loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 172

مذكرة المشروع التمهيدي:

1يشترط في التدليس إذا صدر من أحد المتعاقدين ، سواء أصدر من المتعاقد نفسه أم من نائبه أم من شريك له ، أن ينطوي على حيل بيد أن هذه الحيل تختلف عن سميها في النصب الجنائي ، إذ يكتقي فيها بمجرد الامتناع من جانب العاقد : كسكوته عمداً عن واقعة جوهرية يجهلها العاقد الآخر والواقع ، أنه ليس ثمة تطابق بين تعريف التدليس المبنى وتعريف التدليس الجناني ومهما يكن من أمر فليس ينبغي أن يعتد في تقدير التدليس بما يسترسل فيه المتعاقدان من آراءه بشأن ما للتعاقد من مزايا أو عيوب متى كانت هذه الآراء من قبيل الاعتبارات العامة ، المجردة من الضبط والتخصيص .

( انظر المادة 667 من التقنين الألماني ).

ويشترط كذلك ، أن تكون الحيل التي تقدمت الإشارة إليها ، قد دفعت من ضلل بها إلى التعاقد ، ومناط التقدير في هذا الصدد نفسي أو ذاتي ، كما هي الحال بالنسبة لعيوب الرضاء جميعاً  .

2 - وقد يصح التساؤل عن جدوى إقامة نظرية مستقلة للتدليس ، ما دام أن أثره في الإرادة يرد إلى ما يولد في ذهن العاقد من و غلط ، يدفع به إلى التعاقد بمعنی أن ما يشوب الرضاع من عيب بسببه يرجع إلى الغلط لا إلى الحيلة . إلا أن لوجود التدليس ميتين عمليتين : فإثباته أيسر من إثبات الغلط من ناحية وهو يخول حق مطالبة من صدر منه التدليس بالتعويض ، فضلاً عن حق التمسك بالبطلان ، من ناحية أخرى .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 173 من المشروع .

وبعد المناقشة تقرر حذف عبارة أو أجنبي اشترك فيها معه من الفقرة الأولى لأن حكمها مستفاد من المادة التالية، وتقرر إعادة صياغة الفقرة الثانية بحيث أن السكوت الذي يعتبر تدلیساً يصح أن يقع من أحد المتعاقدين أو نائب عنه .

فوافقت اللجنة على هذه التعديلات وأصبح النص كما يأتي :

1 - يكون التدليس سبباً في إبطال العقد إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو نائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لم يبرم الطرف الثاني العقد .

2 - ويعتبر تدليساً السكوت عمداً عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة .

ثم قدمت بعد تعدیل صدر الفقرة الأولى بالنص الآتي  :

يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل ...، وأصبح رقم المادة 129 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

تقرير لجنة الشئون التشريعية :

استبدلت عبارة ( لما أبرم ) في الفقرة الأولى بعبارة (لم يبرم ) .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عداتها اللجنة تحت رقم 129 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة التاسعة

تليت المادة 129 و هذا نصها :

1 - يجوز إبطال العقد التدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو نائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد.

2 - ويعتير تدليساً السكوت عمدآ عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان يبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة .

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على المادة دون تعديل، و أصبح رقمها 125 .

محضر الجلسة السادسة والستين

قال الدكتور حامد زكیبك إن حكم الفقرة الثانية من المادة 125 مسألة موضوعية تختلف باختلاف القضايا.

فرد عليه معالي السنهوري باشا أن المسألة ليست مسألة موضوعية وإنما هي مسألة قانونية ثم قال إن هذه المادة حسمت خلافاً في القضاء

مناقشات المجلس:

وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .

_______________________________________

الأحكام

1- يشترط فى الغش والتدليس المبطل للتصرفات على ما عرفته المادة 125 من القانون المدنى - وما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ما استعمل فى خداع المتعاقد حيلة من شأنها التغرير به وجعله غير قادر على الحكم على الأمور حكماً سليماً ، وأن تكون هذه الحيلة غير مشروعة قانوناً . أما الحصول على توقيع شخص على محرر مثبت لتصرف لم تنصرف إرادته أصلاً إلى إبرامه فإنه يعد تزويراً تنعدم فيه الإرادة ولو كان الحصول على هذا التوقيع وليد طرق احتيالية كما لا يعد تدليساً مجرد الغلط المادى فى الحساب ولا غلطات القلم فلا يؤثر ذلك فى صحة العقد وإن كان يجب تصحيح الغلط . ذلك أن الغلط المعنوى الناشئ عن التدليس هو غلط مصاحب لتكوين الإرادة فيفسد الرضا ، أما الغلط المادى فهو لاحق لتكوين الإرادة ويقع فى التعبير عنها بقول أو كتابة ما لا يقصد أو خطأ فى الحساب فيتم تصحيحه وفقاً للقصد الحقيقى .

(الطعن رقم 11889 لسنة 65 جلسة 2008/05/20 س 59 ص 563 ق 98)

2- إذ كان الطاعن قد تمسك فى دفاعه أمام محكمة الموضوع بوقوع غش عليه من جانب المطعون ضدهم حال إبرامه عقد القسمة محل التداعى معهم تمثل فى أنهم استغلوا ثقته فيهم وكتبوا أن مشتراه من شقيقه المطعون ضده الأول هو ثلاثة قراريط بدلاً من أربعة وذلك بعد أن حصلوا على توقيعه دون أن يعلم بذلك ، وكان هذا القول ليس فيه من مظاهر الغش والتدليس ما يفسد رضاءه بتوقيع عقد القسمة ولا يكفى لاعتباره حيلة فى حكم المادة 125 من القانون المدنى ، فلا على الحكم المطعون فيه إن أغفله أو لم يعن بتحقيقه لأنه دفاع لا يستند إلى أساس قانونى صحيح ، ومن ثم يكون النعى على غير أساس .

(الطعن رقم 11889 لسنة 65 جلسة 2008/05/20 س 59 ص 563 ق 98)

3- النص فى المادة 125 من القانون نفسه (القانون المدني) على أن "يعتبر تدليساً السكوت عمداً عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة" - مؤداه أن المشرع اعتبر مجرد كتمان العاقد واقعة جوهرية يجهلها العاقد الآخر أو ملابسة، من قبيل التدليس الذي يجيز طلب إبطال العقد إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو اتصل علمه بما سكت عنه المدلس عمداً.

(الطعن رقم 5524 لسنة 63 جلسة 2001/04/17 س 52 ع 1 ص 531 ق 110)

4- المقرر وفقاً للمادتين 120، 125 من القانون المدنى أن للمتعاقد الذى وقع فى غلط جوهرى أو وقع عليه تدليس الحق فى طلب إبطال العقد وهو حق يتوافر به شرط المصلحة الحالة اللازمة لقبول الدعوى .

(الطعن رقم 8240 لسنة 65 جلسة 1997/06/23 س 48 ع 2 ص 952 ق 184)

5- إذ كان دفاع الطاعن في الدعوى قد قام على أن الاعتماد على ما ورد بالعقد من أن هذا العقار مؤجر مفروشا وهو ما يعنى إمكانية إخلاء مستأجره منه لعدم تمتعه بميزة الإمتداد القانوني المقررة في قوانين إيجار الأماكن وأنه - أى الطاعن - قد تبين له بعد التعاقد أن هذا العقار مؤجر خاليا وقد حكم نهائيا برفض دعوى الإخلاء التى أقامها المطعون ضده على المستأجر لثبوت أن العقار مؤجر له خاليا وذلك قبل إبرام العقد بما يجاوز سنة وأن المطعون ضده قد دلس عليهيما أثبته على خلاف الحقيقة في عقد البيع من أن العقار مؤجر مفروشا وبتعمده كتمان سبق صدور حكم نهائى برفض دعوى إخلاء المستأجر لاستئجاره العقار خاليا مع أنه لو علم بهذا الأمر لما أقدم على إبرام العقد بالثمن المتفق عليه فيه، وهو منه دفاع جوهرى قد يتغير به - إن صح - وجه الرأى في الدعوى ، لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل دفاع الطاعن على هذا النحو أورد في خصوص انتفاء التدليس قوله"الواضح من بنود عقد البيع سند التداعى أن المستأنف المشترى - الطاعن - أقر صراحة في البند الثالث أنه عاين العقار المشترى ويعلم أنه مؤجر إلى المرحوم ٠٠٠٠ وأن قضايا الإخلاء المرفوعة من البائع بإخلاء ورثة المستأجر باعتباره مؤجرا مفروشا وباعتبارهم غير مصريين،وأنه أقر أيضا أنه وشأنه مع المستأجر في موضوع الإخلاء سواء رضاء من ماله الخاص أو قضاء بمعرفته،وهذا الذى أقر به المستأنف صراحة في عقد البيع قاطع الدلالة على أنه إذ عاين العقار المبيع يعرف تماما أنه مؤجر للمرحوم ٠٠٠ وأن قضايا إخلاء رفعت على الورثة لاخلائهم وأن من حقه إخلاءهم رضاء من ماله الخاص أو قضاء بمعرفته بما مفاده أن أمر إيجار العقار المبيع وظروف الإيجار كانت مطروحة على بساط البحث وقت تحرير عقد البيع بما يتنافى معه القول بأن البائع قد استعمل طرقا احتيالية معه وأخفى عنه الحقيقة " وهو ما يبين منه أن الحكم المطعون يه قد استدل على انتفاء التدليس بمجرد علم الطاعن - أخذا بما ورد بالعقد - من أن العقار المبيع مؤجر لآخر وأن هناك قضايا إخلاء رفعت على ورثة المستأجر لإخلائهم من العين،وكان هذا الرأى الذى أورده الحكم المطعون فيه وأقام عليه قضاءه لا يصلح ردا على ما تمسك به الطاعن من تدليس ذلك أن علمه بتأجير العقار المبيع ويرفع قضايا لإخلاء ورثة المستأجر أو عدم علمه بذلك ليس هو موطن التدليس المدعى به على النحو المتقدم،فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يعن ببحث دفاع الطاعن على وجهه الصحيح ورتب على ما خلص إليه من انتفاء التدليس قضاءه برفض الدعوى يكون فضلاً عن قصوره في التسبيب قد أخطأ في تطبيق القانون.

(الطعن رقم 1196 لسنة 57 جلسة 1993/11/18 س 44 ع 3 ص 217 ق 328)

6- النص فى المادة 125من القانون المدنى - يدل على أن الحيلة غير المشروعة التى يتحقق بها التدليس إما أن تكون إيجابية باستعمال طرق احتيالية أو أن تكون سلبية بتعمد المتعاقد كتمان أمر عن المتعاقد الأخر متى كان هذا الأمر يبلغ حدا من الجسامة بحيث لو علمه الطرف الأخر لما أقدم على التعاقد بشروطه .

(الطعن رقم 1196 لسنة 57 جلسة 1993/11/18 س 44 ع 3 ص 217 ق 328)

7-  ولئن كان الأصل عدم جواز إهدار حجية الأحكام إلا بالتظلم منها بطرق الطعن المناسبة تقديراً لتلك الحجية إلا أنه يستثنى من هذا الأصل حالة تجرد الحكم من أركانه الأساسية . وإذ كانت صحيفة إفتتاح الدعوى هى الأساس الذى تقوم عليه إجراءاتها فإن عدم إعلانها أو إعلانها للخصم بطريق الغش فى موطن آخر غير الموطن الواجب إعلانه بها فيه يترتب عليه إعتبار الحكم الصادر فيها منعدماً ولا تكون له قوة الأمر المقضى ولا يلزم الطعن فيه أو رفع دعوى أصلية ببطلانه بل يكفى إنكاره والتمسك بعدم وجوده .

(الطعن رقم 2384 لسنة 54 جلسة 1990/04/04 س 41 ع 1 ص 917 ق 151)

8- التدليس هو إستعمال طرق إحتيالية من شأنها أن تدفع المتعاقد إلى إبرام التصرف الذى أنصرفت إرادته إلى أحداث إثره القانونى فيعيب هذه الإرادة ، أما الحصول على توقيع شخص على محرر مثبت لتصرف لم تنصرف إرادته أصلاً إلى إبرامه فأنه يعد تزويراً تنعدم فيه هذه الإرادة ولو كان الحصول على هذا التوقيع وليد طرق إحتيالية . لما كان ذلك وكان دفاع الطاعنة أمام محكمة الموضوع قد قام على أن المطعون ضدها تمكنت فى غفلة منها من الحصول على توقيعها على المحرر المتضمن للعقد موضوع الدعوى بعد أن أوهمتها أنه أحدى أوراق تسجيل عقد آخر كانت قد أبرمته معها ، فأن هذا الدفاع فى تكييفه الصحيح يكون أدعاء بتزوير معنوى . وإذ إلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وأطرح هذا الدفاع لعدم إبدائه بالطريق المرسوم له قانوناً فأنه يكون قد إلتزم صحيح القانون .

(الطعن رقم 1050 لسنة 53 جلسة 1986/05/08 س 37 ع 1 ص 530 ق 110)

9- يجوز إثبات الغش - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بطرق الإثبات القانونية كافة شاملة البينة وإذ أسست الطاعنة دفاعها أمام محكمة الموضوع على ما هو ثابت بالأوراق أن المطعون ضده - بعد أن تسلم منها المبلغ الثابت بسند المديونية قام بتمزيق ورقة أوهمها أنها السند المذكور ، وكان هذا منه - فيما لو ثبت - يشكل إحتيالاً وغشاً يجوز إثباته بطريق الإثبات القانونية كافة شاملة البينة ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على أن ما تدعيه الطاعنة وفاء وهو بهذه المثابة تصرف قانونى لا يجوز إثباته إلا بالكتابة لا يواجه دفاع الطاعنة آنف الذكر ولا يصلح رداً عليه رغم أنه دفاع جوهرى من شأنه لو ثبت أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فيكون فضلاً عن خطئه فى تطبيق القانون قد شابه القصور فى التسبيب و الإخلال بحق الدفاع .

(الطعن رقم 648 لسنة 52 جلسة 1985/12/26 س 36 ع 2 ص 1209 ق 249)

10- إستخلاص عناصر الغش من وقائع الدعوى وتقدير ما يثبت به هذا الغش وما لا يثبت به يدخل فى السلطة التقديرية لقاضى الموضوع بعيداً عن رقابة محكمة النقض متى كان إستخلاصه سائغاً ومستمداً من وقائع ثابتة فى الأوراق .

(الطعن رقم 1340 لسنة 50 جلسة 1984/12/10 س 35 ع 2 ص 2029 ق 384)

11- طلب الخصم تمكينه من إثبات أو نفى دفاع جوهرى بوسيلة من وسائل الإثبات الجائزة قانوناً هو حق له يتعين على محكمة الموضوع إجابته إليه متى كانت هذه الوسيلة منتجة فى النزاع ولم يكن فى أوراق الدعوى والأدلة الأخرى المطروحة عليها ما يكفى لتكوين عقيدتها ، وإذ كان يجوز للطاعن أن يثبت بالبينة أن إقرار التنازل الصادر منه للمطعون ضده الأول قد صدر منه عن تدليس ، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الإستئناف بهذا الدفاع وطلب إثبات ذلك بالبينة فإن الحكم . إذ لم يعرض لهذا الدفاع وعرض لدفاعه المبنى على الغلط والعين دون التدليس فإنه يكون معيباً بالقصور الذى يوجب نقضه .

(الطعن رقم 639 لسنة 50 جلسة 1984/06/14 س 35 ع 2 ص 1662 ق 318)

12- قاعدة " الغش يبطل التصرفات " هى قاعدة قانونية سليمة ولو لم يجر بها نص خاص فى القانون ، وتقوم على إعتبارات خلقية وإجتماعية فى محاربة الغش والخديعة والإحتيال ، و عدم الإنحراف عن جادة حسن النية الواجب توافره فى التصرفات والإجراءات عموماً صيانة لمصلحة الأفراد والجماعات ، ولذا يبطل الإعلان إذ ثبت أن المعلن قد وجهه بطريقة تنطوى على غش ، رغم إستيفائها ظاهرياً لأوامر القانون حتى لا يصل إلى علم المعلن إليه ، لمنعه من الدفاع فى الدعوى أو ليفوت عليه المواعيد . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنتين تمسكا فى صحيفة الإستئناف ببطلان إعلان الحكم المستأنف وإعلان صحيفة الدعوى وإعادة الإعلان لأن المطعون ضدهما الأول والثانى الصادر لصالحهم الحكم المستأنف بصحة ونفاذ عقد البيع بالتواطؤ مع المطعون ضدهما الثالثة والخامس وجها تلك الإعلانات بطريقة تنطوى على الغش فيها ، بأن إستلمها الأخير فى غير موطن الطاعنتين بمقولة إنهما تقيمان معهما ، وأخفياها عنهما حتى لا تعلما بالدعوى ولا بالحكم الصادر فيها ، وطلبتا إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ذلك ، وكان هذا الدفاع جوهرياً يتغير به وجه الرأى فى الدعوى ، فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يعن بالرد عليها وقضى بسقوط الحق فى الإستئناف لرفعه بعد الميعاد ، يكون معيباً بالقصور .

(الطعن رقم 183 لسنة 43 جلسة 1981/01/28 س 32 ع 1 ص 386 ق 75)

13- يشترط فى الغش والتدليس على ما عرفته المادة 125 من القانون المدنى أن يكون ما إستعمل فى خدع المتعاقد حيلة ، وأن هذه الحيلة غير مشروعة قانوناً . ولما كان الحكم المطعون فيه قد إعتبر أن التدليس قد توافر فى جانب الطاعنة - الشركة البائعة - لمجرد أنها أعلنت فى الصحف أن الحصة المبيعة تغل ريعاً قدره 31 جنيها و750 مليماً شهرياً مع علمها أنها لا تغل سوى مبلغ 29 جنيها و 273 مليماً وإن هذا التدليس وإن لم يدفع على التعاقد إلا أنه أغرى المطعون عليها وزوجها - المشترين - على قبول الإرتفاع فى الثمن عن طريق لا يفيد بذاته توافر نية التضليل لدى الشركة وأنها تعمدت النشر عن بيانات غير صحيحة بشأن ريع العقار بقصد الوصول إلى غرض غير مشروع ، وبالتالى فإنه لا يكفى لإعتباره حيلة فى حكم المادة 125 من القانون المدنى ، ولما كانت الطاعنة فوق ما تقدم قد تمسكت فى مذكراتها المقدمة إلى محكمة الإستئناف بأن الإعلان عن البيع تم صحيحاً لأن ريع الحصة المبيعة طبقاً لمستنداتها تبلغ 31 جنيها و750 مليماً كما نشر فى الصحف ، غير أن الحكم إلتفت عن هذا الدفاع ولم يعن بتمحيصه أو الرد عليه مع أنه دفاع جوهرى قد يغير به وجه الرأى فى الدعوى لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه - إذ قضى بإنقاص الثمن و إلزام البائعة برد الزيادة إلى المشترين - يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وعاره قصور يبطله

(الطعن رقم 620 لسنة 42 جلسة 1976/12/21 س 27 ع 2 ص 1791 ق 329)

14- مفاد المادة 36 من مجموعة قواعد الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس الصادرة فى سنة 1955 والمقابلة للمادة 37 من مجموعة سنة 1938 و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن الغش فى بكارة الزوجة يجيز إبطال الزواج على أساس أنه غلط فى صفة جوهرية يعيب الإرادة ، وهو يتوافر بمجرد إدعاء الزوجة أنها بكر على خلاف الحقيقة ، ثم يتبين فيما بعد أنها لم تكن بكراً و لم يكن الزوج على علم بذلك من قبل ، شريطة أن يثبت هو أن بكارتها قد أزيلت بسبب سوء سلوكها .

(الطعن رقم 16 لسنة 43 جلسة 1975/11/19 س 26 ص 1444ق 272)

15- إستخلاص عناصر التدليس الذى يجيز إبطال العقد من وقائع الدعوى وتقدير ثبوته أو عدم ثبوته هو- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من المسائل التى تستقل بها محكمة الموضوع دون رقابة عليها فى ذلك من محكمة النقض ما دام قضاؤها مقاماً على أسباب سائغة .

(الطعن رقم 39 لسنة 38 جلسة 1973/03/13 س 24 ع 1 ص 396 ق 70)

16- أنه يشترط فى الغش والتدليس وعلى ما عرفته المادة 125 من القانون المدنى ، أن يكون ما إستعمل فى خدع المتعاقد حيلة ، وأن تكون هذه الحيلة غير مشروعة قانوناً ، وكان الحكم قد فهم واقعة الدعوى ، ثم عرض لما طرأ على المتعاقدة بسبب فقد ولدها وأبنائه جميعا ، وإستبعد أن يكون ما أولته إياها المتعاقد معها - وهى إبنتها - من عطف ، وكذلك عطف شقيقاتها ، هو من وسائل الأحتيال ، بل هو الأمر الذى يتفق وطبيعة الأمور ، وأن ما يغايره هو العقوق ، كما إستبعدأن تكون التصرفات الصادرة من الأم لبناتها - بعد وفاة ولدها الوحيد - قد قصد بها غرض غير مشروع ، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 329 لسنة 39 جلسة 1972/02/08 س 23 ع 1 ص 138 ق 22)

17- إذا كان الحكم قد نفى وقوع تدليس من الإبنة المتصرف إليها ضد والداتها المتصرفة لها ، وأفصح بما له من سلطة تقديرية ، عن أن مشاعر الود التى أبدتها المتصرف إليها نحو أمها ، إثر فجيعتها فى ولدها تتفق مع طبيعة الأمور ، وأنها ليست من قبيل الطرق الإحتيالية التى يقوم بها التدليس ، وعن أن أمرا لم يلبس على الأم المتصرفة ، بحيث يضللها عن حقيقة ما إتجهت إليه ، بالتصرف فى بعض ما لها للمتصرف إليها ولباقى بناتها - ومنهن من تطعن على هذا التصرف - وكان هذا الذى أفصح عنه الحكم يقوم على ما تكشف من ظروف الدعوى و ملابساتها ، وله مأخذه الصحيح من الأوراق وكان سائغا ، ويؤدى إلى النتيجة التى إنتهى إليها ، فإنه لا يكون عليه إن هو لم يتتبع الطاعنات ، فى شتى مناحى طلباتهن ووجوه دفاعهن و الرد عليها ، إذ فى قيام الحقيقة التى إقتنع بها وأورد دليلها ، الرد الضمنى المسقط لكل تلك الأوجه ، ومن ثم فإن النعى على الحكم بالقصور فى التسبيب والفساد فى الإستدلال و مخالفة الثابت بالأوراق يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 329 لسنة 39 جلسة 1972/02/08 س 23 ع 1 ص 138 ق 22)

18- إذا كان تقدير أثر التدليس فى نفس العاقد المخدوع ، وما إذا كان هو الدافع إلى التعاقد ، من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع ، وكان يبين من الحكم المطعون فيه ، أنه إستظهر الظروف الذاتية للمتعاقدة والتى ألمت بها إثر وفاة ولدها الوحيد ، وجميع أبنائه فى حادث الباخرة دندرة ، وإستبعد الحكم أن يكون عطف المتعاقدة معها - وهى إبنتها - وكذلك عطف بناتها الأخريات ، على والدتهن فى محنتها من الوسائل الأحتيالية المعتبرة ركنا فى التدليس المفسد للعقود ، كما إستبعد الحكم ما أثير بشأن وجود ختم للمتعاقدة مع زوج المتعاقدة معها ، وأن هذه الأخيرة أنتهزت هذه الفرصة ، فوقعت بذلك الختم على العقدين موضوع النزاع ، وذلك لعدم إتخاذ طريق الطعن بالتزوير على هذين العقدين ، وإستبعد الحكم أيضا ما إدعته الطاعنات من وقوع إكراه أدبى على المتصرفة أدى إلى التعاقد ، وإستخلص من ذلك أن الطاعنات لم تقلن إن المتصرف إليها لجأت إلى تهديد المتصرفة بخطر جسيم ، فإن ما قرره الحكم يكفى لحمل قضائه فى نفى التدليس والإكراه الأدبى .

(الطعن رقم 329 لسنة 39 جلسة 1972/02/08 س 23 ع 1 ص 138 ق 22)

19- إذا كان الطاعن قد دفع أمام المحكمة المطعون فى قضائها ببطلان السند محل المنازعة لانبنائه على الغش والتدليس عملاً بالمادة 125 من القانون المدنى وأوضح تفصيلا ظروف تحريره والقرائن التى استدل بها على الغش والتدليس ، وكان الحكم المطعون فيه لم يتعرض لهذا الدفاع ولم يتناول بالبحث تلك القرائن وكان هذا الدفاع جوهريا من شأنه لو صح أن يغير وجه الرأى فى الدعوى ، فإن الحكم يكون قد شابه قصور يعيبه ويستوجب نقضه .

(الطعن رقم 177 لسنة 24 جلسة 1958/12/25 س 9 ع 1 ص 836 ق 109)

20- متى كانت المحكمة قد نفت لأسباب سائغة فى حدود سلطتها التقديرية وقوع إكراه مؤثر على إرادة البائع أو تدليس مفسد لرضائه فانها لاتكون ملزمة باجراء تحقيق لاترى أنها فى حاجة إليه.

(الطعن رقم 153 لسنة 22 جلسة 1955/12/15 س 6 ع 4 ص 1582 ق 218)

21- متى كان الواقع فى الدعوى هو أن الطاعنين باعا إلى المطعون عليه الأول محلا تجاريا ومعداته ، وكان قد صدر حكم بإغلاق المحل قبل حصول البيع لإدارته بدون ترخيص ، وكان الحكم المطعون فيه إذ قضى بفسخ البيع وإلزام البائعين متضامنين بأن يردا إلى المشترى ما قبضاه من الثمن مع الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء أقام قضاءه على ما وقع من البائعين من تدليس على المشترى بكتمانهما عنه عند التعاقد أمر الحكم الصادر بإغلاق المحل فإنه يكون غير منتج ما ينعاه الطاعنان على هذا الحكم من أنه أغفل الإعتبار بعلم المشترى عند شرائه بأن الدكان غير مرخص وإلتزامه بالسعى للحصول على رخصة ذلك أن علم المشترى بأن المحل غير مرخص مسألة أخرى أدخلها فى حسابه وسعى من أجلها فى الحصول على الرخصة وهى مسألة تختلف عن صدور حكم قبل البيع بإغلاق المحل .

(الطعن رقم 326 لسنة 20 جلسة 1952/05/15 س 3 ع 3 ص 1082 ق 165)

22- متى كان الحكم المطعون فيه اذ قضى باثبات نزول المستأنف عليه (الطاعن) عن التمسك بالحكم المستأنف استنادا الى اقرار كتابى صدر منه بعد بلوغه سن الرشد أثناء نظر الاستئناف وفيه يسلم بصحة الحساب المقدم من جدته المستأنفة (المطعون عليها) وبنزوله عن هذا الحكم . متى كان الحكم المطعون فيه اذ قضى بذلك قد لخص ماورد باقرار التنازل وبين ما ينعاه عليه الطاعن من انه صدر تحت تأثير الغش وأورد حكم القانون فى الغش المفسد للرضا فى قوله ,, انه يجب ان يكون وليد إجراءات احتيالية أو وسائل من شأنها التغرير بالعاقد بحيث يشوب ارادته ولا يجعله قادرا على الحكم على الامور حكما سليما ،، ثم ذكر الوقائع التى نسبها الطاعن الى المطعون عليها وأنزل حكم القانون عليها وانتهى إلى أن ,, هذا الادعاء على فرض صحته تنقصه الأركان اللازم توافرها لقيام الغش قانوناً وما صوره الطاعن لا يعدو ان يكون قولا مرسلا عن الحديث الذى تم بينه وبين جدته وليس فيه من مظاهر الاغراء أو الغش ما يفسد رضاءه بتوقيع هذا التنازل الصادر منه ،، فان الطعن على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون وبالقصور يكون على غير أساس اذ هو أحاط بالوقائع التى استدل بها الطاعن على حصول الغش المدعى به والذى يزعم انه افسد رضاءه بالتوقيع على هذا الاقرار المشار اليه ثم تحدث عن هذه الوقائع ومدى ما ينعكس بها من أثر على ارادة الطاعن وانتهى فى أدلة سائغة سواء الى انه حتى مع فرض صحة هذه الوقائع فليس من شأنها التغرير بالطاعن بحيث تشوب ارادته ولا تجعله قادرا على الحكم على الأمور حكما سليماً .

(الطعن رقم 54 لسنة 19 جلسة 1951/04/19 س 2 ع 3 ص 715 ق 114)

شرح خبراء القانون

مناط إبطال العقد للتدليس :

التدليس، إيقاع المتعاقد في غلط يدفعه الى التعاقد وذلك باستعمال طرق إحتيالية، ويقترب الغش من التدليس و یؤدی مثله إلى إبطال العقد إذا توافر في مرحلة إبرامه وغالباً ما يقترن الغش بطرق إحتيالية تؤدي إلى ابرام العقد، أما أن توافر الغش بعد بإبرام العقد، فلا ينال من صحته إذ يكون العقد استوفى شرائطه ولكن هذا الغش يؤدي إلى إبطال التصرفات التي تعلق بها والتالية للعقد .

والطرق الاحتيالية في التدليس المدني قد تتساوى مع الطرق الاحتمالية في التدليس الجنائي "النصب م : 336 عقوبات، وقد تكون أدنى منها، فإن تساوت، كنا بصدد تدلیس مدنی وتدليس جنائي، أما إن لم تتساوى كنا بصدد تدلیس مدنی فقط .

عناصر التدليس :

1- استعمال طرق إحتيالية، وهذه الطرق تنطوي على رکن مادی و آخر معنوی، و ينصرف الركن المادي إلى الأعمال المادية التي يأيتها المدلس توحي إلى المدلس عليه وجود أمر يخالف الحقيقة، كالتظاهر بالعظمة واليسار أو انتحال صفة أو اصطناع مستندات مزورة كعقود إيجار أو كشوف حسابات من البنوك والأصل أن مجرد الكذب لا تتوفر به الطرق الاحتيالية، فالتاجر الذي يروج لبضاعته بأوصاف ليست فيها لا يعد مدلساً ولا يكون للمشتري أبطال العقد إلا إذا جاء الكذب على صفة جوهرية في المبيع كانت هي الدافع الى التعاقد، فالتاجر الذي يبيع سيارة موديل قديم زودها بقطع تدل على أنها حديثة وباعها مدعية أنها حديثة فإن ذلك يعتبر تدليساً وقد يكون مجرد الكتمان من الطرق الاحتيالية إذا كانت هناك أمر يجب على التعاقد الإفصاح عنه حتى يكون المتعاقد الآخر على بينة منه إذ لو علمه لامتنع عن التعاقد، وهذا الإفصاح إما أن يكون بنص في القانون كالتزام البائع ببيان العيوب الخفية والمحيل ببيان ما نال من تأمينات الحق المحال، وإما أن يكون وفقا لطبيعة العقد كما في عقد التأمين إذ يلتزم المؤمن عليه بيبان كافة المخاطر وجود مرض وراثي في أسرته أو في وجود مستودع سری خطر به متفجرات أو مواد سريعة الاشتعال، فتتوفر بكتمان ذلك الطرق الاحتيالية ، وهذا الكتمان يجب أن ينصرف إلى أمر غير معلوم لا تكون فاسدة وإن كان وباستطاعته العلم به بجهد يسير لم يبذله كان مقصراً يسقط حقه في طلب الإبطال.

 أما الركن المعنوي، فينصرف الى نية التضليل لتحقيق أمر غير مشروع، فإن  كان الأمر مشروعة انتفى التدليس، كالمودع يلجأ إلى طرق احتيالية ليسترد وديعته من شخص غير أمين .

ووقوع التدليس مسألة واقع تستقل بها محكمة الموضوع دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض، ولكن الوصف القانوني لوقائع التدليس كإعتبار الكذب المسند لأحد المتعاقدين تدليسا أو كون التدليس الصادر من الغير يؤثر في صحة العقد، هو من مسائل القانون التي يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض.

2 - أن يكون التدليس هو الدافع إلى التعاقد، وتلك مسألة واقع لا يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغاً، مسترشد في ذلك بما تواضع عليه الناس في معاملاتهم وبحالة المتعاقد الشخصية من سن وعلم وتجارب وبالظروف التي أحاطت به.

توافر الغش بالإقرار زورا بتوقيع المحرر :

المقرر أن الغش يبطل التصرفات والإجراءات ولو لم يرد بذلك نص في القانون، والغش هو الاحتيال على القانون إضراراً بالغير أو بأحد المتعاقدين.

وقد يتحقق الغش باتفاق بين المتعاقدين، ويقصدان بذلك إخفاء حقيقة ما اتفقا عليه، فيكون العقد الظاهر هو العقد الصوري بينما يكون العقد المستتر ورقة الضد - هو العقد الحقيقي، وهو ما تتوافر به الصورية النسبية، وذلك لمنع طلب الشفعة بتضمين العقد الظاهر ثمناً أكبر من الثمن الحقيقي، أو لتخفيض رسوم التسجيل بتضمين العند الظاهر ثمناً أقل، ومثل هذا الإنفاق لا يتعلق بالنظام العام، وبالتالي يخضع في إثباته للقواعد العامة، فلا يجوز إثبات العقد الحقيقي إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها إذا كان الثمن يجاوز نصاب البينة .

أما إن كان الاتفاق يخالف النظام العام، جاز للمتعاقد الذي وقع الغش إضراراً بمصلحته، إثبات الاتفاق الحقيقي بكافة طرق الاثبات بما في ذلك البينة والقرائن، كالمتعاقد الذي يحرر بلين قمار عقد قرض أو عقد بیع، وإخفاء التاريخ الحقيقي لتصرف ناقص الأهلية أو عديمها لإظهار أن التصرف صادر بعد إكتمال الأهلية أو قبل تسجيل قرار الحجر.

وقد يقع الغش من جانب المدين وحده إضراراً بالدائن، ففي البيع الصوري صورياً مطلقاً، قد يصدق البائع على توقيعه أمام الشهر العقاري فيتم التسجيل أو يوقع العقد الصوري العرفي استنادا الى أن العقد المستتر تم التوقيع عليه من المشترى الصوري، ثم يتضح أن التوقيع المنسوب لهذا المشترى ليس توقيعه رغم أنه قدم العقد إلى البائع باعتباره قد وقع عليه، فهذا الغش والخداع من جانب المشتري يجوز للبائع إثبات العقد الحقيقي بكافة طرق الإثبات ومن بينها البينة والقرائن للقضاء بثبوت ملكيته لعين النزاع وصورية العقد صورية مطلقة دون حاجة إلى طلب الفسخ أولا ذلك أن العقد الصوري صورية مطلقة لا يكون له وجود في الحقيقة فلا يطلب فسخه إنما تقرير صوريته.

وإذا وجدت علاقة دائنية، وأعطى المدين شيكاً أو سنداً لدائنه، مقرراً له أنه الذي قام بالتوقيع عليه بينما في الحقيقة أن التوقيع لغيره، وهو ما يتحقق به الغش من جانب المدين إضراراً بدائنه، إذ يتعذر على الأخير إجبار المدين على الوفاء بالدين، لأن الدائن إذا لجأ للقاضى الجنائى، طعن المدين بتزوير الشيك وهو على يقين بأن التوقيع ليس له، وبالتالي يثبت التزوير، مما مؤداه القضاء ببراءة المدين من جريمة الشيك، وإدانة الدائن في جريمة تزوير الشيك واستعماله، وهو قضاء يجب التروى فيه قبل إصداره بحيث إذا ثبت للمحكمة وجود علاقة دائنيه بين الدين والدائن أياً ما كانت تلك العلاقة، تحقق التزام الدين قبل الدائن، ووجب على المدين إثبات إنقضاء هذا الإلتزام، فإن عجز عن ذلك، ظل التزامه قائماً، وتوافرت بذلك قرينة على الغش من جانب المدين وهو ما يكفي لزعزعة اطمئنان القاضي الجنائي بالنسبة لجريمة التزوير المنسوبة للدائن، أما جريمة الشيك، فان أركانها لا تكون متوافرة، وحينئذ يكون أمام الدائن إلا الطريق المعنى، وحينئذ يكون له إثبات حقه بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً بما في ذلك البينة والقرائن .

ولا يكفي مجرد الإدعاء بوجود تحايل على القانون لتصدر المحكمة حكماً تمهيدياً يجيز الإثبات بكافة الطرق، إنما يلزم أن تكون هناك قرائن يرجع معها  توافر الاحتيال. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني  الصفحة/ 537 )

إبطال العقد للتدليس

- تعريف التدليس :

التدليس - وهو ما يطلق عليه في الفقه الإسلامي التغرير - هو استعمال الحيلة والخداع بقصد إيهام الشخص بغير الحقيقة وإيقاعه في غلط يدفعه إلى التعاقد فالعلاقة واضحة إذن بين الغلط والتدليس، فالغلط يتولد في ذهن الشخص تلقائياً، أما الغلة الناشئ عن التدليس فهو غلط ، قصد المدلس إيقاع المتعاقد الآخر فيه وذلك عن طريق الحيلة والخداع، فالتدليس لا يعد عيباً مستقلاً من عيوب الإرادة، فهو في حقيقة الأمر ليس إلا غلطاً مستثاراً لدى التدليس وليس غلطاً تلقائياً.

والتدليس في ذاته لا يعيب الإرادة وإنما الذي يعيبها هو الغلط الناشئ عنه.

والتدليس باعتباره قد تم عن طريق الحيلة والخداع، فهو يعتبر في ذاته عملاء مشروع، وبالتالي يرتبط التدليس بنظرية المسئولية التقصيرية بإعتباره عملاً مشروع، فإنه يوجب على الطرف المدلس تعويض الطرف الآخر.

 - الفرق بين التدليس والغش :

يتميز التدليس عن الغش في أن التدليس يصيب الإرادة عند تكوين العقد، فهو الذي يدفع إلى التعاقد أما الغش فهو كل تضليل أو خدعة تقع في غير هذه الح ويحصل إضراراً بحق مكتسب، كأن يقع مثلاً أثناء تنفيذ العقد .

- شروط التدليس :

يبين من نص المادة (125) أنه يشترط للتدلیس توافر ثلاثة شروط هي :

1- استعمال طرق احتيالية.

2- أن تكون الطرق الاحتيالية هي الدافع إلى التعاقد.

3- أن تصدر الطرق الاحتيالية من المتعاقد الآخر أو نائبه، أو من الغير إذا كان المتعاقد الآخر يعلم أو كان من المفروض عليه حتماً أن يعلم بهذا التدليس.

ونعرض لهذه الشروط بالتفصيل فيما يلي :

الشرط الأول : 

استعمال طرق احتيالية :

يشترط لقيام التدليس أن تستعمل طرق احتيالية تولد الغلط في ذهن المتعاقد فتخفي الحقيقة .

ويقوم هذا العمل من جانب المدلس على عنصرين :

عنصر مادي و عنصر معنوي، نعرض لهما فيما يلي.

العنصر الأول : العنصر المادي :

العنصر المادي هو لجوء المدلس إلى حيل لإخفاء الحقيقة. 

والحيل هي الأدوات أو الوسائل التي يقوم بها المدلس لكي يصل إلى تضليل المتعاقد وهذه الحيل لا يمكن حصرها أو تعدادها فهي تختلف باختلاف الخادع والمخدوع، الأول من حيث دهائه والثاني من حيث غبائه.

فقد تكون هذه الحيل باصطناع المدلس لمستندات أو محررات مزورة أو انتحال شخصية أو صفة رجل آخر أو الظهور بمظهر اليسار أو تقديم كشوف حساب مزورة من البنك .

وهذا كله وغيره يصلح حيلة في القانون الجنائي يتوافر بها جريمة النصب حيث يشترط أن تكون الطرق الاحتيالية عنصراً مستقلاً يؤيد الكذب ومن باب أولى يصلح حيلة في التدليس المدني غير أنه لا يشترط في التدليس المدني أن تكون الطرق الاحتيالية عنصراً مستقلاً يؤيد الكذب ، فقد يكون الكذب وحده أو مجرد الكتمان - كما سنرى - كافيا لتكوين التدليس المدني إذ العبرة في هذا الشأن بأن تكون الطريقة التي لجأ إليها المدلس قد خدعت المتعاقد فدفعته إلى التعاقد.

والمعيار هنا شخصي وليس موضوعي أي ينظر إليه من خلال ذات الشخص الذي وجهت إليه الحيلة بقصد تضليله، فإذا كان التدليس قد انطلى عليه، اعتبر التدليس قائماً، حتى لو كان من شأنه ألا ينطلي على غيره من الناس.

ولكن ينبغي مع ذلك أن تصل الحيلة إلى حد معقول من الجسامة بالقدر الذي يمكن معه أن تعتبر حيلة، فأحكام التدليس لا تحمي المفرطين في البساطة والسذاجة، وإنما أمثال هؤلاء قد يكون لهم أن يجدوا الحماية القانونية في نظام الحجر للغفلة أو في نظام استغلال الطيش البين .

ومعيار الحد المعقول من الجسامة الذي يلزم أن تتصف به الحيلة حتى تصل إلى مرتبة التدليس، هو تجاوز الأمور العادية المألوفة في التعامل، فإذا كانت الحيلة قد تجاوزت الأمور العادية المألوفة في التعامل بين الناس أمكن لها أن تصل إلى مرتبة التدليس، وإلا فلا .

ويراعى في هذا المعيار ظروف المتعاقد كسنه وجنسه ودرجة تعليمه وغير ذلك .

والتدليس الصادر من قاصر لا يكفي فيه كتمان سبب نقص أهليته، بل ولا كذبه بقوله أنه بالغ .

العنصر الثاني : العصر المعنوي

يجب أن يكون استعمال المدلس للحيل بنية التضليل للوصول إلى غرض غير مشروع إذا لم توجد نية التضليل فلا يكون هناك تدليس كما في حالة التاجر الذي يمتدح بضاعته، حتى لو وصل إلى حد الكذب، لأن هذا مقصود به الترويج للبضاعة لا تضليل، فوق أنه مألوف في التعامل كما ذكرنا سلفاً .

واذا توفرت نية التضليل فلا يكون هناك تدليس إلا إذا كان المراد من التضليل هو الوصول إلى غرض غير مشروع، أي حمل المتعاقد على إبرام تصرف لا يتفق مع مصلحته فإذا كان الغرض مشروعاً فلا يقوم التدليس كما لو تبين المودع أن المودع عنده غير أمين فاستعمل طرقاً احتيالية للحصول منه على إقرار بالوديعة .

الشرط الثاني

أن يكون التدليس هو الدافع إلى التعاقد

يجب أن يكون التدليس هو الذي دفع المتعاقد الآخر إلى التعاقد، بمعنى أن تكون الحيل قد أوجدت في نفسه هذا الوهم فحملته على التعاقد.

والمعيار هنا معيار شخصى، فيرجع إلى حالة المدلس لمعرفة مبلغ ما أحدثته الحيلة في إرادته هو بالذات، وهل هي التي حملته على التعاقد أم لا.

ولا شك أن الناس تختلف من حيث تأثرها بالحيلة اختلافاً بيناً، فالجاهل تسهل خديعته أكثر من المتعلم، والمرأة أكثر من الرجل، وذات الحجاب أكثر من السافرة، كما أن صلة القرابة أو الصداقة بما تولد من ثقة قد تسهل التدليس وقاضي الموضوع هو الذي يقضي في ذلك بغير رقیب .

التدليس غير الدافع

يفرق بعض الفقهاء بين التدليس الدافع، أي التدليس الذي أوجد في نفس المتعاقد الآخر الوهم، فحمله على التعاقد، وهذا التدليس الدافع يجعل العقد قابلاً للإبطال، وبين التدليس غير الدافع، وهو الذي لا يدفع إلى التعاقد، وإنما يؤدى إلى قبول التعاقد بشروط أبهظ، أي يجعل العقد أثقل عبئاً دون أن يكون هو الذي حمل على التعاقد، وهذا التدليس في رأيهم لا يجعل العقد قابلاً للإبطال وإنما يقتصر أثره على إعطاء الحق في المطالبة بالتعويض طبقا لقواعد المسئولية التقصيرية ومثال ذلك أن يقدم بائع العقار إلى المشتري عقود إيجار مصطنعة کي يوهمه أن ريع العقار مرتفع، فإذا أدى هذا بالمشتري إلى دفع ثمن أعلى مما كان يدفعه لو علم بحقيقة الأمر حق له أن يطلب تعويضاً من البائع هو مقدار الزيادة في الثمن الذي ترتبت على هذه الحيلة ولكن لا يجوز له طلب إبطال العقد.

إلا أن الرأي الراجح لا يأخذ بهذه التفرقة، تأسيسا على أن التدليس الذي يغرى على التعاقد بشروط أبهظ هو تدليس دفع إلى التعاقد بهذه الشروط، ولا يمكن فصل الإرادة في ذاتها عن الشروط التي تحركت الإرادة في دائرتها. فالتدليس هنا أيضا يعيب الإرادة، والعاقد المخدوع بالخيار بين أن يبطل العقد أو أن يستبقيه مكتفيا بتعويض عما أصابه من الضرر بسبب التدليس وهو إذا اختار الإبطال بقي في دائرة العقد، وإذا اختار التعويض انتقل إلى دائرة المسئولية التقصيرية.

وكل تدليس له هذان الوجهان، سواء في ذلك ما سمي بالتدليس غير الدافع وما سمى بالتدليس الدافع.

الشرط الثالث :

أن تصدر الطرق الاحتيالية من المتعاقد الآخر أو نائبه، أو من الغير إذا كان المتعاقد الآخر يعلم أو كان من المفروض عليه حتما أن يعلم بهذا التدليس :

وسنكتفي هنا بتناول التدليس الذي يصدر من المتعاقد الآخر أو من نائبه، أما التدليس الذي يصدر من الغير فنرجئ الحديث عنها إلى شرح المادة التالية.

فالطرق الاحتيالية كما تصدر من المتعاقد الآخر، يجوز أن تصدر من نائبه، سواء كان نائباً قانونياً كالولي والوصي والقيم أو قضائياً كالحارس القضائي أو أمين التفليسة أو اتفاقياً كالوكيل.

غير أن الفقه يتوسع في معنى النائب - في هذا المجال - ليشمل كل من يعمل لصالح المتعاقد الآخر أو يعاونه بتكليف منه، كالسمسار الذي يكلفه بالعمل على إجراء الصفقة وكتابعه الذي يعمل لحسابه.وأنه لا صعوبة بالنسبة إلى السمسار المكلف.

فما دام العاقد قد لجأ إليه وكلفه بإبرام الصفقة، فإنه يتحمل نتيجة ما يلجأ إليه من الغش والخديعة بالنسبة إلى إبطال العقد، اعتباراً بأنه في حكم نائبه أما بالنسبة إلى التابع، فالأسر أكثر سهولة، لأن المتبوع إن لم يسأل عن تدليس تابعه باعتباره في حكم نائبه إعمالاً للمادة 1 / 125 فإنه يمكن مساءلته عنه وإبطال العقد بسببه، تأسيساً على مسئولية المتبوع التقصيرية عن فعل تابعه (م174)، اعتباراً بأن الإبطال هنا يتمثل تعويضا عينيا مناس عن الضرر الذي يلحق العاقد المدلس عليه .

 - إثبات التدليس :

يقع عبء إثبات التدليس من المتعاقد الآخر أو من نائبه أو علمه أو افتراض علمه به إذا كان واقعاً من الغير - كما سنرى في شرح المادة التالية - على عاتق المتعاقد المدلس عليه والذي يتمسك بإبطال العقد .

ويجوز إثبات التدليس بكافة طرق الإثبات بما في ذلك البيئة والقرائن، حتى لو كان العقد المطعون فيه بالتدليس مكتوباً لأن التدليس واقعة مادية.

ووقوع التدليس مسألة موضوعية، لقاضي الموضوع فيها الرأى النهائي ولكن الوصف القانوني لوقائع التدليس مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض، وذلك كالبت فيما إذا كان مجرد الكذب أو الكتمان يكفي للتدليس، وفيما إذا كان التدليس الصادر من الغير يؤثر في صحة العقد - كما سنرى.

أثر التدليس :

إذا توافرت في التدليس الشروط التي بيناها فيما سلف، أنتج التدليس أثره ويتركز هذا الأثر في جعل العقد الذي يقوم على أساسه قابلاً للإبطال لمصلحة المدلس عليه، على النحو الذي سنبينه عند دراسة البطلان.

وإذا كان التدليس يشوب الرضا ويجعل العقد قابلاً للإبطال، فإن ذلك لا يمنع من أنه يعتبر في ذاته عملاً غير مشروع ممن وقع منه ومخولاً ضحيته على هذا الأساس الحق في تعويض الضرر الناجم له عنه، إن كان لهذا التعويض محل.

ويستطيع المدلس عليه أن يجمع بين طلب الإبطال والتعويض متى ثبت أن ضرر لا يمكن رفعه بمجرد إبطال العقد كما يجوز للمدلس عليه أن يكتفي بطلب تعويض دون الإبطال، فالحق في الإبطال مقرر لمصلحته فلا يجوز للمتعاقد أن يتمسك به.

حالة تعدد المتعاقدين ووقوع التدليس من أحدهم :

إذا كان المتعاقدون أكثر من اثنين واستعمل أحدهم وحده الغش على آخر منهم ولم يكن للباقين دخل في التدليس فإنه لا يمكن أبطال العقد إذا كان إبطاله يضر بالعاقدين من ليس لهم دخل في التدليس فإذا رضي شخص بعقد شركة بناء على تدليس وقع حد الشركاء وحده وبغير علم الباقين فلا يجوز له أن يطلب إبطال العقد فقط يجوز طلب التعويض ممن صدر منه الغش، ولكن من رأى بعض الشراح أنه يصح إبطال العقد بسبب الغش ولو بالنسبة لمن لم يشترك في التدليس لأن الشخص المذكور باختياره الإشتراك في العقد مع غيره يجب أن يتحمل النتائج المترتبة على عمل من اشترك معه. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/ 298)

ويستخلص من هذه النصوص أن للتدليس عنصرين : 1 – استعمال طرق احتيالية ، وهذا هو العنصر الموضوعي . 2 – تحمل على التعاقد ، وهذا هو العنصر النفسي ، وهذان العنصران كافيان ، ولا أهمية بعد ذلك لما إذا كان التدليس قد صدر من أجل المتعاقدين أو من الغير.

– استعمال طرق احتيالية : الطرق الاحتيالية تنطوي على جانبين : جانب مادي هو الطرق المادية التي تستعمل للتأثير في إرادة الغير ، وجانب معنوي هو نية التضليل للوصول إلى غرض غير مشروع .

فالطرق المادية لا تقتصر عادة على مجرد الكذب ، بل كثيراً ما يصحب الكذب أعمال مادية تدعمه لإخفاء الحقيقة عن المتعاقد ، ويجب أن تكون هذه الأعمال كافية للتضليل حسب حالة كل متعاقد ، فالمعيار هنا ذاتي .

والأمثلة كثيرة : فهناك شركات وجمعيات تتخذ لها من مظاهر الإعلان ما لا يتفق مع حقيقتها لتخدع الناس في أمرها وهناك أفراد يظهرون بمظهر اليسار والسعة أو يتخذون لأنفسهم صفات منتحلة وهناك من يخفى المستندات ، ومن يصطنعها ، ومن يزور فيها ، حتى يحمل الغير على التعاقد معه على الوجه الذي يريد ولا يكفي مجرد المبالغة في القول ولو وصلت المبالغة إلى حد الكذب ما دام أن ذلك مألوف في التعامل ، كالتاجر يروج لبضاعته فينتحل لها أحسن الأوصاف  .

على أنه لا يشترط في التدليس المدني أن تكون الطرق الاحتيالية مستقلة عن المكذب ، قائمة بذاتها ، كما يشترط ذلك في النصب الجنائي ففي بعض الأحوال يكفي الكذب ذاته طريقة احتيالية في التدليس فالمهم إذن في الطرق الاحتيالية ليس إنها طرق مستقلة تقوم بذاتها لتسند الكذب ، بل أن يكون المدلس قد ألبس على المتعاقد وجه الحق فحمله على التعاقد تضليلاً ، واختار الطريق الذي يصلح لهذا الغرض بالنسبة إلى هذا المتعاقد فمن الناس من يصعب التدليس عليه فتنصب له حبائل معقدة ، ومنهم من يسهل غشه فيكتفي في التدليس عليه بمجرد الكذب .

بل قد يكون التدليس عملاً سلبياً محضاً، فيكفي مجرد الكتمان طريقاً أحتيالياً، والأصل أن الكتمان لا يكون تدليساً ، إلا أن هناك أحوالاً يكون فيها أمر من الأمور واجب البيان ، فيلتزم المتعاقد الذي يعلم هذا الأمر بالإفضاء به ، ويعد تدليساً منه أن يكتمه، وتارة يكون الالتزام بالإفضاء مصدره نص في القانون، وطوراً يكون مصدره الاتفاق الصريح، ولكن في كثير من الأحيان يكون المصدر هو هذه القاعدة القانونية العامة التي تقضي بعدم جواز الغش ، وذلك بأن يستخلص من الظروف أن امراً هاماً يؤثر في التعاقد إلى درجة كبيرة ، ويدرك أحد المتعاقدين خطراً ، ويعرف أن المتعاقد الآخر يجهله ، ومع ذلك يكتمه عنه ، فيحمله بذلك على التعاقد.

" يعتبر تدليساً السكوت عمداً عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة " .

ومن ذلك نرى أن الكتمان يكون تدليساً إذا توافرت الشروط الآتية في الأمر الذي بقى مكتوماً : ( 1 ) أن يكون هذا الأمر خطيراً بحيث يؤثر في إرادة المتعاقد الذي يجهله تأثيراً جوهرياً ، ( 2 ) أن يعرفه المتعاقد الآخر ويعرف خطره ، ( 3 ) أن يتعمد كتمه عن المتعاقد الأول ، ( 4 ) ألا يعرفه المتعاقد الأول أو يستطيع أن يعرفه من طريق آخر، وأكثر ما يكون الكتمان تدليساً في عقود التأمين. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/  الأول الصفحة/ 423)

 

والتدليس هو غلط يقع فيه شخص لأن آخر ضلله بطرق احتيالية ( المادة 125 مدنی ) ، وهو كالغلط يعيب الإرادة إذا كان هو الدافع لها ومثل ذلك أن يصطنع شخص أوراق يقع بها آخر بأن الحكومة ستشق شارعاً معيناً أو مصرفاً معيناً ويحمله بذلك على شراء قطعة أرض تقع على هذا الشارع أو المصرف المزعوم .

ويزيد التدليس على الخط بأنه يكون مصحوباً بطرق احتيالية .

ولذلك يكون اثباته أيسر من الثبات الغلط البسيط ، إذ أن الغلط حالة نفسية يصعب إثباتها، أما الطرق الاحتيالية فهي وقائع ملموسة لا يبلغ إثباتها هذا الحد من الصعوبة . (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقص، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الاول الصفحة/ 884)

 والمقصود بالتدليس في هذين النصين ايقاع العاقد بطرق احتيالية في غلط يدفعه إلى التعاقد ففيه من جهة غلط وقع فيه أحد العاقدين ، ومن جهة أخر طرق احتيالية استعملها العساند الآخر أو أستعملها غيره بعلمه إيقاع الأول في الغلط فالتدليس يفسد رضا العاقد المدلس عليه بسبب ما أوجده في ذهنه من غلط دفعه إلى التعاقد ، وهو فوق ذلك يعتبر عملاً غير مشروع من المدلس يستوجب جزاء آخر فوق ابطال النقد  فيترتب عليه إلزام المدعي بتعويض ما سببه للمدلس عليه من ضرر .

ويبين من النصين سالفي الذكر أن التدليس يعيب الرضا إذا توافرت فيه ثلاثة شروط : 

1 - استعمال طرق احتيالية بقصد التحايل وهو ما يعتبر في ذاته عملاً غير مشروع .

2 - أن يكون استعمال تلك الطرق ماصلاً من المعاهد الآخر (حسب القانون الفرنسي ) ، أو على الأقل أن يكون ذلك العاقد الآخر، عالم به أو من المفروض حتما أن يعلم به ( حساب القانون المصرى ) .

3- أن يكون التضليل الناشئ ، عن استعمال هذه الطرق الاحتيالية هو الدافع الى التعاقد .

الشرط الأول : استعمال طرق احتيالية - الطرق الاحتيالية هي وسائل مادية تتخذ لتضليل العاقد فهي تتكون من عنصرين أحدهما مادي والآخر معنوي .

(أ) فالعنصر المادي يتكون من أعمال مادية من شأنها أن تولد في ذهن العاقد صورة تخالف الواقع أو أن تؤيد في ذهنه مثل هذه الصورة، ويشمل ذلك كل المظاهر الكاذبة التي لا تطابق الواقع ، كالتظاهر بالوجاهة واليسار ، واتخاذ صفة منتحلة كصفة المحضر أو ضابط البوليس أو محصل عوائد الأملاك البنية الخ ، واصطناع أوراق أو مستندات كعقود إيجار أو كشوف حسابات من البنوك أو بطاقة تحقيق شخصية الخ، وتصوير شركات وهمية لا وجود لها .. ويستوي في ذلك أن تكون تلك الأعمال مشروعة في ذاتها أو غير مشروعة وإنما لابد أن يكون التجاء المدلس اليها بقصد تضليل الطرف الآخر العمله على ابرام عقد لغير صالحة وهو ما يشكل عملاً غير مشروع وإن لم يصل الى مرتبة النصب المعاقب عليه جنائياً .

و الأمل أن مجرد الكذب ولو في صاحية التأكيد لا يعتبر في ذاته من الطرق الاحتيالية ، كما إذا بالغ التاجر في وصف، مزایا بضاعته أو تظاهر البائع للمشتري بأنه كامل الأهلية خلافاً للحقيقة، غير أنه يعتبر من الطرق الاحتيالية إذا قرر الكاذب بيانات خاصة بأمور معينة يعلم أن الطرف الآخر يعلق عليها أهمية خاصة في التعاقد ، كما إذا اشتريت خوذة قرر لي البائع أنها من الصلب في حين أنها من الحديد العادي ومع علم البائع أني أعلق أهمية كبيرة على أن تكون الخوذة من الصلب لا من الحدية ، وكما إذا كذب المؤمن عليه في البيانات التي طلب إليه أن يدلى بها الى المؤمن ، فأظهر له المخاطر التي يتعرض لها بأنها أقل من الواقع .. وقضت محكمة النقض الفرنسية أن مجرد الكذب يمكن أن يعتبر تدليساً بل إن مجرد الكتمان قد يعتبر في بعض الحالات من الطرق الاحتيالية فهو وإن كان - کالكذب - الأصل فيه ألا يعتبر كذلك ، إلا أن هناك أحوالاً يكون فيها أمر من الأمور واجب البيان على من يعلم به لأن ظهوره من شأنه أن يجعل ارادة العاقد الآخر تتجه اتجاها غير الذي اتجهت إليه في التعاقد ، ويعتبر کتمان هذا الأمر فيها من قبيل الطرق الاحتيالية .

 وينشأ واجب العاقد في الأثناء بالمعلومات التي تكون لديه لما ينص في القانون وانا بسبب طبيعة العقد حيث يفترض العقد وجود شقة خاصة فيما بين عاقديه.

 فالقانون يلزم البائع مثلاً أن يذكر ما في المشي من عيوب خفية ويلزم المحيل، أن يذكر ما حدث في تأمينات الحق المحال من نقص ، فان سكت البائع أو المحيل عن ذكر ذلك اعتبر کتمانه اياه من قبيل الطرق الاحتيالية ، وطبيعة عقد التأمين مثلاً توجد على المؤمن عليه أن يحيط المؤمن علماً بجميع ظروفه التي من شأنها أن تزيد احتمال تحقق المخاطر المؤمن ضدها كوجود مرض وراثي في الأسرة أو وجود مصنع سري لمواد سريعة الالتهاب كالكحول أو البترولي قابلة للانفجار الخ .

وفي قضاء الحاكم الفرنسية إتجاه إلى الاعتراف بوجود التزام على العاقد بالإدلاء إلى المتعاقد معه ببعض المعلومات التي من شأنها أن تؤثر في قبول هذا الأخير التعاقد والي اعتبار كتمانه هذه المعلومات من العقد الأخير تدليساً .

ويجب فوق ذلك في اعتبار الكتمان تدلين ما أن يرد على أمر غير معلوم للمدلس وغير ممكن علم الأخير به من غير طريق الذي كتمه ، لأنه إن كان معلوماً له فلا يكون ثمة غلط ولا تدليس ولا تضليل ، وان كان يستطيع أن يعلم به فإنه يكون مقصراً وملوماً لعدم العمل على الإحاطة به .

 أما الركن المعنوي في استعمال الطرق الاحتيالية فهو نية التضليل توصلاً الى غرض غير مشروع ولذلك اعتبر التدليس عملاً غير مشروع يوجد، مسئولية فاعله عما يسببه للمتعاقد معه من أضرار .

فاذا انعدمت نية التضليل لم يتوافر التدليس ، كما في حالة التاجر الذي يجتهد في إبراز محاسن سلعة ولو بالغ في ذلك ، اذ أنه لا يقصد التضليل وإنما يقصد مجرد ترغيب العملاء في الشراء.

واذا وجدت نية التضليل وكان المقصود غرضاً مشروعاً ، فلا يعتبر ذلك استعمال طرق احتيالية أو تدليساً ، كالمودع يستعمل طرقاً احتيالية لاسترداد وديعة له عند شخص غير أمين أما اذا استعملت وسائل مادية بقصد تضليل شخص لابتزاز المال منه دون حق، كان ذلك تدليساً .

وتستقل محكمة الموضوع باستظهار عنصري التدليس من وقائع الدعوى ولا تخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض ، ولكن لا يجوز لها أن تكتفي بأحد العنصرين دون الآخر ، فإذا أخذت بالتدليس مع انعدام نية التضليل ، فان حكمها يكون قابلاً للنقض ولأن تقدير عنصری التدليس يعتبر مسألة موضوعية خانه لا يجوز، إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .

الشرط الثاني : صدور التدليس من العاقد الآخر أو علمته به على الأقل - لسنين من يعين من نص المادة 1116 فرنسي أن المشرع الفرنسي يشترط أن يكون التدليس صادراً من المعاهد الآخر ولا يعتبر التدليس الصادر من الغير سبباً كافياً لجعل العقد قابلاً للإبطال .

 وقد علل الفقه ذلك بأنه إذا صدر التي ليس من الغير خلا ذنب في ذلك للعاقد الآخر وليبين من المعدل أن يجزي هذا، بطلان العقد لذنب اقترفه غيره ،  وبأن للعاقد المخدوع أن يرجع على الخير الذي صدر عنه التدليس بتعويض عما أصابه من الضرر بسبب هذا التدليس طبقاً القواعد العامة . 

غير أنه اعترض على ذلك بأن التدليس إنما يبطل العقد بسبب ما يحدثه من أثر في نفس العاقد ، ويقطع النظر عن مصدره : فسواء كان صادراً من العاقد الآخر أو صادرة من الغير ، فان أثره في النفس واحد ، وهو بالفساد الرضا ، وينبغي أن يكون حكمه واحداً في الحالين وقد راعى المشرع الفرنسي ذاته ذلك فيما يتعلق بالإكراه فلم يميز بين الإكراه الصادر من العامة الآخر والإكراه الصادر من الغير.

وقد حملت هذه الاعتراضات المحاكم الفرنسية على أن تضيق في تفسير نص المادة 1116 المذكورة فقصرت تطبيقها على العقود دون الأعمال القانونية الأخرى كالوحية والاقرار ، استناداً إلى أن النص لم يذكر سوي العقود ، ثم استبعدت تطبيق هذا النص على الهبات ، أي أنها قضت بأن التدليس يبطل الهبات سواء صدر من المتعاقد الآخر أو من غيره ، وبررت ذلك بأن السبب في عقد الهبة هو نية المتبرع ، وبأنه يجب لذلك أن تتمخض الهبة عن نية تبرع خالصة فإذا داخلها تدلیس ولو كان صادراً من النمير أغسيد ذاك الرضا وجعل الهيئة قابلة للإبطال  .

 والظاهر أن المشرع المصرى تأثر عند وضع التقنية الملغي بما وجه التي نص القانون الفرنسي من نقد، نص في المادة 196/136  في أصلها الفرنسي على أن « التدليس يعيب الرضا اذا كانت الحيل المستعملة ضد المتعاقد جسيمة بحيث أنه لولاها لما رضي غير أن الترجمة العربية لهذا النص ذكر فيها « الحيل المستعملة له من المعاقد الآخر ، أي أنه اشترط أن يكون التدليس الذي يترتب عليه . إبطال العقد صادراً من العاقد الآخر ، خلافاً للأصل الفرنسي الذي يتمتع لشمول التدليس الصادر من الغيرة و ازاء ذلك انقسم الفقه و القضاء في هذا الشأن ، وتبين أن يهمهم التقنين الجديد هذا الخلاف .

ويبين من نص المادة 125 فقرة أولى أن المشرع اشترط في الأصل في التدليس أن يكون صادراً من أحد العاقدين ، ثم عرض في المادة 126 التدليس الصادر من الغير ورتب عليه أثره في جعل العقد قابلاً للإبطال بشرط أن يثبت المدلس عليه أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا التدليس.

الشرط الثالث : كون التدليس دافعاً إلى التعاقد - ويشترط أن يكون التدليس هو الدافع الى التعاقد بحيث لولاه لما رضي المدت عليه بالعقد.

وهذا التدليس الدافع هو الذي يفيد الرضا وهذا التدلي ويجعل العقد قابلاً للأبطال ، ويميز الشراح عادة بينه وبين التدليس غير الدافع أي الذي لا يكون هو الذي حمل العاقد على التعاقد بل اقتصر أمره على حمل التعاقد على قبول شروط اشد مما كان يقبلها لولاه ، ولا يعتبرون الأخير مفيداً للرضا أو مؤدياً إلي إبطال العقد وإنما يقصرون أثره على الزام المدلس بتعويض المدلس عليه عما أصابه من ضرر بسبب التدليس .

ويرى الفقه الحديث أن لا محل لهذه التفرقة لعدم إمكان الفصل بين قبول التعاقد ذاته وبين قبوله بشروط معينة ، ولأن الرضا إنما يرد على عقد معين بشروط مخصوصة ، فإما أن تكون الارادة في اتجاهها الى هذا العقد بشروطه سليمة ، فيقع العقد صحيحاً ، وإما أن تكون مضللة فيكون العقد قابلاً للإبطال سواء كان التضليل دافعاً إلى التعاقد ذاته أو الى قبول شروط أبهظ .

على أنه حتى اذا كانت التفرقة بين نوعي التدليس ممكنة في الواقع ، فإن التدليس الذي يعمل على قبول شروط أشد يمكن اعتباره فعلاً ضاراً غير مشروع، واذن يترتب عليه التزام المدلس بالتعويض .

ولأن خير تعویض هو التعويض الميني فيمكن الحكم اما بإبطال العقد على سبيل التعويض العيني وأما بصحة العقد مع التخفيف من شروطه الباهظة أو مع تعويض نقدي للمدلس عليه .

ومثل ذلك أن يطلع بائع العقار المشتري على عقود ايجار مصطنعة ليوهمه أن ريع العقار مرتفع ويحمله على شرائه بثمن عال أو أن يتفق من يعرض شيئاً في مزاد علني مع شخص آخر على أن يتقدم في هذا الزاده بعطاءات وهمية ليحمل المزايين الحقيقيين على رفع عطاءاتهم فإذا نجحت الحيلة وقبل المشتري أو اندفع أحد هؤلاء المزايدين إلى الثراء بثمن أعلى مما كان هو أو غيره مشتری به مثل هذا الشيء لولا هذه الخدعة ، جاز له أن يتملك بما  شاب رضاه من تدليس ليبطل العقد أو ليحصل على تعويض يتمثل في نقص الثمن. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقص، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني  الصفحة /  379)

المقصود بالتدليس : استعمال شخص طرقاً احتيالية لايقاع شخص آخر في غلط يدفعه إلى التعاقد سواء معه أو مع الغير، ومن ثم فهو يشتبه بالغلط ولذلك قبل أن الغلط كعيب من عيوب الرضا هو الغلط التلقائي، في حين أن التدليس هو الغلط الناشئ عن الحيل (يراجع الشرقاوي في بندي 26، 30)، ويغرق البعض بين التدليس وبين الغش حيث يرى أن الغش عمل يعمد إليه الشخص بقصد الإضرار بحقوق سابقة فهو يعد تكوين العقد في حين أن التدليس يقع أثناء تكوين العقد (حجازی بند 451) ولكن البادي من أحكام محكمة النقض حسبما سنعرض لها انها لا تعرف هذه التفرقة وواضح مما تقدم أنه حتى يتوافر المقصود بالتدليس يتعين أن تتوافر ثلاثة شروط أولها الاحتيال أو الطرق الاحتيالية وثانيها أن يكون الاحتيال مؤثراً بحيث يكون هو الذي دفع من وقع عليه التدليس إلى التعاقد وثالثها اتصال الطرف الآخر في التعاقد بالتدليس (يراجع في تفصيل ذلك السنهوري بند 179 وما بعده - حجازی بند 541 وما بعده - الشرقاوي بند 30 - مرقس بند 180 و ما بعده)  .

شروط الاحتيال : يتكون الاحتيال من عنصرين أولهما مادي والآخر معنوي ويتمثل العنصر المادي في أعمال مادية من شأنها أن تولد في ذهن العاقد صورة تخالف الواقع أو ان تؤيد في ذهنه مثل هذه الصورة، ولا يشترط في هذه الأعمال شروط خاصة فكل ما يقع من أفعال أو أقوال يترتب عليها وقوع شخص في غلط جوهري يعد من الوسائل التدليسية لكن يجب أن تكون هذه الأعمال كافية لتضليل حسب حالة كل متعاقد ای أن المعيار في هذا الصدد معيار ذاتي ينظر فيه إلى شخص من وقع عليه التدليس ، والمقصود بوسائل الأحتيال في هذا الصدد أوسع من المقصود بالطرق الاحتيالية التي يلزم توافرها لقيام جريمة النصب في القانون الجنائي حيث يشترط أن تكون مستقلة بذاتها عن الكذب إذ في التدليس وإن كان الأصل إلا يعتبر الكذب مجرداً من الطرق الاحتيالية كما لو بالغ العاقد في وصف مزايا بضاعته غير أنه قد يكفي بذاته لتكوين الطرق الاحتيالية وذلك في الحالة التي ينصب فيها على بيانات معينة يعلم المدلس أن المدلس عليه يعلق عليها أهمية خاصة كما لو كذب المؤمن عليه في شأن البيانات المتعلقة بالخطر المؤمن عليه وقد يتوافر التدليس بمجرد الكتمان كما لو انصب على أمور يلتزم المتعاقد مع المدنس عليه بالإفصاح عنها سواء كان مصدر هذا الالتزام هو القانون كالشأن في المادة 764 مدني أو بموجب طبيعة العقد ، وقد يستخلص واجب الإفشاء من القاعدة العامة التي تقضي بعدم جواز الغش غير أنه يشترط في الكتمان أن ينصب على أمر يجهله المدلس عليه ولا يستطيع العلم به إلا عن طريق العاقد الآخر، أما العنصر المعنوي في الاحتيال فهو نية التضليل بقصد الوصول إلى غرض غير مشروع فاذا انعدمت نية التضليل أو وجدت ولكن بقصد الوصول إلى غرض مشروع تخلف العنصر المعنوي في الاحتيال فلنتفی المقصود بالتدليس (يراجع في ذلك كله السنهوري بند 181 - مرقس بند 186 - الشرقاوي بند 33 - حجازی بند 455).

شرط أن يكون التدليس هو الدافع إلى التعاقد : وهذا الشرط الثاني الذي يعبر عنه بالعنصر الشخصي بأن تكون الوسائل الاحتيالية هي الدافعة إلى التعاقد بحيث لولاها لما ابرم المدلس عليه العقد، وتقدر جسامة تلك الوسائل وأثرها بمعيار ذاتی يعتد بحالة المدلس عليه من حيث سنه وجنسه وذكائه وخبرته وظروف الحال فالعبرة بعيب الرضا الذي ولدته تلك الوسائل لدى من وقعت عليه فإذا توافر فيه معنی الغلط الجوهري الدافع إلى التعاقد توافر المقصود بالتدليس سواء انصب على أصل التعاقد أم انصب على أحد شروط العقد ، ولذلك فليس هناك محل للتفرقة التي قال بها البعض بين التدليس الدافع والتدليس العارض أو غير الدافع وهو الذي وان كان لم يحمل المدلس عليه على قبول التعاقد إلا أنه أغراه بقبول شروط أكثر وطأة إذا الصحيح أن الإرادة معيبة في الحالين ويكون المدلس عليه بالخيار بين طلب إبطال العقد وبين الاكتفاء بطلب التعويض على أساس المسئولية التقصيرية السنهوري بند 182 - اسماعيل غانم بند 108- مرقس بند 209- وقارن الشرقاوي بند 33 وهامشه - وحجازی بند 457 - وحمد عبد الرحمن ص 273 حيث يرون قصر حق المدلس عليه في حالة التدليس غير الدافع أو العارض على التعويض دون الحق في الأبطال .

واستخلاص عناصر التدليس من سلطة محكمة الموضوع .

ضرورة اتصال المتعاقد بوقائع الغش وان لم يلزم التحاصر الزمني. 

قاعدة الغش يبطل التصرفات .

والتمسك بالتدليس دفاع موضوعى فيتعين ابداؤه أمام محكمة الموضوع والتي تستقل باستخلاص عناصره الواقعية و تقدير ثبوت الوقائع التي يستند إليها ، أما ما تستخلصه من حيث اعتباره حيلة، وغير مشروعة فتخضع فيها لرقابة محكمة النقض  .

 ولا يؤثر التدليس والتواطؤ على اسبقية التسجيل . (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 766)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي عشر ، الصفحة /  126

تَدْلِيسٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - التَّدْلِيسُ: مَصْدَرُ دَلَّسَ، يُقَالُ: دَلَّسَ فِي الْبَيْعِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ: إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ عَيْبَهُ.

وَالتَّدْلِيسُ فِي الْبَيْعِ: كِتْمَانُ عَيْبِ السِّلْعَةِ عَنِ الْمُشْتَرِي.

قَالَ الأْزْهَرِيُّ: وَمِنْ هَذَا أُخِذَ التَّدْلِيسُ فِي الإْسْنَادِ  .

وَهُوَ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ كِتْمَانُ الْعَيْبِ.

قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ: كِتْمَانُ عَيْبِ السِّلْعَةِ عَنِ الْمُشْتَرِي.

وَعِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَدْلِيسُ الإْسْنَادِ . وَهُوَ: أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ لَقِيَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، مُوهِمًا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ، أَوْ عَمَّنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يَلْقَهُ مُوهِمًا أَنَّهُ لَقِيَهُ أَوْ سَمِعَهُ مِنْهُ.

وَالآْخَرُ: تَدْلِيسُ الشُّيُوخِ. وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ شَيْخٍ حَدِيثًا سَمِعَهُ مِنْهُ فَيُسَمِّيهِ أَوْ يُكَنِّيهِ، وَيَصِفُهُ بِمَا لَمْ يُعْرَفْ بِهِ كَيْ لاَ يُعْرَفَ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْخِلاَبَةُ:

2 - الْخِلاَبَةُ هِيَ: الْمُخَادَعَةُ. وَقِيلَ: هِيَ الْخَدِيعَةُ بِاللِّسَانِ .

وَالْخِلاَبَةُ أَعَمُّ مِنَ التَّدْلِيسِ؛ لأِنَّ هَا كَمَا تَكُونُ بِسَتْرِ الْعَيْبِ، قَدْ تَكُونُ بِالْكَذِبِ وَغَيْرِهِ.

ب - التَّلْبِيسُ:

3 - التَّلْبِيسُ مِنَ اللَّبْسِ، وَهُوَ: اخْتِلاَطُ الأْمْرِ. يُقَالُ: لَبَّسَ عَلَيْهِ الأْمْرَ  يُلَبِّسُهُ لَبْسًا فَالْتَبَسَ. إِذَا خَلَطَهُ عَلَيْهِ حَتَّى لاَ يَعْرِفَ جِهَتَهُ، وَالتَّلْبِيسُ كَالتَّدْلِيسِ وَالتَّخْلِيطِ، شُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ .

وَالتَّلْبِيسُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنَ التَّدْلِيسِ؛ لأِنَّ  التَّدْلِيسَ يَكُونُ بِإِخْفَاءِ الْعَيْبِ، وَالتَّلْبِيسُ يَكُونُ بِإِخْفَاءِ الْعَيْبِ، كَمَا يَكُونُ بِإِخْفَاءِ صِفَاتٍ أَوْ وَقَائِعَ أَوْ غَيْرِهَا لَيْسَتْ صَحِيحَةً.

ج - التَّغْرِيرُ:

4 - وَهُوَ مِنَ الْغَرَرِ، يُقَالُ: غَرَّرَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ تَغْرِيرًا وَتَغِرَّةً: عَرَّضَهُمَا لِلْهَلَكَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ. وَيُقَالُ: غَرَّهُ يَغُرُّهُ غَرًّا وَغُرُورًا وَغُرَّةً: خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِلِ.

وَالتَّغْرِيرُ فِي الاِصْطِلاَحِ: إِيقَاعُ الشَّخْصِ فِي الْغَرَرِ، وَالْغَرَرُ: مَا انْطَوَتْ عَنْكَ عَاقِبَتُهُ .

وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّغْرِيرُ أَعَمَّ مِنَ التَّدْلِيسِ؛ لأِنَّ  الْغَرَرَ قَدْ يَكُونُ بِإِخْفَاءِ عَيْبٍ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُجْهَلُ عَاقِبَتُهُ.

د - الْغِشُّ:

5 - وَهُوَ اسْمٌ مِنَ الْغِشِّ، مَصْدَرُ غَشَّهُ: إِذَا لَمْ يُمَحِّضْهُ النُّصْحَ، وَزَيَّنَ لَهُ غَيْرَ الْمَصْلَحَةِ، أَوْ أَظْهَرَ لَهُ خِلاَفَ مَا أَضْمَرَهُ . وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّدْلِيسِ؛ إِذِ التَّدْلِيسُ خَاصٌّ بِكِتْمَانِ الْعَيْبِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّدْلِيسَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ. فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ   صلي الله عليه وسلم : (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا). 

 وَقَالَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ: «مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ، وَلَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تَلْعَنُهُ» .

وَقَالَ   صلي الله عليه وسلم : «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» 

وَلِهَذَا يُؤَدِّبُ الْحَاكِمُ الْمُدَلِّسَ؛ لِحَقِّ اللَّهِ وَلِحَقِّ الْعِبَادِ.

التَّدْلِيسُ فِي الْمُعَامَلاَتِ:

7 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ كُلَّ تَدْلِيسٍ يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لأِجْلِهِ فِي الْمُعَامَلاَتِ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ: كَتَصْرِيَةِ الشِّيَاهِ وَنَحْوِهَا قَبْلَ بَيْعِهَا لِيَظُنَّ الْمُشْتَرِي كَثْرَةَ اللَّبَنِ، وَصَبْغَ الْمَبِيعِ بِلَوْنٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ، عَلَى اخْتِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ.

وَاسْتَدَلُّوا لِثُبُوتِ الْخِيَارِ بِالتَّصْرِيَةِ بِحَدِيثِ: «مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» . وَقِيسَ عَلَيْهَا غَيْرُهَا، وَهُوَ كُلُّ فِعْلٍ مِنَ الْبَائِعِ  بِالْمَبِيعِ يَظُنُّ الْمُشْتَرِي بِهِ كَمَالاً فَلاَ يُوجَدُ؛ لأِنَّ  الْخِيَارَ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالتَّصْرِيَةِ لِذَاتِهَا، بَلْ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّلْبِيسِ وَالإْيهَامِ .

شَرْطُ الرَّدِّ بِالتَّدْلِيسِ:

8 - لاَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِمُجَرَّدِ التَّدْلِيسِ، بَلْ يُشْتَرَطُ أَلاَّ يَعْلَمَ الْمُدَلَّسُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْعَقْدِ، فَإِنْ عَلِمَ فَلاَ خِيَارَ لَهُ لِرِضَاهُ بِهِ، كَمَا يُشْتَرَطُ أَلاَّ يَكُونَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا، أَوْ مِمَّا يَسْهُلُ مَعْرِفَتُهُ.

وَيَثْبُتُ خِيَارُ التَّدْلِيسِ فِي كُلِّ مُعَاوَضَةٍ، كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ، وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ إِقْرَارٍ، وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ .

التَّدْلِيسُ الْقَوْلِيُّ:

9 - التَّدْلِيسُ الْقَوْلِيُّ كَالتَّدْلِيسِ الْفِعْلِيِّ فِي الْعُقُودِ، كَالْكَذِبِ فِي السِّعْرِ فِي بُيُوعِ الأْمَانَاتِ (وَهِيَ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْحَطِيطَةُ) فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ التَّدْلِيسِ .

التَّدْلِيسُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ:

10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّهُ إِذَا دَلَّسَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، بِأَنْ كَتَمَ عَيْبًا فِيهِ، يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ، لَمْ يَعْلَمْهُ الْمُدَلَّسُ عَلَيْهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلاَ قَبْلَهُ. أَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَصْفًا مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ كَإِسْلاَمٍ، وَبَكَارَةٍ، وَشَبَابٍ، فَتَخَلُّفُ الشَّرْطِ: يُثْبِتُ لِلْمُدَلَّسِ عَلَيْهِ وَالْمَغْرُورِ بِخَلْفِ الْمَشْرُوطِ خِيَارَ فَسْخِ النِّكَاحِ .

وَقَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ خِيَارُ الْفَسْخِ لِعَيْبٍ، فَالنِّكَاحُ عِنْدَهُمْ لاَ يَقْبَلُ الْفَسْخَ.

وَقَالُوا: إِنَّ فَوْتَ الاِسْتِيفَاءِ أَصْلاً بِالْمَوْتِ لاَ يُوجِبُ الْفَسْخَ، فَاخْتِلاَلُهُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ أَوْلَى بِأَلاَّ يُوجِبَ الْفَسْخَ؛ وَلأِنَّ  الاِسْتِيفَاءَ مِنْ ثَمَرَاتِ الْعَقْدِ، وَالْمُسْتَحَقُّ هُوَ التَّمَكُّنُ، وَهُوَ حَاصِلٌ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لاَ خِيَارَ لِلزَّوْجِ بِعَيْبٍ فِي الْمَرْأَةِ، وَلَهَا هِيَ الْخِيَارُ بِعَيْبٍ فِي الزَّوْجِ مِنَ الْعُيُوبِ الثَّلاَثَةِ: الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ فَلِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ فِي طَلَبِ التَّفْرِيقِ أَوِ الْبَقَاءِ مَعَهُ؛ لأِنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْوُصُولُ إِلَى حَقِّهَا بِمَعْنًى فِيهِ، فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا، أَوْ عِنِّينًا بِخِلاَفِ الرَّجُلِ؛ لأِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِالطَّلاَقِ.

تَأْدِيبُ الْمُدَلِّسِ:

14 - يُؤَدَّبُ الْمُدَلِّسُ بِالتَّعْزِيرِ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ زَاجِرًا وَمُؤَدِّبًا.

جَاءَ فِي مَوَاهِبِ الْجَلِيلِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ شَيْئًا وَبِهِ عَيْبٌ غَرَّ بِهِ أَوْ دَلَّسَهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مِمَّا لاَ خِلاَفَ فِيهِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى مَنْ غَشَّ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، أَوْ غَرَّهُ، أَوْ دَلَّسَ بِعَيْبٍ: أَنْ يُؤَدَّبَ عَلَى ذَلِكَ، مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ؛ لأِنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ: أَحَدُهُمَا لِلَّهِ؛ لِيَتَنَاهَى النَّاسُ عَنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَالآْخَرُ لِلْمُدَلَّسِ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَلاَ يَتَدَاخَلاَنِ،  وَتَعْزِيرُ الْمُدَلِّسِ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، كَكُلِّ مَعْصِيَةٍ لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني  والعشرون  ، الصفحة / 234

عُيُوبُ الرِّضَا:

14 م - إِنَّ «الرِّضَا» بِمَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيِّ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا وُجِدَ الْقَصْدُ إِلَى آثَارِ الْعَقْدِ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الآْثَارُ الشَّرْعِيَّةُ إِذَا سَلِمَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا كَانَ «الرِّضَا» سَلِيمًا أَيْ بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا طَلِيقًا لاَ يَشُوبُهُ ضَغْطٌ وَلاَ إِكْرَاهٌ، وَلاَ يَتَقَيَّدُ بِمَصْلَحَةِ أَحَدٍ كَرِضَا الْمَرِيضِ، أَوِ الدَّائِنِ الْمُفْلِسِ، وَأَنْ يَكُونَ وَاعِيًا فَلاَ يَحُولُ دُونَ إِدْرَاكِ الْحَقِيقَةِ جَهْلٌ، أَوْ تَدْلِيسٌ وَتَغْرِيرٌ، أَوِ اسْتِغْلاَلٌ، أَوْ غَلَطٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَعُوقُ إِدْرَاكَهُ.

فَمِنْ عُيُوبِ الرِّضَا الإْكْرَاهُ وَالْجَهْلُ وَالْغَلَطُ، وَالتَّدْلِيسُ وَالتَّغْرِيرُ، وَالاِسْتِغْلاَلُ وَكَوْنُ الرِّضَا مُقَيَّدًا بِرِضَا شَخْصٍ آخَرَ، يَقُولُ الْغَزَالِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا: وَيَخْتَلُّ الْقَصْدُ بِخَمْسَةِ أَسْبَابٍ: سَبْقِ اللِّسَانِ، وَالْهَزْلِ، وَالْجَهْلِ، وَالإْكْرَاهِ، وَاخْتِلاَلِ الْعَقْلِ.

فَإِذَا وُجِدَ عَيْبٌ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ، أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى إِذَا لَمْ يَتَوَفَّرْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الرِّضَا فَإِنَّ الْعَقْدَ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ يَكُونُ فَاسِدًا، أَوْ بَاطِلاً - عَلَى خِلاَفٍ فِيهِمَا بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ - وَيَكُونُ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ غَيْرَ لاَزِمٍ، أَيْ يَكُونُ لأِحَدِ  الْعَاقِدَيْنِ، أَوْ كِلَيْهِمَا حَقُّ الْخِيَارِ، وَمِنْ هُنَا فَإِنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ بَعْضَهَا يُؤَثِّرُ فِي الرِّضَا تَأْثِيرًا مُبَاشِرًا، فَيَكُونُ الْعَقْدُ الَّذِي تَمَّ فِي ظِلِّهِ فَاسِدًا أَوْ بَاطِلاً - كَمَا فِي الإْكْرَاهِ، وَبَعْضَهَا يُؤَثِّرُ فِي إِلْزَامِيَّةِ الرِّضَا، فَيَكُونُ الْعَقْدُ الَّذِي تَمَّ فِي ظِلِّهِ غَيْرَ مُلْزِمٍ، بَلْ يَكُونُ لِعَاقِدٍ حَقُّ الْخِيَارِ، مِثْلَ التَّدْلِيسِ، وَالتَّغْرِيرِ، وَالاِسْتِغْلاَلِ وَنَحْوِهَا، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الرِّضَا كَكَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ تَحْتَ إِكْرَاهٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ لِلُزُومِهِ، كَكَوْنِهِ لَمْ يَشُبْهُ غَلَطٌ أَوِ اسْتِغْلاَلٌ، أَوْ تَدْلِيسٌ - عَلَى تَفْصِيلٍ كَبِيرٍ وَخِلاَفٍ.

وَنُحِيلُ لأِحْكَامِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إِلَى مُصْطَلَحَاتِهَا الْخَاصَّةِ فِي الْمَوْسُوعَةِ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثلاثون  ، الصفحة /  220

عُيُوبُ الرّضَا.

32 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ في عُيُوب الرّضَا: الإْكْرَاهَ وَالْجَهْلَ، وَالْغَلَطَ، وَالتَّدْليسَ، وَالْغَبْنَ، وَالتَّغْريرَ، وَالْهَزْلَ، وَالْخلاَبَةَ، وَنَحْوَهَا، فَإذَا وُجدَ عَيْبٌ منْ هَذه الْعُيُوب في عَقْدٍ منَ الْعُقُود يَكُونُ الْعَقْدُ بَاطلاً أَوْ فَاسدًا في بَعْض الْحَالاَت عَلَى خلاَفٍ بَيْنَ الْجُمْهُور وَالْحَنَفيَّة، أَوْ غَيْرَ لاَزمٍ يَكُونُ لكلاَ الْعَاقدَيْن أَوْ أَحَدهمَا الْخيَارُ في فَسْخه في حَالاَتٍ أُخْرَى.

وَتَعْريفُ هَذه الْعُيُوب وَتَفْصيلُ أَحْكَامهَا وَأَثَرُهَا عَلَى الرّضَا وَخلاَفُ الْفُقَهَاء في ذَلكَ يُنْظَرُ في مُصْطَلَحَاتهَا منَ الْمَوْسُوعَة.

ثَالثًا - مَحَلُّ الْعَقْد.

33 - الْمُرَادُ بمَحَلّ الْعَقْد: مَا يَقَعُ عَلَيْه الْعَقْدُ وَتَظْهَرُ فيه أَحْكَامُهُ وَآثَارُهُ، وَيَخْتَلفُ الْمَحَلُّ باخْتلاَف الْعُقُود، فَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ عَيْنًا مَاليَّةً، كَالْمَبيع في عَقْد الْبَيْع، وَالْمَوْهُوب في عَقْد الْهبَة، وَالْمَرْهُون في عَقْد الرَّهْن، وَقَدْ يَكُونُ عَمَلاً منَ الأْعْمَال، كَعَمَل الأْجير في الإْجَارَة، وَعَمَل الزَّارع في الْمُزَارَعَة، وَعَمَل الْوَكيل في الْوَكَالَة، وَقَدْ يَكُونُ مَنْفَعَةَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، كَمَنْفَعَة الْمَأْجُور في عَقْد الإْجَارَة، وَمَنْفَعَة الْمُسْتَعَار في عَقْد الإْعَارَة، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلكَ كَمَا في عَقْد النّكَاح وَالْكَفَالَة وَنَحْوهمَا.

وَلهَذَا فَقَد اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ في مَحَلّ الْعَقْد شُرُوطًا تَكَلَّمُوا عَنْهَا في كُلّ عَقْدٍ وَذَكَرُوا بَعْضَ الشُّرُوط الْعَامَّة الَّتي يَجبُ تَوَافُرُهَا في الْعُقُود عَامَّةً أَوْ في مَجْمُوعَةٍ منَ الْعُقُود، منْهَا:

أ - وُجُودُ الْمَحَلّ:

34 - يَخْتَلفُ اشْترَاطُ هَذَا الشَّرْط باخْتلاَف الْعُقُود: فَفي عَقْد الْبَيْع مَثَلاً اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ في الْجُمْلَة عَلَى وُجُود الْمَحَلّ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُوجَدْ لقَوْله صلي الله عليه وسلم  : «لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عنْدَكَ» ؛ وَلأنَّ  في بَيْع مَا لَمْ يُوجَدْ غَرَرًا وَجَهَالَةً فَيُمْنَعُ، لحَديث: أَنَّ «النَّبيَّ صلي الله عليه وسلم  نَهَى عَنْ بَيْع الْغَرَر» وَعَلَى ذَلكَ صَرَّحُوا ببُطْلاَن بَيْع الْمَضَامين وَالْمَلاَقيح وَحَبَل الْحُبْلَة.

وَمَنَعُوا منْ بَيْع الزُّرُوع وَالثّمَار قَبْلَ ظُهُورهَا، لقَوْله صلي الله عليه وسلم  : «أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخيه ؟».

وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ منْ بَيْع الْمَعْدُوم عَقْدَ السَّلَم وَذَلكَ لحَاجَة النَّاس إلَيْه  كَمَا اسْتَثْنَى الْحَنَفيَّةُ منْ ذَلكَ عَقْدَ الاسْتصْنَاع للدَّليل نَفْسه ر: (اسْتصْنَاع ف 7).

أَمَّا بَيْعُ الزَّرْع أَو الثَّمَر قَبْلَ ظُهُورهمَا فَلاَ يَجُوزُ؛ لأنَّهُ مَعْدُومٌ وَلاَ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَعْدُوم، أَمَّا بَعْدَ الظُّهُور وَقَبْلَ بُدُوّ الصَّلاَح فَإنْ كَانَ الثَّمَرُ أَو الزَّرْعُ بحَالٍ يُنْتَفَعُ بهمَا فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بشَرْط الْقَطْع في الْحَال اتّفَاقًا لعَدَم الْغَرَر في ذَلكَ، وَلاَ يَجُوزُ بغَيْر شَرْط الْقَطْع عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء.

وَاخْتَلَفُوا في بَيْع الثّمَار الْمُتَلاَحقَة الظُّهُور وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَح: (ثمَار ف 11 - 13).

وَفي عَقْد الإْجَارَة اعْتَبَرَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء الْمَنَافعَ أَمْوَالاً، وَاعْتَبَرَهَا كَذَلكَ الشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ مَوْجُودَةً حينَ الْعَقْد تَقْديرًا، فَيَصحُّ التَّعَاقُدُ عَلَيْهَا بنَاءً عَلَى وُجُود الْمَنَافع حينَ الْعَقْد عنْدَهُمْ، وَلهَذَا يَقُولُونَ بنَقْل ملْكيَّة الْمَنَافع للْمُسْتَأْجر وَالأْجْرَة للْمُؤَجّر بنَفْس الْعَقْد في الإْجَارَة الْمُطْلَقَة.

وَعَلَّلَ الْمَالكيَّةُ جَوَازَ الإْجَارَة بأَنَّ الْمَنَافعَ وَإنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً في حَال الْعَقْد لَكنَّهَا مُسْتَوْفَاةٌ في الْغَالب، وَالشَّرْعُ إنَّمَا لَحَظَ منَ الْمَنَافع مَا يُسْتَوْفَى في الْغَالب أَوْ يَكُونُ اسْتيفَاؤُهُ وَعَدَمُ اسْتيفَائه سَوَاءً.

أَمَّا الْحَنَفيَّةُ فَقَدْ أَجَازُوا عَقْدَ الإْجَارَة اسْتثْنَاءً منَ الْقَاعدَة؛ لوُرُود النُّصُوص منَ الْكتَاب وَالسُّنَّة في جَوَاز الإْجَارَة، قَالَ الْكَاسَانيُّ: الإْجَارَةُ بَيْعُ الْمَنْفَعَة، وَالْمَنَافعُ للْحَال مَعْدُومَةٌ، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَحْتَملُ الْبَيْعَ، فَلاَ تَجُوزُ إضَافَةُ الْبَيْع إلَى مَا يُؤْخَذُ في الْمُسْتَقْبَل، وَهَذَا هُوَ الْقيَاسُ، لَكنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ بالْكتَاب الْعَزيز وَالسُّنَّة وَالإْجْمَاع.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيّم: جَوَازُ الإْجَارَة مُوَافقَةٌ للْقيَاس؛ لأنَّ  مَحَلَّ الْعَقْد إذَا أَمْكَنَ التَّعَاقُدُ عَلَيْه في حَال وُجُوده وَعَدَمه - كَالأَْعْيَان - فَالأَْصْلُ فيه عَدَمُ جَوَاز الْعَقْد حَالَ عَدَمه للْغَرَر، مَعَ ذَلكَ جَازَ الْعَقْدُ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ إذَا دَعَتْ إلَيْه الْحَاجَةُ.

أَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلاَّ حَالٌ وَاحدَةٌ، وَالْغَالبُ فيه السَّلاَمَةُ - كَالْمَنَافع - فَلَيْسَ الْعَقْدُ عَلَيْه مُخَاطَرَةً وَلاَ قمَارًا فَيَجُوزُ، وَقيَاسُهُ عَلَى بَيْع الأَْعْيَان قيَاسٌ مَعَ الْفَارق.

35 - وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاء في هَذَا الشَّرْط بَيْنَ عُقُود الْمُعَاوَضَة وَعُقُود التَّبَرُّع، فَقَالُوا بعَدَم جَوَاز النَّوْع الأْوَّل منَ الْعُقُود في حَال عَدَم وُجُود مَحَلّهَا، وَأَجَازُوا النَّوْعَ الثَّانيَ في حَالَة وُجُود الْمَحَلّ وَعَدَمه.

وَمنْ هَذَا الْقَبيل مَا قَالَ الْمَالكيَّةُ: إنَّ مَا يَخْتَصُّ بعُقُود التَّبَرُّعَات كَالْهبَة مَثَلاً يَجُوزُ فيه أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْعَقْد (الْمَوْهُوبُ) غَيْرَ مَوْجُودٍ في الْخَارج، بَلْ دَيْنًا في الذّمَّة، أَوْ غَيْرَ مَعْلُومٍ فعْلاً، فَالْغَرَرُ في الْهبَة لغَيْر الثَّوَاب جَائزٌ عنْدَهُمْ، وَلهَذَا صَرَّحُوا بأَنَّ مَنْ وَهَبَ لرَجُلٍ مَا يَرثُهُ منْ فُلاَنٍ - وَهُوَ لاَ يَدْري كَمْ هُوَ ؟ أَسُدُسٌ أَوْ رُبُعٌ فَذَلكَ جَائزٌ.

وَفي الرَّهْن يَجُوزُ عنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْعَقْد (الْمَرْهُونُ) غَيْرَ مَوْجُودٍ حينَ الْعَقْد، كَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا، فَشَيْءٌ يُوثَقُ به خَيْرٌ منْ عَدَمه، كَمَا يَقُولُونَ .

وَهَذَا بخلاَف عَقْد الْبَيْع وَسَائر الْعُقُود في الْمُعَاوَضَات.

ب - قَابليَّةُ الْمَحَلّ لحُكْم الْعَقْد :

36 - يُشْتَرَطُ في مَحَلّ الْعَقْد عنْدَ الْفُقَهَاء أَنْ يَكُونَ قَابلاً لحُكْم الْعَقْد.

وَالْمُرَادُ بحُكْم الْعَقْد: الأْثَرُ الْمُتَرَتّبُ عَلَى الْعَقْد، وَيَخْتَلفُ هَذَا حَسْبَ اخْتلاَف الْعُقُود، فَفي عَقْد الْبَيْع مَثَلاً أَثَرُ الْعَقْد هُوَ انْتقَالُ ملْكيَّة الْمَبيع منَ الْبَائع إلَى الْمُشْتَري، وَيُشْتَرَطُ فيه أَنْ يَكُونَ مَالاً مُتَقَوّمًا مَمْلُوكًا للْبَائع، فَمَا لَمْ يَكُنْ مَالاً بالْمَعْنَى الشَّرْعيّ: وَهُوَ مَا يَميلُ إلَيْه الطَّبْعُ وَيَجْري فيه الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ لاَ يَصحُّ بَيْعُهُ، كَبَيْع الْمَيْتَة مَثَلاً عنْدَ الْمُسْلمينَ. وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَقَوّمًا، أَيْ: مُنْتَفَعًا به شَرْعًا، كَبَيْع الْخَمْر وَالْخنْزير، فَإنَّهُمَا وَإنْ كَانَا مَالاً عنْدَ غَيْر الْمُسْلمينَ، لَكنَّهُمَا لَيْسَا مُتَقَوّمَيْن عنْدَ الْمُسْلمينَ، فَحَرُمَ بَيْعُهُمَا كَمَا وَرَدَ في حَديث جَابرٍ رضي الله عنه  : «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْر وَالْمَيْتَة وَالْخنْزير»

وَفي عُقُود الْمَنْفَعَة كَعَقْد الإْجَارَة وَالإْعَارَة وَنَحْوهمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْعَقْد - أَي الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا - مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً مُبَاحَةً، فَلاَ تَجُوزُ الإْجَارَةُ عَلَى الْمَنَافع الْمُحَرَّمَة كَالزّنَا وَالنَّوْح وَنَحْوهمَا كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مُصْطَلَح: (إجَارَة ف 108).

وَكَمَا لاَ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَنَافع الْمُحَرَّمَة لاَ يَجُوزُ إعَارَتُهَا كَذَلكَ؛ لأنَّ  منْ شُرُوط صحَّة الْعَاريَّة إمْكَانُ الانْتفَاع بمَحَلّ الْعَقْد (الْمُعَار أَو الْمُسْتَعَار) انْتفَاعًا مُبَاحًا شَرْعًا مَعَ بَقَاء عَيْنه، كَالدَّار للسُّكْنَى، وَالدَّابَّة للرُّكُوب، مَثَلاً فَلاَ يَجُوزُ إعَارَةُ الْفُرُوج للاسْتمْتَاع، وَلاَ آلاَت الْمَلاَهي للَّهْو، كَمَا لاَ تَصحُّ الإْعَارَةُ للْغنَاء أَو الزَّمْر أَوْ نَحْوهمَا منَ الْمُحَرَّمَات، فَالإْعَارَةُ لاَ تُبيحُ مَا لاَ يُبيحُهُ الشَّرْعُ.

وَتَفْصيلُهُ في مُصْطَلَح: (عَاريَّةً).

وَفي عَقْد الْوَكَالَة يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ (الْمُوَكَّل به) أَنْ يَكُونَ قَابلاً للانْتقَال للْغَيْر وَالتَّفْويض فيه، وَلاَ يَكُونَ خَاصًّا بشَخْص الْمُوَكّل، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مُصْطَلَح: (وَكَالَة).

ج - مَعْلُوميَّةُ الْمَحَلّ للْعَاقدَيْن :

37 - يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَمَعْرُوفًا للْعَاقدَيْن، بحَيْثُ لاَ يَكُونُ فيه جَهَالَةٌ تُؤَدّي إلَى النّزَاع وَالْغَرَر.

وَيَحْصُلُ الْعلْمُ بمَحَلّ الْعَقْد بكُلّ مَا يُمَيّزُهُ عَن الْغَيْر منْ رُؤْيَته أَوْ رُؤْيَة بَعْضه عنْدَ الْعَقْد، أَوْ بوَصْفه وَصْفًا يَكْشفُ عَنْهُ تَمَامًا، أَوْ بالإْشَارَة إلَيْه.

وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْه عنْدَ الْفُقَهَاء في عُقُود الْمُعَاوَضَة في الْجُمْلَة، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ منَ الْقَطيع مَثَلاً وَلاَ إجَارَةُ إحْدَى هَاتَيْن الدَّارَيْن، وَذَلكَ لأنَّ  الْجَهَالَةَ في مَحَلّ الْعَقْد: (الْمَعْقُود عَلَيْه) تُسَبّبُ الْغَرَرَ وَتُفْضي إلَى النّزَاع.

وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاء في هَذه الْمَسْأَلَة بَيْنَ الْجَهَالَة الْفَاحشَة - وَهيَ الَّتي تُفْضي إلَى النّزَاع - وَبَيْنَ الْجَهَالَة الْيَسيرَة - وَهيَ: الَّتي لاَ تُفْضي إلَى النّزَاع - فَمَنَعُوا الأُْولَى وَأَجَازُوا الثَّانيَةَ.

وَجَعَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء الْعُرْفَ حَكَمًا في تَعْيين مَا تَقَعُ عَلَيْه الإْجَارَةُ منْ مَنْفَعَةٍ، وَتَمْييز الْجَهَالَة الْفَاحشَة عَن الْجَهَالَة الْيَسيرَة.

وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَحَيْ: (بَيْع ف 32) (وَالإْجَارَةُ ف 34).

وَفي عَقْد السَّلَم يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ: (الْمُسْلَم فيه) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجنْس وَالنَّوْع وَالصّفَة وَالْقَدْر، كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أَوْ ذَرْعًا، وَذَلكَ لأنَّ  الْجَهَالَةَ في كُلٍّ منْهَا تُفْضي إلَى الْمُنَازَعَة وَقَدْ وَرَدَ في الْحَديث عَن النَّبيّ صلي الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ في تَمْرٍ فَلْيُسْلفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (سَلَم).

هَذَا في عُقُود الْمُعَاوَضَة.

38 - أَمَّا عُقُودُ التَّبَرُّع فَقَد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ في جَوَاز كَوْن الْمَحَلّ مَجْهُولاً، وَمنْ أَمْثلَة ذَلكَ مَا يَأْتي:

1 - عَقْدُ الْهبَة.

39 - يَشْتَرطُ الْحَنَفيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ في الْمَوْهُوب - وَهُوَ مَحَلُّ عَقْد الْهبَة - أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَمُعَيَّنًا، قَالَ الْحَصْكَفيُّ: شَرَائطُ صحَّة الْهبَة في الْمَوْهُوب: أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا، غَيْرَ مُشَاعٍ، مُمَيَّزًا، غَيْرَ مَشْغُولٍ، فَلاَ تَصحُّ هبَةُ لَبَنٍ في ضَرْعٍ، وَصُوفٍ عَلَى غَنَمٍ، وَنَخْلٍ في أَرْضٍ، وَتَمْرٍ في نَخْلٍ.

وَقَالَ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ: كُلُّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ تَجُوزُ هبَتُهُ، وَكُلُّ مَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ تَجُوزُ هبَتُهُ، كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ لغَيْر قَادرٍ عَلَى انْتزَاعه، وَضَالٍّ وَآبقٍ.

أَمَّا الْمَالكيَّةُ فَقَدْ تَوَسَّعُوا فيهَا، فَأَجَازُوا هبَةَ الْمَجْهُول وَالْمُشَاع، جَاءَ في الْفَوَاكه الدَّوَاني: أَنَّ شَرْطَ الشَّيْء الْمُعْطَى أَنْ يَكُونَ ممَّا يَقْبَلُ النَّقْلَ في الْجُمْلَة، فَيَشْمَلُ الأْشْيَاءَ الْمَجْهُولَةَ.

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (هبَة) .

2 - عَقْدُ الْوَصيَّة.

40 - تَصحُّ وَصيَّةُ الْمُوصي بجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ منْ مَاله وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا صَرَّحَ به الْحَنَفيَّةُ، وَفي هَذه الصُّورَة يَكُونُ الْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَة؛ لأنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَليلَ وَالْكَثيرَ، وَالْوَصيَّةُ لاَ تَمْتَنعُ بالْجَهَالَة.

وَأَجَازَ الْحَنَابلَةُ الْوَصيَّةَ بالْحَمْل إنْ كَانَ مَمْلُوكًا للْمُوصي، وَالْغَرَرُ وَالْخَطَرُ لاَ يَمْنَعُ صحَّةَ الْوَصيَّة عنْدَهُمْ

كَمَا أَجَازَ الشَّافعيَّةُ الْوَصيَّةَ بالْمَجْهُول، كَالْحَمْل الْمَوْجُود في الْبَطْن مُنْفَردًا عَنْ أُمّه أَوْ مَعَهَا، وَكَالْوَصيَّة باللَّبَن في الضَّرْع، وَالصُّوف عَلَى ظَهْر الْغَنَم.

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (وَصيَّة).

41 - هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافيُّ في فُرُوقه الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعدَة مَا تُؤَثّرُ فيه الْجَهَالاَتُ وَمَا لاَ تُؤَثّرُ فيه ذَلكَ منَ الْعُقُود وَالتَّصَرُّفَات فَقَالَ: وَرَدَت الأْحَاديثُ الصَّحيحَةُ في نَهْيه صلي الله عليه وسلم  عَنْ بَيْع الْغَرَر وَعَنْ بَيْع الْمَجْهُول، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلكَ: فَمنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ في التَّصَرُّفَات - وَهُوَ الشَّافعيُّ - فَمَنَعَ منَ الْجَهَالَة في الْهبَة وَالصَّدَقَة وَالإْبْرَاء وَالْخُلْع وَالصُّلْح وَغَيْر ذَلكَ، وَمنْهُمْ مَنْ فَصَلَ - وَهُوَ مَالكٌ - بَيْنَ قَاعدَة مَا يُجْتَنَبُ فيه الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَات وَالتَّصَرُّفَات الْمُوجبَة لتَنْميَة الأَْمْوَال مَا يُقْصَدُ به تَحْصيلُهَا، وَقَاعدَة مَا لاَ يُجْتَنَبُ فيه الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَهُوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لذَلكَ، وَانْقَسَمَت التَّصَرُّفَاتُ عنْدَهُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: طَرَفَان وَوَاسطَةٌ، فَالطَّرَفَان أَحَدُهُمَا: مُعَاوَضَةٌ صرْفَةٌ فَيُجْتَنَبُ فيهَا ذَلكَ إلاَّ مَا دَعَت الضَّرُورَةُ إلَيْه... وَثَانيهمَا: مَا هُوَ إحْسَانٌ صرْفٌ لاَ يُقْصَدُ به تَنْميَةُ الْمَال كَالصَّدَقَة وَالْهبَة وَالإْبْرَاء.

فَفي الْقسْم الأْوَّل: إذَا فَاتَ بالْغَرَر وَالْجَهَالاَت ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ في مُقَابَلَته فَاقْتَضَتْ حكْمَةُ الشَّرْع مَنْعَ الْجَهَالَة فيه، أَمَّا الْقسْمُ الثَّاني - أَي: الإْحْسَانُ الصّرْفُ - فَلاَ ضَرَرَ فيه، فَاقْتَضَتْ حكْمَةُ الشَّرْع وَحَثُّهُ عَلَى الإْحْسَان التَّوْسعَةَ فيه بكُلّ طَريقٍ، بالْمَعْلُوم وَالْمَجْهُول فَإنَّ ذَلكَ أَيْسَرُ لكَثْرَة وُقُوعه قَطْعًا، وَفي الْمَنْع منْ ذَلكَ وَسيلَةٌ إلَى تَقْليله فَإذَا وَهَبَ لَهُ عَبْدَهُ الآْبقَ جَازَ أَنْ يَجدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مَا يَنْتَفعُ به، وَلاَ ضَرَرَ عَلَيْه؛ لأنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، وَهَذَا فقْهٌ جَميلٌ.

ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْوَاسطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْن فَهُوَ النّكَاحُ، فَهُوَ منْ جهَة أَنَّ الْمَالَ فيه لَيْسَ مَقْصُودًا، وَإنَّمَا مَقْصدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالأْلْفَةُ وَالسُّكُونُ، يَقْتَضي أَنْ يَجُوزَ فيه الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا، وَمنْ جهَة أَنَّ صَاحبَ الشَّرْع اشْتَرَطَ فيه الْمَالَ بقَوْله تَعَالَى: ( أَنْ تَبْتَغُوا بأَمْوَالكُمْ) يَقْتَضي امْتنَاعَ الْجَهَالَة وَالْغَرَر فيه، فَلوُجُود الشَّبَهَيْن تَوَسَّطَ مَالكٌ فَجَوَّزَ فيه الْغَرَرَ الْقَليلَ دُونَ الْكَثير، نَحْوَ عَبْدٍ منْ غَيْر تَعَيُّنٍ، وَشُورَة (أَثَاث) بَيْتٍ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الْعَبْد الآْبق، وَالْبَعير الشَّارد .

د - الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْليم.

42 - يُشْتَرَطُ في مَحَلّ الْعَقْد أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْليم، وَهَذَا الشَّرْطُ مَحَلُّ اتّفَاقٍ في عُقُود الْمُعَاوَضَة في الْجُمْلَة، فَالْحَيَوَانُ الضَّالُّ الشَّاردُ وَنَحْوُهُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لعَقْد الْبَيْع أَو الإْجَارَة أَو الصُّلْح أَوْ نَحْوهَا، وَكَذَلكَ الدَّارُ الْمَغْصُوبَةُ منْ غَيْر غَاصبهَا، أَو الأَْرْضُ أَوْ أَيْ شَيْءٍ آخَرُ تَحْتَ يَد الْعَدُوّ.

قَالَ الْكَاسَانيُّ: منْ شُرُوط الْمَبيع أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْليم عنْدَ الْعَقْد، فَإنْ كَانَ مَعْجُوزَ التَّسْليم عنْدَهُ لاَ يَنْعَقدُ، وَإنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ كَبَيْع الآْبق حَتَّى لَوْ ظَهَرَ يَحْتَاجُ إلَى تَجْديد الإْيجَاب وَالْقَبُول إلاَّ إذَا تَرَاضَيَا فَيَكُونُ بَيْعًا مُبْتَدَأً بالتَّعَاطي.

وَقَالَ في شُرُوط الْمُسْتَأْجَر: منْ شُرُوطه أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ الاسْتيفَاء حَقيقَةً وَشَرْعًا؛ لأنَّ  الْعَقْدَ لاَ يَقَعُ وَسيلَةً إلَى الْمَعْقُود عَلَيْه بدُونه، فَلاَ يَجُوزُ اسْتئْجَارُ الآْبق، وَلاَ إجَارَةُ الْمَغْصُوب منْ غَيْر الْغَاصب.

وَفي الْمَنْثُور للزَّرْكَشيّ: منْ حُكْم الْعُقُود اللاَّزمَة أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْه مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْليمه في الْحَال، وَالْجَائزُ قَدْ لاَ يَكُونُ كَذَلكَ كَالْجَعَالَة تُعْقَدُ عَلَى رَدّ الآْبق.

وَقَالَ النَّوَويُّ في بَيَان شُرُوط الْمَبيع: الثَّالثُ: إمْكَانُ تَسْليمه، فَلاَ يَصحُّ بَيْعُ الضَّالّ وَالآْبق وَالْمَغْصُوب، وَعَلَّلَهُ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ بقَوْله: للْعَجْز عَنْ تَسْليم ذَلكَ حَالاً.

وَمثْلُهُ مَا في كُتُب بَقيَّة الْمَذَاهب.

أَمَّا في عُقُود التَّبَرُّع فَأَجَازَ الْمَالكيَّةُ هبَةَ الآْبق وَالْحَيَوَان الشَّارد، مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَقْدُورَي التَّسْليم حينَ الْعَقْد؛ لأنَّهُ إحْسَانٌ صرْفٍ، فَإذَا وَجَدَهُ وَتَسَلَّمَهُ يَسْتَفيدُ منْهُ، وَإلاَّ لاَ يَتَضَرَّرُ كَمَا قَالَ الْقَرَافيُّ، وَأَجَازَ الشَّافعيَّةُ الْوَصيَّةَ فيمَا يَعْجزُ عَنْ تَسْليمه وَقَالَ ابْنُ الْقَيّم في عُقُود التَّبَرُّع: لاَ غَرَرَ في تَعَلُّقهَا بالْمَوْجُود وَالْمَعْدُوم وَمَا يَقْدرُ عَلَى تَسْليمه وَمَا لاَ يَقْدرُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والثلاثون ، الصفحة / 220

الْغِشُّ بِالتَّدْلِيسِ وَالتَّصْرِيَةِ:

7 - يَقَعُ الْغِشُّ فِي الْمُعَامَلاَتِ كَثِيرًا بِصُورَةِ التَّدْلِيسِ الْقَوْلِيِّ، كَالْكَذِبِ فِي سِعْرِ الْمَبِيعِ، أَوِ الْفِعْلِيِّ كَكِتْمَانِ عُيُوبِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ بِصُورَةِ التَّصْرِيَةِ كَأَنْ يَتْرُكَ الْبَائِعُ حَلْبَ النَّاقَةِ أَوْ غَيْرِهَا مُدَّةً قَبْلَ بَيْعِهَا لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِيَ كَثْرَةَ اللَّبَنِ، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ يُخْدَعُ الْمُشْتَرِي، فَيُبْرِمُ الْعَقْدَ وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِذَلِكَ إِذَا عَلِمَ الْحَقِيقَةَ.

وَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ التَّدْلِيسَ عَيْبٌ، فَإِذَا اخْتَلَفَ الثَّمَنُ لأِجْلِهِ فِي الْمُعَامَلاَتِ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَعْلَمَ الْمُدَلَّسُ عَلَيْهِ الْعَيْبَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ عِنْدَهُ، وَأَنْ لاَ يَكُونَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَدْلِيس ف 7 وَمَا بَعْدَهَا)

وَفِي الْغِشِّ بِصُورَةِ التَّصْرِيَةِ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ تَصْرِيَةَ الْحَيَوَانِ عَيْبٌ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَذَلِكَ لِحَدِيثِ: «لاَ تُصَرُّوا الإْبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ».

وَلاَ يَعْتَبِرُ أَبُو حَنِيفَةَ التَّصْرِيَةَ عَيْبًا مُثْبِتًا لِلْخِيَارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُصَرَّاةً فَوَجَدَهَا أَقَلَّ لَبَنًا مِنْ أَمْثَالِهَا لَمْ يَمْلِكْ رَدَّهَا، وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِأَرْشِهَا .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَصْرِيَة ف 3 وَمَا بَعْدَهَا).

__________________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

 (مادة 111)

  1. يكون العقد موقوف النفاذ للتدليس ، سواء اكان قوليا ام فعليا ، اذا كانت الحيل التى لجأ اليها احد المتعاقدين او نائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما ابرم الطرف الاخر العقد
  2. ويعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة او ملابسة اذا ثبت ان المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة او هذه الملابسة

هذه المادة تقابل المادة 125 من التقنين الحالى التى تنص على ما يأتي :

1۔ يجوز ابطال العقد للتدليس اذا كانت الحيل التي لجأ اليها احد المتعاقدين ، أو نائب عنه ، من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد -

أ- ويعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة أو ملابسة . اذا نبت أن اندلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة .

وقد أدخلت على الفقرة الأولى من هذه المادة تعديلات ثلاثة : الأول ذکر عبارة « يكون العقد موقوف النفاذ ، في صدر الفقرة أخذا بفكرة العقد الموقوف . والثاني اضافة عبارة ، سواء أكان قوليا أم فعليا ، بعد لفظ , للتدليس ، محاكاة للفقه الإسلامي الذي يقسم التدليس الى تدلیس فعلی و تدلیس قولى والثالث ابدال لفظ « الآخر ، في نهاية الفقرة بلفظ و الثانی ،۰

والمادة المقترحة يقابلها في التقنين العراقي المادتان ۱۲۱ و 123 فالمادة ۱۲۱ من هذا التقنين تنص على ما یه تی :

1- اذا غرز أحد المتعاقدين بالآخر و تحقق آن في العقد غبنا فاحشا كان العقد موقوفا على اجازة العاقد الغبون فاذا مات من غرر بغبن فاحش تنتقل دعوى التغرير لوارثه .

٢- ويعتبر تغریرا عدم البيان في عقود الأمانة التي يجب الحرز فيها عن الشبهة بالبيان كالخيانة في المرابحة والتولية والاشرالی والوضيعة ،

والمادة ۱۲۳ من هذا التقنين تنص على ما ياتی

يرجع العاقد المغردت بالتعويض اذا لم يصبه الا ممن يسير أو اصابه غبن فاحش و كان التغرير لا يعلم به العاقد الآخر ولم يكن من السهل عليه أن يعلم به أو كان الشیء قد استهلك قبل العلم بالغبن أو ملك أو حدث فيه عيب أو تغيير جوهری ویکون العقد نافذا في جميع هذه الأحوال

ويقابل المادة المقترحة في التقنين الأردني المواد 143 و 144 و 145 و 150

فالمادة 143 من هذا التقين تطابق في حكمها اهرة الأولى من المدة المقترحة ، حيث تم على ان التغرير هو أن يخدع أحد الوافدين الآخر بوسائل احتيالية قولية أو فعلية تحمله على الرغما بما لم يكن ليرضى به بغيرها

والمادة 144 من هذه التقنين تطابق في حكمها الفقرة الثانية من المادة المقترحة ، حيث تنصي على أنه يعتبر السكوت عمدا عن واقعة أو ملابسة تقريرا اذا ثبت أن الغرور ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة .

والمادة 145 من هذا التقنين تنص على أنه اذا غور أحد العاقدين بالآخر وتحتى أن العقد تم بغبن فاحش کان لمن غرر به فسخ العقد .

والمادة 150 من هذا التقنين تنص على أنه ويسقط الحق في الفسخ بالتغرير والغبن الفاحش ويلزم العقد بموت من له الحق في الغسے و بالتصرف في المعقود عليه كله أو بعضه تعرفا يتضمن الاجازة و بهلاکه عنده و استهلاکه وتعيبة وزيادته ، .

ويستعمل الفقه الإسلامي في هذا الصدد لفظ التغرير» ، ويستعيل في بعض المواطن لفظ والتدليس ، ولكنه لا يعتد بالتدليس الا اذا قترن به غین : وفي هذا المعنى نصت المادة 356 من المجلة على أنه اذا وجد غبن فاحش ونصت المادة 357 على أنه «إذا أغر احد اسباب میں الاخر ويحقق أن في في البيع ولم يوجد تغرير فليس للمقبون أن يفسخ البيع :: البيع غبنا فاحشا فللمنبون أن يفسخ البيع حيننده : ونصت المادة ۳۰۰ من مرشد الحيران (وصحتها المادة 206)  على أن « الغبن الفاحش لا يفسد العقد ولا يوجب حق فسخه للمغبون الا اذا كان فيه تغرير ... » . (انظر كذلك المادة ۱۲۱ /۱ عراقي والمادة 145 اردنی السالف ذكرهما)

ويحيط الفقه الإسلامي احاطة تامة بجميع النواحي التي يثيرها موضوع التدليس

فهو يتناول التغرير باستعمال طرق احتيالية - ومن أمثلة ذلك تصرية الأبل والبقر والغنم لينتفخ ضرعها فيتوهم المشترى أنها كثيرة اللبن ، وحبس ماء القناة وماء الرحى المرسل كل منهما عند البيع أو الاجاره کی يتوهم المشتري والمستاجر کثرته (أنظر : ابن عابدین ج 4 ص 149 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملى ج4 ص ۷۳ و 74 عبد الرزاق السنهوري ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج۲ ص (161-166)

ويتناول التغرير عن طريق الكذب من ذلك يعتبر مجرد الكدب خديعة وتغريرا في عقود الأمانة التي يقال لها بياعات الأمانة ، حيث يطمئن المشتري الى اما نه البائع فيشترى منه على اساس الثمن الذي اشتری به السلعة : فاذا بيعت السلعة على أن يزاد قدر معلوم أن الربع الى الثمن الأصلي سمى البيع مرابحة : واذا بيعت على ان ينقص قدر معلوم من هذا الثمن سمى البيع وضيعه . واذا بيعت بثمنها الأصلي سمي البيع تولية اذا أخذ المشتري كل السلعة ، وسمی اشتراکا اذا اخذ المشتری جزءا منها . ففي هذه العقود اذا كذب البائع في بيان الثمن الأصلى كان هذا ۲ / ۱۲۱ الكذب خيانة وتغريرا (م عراقی: البدائع ج 5 ص 223 المدونة ج ۱۰ ص 59 - 62 المهذب ج ۱ ص ۲۸۸ - ۲۹۰) ، ومن امثله عقود الأمانة في العصر الحاضر عقود التأمين ، حيث لا يجوز للمؤمن عليه أن یکذب في بيان يعطيه للشركة او ان يكتسم أمرا له تأثير في التعاقد ( عبد الرزاق السنهوری ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج۲ ص 166 - 174): ومن هذا القبيل ايضا في الفقه الاسلامی بیع الاسترسال والاستثمان ، حيث يبين العائد أن لادارية له بسعر السوق فيستامن المتعامل معه ويسترسل إلى نصحه ويطلب اليه أن يبيع منه و أو يشترى بما تبيع الناس أو تشترى به ، فاذا كذب عليه المتعامل معه فان هذا الكذب يعتبر غشا و تدليسا يوجب للعاقد المغبون خيار الرد ( الخطاب ج4 ص 470 عبد الرزاق السنهوری ، مصادر الحق في  الفقه الاسلامی ج۲ ص 175 وما بعدها):

كذلك يتناول الفقه الاسلامي التغرير عن طريق الكتمان . من ذلك أنه في بداعات الأمانة لا يجوز للبائع مرابحة أن يقتصر على ذكر الثمن الأصلى ویکتم بیانا من شأنه أن يؤثر في قيمة المبيع ، کمالواشترى نسيئة ويبيع نقدا . حيث يعتبر هذا الكتمان خيانة و تدليسا . ومن هذا القبيل أيضا أن يعمد البائع الى اخفاء عيب في المبيع بأن يكتمه عن المشتري •

ويتناول الفقه الاسلامي ايضا التقرير الصادر من الغير ، ما دام هدا الغير متواطنا مع العاقد الذي يفيد من التدليس ، من ذلك الناجش ، وهو رجل يتواطأ مع صاحب سلعة يبيعها بالمزاد ليغاني في السلعه حی يبلغنا اكر من قيمتها. ومن ذلك أيضا التدليس الصادر من الدلال . وقد نصت المادة 532 من مرشد الحيران (وصحتها المادة 532) على أنه لارد في غبن فاحش في البيع الا اذا غر أحد المتبايعين الآخر أو غرة الدلال

ويتضح من هذا العرض أن الفقه الاسلامي في احاطه بالنواحي المختلفة التي يثيرهما موضوع التدليس قد وصل إلى مدي يداني ما وصل اليه فقه القانون الحديث غير أن هناك اختلافا بين الفقهین فی خصوص معيار التدليس ، ففقه القانون الحديث يقف عند معیار اوحد للتدليس، هو المعيار الذاتي الذي مقتضاه أن يكون التدليس هو الدافع الى التعاقد بينما يقرن الفقه الاسلامي بهذا المعيار الذاتی معیارا موضوعيا . هو أن يقترن بالتدليس غبن وصحيح أن الذين قد يتحقق في فريق من حالات التدليس ، ولكن التدليس قد يوجد وحده دون غبن فيدفع العاقد الى تعاقد لا مصلحة له فيه وما كان ليندم عليه لولا الحيلة التي استعملت معه لدفعه إلى التعاقد . ولهذا يعتبر التدليس في حد ذاته لا ضارا يخول الحق في المطالبة بالتعويض دملا عن طلب ابطال المتمد ، ومن ثم فالاقتصار على المعيار الذاتي في هذا الخصوص من شأنه أن يوفر حماية أكبر للمتعاقد المدلس عليه ، ولهذا روى الوقوف في النصوص المقترحة عند المعيار الذاتي وحده ، وهو ما ياخذ به التقنين الحالى

والمادة المقترحة تطابق في حكمها المواد 151 و 152 و ۱ / 153 من الفنان الكويتي ، وذلك فيما عدا أن هذا التفنين يأخذ بفكرة العقد القابل للابطال

( مادة ۱۲۷ )

يكون العقد موقوف النفاذ على الاجازة اذا صدر من ناقص الأهلية في ماله وكان تصرفا دائرا بين النفع والضرر ، او اذا شاب الارادة فيه غلط أو تدلیس او اكراه أو استغلال ، او اذا كان تصرفا في ملك الغير بدون اذنه ، او اذا ورد في القانون نص خاص على ذلك ،

يقابل هذا النص ما جاء في صدر الفقرة الأولى من المادة 134 من التقنين العراقي التي تقول : اذا انعقد العقد موقوفا لحجر أو اكراه . أو غلط أو تغرير جاز للعاقد أن ينقض العقد ۰۰ كما أن له أن يجيزه

وما جاء في الفقرة الأولى من المادة 135 من هذا التقنين التي تقول: و من تصرف في ملك غيره بدون اذنه انعقد تصرفه موقوفا على اجازة المالك

و تقابله المادة ۱۷۱ من التقنين الكويتي التي تقول : « العقد موقوف النفاذ على الأجازة اذا صدر من فضولي في مال غيره أو من مالك في مال له تعلق به حق الغير أو من ناقص الأهلية في ماله وكان تصرفا دانرا بين النفع والضرر أو من مكره او اذا نص القانون على ذلك

وتقابله المادة ۱۷۹ من التقنين الكويتي التي تقول : العقد القابل للأبطال ينتج اثاره ، ما لم يقض بابطاله ، واذا قضی بابطاله اعتبر كان لم یکن ،۰

وقد أخذه في النص المقترح بالأحكام الآتية :

اولا - انه اعتمد فكرة العقد الموقوف التي يأخذ بها الفقه الاسلامی بدلا من فكرة العقد المقابل للابطال التي باخذ بها التقنين الحالي وغيره من التقنينات العربية فيما عدا التقنين العراقي والتقنين الأردني •

ويختلف العقد الموقوف عن العقد القابل للابطال في ان هذا الأخير ينشأ صحيحا منتجا لأثارة، إلى أن يطلب ابطاله فیبطل أو تلحقه الاجازة فيظل صحيحا بصورة نهائية ، بينما ينشأ العقد الموقوف صحيحا ولكنه لا پنتج آثاره فتظل هذه الأثار موقوفه إلى أن ينقض العقد فيبطل أو تلحقه الإجازة فينفذ

ومن ثم فان فكرة العقد الموقوف تفضل فكرة العقد القابل للابطال في أو العقد الذي يشوبه نقص في الأهلية أو عيب في الارادة أو انعدام الولاية على المحل يحسن أن يقف حتى تلحقه الأجازة ، فهذا أولى من ان ينفذ حتى يطلب ابطاله ، وذلك لملافاة التعقيدات التي تنشا عند ابطال العقد بعد نفاذه -

ثانيا - انه وحد الحكم في الحالات التي يشوب العقد فيها نقص في الأهلية أو عيب في الارادة ، أو انعدام الولاية على محل أي التصرف في ملك الغير بدون اذنه

ويلاحظ أنه في الفقه الاسلامی یکون العقد موقوف النفاذ انا كان هناك نقص في الأهلية، أو كان هناك اكراه ، أو اذا تعلق حق الغير بالمحل . وهذا السبب الأخير يندرج تحته حالات أهمها تصرف الفضولى ، وهو من يتصرف في ملك غيره بدون اذنه ، و تصرف مالك العين المرهونه أو المؤجرة ، والبيع الصادر من المريض في مرضى الموت لوارثه (انظر في هذا الخصوص : عبد الرزاق السنهوري ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج 4 ص ۱۹۳ وما بعدها )۰

ولكن حكم النص المقترح يجعل هذا السبب الأخير قاصرا على  التصرف في ملك الغير بدون اذنه . غير أنه من ناحية أخري يتوسع في في نطاق العقد الموقوف فيجعله شاملا لعيوب الارادة جميعها . وبذلك أصبحت الأسباب التي تجعل العقد موقوف النفاذ في النص المقترح می نقص الأهلية وعيوب الارادة والتصرف في ملك الغير بدون اذنه ، وهذا هو النهج الذي سار عليه التقنين المدن العراقي في المادتين 134 و 135 المشار اليهما .أما التقنين المدني الأردني فقد أخذ في المادة ۱۷۱ التي تقدم ذكرها بما قرره الفقه الاسلامي .

ومعروف ان الفقه الاسلامي يجعل العقد موقوفا في حالة الاكراه (م 1006 من المجلة وم ۲۹۷ من مرشد الحيران )، بينما يعظی العاقد خیار الفسخ في حالتي الغلط (م ۳۱۰، ۳۱۱ من المجلة وم ۳۰۱ من مرشد الحيران ) والتدليس (م 357 من المجلة وم 532 من مرشد الحيران ) . وهذا ما أخذ به التقنين الأردنی ها ولكن روی آن من الأفضل توحيد الحكم بالنسبة إلى عيوب الارادة جميعها على غرار ما فعل التقنين العراقي

ويختلف العقد الموقوف عن العقد الذي يثبت فيه خيار الفسخ • فالعقد الموقوف ينشا صحيحا ، ولكنه يكون غير نافذ . اما العقد الذي يثبت فيه للعاند خيار الفسخ فينشأ صحيحا نافذا ، ولكنه يكون غير لازم ، فيكون للعائد الخيار بين امضاء العقد وفسخه .

كذلك رؤى علم جعل تصرف المالك في العين المرهونة أو المؤجرة موقوفا على اجازة الدائن المرتهن أو المستاجر . حيث انه من القواعد المستقرة الآن والتي تقتضيها المصلحة في التعامل ان الرهن او الايجار لا يقيد حق المالك في التصرف في ملكه . ولهذا رؤی من الأفضل الأخذ بالحل الذي اعتمده . التقنين العراقي ، أذ أنه يستجيب لحاجة التعامل ، على خلاف ما أخذ به التقنين الأردني •

اما التصرف الصادر من المريض في مرض الموت فحكمه في مكان أخر .

ثالثا انه جعل التصرف في ملك الغير بدون اذنه موقوفا على الاجازة وهند الحكم يفضل إلى حد كبير حكم بيع ملك الغير في التقنين الحالي وغيره من التقنينات العربية فيما عدا التقنين العراقي والتقنين الأردنی نبيع ملك الغير في التقنين الحالي وغيره من التقنينات التي اخذت بالتصوير اللاتيني حكمه مضطرب ولا يتفق مع القواعد العامة ، فهو نافذ في حق البائع ، وقابل للابطال بالنسبة إلى المشتري بمقتضى نص خاص ، وغير نافذ في حق المالك ، وللمالك أن يقره فيصبح بهذا الاقرار نافذا في حقه وصحيحا في حق المشتري .

بينما في ضوء فكرة العقد الموقوف یکون حكم هذا البيع واحدا بالنسبة إلى كل من البائع والمشتري والمالك ، فهو موقوف في حقهم

جميعا ، ولاتاتی اجازته الا من جانب المسالك ، فاذا صدرت ه ذه الاجازة أصبح العقد نافذا في حق الجميع ( عبد الرزاق السنهورى ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج 4 ص 305 - ۳۰۷)۰

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجلة الأحكام العدلية

مادة (356) وجود غبن فاحش في البيع

إذا وجد غبن فاحش في البيع ولم يوجد تغرير فليس للمغبون أن يفسخ البيع إلا أنه وجد الغبن وحده في مال اليتيم فلا يصح البيع. ومال الوقف وبيت المال حكمه حكم مال اليتيم.

مادة (310) بيع مال بوصف مرغوب 
إذا باع مالاً بوصف مرغوب فظهر المبيع خالياً عن ذلك الوصف كان المشتري مخيراً إن شاء فسخ البيع وإن شاء أخذه بجميع الثمن المسمى، ويسمى هذا الخيار خيار الوصف. مثلاً لو باع بقرة على أنها حلوب فظهرت غير حلوب يكون المشتري مخيراً وكذا لو باع فصاً ليلاً على أنه ياقوت أحمر فظهر أصفر يخير المشتري. 
مادة (311) خيار الوصف يورث 
خيار الوصف يورث. مثلاً لو مات المشتري الذي له خيار الوصف فظهر المبيع خالياً من ذلك الوصف كان للوارث حق الفسخ. 
مادة (357) البيع بغبن فاحش 
إذا غر أحد المتبايعين الآخر وتحقق أن في البيع غبناً فاحشاً فللمغبون أن يفسخ البيع حينئذ. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

مادة (68):
(1) إذا غيرت صفة المبيع بما يزيد ثمنه ولو من غير قصد دون علم المشتری ثبت الخيار له بين رد أو إمساك بلا أرش . 
(ب) خيار التدليس على التراخى إلا إذا كان بتصرية فيثبت في ثلاثة أيام من حين علمه بها . فإذا ردت المصراة رد معها صاع من تمر أو قيمته أو اللبن إن كان بحاله . 
إيضاح
القسم الرابع من أقسام الخيار خيار التدليس من الدلس بالتحريك وهو الظلمة . كأن البائع بفعله يجعل المشتري في ظلمة بما يزيد في الثمن . وهو حرام والعقد صحیح حديث أبي هريرة مرفوعا : "لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلها ، إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعا من تمر " متفق عليه . 
وغير التصرية من التدلیس یلحق بها كتحسين وجه الصبرة وتصنع النساج وجه الثوب . 
فإذا فعل بالمبيع شيء من ذلك ولو من غير قصد التدليس كان للمشتري الخيار على التراخي إن لم يكن عالم به وقت العقد ، فإذا كان عالما فلا خيار له . لأنه دخل على بصيرة ، وإنما لم يؤثر عدم التصد في إثبات الخيار لأن عدم القصد لا أثر له في إزالة ضرر المشتري. 
فاذا كان التدليس بما لا يزيد في الثمن فلاخيار لأنه لا ضرر في ذلك فاذا اختار المشتري الإمساك فلا أرش له لأن النبي - صلى الله عليه وسلم۔ لم يجعل له في المعراة أرشا . بل خيره بين الإمساك والرد مع صاع من تمر. ولأن المدلس ليس بمعيب فلم يستحق له أرش. 
فإن تعذر الرد لتلف المبيع فعليه الثمن ولا أرش له . أما تعيب المبيع عند المشتري قبل العلم بالتدليس فله رده ورد أرش العيب الذي حدث عنده وأخذ الثمن . وإن شاءاً مسك ولا شيء . 
فإن تصرف في المبيع بعد علمه بالتدليس بطل الرد . 
(ب) خيار التدليس على التراخي إلا إذا كان بتصرية المبيع . وهي جمع اللبن في الضرع . فإذا كان التدليس بها ثبت الخيار للمشتري مدة ثلاثة أيام منذ علم بالتصرية . وخير بين إمساکها بلا أرش و بين ردها مع صاع تمر إذا حلبها . لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر ) رواه مسلم . 
فإذا مضت الثلاثة أيام ولم يردها بطل الخيار لانتهاء غايته ولزوم البيع . وكذا لو صار لبنها عادة . لأن الخيار مثبت لدفع الضرر وقد زال وهذا الصاع الذي رد معها هو عوض اللبن الموجود حال العقد . ولو زادت قيمته على اللين لعموم الحديث . ولا يلزم أن يكون الصاع مرا بل يكفي أن يكون من غالب قوت البلد . واختاره الشيخ تقي الدين . إن لم يجد فعليه قيمته موضع العقد . وإن كان اللبن باقياً بعد الحلب بحاله لم يتغير بحموضه ولا بغيرها رده المشتري و لزم البائع قبوله . لأن اللبن هو الأصل والتمر بدل عنه . فإذا رد الأصل أجزأ كسائر الأصول مع مبادلاتها . أما إذا تغير اللبن فلا يلزم البائع بقبوله . فإن رضی بالتهرية فأمسكها ثم وجد بها عيبا آخر وردها به لزمه رد اللبن إن في أو عوضه كما تقدم .
 
مادة (۱۲۹) : 
 تحرم الحيل التي تحل حراما ، أو تحرم حلالا . 
ايضاح 
الحيلة المحرمة : هي ان يظهر عقدا ظاهره الإباحة بريد به محرما مخادعة وتوصلا إلى فعل ما حرم الله تعالى ، أو إلى إسقاط واجب لله تعالى ، أو لادی کهبة ماله مثلا قرب الحول لإسقاط الزكاة ، أو الإسقاط نفقة واجبة . 
والحيل التي توصل بها إلى تحليل حرام ، او تحريم حلال محرمة، لا تجوز في شيء من الدين لأن الله تعالى إنما حرم المحرمات لمفسداتها، والضرر الحاصل منها ولا يزول ذلك مع بقاء معناها . 
أما حديث خيبر المشهور الذي امر فيه بيع التمر الرديء والشراء ثمنه جيدة ، فإنما امرهم بذلك لأنهم كانوا يبيعون الصاعين من الرديء بالصاع من الجيد فعلهم و الحيلة المانعة من الربا لأن العقد هنا بالذات تحميل احد النوعين دون الزيادة ، فان تصورت حرمت الحيلة جمعا بين الأخبار . فعلم أن كل ما قصد التوصل إليه من حيث ذاته لا من حيث كونه حراما جاز ، وإلا حرم . 
ومن الحيل لو اقرض شيئا وباع إلى المقترض سلعة بأكثر من قیمتها ، أو اشترى منه شيئا بأقل من قيمته توسلا إلى أخذ العوض عن القرض .، ومنها أن يستأجر أرض بستان بأمثال أجرتهام يساقيه على نمر شجر بجزء من الف للمالك والباقي للعامل ولا يأخذ المالك منه شيئا ، ولا يريدان ذلك . وإنما قصدهما بيع العمرة قبل وجودها . أو بدو صلاحها بما ممياه والعامل لا يقصد سوى ذلك ، أو ربما لا ينتفع الأرض التي ممي الأجرة في مقابلتها ، ومثل ذلك من الحيل .