loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 175

مذكرة المشروع التمهيدي :

اختلفت المذاهب في شأن التدليس الصادر عن الغير ، ففريق لايرتب عليه بطلان العقد ( انظر المادة 1116 من التقنين الفرنسي، والمادتين 136 /196 من التقنين المصري في نصه العربي ) وفريق ( المادة 1261 من التقنين الاسباني ، والمادة 969 من التقنين الأرجنتيني ) يجعل له حكم التدليس الصادر من المتعاقدين ، من حيث ترتيب البطلان وفريق يتوسط بين هذين المذهبين ( المادة 21 من المشروع الفرنسي الإيطالي، والمادتان 52 /56 من التقنينين التونسي والمراكشي ، والمادة 993 من تقنين كوبيك ، والمادة 123 فقرة 2 من التقنين الألماني ، والمادة 875 من التقنين النمساوي ، والمادة 28 من تقنين الالتزامات السويسري ، والمادة 40 من التقنين البولوني ، والمادة 95 من التقنين البرازيلي ، والمادة 92 من التقنين الصيني ) فيشترط لاعتبار التدليس الصادر من الغير عيباً من عيوب الرضاء ، أن يثبت من ضلل به أن الطرف الآخر كان يعلم به أو كان في استطاعته أن يعلم به ، وقت إبرام العقد وفي هذا تطبيق خاص لنظرية الخطأ في تكوين العقد التي سبق تطبيقها فيما يتعلق بالغلط وقد اختار المشروع ما اتبعه الفريق الثالث .

ويراعى أنه إذا انصرفت منفعة من منافع العقد مباشرة إلى شخص غير العاقد ( المستفيد في اشتراط لمصلحة الغير ) فلا يجوز إبطال العقد بالنسبة له ، إلا إذا كان يعلم ، أو كان في إمكانه أن يعلم بالتدليس ( انظر المادة 123 فقرة 2 من التقنين الألماني )، ويختلف عن ذلك حكم التبرعات ، فهي تعتبر قابلة للبطلان ، ولو كان من صدر له التبرع لا يعلم بتدليس الغير ، ولم يكن يستطيع أن يعلم به لأن نية التبرع يجب أن تكون خالصة من شوائب العيب .

وغني عن البيان أنه لا يكون لدى العاقد سبیل الانتصاف سوی دعوى المطالبة بالتعويض إذا لم يعلم العاقد الآخر بالتدليس أو لم يكن في مقدوره أن يعلم به .

المشروع في لجنة المراجعة تليت المادة 174 من المشروع، واقترح كامل مرسى بك إعادة صياغتها بحيث تماثل مع المادة 177 التي تنص على نفس الحكم بالنسبة للإكراه .

واقترح معالي السنهوري باشا حذف الفقرة الثانية من المادة لأنها تقرر حكماً يكفي فيه تقرير قواعد المسئولية .

فوافقت اللجنة على ذلك وأصبح النص كما يأتي  :

إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس للتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد ما يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان في استطاعته أن يعلم بهذا التدليس وأصبح رقم المادة 130 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

 وافق المجلس على المادة دون تعديل ، تحت رقم 130 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني : 

محضر الجلسة التاسعة

تليت المادة 130 وهذا نصها : 

إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس للتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان في استطاعته أن يعلم بهذا التدليس .

فتساءل معالی دلی عيسى باشا عن كيفية وقوع التدليس من غير المتعاقدين فأجابه سعادة علوية باشا بأن هذا يتصور في حالة سمسار يتوسط في صفقة بين متعاقدین .

وقد شرح عبده محرم بك والدكتور بغدادي هذه المادة و قارناها بالنصوص الأخرى المصرية والفرنسية واستشهدا في ذلك ما جاء في كتاب نظرية العقد للسنهوري باشا صفحة 404 وذكر سعادة الرئيس أن هذه المادة مأخوذة من القانونين الألماني والسويسري ، ولكن القانون المراكشي لم يذهب مذهبهما فلم ينص على استطاعة العلم بالتدليس واقترح سعادته حذف عبارة رأو كان في استطاعته أن يعلم ، لأن الإعمال لا يمكن أن يصل إلى مرتبة التدليس وقد أيده في ذلك سعادة علوبه باشا .

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على المادة مع حذف عبارة , أو كان في استطاعته أن يعلم

محضر الجلسة الخامسة والأربعين

المادة 130 - سبق للجنة أن قررت حذف عبارة ، أو كان في استطاعته أن يعلم وقد ألحت الحكومة في إعادتها أو أن يستبدل بها عبارة أو كان من المفروض حتما ، وذلك أسوة بما اتبع في مواد سابقة وقد وافقت اللجنة على ذلك .

تقرير اللجنة  :

استعرض فيها عن عبارة أو كان في استطاعته أن يعلم، بعبارة أو كان من المفروض حتماً أن يعلم ، وقد تقدم بيان وجه هذا التعديل .

وأصبح رقم المادة 126.

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .

___________________________________________

الأحكام

1- الغش المفسد للرضا يجب أن يكون وليد إجراءات احتيالية أو وسائل من شأنها التغرير بالمتعاقد بحيث تشوب إدارته ولا تجعله قادرا على الحكم على الأمور حكما سليما، وأن مجرد الكذب لا يكفى للتدليس ما لم يثبت بوضوح أن المدلس عليه لم يكن يستطيع استجلاء الحقيقة بالرغم من هذا الكذب فإذا كان يستطيع ذلك فلا يتوافر التدليس.

(الطعن رقم 1862 لسنة 59 جلسة 1994/02/17 س 45 ع 1 ص 382 ق 80)

2- إنه وفقا للمادة 126 من القانون المدنى إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا التدليس .

(الطعن رقم 1862 لسنة 59 جلسة 1994/02/17 س 45 ع 1 ص 382 ق 80)

3- استخلاص عناصر التدليس الذى يجيز إبطال العقد من وقائع الدعوى وتقدير ثبوته أو عدم ثبوته من المسائل التى تستقل بها محكمة الموضوع

(الطعن رقم 1862 لسنة 59 جلسة 1994/02/17 س 45 ع 1 ص 382 ق 80)

4- يشترط فى الغش و التدليس على ما عرفته المادة 125 من القانون المدنى أن يكون ما إستعمل فى خدع المتعاقد حيلة ، و أن هذه الحيلة غير مشروعة قانوناً  ولما كان الحكم المطعون فيه قد إعتبر أن التدليس قد توافر فى جانب الطاعنة - الشركة البائعة - لمجرد أنها أعلنت فى الصحف أن الحصة المبيعة تغل ريعاً قدره 31 جنيها و750 مليماً شهرياً مع علمها أنها لا تغل سوى مبلغ 29 جنيها و 273 مليماً و إن هذا التدليس و إن لم يدفع على التعاقد إلا أنه أغرى المطعون عليها و زوجها - المشترين - على قبول الإرتفاع فى الثمن عن طريق لا يفيد بذاته توافر نية التضليل لدى الشركة و أنها تعمدت النشر عن بيانات غير صحيحة بشأن ريع العقار بقصد الوصول إلى غرض غير مشروع ، و بالتالى فإنه لا يكفى لإعتباره حيلة فى حكم المادة 125 من القانون المدنى ، و لما كانت الطاعنة فوق ما تقدم قد تمسكت فى مذكراتها المقدمة إلى محكمة الإستئناف بأن الإعلان عن البيع تم صحيحاً لأن ريع الحصة المبيعة طبقاً لمستنداتها تبلغ 31 جنيها و750 مليماً كما نشر فى الصحف ، غير أن الحكم إلتفت عن هذا الدفاع و لم يعن بتمحيصه أو الرد عليه مع أنه دفاع جوهرى قد يغير به وجه الرأى فى الدعوى لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه - إذ قضى بإنقاص الثمن و إلزام البائعة برد الزيادة إلى المشترين - يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون و عاره قصور يبطله

(الطعن رقم 620 لسنة 42 جلسة 1976/12/21 س 27 ع 2 ص 1791 ق 329)

5- كان تقدير أثر التدليس فى نفس العاقد المخدوع ، وما إذا كان هو الدافع إلى التعاقد ، من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع ، وكان يبين من الحكم المطعون فيه ، أنه إستظهر الظروف الذاتية للمتعاقدة والتى ألمت بها إثر وفاة ولدها الوحيد ، وجميع أبنائه فى حادث الباخرة دندرة ، وإستبعد الحكم أن يكون عطف المتعاقدة معها - وهى إبنتها - وكذلك عطف بناتها الأخريات ، على والدتهن فى محنتها من الوسائل الأحتيالية المعتبرة ركنا فى التدليس المفسد للعقود كما إستبعد الحكم ما أثير بشأن وجود ختم للمتعاقدة مع زوج المتعاقدة معها ، وأن هذه الأخيرة أنتهزت هذه الفرصة ، فوقعت بذلك الختم على العقدين موضوع النزاع  وذلك لعدم إتخاذ طريق الطعن بالتزوير على هذين العقدين ، وإستبعد الحكم أيضا ما إدعته الطاعنات من وقوع إكراه أدبى على المتصرفة أدى إلى التعاقد ، وإستخلص من ذلك أن الطاعنات لم تقلن إن المتصرف إليها لجأت إلى تهديد المتصرفة بخطر جسيم ، فإن ما قرره الحكم يكفى لحمل قضائه فى نفى التدليس و الإكراه الأدبى .

(الطعن رقم 329 لسنة 39 جلسة 1972/02/08 س 23 ع 1 ص 138 ق 22)

6- إذا كان الحكم قد نفى وقوع تدليس من الإبنة المتصرف إليها ضد والداتها المتصرفة لها ، وأفصح بما له من سلطة تقديرية ، عن أن مشاعر الود التى أبدتها المتصرف إليها نحو أمها ، إثر فجيعتها فى ولدها تتفق مع طبيعة الأمور ، وأنها ليست من قبيل الطرق الإحتيالية التى يقوم بها التدليس ، وعن أن أمرا لم يلبس على الأم المتصرفة ، بحيث يضللها عن حقيقة ما إتجهت إليه ، بالتصرف فى بعض ما لها للمتصرف إليها و لباقى بناتها - ومنهن من تطعن على هذا التصرف  وكان هذا الذى أفصح عنه الحكم يقوم على ما تكشف من ظروف الدعوى وملابساتها ، وله مأخذه الصحيح من الأوراق وكان سائغا ، ويؤدى إلى النتيجة التى إنتهى إليها ، فإنه لا يكون عليه إن هو لم يتتبع الطاعنات ، فى شتى مناحى طلباتهن و وجوه دفاعهن والرد عليها ، إذ فى قيام الحقيقة التى إقتنع بها وأورد دليلها  الرد الضمنى المسقط لكل تلك الأوجه ، ومن ثم فإن النعى على الحكم بالقصور فى التسبيب والفساد فى الإستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق يكون على غير أساس 

(الطعن رقم 329 لسنة 39 جلسة 1972/02/08 س 23 ع 1 ص 138 ق 22)

شرح خبراء القانون

التدليس الصادر من غير المتعاقدين :

إذا كان التدليس واقعاً من غير المتعاقدين، فإن المدلس عليه لا يستطيع إبطال العقد إلا إذا أثبت، وبكافة الطرق، أن المتعاقد الآخر كان يعلم بهذا التدليس أي أنه كان متواطئة مع الغير المدلس، أو أنه علم بقصد المدلس فسكت حتى تمكن الأخير من دفع المدلس عليه إلى التعاقد إذ يتوفر بذلك العلم ولو لم يصل إلى درجة التواطؤ، أو كان من المفروض على المتعاقد أن يعلم بهذا التدليس الصادر من الغير.

ويجب أن يتوفر هذا العلم أو إفتراض توافره عند التعاقد أو قبله، فإن توافر بعد التعاقد فلا أثر له، ويتحمل المدلس عليه عبء إثبات توافر العلم وقت التعاقد أو قبله وللمتعاقد الآخر نفى ذلك وله أن يثبت أنه وإن كان يعلم بالتدليس الذي صدر من الغير إلا أن هذا العلم تحقق بعد التعاقد.

فإن رفضت دعوى الإبطال لعدم علم المتعاقد بالتدليس ولعدم إمكان علمه بذلك، كان للمدلس عليه الرجوع على المدلس بالتعويض وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية.

وقد يلجأ المدلس عليه، عند عجزه عن إثبات العلم، إلى دعوى الإبطال للغلط إذا كان باستطاعته إثبات الغلط المشترك بينه وبين المتعاقد الآخر بسبب هذا التدليس أو إثبات أن هذا المتعاقد كان يعلم أو كان يستطيع أن يعلم بهذا الغلط ، وللمدلس عليه اللجوء للغلط بعد عجزه عن إثبات العلم بالتدليس، إذ له تغيير سبب دعواه ولو لأول مرة أمام محكمة الإستئناف، وليس له ذلك أمام محكمة النقض .

ومن الأمثلة على التدليس الصادر من الغير، الترغيب في شراء شئ معيب مع إيهام المدلس عليه بأن حالة الشيئ جيدة، والمزايد الصوري الذي لا يرغب حقيقة في الشراء وإنما لرفع قيمة المبيع غشاً .

 تدليس النائب :

إذا وقع التدليس من الوكيل أو من التابع، كان ذلك بمثابة التدليس الواقع من الأصيل، ومن ثم لا يلزم لإبطال العقد أن يثبت المدلس عليه أن الأصيل كان على علم بالتدليس أو كان من المفروض عليه العلم به، إذ يكفي إثبات عناصر التدليس. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني الصفحة/548 )

 الوضع في ظل التقنين المدني الجديد :

حسم الشارع في التقنين المدني الجديد ما ثار من خلاف في ظل القانون المدني القديم، فنص في المادة 126 على أن الغش الذي يصدر من غير المتعاقدين يجيز إبطال العقد - كالغش الصادر من المتعاقد نفسه - والغير هو من عدا المتعاقد ونائبه - بالتفصيل السابق - ومثال ذلك أن يتم عقد الكفالة بناءً على تدليس صادر لا من الدائن وهو المتعاقد مع الكفيل، ولكن من المدين وهو أجنبي عن عقد الكفالة هذا التدليس يؤدي إلى إبطال العقد إذا كان الدائن يعلم به أو من المفروض حتما أن يعلم به أو أن يضلل ترجمان سائحاً فاشترى من أحد تجار العاديات شيئاً زهيد القيمة بمبلغ كبير.

وقد اشترطت المادة في التدليس الذي يصدر من الغير أن يكون المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا التدليس.

وهذا العلم أو افتراض العلم حتما يجب أن يحدث وقت إبرام العقد.

وكانت الفقرة الأولى من النص كما ورد في المشروع التمهيدي تجري على أن :

التدليس الصادر من غير المتعاقدين... ما لم يثبت أن الطرف الآخر كان يعلم، أو كان في استطاعته أن يعلم بهذا التدليس، وقت إبرام العقد".

إلا أن لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ استبدلت عبارة "أو كان من المفروض كما أن يعلم بهذا التدليس"، بناء على طلب بعض الأعضاء" لأن الإهمال لا يمكن أن يصل إلى مرتبة التدليس .

وهذا ما حدا ببعض الفقهاء – بحق - إلى القول بأن مقتضى هذا التعديل ضرورة التشدد في استخلاص علم المتعاقد الآخر بالتدليس وعدم الاكتفاء بمجرد العلم .

 وعبء إثبات حصول التدليس من الغير يقع على عاتق المتعاقد المدلس عليه والذي يتمسك بإبطال العقد.

أما إذا كان المتعاقد الآخر غير عالم بالتدليس وليس من المفروض حتماً أن يعلم به، فإنه يجوز له إبطال العقد للغلط إذا أثبت العاقد المدلس عليه أن العاقد الآخر كان مشتركاً معه في الغلط الذي وقع فيه من جراء هذا التدليس، أو أن هذا المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان يستطيع أن يعلم بهذا الغلط فإذا لم يثبت شيئاً من ذلك، فإن العقد لا يكون باطلاً لا للتدليس، ولا للغلط لأننا إذا أبطلنا العقد في هذه الحالة فللمتعاقد الآخر وهو حسن النية أن يطلب تعويضاً، وجنى تعويض هو بقاء العقد صحيحاً وهذا تطبيق القيام العقد على سبيل التعويض، لا على الإرادة الحقيقة للمتعاقد. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/318).

 وقد نص التقنين الجديد على مثل هذا فى الإكراه ( أنظر المادة 128 ) فسوى بحق ما بين الإكراه والتدليس فى ذلك .

وإذا كان التدليس الصادر من الغير يعيب الإرادة متى كان المتعاقد الآخر يعلم ، أو كان من المفروض حتماً أن يعلم ، بالتدليس ، بقى الفرض الذي يكون فيه المتعاقد الآخر غير عالم بالتدليس وغير مستطيع أن يعلم به وحتى هنا يجوز إبطال العقد للغلط إذا أثبت العاقد المخدوع أن العاقد الآخر كان مشتركاً معه في الغلط الذي وقع فيه من جراء هذا التدليس ، أو أن هذا المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان يستطيع أن يعلم بهذا الغلط فإذا لم يثبت شيئاً من ذلك ، فإن العقد لا يكون باطلاً لا للتدليس و للغلط وهذا عدل ، لأننا إذا أبطلنا العقد في هذه الحالة فللمتعاقد الآخر وهو حسن النية أن يطلب تعويضاً ، وخير تعويض هو بقاء العقد صحيحاً وهذا تطبيق آخر لقيام العقد على سبيل التعويض لا على الإرادة الحقيقية للمتعاقد وقد سبقت الإشارة إلى تطبيقات من هذا القبيل . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول الصفحة/ 437).

ولا يشترط أن يكون التدليس في العقود مبادراً من المتعاقد اقر بل إنه يعيب الارادة ولو كان صادراً من أجنبي عن العقد ، بشرط أن يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من القروض منها أن يعد بهذا التدليس (المادة 126 مدنی). (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقص، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الأول  الصفحة/ 884)

 والمقصود بالتدليس في هذين النصين إيقاع العاقد بطرق احتيالية في غلط يدفعه إلى التعاقد ففيه من جهة غلط وقع فيه أحد العاقدين ، ومن جهة أخر طرق احتيالية استعملها العساند الآخر أو أستعملها غيره بعلمه إيقاع الأول في الغلط فالتدليس يفسد رضا العاقد المدلس عليه بسبب ما أوجده في ذهنه من غلط دفعه إلى التعاقد ، وهو فوق ذلك يعتبر عملاً غير مشروع من المدلس يستوجب جزاء آخر فوق ابطال النقد  فيترتب عليه إلزام المدعي بتعويض ما سببه المدلس عليه من ضرر .

ويبين من النصين سالفي الذكر أن التدليس يعيب الرضا إذا توافرت فيه ثلاثة شروط : 

1 - استعمال طرق احتيالية بقصد التحايل وهو ما يعتبر في ذاته عملاً غير مشروع .

2 - أن يكون استعمال تلك الطرق ماصلاً من المعاهد الآخر (حسب القانون الفرنسي ) ، أو على الأقل، أن يكون ذلك العاقد الآخر عالم به أو من المفروض حتما أن يعلم به ( حساب القانون المصرى ) .

3 - أن يكون التضليل الناشئ ، عن استعمال هذه الطرق الاحتيالية هو الدافع الى التعاقد .

الشرط الأول : استعمال طرق احتيالية - الطرق الاحتيالية هي وسائل مادية تتخذ لتضليل العاقد فهي تتكون من عنصرين أحدهما مادي والآخر معنوي.

(أ) فالعنصر المادي يتكون من أعمال مادية من شأنها أن تولد في ذهن العاقد صورة تخالف الواقع أو أن تؤيد في ذهنه مثل هذه الصورة، ويشمل ذلك كل المظاهر الكاذبة التي لا تطابق الواقع ، كالتظاهر بالوجاهة واليسار ، واتخاذ صفة منتحلة كصفة المحضر أو ضابط البوليس أو محصل عوائد الأملاك البنية الخ ، واصطناع أوراق أو مستندات كعقود إيجار أو كشوف حسابات من البنوك أو بطاقة تحقيق شخصية الخ، وتصوير شركات وهمية لا وجود لها .. ويستوي في ذلك أن تكون تلك الأعمال مشروعة في ذاتها أو غير مشروعة وإنما لابد أن يكون التجاء المدلس اليها بقصد تضليل الطرف الآخر العمله على إبرام عقد لغير صالحة وهو ما يشكل عملاً غير مشروع وإن لم يصل الى مرتبة النصب المعاقب عليه جنائياً .

و الأمل أن مجرد الكذب ولو في صاحية التأكيد لا يعتبر في ذاته من الطرق الاحتيالية ، كما إذا بالغ التاجر في وصف، مزایا بضاعته أو تظاهر البائع للمشتري بأنه كامل الأهلية خلافاً للحقيقة ، غير أنه يعتبر من الطرق الاحتيالية إذا قرر الكاذب بيانات خاصة بأمور معينة يعلم أن الطرف الآخر يعلق عليها أهمية خاصة في التعاقد ، كما إذا اشتريت خوذة قرر لي البائع أنها من الصلب في حين أنها من الحديد العادي ومع علم البائع أني أعلق أهمية كبيرة على أن تكون الخوذة من الصلب لا من الحدية ، وكما إذا كذب المؤمن عليه في البيانات التي طلب إليه أن يدلى بها الى المؤمن ، فأظهر له المخاطر التي يتعرض لها بأنها أقل من الواقع .. وقضت محكمة النقض الفرنسية أن مجرد الكذب يمكن أن يعتبر تدليساً بل إن مجرد الكتمان قد يعتبر في بعض الحالات من الطرق الاحتيالية ، فهو وإن كان - کالكذب - الأصل فيه ألا يعتبر كذلك ، الا أن هناك أحوالا يكون فيها أمر من الأمور واجب البيان على من يعلم به لأن ظهوره من شأنه أن يجعل إرادة العاقد الآخر تتجه اتجاهاً غير الذي اتجهت إليه في التعاقد ، ويعتبر کتمان هذا الأمر فيها من قبيل الطرق الاحتيالية .

 وينشأ واجب العاقد في الأثناء بالمعلومات التي تكون لديه لما ينص في القانون وانا بسبب طبيعة العقد - حيث يفترض العقد وجود شقة خاصة فيما بين عاقديه.

 فالقانون يلزم البائع مثلاً أن يذكر ما في المشي من عيوب خفية ويلزم المحيل، أن يذكر ما حدث في تأمينات الحق المحال من نقص ، فان سكت البائع أو المحيل عن ذكر ذلك اعتبر کتمانه اياه من قبيل الطرق الاحتيالية ، وطبيعة عقد التأمين مثلاً توجد على المؤمن عليه أن يحيط المؤمن علما بجميع ظروفه التي من شأنها أن تزيد احتمال تحقق المخاطر المؤمن ضدها كوجود مرض وراثي في الأسرة أو وجود مصنع سري لمواد سريعة الإلتهاب كالكحول أو البترولي قابلة للانفجار إلخ .

وفي قضاء الحاكم الفرنسية إتجاه إلى الاعتراف بوجود التزام على العاقد بالإدلاء إلى المتعاقد معه ببعض المعلومات التي من شأنها أن تؤثر في قبول هذا الأخير التعاقد والي اعتبار كتمانه هذه المعلومات من العقد الأخير تدليساً .

ويجب فوق ذلك في اعتبار الكتمان تدلين ما أن يرد على أمر غير معلوم للمدلس وغير ممكن علم الأخير به من غير طريق الذي كتمه ، لأنه إن كان معلوماً له فلا يكون ثمة غلط ولا تدليس ولا تضليل ، وان كان يستطيع أن يعلم به فإنه يكون مقصراً وملوماً لعدم العمل على الإحاطة به .

 أما الركن المعنوي في استعمال الطرق الاحتيالية فهو نية التضليل توصلاً الى غرض غير مشروع، ولذلك اعتبر التدليس عملاً غير مشروع يوجد، مسئولية فاعله عما يسببه للمتعاقد معه من أضرار .

فاذا انعدمت نية التضليل لم يتوافر التدليس ، كما في حالة التاجر الذي يجتهد في إبراز محاسن سلعة ولو بالغ في ذلك ، اذ أنه لا يقصد التضليل وإنما يقصد مجرد ترغيب العملاء في الشراء.

واذا وجدت نية التضليل وكان المقصود غرضاً مشروعاً ، فلا يعتبر ذلك استعمال طرق احتيالية أو تدليساً ، كالمودع يستعمل طرقاً احتيالية الاسترداد وديعة له عند شخص غير أمين ، أما اذا استعملت وسائل مادية بقصد تضليل شخص لابتزاز المال منه دون حق كان ذلك تدليساً .

وتستقل محكمة الموضوع باستظهار عنصري التدليس من وقائع الدعوى ولا تخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض ، ولكن لا يجوز لها أن تكتفي بأحد العنصرين دون الآخر ، فإذا أخذت بالتدليس مع انعدام نية التضليل ، فان حكمها يكون قابلاً  للنقض ولأن تقدير عنصری التدليس يعتبر مسألة موضوعية خانه لا يجوز، إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .

الشرط الثاني : صدور التدليس من العاقد الآخر أو علمه به على الأقل -  وقد علل الفقه ذلك بأنه إذا صدر التدليس من الغير دون ذنب في ذلك للعاقد الآخر وليس من العدل أن يجزي هذا، بطلان العقد لذنب اقترفه غيره ،  وبأن للعاقد المخدوع أن يرجع على الغير الذي صدر عنه التدليس بتعويض عما أصابه من الضرر بسبب هذا التدليس طبقاً القواعد العامة . 

غير أنه اعترض على ذلك بأن التدليس إنما يبطل العقد بسبب ما يحدثه من أثر في نفس العاقد ، ويقطع النظر عن مصدره : فسواء كان صادراً من العاقد الآخر أو صادرة من الغير ، فان أثره في النفس واحد ، وهو بالفساد الرضا ، وينبغي أن يكون حكمه واحداً في الحالين ، وقد راعى المشرع الفرنسي ذاته ذلك فيما يتعلق بالإكراه فلم يميز بين الإكراه الصادر من المتعاقد الآخر والإكراه الصادر من الغير .

وقد حملت هذه الاعتراضات المحاكم الفرنسية على أن تضيق في تفسير نص المادة 1116 المذكورة فقصرت تطبيقها على العقود دون الأعمال القانونية الأخرى كالوحية والاقرار ، استناداً إلى أن النص لم يذكر سوي العقود ، ثم استبعدت تطبيق هذا النص على الهبات ، أي أنها قضت بأن التدليس يبطل الهبات سواء صدر من المتعاقد الآخر أو من غيره ، وبررت ذلك بأن السبب في عقد الهبة هو نية المتبرع ، وبأنه يجب لذلك أن تتمخض الهبة عن نية تبرع خالصة فإذا داخلها تدلیس ولو كان صادراً من النمير ذاك الرضا وجعل الهيئة قابلة للإبطال  .

 والظاهر أن المشرع المصرى تأثر عند وضع التقنية الملغي بما وجه التي نص القانون الفرنسي من نقد، نص في المادة 196/136  في أصلها الفرنسي على أن « التدليس يعيب الرضا اذا كانت الحيل المستعملة ضد المتعاقد جسيمة بحيث أنه لولاها لما رضي ، غير أن الترجمة العربية لهذا النص ذكر فيها الحيل المستعملة له من المعاقد الآخر ، أي أنه اشترط أن يكون التدليس الذي يترتب عليه . إبطال العقد صادراً من العاقد الآخر ، خلافاً للأصل الفرنسي الذي يتمتع لشمول التدليس الصادر من الغيرة و ازاء ذلك انقسم الفقه و القضاء في هذا الشأن ، وتبين أن يهمهم التقنين الجديد هذا الخلاف .

ويبين من نص المادة 125 فقرة أولى أن المشرع اشترط في الأصل في التدليس أن يكون صادراً من أحد العاقدين ، ثم عرض في المادة 126 التدليس الصادر من الغير ورتب عليه أثره في جعل العقد قابلاً للإبطال بشرط أن يثبت المدلس عليه أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا التدليس .

الشرط الثالث : كون التدليس دافعاً إلى التعاقد - ويشترط أن يكون التدليس هو الدافع الى التعاقد بحيث لولاه لما رضي المدت عليه بالعقد .

وهذا التدليس الدافع هو الذي يفيد الرضا وهذا التدلي ويجعل العقد قابلاً للأبطال ، ويميز الشراح عادة بينه وبين التدليس غير الدافع أي الذي لا يكون هو الذي حمل العاقد على التعاقد بل اقتصر أمره على حمل التعاقد على قبول شروط اشد مما كان يقبلها لولاه ، ولا يعتبرون الأخير مفيداً للرضا أو مؤدياً الي إبطال العقد وإنما يقصرون أثره على الزام المدلس بتعويض المدلس عليه عما أصابه من ضرر بسبب التدليس .

ويرى الفقه الحديث أن لا محل لهذه التفرقة لعدم إمكان الفصل بين قبول التعاقد "ذاته وبين قبوله بشروط معينة ، ولأن الرضا إنما يرد على عقد معين بشروط مخصوصة ، فإما أن تكون الارادة في اتجاهها الى هذا العقد بشروطه سليمة ، فيقع العقد صحيحاً ، وإما أن تكون مضللة فيكون العقد قابلاً للابطال سواء كان التضليل دافعاً إلى التعاقد ذاته أو الى قبول شروط أبهظ .

على أنه حتى اذا كانت التفرقة بين نوعي التدليس ممكنة في الواقع ، فإن التدليس الذي يعمل على قبول شروط أشد يمكن اعتباره فعلاً ضاراً غير مشروع، واذن يترتب عليه التزام المدلس بالتعويض .

ولأن خير تعویض هو التعويض الميني فيمكن الحكم أما بإبطال العقد على سبيل التعويض العيني وأما بصحة العقد مع التخفيف من شروطه الباهظة أو مع تعويض نقدي للمدلس عليه .

ومثل ذلك أن يطلع بائع العقار المشتري على عقود إيجار مصطنعة ليوهمه أن ريع العقار مرتفع ويحمله على شرائه بثمن عال أو أن يتفق من يعرض شيئاً في مزاد علني مع شخص آخر على أن يتقدم في هذا الزاده بعطاءات وهمية ليحمل المزايين الحقيقيين على رفع عطاءاتهم فإذا نجحت الحيلة وقبل المشتري أو اندفع أحد هؤلاء المزايدين إلى الثراء بثمن أعلى مما كان هو أو غيره مشتری به مثل هذا الشيء لولا هذه الخدعة ، جاز له أن يتملك بما  شاب رضاه من تدليس ليبطل العقد أو ليحصل على تعويض يتمثل في نقص الثمن.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقص، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني  الصفحة /  379)

يشترط لإبطال العقد للتدليس فوق توافر التدليس على النحو المبين بالتعليق على المادة السابقة أن يتصل العاقد الآخر بهذا التدليس وهو ما يتحقق في حالة صدور التدليس منه ، أما عند وقوع التدليس من الغير فيتحقق هذا الشرط إذا كان المتعاقد الآخر يعلم بوقوع التدليس أو كان من المفروض حتماً أن يعلم ، أما إذا ما لم يكن يعلم ولم يكن يستطيع أن يعلم فلا يتحقق التدليس كسب للإبطال وإن كان من الممكن إبطال العقد للغلط إذا أثبت المجلس عليه أن العاقد الآخر كان مشتركا معه في الغلط سواء بوقوعه في نفس الغلط أو علمه أو إمكانه علمه بوقوعه منه ( السنهوري بند 184 - ويراجع فيه بندی 185 و 186 صلة التدليس بالغلط ). (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 779 ).

 

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي عشر ، الصفحة /  126

تَدْلِيسٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - التَّدْلِيسُ: مَصْدَرُ دَلَّسَ، يُقَالُ: دَلَّسَ فِي الْبَيْعِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ: إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ عَيْبَهُ.

وَالتَّدْلِيسُ فِي الْبَيْعِ: كِتْمَانُ عَيْبِ السِّلْعَةِ عَنِ الْمُشْتَرِي.

قَالَ الأْزْهَرِيُّ: وَمِنْ هَذَا أُخِذَ التَّدْلِيسُ فِي الإْسْنَادِ  .

وَهُوَ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ كِتْمَانُ الْعَيْبِ.

قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ: كِتْمَانُ عَيْبِ السِّلْعَةِ عَنِ الْمُشْتَرِي.

وَعِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَدْلِيسُ الإْسْنَادِ . وَهُوَ: أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ لَقِيَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، مُوهِمًا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ، أَوْ عَمَّنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يَلْقَهُ مُوهِمًا أَنَّهُ لَقِيَهُ أَوْ سَمِعَهُ مِنْهُ.

وَالآْخَرُ: تَدْلِيسُ الشُّيُوخِ. وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ شَيْخٍ حَدِيثًا سَمِعَهُ مِنْهُ فَيُسَمِّيهِ أَوْ يُكَنِّيهِ، وَيَصِفُهُ بِمَا لَمْ يُعْرَفْ بِهِ كَيْ لاَ يُعْرَفَ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْخِلاَبَةُ:

2 - الْخِلاَبَةُ هِيَ: الْمُخَادَعَةُ. وَقِيلَ: هِيَ الْخَدِيعَةُ بِاللِّسَانِ .

وَالْخِلاَبَةُ أَعَمُّ مِنَ التَّدْلِيسِ؛ لأِنَّ هَا كَمَا تَكُونُ بِسَتْرِ الْعَيْبِ، قَدْ تَكُونُ بِالْكَذِبِ وَغَيْرِهِ.

ب - التَّلْبِيسُ:

3 - التَّلْبِيسُ مِنَ اللَّبْسِ، وَهُوَ: اخْتِلاَطُ الأْمْرِ. يُقَالُ: لَبَّسَ عَلَيْهِ الأْمْرَ  يُلَبِّسُهُ لَبْسًا فَالْتَبَسَ. إِذَا خَلَطَهُ عَلَيْهِ حَتَّى لاَ يَعْرِفَ جِهَتَهُ، وَالتَّلْبِيسُ كَالتَّدْلِيسِ وَالتَّخْلِيطِ، شُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ .

وَالتَّلْبِيسُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنَ التَّدْلِيسِ؛ لأِنَّ  التَّدْلِيسَ يَكُونُ بِإِخْفَاءِ الْعَيْبِ، وَالتَّلْبِيسُ يَكُونُ بِإِخْفَاءِ الْعَيْبِ، كَمَا يَكُونُ بِإِخْفَاءِ صِفَاتٍ أَوْ وَقَائِعَ أَوْ غَيْرِهَا لَيْسَتْ صَحِيحَةً.

ج - التَّغْرِيرُ:

4 - وَهُوَ مِنَ الْغَرَرِ، يُقَالُ: غَرَّرَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ تَغْرِيرًا وَتَغِرَّةً: عَرَّضَهُمَا لِلْهَلَكَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ. وَيُقَالُ: غَرَّهُ يَغُرُّهُ غَرًّا وَغُرُورًا وَغُرَّةً: خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِلِ.

وَالتَّغْرِيرُ فِي الاِصْطِلاَحِ: إِيقَاعُ الشَّخْصِ فِي الْغَرَرِ، وَالْغَرَرُ: مَا انْطَوَتْ عَنْكَ عَاقِبَتُهُ .

وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّغْرِيرُ أَعَمَّ مِنَ التَّدْلِيسِ؛ لأِنَّ  الْغَرَرَ قَدْ يَكُونُ بِإِخْفَاءِ عَيْبٍ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُجْهَلُ عَاقِبَتُهُ.

د - الْغِشُّ:

5 - وَهُوَ اسْمٌ مِنَ الْغِشِّ، مَصْدَرُ غَشَّهُ: إِذَا لَمْ يُمَحِّضْهُ النُّصْحَ، وَزَيَّنَ لَهُ غَيْرَ الْمَصْلَحَةِ، أَوْ أَظْهَرَ لَهُ خِلاَفَ مَا أَضْمَرَهُ . وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّدْلِيسِ؛ إِذِ التَّدْلِيسُ خَاصٌّ بِكِتْمَانِ الْعَيْبِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّدْلِيسَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ. فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ   صلي الله عليه وسلم : (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا). 

وَقَالَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ: «مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ، وَلَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تَلْعَنُهُ» .

وَقَالَ   صلي الله عليه وسلم : «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» 

وَلِهَذَا يُؤَدِّبُ الْحَاكِمُ الْمُدَلِّسَ؛ لِحَقِّ اللَّهِ وَلِحَقِّ الْعِبَادِ.

التَّدْلِيسُ فِي الْمُعَامَلاَتِ:

7 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ كُلَّ تَدْلِيسٍ يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لأِجْلِهِ فِي الْمُعَامَلاَتِ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ: كَتَصْرِيَةِ الشِّيَاهِ وَنَحْوِهَا قَبْلَ بَيْعِهَا لِيَظُنَّ الْمُشْتَرِي كَثْرَةَ اللَّبَنِ، وَصَبْغَ الْمَبِيعِ بِلَوْنٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ، عَلَى اخْتِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ.

وَاسْتَدَلُّوا لِثُبُوتِ الْخِيَارِ بِالتَّصْرِيَةِ بِحَدِيثِ: «مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» . وَقِيسَ عَلَيْهَا غَيْرُهَا، وَهُوَ كُلُّ فِعْلٍ مِنَ الْبَائِعِ  بِالْمَبِيعِ يَظُنُّ الْمُشْتَرِي بِهِ كَمَالاً فَلاَ يُوجَدُ؛ لأِنَّ  الْخِيَارَ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالتَّصْرِيَةِ لِذَاتِهَا، بَلْ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّلْبِيسِ وَالإْيهَامِ .

شَرْطُ الرَّدِّ بِالتَّدْلِيسِ:

8 - لاَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِمُجَرَّدِ التَّدْلِيسِ، بَلْ يُشْتَرَطُ أَلاَّ يَعْلَمَ الْمُدَلَّسُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْعَقْدِ، فَإِنْ عَلِمَ فَلاَ خِيَارَ لَهُ لِرِضَاهُ بِهِ، كَمَا يُشْتَرَطُ أَلاَّ يَكُونَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا، أَوْ مِمَّا يَسْهُلُ مَعْرِفَتُهُ.

وَيَثْبُتُ خِيَارُ التَّدْلِيسِ فِي كُلِّ مُعَاوَضَةٍ، كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ، وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ إِقْرَارٍ، وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ .

التَّدْلِيسُ الْقَوْلِيُّ:

9 - التَّدْلِيسُ الْقَوْلِيُّ كَالتَّدْلِيسِ الْفِعْلِيِّ فِي الْعُقُودِ، كَالْكَذِبِ فِي السِّعْرِ فِي بُيُوعِ الأْمَانَاتِ (وَهِيَ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْحَطِيطَةُ) فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ التَّدْلِيسِ .

التَّدْلِيسُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ:

10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّهُ إِذَا دَلَّسَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، بِأَنْ كَتَمَ عَيْبًا فِيهِ، يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ، لَمْ يَعْلَمْهُ الْمُدَلَّسُ عَلَيْهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلاَ قَبْلَهُ. أَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَصْفًا مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ كَإِسْلاَمٍ، وَبَكَارَةٍ، وَشَبَابٍ، فَتَخَلُّفُ الشَّرْطِ: يُثْبِتُ لِلْمُدَلَّسِ عَلَيْهِ وَالْمَغْرُورِ بِخَلْفِ الْمَشْرُوطِ خِيَارَ فَسْخِ النِّكَاحِ .

وَقَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ خِيَارُ الْفَسْخِ لِعَيْبٍ، فَالنِّكَاحُ عِنْدَهُمْ لاَ يَقْبَلُ الْفَسْخَ.

وَقَالُوا: إِنَّ فَوْتَ الاِسْتِيفَاءِ أَصْلاً بِالْمَوْتِ لاَ يُوجِبُ الْفَسْخَ، فَاخْتِلاَلُهُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ أَوْلَى بِأَلاَّ يُوجِبَ الْفَسْخَ؛ وَلأِنَّ  الاِسْتِيفَاءَ مِنْ ثَمَرَاتِ الْعَقْدِ، وَالْمُسْتَحَقُّ هُوَ التَّمَكُّنُ، وَهُوَ حَاصِلٌ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لاَ خِيَارَ لِلزَّوْجِ بِعَيْبٍ فِي الْمَرْأَةِ، وَلَهَا هِيَ الْخِيَارُ بِعَيْبٍ فِي الزَّوْجِ مِنَ الْعُيُوبِ الثَّلاَثَةِ: الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ فَلِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ فِي طَلَبِ التَّفْرِيقِ أَوِ الْبَقَاءِ مَعَهُ؛ لأِنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْوُصُولُ إِلَى حَقِّهَا بِمَعْنًى فِيهِ، فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا، أَوْ عِنِّينًا بِخِلاَفِ الرَّجُلِ؛ لأِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِالطَّلاَقِ.

تَأْدِيبُ الْمُدَلِّسِ:

14 - يُؤَدَّبُ الْمُدَلِّسُ بِالتَّعْزِيرِ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ زَاجِرًا وَمُؤَدِّبًا.

جَاءَ فِي مَوَاهِبِ الْجَلِيلِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ شَيْئًا وَبِهِ عَيْبٌ غَرَّ بِهِ أَوْ دَلَّسَهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مِمَّا لاَ خِلاَفَ فِيهِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى مَنْ غَشَّ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، أَوْ غَرَّهُ، أَوْ دَلَّسَ بِعَيْبٍ: أَنْ يُؤَدَّبَ عَلَى ذَلِكَ، مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ؛ لأِنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ: أَحَدُهُمَا لِلَّهِ؛ لِيَتَنَاهَى النَّاسُ عَنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَالآْخَرُ لِلْمُدَلَّسِ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَلاَ يَتَدَاخَلاَنِ،  وَتَعْزِيرُ الْمُدَلِّسِ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، كَكُلِّ مَعْصِيَةٍ لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني  والعشرون  ، الصفحة / 234

عُيُوبُ الرّضا:

14 م - إنّ «الرّضا» بمعْناهُ الاصْطلاحيّ إنّما يتحقّقُ إذا وُجد الْقصْدُ إلى آثار الْعقْد، ولكنّهُ إنّما تترتّبُ عليْه الآْثارُ الشّرْعيّةُ إذا سلم منْ كُلّ عيْبٍ يُؤثّرُ فيه، وذلك إنّما يتحقّقُ إذا كان «الرّضا» سليمًا أيْ بأنْ يكُون حُرًّا طليقًا لا يشُوبُهُ ضغْطٌ ولا إكْراهٌ، ولا يتقيّدُ بمصْلحة أحدٍ كرضا الْمريض، أو الدّائن الْمُفْلس، وأنْ يكُون واعيًا فلا يحُولُ دُون إدْراك الْحقيقة جهْلٌ، أوْ تدْليسٌ وتغْريرٌ، أو اسْتغْلالٌ، أوْ غلطٌ أوْ نحْوُ ذلك ممّا يعُوقُ إدْراكهُ.

فمنْ عُيُوب الرّضا الإْكْراهُ والْجهْلُ والْغلطُ، والتّدْليسُ والتّغْريرُ، والاسْتغْلالُ وكوْنُ الرّضا مُقيّدًا برضا شخْصٍ آخر، يقُولُ الْغزاليُّ والنّوويُّ وغيْرُهُما: ويخْتلُّ الْقصْدُ بخمْسة أسْبابٍ: سبْق اللّسان، والْهزْل، والْجهْل، والإْكْراه، واخْتلال الْعقْل.

فإذا وُجد عيْبٌ منْ هذه الْعُيُوب، أوْ بعبارةٍ أُخْرى إذا لمْ يتوفّرْ شرْطٌ منْ شُرُوط الرّضا فإنّ الْعقْد في بعْض الأْحْوال يكُونُ فاسدًا، أوْ باطلاً - على خلافٍ فيهما بيْن الْجُمْهُور والْحنفيّة - ويكُونُ في بعْض الأْحْوال غيْر لازمٍ، أيْ يكُونُ لأحد الْعاقديْن، أوْ كليْهما حقُّ الْخيار، ومنْ هُنا فإنّ هذه الْعُيُوب بعْضها يُؤثّرُ في الرّضا تأْثيرًا مُباشرًا، فيكُونُ الْعقْدُ الّذي تمّ في ظلّه فاسدًا أوْ باطلاً - كما في الإْكْراه، وبعْضها يُؤثّرُ في إلْزاميّة الرّضا، فيكُونُ الْعقْدُ الّذي تمّ في ظلّه غيْر مُلْزمٍ، بلْ يكُونُ لعاقدٍ حقُّ الْخيار، مثْل التّدْليس، والتّغْرير، والاسْتغْلال ونحْوها، وبعبارةٍ أُخْرى فإنّ هذه الشُّرُوط منْها ما هُو شرْطٌ لصحّة الرّضا ككوْنه لمْ يقعْ تحْت إكْراهٍ، ومنْها ما هُو شرْطٌ للُزُومه، ككوْنه لمْ يشُبْهُ غلطٌ أو اسْتغْلالٌ، أوْ تدْليسٌ - على تفْصيلٍ كبيرٍ وخلافٍ .

ونُحيلُ لأحْكام هذه الْمسائل إلى مُصْطلحاتها الْخاصّة في الْموْسُوعة.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والثلاثون ، الصفحة / 220

الْغِشُّ بِالتَّدْلِيسِ وَالتَّصْرِيَةِ:

7 - يَقَعُ الْغِشُّ فِي الْمُعَامَلاَتِ كَثِيرًا بِصُورَةِ التَّدْلِيسِ الْقَوْلِيِّ، كَالْكَذِبِ فِي سِعْرِ الْمَبِيعِ، أَوِ الْفِعْلِيِّ كَكِتْمَانِ عُيُوبِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ بِصُورَةِ التَّصْرِيَةِ كَأَنْ يَتْرُكَ الْبَائِعُ حَلْبَ النَّاقَةِ أَوْ غَيْرِهَا مُدَّةً قَبْلَ بَيْعِهَا لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِيَ كَثْرَةَ اللَّبَنِ، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ يُخْدَعُ الْمُشْتَرِي، فَيُبْرِمُ الْعَقْدَ وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِذَلِكَ إِذَا عَلِمَ الْحَقِيقَةَ.

وَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ التَّدْلِيسَ عَيْبٌ، فَإِذَا اخْتَلَفَ الثَّمَنُ لأِجْلِهِ فِي الْمُعَامَلاَتِ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَعْلَمَ الْمُدَلَّسُ عَلَيْهِ الْعَيْبَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ عِنْدَهُ، وَأَنْ لاَ يَكُونَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَدْلِيس ف 7 وَمَا بَعْدَهَا)

وَفِي الْغِشِّ بِصُورَةِ التَّصْرِيَةِ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ تَصْرِيَةَ الْحَيَوَانِ عَيْبٌ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَذَلِكَ لِحَدِيثِ: «لاَ تُصَرُّوا الإْبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ».

وَلاَ يَعْتَبِرُ أَبُو حَنِيفَةَ التَّصْرِيَةَ عَيْبًا مُثْبِتًا لِلْخِيَارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُصَرَّاةً فَوَجَدَهَا أَقَلَّ لَبَنًا مِنْ أَمْثَالِهَا لَمْ يَمْلِكْ رَدَّهَا، وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِأَرْشِهَا .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَصْرِيَة ف 3 وَمَا بَعْدَهَا).

__________________________________________________________________

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

مادة (68):
(1) إذا غيرت صفة المبيع بما يزيد ثمنه ولو من غير قصد دون علم المشتری ثبت الخيار له بين رد أو إمساك بلا أرش . 
(ب) خيار التدليس على التراخى إلا إذا كان بتصرية فيثبت في ثلاثة أيام من حين علمه بها . فإذا ردت المصراة رد معها صاع من تمر أو قيمته أو اللبن إن كان بحاله . 
إيضاح
القسم الرابع من أقسام الخيار خيار التدليس من الدلس بالتحريك وهو الظلمة . كأن البائع بفعله يجعل المشتري في ظلمة بما يزيد في الثمن . وهو حرام والعقد صحیح حديث أبي هريرة مرفوعا : "لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلها ، إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعا من تمر " متفق عليه . 
وغير التصرية من التدلیس یلحق بها كتحسين وجه الصبرة وتصنع النساج وجه الثوب . 
فإذا فعل بالمبيع شيء من ذلك ولو من غير قصد التدليس كان للمشتري الخيار على التراخي إن لم يكن عالم به وقت العقد ، فإذا كان عالما فلا خيار له . لأنه دخل على بصيرة ، وإنما لم يؤثر عدم التصد في إثبات الخيار لأن عدم القصد لا أثر له في إزالة ضرر المشتري. 
فاذا كان التدليس بما لا يزيد في الثمن فلاخيار لأنه لا ضرر في ذلك فاذا اختار المشتري الإمساك فلا أرش له لأن النبي - صلى الله عليه وسلم۔ لم يجعل له في المعراة أرشا . بل خيره بين الإمساك والرد مع صاع من تمر. ولأن المدلس ليس بمعيب فلم يستحق له أرش. 
فإن تعذر الرد لتلف المبيع فعليه الثمن ولا أرش له . أما تعيب المبيع عند المشتري قبل العلم بالتدليس فله رده ورد أرش العيب الذي حدث عنده وأخذ الثمن . وإن شاءاً مسك ولا شيء . 
فإن تصرف في المبيع بعد علمه بالتدليس بطل الرد . 
(ب) خيار التدليس على التراخي إلا إذا كان بتصرية المبيع . وهي جمع اللبن في الضرع . فإذا كان التدليس بها ثبت الخيار للمشتري مدة ثلاثة أيام منذ علم بالتصرية . وخير بين إمساکها بلا أرش و بين ردها مع صاع تمر إذا حلبها . لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر ) رواه مسلم . 
فإذا مضت الثلاثة أيام ولم يردها بطل الخيار لانتهاء غايته ولزوم البيع . وكذا لو صار لبنها عادة . لأن الخيار مثبت لدفع الضرر وقد زال وهذا الصاع الذي رد معها هو عوض اللبن الموجود حال العقد . ولو زادت قيمته على اللين لعموم الحديث . ولا يلزم أن يكون الصاع مرا بل يكفي أن يكون من غالب قوت البلد . واختاره الشيخ تقي الدين . إن لم يجد فعليه قيمته موضع العقد . وإن كان اللبن باقياً بعد الحلب بحاله لم يتغير بحموضه ولا بغيرها رده المشتري و لزم البائع قبوله . لأن اللبن هو الأصل والتمر بدل عنه . فإذا رد الأصل أجزأ كسائر الأصول مع مبادلاتها . أما إذا تغير اللبن فلا يلزم البائع بقبوله . فإن رضی بالتهرية فأمسكها ثم وجد بها عيبا آخر وردها به لزمه رد اللبن إن في أو عوضه كما تقدم . 

مادة (۱۲۹) : 
 تحرم الحيل التي تحل حراما ، أو تحرم حلالا . 
ايضاح 
الحيلة المحرمة : هي ان يظهر عقدا ظاهره الإباحة بريد به محرما مخادعة وتوصلا إلى فعل ما حرم الله تعالى ، أو إلى إسقاط واجب لله تعالى ، أو لادی کهبة ماله مثلا قرب الحول لإسقاط الزكاة ، أو الإسقاط نفقة واجبة . 
والحيل التي توصل بها إلى تحليل حرام ، او تحريم حلال محرمة، لا تجوز في شيء من الدين لأن الله تعالى إنما حرم المحرمات لمفسداتها، والضرر الحاصل منها ولا يزول ذلك مع بقاء معناها . 
أما حديث خيبر المشهور الذي امر فيه بيع التمر الرديء والشراء ثمنه جيدة ، فإنما امرهم بذلك لأنهم كانوا يبيعون الصاعين من الرديء بالصاع من الجيد فعلهم و الحيلة المانعة من الربا لأن العقد هنا بالذات تحميل احد النوعين دون الزيادة ، فان تصورت حرمت الحيلة جمعا بين الأخبار . فعلم أن كل ما قصد التوصل إليه من حيث ذاته لا من حيث كونه حراما جاز ، وإلا حرم . 
ومن الحيل لو اقرض شيئا وباع إلى المقترض سلعة بأكثر من قیمتها ، أو اشترى منه شيئا بأقل من قيمته توسلا إلى أخذ العوض عن القرض .، ومنها أن يستأجر أرض بستان بأمثال أجرتهام يساقيه على نمر شجر بجزء من الف للمالك والباقي للعامل ولا يأخذ المالك منه شيئا ، ولا يريدان ذلك . وإنما قصدهما بيع العمرة قبل وجودها . أو بدو صلاحها بما ممياه والعامل لا يقصد سوى ذلك ، أو ربما لا ينتفع الأرض التي ممي الأجرة في مقابلتها ، ومثل ذلك من الحيل .