مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 129
المشروع التمهيدي
لا مقابل لها.
المشروع في لجنة المراجعة
اقترح إضافة هذه المادة للمشروع النهائي بالنص الآتي :
ويكون قابلاً للإبطال كل تصرف يصدر من شخص تقررت مساعدته قضائية إذا صدر هذا التصرف بغیر معاونة المساعد وذلك وفقاً للقواعد المقررة في القانون .
وأصبح رقم المادة 121 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 121.
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة السادسة
تليت المادة 121 وهذا نصها:
يكون قابلاً للإبطال كل تصرف يصدر من شخص تقررت مساعدته قضائية إذا صدر هذا التصرف بغیر معاونة المساعد وذلك وفقاً للقواعد المقررة في القانون.
فقال عبده محرم بك تعليقاً على هذه المادة إن نظرية المساعدة القضائية نظرية جديدة وهي تقرر للاشخاص ذوي العاهات الجسمانية منعاً من وقوعهم في خطر التصرفات ، وقد تضمن قانون المحاكم الحسية أحكام هذه النظرية، وهذه المساعدة ليست نوعاً من أنواع الحجر لنقص في الأهلية بل هي نوع من الحماية لمثل العمى والصم والبكم ولا يفوتني أن أقرر أن المساعد القضائي تحدد مأموريته في القرار الذي يصدر من المحكمة الحسية بإقامته .
وقد أضاف سعادة العشماوي باشا إلى ذلك أن المشرع قد ضمن مشروع قانون المرافعات الجديد حكماً مثل هذا الحكم.
قرار اللجنة :
وافقت اللجنة على المادة دون تعديل .
وأصبح رقمها 117 .
محضر الجلسة الخامسة والستين
( يراجع بشأنها ما جاء بملاحظات سعادة العشماوي باشا بمحضر هذه الجلسة ص 118 تعليقاً على المادة 112 )
ویری سعادته تعديل المادة 117 على الوجه الآتي :
مادة 117 - ویكون قابلاً للإبطال كل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية فيها صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته قضائياً بغير معاونة المساعد إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار المساعدة ، وقد قصد بهذا التعديل الاستغناء عن حكم المادة 48 من قانون المحاكم الحسبية .
قرار اللجنة :
رأت اللجنة الأخذ بهذا الإقتراح على أن تكون صيغة المادة 117 يأتي :
1 - إذا كان الشخص أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته جاز للمحكمة أن تعين له مساعدة قضائية يعاونه في التصرفات التي تقتضي مصلحته فيها ذلك.
2 - ویكون قابلاً للإبطال كل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية فيها من مصدر من الشخص الذي تقررت مساعدته قضائية بغير معاونة المساعد إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار الحجر .
ملحق تقرير اللجنة :
اقترح في المادة 117 إضافة فقرة أولى تتضمن النص الوارد في المادة 47 من قانون المحاكم الحسبية في بيان حالة من تجب له المساعدة القضائية، واقترح كذلك أن يكون حق طلب الإبطال قاصراً على التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية في شأنها – وقد أخذت اللجنة بهذين الاقتراحين لأن أولهما يرمي إلى إستكمال الأحكام الموضوعية في التقنين المدني فيما يتعلق بناقص الأهلية ، والثاني يقيد النص تقييدا انصرفت إليه نية واضعة وعلى ذلك أقرت اللجنة صيغة المادة 117 على الوجه الآتي :
-1إذا كان الشخص أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعي أبكم و تعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته جاز للمحكمة أن تعين له مساعدة قضائية يعاونه في التصرفات التي تقتضي مصلحته نها ذلك .
2- ویكون قابلاً للإبطال كل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية فيها متى صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته قضائية بغير معاونة المساعد إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار المساعدة .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .
المساعدة القضائية :
تناول قانون الولاية على المال بيان أحكام المساعدة القضائية، فنصت المادة 70 منه على أنه " إذا كان الشخص أصم أبكم، وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته، جاز للمحكمة أن تعين له مساعداً قضائياً يعاونه في التصرفات المنصوص عليها في المادة 39 ويجوز لها ذلك أيضاً إذا كان يخشى من إنفراد الشخص بمباشرة التصرف في ماله بسبب عجز جسماني شديد ، ثم نصت المادة 71 من ذات القانون على أن يشترك المساعد القضائي في التصرفات المشار إليها في المادة السابقة، وإذا امتنع عن الإشتراك في تصرفه جاز رفع الأمر للمحكمة، فإن رأت أن الامتناع في غير محله أذنت المحكوم بمساعدته بالانفراد في إبرامه، أو عينت شخصاً آخر للمساعدة في إبرامه وفقا للموجبات التي تبينها في قرارها، وإذا كان عدم قيام الشخص الذي تقررت مساعدته قضائياً بتصرف معين يعرض أمواله للخطر، جاز للمساعد رفع الأمر للمحكمة ولها أن تأمر بعد التحقيق بإنفراد المساعد بإجراء هذا التصرف.
ويتعين الأخذ بدلالة النصين سالفي الذكر مع نص المادة 117 من القانون المدني عند بيان أحكام المساعدة القضائية.
فيشترط لتعيين مساعد قضائي، أن تتوافر لدى الشخص المراد الحكم بمساعدته قضائيا، أن تجتمع فيه عاهتان من العاهات المشار إليها بالمادة 117 سالفة الذكر، بأن يكون أصم أبكم، أو أعمى أصم، أو أعمى أبكم، فإن توافرت لديه عاهة واحدة منها، فإنه لا يكون في حاجة إلى مساعدة قضائية، وحتى لو توافرت العاهتان، فإن تعيين المساعد القضائي لا يكون له محل إلا إذا تعذر على المصاب بهما التعبير عن إرادته، ولما كان التعبير عن الارادة يصح أن يكون بالإشارة المفهومة أو بالكتابة، ومن ثم لا يكون الشخص في حاجة إلى تلك المساعدة إذا كان يجيد القراءة والكتابة بما يمكنه من التعبير عن إرادته بها، كذلك لا يكون في حاجة إلى المساعدة إذا كان التصرف المراد إبرامه فيه الإشارة المفهومة كالعد على الإصبع لبيان ثمن المبيع أو أجر المقاول وهكذا، فتلك تصرفات لا تتطلب مساعدة قضائية ومن ثم لا يسوغ طلب تقريرها لإبرامها إذ ليست كل التصرفات تتطلب المساعدة وإنما يقتصر ذلك على التصرفات التي يتعذر فيها على صاحب العاهتين أن يعبر بشأنها عن إرادته فإن تقررت المساعدة لشخص، التزم بإشراك مساعدة فيما يبرمه من تصرفات، فلا ينفرد بها أحدهما وإلا كانت قابلة للإبطال متى صدرت بعد تسجيل قرار المساعدة بالسجل المعد لذلك بقلم کتاب المحكمة.
والمساعدة القضائية ليست قاصرة على ذى العاهتين، وإنما يصح تقريرها بالنسبة للشخص المصاب بعجز جسماني شديد کشلل شديد يخشى معه من إنفراده بالتصرف.
فإذا اختلف من تقرر مساعدته مع المساعد في تصرف معین ، بأن أراد الأول إبرامه ورفض الثانی، وجب الرجوع الى المحكمة لتأذن للأول بإبرامه منفردة أو بمساعدة مساعد قضائي آخر إذا رأت أن التصرف في مصلحته، فإن كان الخلاف بشأن تصرف يفيد من تقررت مساعدته يريد المساعد إبرامه بينما يرفضه الأول، كان للمساعد أن يرفع الأمر للمحكمة لتأمر بعد التحقيق بإنفراد المساعد بإجرائه إن كان عدم إجرائه يعرض أموال من تقررت مساعدته للخطر.
وتسرى بالنسبة للمساعد القضائي الأحكام المتبعة بالنسبة لتعيين القيم وعزله وأحكام القوامة الأخرى.
ويجب تسجيل قرار المساعدة على نحو ما تقدم، فإن صدر بیع من ذي العاهتين بعد هذا التسجيل بدون مشاركة المساعد القضائي، كان البيع قابلاً للإبطال لمصلحة ذي العاهتين وبالتالي فلا يجوز للمتعاقد معه طلب الإبطال إلا وفقاً للقواعد العامة، ولذى العاهتين والمساعد القضائي التمسك بهذا البطلان، وتتطلب المساعدة القضائية المشاركة في إبرام التصرف، فلا يجوز للمساعد القضائي أن ينفرد بإبرام التصرف وإلا كان غير نافذ في حق ذي العاهتين إلا إذا أقره صراحة أو ضمناً .
أما التصرفات التي يبرمها ذو العاهتين قبل تسجيل قرار المساعدة، فلا يجوز للأخير طلب إبطالها استناداً لحاجته للمساعدة القضائية، إذ تخضع هذه التصرفات للقواعد العامة المقررة للبطلان.
ولما كان البطلان مقرراً لمصلحة ذي العاهتين بعد تسجيل قرار المساعدة، ومن ثم يكون نسبياً، ولا يخضع في تقادمه للمادة 140 من القانون المدني لإنحصارها في نقص الأهلية والغلط والتدليس والإكراه، وبالتالي يخضع للفقرة الثانية من المادة 241 من ذات القانون، فتسقط دعوى الإبطال بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد، فإن كان التصرف صادرة قبل تسجيل قرار المساعدة، وتوافر البطلان لغلط أو تدليس أو إكراه، سقطت دعوى البطلان بمضي ثلاث سنوات من الوقت الذي ينكشف فيه الغلط أو التدليس، أو من وقت إنقطاع الإكراه، وإلا بمضي خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد عملاً بالمادة 140 من القانون المدني .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني الصفحة/ 497)
المساعدة القضائية:
المانع الطبيعي بالعاهتين أو العجز الجسماني الشديد :
قد تعترض الإنسان عاهات تلحق جسمه، فلا تمس عقله، ولا تصيب تدبيره ولذلك يبقى كامل الإدراك سليم التدبير، ولكنه يتعذر عليه بسبب عاهاته أن يعبر عن إرادته تعبيراً صحيحاً، أو يخشى عليه بسببها من عدم تبين ظروف التصرف الذي يجريه ولهذا يقرر القانون لمثل هذا الشخص نظام المساعدة القضائية ومقتضى هذا النظام أن يعين القضاء للشخص الذي نحن بصدده مساعداً يعاونه في إجراء التصرف وفي تفهم ظروفه، ويكون بمثابة المترجم له وعنه، وذلك وفق شروط سنعرض لها فى البند التالى.
شروط المساعدة القضائية :
لكي تتقرر المساعدة القضائية للشخص، يجب أن يتوافر الشرطان الآتیان :
1 - أن يكون الشخص مصاباً بعاهتين اثنتين من عاهات ثلاث هي : الصمم والبكم ، والعمى فإذا وجدت عاهة واحدة لا يجوز للمحكمة الحكم بالمساعدة القضائية.
فلا يكفى للحكم بالمساعدة القضائية أن يكون الشخص أعمى فقط ولو كان مولوداً و كان أعمى منذ طفولته الأولى بل يجب أن يكون أعمى أصم أو أعمى أبكم.
كذلك لا يكفي أن يكون أصم.
ويلاحظ أن الصمم إذا كان موجوداً منذ الولادة فلا بد أن يكون الشخص أبكم لأن المطلق يرجع إلى تقليد الإنسان ما يسمعه فإذا لم يكن الإنسان قد سمع البتة منذ ولادته أنه لا يستطيع أن يقلد أصوات غيره لذلك كان أبكم ومن ثم كان التلازم بين الصم والبكم .
2- أن يكون من شأن إصابة الشخص بالعاهتين، أن يتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته.
والمقصود بذلك أن يكون من شأن هذه الإصابة منع الشخص من الإلمام بعناصر الواقع ومنعه أيضاً من التعبير عن إرادته الداخلية مما يترتب عليه وجود فاصل أو فجوة بين الإرادة الباطنة وبين الإرادة المعلن عنها.
أما إذا لم يترتب على إصابة الشخص بالعاهتين شيء من ذلك، فلا تفرض المساعدة القضائية، كما لو كان ذو العاهتين قد تلقى تعليماً يساعده على التعبير عن إرادته بأي طريقة من طرق التعبير لاسيما أن تقدم العلم قد بلغ الآن في التعليم المهني لذوي العهات درجة كبيرة، يمكن معها استبعاد قرينة أن هؤلاء بسبب إصابتهم بالعاهتين ليس عندهم من القوى الإدراكية ما يجعلهم قادرين على القيام على أمر أنفسهم .
وقاضي الموضوع هو الذي يقدر ما إذا كان من شأن العاهتين أن يتعذر على صاحبهما التعبير عن إرادته من عدمه، وذلك دون معقب عليه من محكمة النقض.
ومن ثم فإنه من تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 أصبح من الجائز تعيين مساعد قضائي لذي العاهتين - بالتفصيل السابق - ولمن أصابه "عجز جسماني شديد"، أيضاً وذلك إذا كان يخشى من انفراد الشخص بمباشرة التصرف في ماله وهو بمعنى الشرط الثاني السابق الذي ذكرته المادة 117/1 مدني بالنسبة لذي العاهتين وهو أن يتعذر على الشخص بسبب ذلك التعبير عن إرادته.
ومثل هذا العجز الجسماني الشديد، الشلل النصفي والضعف الشديد، وضعف السمع والبصر ضعفاً شديداً لايبلغ مبلغ الصمم أو العمى أو ما إلى ذلك.
ويمكن القول أن العجز الجسماني الشديد لا يرقى إلى حد العاهة وإنما هو أقل منها .
ويعزى إضافة هذه الحالة بالمرسوم بقانون سالف الذكر، إلى أن المساعدة القضائية تفرض لمعاونة أشخاص يملكون سلامة الحكم، ولكن دون أن تتوافر لهم عناصر الإلمام بالواقع في التصرفات إلماماً يؤهل لإعمال ملكة الحكم إعمالاً صحيحاً في شأنها، ولذلك رؤى أن يضاف العجز الجسماني الشديد حتى تكون سلطة المحكمة في تقرير المساعدة القضائية مرنة، تتناول جميع الصور التي لا يطمئن فيها إلى توافر القدرة على إلمام الشخص بعناصر الواقع في تصرف من التصرفات بسبب عاهة أو حالة مرضية على الوجه المبين في النص .
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن نص المادة 117/1 مدني الذي أطلق التصرفات التي تخضع للمساعدة القضائية، وجعلها خاضعة إلى تقرير القاضي، هو نص عام، يقيده نص المادة (70 ) من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 باعتباره نصاً خاصاً، ومن ثم لا يجوز تقرير المساعدة القضائية، إلا بالنسبة للتصرفات الواردة بالمادة 39 من المرسوم بالقانون بينما ذهب الرأي الغالب في الفقه إلى أن تحديد هذه التصرفات في المادة من المرسوم بقانون لا يقصد به إلا إقامة قرينة قانونية على أن هذه التصرفات في المادة 70/2 من الرسوم بقانون لا يقصد به إلا إقامة قرينة قانونية علي أن هذه التصرفات المحددة تقضي مصلحة ذي العاهتين أو من به عجز في تقدير المساعدة فيها بحيث يعفى بذلك من إقامة الدليل في شأنها على توافر هذه المصلحة ولذلك ليس ثمة ما يمنع في غيرها من التصرفات وحيث تتخلف هذه القرينة، من تحمل عبء إقامة الدليل على توافر من هذه المصلحة لتقدير المساعدة في مباشرتها كذلك .
ويدلل بعض أنصار هذا الرأي على ذلك أن المادة (39) لم تشر إلى التبرعات.
والسبب ، في هذا أن هذه المادة وردت أصلاً بشأن تحديد التصرفات التي يجب فيها على وصي القاصر استئذان المحكمة، والتبرع محظور على الوصي إطلاقاً، ولا يجوز استئذان المحكمة فيه، إلا أن يكون لأداء واجب إنساني أو عائلی (م38 من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952) ومع ذلك فإن التبرعات لا يجوز أن ينفرد بها من تقررت مساعدته قضائياً فلابد أن يشترك فيها معه المساعد القضائي، وهذا الحكم شد، لأنه لا يعقل أن تتقرر المساعدة في تصرفات دائرة بين النفع والضرر، ولا تنبسط على التصرفات الضارة ضرراً محضاً، إذ هي تدخل أيضاً في مضمون شرفات التي تقتضي مصلحته فيها ذلك المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة 117 مدني .
تعيين المساعد القضائي :
يعين المساعد القضائي بناءً على طلب من الشخص نفسه أو من كل ذي مصلحة ، ويعتبر من ذوى المصلحة من يرغب إبرام تصرف مع الشخص.
ويقدم الطلب إلى نيابة شئون الأسرة الجزئية أو إلى المحكمة إلا إذا رأت نيابة شئون الأسرة الكلية اختصاصها بذلك.
وتقوم المحكمة بفحص هذا الطلب وتقدر مدى حاجة الشخص للمعاونة فإن اقنعت المحكمة بذلك قررت تعيين مساعد قضائي لهذا الشخص.
ولا تنتهي المساعدة القضائية إلا بقرار من المحكمة برفعها.
وإذا قررت المحكمة تعيين مساعد قضائي دون أن تبين في قرارها التصرفات التي يباشرها المساعد القضائي فإنها بذلك تكون قد أطلقت للمساعد القضائي كافة التصرفات التي يجوز له مباشرتها طبقاً للقانون أما إذا حددت التصرفات التي يباشرها المساعد القضائي فإنه لا يجوز له أن يباشر غيرها من التصرفات.
مهمة المساعد القضائي :
بينت المادة (71) مهمة المساعد القضائي فقضت بأن يشترك مع من تقررت له المساعدة في التصرفات المنصوص عليها بالمادة.
فليس المساعد القضائي بمثابة نائب قضائي ينفرد بالتصرف قائما فيه مقام الأصيل، وإنما هو معاون يشترك معه فيه.
ولذلك ينظر في مجال التحقق من سلامة الإدارة إلى شخص الأصيل لا شخص المساعد القضائي.
وقد يرى المساعد القضائي أن الصفقة في غير مصلحة من تقررت له المساء فيمتنع عن الاشتراك في التصرف. ولذلك واجهت الفقرة الثانية من المادة (71) هذه الحالة ونصت على أنه : "وإذا امتنع عن الاشتراك في تصرف جاز رفع الأمر إلى المحكمة فإن رأت أن الامتناع في غير محله أذنت المحكوم بمساعدته بالانفراد في إبرامه أو عين شخصاً آخر للمساعدة في إبرامه وفقاً للتوجيهات التي تبينها في قرارها وبديهي المحكمة إذا أقرت المساعد على وجهة نظره في الامتناع عمل بقراره ولم يجز لمن تقررت له المساعدة أن ينفرد بالتصرف وإلا كان قابلاً للإبطال .
امتناع المقرر له المساعدة عن القيام بتصرف معين يعرض أمواله للخطر :
قد يوجد من الحالات ما قد يحجم فيه من تقررت له المساعدة عن القيام بتصرف معين، ويرى المساعد القضائي أن هذا الإحجام خطر على مال من تقررت له المساعدة. كما لو تعلق الأمر بطلب تصفية أمواله درءاً لخطر هبوط أسعارها أو برفع دعوى يترتب على التراخي في رفعها سقوط حق وما شابه ذلك وقد واجهت ذلك الفقرة الثالثة من المادة (71) ونصت على أنه: وإذا كان عدم قيام الشخص الذي قررت مساعدته قضائياً بتصرف معين يعرض أمواله للخطر جاز للمساعد رفع الأمر الى المحكمة ولها أن تأمر بعد التحقيق بانفراد المساعد بإجراء هذا التصرف .
ولا جدال أنه في خصوصية هذه الحالة يكون المساعد القضائي نائباً قضائياً عن الشخص الذي تقررت له المساعدة.
اعتبار المساعد القضائي في حكم النائب في تطبيق أحكام المواد (108 ، 282 ، 479 ) مدنی :
رؤى أن يعامل المساعد القضائی بمقتضى نص خاص معاملة الوصی، لوجود أوجه الشبه بين مهمتهما من حيث الواقع، رغم اختلافهما من حيث التكييف القانوني.
فتنص المادة (72) على أن : "يسرى على المساعد القضائي حكم المادة (50) من هذا القانون".
والمادة الأخيرة تنص على أن :"على الوصي خلال الثلاثين يوماً التالية لانتهاء الروسية أن يسلم الأموال التي في عهدته بمحضر إلى القاصر متى بلغ سن الرشد أو إلي ورثته أو إلى الولي أو الوصي المؤقت على حسب الأحوال وعليه أن يودع قلم الكتاب في الميعاد المذكور صورة من الحساب ومحضر تسليم الأموال".
وتنص المادة 73 على أن :"يعتبر المساعد القضائي في حكم النائب في تطبيق أحكام المواد 108 ، 282 ، 479 من القانون المدني".
والمادة 108 - كما رأينا - هي الخاصة بمنع تعاقد الشخص مع نفسه باسم من ينوب منه، والمادتان 282، 479 خاصتان بعدم سريان التقادم بين الأصيل والنائب فيما يكون النائب مدیناً به للأصيل أو العكس، فالمساعد القضائي وإن لم يكن نائباً عمن تقررت مساعدته قضائياً، إلا أن الاعتبارات التي تبرر هذا المنع تتوافر هنا يقدر توافرها و بالنسبة إلى النائبين عن عديمي الأهلية بوجه عام.
حكم تصرف من تقررت له المساعدة القضائية بغير معاونة المساعد :
تنص الفقرة الثانية من المادة (117) على أنه : "ويكون قابلاً للإبطال كل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية فيها، متى صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته قضائياً بغیر معاونة المساعد، إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار المساعدة".
وعلى ذلك يتعين التفرقة في بيان حكم التصرفات التي يجريها من تقررت لها لمساعدة دون اشتراك المساعد القضائي بين حالتين :
الحالة الأولى : التصرفات التي يجريها من تقررت له المساعدة قبل تسجيل قرار تعيين المساعد القضائي :
التصرفات التي يجريها من تقررت له المساعدة قبل تسجيل قرار تعيين المساعد القضائي أو قبل تسجيل طلب تعيينه - في ظل أحكام الكتاب الرابع المضاف إلى قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949، أو بعد قيد طلب تعيين المساعد القضائي في السجل الخاص بذلك في النيابة في ظل العمل بالقانون رقم 1 لسنة 2000 والقرار الوزاري رقم 1090 لسنة 2000 ) تظل صحيحة في حدود القواعد العامة والسبب في ذلك أن ذا العاهتين أو العجز الجسماني الشديد لا يعتبر ناقص الأهلية إلا بعد أن يحكم بالمساعدة القضائية ويتم التسجيل أو القيد على النحو الذي أشرنا إليه.
أما إذا ثبت أن الشخص المذكور قد وقع مثلاً في غلط ، فإن القواعد العامة تطبق في هذه الحالة ويجوز له أن يطلب إبطال التصرف على أساس الغلط على نحو ما تقتضيه القواعد القانونية العامة.
الحالة الثانية : التصرفات التي يجريها من تقررت له المساعدة بعد تسجيل قرار تعيين المساعد القضائي :
التصرفات التي يجريها من تقررت له المساعدة، بعد تسجيل قرار المساعدة أو طلب المساعدة، أو قيد طلب المساعدة في السجل الخاص بذلك بالنيابة حسب الأحوال، تقع قابلة للإبطال لصالحه وحده، دون المتعامل معه، لأن الشخص الذي تقررت مساعدته يكون قد انقلب ناقص الأهلية، ولكن نقص أهليته يكون عندئذ قانونياً لا طبيعياً .
والتصرف وإن كان قابلاً للإبطال لمصلحة من تقررت له المساعدة، فإنه يكون للمساعد القضائي إما المطالبة بالإبطال أو إجازة التصرف، كما أن لمن تقررت مساعدته حق المطالبة بالإبطال بعد انتهاء المساعدة القضائية المفروضة عليه.
ولما كان البطلان مقرراً لمصلحة من تقررت له المساعدة، ومن ثم يكون نسبياً، ولا يخضع في تقادمه للمادة 140 من التقنين المدني لإنحصارها في نقص الأهلية والغلط والتدليس والإكراه، وبالتالي يخضع للفقرة الثانية من المادة 241 من ذات القانون، فتسقط دعوى الإبطال بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد.
أما إذا كان التصرف صادراً قبل تسجيل قرار المساعدة بالتفصيل السابق وتوافر البطلان لغلط أو تدليس أو إكراه، سقطت دعوى البطلان بمضي ثلاث سنوات من الوقت الذي ينكشف فيه الغلط أو التدليس، أو من وقت انقطاع الإكراه، وإلا بمضي خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد عملاً بالمادة 140 من التقنين المدني.
أحكام تعيين المساعد القضائي وعزله :
يرى بالنسبة لتعيين المساعد القضائي وعزله، الأحكام المتبعة بالنسبة لتعيين القيم وعزله وأحكام القوامة الأخرى كما تسري عليه أحكام الجزاءات المنصوص عليها في المواد 84 وما بعدها من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/230)
والعاهة الجسمية إما أن تكون مزدوجة كأن يكون الشخص البالغ العاقل أصم أبكم ، أو أعمى أصم ، أو أعمى أبكم ، ويتعثر عليه بسبب ذلك التعبير عن ارادته، وأما أن تحدث بالشخص عجزاً جسمانياً شديداً معه من انفراده بمباشرة التصرف في ماله وقد أجازت المادة 117 مدني في الحالة الأولى و المادة 70 من قانون الولاية على المال في كلتا الحالتين أن تعين المحكمة لهذا الشخص مساعداً قضائياً يعاونه في التصرفات التي يحتاج فيها الوصي الي أذن المحكمة ، ويعتبر تعيين المساعد القضائي بمثابة الحجر على من عين له ولكنه حجر مقصور على التصرفات المذكورة ، ويكون قابلاً للإبطال كل تصرف من هذه التصرفات متى صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته قضائياً بغير معاونة المساعد إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار المساعدة أو بعد تسجيل قرار المساعدة إن لم يكن الطلب قد سجل (المادة 117 فقرة ثانية مدني والمادة 1028 مرافعات).
ولكن لا يجوز للمتعاقد الآخر أن يتمسك في دفع دعوى الإبطال بعدم تسجيل قرار المساعدة إلا إذا كان حسن النية أي إذا كان يجهل صدور هذا القرار، وإذا انفرد المساعد بالتصرف يكون حكم تصرفه كحكم تصرف الولي أو الوصي خارج حدود ولايته أي أنه يقع موقوفاً على قبول من تقررت مساعدته قضائياً .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقص، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الاول الصفحة/ 776)
يجوز للمحكمة أن تعين للشخص الأصم الأبكم ، أو الأعمى الأصم ، أو الأعمى الأبكم والذي يتعذر عليه التعبير عن إرادته مساعداً قضائياً يعاونه في التصرفات التي تقتضي مصلحته فيها ذلك، وكل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية فيها تكون قابلة للإبطال، إذا صدرت بغير معاونة المساعد بعد تسجيل قرار المساعدة .(التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2014، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء/ الأول صفحة 474)
ويلاحظ أن المادة 1/ 70 من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 اجازت للمحكمة تعيين مساعد قضائي للشخص يعاونه في التصرفات المنصوص عليها في المادة 39 منه وهي التي تعدد الأعمال الممنوع على الوصی مباشرتها إطلاقا أو بغير اذن، وقد ذهب البعض إلى القول بان المحكمة إذا ما تقررت المساعدة القضائية لأحد الأشخاص انسحب قرارها تلقائياً إلى كل الأعمال المذكورة فلا تستطيع تخصيص قرارها ببعض منها كما لا تستطيع فرض المساعدة بالنسبة لغيرها، بينما ذهب البعض الآخر إلى استمرار العمل بالمادة 117 مدني بإطلاق الحرية للقاضي في تحديد الأعمال التي يرى فرض المساعدة القضائية بالنسبة إليها ويمكن أن يضاف إلى ذلك أن المادة 70 من المرسوم بقانون 119 تقييم مجرد قرينة لطالب فرض المساعدة اذا ما اثبت حاجة المطلوب مساعدته إليها على أن هذه الحاجة تمتد إلى الأعمال المبينة بالمادة 70 وعلى صاحب المصلحة نفي هذه القرينة، كما أن على المحكمة إذا ما رأت قصر المساعدة على بعض هذه الأعمال أو امتدادها إلى غيرها أن تفصح عن ذلك فإن لم تفعل تحددت المساعدة بالأعمال المذكورة ( يراجع في ذلك محمد كمال حمدى فى الجزء الأول ص 287 - الدكتور/ حسن كيرة في أصول القانون ص 825- وقارن اسماعيل غانم في النظرية العامة للحق ص 215 .(التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 738 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 181
أبْكم
التّعْريف:
1 - الأْبْكم صفةٌ من الْبكم الّذي هو الْخرس. وقيل: الأْخْرس: الّذي خلق لا ينْطق، والأْبْكم: الّذي له نطْقٌ ولا يعْقل الْجواب.
والْفقهاء في اسْتعْمالاتهمْ لا يفرّقون بيْن الأْبْكم والأْخْرس.
الْقاعدة الْعامّة والْحكْم الإْجْماليّ:
2 - لمّا فقد الأْخْرس قدْرة الْبيان باللّسان اكْتفي منْه بالنّيّة وتحْريك اللّسان، أو التّمْتمة في الْعبادات، كالصّلاة وقراءة الْقرْآن والتّلْبية. والْمالكيّة يصحّ عنْدهم الاكْتفاء بالنّيّة.
هذا والْفقهاء يفصّلون ذلك في الصّلاة والْحجّ.
أمّا في غيْر ذلك فيلْزمه الْبيان في الْجمْلة بالْكتابة. ولا يعْدل عنْها إذا كان يجيدها. أمّا إذا كان غيْر كاتبٍ فيكْتفى منْه بالإْشارة الْمفْهمة، في مثْل الْبيوع والْمعاملات والشّهادات وغيْرها.
هذا والْفقهاء يفصّلون ذلك في الْبيوع والنّكاح والْمعاملات والشّهادات.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 64
أَصَمُّ
التَّعْرِيفُ:
1 - الأْصَمُّ: مَنْ بِهِ صَمَمٌ، وَالصَّمَمُ: فِقْدَانُ السَّمْعِ، وَيَأْتِي وَصْفًا لِلأْذُنِ وَلِلشَّخْصِ، فَيُقَالُ: رَجُلٌ أَصَمُّ، وَامْرَأَةٌ صَمَّاءُ، وَأُذُنٌ صَمَّاءُ، وَالْجَمْعُ صُمٌّ .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:
يَتَعَلَّقُ بِالأْصَمِّ أَوِ الصَّمَّاءِ عِدَّةُ أَحْكَامٍ أَهَمُّهَا مَا يَلِي:
فِي الْعِبَادَاتِ:
2 - هَلْ يُجْتَزَأُ بِالصُّمِّ فِي الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ لِسَمَاعِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ؟ عَلَى اخْتِلاَفِ الْمَذَاهِبِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يُجْتَزَأُ بِهِمْ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ اشْتَرَطُوا أَلاَّ يَكُونَ فِي الْحَدِّ الأْدْنَى مَنْ هُوَ أَصَمُّ، وَيَجْتَزِئُ الْحَنَابِلَةُ بِهِمْ إِنْ لَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ كَذَلِكَ.
وَيَرَى الْحَنَابِلَةَ وَالشَّافِعِيَّةُ صِحَّةَ الصَّلاَةِ خَلْفَ الأْصَمِّ، وَإِمَامَتُهُ صَحِيحَةٌ.
وَلاَ يَنْبَغِي ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلإْمَامِ الرَّاتِبِ، لأِنَّهُ قَدْ يَسْهُو فَيُسَبَّحُ لَهُ فَلاَ يَسْمَعُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لإِفْسَادِ الصَّلاَةِ.
فِي الْمُعَامَلاَتِ:
أ - قَضَاءُ الأْصَمِّ وَشَهَادَتُهُ:
3 - لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الأْصَمُّ الْقَضَاءَ، وَإِذَا وُلِّيَ يَجِبُ عَزْلُهُ، لأِنَّ فِي تَوْلِيَتِهِ ضَيَاعَ حُقُوقِ النَّاسِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.
أَمَّا شَهَادَتُهُ فَمَا يَتَّصِلُ بِالسَّمْعِ كَالأْقْوَالِ فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهِ، وَأَمَّا مَا يَرَاهُ مِنَ الأْفْعَالِ كَالأْكْلِ وَالضَّرْبِ، فَهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهِ.
ب - الْجِنَايَةُ عَلَى السَّمْعِ:
4 - تَجِبُ الدِّيَةُ بِذَهَابِ مَنْفَعَةِ السَّمْعِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ: «وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ»، وَلأِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَضَى فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلاً، فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَنِكَاحُهُ وَعَقْلُهُ، بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ وَالرَّجُلُ حَيٌّ. هَذَا مَعَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَعَدَمِهِ.
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
5 - يَتَعَلَّقُ بِالأْصَمِّ أَحْكَامٌ مُتَعَدِّدَةٌ، مِثْلُ حُكْمِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلأْصَمِّ، سَوَاءٌ كَانَ تَالِيًا أَوْ مُسْتَمِعًا، وَمِثْلُ عُقُودِ الأْصَمِّ، مِنْ نِكَاحٍ وَبَيْعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَتُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهَا.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع عشر ، الصفحة / 84
حَجْرٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْحَجْرُ لُغَةً الْمَنْعُ. يُقَالُ: حَجَرَ عَلَيْهِ حَجْرًا مَنَعَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ . وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حَجَرًا لأِنَّهُ مُنِعَ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ. وَقِيلَ: الْحَطِيمُ جِدَارُ الْحَجَرِ، وَالْحَجَرُ مَا حَوَاهُ الْجُدُرُ. وَسُمِّيَ الْعَقْلُ حِجْرًا لأِنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الْقَبَائِحِ، قَالَ تَعَالَى : ( هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) أَيْ لِذِي عَقْلٍ .
وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ فِي الاِصْطِلاَحِ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ:
فَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ الْمَنْعُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَنْعُ قَدْ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ وَعَلَى الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ لِمَصْلَحَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَعَلَى الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْ مَالِهِ وَغَيْرِهَا، أَمْ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمَجْنُونِ، وَالصَّغِيرِ، وَالسَّفِيهِ .
وَعَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ مَنْعٌ مِنْ نَفَاذِ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ - لاَ فِعْلِيٍّ - فَإِنَّ عَقْدَ الْمَحْجُورِ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا فَلاَ يَنْفُذُ إِلاَّ بِإِجَازَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الإِْجَازَةِ.
وَإِنَّمَا كَانَ الْحَجْرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ لأِنَّ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ هِيَ الَّتِي يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ فِيهَا بِالْمَنْعِ مِنْ نَفَاذِهَا. أَمَّا التَّصَرُّفُ الْفِعْلِيُّ فَلاَ يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ فِيهِ، لأِنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ وُقُوعِهِ لاَ يُمْكِنُ رَدُّهُ، فَلاَ يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ عَنْهُ .
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مَا مُفَادُهُ: الْحَجْرُ عَلَى مَرَاتِبَ: أَقْوَى، وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بِعَدَمِ انْعِقَادِهِ (الْبُطْلاَنُ) كَتَصَرُّفِ الْمَجْنُونِ. وَمُتَوَسِّطٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ وَصْفِهِ وَهُوَ النَّفَاذُ كَتَصَرُّفِ الْمُمَيِّزِ. وَضَعِيفٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ وَصْفِ وَصْفِهِ، وَهُوَ كَوْنُ النَّفَاذِ حَالًّا مِثْلُ تَأْخِيرِ نَفَاذِ الإْقْرَارِ مِنَ لْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِلإِْفْلاَسِ إِلَى مَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَقَدْ أَدْخَلَ فِي التَّعْرِيفِ الْمَنْعَ عَنِ الْفِعْلِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ، فَإِنَّهُ إِنْ جُعِلَ الْحَجْرُ هُوَ الْمَنْعَ مِنْ ثُبُوتِ
حُكْمِ التَّصَرُّفِ، فَمَا وَجْهُ تَقْيِيدِهِ بِالْقَوْلِيِّ وَنَفْيِ الْفِعْلِيِّ مَعَ أَنَّ لِكُلٍّ حُكْمًا ؟ وَأَمَّا مَا عَلَّلَ بِهِ (صَاحِبُ الدُّرِّ) مِنْ قَوْلِهِ: لأِنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ وُقُوعِهِ لاَ يُمْكِنُ رَدُّهُ، نَقُولُ: الْكَلاَمُ فِي مَنْعِ حُكْمِهِ لاَ مَنْعِ ذَاتِهِ، وَمِثْلُهُ: الْقَوْلُ، لاَ يُمْكِنُ رَدُّهُ بِذَاتِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ بَلْ رَدُّ حُكْمِهِ .
وَعَرَّفَ الْمَالِكِيَّةُ الْحَجْرَ بِأَنَّهُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ مَنْعَ مَوْصُوفِهَا مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيمَا زَادَ عَلَى قُوَّتِهِ، أَوْ مِنْ نُفُوذِ تَبَرُّعِهِ بِزَائِدٍ عَلَى ثُلُثِ مَالِهِ.
فَدَخَلَ بِالثَّانِي حَجْرُ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ، وَدَخَلَ بِالأْوَّلِ حَجْرُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُفْلِسِ وَالرَّقِيقِ فَيُمْنَعُونَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْقُوتِ وَلَوْ كَانَ التَّصَرُّفُ غَيْرَ تَبَرُّعٍ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ فَلاَ يُمْنَعَانِ مِنَ التَّصَرُّفِ إِذَا كَانَ غَيْرَ تَبَرُّعٍ أَوْ كَانَ تَبَرُّعًا وَكَانَ بِثُلُثِ مَالِهِمَا، وَأَمَّا تَبَرُّعُهُمَا بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ فَيُمْنَعَانِ مِنْهُ .
مَشْرُوعِيَّةُ الْحَجْرِ:
2 - ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الْحَجْرِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى ) وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا)
وَقَوْلُهُ: ) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) .
وَقَوْلُهُ: ) فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) .
فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ السَّفِيهَ بِالْمُبَذِّرِ، وَالضَّعِيفَ بِالصَّبِيِّ وَالْكَبِيرِ الْمُخْتَلِّ، وَاَلَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ بِالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلاَءِ يَنُوبُ عَنْهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ رضي الله عنه مَالَهُ وَبَاعَهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ» وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه حَجَرَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنه بِسَبَبِ تَبْذِيرِهِ
حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الْحَجْرِ:
3 - قَرَّرَ الشَّارِعُ الْحَجْرَ عَلَى مَنْ يُصَابُ بِخَلَلٍ فِي عَقْلِهِ كَجُنُونٍ وَعَتَهٍ حَتَّى تَكُونَ الأْمْوَالُ مَصُونَةً مِنَ الأْيْدِي الَّتِي تَسْلُبُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَالْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ. وَتَكُونَ مَصُونَةً أَيْضًا مِنْ سُوءِ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ.
وَقَرَّرَ الْحَجْرَ أَيْضًا عَلَى مَنْ يَسْتَرْسِلُونَ فِي غَلْوَاءِ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ وَالْخَلاَعَةِ وَيُبَدِّدُونَ أَمْوَالَهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ صَوْنًا لأِمْوَالِهِمْ، وَحِرْصًا عَلَى أَرْزَاقِ أَوْلاَدِهِمْ، وَمَنْ يَعُولُونَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ وَبَعْدَ مَمَاتِهِمْ.
كَمَا شَمِلَ الْحَجْرُ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِلإْفْتَاءِ وَهُوَ جَاهِلٌ لاَ يَعْلَمُ حَقِيقَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَيَضِلُّ وَيُضِلُّ وَتُصْبِحُ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَاءِ فُتْيَاهُ، وَكَذَا يُحْجَرُ عَلَى الطَّبِيبِ الْجَاهِلِ الَّذِي يُدَاوِي الأْمَّةَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ فَنِّ الطِّبِّ، فَتَرُوحُ أَرْوَاحٌ طَاهِرَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ لِجَهْلِهِ، وَيَنْتِجُ مِنْ ذَلِكَ بَلاَءٌ عَظِيمٌ وَخَطْبٌ جَسِيمٌ. وَكَذَا يُحْجَرُ عَلَى الْمُكَارِي الْمُفْلِسِ، لأِنَّهُ يُتْلِفُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ .
أَسْبَابُ الْحَجْرِ:
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصِّغَرَ وَالْجُنُونَ وَالرِّقَّ أَسْبَابٌ لِلْحَجْرِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ السَّفَهَ وَالْمَرَضَ الْمُتَّصِلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابٌ لِلْحَجْرِ أَيْضًا.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَجْرِ عَلَى الزَّوْجَةِ - فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ - وَفِي الْحَجْرِ عَلَى الْمُرْتَدِّ لِمُصْلِحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي غَيْرِهِمَا عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِيمَا بَعْدُ .
تَقْسِيمُ الْحَجْرِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ:
5 - يَنْقَسِمُ الْحَجْرُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أ - قِسْمٍ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (غَالِبًا)، وَذَلِكَ كَحَجْرِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ وَالْمُبَذِّرِ وَغَيْرِهِمْ - عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ - فَالْحَجْرُ فِي هَذَا الْقِسْمِ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ هَؤُلاَءِ حِفْظًا لأَِمْوَالِهِمْ مِنَ الضَّيَاعِ.
ب - قِسْمٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ (غَالِبًا)، وَذَلِكَ كَحَجْرِ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ (الدَّائِنِينَ)، وَحَجْرِ الرَّاهِنِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، وَكَحَجْرِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ التَّرِكَةِ حَيْثُ لاَ دَيْنَ، وَحَجْرِ الرَّقِيقِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ .
الْحَجْرُ عَلَى الصَّغِيرِ:
6 - يَبْدَأُ الصِّغَرُ مِنْ حِينِ الْوِلاَدَةِ إِلَى مَرْحَلَةِ الْبُلُوغِ، وَلِمَعْرِفَةِ مَتَى يَتِمُّ الْبُلُوغُ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (بُلُوغٌ).
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ حَتَّى يَبْلُغَ ثُمَّ يَسْتَمِرَّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَرْشُدَ.
لقوله تعالي : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وَذَلِكَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ لِقُصُورِ إِدْرَاكِهِ.
وَيَنْتَهِي الْحَجْرُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ لقوله تعالي : ) فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) أَيْ: أَبْصَرْتُمْ وَعَلِمْتُمْ مِنْهُمْ حِفْظًا لأِمْوَالِهِمْ وَصَلاَحِهِمْ فِي تَدْبِيرِهِمْ. وَلاَ يَنْتَهِي الْحَجْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّبِيِّ وَلاَ يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ قَبْلَ وُجُودِ الأْمْرَيْنِ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ وَلَوْ صَارَ شَيْخًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لأِبِي حَنِيفَةَ كَمَا سَيَأْتِي.
الْبُلُوغُ: الْبُلُوغُ انْتِهَاءُ فَتْرَةِ الصِّغَرِ وَالدُّخُولُ فِي حَدِّ الْكِبَرِ وَلَهُ أَمَارَاتٌ طَبِيعِيَّةٌ إِنْ تَحَقَّقَتْ حُكِمَ بِهِ وَإِلاَّ فَيُرْجَعُ لِلسِّنِّ عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (بُلُوغٌ).
ب - الرُّشْدُ:
الرُّشْدُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) هُوَ الصَّلاَحُ فِي الْمَالِ فَقَطْ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلآْيَةِ السَّابِقَةِ.
وَمَنْ كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ رُشْدٌ، وَلأِنَّ الْعَدَالَةَ لاَ تُعْتَبَرُ فِي الرُّشْدِ فِي الدَّوَامِ. فَلاَ تُعْتَبَرُ فِي الاِبْتِدَاءِ كَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَلأِنَّ هَذَا مُصْلِحٌ لِمَالِهِ فَأَشْبَهَ الْعَدْلَ، يُحَقِّقُهُ: أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَ لِحِفْظِ مَالِهِ عَلَيْهِ، فَالْمُؤَثِّرُ فِيهِ مَا أَثَّرَ فِي تَضْيِيعِ الْمَالِ أَوْ حِفْظِهِ.
وَلَوْ كَانَ الرُّشْدُ صَلاَحَ الدِّينِ فَالْحَجْرُ عَلَى الْكَافِرِ أَوْلَى مِنَ الْحَجْرِ عَلَى الْفَاسِقِ.
ثُمَّ إِنْ كَانَ الْفَاسِقُ يُنْفِقُ أَمْوَالَهُ فِي الْمَعَاصِي كَشِرَاءِ الْخَمْرِ وَآلاَتِ اللَّهْوِ أَوْ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْفَسَادِ فَهُوَ غَيْرُ رَشِيدٍ لِتَبْذِيرِهِ لِمَالِهِ وَتَضْيِيعِهِ إِيَّاهُ فِي غَيْرِ فَائِدَةٍ عَلَى الْخِلاَفِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْكَذِبِ وَمَنْعِ الزَّكَاةِ وَإِضَاعَةِ الصَّلاَةِ مَعَ حِفْظِهِ لِمَالِهِ دُفِعَ مَالُهُ إِلَيْهِ، لأِنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَجْرِ حِفْظُ الْمَالِ، وَمَالُهُ مَحْفُوظٌ بِدُونِ الْحَجْرِ، وَلِذَلِكَ لَوْ طَرَأَ الْفِسْقُ عَلَيْهِ بَعْدَ دَفْعِ مَالِهِ إِلَيْهِ لَمْ يُنْزَعْ .
وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الرُّشْدَ الصَّلاَحُ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ جَمِيعًا.
وَالآْيَةُ عِنْدَهُمْ عَامَّةٌ لأِنَّ كَلِمَةَ «رُشْدًا» نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ الْمَالَ وَالدِّينَ، فَالرَّشِيدُ هُوَ مَنْ لاَ يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ، وَلاَ يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ، أَوْ رَمْيِهِ فِي بَحْرٍ، أَوْ إِنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ «رُشْدًا» فِي الآْيَةِ فَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: صَلاَحًا فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَالثَّوْرِيُّ: صَلاَحًا فِي الْعَقْلِ وَحِفْظُ الْمَالِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْخُذُ بِلِحْيَتِهِ وَمَا بَلَغَ رُشْدَهُ. فَلاَ يُدْفَعُ إِلَى الْيَتِيمِ مَالُهُ وَلَوْ صَارَ شَيْخًا حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدُهُ.
وَهَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ: لاَ يُعْطَى الْيَتِيمُ وَإِنْ بَلَغَ مِائَةَ سَنَةٍ حَتَّى يُعْلَمَ مِنْهُ إِصْلاَحُ مَالِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: رُشْدًا يَعْنِي فِي الْعَقْلِ خَاصَّةً.
وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الرُّشْدَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَعَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرْشُدْ بَعْدَ بُلُوغِ الْحُلُمِ وَإِنْ شَاخَ لاَ يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهُ .
أَثَرُ الْحَجْرِ عَلَى تَصَرُّفَاتِ الصَّغِيرِ:
7 - سَبَقَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رَشِيدًا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ فِي حُكْمِ تَصَرُّفَاتِهِ، هَلْ تَقَعُ صَحِيحَةً غَيْرَ نَافِذَةٍ أَمْ تَقَعُ فَاسِدَةً ؟
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ طَلاَقُ الصَّبِيِّ وَلاَ إِقْرَارُهُ وَلاَ عِتْقُهُ وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا، وَإِذَا عَقَدَ الصَّبِيُّ عَقْدًا فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ صَحَّ الْعَقْدُ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.
وَكَذَا إِذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَجَبَتِ الأْجْرَةُ اسْتِحْسَانًا.
وَإِذَا عَقَدَ الصَّبِيُّ عَقْدًا يَدُورُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ وَكَانَ يَعْقِلُهُ (أَيْ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ لَهُ)، فَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ صَحَّ، وَإِذَا رَدَّهُ بَطَلَ الْعَقْدُ. هَذَا إِذَا لَمْ يَتَضَمَّنِ الْعَقْدُ غَبْنًا فَاحِشًا وَإِلاَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لاَ يَعْقِلُهُ فَقَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ.
وَإِذَا أَتْلَفَ الصَّبِيُّ - سَوَاءٌ عَقَلَ أَمْ لاَ - شَيْئًا مُتَقَوِّمًا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ ضَمِنَهُ، إِذْ لاَ حَجْرَ فِي التَّصَرُّفِ الْفِعْلِيِّ، وَتَضْمِينُهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّكْلِيفِ فَيَضْمَنُ الصَّبِيُّ مَا أَتْلَفَهُ مِنَ الْمَالِ لِلْحَالِ، وَإِذَا قَتَلَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إِلاَّ فِي مَسَائِلَ لاَ يَضْمَنُ فِيهَا لأِنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ: كَمَا إِذَا أَتْلَفَ مَا اقْتَرَضَهُ، وَمَا أُودِعَ عِنْدَهُ بِلاَ إِذْنِ وَلِيِّهِ، وَكَذَا إِذَا أَتْلَفَ مَا أُعِيرَ لَهُ وَمَا بِيعَ مِنْهُ بِلاَ إِذْنٍ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ رَشِيدًا، وَزِيدَ فِي الأُْنْثَى دُخُولُ الزَّوْجِ بِهَا، وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلاَحِ حَالِهَا.
وَلَوْ تَصَرَّفَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ بِمُعَاوَضَةٍ بِلاَ إِذْنِ وَلِيِّهِ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَهِبَةِ الثَّوَابِ (الْهِبَةُ بِعِوَضٍ) فَلِلْوَلِيِّ رَدُّ هَذَا التَّصَرُّفِ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ تَعَيَّنَ عَلَى الْوَلِيِّ رَدُّهُ كَإِقْرَارٍ بِدَيْنٍ.
وَلِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ رَدُّ تَصَرُّفِ نَفْسِهِ قَبْلَ رُشْدِهِ إِنْ رَشَدَ حَيْثُ تَرَكَهُ وَلِيُّهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِتَصَرُّفِهِ أَوْ لِسَهْوِهِ أَوْ لِلإْعْرَاضِ عَنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ.
وَلَوْ حَنِثَ بَعْدَ رُشْدِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ حَالَ صِغَرِهِ: أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ كَذَا فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ، فَفَعَلَهُ بَعْدَ رُشْدِهِ فَلَهُ رَدُّهُ فَلاَ يَلْزَمُهُ طَلاَقٌ وَلاَ عِتْقٌ، وَلَهُ إِمْضَاؤُهُ. وَلاَ يُحْجَرُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِضَرُورَةِ الْعَيْشِ كَدِرْهَمٍ مَثَلاً، وَلاَ يُرَدُّ فِعْلُهُ فِيهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ.
وَيَضْمَنُ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ مَا أَفْسَدَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فِي الذِّمَّةِ، فَتُؤْخَذُ قِيمَةُ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ إِنْ كَانَ، وَإِلاَّ أُتْبِعَ بِهَا فِي ذِمَّتِهِ إِلَى وُجُودِ مَالٍ، هَذَا إِذَا لَمْ يُؤْتَمَنِ الصَّبِيُّ عَلَى مَا أَتْلَفَهُ، فَإِنِ اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لأِنَّ مَنِ ائْتَمَنَهُ قَدْ سَلَّطَهُ عَلَى إِتْلاَفِهِ، وَلأِنَّهُ لَوْ ضَمِنَ الْمَحْجُورُ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْحَجْرِ. وَاسْتَثْنَى ابْنُ عَرَفَةَ: الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَزِدْ عَنْ شَهْرٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لأِنَّهُ كَالْعَجْمَاءِ. وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ إِذَا لَمْ يَخْلِطْ فِيهَا، فَإِنْ خَلَطَ بِأَنْ تَنَاقَضَ فِيهَا أَوْ أَوْصَى بِغَيْرِ قُرْبَةٍ لَمْ تَصِحَّ.
وَإِنَّ الزَّوْجَةَ الْحُرَّةَ الرَّشِيدَةَ يُحْجَرُ عَلَيْهَا لِزَوْجِهَا فِي تَصَرُّفٍ زَائِدٍ عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا وَتَبَرُّعُهَا مَاضٍ حَتَّى يُرَدَّ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إِلَى الْبُلُوغِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مُمَيِّزًا أَمْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ.
وَالصِّبَا يَسْلُبُ الْوِلاَيَةَ وَالْعِبَارَةُ فِي الْمُعَامَلَةِ كَالْبَيْعِ، وَفِي الدَّيْنِ كَالإْسْلاَمِ، إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ مِنْ عِبَادَةٍ مِنْ مُمَيِّزٍ، لَكِنَّهُ يُثَابُ عَلَى الْفَرِيضَةِ أَقَلُّ مِنْ ثَوَابِ الْبَالِغِ عَلَى النَّافِلَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ عَدَمُ خِطَابِهِ بِهَا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لاَ ثَوَابَ أَصْلاً لِعَدَمِ خِطَابِهِ بِالْعِبَادَةِ، لَكِنَّهُ أُثِيبَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْعِبَادَةِ، فَلاَ يَتْرُكُهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَاسْتُثْنِيَ كَذَلِكَ مِنَ الْمُمَيِّزِ الإِذْنُ فِي دُخُولِ الدَّارِ، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا إِيصَالُ هَدِيَّةٍ مِنْ مُمَيِّزٍ مَأْمُونٍ أَيْ لَمْ يُجَرَّبْ عَلَيْهِ كَذِبٌ.
وَلِلصَّبِيِّ تَمَلُّكُ الْمُبَاحَاتِ وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرَاتِ وَيُثَابُ عَلَيْهَا كَالْمُكَلَّفِ، وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي تَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ إِذَا عُيِّنَ لَهُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالْحُكْمُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَالْحُكْمِ فِي السَّفِيهِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا فِيمَا أَتْلَفَاهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِمَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَوْ غَصَبَاهُ فَتَلِفَ فِي أَيْدِيهِمَا، وَانْتِفَاءُ الضَّمَانِ عَنْهُمَا فِيمَا حَصَلَ فِي أَيْدِيهِمَا بِاخْتِيَارِ صَاحِبِهِ وَتَسْلِيطِهِ كَالثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ وَالاِسْتِدَانَةِ، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمَا فِيمَا تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِمَا، وَإِنْ أَتْلَفَاهُ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ.
مَتَى يُدْفَعُ الْمَالُ إِلَى الصَّغِيرِ:
8 - إِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ رَشِيدًا أَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ ثُمَّ رَشَدَ دُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ وَفُكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، لقوله تعالي : (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وَلِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «لاَ يُتْمَ بَعْدَ احْتِلاَمٍ» . وَلاَ يُحْتَاجُ فِي هَذَا إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، لأِنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ ثَبَتَ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ فَيَزُولُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمَذْهَبِ - وَالْحَنَابِلَةُ).
وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ يَفْتَقِرُ إِلَى الْحَاكِمِ، لأِنَّ الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الصَّغِيرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى:
فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَهُوَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ بِبُلُوغِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ سَفَهٌ أَوْ يَحْجُرْهُ أَبُوهُ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ قَدْ مَاتَ وَعَلَيْهِ وَصِيٌّ فَلاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ إِلاَّ بِالتَّرْشِيدِ. فَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ مِنَ الأْبِ (وَهُوَ الْوَصِيُّ الْمُخْتَارُ) فَلَهُ أَنْ يُرَشِّدَهُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ مُقَدَّمًا مِنْ قَاضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرْشِيدُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ الْقَاضِي.
وَقَالَ الدَّرْدِيرُ: إِنَّ الْحَجْرَ عَلَى الصَّبِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَالِهِ يَكُونُ لِبُلُوغِهِ مَعَ صَيْرُورَتِهِ حَافِظًا لِمَالِهِ بَعْدَهُ فَقَطْ إِنْ كَانَ ذَا أَبٍ أَوْ مَعَ فَكِّ الْوَصِيِّ وَالْمُقَدَّمُ (الْوَصِيُّ الْمُعَيَّنُ مِنَ الْقَاضِي) إِنْ كَانَ ذَا وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ فَذُو الأْبِ بِمُجَرَّدِ صَيْرُورَتِهِ حَافِظًا لِلْمَالِ بَعْدَ بُلُوغِهِ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَفُكَّهُ أَبُوهُ عَنْهُ، قَالَ ابْن عَاشِرٍ: يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا حَجَرَ الأَْبُ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ عِنْوَانُ الْبُلُوغِ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ حَافِظًا لِلْمَالِ إِلاَّ لِفَكِّ الأَْبِ.
وَأَمَّا فَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْوَصِيِّ فَيَحْتَاجُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْعُدُولِ: اشْهَدُوا أَنِّي فَكَكْتُ الْحَجْرَ عَنْ فُلاَنٍ وَأَطْلَقْتُ لَهُ التَّصَرُّفَ لِمَا قَامَ عِنْدِي مِنْ رُشْدِهِ وَحُسْنِ تَصَرُّفِهِ، فَتَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْفَكِّ لاَزِمٌ لاَ يُرَدُّ. وَلاَ يَحْتَاجُ لإِِذْنِ الْحَاكِمِ فِي الْفَكِّ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَبْلُغَ وَلاَ يَكُونَ لَهُ أَبٌ وَلاَ وَصِيٌّ، وَهُوَ الْمُهْمَلُ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرُّشْدِ إِلاَّ إِنْ تَبَيَّنَ سَفَهُهُ.
وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى فَهِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهَا: إِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَبٍ فَإِنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ تَبْقَى فِي حِجْرِهِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَيَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَتَبْقَى مُدَّةً بَعْدَ الدُّخُولِ.
وَاخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ عَامٍ إِلَى سَبْعَةِ أَعْوَامٍ.
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا حُسْنُ تَصَرُّفِهَا فِي الْمَالِ وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ بِذَلِكَ.
الثَّانِي: إِنْ كَانَتْ ذَاتَ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ لاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهَا إِلاَّ بِهَذِهِ الأَْرْبَعَةِ (وَهِيَ بُلُوغُهَا، وَالدُّخُولُ بِهَا، وَبَقَاؤُهَا مُدَّةً بَعْدَ الدُّخُولِ، وَثُبُوتُ حُسْنِ التَّصَرُّفِ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ) وَفَكَّ الْوَصِيُّ أَوِ الْمُقَدَّمُ. فَإِنْ لَمْ يَفُكَّا الْحَجْرَ عَنْهَا بِتَرْشِيدِهَا كَانَ تَصَرُّفُهَا مَرْدُودًا وَلَوْ عَنَسَتْ أَوْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَطَالَتْ إِقَامَتُهَا عِنْدَهُ .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ إِنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ (أَيْ قَبْلَ بُلُوغِهِ هَذِهِ السِّنَّ مَعَ إِينَاسِ الرُّشْدِ) وَيُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ مَتَى بَلَغَ الْمُدَّةَ وَلَوْ كَانَ مُفْسِدًا لقوله تعالي : (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) وَالْمُرَادُ بِالْيَتِيمِ هُنَا مَنْ بَلَغَ، وَسُمِّيَ فِي الآْيَةِ يَتِيمًا لِقُرْبِهِ مِنَ الْبُلُوغِ، وَلأِنَّهُ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِ الْبُلُوغِ قَدْ لاَ يُفَارِقُهُ السَّفَهُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا فَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، لأِنَّهُ حَالُ كَمَالِ لُبِّهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَنْتَهِي لُبُّ الرَّجُلِ إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَقَالَ أَهْلُ الطَّبَائِعِ (الأْطِبَّاءُ): مَنْ بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَ رُشْدَهُ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ سِنًّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ فِيهَا جَدًّا، لأِنَّ أَدْنَى مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا الْغُلاَمُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ الْوَلَدُ يَبْلُغُ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا، حَتَّى لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ مُبَذِّرًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ مَالُهُ، لأِنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا فَلاَ يُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ الْمَالِ، وَلأِنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّأْدِيبِ عُقُوبَةٌ عَلَيْهِ، وَالاِشْتِغَالُ ذعِنْدَ رَجَاءِ التَّأَدُّبِ، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ فَقَدِ انْقَطَعَ رَجَاءُ التَّأَدُّبِ فَلاَ مَعْنَى لِمَنْعِ الْمَالِ بَعْدَهُ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثلاثون ، الصفحة / 77
الْعَمَى:
17 - إِذَا عُيِّنَ الْقَاضِي وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ فَالْفُقَهَاءُ يَرَوْنَ انْعِزَالَهُ؛ لأِنَّ الأْعْمَى لاَ يَعْرِفُ الْمُدَّعِيَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُقِرَّ مِنَ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالشَّاهِدَ مِنَ الْمَشْهُودِ لَهُ؛ وَلأِنَّ الشَّاهِدَ لاَ بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ بَصِيرًا، مَعَ أَنَّهُ يَشْهَدُ فِي أَشْيَاءَ يَسِيرَةٍ يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى الْبَصَرِ وَرُبَّمَا أَحَاطَ بِحَقِيقَةِ عِلْمِهَا، وَالْقَاضِي وِلاَيَتُهُ عَامَّةٌ، وَيَحْكُمُ فِي قَضَايَا النَّاسِ عَامَّةً، فَإِذَا لَمْ تُقْبَلْ مِنَ الأْعْمَى الشَّهَادَةُ فَالْقَضَاءُ مِنْ بَابِ أَوْلَى .
ح - الصَّمَمُ:
18 - وَفِي الصَّمَمِ يَجْرِي مَا وَرَدَ فِي الْعَمَى؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ الأْصَمَّ لاَ يَسْمَعُ قَوْلَ الْخَصْمَيْنِ وَلاَ إِفَادَةَ الشُّهُودِ، وَالأْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الأْطْرَشَ - وَهُوَ مَنْ يَسْمَعُ الصَّوْتَ الْقَوِيَّ - يَصِحُّ قَضَاؤُهُ .
ط - الْبُكْمُ:
19 - إِذَا طَرَأَ عَلَى الْقَاضِي الْخَرَسُ اسْتَلْزَمَ عَزْلَهُ - كَمَا سَبَقَ فِي الْعَمَى سَوَاءٌ أَفْهَمَتْ إِشَارَتُهُ أَمْ لَمْ تُفْهِمْ؛ لأِنَّ فِيهِ مَشَقَّةً لِلْخُصُومِ وَالشُّهُودِ، لِتَعَسُّرِ فَهْمِ مَا يُرِيدُهُ مِنْهُمْ؛ وَلأِنَّ إِشَارَتَهُ لاَ يَفْهَمُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ .
__________________________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة ۱۰۲)
اذا كان الشخص أصم ابكم ، او اعمى اصم ، أو اعمی ابكم ، وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن ارادته او كان يخشى انفراده بمباشرة التصرف في ماله بسبب عجز جسماني شديد ، جاز للمحكمة ان تعين له مساعدا قضائيا يعاونه في التصرفات التي تقتضى مصلحته فيها ذلك .
2- فبعد تسجيل قرار المساعدة ، اذا صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته قضائيا اي تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة فيها بغير معاونة المساعد، كان هذا التصرف موقوفا على اجازة المساعد او المحكمة .
هذه المادة تقابل المادة ۱۱۷ من التقنين الحالي التي تنص على ما يأتي :
1- اذا كان الشخص أصم أبكم أو أعمى اصمم ، أو أعمى ابكم ، وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن ارادته ، جاز للمحكمة أن تعين له مساشدا قضائيا يعاونه في التصرفات التي تقضي مصلحته فيها ذلك .
۲ - ویکون قابلا للابطال كل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية ، فيها ، متى صدر من الشخص الذي تقررات مساعدته قضائيا بغیر معاونة المساعد ، اذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار المساعدة .
وقد أدخل على هذه المادة الواردة في التقنين الحالي التعديلات الآتية :
أولا - أضيف إلى الفقرة الأولى الحالة التي يخشى فيها من انفراد الشخص بمباشرة التصرف في ماله بسبب عجن جسمانی شدید · وذلك حتى يتسق النص المقترح مع نص المادة ۷۰ من قانون الولاية على المال الذي يتناول هذه الحالة إلى جانب حالة الاصابة بعامتين من العاهات الثلاثة المذكورة .
ثانيا - عدلت الفقرة الثانية بما يتفق مع الأخذ بفكرة العقد الموقوف التي يقول بها الفقه الاسلامي بدلا من فكرة العقد القابل للابطال التي يأخذ بها النقنين الحالي .
والمادة المقترحة تقابل المادة 104 من التقنين العراقي التي تنص على أنه و اذا كان الشخص اصم أبكم أو أعمى اصم او اعمى أبكم وتجذر بسبب ذلك التعبير عن ارادته جاز للمحكمة أن تنصب عليه وصيا وتحدد تصرفات هذا الوصی :.
و تقابل المادة ۱۳۲ من التقنين الأردني التي تنص على انه اذا كان الشخص أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم و تعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن ارادته جاز للمحكمة أن تعين له وصيا يعاونه في التصرفات التي تقتضي مصلحته فيها ذلك .
و تقابل المواد ۱۰۷ و ۱۰۸ و ۱۰۹ من التقنين الكويتي .