارٍ، أَوْ بِصَرْفِهِ فِي مُعَامَلَةٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ (خَارِجٍ عَنِ الْعَادَةِ) بِلاَ مَصْلَحَةٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَأْنُهُ مِنْ غَيْرِ مُبَالاَةٍ، أَوْ صَرْفُهُ فِي شَهَوَاتٍ نَفْسَانِيَّةٍ عَلَى خِلاَفِ عَادَةِ مِثْلِهِ فِي مَأْكَلِهِ وَمُشْرَبِهِ وَمَلْبُوسِهِ وَمَرْكُوبِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
أَوْ بِإِتْلاَفِهِ هَدَرًا كَأَنْ يَطْرَحَهُ عَلَى الأْرْضِ أَوْ يَرْمِيَهُ فِي بَحْرٍ أَوْ مِرْحَاضٍ، كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنَ السُّفَهَاءِ يَطْرَحُونَ الأْطْعِمَةَ وَالأْشْرِبَةَ فِيمَا ذُكِرَ وَلاَ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبَ الْمَاوَرْدِيُّ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ التَّبْذِيرِ وَالسَّرَفِ، فَقَالَ: التَّبْذِيرُ: الْجَهْلُ بِمَوَاقِعِ الْحُقُوقِ، وَالسَّرَفُ: الْجَهْلُ بِمَقَادِيرِ الْحُقُوقِ. وَكَلاَمُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي تَرَادُفَهُمَا.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ السَّفِيهَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الَّذِي يُضَيِّعُ مَالَهُ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهَا إِذَا كَانَ جَاهِلاً بِهَا - أَمَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْمُعَامَلَةِ فَأَعْطَى أَكْثَر مِنْ ثَمَنِهَا فَإِنَّ الزَّائِدَ صَدَقَةٌ خَفِيَّةٌ مَحْمُودَةٌ، أَيْ إِنْ كَانَ التَّعَامُلُ مَعَ مُحْتَاجٍ وَإِلاَّ فَهِبَةٌ.
وَمِنَ السَّفَهِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَرْمِيَ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً فِي بَحْرٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ يُنْفِقَ أَمْوَالَهُ فِي مُحَرَّمٍ.
وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ صَرْفَ الْمَالِ فِي الصَّدَقَةِ وَوُجُوهِ الْخَيْرِ، وَالْمَطَاعِمِ وَالْمُلاَبِسِ الَّتِي لاَ تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ. أَمَّا فِي الأْولَى وَهُوَ الصَّرْفُ فِي الصَّدَقَةِ وَوُجُوهِ الْخَيْرِ فَلأِنَّ لَهُ فِي الصَّرْفِ فِي الْخَيْرِ عِوَضًا، وَهُوَ الثَّوَابُ، فَإِنَّهُ لاَ سَرَفَ فِي الْخَيْرِ كَمَا لاَ خَيْرَ فِي السَّرَفِ. وَحَقِيقَةُ السَّرَفِ: مَا لاَ يُكْسِبُ حَمْدًا فِي الْعَاجِلِ وَلاَ أَجْرًا فِي الآْجِلِ.
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يَكُونُ مُبَذِّرًا إِنْ بَلَغَ مُفْرِطًا فِي الإْنْفَاقِ. فَإِنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُقْتَصِدًا فَلاَ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ الصَّرْفُ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمُلاَبِسِ فَلأِنَّ الْمَالَ يُتَّخَذُ لِيُنْتَفَعَ بِهِ وَيُلْتَذَّ بِهِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ فِي هَذَا النَّوْعِ يَكُونُ تَبْذِيرًا عَادَةً.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ السَّفِيهَ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ الْمُبَذِّرُ لَهُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الأْمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ يَرَوْنَ الْحَجْرَ عَلَى كُلِّ مُضَيِّعٍ لِمَالِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا .
ب - حُكْمُ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ:
12 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إِذَا فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ لِرُشْدِهِ وَبُلُوغِهِ وَدُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ ثُمَّ عَادَ إِلَى السَّفَهِ أُعِيدَ عَلَيْهِ الْحَجْرُ، وَبِهَذَا قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالأْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ.
وَاسْتَدَلُّوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ) وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا) وقوله تعالي : ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) .
فَقَدْ نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الدَّفْعِ إِلَيْهِ مَا دَامَ سَفِيهًا، وَأَمَرَنَا بِالدَّفْعِ إِنْ وُجِدَ مِنْهُ الرُّشْدُ، إِذْ لاَ يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَلأِنَّ مَنْعَ مَالِهِ لِعِلَّةِ السَّفَهِ فَيَبْقَى الْمَنْعُ مَا بَقِيَتِ الْعِلَّةُ، صَغِيرًا كَانَ السَّفِيهُ أَوْ كَبِيرًا.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : «خُذُوا عَلَى يَدِ سُفَهَائِكُمْ».
وَأَوْرَدَ ابْنُ قُدَامَةَ مَا رَوَاهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ ابْتَاعَ بَيْعًا، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه : لآَتِيَنَّ عُثْمَانَ لِيَحْجُرَ عَلَيْكَ، فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ، فَقَالَ: قَدِ ابْتَعْتُ بَيْعًا وَإِنَّ عَلِيًّا يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ فَيَسْأَلَهُ الْحَجْرَ عَلَيَّ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُكَ فِي الْبَيْعِ.
فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ قَدِ ابْتَاعَ بَيْعَ كَذَا فَاحْجُرْ عَلَيْهِ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ فِي الْبَيْعِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: كَيْفَ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرُ ؟
ثُمَّ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذِهِ قِصَّةٌ يَشْتَهِرُ مِثْلُهَا وَلَمْ يُخَالِفْهَا أَحَدٌ فِي عَصْرِهِمْ فَتَكُونُ إِجْمَاعًا حِينَئِذٍ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ هَذَا سَفِيهٌ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا فَإِنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي اقْتَضَتِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَ سَفِيهًا سَفَهُهُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَلأِنَّ السَّفَهَ لَوْ قَارَنَ الْبُلُوغَ مَنَعَ دَفْعَ مَالِهِ إِلَيْهِ، فَإِذَا حَدَثَ أَوْجَبَ انْتِزَاعَ الْمَالِ كَالْجُنُونِ، وَفِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ صِيَانَةٌ لِمَالِهِ وَوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُبْتَدَأُ الْحَجْرُ عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ بِسَبَبِ السَّفَهِ لِمَا سَبَقَ.
الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ:
13 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ إِلَى أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ حُكْمٍ حَاكِمٍ، كَمَا أَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ أَيْضًا، لأِنَّ الْحَجْرَ إِذَا كَانَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لاَ يَزُولُ إِلاَّ بِهِ، وَلأِنَّ الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ وَاجْتِهَادٍ فِي مَعْرِفَتِهِ وَزَوَالِ تَبْذِيرِهِ فَكَانَ كَابْتِدَاءِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ السَّفِيهَ لاَ يَحْتَاجُ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ إِلَى قَضَاءِ الْقَاضِي لأِنَّ فَسَادَهُ فِي مَالِهِ يَحْجُرُهُ وَصَلاَحُهُ فِيهِ يُطْلِقُهُ. وَإِنَّ عِلَّةَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ السَّفَهُ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَالِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ.
وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلاَفِ فِيمَا لَوْ بَاعَ السَّفِيهُ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ .
تَصَرُّفَاتُ السَّفِيهِ:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَ السَّفِيهِ فِي مَالِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّصَرُّفَاتِ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مُصْطَلَحِ (سَفَهٌ، وَوِلاَيَةٌ).
الْحَجْرُ عَلَى ذِي الْغَفْلَةِ:
15 - ذُو الْغَفْلَةِ هُوَ مَنْ يُغْبَنُ فِي الْبُيُوعِ لِسَلاَمَةِ قَلْبِهِ وَلاَ يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ.
وَيَخْتَلِفُ عَنِ السَّفِيهِ بِأَنَّ السَّفِيهَ مُفْسِدٌ لِمَالِهِ وَمُتَابِعٌ لِهَوَاهُ، أَمَّا ذُو الْغَفْلَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ لِمَالِهِ وَلاَ يَقْصِدُ الْفَسَادَ.
وَلَمْ نَجِدْ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَا الْغَفْلَةِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ سِوَى الصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ أَدْرَجَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْوَصْفَ فِي السَّفَهِ وَالتَّبْذِيرِ.
فَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَجْرَ يَثْبُتُ عَلَى ذِي الْغَفْلَةِ كَالسَّفِيهِ أَيْ: مِنْ حِينِ قَضَاءِ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمِنْ حِينِ ظُهُورِ أَمَارَاتِ الْغَفْلَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى هَذَا فَيَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَبِزَوَالِ الْغَفْلَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ شُرِعَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ وَنَظَرًا لَهُ، فَقَدْ «طَلَبَ أَهْلُ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ مِنَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ، فَأَقَرَّهُمُ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ»، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْحَجْرُ مَشْرُوعًا عَلَى ذِي الْغَفْلَةِ لأَنْكَرَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم طَلَبَهُمْ. وَذَلِكَ فِيمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ «أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم كَانَ يَبْتَاعُ وَفِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، فَأَتَى أَهْلُهُ نَبِيَّ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: احْجُرْ عَلَى فُلاَنٍ، فَإِنَّهُ يَبْتَاعُ وَفِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم فَنَهَاهُ عَنِ الْبَيْعِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي لاَ أَصْبِرُ عَنِ الْبَيْعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم إِنْ كُنْت غَيْرَ تَارِكٍ الْبَيْعَ فَقُلْ: هَاءَ وَهَاءَ وَلاَ خِلاَبَةَ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُحْجَرُ عَلَى الْغَافِلِ بِسَبَبِ غَفْلَتِهِ، وَالنَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم لَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى طَلَبِهِمْ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: قُلْ: لاَ خِلاَبَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ. وَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ مَشْرُوعًا لأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثلاثون ، الصفحة / 246
أَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْعِقَادِ تَصَرُّفَاتِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ إِلَى فَرِيقَيْنِ:
فَذَهَبَ الْفَرِيقُ الأْوَّلُ، وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ تَصَرُّفَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ يَنْعَقِدُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيمَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ، وَإِلاَّ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ أَوِ الْوَصِيِّ.
وَذَهَبَ الْفَرِيقُ الثَّانِي وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ بَيْعَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَشِرَاءَهُ لاَ يَنْعَقِدُ أَيٌّ مِنْهُمَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ؛ لأِنَّ شَرْطَ الْعَاقِدِ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ أَكَانَ بَائِعًا، أَمْ مُشْتَرِيًا هُوَ الرُّشْدُ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاوثون ، الصفحة / 7
مَأْذُونٌ
التَّعْرِيفُ :
1 - الْمَأْذُونُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَذِنَ، يُقَالُ: أَذِنَ لَهُ فِي الشَّيْءِ: أَيْ أَبَاحَهُ لَهُ.
وَالاِسْمُ: الإْذْنُ، وَيَكُونُ الأْمْرُ إِذْنًا، وَكَذَا الإْرَادَةُ، نَحْوُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: أَذِنْتُ لِلصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ، فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ.
وَالْفُقَهَاءُ يَحْذِفُونَ الصِّلَةَ تَخْفِيفًا، فَيَقُولُونَ: الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ، لِفَهْمِ الْمَعْنَى.
وَتَأْتِي أَذِنَ بِمَعْنَى: عَلِمَ، عَلَى مِثْلِ قوله تعالي :(فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ).
وَبِمَعْنَى اسْتَمَعَ كَمَا فِي قوله تعالي :(وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ).
وَالْمَأْذُونُ اصْطِلاَحًا: هُوَ الَّذِي فُكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، وَأُذِنَ لِلتِّجَارَةِ، وَأُطْلِقَ لَهُ التَّصَرُّفُ مِنْ مَوْلاَهُ إِنْ كَانَ عَبْدًا، وَمِنْ وَلِيِّهِ إِنْ كَانَ صَغِيرًا.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
الْمَحْجُورُ :
2 - الْمَحْجُورُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَأْذُونِ وَالْمَحْجُورِ التَّضَادُّ.
حُكْمُ الإْذْنِ لِلْمَأْذُونِ :
3 - الإْذْنُ بِالتَّصَرُّفِ لِلْمَأْذُونِ جَائِزٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِذَا قَامَ مُبَرِّرٌ لِذَلِكَ كَالْقَاصِرِ إِذَا قَارَبَ الْبُلُوغَ فَإِنَّهُ يُؤْذَنُ لَهُ بِالتَّصَرُّفِ.
وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الإْذْنُ لَهُ بِالتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا يَتَوَلَّى وَلِيُّهُ الْعَقْدَ.
شُرُوطُ الْمَأْذُونِ لَهُ
4 - لِلْمَأْذُونِ لَهُ شُرُوطٌ مُعَيَّنَةٌ، مِنْهَا: التَّمْيِيزُ، وَإِينَاسُ الْخِبْرَةِ فِي التِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ.
وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (صِغَرٌ ف 39).
تَقَيُّدُ الإْذْنِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَنَوْعِيَّةِ التَّصَرُّفِ :
5 - الإْذْنُ لِلصَّغِيرِ قَدْ يَكُونُ عَامًّا فِي كُلِّ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، وَقَدْ يَكُونُ خَاصًّا بِأَنْ يَكُونَ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، لاَ يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ.
فَالْحَنَفِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ الإْذْنَ إِنْ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، أَوْ لَمْ يُحَدَّدْ بِوَقْتٍ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الأْنْوَاعِ وَتَوَابِعِهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ رَهْنٍ وَإِعَارَةٍ.
وَإِنْ كَانَ خَاصًّا فِي نَوْعٍ مِنَ التِّجَارَةِ، أَوْ حُدِّدَ الإْذْنُ بِوَقْتٍ - كَشَهْرٍ أَوْ عِدَّةِ أَشْهُرٍ - فَإِنَّ الإْذْنَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ وَتَوَابِعِهَا وَضَرُورَاتِهَا، فَيَنْقَلِبُ الإْذْنُ الْخَاصُّ عَامًّا، وَلاَ يَتَحَدَّدُ بِنَوْعٍ مِنَ التِّجَارَاتِ، وَلاَ بِوَقْتٍ، بَلْ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ وَنَهَاهُ عَنْ غَيْرِهِ، لَمْ يَكُنِ الصَّغِيرُ مُلْزَمًا بِهَذَا النَّهْيِ، وَكَانَ لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ الْوَلِيُّ خِلاَفًا لِزُفَرَ.
وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ وَإِنْ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ عِنْدَ الإْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يُجَوِّزِ الصَّاحِبَانِ ذَلِكَ، وَجَوَّزَاهُ فِي الْغَبْنِ الْيَسِيرِ الْمُحْتَمَلِ عَادَةً.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الإْذْنَ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ، وَأَنَّ هَذَا الإْذْنَ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ اخْتِبَارًا وَتَمْرِينًا لِلصَّغِيرِ، فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الصَّبِيِّ مِقْدَارًا مَحْدُودًا وَقَلِيلاً مِنَ الْمَالِ، وَأَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهَذَا الْمَبْلَغِ، وَلَكِنْ حَتَّى بَعْدَ هَذَا الإْذْنِ، فَلَنْ يَكُونَ عَقْدُ الصَّغِيرِ لاَزِمًا نَافِذًا، بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ وَلِيِّهِ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ وَجْهَانِ فِي وَقْتِ اخْتِبَارِ الصَّبِيِّ، أَحَدُهُمَا: بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَأَصَحُّهُمَا قَبْلَهُ، وَعَلَى هَذَا فَفِي كَيْفِيَّةِ اخْتِبَارِهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يُدْفَعُ إِلَيْهِ قَدْرٌ مِنَ الْمَالِ، وَيُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُسَاوَمَةِ، فَإِذَا آلَ الأْمْرُ إِلَى الْعَقْدِ عَقَدَ الْوَلِيُّ، وَالثَّانِي: يَعْقِدُ الصَّبِيُّ وَيَصِحُّ مِنْهُ هَذَا الْعَقْدُ لِلْحَاجَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ الإْذْنَ مَحَلُّ اعْتِبَارٍ، فَإِنْ كَانَ عَامًّا كَانَ لِلصَّغِيرِ أَنْ يُمَارِسَ التِّجَارَةَ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا الْتَزَمَ الصَّغِيرُ بِهِ، فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ وَعَلَى الصَّغِيرِ أَنْ يَلْتَزِمَ بِمَا حَدَّدَهُ لَهُ الْوَلِيُّ قَدْرًا وَنَوْعًا، فَإِذَا حَدَّدَ لَهُ الاِتِّجَارَ فِي نَوْعٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ، أَوْ مَبْلَغًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ، وَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إِذْنًا مُطْلَقًا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي غَيْرِهَا مِنْ وَكَالَةٍ أَوْ تَوْكِيلٍ، أَوْ رَهْنٍ أَوْ إِعَارَةٍ.
مَنْ لَهُ حَقُّ الإْذْنِ :
6 - حَقُّ الإْذْنِ بِالتَّصَرُّفِ لِلْمَأْذُونِ يَكُونُ لِمَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَنْهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ، وَالْوَصِيُّ، وَالْقَاضِي، وَذَلِكَ بِشُرُوطٍ وَضَوَابِطَ بَيَّنَهَا الْفُقَهَاءُ فِي مَوَاضِعِهَا.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَاتِ (إِذْنٌ ف 27، وَلِيٌّ، وَصِيٌّ).
تَصَرُّفَاتُ الصَّغِيرِ الْمَأْذُونِ
7 - تَصَرُّفَاتُ الصَّغِيرِ تَعْتَرِيهَا حَالاَتٌ ثَلاَثٌ: فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ نَافِعَةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ ضَارَّةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَأَرْجِحَةً بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ.
وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بَعْضُهَا تَصِحُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَبَعْضُهَا لاَ تَصِحُّ وَلَوْ بِالإْذْنِ، وَبَعْضُهَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ.
أ - فَالتَّصَرُّفَاتُ الَّتِي تَكُونُ نَافِعَةً لِلصَّغِيرِ، وَلاَ تَحْتَمِلُ الضَّرَرَ: مِنْ تَمَلُّكِ مَالٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ دُونَ مُقَابِلٍ، لاَ تَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ غَيْرَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ: أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ قَالُوا بِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْهِبَةَ الْمُطْلَقَةَ، وَأَنْ يَقْبِضَهَا، وَيَمْلِكَهَا بِقَبْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ.
وَلَمَّا كَانَ قَبُولُ الْهِبَةِ وَقَبْضُهَا نَفْعًا مَحْضًا لاَ يَشُوبُهُ ضَرَرٌ، صَحَّ مِنَ الصَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْوَلِيِّ، لأِجْلِ مَصْلَحَتِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ قَبُولُ الْهِبَةِ وَلاَ يَقْبِضُهَا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ، حَتَّى لَوْ قَبَضَهَا لَمْ يَمْلِكْهَا بِهَذَا الْقَبْضِ؛ لإِِبْطَالِهِمْ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِ الصَّغِيرِ؛ لأِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عَقْدَ هِبَةٍ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ أَهْلاً لإِِبْرَامِ الْعُقُودِ، وَإِنْ تَمَحَّضَ نَفْعًا.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ الصَّغِيرَ يَصِحُّ قَبُولُهُ الْهِبَةَ وَقَبْضُهَا، إِذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ وَلاَ قَبْضُهُ؛ لأَِنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ، وَلاَ بُدَّ لِمَنْ يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ أَهْلاً لإِبْرَامِ الْعُقُودِ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ أَهْلاً لِذَلِكَ إِلاَّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ.
وَلأِنَّهُ بِالْقَبْضِ يَصِيرُ مُسْتَوْلِيًا عَلَى الْمَالِ، وَهُنَاكَ احْتِمَالُ تَضْيِيعِهِ أَوِ التَّفْرِيطِ فِي حِفْظِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ عَنْهُ وَيُمْنَعَ مِنْ قَبْضِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ بِالإْذْنِ، فَإِنَّ الاِحْتِمَالَ هَذَا مَدْفُوعٌ.
ب - أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الضَّارَّةُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى ضَرَرٍ مَحْضٍ، وَلاَ تَحْتَمِلُ النَّفْعَ كَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ وَالْقَرْضِ، فَلاَ تَصِحُّ مِنَ الصَّغِيرِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ.
وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّ الْوَلِيَّ لاَ يَمْلِكُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، فَلاَ يَمْلِكُ الإْذْنَ بِهَا.
أَمَّا الْوَصِيَّةُ، وَالصُّلْحُ، وَالإْعَارَةُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جِوَازِهَا نَظَرًا لِمَا رَأَوْهُ فِيهَا مِنْ نَفْعٍ أَوْ ضَرَرٍ.
ج - أَمَّا تَصَرُّفُ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ إِذْنِ الْوَلِيِّ، أَوْ بَعْدَ إِذْنِهِ، فَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الإْذْنِ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا، وَيَكُونُ نَفَاذُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ وَلِيِّهِ، إِنْ أَجَازَهُ لَزِمَ، وَإِنْ رَدَّهُ فُسِخَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ: أَنَّ عِبَارَةَ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ صَحِيحَةٌ؛ لأِنَّهُ قَاصِدٌ لَهَا، فَاهِمٌ لِمَعْنَاهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَلاَ مَعْنَى لإِلْغَائِهَا، وَلأِنَّ فِي تَصْحِيحِ عِبَارَتِهِ تَعْوِيدًا لَهُ عَلَى التِّجَارَةِ، وَمِرَانًا وَاخْتِبَارًا لِمَدَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْ إِدْرَاكٍ، مِمَّا يُسَهِّلُ الْحُكْمَ بِرُشْدِهِ، أَوْ عَدَمِ رُشْدِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي رِوَايَةٍ - إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ بِدُونِ إِذْنِ وَلِيِّهِ؛ لأِنَّ عِبَارَتَهُ مُلْغَاةٌ، فَلاَ تَصِحُّ بِهَا الْعُقُودُ، وَلأِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، فَلاَ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ كَالسَّفِيهِ، وَلأِنَّ فِي تَصْحِيحِ تَصَرُّفِهِ ضَيَاعًا لِمَالِهِ، وَضَرَرًا عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، فَلاَ يَصِحُّ مِنْهُ.
أَمَّا تَصَرُّفَاتُهُ بَعْدَ الإْذْنِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ.
فَالْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ: يَرَوْنَ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَأَنَّ تَصَرُّفَهُ حِينَئِذٍ صَحِيحٌ نَافِذٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) وَالاِبْتِلاَءُ يَكُونُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَلأِنَّ الصَّبِيَّ عَاقِلٌ مُمَيِّزٌ، فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، كَمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ: إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ إِذْنُهُ، فَلاَ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ الإِْذْنِ، كَمَا لَمْ يَصِحَّ قَبْلَ الإْذْنِ؛ لِقَوْلِهِ تعالي: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ»، فَلَوْ صَحَّ بَيْعُهُ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ مِنْ عُهْدَةٍ، وَالْحَدِيثُ يَنْفِي الْتِزَامَ الصَّبِيِّ بِأَيِّ شَيْءٍ، فَالْقَوْلُ بِصِحَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ يَتَنَافَى مَعَ الْحَدِيثِ، فَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَصِحُّ مِنَ الْمَأْذُونِ لِلْحَاجَةِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصَّغِيرَ الْمُمَيِّزَ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَبِيعَ أَوِ الثَّمَنَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ وَلِيُّهُ.
تَصَرُّفَاتُ السَّفِيهِ الْمَأْذُونِ :
8 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ السَّفِيهَ الْمَأْذُونَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ هَذَا.
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ الْعَقْدِ.
وَفِي الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْوَجْهِ الآْخَرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَصِحُّ عَقْدُهُ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (سَفَهٌ ف 26 وَمَا بَعْدَهَا).
____________________________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة 96)
١- اذا كان الصبي مميزا كانت تصرفاته المالية صحيحة متى كانت نافعة نفعا محضا، وباطلة متى كانت ضارة ضررا محضا .
2- أما التصرفات التالية الدائرة بين النفع والضرر ، فتكون موقوفة لمصلحة القاصر ، ويزول خق التمسك بالابطال اذا اجاز القاصرالتصرف بعد بلوغه سن الرشد ، أو اذا صدرت الإجازة من ولية أو من المحكمة بحسب الأحوال وفقا للقانون
هذه المادة تقابل المادة ۱۱۱ من التقنين الحالي التي تقول :
1- اذا كان الصبي مميزا كانت تصرفاته المالية صحيحة متى كانت نافعة نفعا محضا ، وباطلة متى كانت ضارة ضررا محضا .
2- أما التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر ، فتكون قابلة اللابطال لمصلحة القاصر ، ويزول حق التمسك بالأبطال اذا أجاز القاصر التصرف بعد بلوغه سن الرشد ، أو اذا صدرت الأجازة من وليه أو من المحكمة بحسن الأحوال وفقا للقانون
وقد عدلت الفقرة الثانية من هذه المادة الأخيرة بالأخذ بفكرة العقد الموقوف التي يقول بها الفقه الإسلامي بدلا من فكرة العقد القابل للابطال فیگون تصرف الصبي المميز الدائرة بين النفع والضرر موقوفا على اجازة ولية في الحدود التي يجوز فيها التصرف ابتداء أو اجازة المحكية أو اجازته هو بعد بلوغه سن الرشد ۰
وسنعرض فيما بعد للاعتبارات التي تدعو إلى تفضيل فكرة العقد الموقوف التى يقول بها الفقه الاسلامي على فكرة العقد القابل للابطال التي يأخذ بها التقتين الحالي
والنص المقترح مستمد من الشريعة الإسلامية ، وهو يطابق في حكمه المادة ۹۷ فقرة أولى من التقنين العراقي ، والمادة ۱۱۸ فقرة أولى وثانية من التقنين الأردني ، والمادة 967 من المجلة ، والمادتين ۲۷۰ و ۲۷۱ من مرشد الحيران •
( مادة ۱۲۷ )
يكون العقد موقوف النفاذ على الاجازة اذا صدر من ناقص الأهلية في ماله وكان تصرفا دائرا بين النفع والضرر ، او اذا شاب الارادة فيه غلط أو تدلیس او اكراه أو استغلال ، او اذا كان تصرفا في ملك الغير بدون اذنه ، او اذا ورد في القانون نص خاص على ذلك ،
يقابل هذا النص ما جاء في صدر الفقرة الأولى من المادة 134 من التقنين العراقي التي تقول : اذا انعقد العقد موقوفا لحجر أو اكراه . أو غلط أو تغرير جاز للعاقد أن ينقض العقد ۰۰ كما أن له أن يجيزه
وما جاء في الفقرة الأولى من المادة 135 من هذا التقنين التي تقول: و من تصرف في ملك غيره بدون اذنه انعقد تصرفه موقوفا على اجازة المالك
و تقابله المادة ۱۷۱ من التقنين الكويتي التي تقول : « العقد موقوف النفاذ على الأجازة اذا صدر من فضولي في مال غيره أو من مالك في مال له تعلق به حق الغير أو من ناقص الأهلية في ماله وكان تصرفا دانرا بين النفع والضرر أو من مكره او اذا نص القانون على ذلك وتقابله المادة ۱۷۹ من التقنين الكويتي التي تقول : العقد القابل للأبطال ينتج اثاره ، ما لم يقض بابطاله ، واذا قضی بابطاله اعتبر كان لم یکن.
وقد أخذه في النص المقترح بالأحكام الآتية :
اولا - انه اعتمد فكرة العقد الموقوف التي يأخذ بها الفقه الاسلامی بدلا من فكرة العقد المقابل للابطال التي باخذ بها التقنين الحالي وغيره من التقنينات العربية فيما عدا التقنين العراقي والتقنين الأردني •
ويختلف العقد الموقوف عن العقد القابل للابطال في ان هذا الأخير ينشأ صحيحا منتجا لأثارة، إلى أن يطلب ابطاله فیبطل أو تلحقه الاجازة فيظل صحيحا بصورة نهائية ، بينما ينشأ العقد الموقوف صحيحا ولكنه لا پنتج آثاره فتظل هذه الأثار موقوفه إلى أن ينقض العقد فيبطل أو تلحقه الإجازة فينفذ
ومن ثم فان فكرة العقد الموقوف تفضل فكرة العقد القابل للابطال في أو العقد الذي يشوبه نقص في الأهلية أو عيب في الارادة أو انعدام الولاية على المحل يحسن أن يقف حتى تلحقه الأجازة ، فهذا أولى من ان ينفذ حتى يطلب ابطاله ، وذلك لملافاة التعقيدات التي تنشا عند ابطال العقد بعد نفاذه -
ثانيا - انه وحد الحكم في الحالات التي يشوب العقد فيها نقص في الأهلية أو عيب في الارادة ، أو انعدام الولاية على محل أي التصرف في ملك الغير بدون اذنه
ويلاحظ أنه في الفقه الاسلامی یکون العقد موقوف النفاذ انا كان هناك نقص في الأهلية، أو كان هناك اكراه ، أو اذا تعلق حق الغير بالمحل . وهذا السبب الأخير يندرج تحته حالات أهمها تصرف الفضولى ، وهو من يتصرف في ملك غيره بدون اذنه ، و تصرف مالك العين المرهونه أو المؤجرة ، والبيع الصادر من المريض في مرضى الموت لوارثه (انظر في هذا الخصوص : عبد الرزاق السنهوري ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج 4 ص ۱۹۳ وما بعدها )۰
ولكن حكم النص المقترح يجعل هذا السبب الأخير قاصرا على التصرف في ملك الغير بدون اذنه . غير أنه من ناحية أخري يتوسع في في نطاق العقد الموقوف فيجعله شاملا لعيوب الارادة جميعها . وبذلك أصبحت الأسباب التي تجعل العقد موقوف النفاذ في النص المقترح می نقص الأهلية وعيوب الارادة والتصرف في ملك الغير بدون اذنه ، وهذا هو النهج الذي سار عليه التقنين المدن العراقي في المادتين 134 و 135 المشار اليهما .أما التقنين المدني الأردني فقد أخذ في المادة ۱۷۱ التي تقدم ذكرها بما قرره الفقه الاسلامي .
ومعروف ان الفقه الاسلامي يجعل العقد موقوفا في حالة الاكراه (م 1006 من المجلة وم ۲۹۷ من مرشد الحيران )، بينما يعظی العاقد خیار الفسخ في حالتي الغلط (م ۳۱۰، ۳۱۱ من المجلة وم ۳۰۱ من مرشد الحيران ) والتدليس (م 357 من المجلة وم 532 من مرشد الحيران ) . وهذا ما أخذ به التقنين الأردنی ها ولكن روی آن من الأفضل توحيد الحكم بالنسبة إلى عيوب الارادة جميعها على غرار ما فعل التقنين العراقي
ويختلف العقد الموقوف عن العقد الذي يثبت فيه خيار الفسخ • فالعقد الموقوف ينشا صحيحا ، ولكنه يكون غير نافذ . اما العقد الذي يثبت فيه للعاند خيار الفسخ فينشأ صحيحا نافذا ، ولكنه يكون غير لازم ، فيكون للعائد الخيار بين امضاء العقد وفسخه .
كذلك رؤى علم جعل تصرف المالك في العين المرهونة أو المؤجرة موقوفا على اجازة الدائن المرتهن أو المستاجر . حيث انه من القواعد المستقرة الآن والتي تقتضيها المصلحة في التعامل ان الرهن او الايجار لا يقيد حق المالك في التصرف في ملكه . ولهذا رؤي من الأفضل الأخذ بالحل الذي اعتمده . التقنين العراقي ، أذ أنه يستجيب لحاجة التعامل ، على خلاف ما أخذ به التقنين الأردني •
اما التصرف الصادر من المريض في مرض الموت فحكمه في مكان أخر .
ثالثا انه جعل التصرف في ملك الغير بدون اذنه موقوفا على الاجازة وهند الحكم يفضل إلى حد كبير حكم بيع ملك الغير في التقنين الحالي وغيره من التقنينات العربية فيما عدا التقنين العراقي والتقنين الأردنی نبيع ملك الغير في التقنين الحالي وغيره من التقنينات التي اخذت بالتصوير اللاتيني حكمه مضطرب ولا يتفق مع القواعد العامة ، فهو نافذ في حق البائع ، وقابل للابطال بالنسبة إلى المشتري بمقتضى نص خاص ، وغير نافذ في حق المالك ، وللمالك أن يقره فيصبح بهذا الاقرار نافذا في حقه وصحيحا في حق المشتري .
بينما في ضوء فكرة العقد الموقوف یکون حكم هذا البيع واحدا بالنسبة إلى كل من البائع والمشتري والمالك ، فهو موقوف في حقهم
جميعا ، ولاتاتی اجازته الا من جانب المسالك ، فاذا صدرت ه ذه الاجازة أصبح العقد نافذا في حق الجميع ( عبد الرزاق السنهورى ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج 4 ص 305 - ۳۰۷)۰
( ماده ۱۲۸)
1- اذا كان العقد موقوفا لنقص في الأهلية ، كانت اجازته للقاصر بعد بلوغه الرشد او لوليه أو للمحكمة بحسب الأحوال وفقا للقانون ۰
٢- واذا كان موقوفا لغلط او تدلیس او اکراه او استغلال ، كانت اجازته للمتعاقد اللي شاب أرادته أحد هذه العيوب بعد انکشاف العيب او زواله .
٣- واذا كان موقوفا لكونه تصرفا في ملك الغير بدون اذنه ، كانت اجازته للمالك . فاذا اجازة المالك اعتبرت الاجازة توكيلا .
- ومن شرع توقف العقد لمصلحته هو الذي يثبت له الحق في اجازته او ابطاله .
هذه المادة تقابلها المادتان 134 و 135 من التقنين العراقي .
فالمادة 134 من هذا التقنين تنص على ما يأتي :
1- اذا انعقد العقلمرقونا لحجر أو اکراه اوغلط او تغرير جاز اللعاقد أن ينقض العقد بعد زوال الحجر أو ارتفاع الاكراه او تبين الغلط اور انکشاف التغریر کیا ان له أن يجيزه فاذا نقضه كان له أن ينقض تصرفات من انتقلت اليه العين وان يستردها حيث وجدها وان تداولتها الأيدی . نان هلكت العين في يد من انتقلت اليه ضمن قیمتها .
۲ وللعاقد المكره او المغرور الخيار ان شاء ضمن العاقد الآخر ، وان شاء ضمن الجبر والغار . نان ض من المجبر او الغار فلهما الرجوع بما فيمناه على العاقد الآخر ، ولا ضمان على العاقد للمكره أو المفرور أن قبض البدل مكرها او مغرورة وهلك في يده بلاتعند منه .
والمادة 135 من هذا التقنين لنص على ما ياتي :
:۱- من تصرف في ملك غيره بدون اذنه انقد تصرفه موقوفا على اجازة المالك .
۲۔ فاذا أجاز المالك العنبر الإجازة توكيلا ويطالب الفضولی بالبدل أن كان قد قبضة من العاقد الآخر :
٣- واذا لم يجز المالك تصرف الفضولي بطل التصرف ، واذا كان العاقد الآخر تد ادي للفضولی البدل فله الرجوع عليه به. فان ملك البدل في بد الفضولی بدون تعد منه وكان العاقد الآخر قد اداه عالما انه فضولي فلا رجوع له عليه بشيء منه .
4 - واذا سلم الفضول العين المعقود عليها لمن تعاقد معه فهلكت في يلم بدون تعد منه فللمالك ان يضمن قيمتها ايهما شاء . فاذا اختار تضمين احدهما سقط حقه في تضمين الآخر
و تقابلها المادة ۱۷۲ من التقنين الأردني التي تنص على ماياتي :
تكون اجازة العقد المالك او لمن تعلق له حق في المعقود عليه او اللولي أو الوصی اور ناقص الأهلية بعد اكتمال امليته أو للمكره بعد زوال الاكراه أو لمن يخولة القانون ذلك وما جاء في المادة المقترحة يعتبر تكملة طبيعية للحكم الوارد في المادة السابقة . ففي المادة السابقة نص على الحالات التي يكون العقد فيها موقوفا . وفي المادة المقترحة بيان لمن لهم الحق في اجازة العقد في هذه الحالات فهؤلاء هم الذين شرع توقف العقد لمصلحتهم ، فهم الذين يملكون اجازته أو ابطاله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأحكام العدلية
مادة (967) تصرف الصغير المميز في حق نافع
يعتبر تصرف الصغير المميَّز إذا كان في حقه نفعاً محض وان لم يأذن به الولي ولم يجزه كقبول الهدية والهبة ولا يعتبر تصرفه الذي هو في حقه ضرر محض وان إذنه بذلك وليّه وإجارة كان يهب لآخر شيئاً أما العقود الدائرة بين النفع والضرر في الأصل فتنعقد موقوفة على إجازة وليَّه، ووليّه مخيّر في إعطاء الإجازة وعدمها، فإن رآها مفيدة في حق الصغير أجازها وإلا فلا. مثلاً إذا باع الصغير المميّز مالاً بلا إذن يكون نفاذ ذلك البيع موقوفاً على إجازة وليّه وإن كان قد باعه بأزيد من ثمنه لأن عقد البيع من العقود المترددة بين النفع والضرر في الأصل.
مادة (1060) شركة الملك
شركة الملك: هي كون الشيء مشتركاً بين إثنين فأكثر أي مخصوصاً بهما بسبب من أسباب التملك كاشتراء واتهاب وقبول وصية وتوارث أو بخلط أموالهم أو اختلاطها في صورة لا تقبل التمييز والتفريق كأن يشتري إثنان مالاً أو يهبهما واحد أو يوصي لهما ويقبلا أو يرثاه فيصير ذلك مشتركاً بينهما ويكون كل منهما شريك الآخر في هذا المال وكذلك إذا خلط إثنان بعض ذخيرتهما ببعض أو اهرقت عدو لهما بوجه ما فاختلطت ذخيرة الاثنين ببعضها فتصير هذه الذخيرة المخلوطة والمختلطة بين الاثنين مالاً مشتركاً.
مادة (310) بيع مال بوصف مرغوب
إذا باع مالاً بوصف مرغوب فظهر المبيع خالياً عن ذلك الوصف كان المشتري مخيراً إن شاء فسخ البيع وإن شاء أخذه بجميع الثمن المسمى، ويسمى هذا الخيار خيار الوصف. مثلاً لو باع بقرة على أنها حلوب فظهرت غير حلوب يكون المشتري مخيراً وكذا لو باع فصاً ليلاً على أنه ياقوت أحمر فظهر أصفر يخير المشتري.
مادة (311) خيار الوصف يورث
خيار الوصف يورث. مثلاً لو مات المشتري الذي له خيار الوصف فظهر المبيع خالياً من ذلك الوصف كان للوارث حق الفسخ.
مادة (357) البيع بغبن فاحش
إذا غر أحد المتبايعين الآخر وتحقق أن في البيع غبناً فاحشاً فللمغبون أن يفسخ البيع حينئذ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 175)
المحجور عليه لصغر سنه وعدم تمييزه تصرفاته وعقوده باطلة لا تنعقد أصلاً سواء كانت نافعة له أو مضرة أو دائرة بين النفع والضرر.
والكبير المجنون جنوناً غالباً على عقله حكمه حكم الصغير الذي لا يعقل فلا تصحح عقوده التي يعقدها حال جنونه بل تكون باطلة أيضاً فإن كان يجن تارة ويفيق أخرى فعقوده التي يعقدها حال إفاقته وهو تام العقل تكون صحيحة نافذة.
(مادة 176)
إذا كان المحجر عليه صبياً مميزاً أو كبيراً معتوهاً تصح تصرفاته وعقوده التي تكون نافعة له نفعاً محضاً وتنفذ ولو لم يجزها الولي أو الوصي وأما تصرفاته وعقوده المضرة بمصلحته ضرراً محضاً فهي كتصرفات الصبي الغير مميز وعقوده لا تصح أصلاً ولو أجازها الولي أو الوصي.
(مادة 177)
المحجور عليه سواء كان صبياً مميزاً أو كبيراً ذاعته أو رقيقاً إذا عقد عقداً من العقود الدائرة بين النفع والضرر التي لا يشترط البلوغ لصحة انعقادها فلا ينفذ عقده ولا يترتب عليه حكم إلا إذا أجازه الولي أو الوصي أو المولي إجازة معتبرة فإن أجازه جاز ونفذت أحكامه وإن لم يجزه أو أجازه وكان فيه ضرر كأن كان فيه غبن فاحش زيادة أو نقصاً فلا يجوز ولا ينفذ أصلاً.
(مادة 334)
إذا انعقد البيع موقوفاً غير نافذ بأن كان العاقد فضولياً باع ملك غيره بلا إذنه أو كان العاقد صبياً مميزاً أو صبية كذلك فلا يفيد ملك المبيع للمشتري ولا ملك الثمن لصاحب المبيع إلا إذا أجازه المالك في الصورة الأولى والولي أو الوصي في الصورة الثانية ووقعت الإجازة مستوفية شرائط الصحة.