مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 142
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- كان من واجب المشرع أن يقطع برأي معين ، في مسألة المفاضلة بين اشتراط توافر الغلط المشترك، وهو مايقوم بدهن العاقدين معا، والاجتراء بالغلط الفردی وقد اكتفي المشروع بالغلط الفردي بوجه عام ، بيد أنه اشترط لترتيب حكم الغلط عند عدم اشتراك طرق التعاقد فيه، أن يكون أحدهما قد جر الأخر إليه بموافقة أو أن يكون عالماً بوقوعه ، أو أن يكون من السهل عليه أن يتبينه ، ويلاحظ أن المتعاقد الأخير ، في هذه الفروض الثلاثة ، ينسب إليه أمر يرتب مسئوليته وهذا مايبرر طلب البطلان، أما إذا بقي بمعزل عن ظروف الغلط ، بأن وقف موقفاً الاجر إلى الوقوع فيه أو امتنع عليه العلم به أوتيته ، فلا يجوز التسليم ببطلان العقد إلا إذ سلم بوجوب تعويض هذا المتعاقد ، عملاً بنظرية الخطأ في تكوين العقد، وهذا هو ما اتبعه التقنين الألماني ( انظر المادة 122 منه ، وانظر أيضاً المادة 26 من التقنين السويسري ، والمادة 91 من التقنين الصيني) أما المشروع فقد ذهب إلى ماهو أيسر من ذلك فبدلاً من أن يخول من وقع في الغلط حق التمسك بالبطلان ، ثم يلزمه في ذات الوقت بتعويض ما يصيب العاقد الآخر من خسارة ، جعل للعقد حكم الصحة وهيأ بذلك أجدى تعويض لهذا العاقد، وليس هذا إلا تطبيقاً تشريعياً خاصاً لنظرية الخطأ في تكوين العقد ( أنظر في هذا المعني : المادة 137 من التقنين البولوني و المادة 178 من التقنين المساری، والمادتين 661 و 662 من التقنين البرتغالي والمادة 207 من التقنين اللبناني ).
هذا وينبغي التنويه بأمرين :
أولها أن الغلط الذي يبرر أبطال العقد، وهو ما يشترك فيه المتعاقدان ، أو يتسبب فيه أحدهما، أو يعلم به ، أو يكون في مقدوره أن يعلم به ، قديلقب اصطلاحا . بالغلط المغتفر .. ويصبح الغلط و غير مغتفر ، ولا يؤدي بذلك إلى إبطال العقد ، إذا وقع فيه أحد المتعاقدين دون أن يشاركه فيه المتعاقد الآخر ، أو يجره إليه ، أو يعلم به ، أو يستطيع العلم به .
والثاني أنه لا يقصد بعلم الطرف الأخر بالغلط تبينه واقعة الغاط حسب ، بل ووقوفه على أن هذا الغلط كان دافعا إلى إبرام العقد.
2 - وينبغي أن يكون الغلط المبطل للعقد جوهريا . ولا يتحقق ذلك ، إلا إذا دفع من وقع فيه إلى التعاقد، ومؤدى هذا أن يناط تقدير الخلط بمعيار شخصی، وقد انتهى القضاء المصري والقضاء الفرنسي ، في هذا الشأن ، إلى تطبيقات ثلاتة - تقررت في نصوص المشروع :
(أ) أولهما يتعلق بالغلط الذي يقع في صفة للشيء ، تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين ، أو بالنسبة لما يلابس العقد من ظروف، ولما ينبغي أن يسود التعامل من حسن النية، وفي هذا الفرض يرتبط تقدير الغلط الجوهري بعامل شخصی ، هو حسن النية ، وبعامل مادی ، قوامه الظروف التي لابست تكوين العقد.
(ب) والثاني يتصل بالغلط الواقع في ذات الشخص المتعاقد ، أو في صفة من صفاته ، إذا كانت هذه الذات ، أو تلك الصفة ، السبب الوحيد ، أو السبب الرئيسي في التعاقد ، والمعيار في هذا الفرض شخصي بحت.
(ج) والثالث خاص بالغلط الواقع في أمور يعتبرها من يتمسك به من المتعاقدين ، عناصر ضرورية للتعاقد ، طبقاً لما تقضى به النزاهة في التعامل، وقد تنطوى صورة الغلط في الباعث في هذا التطبيق الثالث، بيد أنه يتعين الرجوع .. عند الإثبات ، إلى عنصر موضوعي أو مادی بخت ، هو عنصر نزاهة التعامل، ويتضح من ذلك أن تقدير الغلط وإن كان قد نيط بمعيار شخصي بحت إلا أن تيسير الإثبات ، قد اقتضى الاعتداد بعناصر مختلفة ، فيها الشخصي والمادي .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 168 من المشروع :
واقترح إدخال تعديلات لفظية - واقترح كامل مرسي بك حذف الجزء (ج) من الفقرة الثانية لأن ذكر هذه الحالة مع الحالتين السابقتين يكاد يحيط بكل حالات الغلط فلا يصبح هناك معنى لإيراد الفقرة الثانية على سبيل التمثيل والحالة المقترح حذفها مستفاد حكمها على كل حال من الفقرة الأولى ..
وبعد المناقشة وافقت اللجنة على التعديلات المقترحة وأصبح النص النهائي كالآتي :
1 - يكون الغلط جوهرياً إذا كان من الجسامة بحيث كان الطرف الذي وقع فيه يمتنع عن إبرام العقد لو أنه لم يقع فيه وقدر الأمور تقدیر معقولاً.
ويعتبر الغلط جوهرياً على الأخص :
(أ) إذا وقع في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف ولا ينبغي في التعامل من حسن نية .
(ب) إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الوحيد أو السبب الرئيسي في التعاقد.
ثم قدمت في المشروع النهائي بعد تعديل الفقرة الأولى بالنص الآتي :
يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حداً من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط وقدر الأمور تقدیر معقولاً.
وأصبح رقم المادة 125 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل ، تحت رقم 125 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني
محضر الجلسة الثامنة
المادة 125 و هذا نصها :
1- يكون الغلط جوهرياً إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط وقدر الأمور تقدیر معقولاً.
2 - ويعتبر الغلط جوهرياً على الأخص :
(أ) إذا وقع في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف ولا ينبغي في التعامل من حسن النية .
(ب) إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الوحيد أو السبب الرئيسي في التعاقد .
ثم دارت مناقشة الإدماج حكم هذه المادة في المادة 124 السابقة ( يراجع في شأن ذلك ما جاء بمحضر الجلسة المذكور ص 152 وما بعدها ) .
محضر الجلسة الخامسة والأربعين
المادة 125 – سبق للجنة أن قررت حذفها لأن التعديل الذي أدخلته على المادة 124 يغنى عنها للإرتباط بين المادتين وطلبت الحكومة إرجاء البت فيها جتي تفصلى اللجنة في المادة 124.
محضر الجلسة الثامنة والأربعين
تليت المادة 125 فاعترض معالي السنهوري باشا على حذفها وقال إن أحكام القضاء الفرنسي عدلت أيضاً عن نظرية الغلط في ذات الشيء إلى نظرية الغلط في صفة جوهرية فيه وأن القضاء المصري ساره أيضاً في ذلك ، وطلب إعادة المادة .
قرار اللجنة :
وافقت اللجنة على إعادة المادة 125 مع :
1 - حذف عبارة وقدر الأمور تقديراً معقولاً من الفقرة الأولى لأنها تزيد .
2 - حذف عبارةالسبب الوحيد أو ، من الفقرة ب اكتفاء بعبارة السبب الرئيسي ، التي تغطيها .
تقرير اللجنة :
حذفت من الفقرة الأولى عبارة، وقدر الأمور تقديراً معقولاً ، لأنها تتضمن قيداً يحسن أن يترك أمره لتقدير القاضي، وحذفت عبارة والسبب الوحيد من الفقرة ب لأن في عموم عبارة السبب الرئيس، الوارد في الفترة نفسها ما يغني عنها .
وأصبح رقم المادة 121 .
مناقشات المجلس
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- النص فى المادة 120 من القانون المدني على أن "إذا وقع المتعاقد فى غلط جوهري جاز له أن يطلب إبطال العقد، إن كان المتعاقد الآخر قد وقع مثله فى هذا الغلط أو كان على علم به، أو كان من السهل عليه أن يتبينه" وفي المادة 121/1 منه على أن "يكون الغلط جوهرياً إذا بلغ حداً من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع فى هذا الغلط" يدل على أن المشرع يعتد بالغلط الفردي سبباً لإبطال العقد، وعودة طرفيه إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرامه، واشترط لذلك أن يكون هذا الغلط جوهرياً - وهو ما يتحقق إذا كان هو الدافع إلى إبرام العقد - وأن يكون المتعاقد الآخر عالماً به أو فى مقدوره أن يعلم به.
(الطعن رقم 5524 لسنة 63 جلسة 2001/04/17 س 52 ع 1 ص 531 ق 110)
2- المقرر وفقاً للمادتين 120، 125 من القانون المدنى أن للمتعاقد الذى وقع فى غلط جوهرى أو وقع عليه تدليس الحق فى طلب إبطال العقد وهو حق يتوافر به شرط المصلحة الحالة اللازمة لقبول الدعوى .
(الطعن رقم 8240 لسنة 65 جلسة 1997/06/23 س 48 ع 2 ص 952 ق 184)
3- إستخلاص الغلط و عناصر الغش و البحث فيما إذا كان الحادث الطارئ هو مما فى وسع الشخص العادى توقعه أو أنه من الحوادث الطارئة هو مما يدخل فى سلطة قاضى الموضوع طالما أقام قضاءه على أسباب مؤدية إلى ما إنتهى إليه .
(الطعن رقم 1297 لسنة 56 جلسة 1990/11/29 س 41 ع 2 ص 833 ق 305)
4- ثبوت واقعة الغلط مسألة موضوعية تستقل محكمة الموضوع بتقدير الأدلة فيها و أن تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع التى لها أن تأخذ بما تطمئن إليه من الأدلة دون ما حاجة للرد على ما لم تأخذ به منها طالما قام حكمها على أسباب سائغة و ما دام هذا التقدير لا خروج فيه على الثابت بالأوراق . و إذ كان الحكم المطعون فيه قد أورد فى مدوناته أسباباً موضوعية سائغة تكفى لحمل قضائه بأن المطعون عليه لم يكن يعلم عند الزواج أن الطاعنة ثيب مما لا تجوز المجادلة فيها أمام محكمة النقض ، و لا يعيبه بعد ذلك أنه لم يرد على القرائن التى ساقتها الطاعنة للتدليل على ذلك العلم ، فيكون النعى - عليه بالقصور فى التسبيب - على غير أساس .
(الطعن رقم 16 لسنة 43 جلسة 1975/11/19 س 26 ص 1444 ق 272)
5- الغلط فى تحديد الفئة الإيجارية يبطل العقد فيما زاد عن حدها المسموح به قانوناً ، ويكون دفعة بغير حق يوجب إسترداده بإعتباره إثراء على حساب الغير دون إعتبار لإستمرار عقد الإيجار .
(الطعن رقم 55 لسنة 39 جلسة 1974/03/11 س 25 ع 1 ص 488 ق 79)
6- إذا كان الحكم المطعون فيه قد حجب نفسه عن بحث ما إذا كانت الفئة الإيجارية المحددة بعقد الإيجار من الباطن تطابق أولا تطابق ما يوجبه القانون ، فيرد عليها التخفيض أولايرد وبالتالى يثبت أو ينفى وقوع الطاعنة فى غلط فى تحديد الفئة الإيجارية ، لتقول المحكمة كلمتها فى ذلك بما قد يتغير معه وجه الرأى فى الدعوى وفى طلب إسترداد فرق الأجرة ومبلغ التأمين كذلك بإعتباره مرتبطاً فى تقديره بالفئة الإيجارية الواردة بالعقد فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصر البيان
(الطعن رقم 55 لسنة 39 جلسة 1974/03/11 س 25 ع 1 ص 488 ق 79)
7- يجوز القضاء ببطلان العقد إذا إثبت أحد المتعاقدين أنه كان واقعا فى غلط ثم أثبت أنه لولا هذا الغلط لما أقدم على التعاقد و يجوز مع القضاء ببطلان العقد أن يحكم بالتعويض إذا ترتب عليه إضرار بأحد المتعاقدين ، و يكون ذلك لا على اعتبار أنه عقد بل باعتباره واقعة مادية ، متى توافرت شروط الخطأ الموجب المسئولية التقصيرية فى جانب المتعاقد الآخر الذى تسبب بخطأه فى هذا الإبطال
(الطعن رقم 134 لسنة 36 جلسة 1970/06/02 س 21 ع 2 ص 961 ق 154)
8- الوفاء اتفاق بين الموفي والموفى له على قضاء الدين فهو بهذه المثابة تصرف قانوني يجري عليه من الأحكام ما يجري على سائر التصرفات القانونية فلابد فيه من تراضي الطرفين على وفاء الإلتزام. ويشترط فى هذا التراضي أن يكون خالياً من عيوب الإرادة فإذا داخل الوفاء عيب منها كان قابلاً للإبطال. فإذا كانت محكمة الموضوع قد حصلت فى حدود سلطتها التقديرية وبأسباب سائغة أن الموفي ما قبل الوفاء إلا لإعتقاده بأن الدين الذي أوفى به حال بحكم نهائي وبأنه تبين بعد ذلك عدم تحقق هذه الصفة فى الدين فإن الموفي يكون قد وقع فى غلط جوهري بشأن صفة من صفات الدين الموفى به كانت أساسية فى اعتباره إذ لولا هذا الغلط ما كان الوفاء. فإذا كان الموفى له على علم بهذا الغلط الدافع إلى الوفاء فإن من شأن هذا الغلط أن يؤدي إلى إبطال الوفاء متى طلب الموفي ذلك وأن يعود الطرفان إلى الحالة التي كانا عليها قبل حصوله ومن ثم يلتزم الموفي بأن يرد المبلغ الذي قبضه.
(الطعن رقم 379 لسنة 30 جلسة 1965/05/20 س 16 ع 2 ص 602 ق 98)
9- إذا كان المطعون عليه - و إن لم يدرج ا سمه فى نقابة المهن الهندسية وقت تعاقده مع الطاعنة - مصرحا له بمزاولة مهنة مهندس معمارى فانه لا يكون ثمت غلط وقعت فيه الطاعنة فى شخصية المطعون عليه أو صفته يجيز لها طلب ابطال العقد
(الطعن رقم 221 لسنة 21 جلسة 1954/05/06 س 5 ص 840 ق 125).
10- تقرير الحكم بأن الصفة التى اتخذها أمين النقل فى التعاقد من أنه مالك لسيارات و عربات أجرة لم تكن صفة جوهرية يترتب على عدم توافرها إبطال العقد هو تقرير موضوعى .
(الطعن رقم 159 لسنة 21 جلسة 1953/10/29 س 5 ع 1 ص 108 ق 13)
الغلط الجوهري:
الغلط الذي يقع فيه المتعاقدان أو أحدهما، ويؤدي إلى إبطال العقد، هو الغلط الجوهري، أما الغلط غير الجوهری کنون قماش اللوحة الزيتية، فلا يؤدى الى هذا الإبطال، وتقدير ما إذا كانت الصفة جوهرية أو غير جوهرية، هو مما يخضع فيه قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض بإعتباره من مسائل القانون، ولما كان الدفاع المتعلق بالصفة الجوهرية وإن كان قانونية، إلا أنه يخالطه واقع ومن ثم يجب التمسك به أمام محكمة الموضوع حتى يمكن إثارته أمام محكمة النقض وإلا أعتبر سبباً جديداً لا يجوز طرحه لأول مرة أمام محكمة النقض، أما تقدير ما إذا كان الشخص أو صفته، محل اعتبار في التعاقد، فتلك من مسائل الواقع التي لا يخضع فيها قاضي الموضوع لتلك الرقابة .
ويمكن الاسترشاد في هذا التقدير بالقرائن وبالمألوف في المعاملات، وإن كان يحسن أن تتضمن شروط العقد الصفة التي يتطلبها المتعاقد في المحل حتى يسهل إثبات أن تلك الصفة وهي الدافعة إلى التعاقد يعلمها المتعاقد الآخر، فإن تبين عدم توافرها كان ذلك سبباً لإبطال العقد استناداً إلى تخلف صفة جوهرية يعلمها المتعاقد الآخر، إذ لولا هذا الشرط صعب الإثبات باعتبار الصفة الجوهرية مما يكمن في النفس ما لم تكن هناك ماديات تدل عليها، ومن هذه الماديات، ما نصت عليه المادة 121 على سبيل المثال لا الحصر، بعد أن وضعت معياراً ذاتية مؤداه أن الغلط يعتبر جوهرياً إذا بلغ حداً من الجسامة بحيث لو علمه المتعاقد لإمتنع عن التعاقد .
فقد نصت الفقرة (أ) على معیار مادی مؤداه إعتبار الصفة جوهرية لما يلابس العقد من ظروف ملموسة ولما ينبغي في التعامل من حسن النية مثال ذلك المشتري الذي يشتري من تاجر آثار تمثالاً على أنه أثرى، ثم يتضح إنه تقليد وليس أثرية، فإن الظروف التي لابست العقد، من شراء تمثال لأحد القدماء ومن تاجر آثار ودفع ثمن مرتفع له، كلها ماديات لابست العقد تدل على أن المشتري اتجهت إرادته لشراء تمثال أثرى، وأنه وقع في غلط جوهري عندما إشترى تمثالاً مقلداً لو علم حقيقته ما اشتراه وكان مؤدى حسن النية في هذا التعامل أن ينبهه البائع إلى ذلك وإن لم يفعل فهو سيء النية يرد عليه قصده بإبطال العقد. وللبائع أن يحول دون البطلان إن قدم مثل المبيع وكان أثرية وحينئذ لا يجوز للمشترى التمسك بالبطلان إذ يتعارض ذلك مع ما يجب من حسن النية في التعامل.
فيرتبط تقدير الغلط الجوهري في هذه الحالة بعامل شخصی هو حسن النية وبعامل مادی قوامه الظروف التي لابست تكوين العقد .
كما نصت الفقرة (ب) على إعتبار الغلط جوهرياً إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته متى كانت تلك الذات أو هذه الصفة هي السبب الرئيسي للتعاقد.
والمعيار المادي في هذه الحالة، هو ما ينص عليه بالعقد مشيراً إلى ذات الشخص أو صفته، فمن يهب شيئاً لشخص على أنه من ذوي قرباه فإذا به ليس تابع رحم كذلك، ومن يوكل آخر للقيام بعمل فيتضح أنه وقع في غلط لأن من وكله اليس إلا حاملاً لإسم مشابه لمن أراد أن يوكله في هذا العمل، ومثل الوكالة المزارعة والتعاقد مع طبيب للعلاج.
والمستشفى التي تتعاقد مع طبيب على أنه أخصائي فإذا به ليس كذلك والمصنع الذي يتعاقد مع مهندس أو عامل فني على أساس أنه متخصص وعلى درجة عالية من المهارة، فيتضح أنه يفتقر الى ذلك، فتلك صفات جوهرية يتوفر بها الغلط الذي يؤدي إلى إبطال العقد.
الغلط في القيمة :
الغلط في قيمة الشيء، يؤدي الى إبطال التصرف، وغالباً ما يختلط البخلط في القيمة بغلط في صفة الشئ، إذ لو إقتصر الأمر على أن التصرف قد تم بقيمة أقل من القيمة الحقيقة، كنا بصدد حالة غبن لا تؤدى الى يطال العقد «أنظر م 425 و 427».
والغلط في القيمة الذي يؤدي إلى إبطال العقد، تاجر الآثار الذي يبيع تمثالاً على أنه تقليد لتمثال أثرى ثم يتبين أنه التمثال الحقيقي، والشخص الذي يبيع ورقة يانصيب أو سهماً بعد ميعاد السحب على أنها غير رابحة فإذا بها رابحة، فإن كان بيعها قبل السحب وربحت عند السحب فليس لمن باعها الرجوع على الرابح بشئ لانتفاء الغلط، ووكيل الدائن الذي يقبل الوفاء من المدين بعملة معينة وهو لا يعلم بأن العقد يلزمه بالوفاء بعملة أخرى، فإن غلط الوكيل يؤدي الى الزام المدين بالوفاء بالفرق بين قيمة العملتين، وأيضاً الدائن الذي يستوفى مبلغاً أقل مما له، يجيز له الرجوع على المدين بالمبلغ الباقي، فكل غلط يؤدى الى تحميل المتعاقد خسارة ملحوظة سواء في ثمن مبيع أو في معدل مقايضة أو في أجر شحن، يؤدي إلى إبطال العقد، ما لم يقبل المتعاقد الآخر رفع هذا الغلط .
ويرى أبو ستيت أن الغلط في القيمة لا تنال من العقد، فيظل صحيحاً غير قابل للإبطال .
الغلط في الباعث :
إذا وقع غلط في الباعث الدافع الى التعاقد، وكان المتعاقد الآخر على علم بهذا الغلط أو كان من السهل عليه أن يتبينه، كان العقد قابلاً للإبطال، مثال ذلك أن يعتقد الشخص أن سيارته قد سرقت أو تحطمت فيشتري بدلاً منها من بائع شاركه هذا الاعتقاد، فإن الغلط في هذه الحالة يكون مشتركة فيؤدي إلى قابلية العقد للابطال، وكذلك إذا اعتقد موظف أنه نقل إلى إحدى المدن فاستأجر بها مسكناً مفروشاً لمدة معينة من مؤجر شاركه هذا الاعتقاد، فإن الغلط في هذه الحالة يكون مشتركاً فيؤدى إلى إبطال العقد .
أما إن كان المتعاقد الآخر لم يشترك في الغلط ولم يعلم به ولم يكن في استطاعته أن يتبينه، كان العقد صحيحاً غير قابل للإبطال .
ويرى أبو ستيت أن الغلط في الباعث لا ينال من العقد، أما إنعدام السبب فيبطله وفقاً لنظرية السبب.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني الصفحة/ 523)
المقصود بالغلط الجوهری:
الغلط الذي يعيب الإرادة هو الغلط الجوهري.
والمقصود بالغلط الجوهری، الغلط الذي يبلغ في تقدير المتعاقد حداً من الجسامة لو تكشف له لامتنع عن إبرام العقد أي يقوم على تقدير المتعاقد لأمر معين يبلغ في نظره درجة من الأهمية تكفي لأن تجعله يقدم على التعاقد إن وجد ويحجم عن التعاقد إن تخلف.
وعلى ذلك فإن ما يعتبر غلطاً جوهرياً بالنسبة لمتعاقد قد لا يعتبر كذلك بالنسبة لمتعاقد اخر.
والبحث يجب أن يتجه إلى المتعاقد الذي يتمسك بالغلط لمعرفة حالته النفسية الخاصة، فإذا تبين أن الاعتقاد الخاطئ الذي قام في ذهنه كان هو العامل في إبرام العقد، بحيث ما كان ليبرمه لو لم يقع في هذا الاعتقاد، فإن العيب يكون جوهرياً، والإرادة تكون معيبة، على أنه يلاحظ أن الأخذ بالمعيار الذاتي يقتضي البحث عن نية المتعاقدين لمعرفة مدى الأهمية التي يعلقها المتعاقد على الأمر الذي أنصب عليه الغلط وقد يصعب الوصول إلى هذه النية في بعض الصور.
ولذلك فإن الشارع في بعض الحالات يقرن هذا المعيار الذاتي بضوابط موضوعية تساعد علي تبين نية المتعاقدين .
وقد أعطي المشرع مثلين على الغلط الجوهري بهذا المعنى هما الغلط في صفة جوهرية في الشيء محل العقد، والغلط في شخص المتعاقد.
ويضيف الفقه الحديث إلى هذين المثلين، الغلط في القيمة والغلط في الباعث يضاف إلى هذه الأمثلة الغلط في الواقع، مثال آخر هو الغلط في القانون وقد نص المشرع عليه صراحة كما سنرى في شرح المادة 123 .
أمثلة الغلط الجوهري الواردة بالمادة وتلك التي أضافها الفقه :
(أ)- الغلط في صفة جوهرية في الشيء :
الغلط في صفة جوهرية في الشيء، ليس هو الغلط في ذات الشيء، فهذا هو الغلط المانع الذي يحول دون انعقاد العقد كما ذكرنا سلفاً .
ومثال الغلط في صفة جوهرية للشيء محل العقد شراء تمثال من محل للعاديات علي أنه تمثال أثرى ويتبين أنه تمثال مقلد وشراء قماش علي أنه قابل للغسيل ثم تبين غير ذلك .
وبيع أرض على أنه يحدها من الناحية البحرية شارع ثم يتبين أن الأرض محصورة من جميع الجهات وعلى عكس هذه الأمثلة لا يعتبر غلطاً جوهرياً أن يذكر بیان خطأ في حدود الأرض المبيعة، إذا كانت هذه الأرض قد حددت بطريقة أخرى نافية للجهالة.
وفي هذه الحالة يقع على عاتق المشتري إثبات الغلط الدافع إلى التعاقد، وأن البائع كان يظن مثله أن الشيء هو الذي أراد التعاقد عليه، وأن هذه الصفة هي التي دفعت المشتري إلي الشراء، أو يثبت أن البائع كان على بينة من أن الشيء خلو من الصفة المطلوبة ، وكان مع ذلك يعلم أو من السهل عليه أن يعلم أن المشتري إنما انساق إلى الشراء لأنه كان يظن أن الشيء كما أراد.
وقد يتيسر الإثبات من القرائن والظروف ففي مثال شراء التمثال يكون من و رفع الثمن إلى درجة لا تجعل قيمة الشيء المقلد متناسبة بتاتاً مع هذا الثمن، وكذلك المهنة التي اتخذها البائع لنفسه إذا فرض أن هذا البائع مهنته الاتجار في الأشياء الأثرية.
(ب) الغلط في شخص المتعاقد :
قد يكون الغلط في شخص المتعاقد أو في صفة من صفاته الجوهرية، وكان ذلك هو السبب الرئيسي في التعاقد.
ومثال الغلط في شخص المتعاقد أن يهب شخص آخر مالاً، اعتقاداً منه بأنه ابن صديق عزيز عليه قد مات، ثم يتضح أنه ليس كذلك أو يوكل شخص للدفاع عن نفسه في قضية شخصاً معيناً، اعتقاداً منه بأنه المحامي الكبير المشهور ثم يتضح له بعد ذلك أنه مجرد سمي له.
أو يهب شخص لآخر مالا وهو يعتقد أنه ابن له غير شرعی ثم يظهر عدم صحة ذلك.
ومثال الغلط في صفة من صفات الشخص الجوهرية، أن يعهد شخص إلى آخر بتشييد دار يزعم بناءها، معتقدا أنه مهندس مشهور، ثم يثبت له بعد ذلك أنه ليس على نحو ما اعتقد.
وفي هذه الحالة يجب الإبطال العقد للغلط أن يثبت المتعاقد إلى جانب الغلط الدافع أحد أمرين: إما أن المتعاقد الآخر كان يشاطره الاعتقاد بالشخصية أو الصفة وأن ها كان هو الدافع إلى التعاقد، أو أنه يعلم بوقوع المتعاقد الآخر في الغلط أو أنه من السير عليه أن يتبين عنه ذلك حتى ولو لم يتبينه بالفعل.
(جـ) الغلط في القيمة :
ومثل ذلك أن يعتقد الشخص ثم اتضح له أنه يساوي خمسين ألف جنيه فباعه بهذا أن المبلغ ثم أتضح له أنه يساوي مائة ألف جنيه فإذا أراد البائع طلب الإبطال للغلط وجب عليه.
إثبات أن المشتري كان يجهل مثله أن قيمة المنزل مائة ألف جنيه أو أنه مع علمه بهذا الثمن كان يعلم أو يسهل عليه أن يعلم بجهل البائع لذلك.
والفرق بين الغلط في القيمة والغبن، أن الغبن يتحقق حتى ولو كان المتعاقد المغبون على بينة من قيمة الشيء بينما يشترط في الغلط ألا يكون المتعاقد على بينة من ذلك بل وقع في غلط بهذا الخصوص.
(د)الغلط في الباعث :
مثال الغلط في الباعث أن يبيع مريض شيئاً وهو يعتقد أنه في مرض الموت ثم شفي، فإنه يكون للبائع في هذه الحالة أن يطلب إبطال البيع للغلط إذا هو أثبت أن المشتري كان يعتقد أنه في مرض الموت وأن هذا الاعتقاد هو الذي دفع المريض إلى البيع وقد تقوم تفاهة الثمن مع خطورة المرض قرينة على ذلك.
أثر الغلط :
إذا توافرت شروط الغلط - بالتفصيل السابق - فإن هذا الغلط يجعل العقد قابلاً للإبطال شأنه في ذلك شأن باقي عيوب الرضا، وسنعرض لذلك تفصيلاً في موضعه.
ووقوع المتعاقد في غلط وتحقق شروط إعمال هذا الغلط مسألة من مسائل الواقع، يستقل قاضى الموضوع بتقديرها دون أن يخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض، مادام تقديره قد قام على مقومات سائغة تبرره شأن الغلط في ذلك شأن غيره من عيوب الرضاء الأخرى.
والقضاء بإبطال العقد تأسيساً على الغلط لا يمنع القاضي من الحكم، زيادة عليه، بالتعويض لمن وقع ضحيته، إذا ناله ضرر لم يصلح الأبطال في رفعه عنه، وكان هذا الضرر ناجماً عن خطأ ارتكبه الطرف الأخر وأدى بالأول إلى أن يجئ رضاؤه مشوباً بالعيب المبطل، كما إذا علم بوقوعه في الغلط، فلم ينبهه إليه، متجافياً في ذلك مع مقتضيات الشرف ونزاهة التعامل وهذا الحكم لا يعدو أن يكون تطبيقاً للقواعد العامة في المسئولية التقصيرية، ولنظرية الخطأ عند تكوين العقد. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/281)
ويتبين من هذه النصوص أن القانون الجديد قد أخذ بالمعيار الذاتي فالغلط الجوهري عنده هو الغلط الذي يبلغ ، في نظر المتعاقد الذي وقع في الغلط ، حداً من الجسامة بحيث كان يمتنع عن إبرام العقد لو لم يقع في الغلط فهو إذا وقع في صفة للشيء وجب أن تكون هذه الصفة جوهرية في اعتبار المتعاقدين ، وإذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته وجب أن تكون تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد .
على أن الأخذ بالمعيار الذاتي يقتضي أن يكون المعيار متعلقاً بحالة نفسية قد يدق الكشف عنها في بعض الأحيان لذلك اتخذ القانون الجديد قرينة موضوعية لتنم عن هذه الحالة النفسية ، فقضى بأن صفة الشيء تكون جوهرية ، ليس فحسب إذا اعتبرها المتعاقدان جوهرية وفقاً لما انطوت عليه نيتهما بالفعل ، بل أيضاً إذا وجب أن يكونا قد اعتبراها جوهرية وفقاً لما يلابس العقد من ظروف ولما ينبغي في التعامل من حسن النية فالظروف الموضوعية للعقد ووجوب أن يسود التعامل حسن النية يهديان – إذا لم يهتد من طريق آخر – إلى تعرف نية المتعاقدين فإذا اشترى شخص من تاجر في الآثار قطعة ظنها أثرية ، ثم اتضح إنها ليست كذلك ، فمن حق المشتري أن يقيم من واقعة أنه تعامل مع تاجر الآثار قرينة على نيته ، وأن يتخذ من هذه القرينة ذاتها دليلاً على نية المتعاقد الآخر ، وأن يتمسك بما ينبغي أن يسود التعامل من حسن النية فلا يكلف نفسه أن يتحقق من الصفة الأثرية للقطعة ما دام قد اشتراها من تاجر في الآثار ، بل كان الواجب على هذا أن ينبه المشتري إلى أن القطعة ليست أثرية لو كان عالماً بذلك . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول الصفحة/ 392 )
الغلط هو فهم الأشياء على غير حقيقتها أو توهم غير الواقع.
ويشترط لاعتباره عنيا يشوب إرادة العاقد الذي وقع فيه أن يكون غلطاً جوهرياً : أي أن يبلغ حداً من الجسامة، بحيث كان يمتنع معه العاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط ( المادة 121 مدنی ).
ويعتبر الغلط جوهرياً بوجه خاص إذا وقع في مادة الشي، محل الحق أو الالتزام كمن يشتري خاتماً على أنه من ذهب في حين أنه من فضة محلية، أو إذا وقع الغلط في صفة جوهرية في ذلك الشيء كمن يشترى تحفة على أنها أثرية في حين أنها ليست كذلك، أو في شخص المتعامل معه أو في صفة جوهرية فيه إذا كانت شخصيته أو نسخته هذه محل اعتبار أساسي في التعامل كمن يتعاقد على أعمال هندسية مع شخص أعتقد أنه مهندس معين ذائع الصيت في حين أن المتعاقد معه ليس ذلك المهندس بل هو ليس مهندساً أصلاً، أو إذا وقع الغلط في قيمة الشئ كمن يبيع سنداً مالياً بسعره المعتاد في السوق غير عالم أن هذا السند قد ارتفعت قيمته أضعافاً مضاعفة بسبب ربحه جائزة مالية كبرى.
فإذا لم يبلغ الغلط هذا الحد من الجسامة ،فإنه لا يعيب الإرادة کالغلط في صفة غير جوهرية في الشيء محل الحق أو الالتزام (غلظ في نوع القماش الذي رسمت عليه لوحة زيتية) ، والغلط في شخصية الطرف الآخر في العقود التي لا يكون الشخصيته فيها اعتبار خاص (كغلط البائع في شخصية المشتري)، والغلط في قيمة الشيء (كمن يشتري شيئاً ضرورياً له بثمن يزيد 10% مثلاً على قيمته الحقيقية ).
والغلط الجوهري إنما يعيب الارادة لأنه يكون سبباً في اتجاهها على غير هدى، وأن اتجاهها كان يتغير لو علم صاحبهما بحقيقة الأمر. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الأول الصفحة/ 883)
ويؤخذ من هذه النصوص أن المشرع لا يشترط في الغلط الذي يتبعه الرضا الأ أن يبلغ الحد الذي يصير معه هو الدافع إلى التعاقد، فكل غلط كان هو الدافع الى التعاقد يكفي لإفساد الرضا وتجد على العقد قابلاً للإبطال ، أيا كان الأمر الذي وقع في شأنه الغلط مادام متعلقاً بأحد أركان العقد؛ أياً سواء كان الغلط في مادة الشيء أو في صفة فيه، أو كان في ذات العاقد أو في صفة فيه أياً كانت تلك الصفة جسيمة كانت أو عقلية أو خلقية أو حتى قانونية، أو في قيمة العقود علي، إذ أن العبرة ليست بالأمر الذي وقع الغلط بشأنه مادام متعلق بأحد أركان التعاقد بل بأثر هذا الغلط في توجيه الإرادة نحو التعاقد ، فمتى ثبث، أن الغلط كان هو الدافع الى التعاقد أي أنه لولاه لما تعاقد العاقد الذي وقع في الغلط .. كان لهذا العاقد حق إبطال العقد، أما إذا ثبت أن الغلط لم يبلغ هذا الأثر في توجيه الارادة نحو التعاقد ، خانه الا يكفي لاعتباره مفسدا الرضا ولا تترتب عليه قابلية العقد للإبطال.
وظاهر أن البحث في كون الغلط دافعاً أو غير دافع إلى التعاقد يقتضي بحث نية العاقد الذي وقع في الغلط، وبالتالي فإنه يتعين الأخذ فيه بمعيار ذاتي، ونظراً لدقة هذا المعيار وصعوبة هذا البحث رأى المشرع أن يستدل القاضي على تعرفه نية العاقدين في هذا الشأن بمعايير أخرى مادية ، فنص على أن الغلط يكون جوهرياً إذا وقع في صفة تكون جوهرية في اعتبار العاقدين أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف وما ينبغي في التعامل من حسن النية ، ومؤدى ذلك أنه يلزم في تقدير وقوع الغلط في ضفة جوهرية أو عدمه لتباع معیار موضوعي، أي النظر ولا الى ما عول عليه المتعاقد نفسية الذي وقع في الغلط بل الى ما يعول عليه الرجل العادي في مثل ظروف.
ويلاحظ أن صورتى الغلط اللتين نصت عليهما الفقرة الثانية من المادة 121 إنما وردتا على سبيل التمثيل أو التخصيص لا على سبيل الحصر كما هو ظاهر من ديباجة الفقرة، فلا يصح الوقوف عندهما وحدهما بل يجب التعميم و التعويل على كل غلط دافع كما تقدم كالغلط في التميمة والغلط في الباعث.
ويعتبر ثبوت واقعة الغلط وكونه دافعاً إلى التعاقد أو غير دافع له مسألة موضوعية يستقل قاضي الموضوع بتقدير الأدلة فيها وبإعتبارها واقعة مادية فإنه يجوز إثباتها بكافة الطرق ويقع غناء ذلك على من يطلب أبطال العقد بسبب وقوعه في غلط . (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني الصفحة/ 367 )
ويجب أن يكون الخط جوهرياً ، وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان هو الدافع إلى التعاقد، ويتعين النظر إلى ذلك بمعيار ذاتي يعتد بالمتعاقد الذي وقع في الغلط ، فالغلط يكون جوهريا إذا بلغ عند من وقع فيه حداً من الجسامة بحيث كان يمتنع عن التعاقد لو لم يقع في الغلط ( السنهوري بند 168- حجازی بند 441 - مرقس بند 180 ).
فإذا كان الغلط جوهرياً فيستوي بعد ذلك، الأمر الذي وقع فيه الغلط فقد يقع في مادة الشيء محل العقد أو صفة فيه ، أو في ذات العاقد الأخر أو صفة فيه، أو في الباعث إلى التعاقد أو قيمة المعقود عليه، إذ العبرة ليست بالأمر الذي وقع الغلط بشأنه وانما بأثره في الإرادة مرقس بند 179 - وراجع السنهوري بند 169 وما بعده ف ی تفصيل هذه الصور من الغلط وأحكام القضاء بشأنها - الصدة بند 158 وما بعده - وانظر في عدم جواز الاعتداد بالغلط في الباعث - اسماعيل غانم في مصادر الإلتزام طبعة 1968 ص 196 - وقارن الشرقاوى هامش بند 30 .
وتقدير ما إذا كان الغلط جوهرياً مما يتصل بالواقع فيستقل به قاضي الموضوع متى كان استخلاصه سائغاً. (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة / 758)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع عشر ، الصفحة / 156
ثَانِيًا - الْغَلَطُ فِي الْمَبِيعِ :
49 - إِذَا وَقَعَ الْغَلَطُ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ بِأَنِ اعْتَقَدَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسٍ مُعَيَّنٍ فَإِذَا بِهِ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ يَاقُوتًا أَوْ مَاسًا فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ، أَوْ يَبِيعُ حِنْطَةً فَإِذَا هِيَ شَعِيرٌ.
وَكَذَا إِذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَلَكِنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَمَا أَرَادَهُ الْعَاقِدُ كَانَ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ عَدَا الْكَرْخِيِّ قَالُوا: إِنَّ الْغَلَطَ يَكُونُ مَانِعًا يَمْنَعُ مِنَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ، فَيَكُونُ الْعَقْدُ بَاطِلاً لأِنَّ الْبَيْعَ مَعْدُومٌ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: هُوَ فَاسِدٌ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا وَقَعَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْغَلَطِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْعَاقِدِ الآْخَرِ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهَذَا الْغَلَطِ فَلاَ يُعْتَدُّ بِالْغَلَطِ. جَاءَ فِي مَوَاهِبِ الْجَلِيلِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ بَاعَ مُصَلًّى فَقَالَ الْمُشْتَرِي : أَتَدْرِي مَا هَذَا الْمُصَلَّى ؟ هِيَ وَاللَّهِ خَزٌّ فَقَالَ الْبَائِعُ: مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ خَزٌّ وَلَوْ عَلِمْتُهُ مَا بِعْتُهُ بِهَذَا الثَّمَنِ، قَالَ مَالِكٌ: هُوَ لِلْمُشْتَرِي وَلاَ شَيْءَ لِلْبَائِعِ.
وَكَذَا مَنْ بَاعَ حَجَرًا بِثَمَنٍ يَسِيرٍ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَاقُوتَةٌ أَوْ زَبَرْجَدَةٌ تَبْلُغُ مَالاً كَثِيرًا. أَمَّا إِذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا الشَّيْءَ بِغَيْرِ اسْمِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَبِيعُكَ هَذِهِ الْيَاقُوتَةَ فَيَجِدُهَا غَيْرَ يَاقُوتَةٍ، أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي: بِعْ مِنِّي هَذِهِ الزُّجَاجَةَ ثُمَّ يَعْلَمُ الْبَائِعُ أَنَّهَا يَاقُوتَةٌ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ هَذَا الشِّرَاءَ لاَ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَالْبَيْعُ لاَ يَلْزَمُ الْبَائِعَ .
وَكَذَلِكَ إِذَا سَمَّى الْعَاقِدُ الشَّيْءَ بِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُ كَقَوْلِ الْبَائِعِ: أَبِيعُكَ هَذَا الْحَجَرَ فَإِذَا هُوَ يَاقُوتَةٌ فَيَلْزَمُ الْبَائِعَ الْبَيْعُ، وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا يَاقُوتَةٌ، وَأَمَّا إِذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا الشَّيْءَ بِغَيْرِ اسْمِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: أَبِيعُكَ هَذِهِ الْيَاقُوتَةَ فَيَجِدُهَا غَيْرَ يَاقُوتَةٍ، أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي: بِعْ مِنِّي هَذِهِ الزُّجَاجَةَ ثُمَّ يَعْلَمُ الْبَائِعُ أَنَّهَا يَاقُوتَةٌ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الشِّرَاءَ لاَ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَالْبَيْعُ لاَ يَلْزَمُ الْبَائِعَ.
وَإِذَا أَبْهَمَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّسْمِيَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ، فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الرَّدَّ كَالتَّصْرِيحِ .
وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْبُطْلاَنِ.
قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ: لَوِ اشْتَرَى زُجَاجَةً يَظُنُّهَا جَوْهَرَةً فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ إِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ الْجَوْهَرَةِ وَإِلاَّ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ، وَحَكَى عَنْ شَيْخِهِ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَثُبُوتَ الْخِيَارِ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ قَالَ: الْبَائِعُ بِعْتُكَ هَذَا الْبَغْلَ بِكَذَا، فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ، فَبَانَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فَرَسًا أَوْ حِمَارًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَمِثْلُهُ بِعْتُكَ هَذَا الْجَمَلَ فَبَانَ نَاقَةً وَنَحْوَهُ، فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثلاثون ، الصفحة / 220
عُيُوبُ الرّضَا.
32 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ في عُيُوب الرّضَا: الإْكْرَاهَ وَالْجَهْلَ، وَالْغَلَطَ، وَالتَّدْليسَ، وَالْغَبْنَ، وَالتَّغْريرَ، وَالْهَزْلَ، وَالْخلاَبَةَ، وَنَحْوَهَا، فَإذَا وُجدَ عَيْبٌ منْ هَذه الْعُيُوب في عَقْدٍ منَ الْعُقُود يَكُونُ الْعَقْدُ بَاطلاً أَوْ فَاسدًا في بَعْض الْحَالاَت عَلَى خلاَفٍ بَيْنَ الْجُمْهُور وَالْحَنَفيَّة، أَوْ غَيْرَ لاَزمٍ يَكُونُ لكلاَ الْعَاقدَيْن أَوْ أَحَدهمَا الْخيَارُ في فَسْخه في حَالاَتٍ أُخْرَى.
وَتَعْريفُ هَذه الْعُيُوب وَتَفْصيلُ أَحْكَامهَا وَأَثَرُهَا عَلَى الرّضَا وَخلاَفُ الْفُقَهَاء في ذَلكَ يُنْظَرُ في مُصْطَلَحَاتهَا منَ الْمَوْسُوعَة.
ثَالثًا - مَحَلُّ الْعَقْد.
33 - الْمُرَادُ بمَحَلّ الْعَقْد: مَا يَقَعُ عَلَيْه الْعَقْدُ وَتَظْهَرُ فيه أَحْكَامُهُ وَآثَارُهُ، وَيَخْتَلفُ الْمَحَلُّ باخْتلاَف الْعُقُود، فَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ عَيْنًا مَاليَّةً، كَالْمَبيع في عَقْد الْبَيْع، وَالْمَوْهُوب في عَقْد الْهبَة، وَالْمَرْهُون في عَقْد الرَّهْن، وَقَدْ يَكُونُ عَمَلاً منَ الأْعْمَال، كَعَمَل الأْجير في الإْجَارَة، وَعَمَل الزَّارع في الْمُزَارَعَة، وَعَمَل الْوَكيل في الْوَكَالَة، وَقَدْ يَكُونُ مَنْفَعَةَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، كَمَنْفَعَة الْمَأْجُور في عَقْد الإْجَارَة، وَمَنْفَعَة الْمُسْتَعَار في عَقْد الإْعَارَة، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلكَ كَمَا في عَقْد النّكَاح وَالْكَفَالَة وَنَحْوهمَا.
وَلهَذَا فَقَد اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ في مَحَلّ الْعَقْد شُرُوطًا تَكَلَّمُوا عَنْهَا في كُلّ عَقْدٍ وَذَكَرُوا بَعْضَ الشُّرُوط الْعَامَّة الَّتي يَجبُ تَوَافُرُهَا في الْعُقُود عَامَّةً أَوْ في مَجْمُوعَةٍ منَ الْعُقُود، منْهَا:
أ - وُجُودُ الْمَحَلّ:
34 - يَخْتَلفُ اشْترَاطُ هَذَا الشَّرْط باخْتلاَف الْعُقُود: فَفي عَقْد الْبَيْع مَثَلاً اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ في الْجُمْلَة عَلَى وُجُود الْمَحَلّ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُوجَدْ لقَوْله صلي الله عليه وسلم : «لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عنْدَكَ» ؛ وَلأنَّ في بَيْع مَا لَمْ يُوجَدْ غَرَرًا وَجَهَالَةً فَيُمْنَعُ، لحَديث: أَنَّ «النَّبيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْع الْغَرَر» وَعَلَى ذَلكَ صَرَّحُوا ببُطْلاَن بَيْع الْمَضَامين وَالْمَلاَقيح وَحَبَل الْحُبْلَة.
وَمَنَعُوا منْ بَيْع الزُّرُوع وَالثّمَار قَبْلَ ظُهُورهَا، لقَوْله صلي الله عليه وسلم : «أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخيه ؟».
وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ منْ بَيْع الْمَعْدُوم عَقْدَ السَّلَم وَذَلكَ لحَاجَة النَّاس إلَيْه كَمَا اسْتَثْنَى الْحَنَفيَّةُ منْ ذَلكَ عَقْدَ الاسْتصْنَاع للدَّليل نَفْسه ر: (اسْتصْنَاع ف 7).
أَمَّا بَيْعُ الزَّرْع أَو الثَّمَر قَبْلَ ظُهُورهمَا فَلاَ يَجُوزُ؛ لأنَّهُ مَعْدُومٌ وَلاَ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَعْدُوم، أَمَّا بَعْدَ الظُّهُور وَقَبْلَ بُدُوّ الصَّلاَح فَإنْ كَانَ الثَّمَرُ أَو الزَّرْعُ بحَالٍ يُنْتَفَعُ بهمَا فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بشَرْط الْقَطْع في الْحَال اتّفَاقًا لعَدَم الْغَرَر في ذَلكَ، وَلاَ يَجُوزُ بغَيْر شَرْط الْقَطْع عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء.
وَاخْتَلَفُوا في بَيْع الثّمَار الْمُتَلاَحقَة الظُّهُور وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَح: (ثمَار ف 11 - 13).
وَفي عَقْد الإْجَارَة اعْتَبَرَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء الْمَنَافعَ أَمْوَالاً، وَاعْتَبَرَهَا كَذَلكَ الشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ مَوْجُودَةً حينَ الْعَقْد تَقْديرًا، فَيَصحُّ التَّعَاقُدُ عَلَيْهَا بنَاءً عَلَى وُجُود الْمَنَافع حينَ الْعَقْد عنْدَهُمْ، وَلهَذَا يَقُولُونَ بنَقْل ملْكيَّة الْمَنَافع للْمُسْتَأْجر وَالأْجْرَة للْمُؤَجّر بنَفْس الْعَقْد في الإْجَارَة الْمُطْلَقَة.
وَعَلَّلَ الْمَالكيَّةُ جَوَازَ الإْجَارَة بأَنَّ الْمَنَافعَ وَإنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً في حَال الْعَقْد لَكنَّهَا مُسْتَوْفَاةٌ في الْغَالب، وَالشَّرْعُ إنَّمَا لَحَظَ منَ الْمَنَافع مَا يُسْتَوْفَى في الْغَالب أَوْ يَكُونُ اسْتيفَاؤُهُ وَعَدَمُ اسْتيفَائه سَوَاءً.
أَمَّا الْحَنَفيَّةُ فَقَدْ أَجَازُوا عَقْدَ الإْجَارَة اسْتثْنَاءً منَ الْقَاعدَة؛ لوُرُود النُّصُوص منَ الْكتَاب وَالسُّنَّة في جَوَاز الإْجَارَة، قَالَ الْكَاسَانيُّ: الإْجَارَةُ بَيْعُ الْمَنْفَعَة، وَالْمَنَافعُ للْحَال مَعْدُومَةٌ، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَحْتَملُ الْبَيْعَ، فَلاَ تَجُوزُ إضَافَةُ الْبَيْع إلَى مَا يُؤْخَذُ في الْمُسْتَقْبَل، وَهَذَا هُوَ الْقيَاسُ، لَكنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ بالْكتَاب الْعَزيز وَالسُّنَّة وَالإْجْمَاع.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيّم: جَوَازُ الإْجَارَة مُوَافقَةٌ للْقيَاس؛ لأنَّ مَحَلَّ الْعَقْد إذَا أَمْكَنَ التَّعَاقُدُ عَلَيْه في حَال وُجُوده وَعَدَمه - كَالأَْعْيَان - فَالأَْصْلُ فيه عَدَمُ جَوَاز الْعَقْد حَالَ عَدَمه للْغَرَر، مَعَ ذَلكَ جَازَ الْعَقْدُ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ إذَا دَعَتْ إلَيْه الْحَاجَةُ.
أَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلاَّ حَالٌ وَاحدَةٌ، وَالْغَالبُ فيه السَّلاَمَةُ - كَالْمَنَافع - فَلَيْسَ الْعَقْدُ عَلَيْه مُخَاطَرَةً وَلاَ قمَارًا فَيَجُوزُ، وَقيَاسُهُ عَلَى بَيْع الأَْعْيَان قيَاسٌ مَعَ الْفَارق.
35 - وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاء في هَذَا الشَّرْط بَيْنَ عُقُود الْمُعَاوَضَة وَعُقُود التَّبَرُّع، فَقَالُوا بعَدَم جَوَاز النَّوْع الأْوَّل منَ الْعُقُود في حَال عَدَم وُجُود مَحَلّهَا، وَأَجَازُوا النَّوْعَ الثَّانيَ في حَالَة وُجُود الْمَحَلّ وَعَدَمه.
وَمنْ هَذَا الْقَبيل مَا قَالَ الْمَالكيَّةُ: إنَّ مَا يَخْتَصُّ بعُقُود التَّبَرُّعَات كَالْهبَة مَثَلاً يَجُوزُ فيه أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْعَقْد (الْمَوْهُوبُ) غَيْرَ مَوْجُودٍ في الْخَارج، بَلْ دَيْنًا في الذّمَّة، أَوْ غَيْرَ مَعْلُومٍ فعْلاً، فَالْغَرَرُ في الْهبَة لغَيْر الثَّوَاب جَائزٌ عنْدَهُمْ، وَلهَذَا صَرَّحُوا بأَنَّ مَنْ وَهَبَ لرَجُلٍ مَا يَرثُهُ منْ فُلاَنٍ - وَهُوَ لاَ يَدْري كَمْ هُوَ ؟ أَسُدُسٌ أَوْ رُبُعٌ فَذَلكَ جَائزٌ.
وَفي الرَّهْن يَجُوزُ عنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْعَقْد (الْمَرْهُونُ) غَيْرَ مَوْجُودٍ حينَ الْعَقْد، كَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا، فَشَيْءٌ يُوثَقُ به خَيْرٌ منْ عَدَمه، كَمَا يَقُولُونَ .
وَهَذَا بخلاَف عَقْد الْبَيْع وَسَائر الْعُقُود في الْمُعَاوَضَات.
ب - قَابليَّةُ الْمَحَلّ لحُكْم الْعَقْد :
36 - يُشْتَرَطُ في مَحَلّ الْعَقْد عنْدَ الْفُقَهَاء أَنْ يَكُونَ قَابلاً لحُكْم الْعَقْد.
وَالْمُرَادُ بحُكْم الْعَقْد: الأْثَرُ الْمُتَرَتّبُ عَلَى الْعَقْد، وَيَخْتَلفُ هَذَا حَسْبَ اخْتلاَف الْعُقُود، فَفي عَقْد الْبَيْع مَثَلاً أَثَرُ الْعَقْد هُوَ انْتقَالُ ملْكيَّة الْمَبيع منَ الْبَائع إلَى الْمُشْتَري، وَيُشْتَرَطُ فيه أَنْ يَكُونَ مَالاً مُتَقَوّمًا مَمْلُوكًا للْبَائع، فَمَا لَمْ يَكُنْ مَالاً بالْمَعْنَى الشَّرْعيّ: وَهُوَ مَا يَميلُ إلَيْه الطَّبْعُ وَيَجْري فيه الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ لاَ يَصحُّ بَيْعُهُ، كَبَيْع الْمَيْتَة مَثَلاً عنْدَ الْمُسْلمينَ. وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَقَوّمًا، أَيْ: مُنْتَفَعًا به شَرْعًا، كَبَيْع الْخَمْر وَالْخنْزير، فَإنَّهُمَا وَإنْ كَانَا مَالاً عنْدَ غَيْر الْمُسْلمينَ، لَكنَّهُمَا لَيْسَا مُتَقَوّمَيْن عنْدَ الْمُسْلمينَ، فَحَرُمَ بَيْعُهُمَا كَمَا وَرَدَ في حَديث جَابرٍ رضي الله عنه : «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْر وَالْمَيْتَة وَالْخنْزير»
وَفي عُقُود الْمَنْفَعَة كَعَقْد الإْجَارَة وَالإْعَارَة وَنَحْوهمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْعَقْد - أَي الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا - مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً مُبَاحَةً، فَلاَ تَجُوزُ الإْجَارَةُ عَلَى الْمَنَافع الْمُحَرَّمَة كَالزّنَا وَالنَّوْح وَنَحْوهمَا كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مُصْطَلَح: (إجَارَة ف 108).
وَكَمَا لاَ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَنَافع الْمُحَرَّمَة لاَ يَجُوزُ إعَارَتُهَا كَذَلكَ؛ لأنَّ منْ شُرُوط صحَّة الْعَاريَّة إمْكَانُ الانْتفَاع بمَحَلّ الْعَقْد (الْمُعَار أَو الْمُسْتَعَار) انْتفَاعًا مُبَاحًا شَرْعًا مَعَ بَقَاء عَيْنه، كَالدَّار للسُّكْنَى، وَالدَّابَّة للرُّكُوب، مَثَلاً فَلاَ يَجُوزُ إعَارَةُ الْفُرُوج للاسْتمْتَاع، وَلاَ آلاَت الْمَلاَهي للَّهْو، كَمَا لاَ تَصحُّ الإْعَارَةُ للْغنَاء أَو الزَّمْر أَوْ نَحْوهمَا منَ الْمُحَرَّمَات، فَالإْعَارَةُ لاَ تُبيحُ مَا لاَ يُبيحُهُ الشَّرْعُ.
وَتَفْصيلُهُ في مُصْطَلَح: (عَاريَّةً).
وَفي عَقْد الْوَكَالَة يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ (الْمُوَكَّل به) أَنْ يَكُونَ قَابلاً للانْتقَال للْغَيْر وَالتَّفْويض فيه، وَلاَ يَكُونَ خَاصًّا بشَخْص الْمُوَكّل، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مُصْطَلَح: (وَكَالَة).
ج - مَعْلُوميَّةُ الْمَحَلّ للْعَاقدَيْن :
37 - يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَمَعْرُوفًا للْعَاقدَيْن، بحَيْثُ لاَ يَكُونُ فيه جَهَالَةٌ تُؤَدّي إلَى النّزَاع وَالْغَرَر.
وَيَحْصُلُ الْعلْمُ بمَحَلّ الْعَقْد بكُلّ مَا يُمَيّزُهُ عَن الْغَيْر منْ رُؤْيَته أَوْ رُؤْيَة بَعْضه عنْدَ الْعَقْد، أَوْ بوَصْفه وَصْفًا يَكْشفُ عَنْهُ تَمَامًا، أَوْ بالإْشَارَة إلَيْه.
وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْه عنْدَ الْفُقَهَاء في عُقُود الْمُعَاوَضَة في الْجُمْلَة، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ منَ الْقَطيع مَثَلاً وَلاَ إجَارَةُ إحْدَى هَاتَيْن الدَّارَيْن، وَذَلكَ لأنَّ الْجَهَالَةَ في مَحَلّ الْعَقْد: (الْمَعْقُود عَلَيْه) تُسَبّبُ الْغَرَرَ وَتُفْضي إلَى النّزَاع.
وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاء في هَذه الْمَسْأَلَة بَيْنَ الْجَهَالَة الْفَاحشَة - وَهيَ الَّتي تُفْضي إلَى النّزَاع - وَبَيْنَ الْجَهَالَة الْيَسيرَة - وَهيَ: الَّتي لاَ تُفْضي إلَى النّزَاع - فَمَنَعُوا الأُْولَى وَأَجَازُوا الثَّانيَةَ.
وَجَعَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء الْعُرْفَ حَكَمًا في تَعْيين مَا تَقَعُ عَلَيْه الإْجَارَةُ منْ مَنْفَعَةٍ، وَتَمْييز الْجَهَالَة الْفَاحشَة عَن الْجَهَالَة الْيَسيرَة.
وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَحَيْ: (بَيْع ف 32) (وَالإْجَارَةُ ف 34).
وَفي عَقْد السَّلَم يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ: (الْمُسْلَم فيه) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجنْس وَالنَّوْع وَالصّفَة وَالْقَدْر، كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أَوْ ذَرْعًا، وَذَلكَ لأنَّ الْجَهَالَةَ في كُلٍّ منْهَا تُفْضي إلَى الْمُنَازَعَة وَقَدْ وَرَدَ في الْحَديث عَن النَّبيّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ في تَمْرٍ فَلْيُسْلفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».
وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (سَلَم).
هَذَا في عُقُود الْمُعَاوَضَة.
38 - أَمَّا عُقُودُ التَّبَرُّع فَقَد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ في جَوَاز كَوْن الْمَحَلّ مَجْهُولاً، وَمنْ أَمْثلَة ذَلكَ مَا يَأْتي:
1 - عَقْدُ الْهبَة.
39 - يَشْتَرطُ الْحَنَفيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ في الْمَوْهُوب - وَهُوَ مَحَلُّ عَقْد الْهبَة - أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَمُعَيَّنًا، قَالَ الْحَصْكَفيُّ: شَرَائطُ صحَّة الْهبَة في الْمَوْهُوب: أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا، غَيْرَ مُشَاعٍ، مُمَيَّزًا، غَيْرَ مَشْغُولٍ، فَلاَ تَصحُّ هبَةُ لَبَنٍ في ضَرْعٍ، وَصُوفٍ عَلَى غَنَمٍ، وَنَخْلٍ في أَرْضٍ، وَتَمْرٍ في نَخْلٍ.
وَقَالَ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ: كُلُّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ تَجُوزُ هبَتُهُ، وَكُلُّ مَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ تَجُوزُ هبَتُهُ، كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ لغَيْر قَادرٍ عَلَى انْتزَاعه، وَضَالٍّ وَآبقٍ.
أَمَّا الْمَالكيَّةُ فَقَدْ تَوَسَّعُوا فيهَا، فَأَجَازُوا هبَةَ الْمَجْهُول وَالْمُشَاع، جَاءَ في الْفَوَاكه الدَّوَاني: أَنَّ شَرْطَ الشَّيْء الْمُعْطَى أَنْ يَكُونَ ممَّا يَقْبَلُ النَّقْلَ في الْجُمْلَة، فَيَشْمَلُ الأْشْيَاءَ الْمَجْهُولَةَ.
وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (هبَة) .
2 - عَقْدُ الْوَصيَّة.
40 - تَصحُّ وَصيَّةُ الْمُوصي بجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ منْ مَاله وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا صَرَّحَ به الْحَنَفيَّةُ، وَفي هَذه الصُّورَة يَكُونُ الْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَة؛ لأنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَليلَ وَالْكَثيرَ، وَالْوَصيَّةُ لاَ تَمْتَنعُ بالْجَهَالَة.
وَأَجَازَ الْحَنَابلَةُ الْوَصيَّةَ بالْحَمْل إنْ كَانَ مَمْلُوكًا للْمُوصي، وَالْغَرَرُ وَالْخَطَرُ لاَ يَمْنَعُ صحَّةَ الْوَصيَّة عنْدَهُمْ
كَمَا أَجَازَ الشَّافعيَّةُ الْوَصيَّةَ بالْمَجْهُول، كَالْحَمْل الْمَوْجُود في الْبَطْن مُنْفَردًا عَنْ أُمّه أَوْ مَعَهَا، وَكَالْوَصيَّة باللَّبَن في الضَّرْع، وَالصُّوف عَلَى ظَهْر الْغَنَم.
وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (وَصيَّة).
41 - هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافيُّ في فُرُوقه الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعدَة مَا تُؤَثّرُ فيه الْجَهَالاَتُ وَمَا لاَ تُؤَثّرُ فيه ذَلكَ منَ الْعُقُود وَالتَّصَرُّفَات فَقَالَ: وَرَدَت الأْحَاديثُ الصَّحيحَةُ في نَهْيه صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْع الْغَرَر وَعَنْ بَيْع الْمَجْهُول، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلكَ: فَمنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ في التَّصَرُّفَات - وَهُوَ الشَّافعيُّ - فَمَنَعَ منَ الْجَهَالَة في الْهبَة وَالصَّدَقَة وَالإْبْرَاء وَالْخُلْع وَالصُّلْح وَغَيْر ذَلكَ، وَمنْهُمْ مَنْ فَصَلَ - وَهُوَ مَالكٌ - بَيْنَ قَاعدَة مَا يُجْتَنَبُ فيه الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَات وَالتَّصَرُّفَات الْمُوجبَة لتَنْميَة الأَْمْوَال مَا يُقْصَدُ به تَحْصيلُهَا، وَقَاعدَة مَا لاَ يُجْتَنَبُ فيه الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَهُوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لذَلكَ، وَانْقَسَمَت التَّصَرُّفَاتُ عنْدَهُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: طَرَفَان وَوَاسطَةٌ، فَالطَّرَفَان أَحَدُهُمَا: مُعَاوَضَةٌ صرْفَةٌ فَيُجْتَنَبُ فيهَا ذَلكَ إلاَّ مَا دَعَت الضَّرُورَةُ إلَيْه... وَثَانيهمَا: مَا هُوَ إحْسَانٌ صرْفٌ لاَ يُقْصَدُ به تَنْميَةُ الْمَال كَالصَّدَقَة وَالْهبَة وَالإْبْرَاء.
فَفي الْقسْم الأْوَّل: إذَا فَاتَ بالْغَرَر وَالْجَهَالاَت ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ في مُقَابَلَته فَاقْتَضَتْ حكْمَةُ الشَّرْع مَنْعَ الْجَهَالَة فيه، أَمَّا الْقسْمُ الثَّاني - أَي: الإْحْسَانُ الصّرْفُ - فَلاَ ضَرَرَ فيه، فَاقْتَضَتْ حكْمَةُ الشَّرْع وَحَثُّهُ عَلَى الإْحْسَان التَّوْسعَةَ فيه بكُلّ طَريقٍ، بالْمَعْلُوم وَالْمَجْهُول فَإنَّ ذَلكَ أَيْسَرُ لكَثْرَة وُقُوعه قَطْعًا، وَفي الْمَنْع منْ ذَلكَ وَسيلَةٌ إلَى تَقْليله فَإذَا وَهَبَ لَهُ عَبْدَهُ الآْبقَ جَازَ أَنْ يَجدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مَا يَنْتَفعُ به، وَلاَ ضَرَرَ عَلَيْه؛ لأنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، وَهَذَا فقْهٌ جَميلٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْوَاسطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْن فَهُوَ النّكَاحُ، فَهُوَ منْ جهَة أَنَّ الْمَالَ فيه لَيْسَ مَقْصُودًا، وَإنَّمَا مَقْصدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالأْلْفَةُ وَالسُّكُونُ، يَقْتَضي أَنْ يَجُوزَ فيه الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا، وَمنْ جهَة أَنَّ صَاحبَ الشَّرْع اشْتَرَطَ فيه الْمَالَ بقَوْله تَعَالَى: ( أَنْ تَبْتَغُوا بأَمْوَالكُمْ) يَقْتَضي امْتنَاعَ الْجَهَالَة وَالْغَرَر فيه، فَلوُجُود الشَّبَهَيْن تَوَسَّطَ مَالكٌ فَجَوَّزَ فيه الْغَرَرَ الْقَليلَ دُونَ الْكَثير، نَحْوَ عَبْدٍ منْ غَيْر تَعَيُّنٍ، وَشُورَة (أَثَاث) بَيْتٍ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الْعَبْد الآْبق، وَالْبَعير الشَّارد .
د - الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْليم.
42 - يُشْتَرَطُ في مَحَلّ الْعَقْد أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْليم، وَهَذَا الشَّرْطُ مَحَلُّ اتّفَاقٍ في عُقُود الْمُعَاوَضَة في الْجُمْلَة، فَالْحَيَوَانُ الضَّالُّ الشَّاردُ وَنَحْوُهُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لعَقْد الْبَيْع أَو الإْجَارَة أَو الصُّلْح أَوْ نَحْوهَا، وَكَذَلكَ الدَّارُ الْمَغْصُوبَةُ منْ غَيْر غَاصبهَا، أَو الأَْرْضُ أَوْ أَيْ شَيْءٍ آخَرُ تَحْتَ يَد الْعَدُوّ.
قَالَ الْكَاسَانيُّ: منْ شُرُوط الْمَبيع أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْليم عنْدَ الْعَقْد، فَإنْ كَانَ مَعْجُوزَ التَّسْليم عنْدَهُ لاَ يَنْعَقدُ، وَإنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ كَبَيْع الآْبق حَتَّى لَوْ ظَهَرَ يَحْتَاجُ إلَى تَجْديد الإْيجَاب وَالْقَبُول إلاَّ إذَا تَرَاضَيَا فَيَكُونُ بَيْعًا مُبْتَدَأً بالتَّعَاطي.
وَقَالَ في شُرُوط الْمُسْتَأْجَر: منْ شُرُوطه أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ الاسْتيفَاء حَقيقَةً وَشَرْعًا؛ لأنَّ الْعَقْدَ لاَ يَقَعُ وَسيلَةً إلَى الْمَعْقُود عَلَيْه بدُونه، فَلاَ يَجُوزُ اسْتئْجَارُ الآْبق، وَلاَ إجَارَةُ الْمَغْصُوب منْ غَيْر الْغَاصب.
وَفي الْمَنْثُور للزَّرْكَشيّ: منْ حُكْم الْعُقُود اللاَّزمَة أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْه مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْليمه في الْحَال، وَالْجَائزُ قَدْ لاَ يَكُونُ كَذَلكَ كَالْجَعَالَة تُعْقَدُ عَلَى رَدّ الآْبق.
وَقَالَ النَّوَويُّ في بَيَان شُرُوط الْمَبيع: الثَّالثُ: إمْكَانُ تَسْليمه، فَلاَ يَصحُّ بَيْعُ الضَّالّ وَالآْبق وَالْمَغْصُوب، وَعَلَّلَهُ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ بقَوْله: للْعَجْز عَنْ تَسْليم ذَلكَ حَالاً.
وَمثْلُهُ مَا في كُتُب بَقيَّة الْمَذَاهب.
أَمَّا في عُقُود التَّبَرُّع فَأَجَازَ الْمَالكيَّةُ هبَةَ الآْبق وَالْحَيَوَان الشَّارد، مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَقْدُورَي التَّسْليم حينَ الْعَقْد؛ لأنَّهُ إحْسَانٌ صرْفٍ، فَإذَا وَجَدَهُ وَتَسَلَّمَهُ يَسْتَفيدُ منْهُ، وَإلاَّ لاَ يَتَضَرَّرُ كَمَا قَالَ الْقَرَافيُّ، وَأَجَازَ الشَّافعيَّةُ الْوَصيَّةَ فيمَا يَعْجزُ عَنْ تَسْليمه وَقَالَ ابْنُ الْقَيّم في عُقُود التَّبَرُّع: لاَ غَرَرَ في تَعَلُّقهَا بالْمَوْجُود وَالْمَعْدُوم وَمَا يَقْدرُ عَلَى تَسْليمه وَمَا لاَ يَقْدرُ.
__________________________________________________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (208) البيع بجنس المبيع
إذا باع شيئاً وبين جنسه فظهر المبيع من غير ذلك الجنس بطل البيع فلو باع زجاجاً على أنه الماس بطل البيع.
مادة (310) بيع مال بوصف مرغوب
إذا باع مالاً بوصف مرغوب فظهر المبيع خالياً عن ذلك الوصف كان المشتري مخيراً إن شاء فسخ البيع وإن شاء أخذه بجميع الثمن المسمى، ويسمى هذا الخيار خيار الوصف. مثلاً لو باع بقرة على أنها حلوب فظهرت غير حلوب يكون المشتري مخيراً وكذا لو باع فصاً ليلاً على أنه ياقوت أحمر فظهر أصفر يخير المشتري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 207)
إذا وقع غلط في محل العقد وكان المعقود عليه مسمى ومشاراً إليه فإن اختلف الجنس تعلق العقد بالمسمى وبطل لانعدامه وأن اتحد الجنس واختلف الوصف تعلق العقد بالمشار غليه وينعقد لوجوده ويخير العاقد لفوات الوصف إن شاء أمضى العقد وإن شاء نقضه.
فإذا بيع هذا الفص على أنه ياقوت فإذا هو زجاج بطل البيع ولو بيع هذا الفص ليلاً على أنه ياقوت أحمر فظهر أصفر صح البيع والمشتري بالخيار بين إمضائه وفسخه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م
مادة (۳۰) : إذا ادعى البائع غلطا فما أخبر به من ثمن للبيع فلا تقبل دعواه إلا بينة . فإن أقامها كان المشتري أن يحلفه بأنه لم يكن يعلم حقيقة الثمن حينما أخبر به ، فإن فعل كان المشتري بالخيار بين فسخ العقد أو إمضائه بالثمن الزائد ، وإن نكل قضى عليه بالنكول وليس له إلا ما وقع عليه العقد .
إيضاح
لاتقبل دعوى بائع أنه أخطأ في إخباره برأس المال بلابينة . كان قال : اشتريته بعشرة ثم قال غلطت بل اشتريته بخمسة عشر ، لأنه مدع لغلطه على غيره أشبه المضارب إذا أقر بربع ثم قال غلطت .
وفي رواية أن القول قوله مع يمينه ، فيحلف أنه لم يكن يعلم وقت البيع أن تمنها أكثر مما أخبر به ، لأن المشتري لمادخل مع البائع في المرابحة فقد ائتمنه ، والقول قول الأمين .
فإن نكل البائع عن اليمين قضي عليه بالنكول وليس له إلا ما وقع عليه العقد .
فإن قلنا يقبل قول البائع بيمينه وحلف ، او قامت له بينة بما ادعاه فللمشتري أن يحلفه أن وقت ما باعها لم يكن يعلم أن شراءها أكثر . فإنه لو باعها بدون منها عالما لزمه البيع بما عقد عليه ، لكونه تعاطی سببه مالاً ، فلزمه كمشتری المعيب عالما بعيبه . و إذا كان الجميع يلزمه بالعلم فادعی عليه لزمته اليمين . فإن نكل قضى عليه بالنكول . وإن حلف خير المشتري بين قبوله بالمن والزيادة التي غلط فيها وحظها من الربع و بين فسخ العقد .
مادة (۹۰):
إذا ادعى القابض نقصان ما اكتاله أو أتزنه أو عده أو ذرعه، أو ادعى أنهما غلطا فيه ، أو ادعى البائع زيادة في المقبوض لم يقبل قولهما.
إيضاح إذا ادعى القابض بعد القبض نقصان ما اكتاله أو اتزنه أو عده أو ذرعه أو ادعى أنهما غلطا فيه ، أو ادعى البائع زيادة في المقبوض لم يقبل ادعاء كل منهما لأن الظاهر خلافه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م
مادة (52)
( إذا ثبت أن البائع غلط بنقص في بيان الثمن الذي رتب عليه بيع المرابحة، وأراد ترتيبه على الثمن الصحيح خير المشتري في رد البيع و إمضائه بالثمن الصحيح وربحه إن كان المبيع قائما، فإن فات خير بين دفع الثمن الصحيح وربحه، أو دفع قيمة المبيع يوم البيع بشرط أن لا تنقص عن الثمن الغلط وربحه).
إيضاح
خير المشتري دون البائع في صورة الغلط ، لأن تخبيره لا ضرر فيه على البائع ، لأنه سيدفع له إما الثمن الصحيح وربحه وإما القيمة التي لا تنقص عن الثمن الغلط وربحه فضلا عن أن البائع عنده نوع تفريط بعدم التثبت في أمره ، واشترط عدم نقص القيمة عن الثمن الغلط وربحه ، لأنه كان قد رضي بدفعهما قبل تبين الغلط ، وتبين الغلط لا يؤثر في هذا الرضا ، فكان من الإنصاف أن لا يدفع أقل مما رضي بدفعه .
واعتبرت القيمة يوم البيع لايوم القبض لأنه بيع صحيح ، وسيأتي أن البيع الصحيح يدخل في ضمان المشتري بمجرد العقد الصحيح اللازم.
المراجع : الشرح الصغير ج۲ ص ۸۹ ، والشرح الكبير ج 3 ص 151.