loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 180

مذكرة المشروع التمهيدي :

يلاحظ في تقدير الإكراه أن معیار الرهبة القائمة على أساس ، معیار شخصی ما هو الشأن في عيوب الرضاء جميعاً وتعتبر الرهبة قائمة على أساس إذا اعتقد من وقع تحت سلطانها أن خطر جسيما أصبح وشك الحلول ولا يشترط أن يتهدد الخطر المتعاقد ذاته ، بل يجوز أن يهدد أحد أقاربه وقد ترك للقاضي أمر تقدير درجات القرابة أو الصلة في كل حالة بخصوصها لأن بيان هذه الدرجات في النصوص على سبيل الحصر ، على نحو ما هو متبع في التقنين الفرنسي ( المادة 1113) وسائر التقنيات اللاتينية (انظر كذلك المادة 19 من المشروع الفرنسي الإيطالي ) قد يكون أحيانا ضيق الحدود، لا يتسع لصور جديرة بالرعاية ، وقد يكون أحياناً من السعة بحيث يجاوز الغرض المقصود وقد عمد المشروع إلى الإفصاح عن حقيقة هذا المعيار الشخصي البحت فنص في الفقرة الثالثة من المادة 176، على أنه ينظر في تقدير الإكراه إلى جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه و حالته الاجتماعية والصحية و مزاجه وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه .

وبحب في الرهيبة القائمة على أساس ، أن يكون قد بعثها المكره في نفس المكره ( بغير حق )، فالدان الذي يهدد مدينه بمقاضاته إذا لم يعترف بالدين إنما يستعمل وسيلة قانونية للوصول إلى غرض مشروع ، وما دام الغرض مشروعاً فلا يعتبر الإكراه قد وقع و بغير حق .. أما إذا كان الغرض من الإكراه غير مشروع ، كما إذا استغل المكره ضيق المكره ، ليبتز منه ما يزيد كثيرا على ما في ذمته من حق، فيكون الإكراه ، على نقيض ما تقدم ، واقعاً بغير حق ولو أن حق الدائن في هذا الفرض قد اتخذ وسيلة لبلوغ الغرض المقصود ( انظر المادة 178 فقرة أولى من المشروع).

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 176 من المشروع .

ورای سلیمان حافظ بك أن عبارة وأحد أقاربة ، أوسع مما ينبغي في بعض الأحوال وأضيق ما ينبغي في الحالات الأخرى ، وقد يكون الشخص صديق أعز عليه من أقاربه .

وبعد المناقشة أبدلت عبارة أحد أقاربه ، بكلمة أو غيره ، مع ملاحظة أن الخطر الجسيم الذي يحدق بالغير فيبعث الرهبة في النفس إلى حد التعاقد فيه تحديد كان للغير الذي يعتبر الخطر المحدق به إكراها.

ووافقت اللجنة على ذلك وأصبح النص ما يأتي  :

1إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعتها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق وكانت قائمة على أساس فإن العقد یكون قابلا للإبطال .

2- وتكون الرهبة قائمة على أساس إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها أن خطر أ جسيما محدقا يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال .

3- ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية ومزاجه وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه.

وقدمت تحت رقم 131 في المشروع النهائي بعد تعديل الفقرة الأولى بالصيغة الآتية  :

يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه ، دون حق ، وكانت قائمة على أساس .

المشروع في مجلس النواب

تقرير لجنة الشئون التشريعية  :

فقرة 2 - حذفت اللجنة كلمة و النفس ، اكتفاء بالجسم ، لأن الخطر الذي يهدد النفس يعتبر أنه يهدد الجسم أيضاً .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة ، تحت رقم 131 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني:

محضر الجلسة التاسعة

تليت المادة 131 و هذا نصها:

1يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بدها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق وكانت قائمة على أساس .

2 - وتكون الرهبة قائمة على أساس إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها أن خطر اً جسيماً محدقاً يهدده هو أوغيره في الجميم أو الشرف أو المال .

3ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الاكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية و مزاجه وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه .

فقال عبده محرم بك إن مجلس النواب حذف من الفقرة الثانية من المادة كلمة النفس ، اكتفاء بالجسم لأن الخطر الذي يهدد النفس يعتبر أنه يهدد الجسيم أيضاً  .

اعترض كل من معالي حلي عيسي باشا وسعادة علوبة باشا على ذلك بأن الألام النفسية قد يصل تأثيرها على الشخص مبلغ الآلام الجسمانية وضرباً مثلاً لذلك من يخاف عزيز لديه فيقع تحت تأثير هذا الخطف واقترحاً إعادة هذه الكلمة إلى الفقرة الثانية من المادة .

واعترض سعادة الرئيس على كلمة . ومزاجه ، الواردة في الفقرة الثالثة وقال إن إيراد هذه الكلمة يفتح الباب لإشكالات كثيرة بسبب كثرة اختلاف الأمزجة ورأى سعادته حذف هذه الكلمة .

 قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على المادة كما هي واردة في مشروع الحكومة مع حذف كلمة ومزاجه و الواردة في الفقرة الثالثة .

ثم تليت المادة 132 و هذا نصها :

إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين فليس للتعاقد المكره أن يطلب إيطال العقد مالم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان في استطاعته أن يعلم بهذا الإكراه .

فاعترض سعادة الرئيس على هذه المادة قائلاً إن النظرية اللاتينية تقضي بأن الإكراه الواقع من شخص غير المتعاقدين موجب للبطلان وبأنه لاضرورة العلم المتعاقد الآخر به ، وذلك خلافاً لما تقرره بالنسبة للتدليس والغلط والسبب في ذلك أن الإكراه يشوب الرضاء سواء وقع من المتعاقد الآخر أو من شخص ثالث .

وقد أفاض سعادته في شرح الفرق بين الخطأ في التدليس من جهة و بين الإكراه من جهة أخرى مستعيناً في ذلك بنبذة من كتاب في الالتزامات واقترح العدول عن هذا الحكم الجديد الوارد في المادة 132 إلى النظرية اللاتينية والنسوية في الحكم بين الإكراه الذي يقع من أحد المتعاقدين على الآخر وبين الإكراه الذي يقع من شخص ثالث على أحدهما ومن أجل هذا يحسن حذف هذه المادة وإضافة كلمة أو غيره، في الفقرة الأولى من المادة 131 .

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على هذا الاقتراح وبذلك أصبح نص المادة 131 كما يأتي  :

1- يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعتها المتعاقد الأخر أو غيره في نفسه دون حق وكانت قائمة على أساس .

2 - وتكون الرهبة قائمة على أساس إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها أن خطر أجسها محدقا يهدده هو أو غيره في النفس ، أو الجسم ، أو الشرف أو المال.

3ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه .

محضر الجلسة الخامسة والأربعين

المادتان 131 و 132 :

بين هاتين المادتين ارتباط فالأولى خاصة بحكم الإكراه الذي يقع من متعاقد على المتعاقد الآخر والثانية خاصة بالإكراه الذي يقع من غير المتعاقدين وقد سبق اللجنة أن حذفت المادة 132 اكتفاء بإضافة كلة أو غيره ، إلى المادة 131 حتى تضمن الحكمين ولكن الحكومة طلبت في هذه الجلسة تعليق البت فيهما لأن لها رأياً ستبديه في جلسة مقبلة .

محضر الجلسة الثامنة والأربعين

تليت المادة 131 فوافقت عليها اللجنة مع حذف كلمة رومزاجه الواردة في الفقرة الثالثة .

تقرير اللجنة :

أعيدت إلى الفقرة الثانية كلة و النفس ، لأن من الأخطار ما تستهدف له النفس كما يستهدف له الجيم، وفي الفقرة الثالثة حنفت كلمة رومزاجه، لعموم عبارة وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جماعة الإكراه  .

وأصبح رقم المادة 127 .

مناقشات المجلس  :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأحكام

1- إذا كان دفاع الطاعن أمام محكمة الموضوع قد قام على أنه كان خاضعا عند تحرير الإقرار بالتنازل عن السير فى الدعوى لإكراه شاب إرادته فى معنى المادة 127 من القانون المدني، مما لا شأن له بالحالات الواردة فى المادة 44 من قانون الإثبات، فإنه لا مجال لإعمال تلك المادة ولا على المحكمة إن هي قضت بإثبات ترك الطاعن لدعواه المبتدأة إعمالاً لأثر هذا الإقرار بعد أن خلصت إلى نفي تعرضه للإكراه عند توقيعه عليه .

(الطعن رقم 1104 لسنة 62 جلسة 2001/01/31 س 52 ع 1 ص 229 ق 48)

2- إذ كان دفاع الطاعنين أن العقد الذي أبرمه الحارس العام إبان خضوع أموال وممتلكات مورثة الطاعنين للحراسة قد تم فى ظل ظروف القهر الناتجة عن الحراسة والتي كانت تصرفاتها بمنأى عن أي طعن، كما وأن توقيع مورثتهم على العقد النهائي بعد ذلك لم يكن وليد إرادة حرة بل كان خوفاً من تكرار فرض الحراسة على ممتلكاتها مرة أخرى إذا امتنعت عن هذا التوقيع، وهو دفاع من شأنه - ولو فطنت إليه المحكمة - تغيير وجه الرأي فى الدعوى، إذ أن مؤداه بطلان التصرف وما لحقه من تعديل لعدم حصولهما عن إرادة حرة للمالكة - البائعة - مورثة الطاعنين بل نتيجة رهبة حملتها على قبول ما لم تكن لتقبله اختياراً، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد ران عليه القصور المبطل.

(الطعن رقم 1383 لسنة 67 جلسة 1999/04/15 س 50 ع 1 ص 499 ق 98)

3- إن ما يقتضيه الإكراه طبقاً لنص المادة 127 من القانون المدنى مراعاة جنس من وقع عليه هذا الإكراه , وسنه، وحالته الاجتماعية، والصحية، وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر فى جسامة الإكراه لما كان ذلك وكان الطالب وهو رئيس محكمة ولى القضاء بين الناس ، ومثله لا تأخذه رهبه من قول يلقى إليه من رئيس وأعضاء مجلس الصلاحية، ومن ثم فإن تقديم الاستقالة بناء على طلبهم ليس من شأنه بذاته - إن صح _ أن يسلبه حرية الاختيار فى هذا الصدد، وتكون الاستقالة قد صدرت من الطالب بإرادة حرة مختارة ويكون طلب إلغاء قرار وزير العدل الصادر بقبولها على غير أساس .

(الطعن رقم 3 لسنة 59 جلسة 1995/09/19 س 46 ع 1 ص 17 ق 5)

4- نص المادة 127 من القانون المدنى يدل على أن الإكراه المبطل للرضا لا يتحقق - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - الا بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بما له أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها، ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختيارا ويجب أن يكون الضغط الذى يتولد عنه فى نفس المتعاقد الرهبة غير مستند إلى حق وهو يكون كذلك الهدف الوصول إلى شىء غير مستحق وحتى ولو سلك فى سبيل ذلك وسيلة مشروعة.

(الطعن رقم 3186 لسنة 58 جلسة 1994/12/08 س 45 ع 2 ص 1567 ق 294)

5- تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها فى مسلك العاقد من الأمور الواقعية التى تستقل بالفصل فيها محكمة الموضوع التى تستقل بالفصل فيها محكمة الموضوع مراعية فى ذلك جنس من وقع عليه الإكراه وسنه وحالته الإجتماعية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر فى جسامة الإكراه دون رقابة من محكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم ير فى استدعاء المطعون ضده الثالث بصفته وكيل الطاعنين للتوقيع على عقد الإيجار المؤرخ 1966/1/27 المحرر عن عين النزاع ومفوضا منهم فى ذلك ما يحقق وسيلة الإكراه التى تعيب إرادته أو إرادتهم وانتهى فى أسبابه إلى نفى تعرضه للإكراه على سند من أن استدعائه بواسطة شقيقه للتوقيع على عقد الإيجار المحرر مسبقا لدى أمين الإتحاد الإشتراكى بالفيوم لا يعد بذاته وسيلة ضغط أو إكراه تعيب إدارته أو تعيث فى نفسه الرهبة والخوف سيما وأنه من كبار المحامين وعلى علم ودراية بما يكفله القانون له من ضمانات فى هذا الخصوص تجعله بمنأى عن سطوة السلطة الإدارية، وأن مثله لا تأخذه رهبه ولا خوف من مجرد الاستدعاء خاصة وأن الاستدعاء عن طريق أمين الإتحاد الإشتراكى فى ذاته لا يسلبه حرية العقد والإختيار فيكون التوقيع الصادر منه على عقد الإيجار قد صدر عن إرادة حرة مختارة بما ينفى القول بان توقيعه على عقد الإيجار تم تحت تأثير الإكراه خاصة وأنه لم يرغم أو أحدا من الطاعنين أنه وقع تحت سلطان رهبه قائمة على أساس دون حق بعثها فى نفسه أمين الإتحاد الإشتراكى المتعاقد الآخر.

(الطعن رقم 3186 لسنة 58 جلسة 1994/12/08 س 45 ع 2 ص 1567 ق 294)

6- النص فى الفقرة الثانية من المادة181من القانون المدنى على أنه"لا محل للرد إذا كان من قام بالوفاء يعلم أنه غير ملزم بما دفعه إلا أن يكون ناقص الأهلية أو يكون قد أكره على هذا الوفاء"يدل وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أنه لا محل للرد إذا كان الدفع عن بصيرة وتروأى عن علم الدافع بأنه غير ملزم بما دفعه، وأن الإكراه الذى عناه بهذا النص المبطل للوفاء الذى حصل بناء عليه والمسوغ للرد هو ذات الإكراه الذى يجيز أبطال العقد والمنصوص عليه فى المادة117 ( صحتها 127 ) من القانون المدنى وشرط تحققه أن يكون الإكراه قد بعث الرهبة فى نفس المكره بغير وجه حق بإعتبار أن الأعمال المشروعة قانوناً لا يمكن أن يترتب عليها إبطال ما ينتج عنها وأن التقاضى والإبلاغ لا يعتبران بذاتهما إكراها لأنهما من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو زودا حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت إنحرافه عن الحق المباح إلى اللدد فى الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم.

(الطعن رقم 4634 لسنة 61 جلسة 1993/02/09 س 44 ع 1 ص 542 ق 90)

7- إذ كان الطاعنون قد تمسكوا بأن تلك المبالغ المدفوعة من المطعون ضده والتى يطالب الحكم بردها إنما دفعت عن بصيرة وترو وفاء لما هو مستحق لهم عليه بموجب إيصالات تقدموا بها وأنه لم يكن قد أكره على هذا الوفاء, إلا أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع ويقسطه حقه من البحث والتحقيق، وجرى فى قضائه على القول بأن الطاعنين عجزوا عن إثبات ما قرره من تقاضى المطعون ضده لمبالغ خارج نطاق عقد الإيجار وهم المكلفون بإثبات أنهم يداينوانه بهذه المبالغ ودون أن يعرض لمدى توافر الشروط التى إستلزمها نص الفقرة الثانية من المادة181من القانون المدنى ويواجه دفاع الطاعنين - الذى قد يتغير به وجه الرأى فى الدعوى - فإنه يكون مشوباً بالخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب.

(الطعن رقم 4634 لسنة 61 جلسة 1993/02/09 س 44 ع 1 ص 542 ق 90)

8- الإكراه المبطل للرضا لا يتحقق إلا بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن يتقبله اختياراً على أن يكون هذا الضغط غير مستند إلى حق وأن تقدير وسائل الاكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها فى المتعاقد هو من مسائل الواقع التي تخضع لسلطة محكمة الموضوع التقديرية ولا رقابة لمحكمة النقض عليها متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة، والمرض لا يعد بذاته وسيلة ضغط أو إكراه تعيب الإرادة - مهما كانت خطره إذ لا يد للإنسان فيه وقد عالج المشرع حالات التصرف التي تعقد إبان المرض الذي يتصل بالموت بأحكام خاصة أوردها فى المادتين 477، 916 من القانون المدني بما يتعين معه إعمالها دون غيرها.

(الطعن رقم 1282 لسنة 53 جلسة 1991/03/27 س 42 ع 1 ص 823 ق 131)

9- الإكراه المبطل للرضا إنما يتحقق - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بتهديد المتعاقد المكره بخطر محدق بنفسه أو بماله أو بإستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له بإحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبه تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله أختياراً، وإن تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها على نفس المتعاقد والترجيح بين البينات والأخذ بقرينة دون أخرى هو من الأمور الموضوعية التى تستتقل بالفصل فيها محكمة الموضوع ولا رقابة عليها فى ذلك لمحكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفى لحمله.

(الطعن رقم 2479 لسنة 54 جلسة 1988/12/07 س 39 ع 2 ص 1274 ق 218)

10- لما كان الإكراه المبطل للرضا لا يتحقق وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة إلا بتهديد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو بإستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له بإحتمالها أو التخلص منها و يكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على قبول ما لم يكن ليقبله إختياراً و أن ما يقتضيه تقدير الإكراه طبقاً لنص المادة 127 من القانون المدنى مراعاة جنس من وقع عليه الإكراه و سنه و حالته الإجتماعية و الصحية و كل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر فى جسامة الإكراه ، و كان الطالب و هو مساعد نيابة على علم بما يكفله قانون السلطة القضائية لرجال القضاء و النيابة من ضمانات تجعلهم بمنآى عن سطوة السلطة الإدارية ، فإن مثله لا تأخذه رهبة من قول يلقى إليه من رؤسائه ، و من ثم فإن تقديمه الإستقالة بناء على طلبهم ليس من شأنه بذاته و إن صح أن يسلبه حرية الإختيار فى هذا الصدد . لما كان ذلك ، و كان الطالب قد جهل الظروف التى تمت فيها إستقالته و ماهية الإكراه المدعى بوقوعه عليه وقت تقديمها ، فإن الإستقالة تكون قد صدرت منه عن إرادة حرة مختارة ، و يكون طلب إلغاء القرار بقبولها على غير أساس .

(الطعن رقم 138 لسنة 51 جلسة 1982/05/04 س 33 ع 1 ص 28 ق 8)

11- لمحكمة الموضوع أن تستدل على الإكراه من أى تحقيق قضائى أو إدارى بإعتباره قرينة قضائية و لو لم يكن الخصم طرفاً فيه و لا رقابة لمحكمة النقض عليها فى ذلك ما دام ما إستنبطته مستمداً من أوراق الدعوى و مستخلصاً منها إستخلاصاً سائغاً يؤدى إلى النتيجة التى إنتهت إليها

(الطعن رقم 516 لسنة 48 جلسة 1982/01/21 س 33 ع 1 ص 160 ق 30)

12- الإكراه المبطل للرضا يتحقق - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو بإستعماله وسائل ضغط أخرى لا قبل له بإحتمالها أو التخلص منها ، و يكون من نتيجة ذلك حصول هبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله إختياراً . وإذ كان الطاعن لم يخصص إختياراً عين النزاع لإستعمال هيئة الكهرباء دون مقابل و إنما جاء بوليد ضغطها عليه بأنها لن توصل تيار الكهرباء لعقاره إلا بعد تنازله لها بغير مقابل عن الإنتفاع بحجرة فيه تضع فيها الكابلات و المحولات المخصصة لإستعمالها ، وكانت هيئة الكهرباء هى التى تقوم وحدها دون غيرها بتوصيل تيار الكهرباء إلى عقاره وإعتقاداً منه أن خطراً جسيماً وشيك الحلول به ويتهدده من هذا الحرمان ، هوعجزه عن الإنتفاع بعقاره الإنتفاع المعتاد لمثل هذا العقار بغير إنارة بالكهرباء مما أجبره على قبول طلب الهيئة التى إستغلت هذه الوسيلة للوصول إلى غرض غير مشروع هو الإنتفاع بالحجرة التى تضع فيها الكابلات والمحولات بغير مقابل . إذ كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون خالف الثابت بالأوراق وأسس قضاءه بنفى حصول الإكراه على الطاعن من إستدلال غير سائغ .

(الطعن رقم 964 لسنة 46 جلسة 1981/11/25 س 32 ع 2 ص 2101 ق 382)

13- الطلب الذى تلتزم المحكمة بالرد عليه هو ذلك الذى يقدم إليها فى صيغة صريحة جازمة تدل على تصميم صاحبه عليه ، فلا عليها إن هى إلتفتت عما أثاره الطاعن فى خصوص ظروف تحرير السند من أقوال مرسلة لا تنبئ عن تمسكه بأن إرادته كانت معيبة بسبب وقوعه تحت تأثير الإكراه .

(الطعن رقم 665 لسنة 44 جلسة 1978/04/25 س 29 ع 1 ص 1112 ق 218)

14- إذا كان الطاعن قد أسس طعنه فى المرسوم الصادر بقبول استقالته على أن هذه الاستقالة لم تصدر منه عن إرادة صحيحة ، وإنما تمت تحت إكراه من لجنة تنظيم القضاء المشكلة طبقا للمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 ، إذ توعدته إن هو لم يقدم إستقالته فإنها ستقضى فى أمره بالعزل من وظيفته . وإذ كانت المادة 127 من القانون المدنىتقضى بأن يراعى فى تقدير الاكراه جنس من وقع عليه هذا الاكراه و سنه و حالته الإجتماعية و الصحية و كل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر فى جسامة الاكراه و كان الطالب هو القاضى الذى ولى القضاء بين الناس زمنا طويلا يفرق بين الحق و الباطل فإن مثله لا تأخذه رهبة من قول يلقى إليه ، و من ثم تكون الإستقالة قد صدرت منه عن إرادة صحيحة ، و يكون طلب التعويض عما سببته من أضرار فى غير محله متعينا رفضه .

(الطعن رقم 8 لسنة 44 جلسة 1976/12/09 س 27 ع 1 ص 116 ق 32)

15- إذا كان ترك الخصومة تصرفاً إرادياً يبطل إذا شابه عيباً من العيوب المفسدة للرضاء ، و كان الطاعن قد تمسك فى دفاعه إنه كان خاضعاً عند تحديد لإقرار لإكراه شاب إرادته فى معنى المادة 127 من القانون المدنى ، و دلل على ذلك بقرائن عدة ساقها ذهب إلى أنها تكشف عن مدى الرهبة التى بعثها المطعون عليه فى نفسه دون حق ، و كان الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع رغم أنه جوهرى و قد يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإنه يكون مشوباً بالقصور بما يتعين معه نقضه

(الطعن رقم 32 لسنة 45 جلسة 1976/11/24 س 27 ع 2 ص 1649 ق 304)

16- متى كان الطالب قد أسس مطالبته بالتعويض على أن استقالته لم تصدر عن إدارة صحيحة وإنما تمت تحت تأثير إكراه من وزير العدل إذ توعده بالاعتقال إن لم يقدم استقالته ، و لما كانت المادة 127 من القانون المدنى تقضى بأن يراعى فى تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه و سنه و حالته الإجتماعية و الصحية و كل ظرف آخر فى جسامة الإكراه ، و كان الطالب هو القاضى الذى ولى القضاء بين الناس زمنا طويلا يفصل فيه بين الحق و الباطل , فان مثله لا تأخذه رهبة من قول يلقى اليه ، لما كان ذلك ، فانه يتعين رفض طلب التعويض .

(الطعن رقم 44 لسنة 43 جلسة 1976/11/11 س 27 ع 1 ص 111 ق 30)

17- مفاد نص المادة 127 من القانون المدنى أن الإكراه المبطل للرضا لا يتحقق - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إلا بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو بإستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له بإحتمالها أو التخلص منها ، و يكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن يتقبله إختيارياً . و يجب أن يكون الضغط الذى تتولد عنه فى نفس العاقد الرهبة غير مستند إلى حق ، و هو يكون كذلك إذا كان الهدف الوصول إلى شيء غير مستحق حتى و لو سلك فى سبيل ذلك وسيلة مشروعه .

(الطعن رقم 172 لسنة 41 جلسة 1976/03/31 س 27 ع 1 ص 815 ق 157)

18- تقدير وسائل الإكراه و مبلغ جسامتها و تأثيرها فى مسلك العاقد من الأمور الواقعية التى تستقل بالفصل فيها محكمة الموضوع دون رقابة من محكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة و فى حدود سلطتها التقديرية على وقوع إكراه مؤثر على إرادة المطعون عليه أدى إلى تنازله عن الإستئناف فى الدعوى المعروضة و أنه على الرغم من إستعمال الطاعن حقاً مشروعاً فضغط على إرادة مدينة للتوصل إلى أمر لا حق له فيه .

(الطعن رقم 172 لسنة 41 جلسة 1976/03/31 س 27 ع 1 ص 815 ق 157)

19- الإكراه الدافع على الوفاء فى معنى المادة 181 من القانون المدنى هو الضغط الذى تتأثر به إدارة الشخص ويدفعه إلى الوفاء تحت تأثير الرهبة التى تقع فى نفسه لا عن حرية و إختيار . ولا عبرة بالوسيلة المستخدمة فى الإكراه ، فيستوى أن تكون مشروعة أو غير مشروعة متى كان من شأنها أن تشيع الرهبة فى نفس الموفى و تدفعه إلى الوفاء

(الطعن رقم 655 لسنة 40 جلسة 1976/01/26 س 27 ع 1 ص 301 ق 68)

20- طلب الإستقالة بإعتباره مظهرا من مظاهر إرادة الموظف إعتزال الخدمة يجب أن يصدر عن رضاء صحيح ؛ بحيث يفسده صدور الإستقالة تحت تأثير الإكراه ؛ بأن يقدم الموظف إستقالته تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة فى نفسه دون حق و يراعى فى تقدير الإكراه جنس من وقع عليه و سنه و حالته الإجتماعية و الصحية ، و كل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر فى جسامة الإكراه .

(الطعن رقم 13 لسنة 41 جلسة 1976/01/29 س 27 ع 1 ص 14 ق 5)

21- لما كان الطاعن قد أسس طعنه فى المرسوم الصادر بقبول استقالته على أن هذه الاستقالة لم تصدر منه عن اراده صحيحة وإنما تمت تحت إكراه من لجنة تنظيم القضاء المشكلة طبقا للمرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 إذ توعدته إن هو لم يقدم استقالته فانها ستقضى فى أمره بالعزل من وظيفته ، و كان يبين من ملفه أنه بنى طلبه الاستقالة على ظروفة الصحية التى لا تساعده على الاستمرار فى مزاولة وظيفة القضاء ، و لما كان قد ثبت من ملف الطاعن ما يؤيد صحة قيام السبب الذى بنى عليه الاستقالة ، وكانت المادة 127 من القانون المدنى تقضى بأن يراعى فى تقدير الاكراه جنس من وقع عليه هذا الاكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخرمن شأنه أن يؤثر فى جسامة الاكراه ، وكان الطاعن هو القاضى الذى ولى القضاء بين الناس زمنا طويلا يفرق فيه بين الحق والباطل فان مثله لاتأخذه رهبة من قول يلقى إليه خصوصا وأنه يبين من تصويره للوقائع أنه فسح له فى الوقت ليتفكر ويتدبر ويجرى القران والميزان ومن ثم تكون إرادته صحيحة إذ رجع تقديم استقالته مقرونة بشرائط لأسباب صحية بعد إذ ثبت من ملفه قيام دواعيها .

(الطعن رقم 21 لسنة 22 جلسة 1954/01/23 س 5 ع 1 ص 385 ق 11)

22- تقدير وسائل الإكراه و مبلغ جسامتها و مدى أثرها فى نفس الموفى هو من الأمور الموضوعية التى يستقل بالفصل فيها قاضى الموضوع ، و لا رقابة عليه فى ذلك لمحكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة . و إذ كانت محكمة الموضوع قد إنتهت فى استدلال سائغ إلى أن وفاء الشركة المطعون ضدها الأولى لم يكن تبرعا ، و إنما كان نتيجة إكراه لحصوله تحت تأثير الحجز الذى توقع على أموالها لدى البنكين اللذين تتعامل معهما ، فإنها لا تكون قد خالفت القانون لأن الإكراه بالمعنى المقصود فى المادة 181 من القانون المدنى يتحقق فى هذه الصورة .

(الطعن رقم 655 لسنة 40 جلسة 1976/01/26 س 27 ع 1 ص 301 ق 68)

23- أنه و إن كان يشترط فى الإكراه الذى يعتد به سببا لإبطال العقد أن يكون غير مشروع و هو ما أشارت إليه المدة 1/127 من القانون المدنى إذ نصت على أنه . يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد فى نفسه دون حق و كانت قائمة على أساس " مما مفاده أنه يجب فى الرهبة أن يكون المكره قد بعثها فى نفس المكره بغير حق ، و على ذلك فإن الدائن الذى يهدد مدينه بالتنفيذ عليه إنما يستعمل وسيلة قانونية للوصول إلى غرض مشروع ، فلا يعتبر الإكراه قد وقع منه بغير حق - إلا أنه إذا أساء الدائن إستعمال الوسيلة المقررة قانوناً بأن إستخدمها للوصول إلى غرض غير مشروع كما إذا إستغل المكره ضيق المكره ليبتز منه ما يزيد عن حقه ، فإن الإكراه فى هذه الحالة يكون واقعا بغير حق و لو أن الدائن قد إتخذ وسيلة قانونية لبلوغ غرضه غير المشروع ، و ذلك على ما صرحت به المذكرة الإيضاحية للقانون المدنى .

(الطعن رقم 365 لسنة 38 جلسة 1974/01/02 س 25 ع 1 ص 208 ق 36)

24- متى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حدود سلطته الموضوعية ، و فى أسباب سائغة حصلها من أوراق الدعوى و ملابساتها أن المطعون ضده - تحت ضغط تهديد الطاعن له بتنفيذ حكم الطرد - من العين المؤجرة المستعملة مدرسة - فى الظروف التى أحاطت به ، و إعتقادا منه بأن خطرا جسيما أصبح و شيك الحلول يتهدده من هذا الإجراء ، يتمثل فى حرمان التلاميذ من متابعة الدراسة و الإلقاء بأثاث المدرسة فى عرض الطريق و التشهير بسمعته بين أقرانه - قد إضطر إلى التوقيع للطاعن على عقد بيعه له المبانى التى أقامها على العين المؤجرة بثمن بخس يقل كثيراً عن قيمتها الحقيقية ، و إلى الإتفاق على زيادة أجر العين . و أن الطاعن بذلك قد إستغل هذه الوسيلة للوصول إلى غرض غير مشروع ، و هو إبتزاز ما يزيد على حقه ، و كان ما أثبته الحكم على النحو المتقدم ذكره يتحقق به الإكراه بمعناه القانونى ، و فيه الرد الكافى على ما أثاره الطاعن من أن المطعون ضده لم يكن يتهدده خطر جسيم حال ، فإن النعى عليه بالخطأ فى تطبيق القانون و القصور فى التسبيب يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 365 لسنة 38 جلسة 1974/01/02 س 25 ع 1 ص 208 ق 36)

25- لئن كان لقاضى الموضوع السلطة التامة فى تقدير درجة الإكراه من الوقائع ، و لا رقابة لمحكمة النقض عليه فى ذلك إلا أن تقدير كون الأعمال التى وقع بها الإكراه مشروعة أو غير مشروعة مما يخضع لرقابة محكمة النقض متى كانت تلك الأعمال مبينه فى الحكم . و إذ كان ما قرره الحكم المطعون فيه من أن الشكوى التى قدمها الطاعن - بشأن تقاضى المطعون عليه منه مبلغ " كخلو رجل " - إلى المحافظة تعتبر وسيلة غير مشروعة إستناداً إلى أنها قدمت إلى جهة غير مختصة غير صحيح فى القانون ، لأن الشكوى تبليغ عن جريمة أثمها القانون رقم 121 لسنة 1947 ، و وجهت إلى الجهة الرئيسية التى تتبعها أجهزة الأمن و هى بذاتها وسيلة مشروعة ، عاقب القانون على كذب ما تضمنته ، و كان الحكم قد خلا مما يدل على أن المطعون عليه قد قدم ما يدل على تهديده بالنشر فى الصحف - عن موضوع الشكوى - فإنه يكون فضلاً عن مخالفة القانون معيباً بالقصور .

(الطعن رقم 136 لسنة 38 جلسة 1973/12/27 س 24 ع 3 ص 1358 ق 233)

26- الإكراه المبطل للرضا لا يتحقق إلا بالتهديد المفزع فى النفس أو المال أو بإستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل للمكره بإحتمالها أو التخلص منها و يكون من نتائج ذلك خوف شديد يحمل المكره على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله إختياراً . و إذن فمتى كان الحكم إذ قضى ببطلان الإتفاق المبرم بين الطاعن الأول و المطعون عليه الأول قد أسس قضاءه على أن الظروف التى أحاطت بهذا الأخير و التى ألجأته وحدها إلى توقيع الإتفاق هى ظروف يتوافر بها الإكراه المفسد للرضا ، و كان ما أثبته الحكم و هو فى صدد بيان هذه الظروف قد جاء قاصراً عن بيان الوسائل غير المشروعة التى إستعملت لإكراه المطعون عليه الأول على التوقيع على الإتفاق - فإن الحكم يكون قاصراً قصوراً يستوجب نقضه

(الطعن رقم 96 لسنة 18 جلسة 1951/02/08 س 2 ع 2 ص 305 ق 59)

27- تنص الفقرة الثالثة من المادة 127 من القانون المدني على أن "يراعى فى تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الإجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر فى جسامة الإكراه"، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد نفى حصول الإكراه المدعى بوقوعه على البائعة استناداً إلى أسباب تتعلق بشخصها وظروف التعاقد فإنه لم يخالف المعيار الذي أوجبه القانون فى تقدير الإكراه.

(الطعن رقم 392 لسنة 26 جلسة 1962/01/25 س 13 ع 1 ص 127 ق 19)

28- متى كانت الأوراق خلوا مما يفيد تمسك الطاعنة أمام محكمة الموضوع بأنها كانت مكرهة على التوقيع على الإقرار ، فإنه لا يجوز إبداء هذا القول و لأول مرة أمام محكمة النقض لما تضمنه من واقع كان يجب عرضه على محكمة الموضوع للتحقق من قيام ذلك الإكراه .

(الطعن رقم 16 لسنة 43 جلسة 1975/11/19 س 26 ص 1444 ق 272)

29- النص فى المادة 181 من القانون المدنى على أنه : " 1- كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقاً له وجب عليه رده 2- على أنه لا محل للرد إذا كان من قام بالوفاء يعلم أنه غير ملزم بما دفعه إلا أن يكون ناقص الأهلية أو يكون قد أكره على هذا الوفاء " يدل على أنه لا محل للرد إذا كان الدفع عن بصيرة وترو أى عن علم الدافع بأنه غير ملزم بما دفعه ، وأن الإكراه الذى عناه المشرع بهذا النص المبطل للوفاء الذى حصل بناء عليه والمسوغ للرد هو ذات الإكراه الذى يجيز إبطال العقد و المنصوص عليه فى المادة 117 ( صحتها 127 )  من القانون المدنى ، وشرط تحققه أن يكون الإكراه قد بعث الرهبة فى نفس المكره بغير وجه حق بإعتبار أن الأعمال المشروعة قانوناً لا يمكن أن يترتب عليها إبطال ما ينتج عنها ، لما كان ذلك ، و كان تنفيذ حكم صادر بالنفقة على المحكوم عليه - و قبل إلغاء هذا الحكم - هو عمل مشروع قانوناً فإن الوفاء تنفيذاً له لا يتضمن إكراها على هذا الوفاء لأنه تم بوجه حق ، كما أن وفاء المطعون ضده الأول للطاعنة بما أقره لها طواعية و إختياراً من نفقة دون صدور حكم يلزمه بها و فى تاريخ لاحق على الحكم النهائى ببطلان عقد زواجه منها وعلمه بأنه غير ملزم بما أقره و دفعه لها ، فإن هذا الوفاء لا يتضمن إكراها و قام به وهو يعلم أنه غير ملزم بدفعه فلا يسوغ له إسترداده .

(الطعن رقم 432 لسنة 41 جلسة 1975/12/10 س 26 ص 1618 ق 303)

شرح خبراء القانون

تعريف الإكراه :

يعرف الفقه الإكراه المفسد للرضاء، والذي يترتب عليه طلب إبطال العقد، بأنه ضغط يقع على الشخص بغير وجه حق، فيولد في نفسه رهبة تدفعه إلى التعاقد خشية الأذى ومثاله أن يضرب شخص آخر أو يهدده بالقتل أو بالضرب أو بالاعتداء على العرض أو بإثارة فضيحة أو بإتلاف ماله أو بخطف ابنه، حتى يحمله على أن يعطيه مبلغاً من المال، أو أن يبيع له داره، أو أن يقر له بالتخالص من دين عليه.

وقد عرفته محكمة النقض في أحكام كثيرة لها :

بأنه تهديد المتعاقد المكره بخطر جسیم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له بإحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن يقبله اختياراً .

(أنظر هذه الأحكام في بند 31).

والإكراه كعيب يشوب الرضاء، يفسد الرضاء دون أن يعدمه.

فالإرادة فيه تكون موجودة ولكنها ليست حرة إذ يكون المتعاقد بين أن يتحمل الأذى أو يتعاقد، فيختار التعاقد لدرء الأذى عن نفسه أو عن غيره، ولولا خوفه من هذا الأذى لما تعاقد وفي هذه الحالة يكون العقد قابلاً للإبطال .

- الإكراه المعدم للرضاء :

ذكرنا أن الإكراه بالمعنى الوارد بالبند السابق، هو الذي يعيب الإرادة ولكنه لا يعدمها.

ومهما قيل في شأن فساد هذه الإرادة عندما يشوبها الإكراه، فهي إرادة موجودة.

على أن هناك من الصور مما تنعدم فيه الإرادة تماماً بالإكراه كأن يقبض شخص على يد آخر ممسكة بالقلم ويحركها بالقوة لرسم التوقيع، وكان يقوم شخص بتنويم آخر تنويماً مغناطيسياً ويوحى إليه بالتعاقد في هاتين الحالتين واشباههما لم يصدر من المكره أي عمل إرادي فلا يصح أن يقال إن إرادته في العقد معيبة أو فاسدة، إنما هي إرادة منعدمة، والعقد بالتالي لا يقوم أصلاً .

- الفرق بين الإكراه وبين الغلط والتدليس :

يختلف الإكراه عن الغلط والتدليس بالنسبة إلى موضوع كل منها ففي حين أن الأخيرين يمسان من العاقد علمه بما يرتضيه، بحيث يجئ رضاؤه من غير بينة بحقيقة الحال، نجد أن الإكراه لا يمس من العاقد إلا الاختيار فيه، فرضاء المكره يأتي عن بيئة بما يرتضيه، ولكن رضاءه لا يجئ عن حرية، وإنما قسرا وقهرا.

شروط الإكراه:

يشترط في الإكراه، باعتباره عيباً يشوب الرضاء توافر الشروط الثلاثة الآتية :

1- أن تستعمل وسيلة للإكراه تهدد بخطر جسيم محدق.

2- أن تبعث هذه الوسيلة رهبة في نفس المتعاقد الآخر تحمله على التعاقد .

3- أن يكون الإكراه صادراً من المتعاقد الآخر، أو يكون الأخير عالماً به أو من

المفروض حتماً أن يعلم به، إذا كان صادراً من غير المتعاقدين.

ونعرض لهذه الشروط بالتفصيل فيما يلي :

- الشرط الأول :

ان تستعمل وسيلة للإكراه تهدد بخطر جسيم محدق بالنفس أو المال :

يجب أن تستعمل وسيلة للإكراه تهدد المكره بخطر جسيم عليه أو على غيره، بحيث تولد رهبة في نفسه، وأن يكون ذلك للوصول إلى غرض غير مشروع.

فالإكراه إذن يقوم على عنصرين: أحدهما، مادي وهو عبارة عن الوسيلة التي تخدم في الإكراه وما يجب أن تحدثه في نفس المكره من أثر والثاني، معنوي وهو يكون استعمال هذه الوسيلة للوصول إلى غرض غير مشروع.

ونعرض لهذين العنصرين بالتفصيل فيما يلي :

- أولاً : العنصر المادي في الإكراه :

یراد بهذ العنصر - كما ذكرنا - أن تستعمل وسيلة للإكراه تهدد المكره بخطر جسيم عليه أو على غيره بحيث تولد رهبة في نفسه.

وهذا الإكراه قد يكون حسياً أو نفسياً، ونعرض لذلك فيما يلي.

الإكراه الحسي والنفسي :

يكون الإكراه حسياً إذا وقعت وسيلة الإكراه على الجسم، كالضرب والتعذيب، وهذا يندر وقوعه لا سيما في الأوساط المتحضرة.

ويكون الإكراه نفسياً إذا كان من شأن وسيلة الإكراه التهديد بإيقاع الأذى دون إيقاعه فعلاً، يستوي أن يكون الأذي المهدد به ما يصيب الجسم أو النفس أو الشرف او المال ومثله تهديد شخص بالضرب أو القتل، أو تهديده بخطف ولده أو تهدیده بإثارة فضيحة، أو تهديده بحرق ماله فهذا النوع من الإكراه يقوم على التهديد بإلحاق الأذى دون إيقاعه بالفعل .

والعبرة في جسامة الخطر بحالة المكره النفسية فلو كانت وسائل الإكراه التي استعملت غير جدية، ولكنها مع ذلك أوقعت الرهبة في نفس المكره وصورت له أن خطرا جسیما يهدده، فإن هذا يكفي لإفساد الرضاء وذلك كما إذا هدد ش خص آخر بعمل من أعمال الشعوذة، كأن يلحق الأذى بمواشيه من طريق السحر أو هدده بأن له قدرة على "الربط والحل" أو نحو ذلك مما يقع كثيراً في الأوساط القروية الساذجة.

بيد أنه يلزم بطبيعة الحال أن يكون الخطر أو الأذى الذي يتهدد الشخص على قدر من الجسامة، بحيث يؤثر في المتعاقد نفسه ويجعله، بين أن يتحمل الأذى أو أن يبرم التصرف، مقاداً إلى الأمر الأخير، اعتباراً بأنه أهون الشرين وأخف الضررين فتهديد الشخص العادي مثلا بالصفع على وجهه، لو أنه لم يبع منزله، قد لا يرقى إلى مرتبة الإكراه، وإن كان التهديد بذلك الأمر قد يصل إلى هذه المرتبة، لو أنه وجه إلى شخص يتميز لسبب أو آخر، بحساسية مفرطة.

ولذلك تنص الفقرة الرابعة من المادة (127) على أن يراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه .

فالرجل عادة أكثر شجاعة من المرأة، والشاب أقوى احتمالاً من الشيخ الهرم، وقوى الأعصاب أقل تأثراً من ضعيفها، والمرأة البسيطة الساذجة تهاب أموراً يراها المتعلم أو المتنور مجرد خرافات، كالتهديد بالسحر و أعمال الدجل والشعوذة، والتهديد في مكان منعزل أقوى مفعولاً منه في مكان آهل بالناس إلى غير ذلك كله من الظروف التي تؤثر في الشخص من حيث توليد الرهبة والخوف في نفسه، ويجب تناول كل حالة على حدة مقتدين بمقياس شخصی قوامه ذات الشخص الذي يتمسك بالإكراه.

والخطر قد يهدد المتعاقد في جسمه أو نفسه كخطر يقع على حياته أو سلامة أعضائه أو ألم نفسي ينزل به.

او يهدد شرفه واعتباره بين الناس أو على الثقة فيه لا سيما إذا كانت مهنته تقتضي التوفر على هذه الثقة كما في التجارة .

أو يهدد ماله، كما ذا قد مزروعاته بالإتلاف أو داره بالحريق. فالخطر الذي يقع على أي شيء يحرم المتعاقد على سلامته يكفي لتحقق الإكراه.

والخطر يجب أن يكون محدقاً أى وشيك الوقوع، فإذا كان الأذى المهدد المكره مما يتراخى وقوعه، فالمفروض أن تتوافر لدى المتعاقد الوسيلة في دفعه التجائه إلى السلطة العامة لتحميه مما يمكن أن يلم به.

على أن الأمر مع ذلك منوط بحالة المتعاقد النفسية، فقد يكون الأذي مما يقع بعد أجل بعيد، لكنه مع ذلك قد يوقع في نفس المتعاقد الرهبة ويحمله على التعاقد، فالعبرة من بوقوع الرهبة حالاً في نفس المتعاقد، لا بأن الخطر حال أو محدق .

- تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها من المسائل الموضوعية :

تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في نفس المتعاقد من الأمور الموضوعية التي يستقل بالفصل فيها قاضي الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك .

أما تقدیر کون الأعمال التي وقع بها الإكراه مشروعة أو غير مشروعة فمما يدخل تحت رقابة محكمة النقض متى كانت تلك الأعمال مبينة في الحكم .

يكفي أن يهدد الخطر الغير : 

تجيز الفقرة الثانية من المادة 127 إبطال العقد للإكراه إذا كان الخطر الجسيم المحدق يهدد المتعاقد ذاته أو غيره.

ومن ثم فإنه يكفي لطلب الإبطال أن يهدد الخطر غير المتعاقد. فقد يكون هناك شخص غير المتعاقد عزيز عليه بحيث يكفي الخطر الذي يهدده لتوليد رهبة في نفس المتعاقد تحمله على التعاقد، والمادة 1113 مدنی فرنسي تنص على أن: "الإكراه يكون سبباً في بطلان العقد، لا عندما يقع على المتعاقد فحسب، بل أيضاً إذا وقع على زوجته أو زوجة أو على أصوله أو فروعه.

العطف والحنو لا يعتبر إكراها :

لا يعتبر العطف والحنو إكراها مادام أنه لم يبلغ حد الهوى الجامح، فإن بلغ ذلك الحد طبقت قواعد الاستغلال، فلو أن أباً دفعته عاطفته نحو ولده إلى إبرام عقد يؤثره فيه على بقية الورثة فإن هذا العقد يكون صحيحاً لكن إذا بلغ هذا الشعور حد الهوى الجامح فإن قواعد الاستغلال تطبق، كما هي الحال حين تستغل زوجة جديدة هوز جامحاً في نفس زوجها فيبرم لصالحها عقوداً يؤثرها فيها على زوجته القديمة، إذ يكون العقد قابلاً للإبطال في هذه الحالة بسبب الاستغلال.

العنصر المعنوي في الإكراه :

يراد بهذا العنصر أن الإكراه لا يتحقق إلا إذا كان المقصود من الضغط الواقع على المتعاقد المكره هو الوصول إلى غرض غير مشروع يستوي في ذلك أن تكون وسيلة الإكراه مشروعة أو غير مشروعة أما إذا كان الغرض الذي يراد الوصول إليه مشروعاً فلا يتحقق الإكراه حتى لو كانت الوسيلة غير مشروعة.

 ومن هنا يمكن تصور فروضا أربعة هي :

(أ) استعمال وسيلة غير مشروعة للوصول إلى غرض غير مشروع :

في هذا الفرض يتحقق الإكراه وهذا هو الفرض الذي يقع عادة، كتهديد شخص بحرق زراعته إذا لم يبرم تصرفاً معيناً، أو تهديده بقتل ولده المخطوف أو بالتشهير به إذا لم يتعهد بدفع مبلغ من المال .

(ب) -استعمال وسيلة مشروعة للوصول إلى غرض مشروع :

ومثال ذلك أن يهدد الدائن مدينه بمقاضاته أو بالتنفيذ على أمواله أو بشهر إفلاسه، حتى يحمله على دفع الدين الذي له عليه لا أكثر، أو تحرير سند به، أو تقديم رهن أو كفالة.

ويرى الفقه السائد أن الإكراه لا يتوافر في هذا الفرض لاعتبار الرهبة المتولدة عنه بحق والقضاء مجمع على ذلك سواء في فرنسا أو في مصر.

(ج) استعمال وسيلة مشروعة للوصول إلى غرض غير مشروع :

ومثال هذا الفرض أن يهدد شخص آخر بالتبليغ عن جريمة ارتكبها، ليحمله على أن يعطيه مبلغاً من المال لا حق له فيه، أو أن يهدده بأن ينفذ على أمواله بمقتضی دین له، إن لم يبع له أرضاً لا علاقة لها بالدين والفقه السائد يرى أن الإكراه متوافر هنا، باعتبار أن الرهبة المتولدة عنه بغير حق والقضاء في فرنسا ومصر مجمع عليه.

(د)-استعمال وسيلة غير مشروعة للوصول إلى غرض مشروع : 

الغرض هنا يكون مشروعاً ولكن تستعمل للوصول إليه وسائل إكراه غير مشروعة، والمثال الذي يعطي عادة لهذه الحالة أن تهدد امرأة عشيقها بالتشهير به لدى خطيبته أو زوجته إن لم يدفع لها مبلغاً من المال، تعويضاً لها عما نالها من ضرر.

فرغم أن الوسيلة غير مشروعة إلا أن العقد لا يبطل للإكراه إذ يجوز استعمال الإكراه للوصول إلى حق لتأدية واجب أو للحصول على مصلحة مشروعة ولكن يشترط ألا تكون هذه الوسيلة غير المشروعة جريمة يعاقب عليها القانون، كما فی حالة التهديد بالقتل أو الخطف بغية الوصول إلى حق في ذمة المكره.

ويشترط ألا يتعسف الشخص في استعمال هذا الحق، فإن القصد والاعتدال فيه صعب بقدر ما هو واجب .

وتحديد ما إذا كانت الرهبة بحق أو بغير حق، وبالتالي تحديد ما إذا كان الإكراه مشروعاً فلا يمس العقد، أو غير مشروع فيدفعه بالقابلية للإبطال يعتبر من مسائل القانون، فيخضع قاضي الموضوع في شأنها الرقابة محكمة النقض  .

الشرط الثاني :

رهبة في نفس المتعاقد تحمله على التعاقد :

يجب أن تكون الرهبة التي تولدها وسيلة الإكراه هي الدافعة إلى التعاقد، بمعنی أن لولاها لامتنع المكره عن إجراء التصرف.

وشرط كون الرهبة هي الدافعة إلى التعاقد بدیهی، ولا صعوبة فيه إذ أن الإكراه يفسد الرضاء، وهو لا يعتبر كذلك إلا إذا حمل المتعاقد بالفعل على التعاقد، فإذا ثبت أن المتعاقد كان ليبرم التصرف وبنفس الشروط التي تم عليها حتى لو لم يسلط عليه سيف التهديد، فإن الإكراه لا يعتبر مفسدا لرضائه. وفي هذا يتساوى الإكراه مع التدليس والغلط.

والمعيار هنا ذاتي، فيجب النظر إلى حالة المتعاقد الشخصية الذي وقع في الإكراه والتصرف إلى أي حد هو متأثر بالرهبة والخوف، فيدخل في ذلك عامل الجنس والسن والحالة الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه بالتفصيل الذي تناولناه فيما سلف.

الإكراه في حالة الضرورة (الإكراه بالصدفة) :

يراد بذلك أن ظروفا تتهيأ مصادفة فيستغلها المتعاقد للضغط على إرادة الطرف الآخر وحمله على التعاقد ومثل ذلك أن تشرف سفينة على الغرق فتتقدم أخرى لإنقاذها ويشترط قائد هذه الأخيرة قبل الإنقاذ التعهد بمبلغ كبير في مقابل عملية الإنقاذ. أو يتقدم شخص لإنقاذ آخر من غرق أو حريق أو قتل فيطلب منه التعهد بمبلغ باهظ في مقابل ذلك.

أو أن يطلب طبيب متخصص في نوع خطير من العمليات الجراحية أجراً فاحشاً من مريض يخشى على نفسه الهلاك إذا لم تجر له هذه العملية.

وكان المشروع التمهيدي للتقنين المدني يتضمن نصا برقم (178) يقضي بأن :

1- لا يعتبر إكراها الخوف من المطالبة بحق، ما لم يستغل الضيق الذي وقع فيه الطرف المهدد، فيبتز منه ما يزيد كثيراً على ما في ذمته من حق وهذا النص يجعل الإكراه في حالة الضرورة (الإكراه بالصدفة) الذي تتناوله إكراهاً يجيز طلب إبطال العقد إلا أن هذا النص حذف في لجنة المراجعة، ولم يكن هذا الحذف بقصد العدول عن حكمه وإنما اكتفاء بالنصوص الأخرى.

ولذلك فالرأى أنه طالما أن نصوص القانون قد خلت مما يقتضي التمييز بين إكراه يهيئه شخص أو يتهيأ مصادفة.

 وطالما أن الإرادة ليست حرة والغرض غير مشروع بل صدرت الإرادة تحت تأثير الضغط ، فالإرادة فاسدة ، سواء في ذلك أن يكون مصدر الضغط هو المتعاق الآخر أو أجنبي أو ظروف خارجية لا يد لأحد فيها فأثر الضغط في إرادة المتعاقد واحد في كل هذه الأحوال.

غير أن هذا القول يقتضي أن يكون المكره سيء النية، فإذا كان حسن النية لم يقصد استغلال الطرف الآخر فلا يبطل العقد.

-إثبات الإكراه :

يقع على عاتق المتعاقد المكره أي الذي يدعى حصول الإكراه إثبات الإكراه بشروطه التي ذكرناها فيما سلف ويجوز له الإثبات بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة والقرائن، ولو كان العقد الذي أبرم نتيجة الرهبة التي بعثها الإكراه مكتوباً، لأن الإثبات هذا ينصب على واقعة مادية.

أثر الإكراه :

إذا توافرت شروط الإكراه على النحو الذي بسطناه، أنتج الإكراه أثره ويتمثل هذا الأثر في جعل العقد قابلاً للإبطال لمصلحة الطرف المكره.

ويثبت حق طلب الإبطال، سواء أكان الإكراه قد دفع المكره إلى قبول التعاقد ذاته، أم اقتصر على حمله على قبول شروط أقسى وأشد وقراً مما كان يقبل بها العقد من غيره قياساً على الرأي الراجح شأن التدليس الذي أشرنا إليه فيما سلف.

والعقد فوق أنه قابل للإبطال لعيب شاب الإرادة فإن الإكراه يشكل خطأ يرتب المسئولية التقصيرية قبل فاعله.

وينبني على ذلك أنه بجانب الخيار الثابت للمكره في التمسك بالعقد أو إبطاله، له أن يطلب التعويض من المكره عما ناله من ضرر.

الشرط الثالث:

أن يكون الإكراه صادراً من المتعاقد الآخر أو أن يكون الأخير عالماً به أو من المفروض حتماً أن يعلم به، إذا كان صادراً من غير المتعاقدين :

يجب الإعمال الإكراه باعتباره عيباً يشوب الإرادة ويجعل العقد بالتالي قابلاً للإبطال، أن يكون متصلاً بمن يتعاقد مع المكره ويكون الإكراه كذلك إذا كان صادراً من المتعاقد مع المكره.

وفي هذا تنص الفقرة الأولى من المادة 127 على أن: ".... إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الأخر....الخ".

بيد أن هذا ليس ضرورياً فيكفي أن يكون الإكراه صادراً من الغير إذا كان المتعاقد الآخر يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا الإكراه (م 128)، وسنرى الحديث عن الإكراه الذي يصدر من الغير إلى شرح المادة  128 .

ومقتضى حرفية المادة (127) يؤدى إلى قصر الإكراه على الإكراه الذي يصدر من ذات المتعاقد الآخر إذ لم تلحق هذه المادة الإكراه الذي يصدر من نائب المتعاقد، بالإكراه الذي يصدر من المتعاقد ذاته، كما فعلت الفقرة الأولى من المادة 125 بالنسبة لإبطال العقد للتدليس.

ويذهب - بحق - رأى في الفقه إلى أنه يجب التوسعة في تطبيق النص والقول بإعمال الإكراه إذا وقع من النائب، كالولي والوصي والقيم والوكيل لأن النائب وإن كان لا يعتبر من الناحية القانونية هو المتعاقد، فهو الذي يمثله في إبرام العقد. وأغلب الظن أنه قد جاء سهواً من المشرع ألا يذكر النائب ليعطى الإكراه الواقع منه حكم الإكراه الحاصل من أصله وأياً ما كان الأمر، فينبغي قياس الإكراه على التدليس.

وقد ذكرنا عند تناول التدليس أن النائب يشمل فوق النائب بمعناه القانوني کالولی والوصي والقيم والحارس القضائي وأمين التفليسة والوكيل كل من يعاون المتعاقد بتكليف منه كالسمسار .

ولئن كان من شأن حرفية نص المادة 127 أن مقتضى وجوب توافر شروط اتصال الإكراه بالمتعاقد الأخر في جميع أنواع التصرفات، إلا أنه يجب قصر تطلبه على المعاوضات وحدها دون التبرعات، شأن الإكراه في ذلك شان ما قلناه في صدد التدليس وتأسيسا على نفس الاعتبارات . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/323)

الإكراه والأثر المترتب عليه :

الإكراه ، ضغط مادي أو معنوي ، يقع على ارادة المتعاقد فيولد في نفسه رهبة تدفعه إلى التعاقد، مما يجعل تلك الإرادة مشوبة بعيب الإكراه المفسد .

والإكراه المادي، يتمثل في الايذاء بالضرب والتعذيب بجميع صوره، أما الإكراه المعنوي "النفسي"، فيتحقق بالتهديد بإيذاء النفس أو المال أو بالحرمان من منفعة كأن يشترط مرفق المياه أو الكهرباء على المشترك حديثاً لإتمام التعاقد معه - سداد استهلاك المشترك السابق الذي كان يشغل ذات العين فيضطر أمام هذا الاكراه الى قبول ذلك ودفع غير المستحق عليه مما يجعل هذا الشرط قاب؟ للإبطال مع بقاء العقد قائما هم 193 ، ومثل الإكراه المعنوى، التهديد بإفشاء سر أو عدم القيام بعمل في وقت غير مناسب کالمثل يمتنع قبيل رفع الستار عن العمل ويتمكن بذلك من تعديل أجره فيكون هذا التعديل قابلاً للإبطال والطبيب يمتنع عن إسعاف المريض مما يمكنه من قبض مبلغ كبير، ويؤدي هذا الاكراه الى فساد الارادة، فكل شرط فرض کرهة يكون قابلاً للإبطال، وكل عقد أبرم کرها كذلك قابلاً للإبطال .

ومن صور الاكراه المادي، أن يمسك شخص بيد آخر ليضع بصمة إبهامه على عقد أو يستكتبه توقيعه أو يحصل على هذا التوقيع تحت تأثير التنويم المغناطيسي، وفي هذه الحالة تكون الأرادة منعدمة فلا ينعقد عقد ويكون التصرف باطلاً بطلاناً لا يجوز لمن وقع منه الإكراه أن يتمسك به ولا أن تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها إنما يقتصر التمسك به على المكره، وبذلك يكون الإكراه المادي بجميع صوره وكذلك الإكراه المعنوي من أسباب البطلان النسبي. 

ويترتب البطلان على الرهبة التي يحدثها الإكراه أو على انعدام الارادة وليس على الوسائل المستعملة في الإكراه ويترتب أثر الإكراه بالنسبة لجميع التصرفات الارادية سواء كانت ملزمة للجانبين كالعقود أو ملزمة لجانب واحد كالإقرار أياً ما كان محله.

والتمسك بالإكراه، دفاع جوهرى تلتزم محكمة الموضوع بالرد عليه وإلا كان حكمها معيبا بالقصور، ولكن لا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض إذ يعتبر حيز سبباً جديداً.

شروط الإكراه

يجب حتى يترتب البطلان بسبب الإكراه، توافر الشروط التالية :

أولاً : أن يوجد ضغط يولد رهبة قائمة على أساس وأن يكون هذا الضغط بدون حق، ويتحقق الضغط بتوافر وسائل الإكراه المادية والمعنوية على نحو ما سلف، وأن تكون من شأنها إحداث رهبة في نفس المكره رهبة جدية تؤدي إلى الخوف الشديد والانزعاج وتستفاد من ظروف الحال تدل على أن خطراً جسيماً محدقاً يهدد المكره أو شخص عزيز لديه في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال .

ويكون الخطر جسيمة، إذا كان الضرر الذي يخشاه المكره والمهدد به يفوق الضرر الذي يترتب على التصرف الذي يرمه، ويجب أن هذا الخطر محدقة أي وشيك الوقوع ويتوفر ذلك إذا كانت الرهبة التي ولدها الإكراه حالة وقت إبرام العقد حتى لو كان الأمر المهدد به مستقبلاً، وتوافر الرهبة أو عدم توافرها، من مسائل الواقع التي يستقل قاضى الموضوع بالفصل فيها دون معقب عليه من محكمة النقض .

ولا يلزم أن يكون الخطر مؤكد الوقوع فيكفي أن يكون ممكناً.

وقد ينصرف الخطر الى غير المتعاقد، بأن يهدد المتعاقد بإيذاء هذا الغير الذي يحرص على سلامته، مما يدفعه الى ابرام التصرف حتى يدرأ عنه هذا الخطر، يستوي أن يكون هذا الغير قريباً للمتعاقد أو ليس من ذوي قرباه طالما كان عزیز الديه، فليس كل قريب عزیز لدى الشخص، ويستقل قاضى الموضوع بالفصل فيما إذا كانت العلاقة ما بين المتعاقد والغير تؤدى الى توفر الإكراه بالنسبة للأول من عدمه.

ويجب أن يكون الضغط بدون حق، فإن كان بحق فإن الرهبة التي تتولد عنه لا تؤدي إلى إبطال العقد، سواء تمثل هذا الضغط في وسائل مشروعة أو غير مشروعة طالما كان الغرض الذي يرمي إليه المتعاقد من وراء هذا الضغط مشروعة أي بحق مثال ذلك أن يهدد الدائن مدينه بشهر إفلاسه أن لم يقدم له سند بالدين الذي له في ذمته، فالتهديد بشهر الإفلاس وسيلة مشروعة والغرض منها وهو الحصول على سند بالدين غرض مشروع، فلا يرد البطلان على هذا السند الانتفاء الإكراه، والدائن الذي يهدد مدينة بمباشرة إجراءات التنفيذ إن لم يقدم له رهنة على عين معينة، فلا يبطل عقد الرهن لانتفاء الإكراه، والمودع يهدد المودع لديه بإبلاغ النيابة عما قام به من تبديد الوديعة أن لم يقدم له سندة بها، فلا يبطل هذا السند لانتفاء الإكراه، فتلك وسائل مشروعة قصد بها الوصول إلى أغراض مشروعة.

وإن كانت الوسائل مشروعة للوصول إلى أغراض غير مشروعة، تحقق الإكراه وكان العقد قابلاً للإبطال، فالدائن الذي يهدد مدينة بشهر إفلاسه بغرض الحصول على سند بما يجاوز دينه، فإن السند يكون قابلاً للإبطال لتوافر الإكراه.

وإن كانت الوسائل غير مشروعة للوصول إلى أغراض غير مشروعة، تحقق الإكراه وكان العقد قابلاً للإبطال، فمن يهدد غيره بالايذاء أو بالتشهير بغرض الحصول على إتاوة أو على سند بها، كان هذا السند أو الوفاء بالاتاوة قابلاً للابطال بسبب الإكراه، ذلك لأن الوسيلة غير مشروعة وأيضاً الغرض منها غير مشروع.

فالبطلان في الإكراه - كما في التدليس - لا يقوم على العيب الذي شاب الارادة فحسب وإنما يقوم كذلك على إعتبار الإكراه خطأ، والقاعدة أن لا خطأ ولا بطلان متى كان الغرض مشروعاً.

استعمال النفوذ :

إذا لجأ المتعاقد الى استعمال نفوذه لتحقيق غرض مشروع، كان العقد صحيحاً ولا محل لإبطاله، فإن كان لتحقيق غرض غير مشروع، فيجب لإبطال العقد أن يتوفر الى جانب هذا النفوذ إكراه واقع كأن يهدد أب ابنه بقطع النفقة عنه إذا لم يوقع عقدا وهو ما كان يرضاه لولا هذا التهديد، ومن أمثلة ذلك أيضاً سلطة رجل الدين على شخص متدين والرئيس على مرؤوسيه والزوج على زوجته.

ثانياً : أن تكون الرهبة هي الدافعة إلى التعاقد، فلا يكفى توفر الخوف والفزع عند التعاقد، بل يجب أن يكون ذلك هو الذي دفع المكره إلى التعاقد، حتى تكون ارادته مشوبة بعيب الإكراه، فإن لم تكن الرهبة هي الدافعة الى التعاقد، بأن توجه مصلحة للتعاقد في إبرام العقد وان ارادته كانت تتجه الى ذلك ولو لم توجد الرهبة، فإن العقد يكون صحيحة، والرهبة المبطلة هي التي تتوافر وقت إبرام العقد، فلا يعتد بالرهبة السابقة على ذلك طالما أن كل أثر لها قد تلاشى وقت التعاقد.

وتقدير ما إذا كانت الرهبة هي الدافعة إلى التعاقد من عدمه، مسألة واقع لا يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة، ويستند في استخلاص تلك الرهبة إلى الظروف الشخصية للمكره من حيث جنسه إذ تتأثر الأنثى بأقل قدر من الأكراه، والسن إذ يتأثر الصغير أكثر من الشباب القوى ومثل الصغير الرجل الهرم والصحة فتأثر السليم أقل من تأثر المريض، كما يختلف القروى الساذج عن رجل المدينة الواعي، والجاهل عن المتعلم، فقد تؤثر أعمال الشعوذة في الأول دون الثاني ويعتد كذلك بالظروف والملابسات، فقد تحدث الرهبة لي أكثر منها نهاراً، وبإمكان قصي أكثر منها بالمدينة، فيجب على القاضي عندما يسعى الى استخلاص الرهبة، أن ينظر إلى الضغط الواقع على المكره ويبحثه على هذه العوامل المتقدمة، فإن كان من شأنه إحداث رهبة في نفس المكره قضى بإبطال العقد، فالقروي الذي يهدد بأعمال الشعوذة أن التزم بشئ بسبب هذا التهديد كان التزامه وليد إكراه وله طلب إبطاله خلافاً للمثقف الذي نشأ في بيئة لا تؤمن بتلك الأعمال.

والأخذ بالمعيار الشخصي البحت على نحو ما تقدم، لا يحول دون اللجوء إلى معيار موضوعي مؤداه أن الضغط الواقع يمكن معه توافر الرهبة في مثل ظروف المكره والملابسات التي تم فيها التعاقد، وبموجب ذلك يتعين على القاضي أن يقيم قضاءه على أسباب سائغة حتى يكون بمنأى عن رقابة محكمة النقض .

ثالثاً : أن يقع الاكراه من المتعاقد الآخر أو كان بعلمه أو كان من المفروض حتماً أن يعلم به "م 128".

ومتى توافرت هذه الشروط كان التصرف قابلا للإبطال لمصلحة المكره دون المتعاقد الآخر.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/  الثاني ، الصفحة/ 550)

 الإكراه - اكراه هو استعمال وسائل مادية أو معنوية للتأثير بها على شخص حتى يقبل تعاقدا ما كان يقبله لولا ذلك .

فإذا بلغت هذه الوسائل حد القهر الذي لا يملك معه المكره سوى الانصياع لإرادة المكره، فإنها لا تقتصر على أن تشوب الإرادة، بل تعدمها، ومثل ذلك القبض على يد الشخص والتوقيع بها على عقد.

أما إذا لم تبلغ وسائل الإكراه هذا الحد ، فإنها لا تعدم الإرادة، ولكنها تجعل المكره في حالة يجد معها نفسه مضطراً أن يختار بين وقوع ما هو مهدد به من أذى، وبين أن يريد الأثر القانوني المطلوب منه أن يقبله، فإذا اختار هذا الأمر الأخير، فإن إرادته إياه لا تكون حرة، ولا يصح أن يترتب عليها ما يترتب على الإرادة الحرة من أثر، ومثل ذلك تهدید شخص بحرق منزله إذا لم يقبل بيعه .

ويشترط في الإكراه الذي يعيب الإرادة ما يشترط في الغلط أي أن يكون جسيماً وأن يكون هو الدافع للإرادة على الاتجاه الذي اتجهت ( المادة 127 مدني).

ويعتبر الإكراه جسيماً إذا كان من شأنه أن يخيف الشخص المهدد به، وينظر في ذلك إلى السن والجنس وحالة الشخص نفسه، فالرجل غير المرأة ، والكبير غير الصغير، و العالم غير الجاهل، والشخص العصبي غير الشخص الهادئ.

أما مجرد النفوذ الأدبي - كالذي يكون للأب على ابنه، أو للزوج على زوجته ، أو للرئيس على مرءوسه ، أو للسيد على خادمه - فلا يعتبر إكراهاً إلا إذا اقترن هذا النفوذ الأدبي بوسائل اكراه أخرى ، كما لو هدد والد ولده بحرمانه من الميراث إذا هو لم يمض عقداً. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقص، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الأول  الصفحة/ 884)

الإكراه ضغط  مادي أو أدبي يقع على شخص فيبعث في نفسه رهبة تحمله على التعاقد، فتكون سبباً في جعل رضاه غير سليم.

فإذا كان الضغط مادياً وبلغ حداً من القوة لا سبيل إلى دفعه ، فإنه يعطل الإرادة تعطيلاً كاملاً ويجعل الرضا معدوماً والعقد باطلاً، وليس هذا هو المقصود بالإكراه الذي يعتبر عيبا من عيوب الرضا، و إنما المقصود به الإكراه الذي يدع للمكره شيئاً من الحرية، ليختار بين ضرر يهدده وبين إبرام العقد المقترح عليه، فإذا كان الخوف من الضرر الذي يهدده يحمله على تفضيل إبرام العقد تفادياً لحدوث ذلك الضرر له، أمكن القول بأن إرادته اتجهت فعلاً الى إبرام العقد، ولكنها لم تكن حرة كل الحرية في اتخاذها هذا الاتجاه بل كانت مضطرة الى سلوكه باعتباره أخف الضررين، ولذلك يعتبر المشرع الإكراه الذي دفع الإرادة في هذا الاتجاه عيباً يشوبها ويندمج بألا يترتب عليها مثل الأثر الذي يترتب على الإرادة الحرة السليمة، فيجعل عقد المكره قابلا للإبطال، هذا فوق أن الإكراه - كالتدليس، يعتبر عملاً غير مشروع من جانب مرتكبه يوجب إلزام الأخير بتعويض ما يكون قد سببه للعاقد الذي وقع عليه الإكراه من ضرر.

شروط الإكراه - ويبين من هذه النصوص أنه يشترط في الإكراه الذي يشوب الرضا ويجعل العقد قابلا للإبطال ثلاثة شروط :

1- وقوع ضغط على العاقد يبعث في نفسه خوفا من ضرر جسيم أو رهبة قائمة على  أساس .

2- صدور هذا الضغط من العاقد الآخر دون حق، أو على الأقل أن يكون العاقد الآخر عالماً بوقوع هذا الضغط أو في استطاعته العلم بذلك.

3- أن تكون الرهبة التي بعثها الإكراه في نفس المكره هي التي دفعت الأخير إلى إبرام العقد.

الشرط الأول : ضغط يبعث دون حق رهبة قائمة على أساس- يتكون هذا الشرط من عناصر ثلاثة :- 

 (أ) وسائل الضغط ، (ب) وأحداث رهبة قائمة على أساس - يتكون هذا الشرط من عناصر ثلاثة :

(ج) ووقوع الضغط المحدث الرهبة المذكورة دون حق.

(أ)-  وسائل الضغط – وسائل الضغط أما أن تكون وسائل حسية أي أنها تقع على جسم المكره ذاته كالضرب والبناء المادي، وإما أن تكون وسائل نفسية كالتهديد بالقتل أو الرهبة أو الإيذاء أو إتلاف المال أو بإفشاء سر، وكإحداث ألم نفسي كالذي يسببه خطف شخص عزيز على المكره أو تجويعه أو تعذيبه أو الإساءة إليه، وفي الحالة الأولى يسمى الإكراه حسياً أو مادياً، و في الثانية إكراه نفسياً أو معنوياً، وكلا النوعين من وسائل الضغط سواء في الفساد الرضا وجعل العقد قابلاً للابطال میں توافرت الشروط الى اللازمة لذلك ، لا فرق بين أن تكون تلك الوسائل مشروعة أو غير مشروعة، بذلك أن الوسائل المشروعة اذا استعملت في غير الهدف الذي شرعت من أجله بقصد الحصول من العاقد الآخر الذي يهدد باستعمالها على أكثر مما هو مستحق عليه يصبح استعمالها غير مشروع، كما تصبح اساءة استعمال الحق عملاً غير مشروع .

وتقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيراً في نفس المتعاقد أمور موضوعية تستقل بها محكمة الموضوع دون رقابة من محكمة النقض مادام سائغاً .

ولا يعتبر القانون الفرنسي من وسائل الضغط التي تكون الإكراه إستعمال النفوذ الأدبي التي يكون شخص - على آخر كنفوذ الأب على ابنه والزوج على زوجته و الرئيس - على مرؤوسيه و الأستاذ على تلميذه ... الخ ، حيث نصت المادة 1114 مدني فرنسي على أن مجرد الخشية الصادرة عن احترام واجب للأب أو الأم أو أي أصل آخر دون أن يكون هناك آراء واقع لا يكفي بطلان العقد.

ولأن القانون المصرى لم يرد فيه ما يقابل هذا النص، فلا يصح فيه أن يستبعد بصفة مبدئية النفوذ الأدبي من وسائل الضغط التي تكون الإكراه المفسد للرضا، ويتعين باعتباره وسيلة من وسائل الضغط تؤدي إلى الإكراه إذا توافرت فيه الشروط الأخرى اللازمة لذلك ، وهو ما يندر تحققه كما سيجيء .

(ب)أحداث رهبة قائمة على أساس - ولا يكفي أن يقع ضغط حسي أو نفسي على العاقد حتى يصبح رضاه معيباً، لأن العبرة لیست بوقوع الضغط على الشخص بل بالأثر الذي يولده هذا الضغط في نفس العاقد إذ يجب أن يبلغ هذا الأثر حد إحداث إضطراب في نفسي العاقد يجعل إرادته غير سليمة، فيجب أن يبعث الضغط المذكور في نفس المتعاقد رهبة وأن تكون تلك الرهبة قائمة على أساس.

والمقصود بالرهبة الخوف والاضطراب ، والمقصود بقيام  الرهبة على أساس أن يكون لها ما يبرر قيامها في نفس العاقد ، والغرض من ذلك اشتراط جدية الرهبنة حتى لا يتمني لكل راغب في التمسك بالاكراه أن يدعي أنه أبرم العقد تحت تأثير رهبة قامت في نفسه فمن يدعى مثلاً وقوع إكراه عليه بسبب ما للعاقد الآخر عليه من نفوذ أدبي يسهل دحض دعواه بأن النفوذ الأدبي يندر أن يبلغ الحد الذي يبعث في النفس رهبة قائمة على أساس.

وقد عرفت المادة 127 فقرة ثانية الرهبة القائمة على أساس أنها هي التي تقوم في ذهن العاقد نتيجة اعتقاده المستفاد من ظروف الحال أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال .

فيجب أولاً أن يكون ثمة تهدید بخطر جسيم، أي تهديد بضرر يفوق  مدى الضرر الذي يصيب العاقد من إبرام العقد، ويكون خطر جسيماً ولو لم يهدد التعاقد في حياته ولا في سلامة جسمه، إذ يكفي أن يهدده في شرفه أو في ماله، بل يكفي أن يكون التهديد بالحاق الأذى بشخص قريب للعاقد أو عزيز عليه.

ويجب ثانيا أن يكون الخطر المهدد به بحيث يبعث في نفس العاقد رهبة حالة، وفي هذا تقول المادة 127 فقرة ثانية أنه يجب أن تصور ظروف الحال للعاقد «أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده»، وتقول المذكرة الإيضاحية أن المقصود بذلك أن يكون الخطر، وشيك الوقوع و وفي القانون الفرنسي تنص المادة 1112 على أنه يجب أن يكون الضرر الذي يهدد الوافد «حالاً» غير أن الشراح انتقدوا هذا الشرط وقالوا إن التهديد بضرر مستقبل يكفي لإفساد الرضا إذا نشأت عنه رهبة حالة وقت التعاقد، وقد أوضحت بعض الشرائع هذه الفكرة إذ نصت على أن « الرهبة الناتجة عن الإكراه أو عن سبب آخر يجب أن تكون خشية ضرر جسدي وأن تكون رهبة معقولة وموجودة وقت التعاقد» ( في هذا المعنى المادة 995 من القانون المدني لولاية كيبيك).

وفي ضوء ذلك يتعين فهم قصد الشارع المصري من نص المادة 127 فقرة ثانية، وهو أن يكون الخطر الجسيم المهدد به قد يبعث في نفس العاقد رهبة حالة وقت التعاقد ولو كان الأمر المهدد به أمراً مستقبلاً (111 مکرر) وحصول هذه الرهبة أو عدم حصولها هو من الوقائع التي يكون القاضي الموضوع وحده القول الفصل فيها ومتى أقام تقديره إياها على أسباب سائغة فلا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض.

ويجب ثالثاً أن تكون الرهبة التي يدعي العاقد أن التهديد بعثها في نفسه رهبة معقولاً حدوثها من مثل هذا التهديد لمثله مع مراعاة ظروفه الشخصية كالجنس والسن والحالة الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه  وقد نصت على ذلك المادة 127 فقرة ثالثة مدني، ويرى الشراح أن المعيار في هذه الحالة معيار ذاتي بحت، فيقام فيه وزن لجنس العاقد ولسنة وصحته ودرجة ثقافته والمعتقدات السائدة فيها فالتهديد الذي يؤثر في المرأة غير الذي يؤثر في الرجل ، والذي يؤثر في الصغير غير الذي يؤثر في الكبير، و الذي يؤثر في المريض أو ضعيف الأعصاب غير الذي يؤثر في السليم قوي الأعصاب، وما يؤثر في الأمي أو الريفي الساذج غير ما يؤثر في المتحضر المثقف وهلم جراً .

غير أننا نلاحظ أن البحث في حدوث الرهبة المدعاة بالمعيار الشخصي أو الذاتي يقتضي من القاضي أن يغوص في أعماق نفس العاقد ليتحقق من وقوع الرهبة فيها فعلا وهو أمر عسيراً جداً، وهو فوق ذلك يخرج تقدير القاضي لحدوث الرهبة أو عدمه من كل رقابة لمحكمة النقض، والغالب أن يستهدي القاضي في ذلك بما يراه معقولا حدوثه من رهبة في نفس العاقد المعين المتمسك بالإكراه بسبب ما وقع عليه من ضغط ومع مراعاة ظروفه الشخصية، أي أن القاضي ولو أنه يقيم وزناً الكل ظرف شخصي خاص بالعاقد، فإنه لا يستطيع أن يتحقق من أن التهديد قد أحدث في نفسه الرهبة المدعاة أو لم يحدثها، فيتعين عليه أن ينظر إلى المعقول حدوثه من الرهبة بسبب هذا التهديد في نفس شخص تحيطه ظروف مماثلة لجميع ظروف العاقد الشخصية .

فإذا ادعى عاقد مثقف  ثقافة عالية أنه قد أبرم العقد تحت تأثیر رهبة بعثها في نفسه تهديده بإيقاع الأذى به من طريق السحر أو التعاويذ تعذر على القاضي أن يتحقق من حدوث الرهبة المدعاة فعلاً أو عدمه، ولكنه يستطيع أن يقرر أنه لا يعقل أن من يكون على هذه الدرجة من الثقافة تحدث في نفسه  رهبة من جراء هذا التهديد ، أما إن كان المهدد بمثل ذلك ريفياً ساذجاً، خان القاضي يستطيع أن يقرر أن مثل هذا الريفي بصح أن يؤثر فيه هذا التهديد.

وقصارى القول أن الأخذ في هذا البحث بالعيار الشخصي أو الذاتي معناه إقامة وزن لكل ظرف شخصي أو خاص بالعاقد المتمسك بالإكراه بدون تفرقة في ذلك بين الظروف الخارجية والظروف الداخلية أو بين الظروف الظاهرة والظروف غير الظاهرة، ولكن ذلك لا يعني القاضي عن الالتجاء إلى معيار موضوعي هو معيار المعقول حدوثه في مثل هذه الظروف جميعاً، ولعل هذا هو الذي كان يقصده التقنين الملغي عندما نص في المادة 190/135 على أن «لا يكون الإكراه موجباً لبطلان المشارطة إلا إذا كان شديدا ، بحيث يحصل منه تأثير لذوي التمييز، مع مراعاة سن العاقد وحالته والذكورة والأنوثة»، وان الأخذ بهذا المعيار الموضوعي معيار المعقول حدوثه في الظروف الواقعية، يجعل لمحكمة النقض رقابة على تقدير قاضي الموضوع من حيث تسبيبه على الأقل بأسباب سائغة معقولة.

(جـ) أحداث الفيض دون حق - ويجب أن يكون الضغط الذي بعث في نفس العائد رهبة ضغطا غير مستند الى حق ، وهو يكون كذلك إذا كان الغرض منه الوصول الى شيء غير مستحق ولو كانت وسيلة مشروعة، أما أن كان الغرض من الضغط الوصول إلى ما هو مستحق فإن الضغط لا يكون اكراها ولو كانت وسيلة غير مشروعة لأن إبطال العقد للإكراه ليس مبنياً على فساد الرضا فحسب بل أيضا على عدم مشروعية الإكراه . 

فللدائن الذي يهدد مدينة بمقاضاته إذا لم يعترف بالدين، إنما يضغط على مدينة بوسيلة قانونية للوصول الى اعترافه بالدين وتحرير سند به وهو أمر من حقه الحصول عليه، فلا يعتبر هذا الضغط واقعاً دون حق ولا يجوز للمدين أن يطعن بالإكراه في إقراره بالدين أو في السند الذي حرره بهذا الإقرار إلا إذا أساء الدائن استعمال حقه في ذلك الحصول من مدينة على أكثر مما هو مطلوب له.

وكذلك إذا هدد رب العمل العامل المختلس بالتبليغ عنه ليحصل منه على إقرار بالمبلغ المختلس وعلى تعهده برده ، أما أن هدده بذلك ليحصل منه على مبالغ تجاوز ما اختلس وما ترتب على الاختلاس من ضرر، فيعتبر ما وقع منه من ضغط على العامل واقعا دون حق لأن الغرض منه وهو الحصول على غير المستحق غرض غير مشروع ، وبالتالي يجوز العامل في هذه الحالة الأخيرة أن يطعن بالاكراه فيما يكون قد حرره من تعهد بدفع تلك المبالغ الزائدة .

الشرط الثاني : ضرورة وقوع الضغط من العاقد الآخر أو ولقبه به و استطتاعه العلم به على الأقل - تقدم أن القانون الفرنسي قد فرق بين التدليس الصادر من العاقد الآخر والتدليس الصادر من الغير، ولكنه لم يفرق هذه التفرقة، فيما يتعلق بالإكراه، بل نص صراحة على أن الإكراه يبطل الرضا ولو كان صادر من شخص غير من أبرم العقد لمصلحته (المادة 1111 مدنی فرنسي) .

ولم يرد على ذلك نص صريح في التقنين المصري الملغي، حيث اكتفى هذا المتقنين بالنص على أن الإكراه (بوجه عام وأياً كان مصدره) يكون موجباً لبطلان المشارطة، وقد أجمع الفقه والقضاء على أن الاكواد الصادر من الغير يبطل الرضا، كالإكراه الصادر من العاقد الآخر سواء بسواء.

غير أنه يلاحظ أنه إذا كان العاقد الآخر يجهل حصول الإكراه من الغير، فإنه يتضرر من إبطال العقد عليه دون ذنب جناه، ويكون من حقه أن يعوض عن هذا الضرر .

وقد اختلفت الشرائع في طريقة تعويض مثل هذا العاقد عما أصابه من ضرر بسبب إبطال العقد.

فالبعض يخول العائد المتضرر من إبطال الطرف الآخر العقد بسبب ما وقع عليه من إكراه صادر من الغير حقاً في الرجوع بالتعويض على ذلك الغير ( تقنين الجمهورية الفضية في المادة 977 منه).

 والبعض يخوله مطالبة العاقد الآخر بالتعويض على أن يكون للأخير رجوع على الخير الذي صدر منه الإكراه (تقنين الالتزامات السويسري في المادة 29 فقرة ثانية منه).

ويلاحظ عند الأخذ بهذا المذهب الأخير أن خير تعويض عن إبطال العقد فيما بين الطرفين إنما هو التعويض العيني الذي يكون بإقامة العقد ورفض دعوى البطلان .

لذلك رأى واضعوا التقنين المدني المصري الحالي ألا يسمحوا بإبطال العقد بسبب إكراه صادر من الغير إلا حيث يكون العقد المتضرر من طلب إبطال العقد عليه ملوما، بأن كان يعلم بالإكراه أو كان في استطاعته أن يعلم به، أما إن كان ذلك العاقد غير ملوم فلا يجوز إبطال المعتمد عليه ، وإنما يجوز للمكره في هذه الحالة أن يرجع بالتعويض على الغير الذي أكرهه في المادة 127 مدنی جديد والمادة 177 فقرة ثانية من المشروع التمهيدي .

الرهبة الناشئة عن حوادث طارئة- وقد تنشأ الرهبة في نفس العاقد نتيجة لحوادث طارئة لا دخل فيها لأحد، كالغرق أو المرض الخطير، فإذا اشترط من يتقدم للإنقاذ في هذه الظروف مبلغا من المال وعده به المكره، أفيجوز للمكره أن يطعن فيما تعهد به بسبب ما كان فيه من إكراه ؟.

ذهب فريق من الشراح إلى أن هذا الإكراه لا يكفي لإبطال الرضا، لأنه يشترط في  الإكراه أن يكون مهيأ مدبرا بقصد الحصول على رضا العاقد بحيث يصبح هذا الرضا منتزعاً، فإذا نشأ عن ظروف وقعت مصادفة، انعدم فيه الركن المعنوي ولم يعد كافياً لإبطال الرضا.

ولكن يرد على ذلك بأن الإكراه إنما يبطل الرضا بسبب ما يقع فيه المكره من رهبة وضيق يجعلانه يفضل إبرام العقد على تعريض نفسه للخطر الذي يهدده، وهذا كله بقطع النظر عن مصدر الإكراه وتدبيره أو تهيئته.

لذلك ذهب الشراح الحديثون والمحاكم الى أن الرهبة الناشئة عن حوادث طارئة مثلها مثل الإكراه الصادر من الغير .

 ولأن التقنين الحالي قد جعل الإكراه الصادر من الغير لا يبطل العقد إلا إذا كان العاقد الآخر عالماً به، أو كان في استطاعته أن يعلم بها، فكذلك نقرر أن الرهبة الناتجة من ظروف طارئة لا دخل فيها لأحد تكفي لإبطال العقد إذا كان العاقد الآخر عالماً بها أو في استطاعته أن يعلم بها، وكان قد استغل الظرف للحصول على ما لا يستحقه، لأنه إذا لم يكن عالماً بظروف المكره،فليس للأخير طلب الإبطال، واذا كان عالماً بها واقتصر على الحصول على ما هو مستحق له، فلا يكون قد حصل على شيء دون حق، فإذا اشترط المنقذ لإنقاذ الغريق أن يبيعه هذا مالاً معيناً بثمن بخس كان هذا العقد قابلاً للإبطال بسبب الإكراه أما اشتراط أجر الإنقاذ فحسب فلا يكون قابلاً للابطال .

ويقرب من ذلك حالة الاكراه الجماعي المنتشر (أو الذعر العام) الذي يحمل فردا أو جماعة (كفريق أرباب الأعمال في مهنة أو صناعة معينة) على أن يقبلوا شروطاً ما كانوا يقبلونها لولا الضغط أو الإكراه الجماعي الذي مارسه عليهم فريق العمال .

الشرط الثالث : كون الرهبة الناتجة من الإكراه هي الدافعة إلى التعاقد - وليس يكفي لإبطال العقد وقوع الإكراه على العاقد ونشوء رهبة عنه في نفسه، وإنما يجب أن تكون هذه الرهبة هي التي حملت العاقد على التعاقد حتى يعتبر أن رضاه بالعقد كان مشوباً، وهذا يقتضي بطبيعة الحال أن تكون الرهبة قد وجدت وقت التعاقد .

فإذا وجدت وقت العقد رهبة قائمة على أساس، ولكنها لم تكن هي السبب الذي حمل التعاقد على إبرام العقد، بل وجدت له مصلحة في إبرامه  هي التي دفعته إلى التعاقد بقطع النظر عن الإكراه، فإن رضاه لا يبطل، وهذا واضح من نص القانون في المادة 127 على جواز إبطال العقد للإكراه «لذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة»، إذ أن معنی التعاقد تحت سلطان الرهبة أن تكون الرهبة هي التي دفعت العاقد إلى التعاقد و وتقول محكمة النقض في ذلك أنه يشترط أن تؤدى الرهبنة التي بعثها الإكراه في نفس العاقد الي حمله على قبول ما لم يكن يقبله اختياراً، وعلى مدعي الإكراه أن يثبته ويجوز له اثباته بكافة الطرق.

وتقدير ما إذا كانت الرهيبة الناشئة من الإكراه هي الدافعة إلى التعاقد أم لا مسألة واقعية تدخل في سلطة قاضي الموضوع دون رقابة عليه من محكمة النقض إلا فيما يتعلق بتسبيب هذا التقدير بأسباب سائغة معقولة، ولهذا يلزم التمسك بذلك أمام محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. ( الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني  الصفحة / 390 )

وتأثير الإكراه على التعاقد - الإكراه المبطل للرضا يتحقق بتهديد المتعاقد بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها، ويكون نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن يتقبله إختياراً، ويجب أن يكون الضغط الذي يتولد عنه في نفس المتعاقد غير مستند إلى حق . (التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2014، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء/ الأول صفحة 504 )

 

المقصود بـ الإكراه المفسد للرضا : هو الرهبة التي تدفع شخصاً إلى إبرام تصرف قانوني ما كان ليقبل إبرامه لو لم يتعرض للإكرام ، وهو على هذا النحو لا بعدم الإرادة لأن المكره يمارس إرادته عن طريق اختيار أهون ، ويختلف بذلك عن الإكراه الذي يعدم الإرادة كما لو انتزع الرضا عنوة لا رهبة بأن أمسك المكره بيد المكره ووضع بصمته بالقوة على المحرر ففي هذه الصورة لا يكون هناك أي نوع من الإرادة أو الاختيار ولو كان غير حر ، وإنما يكون العقد معدوما لانعدام الرضا ، وتكون بصدد واقعة اغتصاب سند يكفي للتخلص من آثاره إثبات تزويره أو اغتصابه دون حاجة إلى طلب إبطاله للإكراه السنهوري بند 188 - الشرقاوی بند 35 - حجازی 459 - مرقس بند 210 ، ويشترط في الإكراه المفسد للرضا توافر ثلاثة شروط ، أولها ضغط يبعث دون حق رهبة قائمة على أساس ، وثانيها اتصال العاقد الآخر بالإكراه سواء لوقوعه منه أو علمه أو استطاعة علمه به ، وثالثها أن تكون الرهبة الناتجة من الإكراه في الدافع إلى التعاقد يراجع مرقس بند 212 وما بعده.

فالإكراه هو الرهبة التي تدفع شخصاً إلى إبرام تصرف قانوني ، والتي تتولد في نفسه نتيجة تهديده بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى الا قبل له بتحملها أو التخلص منها ويتضح من ذلك أن للإكراه عنصرين أولهما استعمال وسائل للإكراه بخطر جسيم محدق ، وثانيهما الرعية التي يبعثها في نفس المتعاقد فتحمله على التعاقد وهذا هو العنصر النفسي والإكراه كعيب من عيوب الرضا يقتصر أثره على إبطال العقد ، أما إذا كانت الأعمال التي يتكون منها الإكراه غير مشروعة فإنه يترتب عليها فوق ذلك المسئولية عن التعويض طبقا لقواعد المسئولية التقصيرية السنهوري بند 189 وإذا توافر العنصران السالفان فلا يهم بعد ذلك أن تكون أفعال الإكراه صادرة من المتعاقد الآخر أو من الغير أو من ظروف خارجية تهيأت مصادفة إذ الجوهرى أن الإرادة لم تكن حرة .

ووسائل الضغط : لا تقع تحت حصر وان كان أهمها التهديد بخطر يلحق من وقع عليه الإكراه أو الغير في جسمه أو نفسه أو شرفه واعتباره أو ماله ، وهذا الإكراه النفسي ، ويرى أغلب الفقه أن الإكراه قد يكون جسيماً كالضرب أو الإيذاء وإن رأی البعض أن الضغط المكون للإكراه لا يكون إلا بالتهديد بخطر مقبل ومن ثم لا يتحقق بما يقع بالفعل من إيذاء سابق على إبرام التصرف ما لم يتضمن تهديدا بخطر مستقبل مماثل أو أشد الشرقاوي بند 36 .

والخطر المهدد به : يستوي أن يوجه إلى المتعاقد أو إلى الغير في الجسم أو النفس أو الشرف أو المال ، ولا يشترط درجة قرابة معينة أو صلة بين هذا الغير وبين المتعاقد الذي يتعرض للإكراه وإنما يترك تقدير ذلك للقضاء في ضوء ظروف كل حالة السنهوري بند 195 .

ولا يلزم أن يكون الخطر حالاً أي وشيك الوقوع : إذ العبرة بأن تكون الرهبة التي أحدثها التهديد به في نفس من وقع عليه التهديد حالة ولو كان الخطر المهدد  به متراخيا السنهوري بند  194 .

والمعيار في تقدير جسامة الخطر المهدد به هو معيار ذاتي يعتد بشخص المتعاقد الذي تعرض للإكراه ، لأن جوهر الإكراه هو اندفاعه إلى التعاقد تحت تأثیر خوفه من الخطر المهدد به فيجب أن ينظر إلى تأثير هذا الخطر في نفسه بالنظر إلى ظروفه الخاصة من حيث جنسه وسنه وبيئته وثقافته والظروف المحيطة الشرقاوي بند 36 - السنهوري بند 194 حجازی بند 462 .

ويستوي أن تكون وسائل الإكراه حسية كالضرب والإيذاء ، أو نفسية كالتهديد بإيقاع الأذى دون إيقاعه بالفعل مادام يوقع في النفس رهبة أو األمة ، كما يستوي أن يهدد الخطر المتعاقد أو الغير في الجسم أو النفس أو الشرف والاعتبار أو المال ، وسواء كان هذا الغير من أقارب المتعاقد أو من غير أقاربه، إذ العبرة بأثر الإكراه في نفس المتعاقد ومن ثم يترك تقدير أثر الخطر الذي يهدد الغير إلى تقدير القضاء في ظل ظروف كل حالة  السنهوري بند - 195.

وقد يتحقق الاكراه بتهديد من صدر منه الاكراه بالحاق الأذى بنفسه كتهديد الابن لأبيه بالانتحار غانم بند  110 .

الصلة بين مشروعية الوسيلة وبين مشروعية الغرض : يمكن القول بأن هناك في هذا الصدد أربعة صور ، أولها أن تكون الوسيلة مشروعة واستخدمت لتحقيق غرض مشروع كما لو هدد الدائن مدينه بالتنفيذ على ماله أو شهر إفلاسه وفي هذه الصورة لا يتحقق المقصود بالاكراه وثانيها أن تكون الوسيلة غير مشروعة ولكنها استخدمت لغرض مشروع وفي هذه الصورة لا يتحقق الإكراه بشرط ألا تكون الوسيلة غير المشروعة جريمة يعاقب عليها القانون المدة بند 180 - السنهورى هامش بند 196، وثالثها أن تكون الوسيلة مشروعة ولكنها استخدمت للوصول إلى غرض غير مشروع كما لو فاجأ شخص آخر يرتكب جريمة فهدده بالابلاغ عنه إذا لم يتعهد بدفع مبلغ معين له أو إذا هدد الدائن مدينه بشهر إفلاسه إذا لم يتعهد بما يزيد على حقه وفي هذه الصورة يتحقق المقصود بالاكراه وكان المشروع التمهيدي ينص على هذه الصورة في المادة 178 منه ولكنها حذفت اكتفاء بما ورد في باقي النصوص  مجموعة الأعمال التحضيرية الجزء الثاني ص 185 و 186، ورابعها أن تكون الوسيلة غير مشروعة واستخدمت لتحقيق غرض غير مشروع وهذه هي الصورة المعتادة للإكراه المدة بند 179- السنهوري بند 196 - الشرقاوي بند 36 - حمدي عبد الرحمن ص 283 وما بعدها – وقارن حجازی بند 462 حيث يشترط أن تكون الوسيلة غير مشروعة سواء كان الغرض مشروعاً أو غير مشروع.

نص المادة 127 من القانون المدني يدل على أن الأكراد المبطل للرضا لا يتحقق - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - إلا بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو بإستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها ، ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الاقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً ويجب أن يكون الضغط الذي يتولد عنه في نفس المتعاقد الرهبة غير مستند إلى حق وهو يكون كذلك إذا ك ان الهدف الوصول إلى شيء غير مستحق وحتى ولو سألك في سبيل ذلك وسيلة مشروعة .

8/12/1994 طعن 3186 سنة 58 ق - م نقض م  - 45 - 1567 .

تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في مسلك العاقد من الأمور الواقعية التي تستقل بالفصل فيها محكمة الموضوع دون رقابة من محكمة النقض متى أقامت قضائها على أسباب سائغة وإذ كان يبين مما أوردته محكمة الاستئناف أنها قد دللت بأسباب سائغة وفي حدود سلطتها التقديرية على وقوع إكراه مؤثر على إرادة المطعون عليه أدى إلى تنازله عن الاستئناف في الدعوى المعروضة وأنه على الرغم من استعمال الطاعن حقاً مشروعاً هو تنفيذ حكم الإخلاء الصادر لصالحه إلا أنه استغل هذا الحق فضغط على إرادة مدينة للتوصل إلى أمر لا حق له فيه ،  31/3/1976 طعن 172 لسنة 41 ق -م نقض م - 27 - - 815 - ويراجع نقض 26/1/1976 طعن 655 لسنة 40 ق - م نقض م - 27 - 301 .

أما إذا كان الغرض مشروعاً والوسيلة غير مشروعة كالدائن يهدد مدينه بوسيلة غير مشروعة ليجبره على الوفاء بدين حال ، فقد ذهب البعض إلى أنه لا يتحقق في ذلك معنى الإكراه في الشرقاوي ص 146 في حين قال البعض أنه وان كان يتحقق بذلك معنى الإكراه المفسد لرضا المدين بما يجيز له طلب إبطال ما قام به من وفاء إلا أنه في هذا الطلب يكون متعسفاً بما يلزمه بالتعويض الذي قد يكون عينياً بالإبقاء على الوفاء السنهورى هامش بند 196 ، في حين قال البعض أن الإكراه يتحقق متى كانت الوسيلة غير مشروعة حتى إذا كان الغرض مشروعاً حجازی بند 462 .

ولا يتحقق بالنفوذ الأدبي معنى الإكراه إلا إذا كان الغرض غير مشروع  السنهوري بند 197 وهامشه والأحكام العديدة المشار إليها فيه .

ويشترط أن يولد التهديد بالخطر ، رهبة تحمل المكره على التعاقد ، وينظر في هذا الصدد بمعيار ذاتي يعتد بجنس وسن وظروف وبيئة من وقع عليه الإكراه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه .

محكمة الموضوع تستقل بتقدير وسائل الإكراه و جسامتها وتأثيرها في نفس المتعاقد. (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 872)

 

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الأول ، الصفحة /   311

إجْبار

التّعْريف:

1 - الإْجْبار لغةً: الْقهْر والإْكْراه. يقال: أجْبرْته على كذا: حملْته عليْه قهْرًا وغلبْته، فهو مجْبرٌ. وفي لغة بني تميمٍ وكثيرٍ منْ أهْل الْحجاز: جبرْته جبْرًا وجبورًا، قال الأْزْهريّ: جبرْته وأجْبرْته، لغتان جيّدتان. وقال الْفرّاء: سمعْت الْعرب تقول: جبرْته على الأْمْر وأجْبرْته.

ولمْ نقفْ للْفقهاء على تعْريفٍ خاصٍّ للإْجْبار. والّذي يسْتفاد من الْفروع الْفقْهيّة أنّ اسْتعْمالهمْ هذا اللّفْظ لا يخْرج عن الْمعْنى اللّغويّ السّابق، فمنْ تثْبت له ولاية الإْجْبار على الزّواج يمْلك الاسْتبْداد بتزْويج منْ له عليْه الْولاية، ومنْ تثْبت له الشّفْعة يتملّك الْمشْفوع فيه جبْرًا عن الْمشْتري.

وقالوا: إنّ للْقاضي أنْ يجْبر الْمدين الْمماطل على سداد ما عليْه منْ ديْنٍ، إلى غيْر ذلك من الصّور الْمنْثورة في مخْتلف أبْواب الْفقْه.

الأْلْفاظ ذات الصّلة:

2 - هناك ألْفاظٌ اسْتعْملها الْفقهاء في الْمعاني ذات الصّلة بلفْظ إجْبارٍ وذلك كالإْكْراه والتّسْخير والضّغْط.

فالإْكْراه، كما يعرّفه بعْض الأْصوليّين، هو حمْل الإْنْسان على ما يكْرهه ولا يريد مباشرته لوْلا الْحمْل عليْه بالْوعيد ويعرّفه بعْض الْفقهاء بأنّه الإْلْزام والإْجْبار على ما يكْرهه الإْنْسان طبْعًا أوْ شرْعًا، فيقْدم عليْه مع عدم الرّضا ليدْفع عنْه ما هو أضرّ به.

ومنْ هذا يتبيّن أنّ الإْكْراه لا بدّ فيه من التّهْديد والْوعيد، وأنّ التّصرّف الْمطْلوب يقوم به الْمكْره - بفتْح الرّاء - دون رضاه. ولذا كان الإْكْراه معْدمًا للرّضا ومفْسدًا للاخْتيار أوْ مبْطلاً له، فيبْطل التّصرّف، أوْ يثْبت لمنْ وقع عليْه الإْكْراه حقّ الْخيار، على تفْصيلٍ موْضع بيانه مصْطلح «إكْراه».

3 - والتّسْخير لغةً:

اسْتعْمال الشّخْص غيْره في عملٍ بالْمجّان. ولا يخْرج اسْتعْمال الْفقهاء عنْ هذا الْمعْنى.

4 - والضّغْط لغةً: الضّيق والشّدّة والإْكْراه 6. وأمّا في الاسْتعْمال الْفقْهيّ فقدْ قال الْبرْزليّ: سئل ابْن أبي زيْدٍ عن الْمضْغوط ما هو؟ فقال: هو منْ أضْغط في بيْع ربعه أوْ شيْءٍ بعيْنه، أوْ في مالٍ يؤْخذ منْه ظلْمًا فباع لذلك. وقيل: إنّ الْمضْغوط هو منْ أكْره على دفْع الْمال ظلْمًا فباع لذلك، فقطْ. بيْنما الإْجْبار أعمّ منْ كلّ ذلك. إذْ قدْ يكون حرامًا غيْر مشْروعٍ فيتضمّن الإْكْراه والتّسْخير

والضّغْط، وقدْ يكون الإْجْبار مشْروعًا بلْ مطْلوبًا، كما لا يشْترط لتحقّقه التّهْديد والْوعيد، ولا أنْ يكون التّصرّف بفعْل الشّخْص الْمجْبر - بفتْح الْباء - وإنّما قدْ يكون أيْضًا بفعْل الْمجْبر - بكسْر الْباء - أوْ قوْله، كما في تزْويج الْوليّ الْمجْبر منْ له عليْه ولاية إجْبارٍ كالصّغيرة والْمجْنونة، وكما في نزْع الْملْكيّة جبْرًا عن الْمالك للْمنافع الْعامّة. وقدْ يكون تلْقائيًّا دون تلفّظٍ منْ أحدهما أوْ طلبٍ كما في الْمقاصّة الْجبْريّة الّتي يقول بها جمْهور الْفقهاء غيْر الْمالكيّة كما أنّ الإْجْبار الْمشْروع لا يؤثّر على صحّة التّصرّف، ولا يشْترط فيه أنْ يكون تسْخيرًا بغيْر مقابلٍ وإنّما الْعوض فيه قائمٌ، كما أنّ الإْجْبار لا يقْتصر وقوعه على الْبيْع فقطْ كما في الضّغْط، بلْ صوره كثيرةٌ ومتنوّعةٌ.

صفة الإْجْبار (حكْمه التّكْليفيّ):

5 - الإْجْبار إمّا أنْ يكون مشْروعًا، كإجْبار الْقاضي الْمدين الْمماطل على الْوفاء، أوْ غيْر مشْروعٍ،

كإجْبار ظالمٍ شخْصًا على بيْع ملْكه منْ غيْر مقْتضٍ شرْعيٍّ.

منْ له حقّ الإْجْبار:

6 - قدْ يكون الإْجْبار من الشّارع دون أنْ يكون لأحدٍ من الأْفْراد إرادةٌ فيه كالْميراث، وقدْ يثْبت الإْجْبار من الشّارع لأحد الأْفْراد على آخر بسببٍ يخوّل له هذه السّلْطة، كالْقاضي ووليّ الأْمْر، منْعًا للظّلْم ومراعاةً للصّالح الْعامّ. وسنعْرض لكثيرٍ منْ صور هذه الْحالات تاركين التّفْصيل وبيان آراء الْمذاهب لمواضعها في مسائل الْفقْه ومصْطلحات الْموْسوعة.

الإْجْبار بحكْم الشّرْع:

7 - يثْبت الإْجْبار بحكْم الشّرْع ويلْتزم الأْفْراد بالتّنْفيذ ديانةً وقضاءً كما في أحْكام الإْرْث الّتي هي فريضةٌ من اللّه أوْصى بها، ويلْتزم كلّ وارثٍ بها جبْرًا عنْه. ويثْبت ملْك الْوارث في تركة مورّثه وإنْ لمْ يشأْ كلٌّ منْهما.

وكذلك ما يفْرض من الْعشور والْخراج والْجزْية والزّكاة فإنّ منْ منعها بخْلاً أوْ تهاونًا تؤْخذ منْه جبْرًا. ومنْ عجز عن الإْنْفاق على بهائمه أجْبر على بيْعها أوْ إجارتها أوْ ذبْح الْمأْكول منْها، فإنْ أبى فعل الْحاكم الأْصْلح؛ لأنّ منْ ملك حيوانًا وجبتْ عليْه مؤْنته. ويرد الْجبْر أيْضًا في الإْنْفاق على الزّوْجة والْوالديْن

والأْوْلاد والأْقارب على تفْصيلٍ وخلافٍ يذْكر في موْضعه. 

[1]كما قالوا: إنّ الأْمّ تجْبر على إرْضاع ولده وحضانته إنْ تعيّنتْ لذلك واقْتضتْه مصْلحة الصّغير، كما يجْبر الأْب على أجْر الْحضانة والرّضاعة. وليْس له إجْبارها على الرّضاع إذا لمْ تتعيّنْ، أو الْفطام منْ غيْر حاجةٍ، واسْتظْهر ابْن عابدين أنّ له أنْ يجْبرها على الْفطام بعْد حوْليْن.

كما أنّ الْمضْطرّ قدْ يجْبر بحكْم الشّرْع على أنْ يتناول طعامًا أوْ شرابًا محْظورًا ليزيل به غصّةً أوْ يدْفع مخْمصةً كيْ لا يلْقي بنفْسه في التّهْلكة. ففي هذه الصّور مصْدر الإْجْبار فيها: الشّرْع مباشرةً، وما وليّ الأْمْر إلاّ منفّذٌ فيما يحْتاج إلى تدخّله دون أنْ يكون له خيارٌ.

الإْجْبار منْ وليّ الأْمْر:

8 - قدْ يكون الإْجْبار حقًّا لوليّ الأْمْر بتخْويلٍ من الشّارع دفْعًا لظلْمٍ أوْ تحْقيقًا لمصْلحةٍ عامّةٍ. ومنْ ذلك ما قالوه منْ جبْر الْمدين الْمماطل على دفْع ما عليْه منْ ديْنٍ للْغيْر ولوْ بالضّرْب مرّةً بعْد أخْرى والسّجْن، وإلاّ باع عليْه الْقاضي جبْرًا. كما قال جمْهور الْفقهاء خلافًا للإْمام أبي حنيفة الّذي رأى جبْره بالضّرْب والْحبْس حتّى يقْضي ديْنه دون بيْع ماله جبْرًا عنْه . وتفْصيله في الْحجْر.

كما قالوا: إذا امْتنع أرْباب الْحرف الضّروريّة للنّاس، ولمْ يوجدْ غيْرهمْ، أجْبرهمْ وليّ الأْمْر اسْتحْسانًا.

9 - كما أنّ لوليّ الأْمْر أيْضًا أنْ يجْبر صاحب الْماء على بيْع ما يفيض عنْ حاجته لمنْ به عطشٌ أوْ فقد موْرد مائه كما أثْبتوا للْغيْر حقّ الشّفة في مياه الْقنوات الْخاصّة والْعيون الْخاصّة، ومنْ حقّ النّاس أنْ يطالبوا مالك الْمجْرى أو النّبْع أنْ يخْرج لهم الْماء ليسْتوْفوا حقّهمْ منْه أوْ يمكّنهمْ من الْوصول إليْه لذلك، وإلاّ أجْبره الْحاكم إذا تعيّن هذا الْماء لدفْع حاجتهمْ.

ذكر الْكاسانيّ: أنّ قوْمًا وردوا ماءً فسألوه أهْله فمنعوهمْ فذكروا ذلك لعمر بْن الْخطّاب وقالوا: إنّ أعْناقنا وأعْناق مطايانا كادتْ تتقطّع من الْعطش، فقال لهمْ عمر: هلاّ وضعْتمْ فيهم السّلاح؟

10 - ولمّا كان الاحْتكار محْظورًا لما رواه مسْلمٌ أنّ رسول اللّه صلي الله عليه وسلم  قال: «من احْتكر فهو خاطئٌ»، فإنّ فقهاء الْمذاهب قالوا بأنّ وليّ الأْمْر يأْمر الْمحْتكرين بالْبيْع بسعْر وقْته، فإنْ لمْ يفْعلوا أجْبروا على ذلك عنْد ضرورة النّاس إليْه، غيْر أنّ ابْن جزيٍّ ذكر أنّ في الْجبْر خلافًا. ونقل الْكاسانيّ عن الْحنفيّة خلافًا أيْضًا، لكنْ نقل الْمرْغينانيّ وغيْره قوْلاً اتّفاقيًّا في الْمذْهب - هو الصّحيح - أنّ الإْمام يبيع على

الْمحْتكر جبْرًا عنْه إذا لمْ يسْتجبْ لأمْره بالْبيْع. كما نصّ الْفقهاء على أنّ السّلْطان إذا أراد توْلية أحدٍ أحْصى ما بيده فما وجده بعْد ذلك زائدًا على ما كان عنْده وما كان يرْزق به منْ بيْت مال الْمسْلمين وإنّما أخذه بجاه الْولاية، أخذه منْه جبْرًا. وقدْ فعل ذلك عمر رضي الله عنه مع عمّاله لمّا أشْكل عليْه ما اكْتسبوه في مدّة الْقضاء والإْمارة، فقدْ شاطر أبا هريْرة وأبا موسى مع علوّ مراتبهما.

11 - ويدْخل في الإْجْبار منْ قبل وليّ الأْمْر منْع عمر كبار الصّحابة منْ تزوّج الْكتابيّات، فقدْ منعهمْ وقال: أنا لا أحرّمه ولكنّي أخْشى الإْعْراض عن الزّواج بالْمسْلمات، وفرّق بيْن كلٍّ منْ طلْحة وحذيْفة وزوْجتيْهما الْكتابيّتيْن.

الإْجْبار من الأْفْراد

12 - خوّل الشّارع بعْض الأْفْراد في حالاتٍ خاصّةٍ سلْطة إجْبار الْغيْر، كما في الشّفْعة فقدْ أثْبت الشّارع للشّفيع حقّ تملّك الْعقار الْمبيع بما قام على الْمشْتري منْ ثمنٍ ومؤْنةٍ جبْرًا عنْه. وهو حقٌّ اخْتياريٌّ للشّفيع.

13 - كما خوّل الشّارع للْمطلّق طلاقًا رجْعيًّا حقّ مراجعة مطلّقته ولوْ جبْرًا عنْها ما دامتْ في الْعدّة، إذ الرّجْعة لا تفْتقر إلى وليٍّ ولا صداقٍ ولا رضا الْمرْأة. وهذا الْحقّ ثبت للرّجل من الشّارع في مدّة الْعدّة دون نصٍّ عليْه عنْد التّعاقد أو اشْتراطه عنْد الطّلاق، حتّى إنّه لا يمْلك إسْقاط حقّه فيه، على ما بيّنه الْفقهاء عنْد الْكلام عن الرّجْعة.

كما أعْطى الشّارع الأْب ومنْ في حكْمه كوكيله ووصيّه حقّ ولاية الإْجْبار في النّكاح على خلافٍ وتفْصيلٍ يرْجع إليْه في موْطنه عنْد الْكلام عن الْولاية في النّكاح.

14 - وفي إجْبار الأْمّ على الْحضانة إذا لمْ تتعيّنْ لها تفْصيلٌ بيْن الْفقهاء فمنْ رأى أنّ الْحضانة حقٌّ للْحاضنة قال: إنّها لا تجْبر عليْها إذا ما أسْقطتْ حقّها لأنّ صاحب الْحقّ لا يجْبر على اسْتيفاء حقّه. ومنْ قال: إنّها حقٌّ للْمحْضون نفْسه، قال: إنّ للْقاضي أنْ

يجْبر الْحاضنة، على ما هو مبيّنٌ تفْصيلاً عنْد كلام الْفقهاء عن الْحضانة.

ومنْ هذا ما قالوه منْ أنّ الْمفوّضة - وهي الّتي عقد نكاحها منْ غيْر أنْ يبيّن لها مهْرٌ - لوْ طالبتْ قبْل الدّخول بأنْ يفْرض لها مهْرٌ أجْبر على ذلك. قال ابْن قدامة: وبهذا قال الشّافعيّ، ولا نعْلم فيه مخالفًا

15 - وقال غيْر الْحنفيّة - وهو قوْل زفر من الْحنفيّة - إنّ للزّوْج إجْبار زوْجته على الْغسْل من الْحيْض والنّفاس، مسْلمةً كانتْ أوْ ذمّيّةً، حرّةً كانتْ أوْ ممْلوكةً؛ لأنّه يمْنع الاسْتمْتاع الّذي هو حقٌّ له، فملك إجْبارها على إزالة ما يمْنع حقّه، وله إجْبار زوْجته الْمسْلمة الْبالغة على الْغسْل من الْجنابة، وأمّا الذّمّيّة ففي روايةٍ عنْد كلٍّ من الشّافعيّة والْحنابلة له إجْبارها. وفي الرّواية الثّانية عنْدهما ليْس له إجْبارها لأنّ الاسْتمْتاع لا يتوقّف عليْه، وهو قوْل مالكٍ والثّوْريّ.

16 - كما قالوا بالنّسْبة للأْعْيان الْمشْتركة إذا كانتْ منْ جنْسٍ واحدٍ وطلب أحد الشّريكيْن الْقسْمة. فقدْ نصّ الْحنفيّة على أنّ الْقاضي يجْبر عليْها؛ لأنّ

الْقسْمة لا تخْلو عنْ معْنى الْمبادلة؛ والْمبادلة ممّا يجْري فيه الْجبْر كما في قضاء الدّيْن، فإنّ الْمدين يجْبر على الْقضاء مع أنّ الدّيون تقْضى بأمْثالها، فصار ما يؤدّي بدلاً عمّا في ذمّته. وهذا جبْرٌ في الْمبادلة قصْدًا وقدْ جاز، فلأنْ يجوز بلا قصْدٍ إليْه أوْلى. وإنْ كانت الأْعْيان الْمشْتركة منْ أجْناسٍ مخْتلفةٍ كالإْبل والْبقر والْغنم لا يجْبر الْقاضي الْممْتنع على قسْمتها لتعذّر الْمبادلة، ولوْ تراضوْا عليْها جاز. وتفْصيل ذلك في الشّركة والْقسْمة.

17 - وينصّ الشّافعيّة على أنّ ما لا ضرر في قسْمته كالْبسْتان والدّار الْكبيرة والدّكّان الْواسعة، والْمكيل والْموْزون منْ جنْسٍ واحدٍ ونحْوها، إذا طلب الشّريك قسْمته أجْبر الآْخر عليْها. والضّرر الْمانع منْ قسْمة الإْجْبار نقص قيمة الْمقْسوم بها، وقيل: عدم النّفْع به مقْسومًا. وإنْ تضرّر أحد الشّريكيْن وحْده وطلب الْمتضرّر الْقسْمة أجْبر الآْخر، وإلاّ فلا إجْبار. وقيل: أيّهما طلب لمْ يجْبر الآْخر. وتفْصيل ذلك في الْقسْمة والشّركة.

18 - كما نصّ الْفقهاء فيمنْ له حقّ السّفْل مع منْ له حقّ الْعلْو أنّه لا يجْبر ذو السّفْل على الْبناء؛ لأنّ حقّ ذي الْعلْو فَائِتٌ إِذْ حَقُّهُ قَرَارُ الْعُلْوِ عَلَى السُّفْلِ الْقَائِمِ. وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَالْعُلْوُ لآِخَرَ فَانْهَدَمَ السَّقْفُ الَّذِي بَيْنَهُمَا فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْمُبَانَاةَ مِنَ الآْخَرِ فَامْتَنَعَ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ كَالْحَائِطِ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلاَنِ كَالرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنِ انْهَدَمَتْ حِيطَانُ السُّفْلِ فَطَالَبَهُ صَاحِبُ الْعُلْوِ بِإِعَادَتِهَا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: يُجْبَرُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ وَحْدَهُ لأَِنَّهُ مِلْكُهُ خَاصَّةً.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لاَ يُجْبَرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ بِنَاءَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ طَالَبَ صَاحِبُ السُّفْلِ بِالْبِنَاءِ وَأَبَى صَاحِبُ الْعُلْوِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:

الأُْولَى: لاَ يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ وَلاَ مُسَاعَدَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ،

وَالثَّانِيَةُ: يُجْبَرُ عَلَى مُسَاعَدَتِهِ لأَِنَّهُ حَائِطٌ يَشْتَرِكَانِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِهِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي حَقِّ التَّعَلِّي ضِمْنَ حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ.

19 - وَقَالُوا فِي الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ: لَوِ انْهَدَمَ وَعَرْصَتُهُ عَرِيضَةٌ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا بِنَاءَهُ، يُجْبَرُ الآْخَرُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذَاهِبِ الأَْئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ فِي تَرْكِ بِنَائِهِ إِضْرَارًا فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ إِذَا طَلَبَهَا أَحَدُهُمَا وَعَلَى النَّقْضِ إِذَا خِيفَ سُقُوطُهُ. وَغَيْرُ الصَّحِيحِ فِي الْمَذَاهِبِ أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ لأَِنَّهُ مِلْكٌ لاَ حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَلَمْ يُجْبَرْ مَالِكُهُ عَلَى الإِْنْفَاقِ عَلَيْهِ كَمَا لَوِ انْفَرَدَ بِهِ، وَلأَِنَّهُ بِنَاءُ حَائِطٍ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ كَالاِبْتِدَاءِ. وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَكَانُ الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَيَتَمَكَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بِنَاءِ سَدٍّ فِي نَصِيبِهِ لَمْ يُجْبَرْ، وَإِلاَّ أُجْبِرَ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس  ، الصفحة /  98

إكراه

التعريف :

- قال في لسان الْعرب: أكْرهْته، حملْته على أمْرٍ هو له كارهٌ - وفي مفْردات الرّاغب نحْوه - ومضى صاحب اللّسان يقول: وذكر اللّه عزّ وجلّ الْكرْه والْكرْه في غيْر موْضعٍ منْ كتابه الْعزيز، واخْتلف الْقرّاء في فتْح الْكاف وضمّها. قال أحْمد بْن يحْيى: ولا أعْلم بيْن الأْحْرف الّتي ضمّها هؤلاء وبيْن الّتي فتحوها فرْقًا في الْعربيّة، ولا في سنّةٍ تتّبع.

وفي الْمصْباح الْمنير: الْكرْه (بالْفتْح): الْمشقّة، وبالضّمّ: الْقهْر، وقيل: (بالْفتْح) الإْكْراه، « وبالضّمّ » الْمشقّة. وأكْرهْته على الأْمْر إكْراهًا: حملْته عليْه قهْرًا. يقال: فعلْته كرْهًا « بالْفتْح » أيْ إكْراهًا – وعليْهقوله تعالى  طوْعًا أوْ كرْهًا فجمع بيْن الضّدّيْن.

ولخصّ ذلك كلّه فقهاؤنا إذْ قالوا: الإْكْراه لغةً: حمْل الإْنْسان على شيْءٍ يكْرهه، يقال: أكْرهْت فلانًا إكْراهًا: حملْته على أمْرٍ يكْرهه . والْكرْه « بالْفتْح » اسْمٌ منْه (أي اسْم مصْدرٍ )

أمّا الإْكْراه في اصْطلاح الْفقهاء فهو: فعْلٌ يفْعله الْمرْء بغيْره، فينْتفي به رضاه، أوْ يفْسد به اخْتياره.

وعرّفه الْبزْدويّ بأنّه: حمْل الْغيْر على أمْرٍ يمْتنع عنْه بتخْويفٍ يقْدر الْحامل على إيقاعه ويصير الْغيْر خائفًا به

أوْ هو: فعْلٌ يوجد من الْمكْره (بكسْر الرّاء) فيحْدث في الْمحلّ (أي الْمكْره بفتْح الرّاء) معْنًى يصير به مدْفوعًا إلى الْفعْل الّذي طلب منْه

والْمعْنى الْمذْكور في هذا التّعْريف، فسّروه بالْخوْف، ولوْ ممّا يفْعله الْحكّام الظّلمة بالْمتّهمين كيْدًا. فإذا كان الدّافع هو الْحياء مثلاً، أو التّودّد، فليْس بإكْراهٍ.

2 - والْفعْل - في جانب الْمكْره (بكسْر الرّاء) ليْس على ما يتبادر منْه منْ خلاف الْقوْل، ولوْ إشارة الأْخْرس، أوْ مجرّد الْكتابة، بلْ هو أعمّ، فيشْمل التّهْديد - لأنّه منْ عمل اللّسان - ولوْ مفْهومًا بدلالة الْحال منْ مجرّد الأْمْر: كأمْر السّلْطان أو الأْمير، وأمْر قاطع الطّريق، وأمْر الْخانق الّذي يبْدو منْه الإْصْرار

والْحنفيّة يقولون: أمْر السّلْطان إكْراهٌ - وإنْ لمْ يتوعّدْ - وأمْر غيْره ليْس بإكْراهٍ، إلاّ أنْ يعْلم تضمّنه التّهْديد بدلالة الْحال

وغيْر الْحنفيّة يسوّون بيْن ذوي الْبطْش والسّطْوة أيًّا كانوا،  وصاحب الْمبْسوط نفْسه من الْحنفيّة يقول: إنّ منْ عادة الْمتجبّرين التّرفّع عن التّهْديد بالْقتْل، ولكنّهمْ لا يعاقبون مخالفيهمْ إلاّ به .

3 - ثمّ الْمراد بالْفعْل الْمذْكور - فعْلٌ واقعٌ على الْمكْره (بالْفتْح) نفْسه - ولوْ كان تهْديدًا بأخْذ أوْ حبْس ماله الّذي له وقْعٌ، لا التّافه الّذي لا يعْتدّ به، أوْ تهْديدًا بالْفجور بامْرأته إنْ لمْ يطلّقْها . ويسْتوي التّهْديد الْمقْترن بالْفعْل الْمهدّد به؛ كما في حديث  أخذ عمّار بْن ياسرٍ، وغطّه في الْماء ليرْتدّ، والتّهْديد الْمجرّد، خلافًا لمنْ لمْ يعْتدّ بمجرّد التّهْديد، كأبي إسْحاق الْمرْوزيّ من الشّافعيّة،  واعْتمده. الْخرقيّ من الْحنابلة، تمسّكًا بحديث عمّارٍ هذا، واسْتدلّ الآْخرون بالْقياس حيْث لا فرْق، وإلاّ توصّل الْمعْتدون إلى أغْراضهمْ - بالتّهْديد الْمجرّد - دون تحمّل تبعةٍ، أوْ هلك الْواقع عليْهمْ هذا التّهْديد إذا رفضوا الانْصياع له، فكان إلْقاءً بالأْيْدي في التّهْلكة، وكلاهما محْذورٌ لا يأْتي الشّرْع بمثْله. بلْ في الأْثر عنْ عمر - وفيه انْقطاعٌ - ما يفيد هذا التّعْميم: ذلك أنّ رجلاً في عهْده تدلّى يشْتار (يسْتخْرج) عسلاً، فوقفت امْرأته على الْحبْل، وقالتْ: طلّقْني ثلاثًا، وإلاّ قطعْته، فذكّرها اللّه والإْسْلام، فقالتْ: لتفْعلنّ، أوْ لأفْعلنّ، فطلّقها ثلاثًا. ورفعت الْقصّة إلى عمر، فرأى طلاق الرّجل لغْوًا، وردّ عليْه الْمرْأة  ولذا اعْتمد ابْن قدامة عدم الْفرْق

ويتفرّع على هذا التّفْسير أنّه لوْ وقع التّهْديد بقتْل رجلٍ لا يمتّ إلى الْمهدّد بسببٍ، إنْ هو لمْ يدلّ على مكان شخْصٍ بعيْنه يراد للْقتْل، فإنّ هذا لا يكون إكْراهًا حتّى لوْ أنّه وقعت الدّلالة ممّنْ طلبتْ منْه، ثمّ قتل الشّخْص الْمذْكور، لكان الدّالّ معينًا على هذا الْقتْل عنْ طواعيةٍ إنْ علم أنّه الْمقْصود. والْمعين شريكٌ للْقاتل عنْد أكْثر أهْل الْعلْم، بشرائط خاصّةٍ - وذهب أبو الْخطّاب الْحنْبليّ إلى أنّ التّهْديد في أجْنبيٍّ إكْراهٌ في الأْيْمان، واسْتظْهره ابْن رجبٍ

4 - والْفعْل، في جانب الْمكْره (بفتْح الرّاء)، هو أيْضًا أعمّ منْ فعْل اللّسان وغيْره، إلاّ أنّ أفْعال الْقلوب لا تقْبل الإْكْراه، فيشْمل الْقوْل بلا شكٍّ.

وفيما يسمّيه فقهاؤنا بالْمصادرة في أبْواب الْبيوع وما إليْها، الْفعْل الّذي يطْلب من الْمكْره (بالْفتْح) دفْع الْمال وغرامته، لا سبب الْحصول عليْه منْ بيْعٍ أوْ غيْره - كاسْتقْراضٍ - فيصحّ السّبب ويلْزم وإنْ علم أنّه لا مخْلص له إلاّ بسببٍ معيّنٍ، إلاّ أنّ الْمكْره (بالْكسْر) لمْ يعيّنْه له في إكْراهه إيّاه. ولذا قالوا: إنّ الْحيلة في جعْل السّبب مكْرهًا عليْه - أنْ يقول الْمكْره (بالْفتْح) منْ أيْن أتى بالْمال، فإذا عيّن له الْمكْره (بالْكسْر) سببًا، كأنْ قال له: بعْ كذا، أوْ عنْد ابْن نجيْمٍ اقْتصر على الأْمْر بالْبيْع دون تعْيين الْمبيع، وقع هذا السّبب الْمعيّن تحْت طائلة الإْكْراه.

ولمْ يخالفْ في هذا إلاّ الْمالكيّة - باسْتثْناء ابْن كنانة ومتابعيه - إذْ جعلوا السّبب أيْضًا مكْرهًا عليْه بإطْلاقٍ.  

ويشْمل التّهْديد بإيذاء الْغيْر، ممّنْ يحبّه منْ وقع عليْه التّهْديد - على الشّرْط الْمعْتبر فيما يحْصل به الإْكْراه منْ أسْبابه الْمتعدّدة - بشريطة أنْ يكون ذلك الْمحْبوب رحمًا محْرمًا، أوْ - كما زاد بعْضهمْ - زوْجةً.

والْمالكيّة، وبعْض الْحنابلة يقيّدونه بأنْ يكون ولدًا وإنْ نزل، أوْ والدًا وإنْ علا. والشّافعيّة - وخرّجه صاحب الْقواعد الأْصوليّة من الْحنابلة - لا يقيّدونه إلاّ بكوْنه ممّنْ يشقّ على الْمكْره (بالْفتْح) إيذاؤه مشقّةً شديدةً كالزّوْجة، والصّديق، والْخادم. ومال إليْه بعْض الْحنابلة. حتّى لقد اعْتمد بعْض الشّافعيّة أنّ من الإْكْراه ما لوْ قال الْوالد لولده، أو الْولد لوالده (دون غيْرهما): طلّقْ زوْجتك، وإلاّ قتلْت نفْسي، بخلاف ما لوْ قال: وإلاّ كفرْت، لأنّه يكْفر في الْحال

وفي التّقْييد بالْولد أو الْوالد نظرٌ لا يخْفى.

كما أنّه يصْدق على نحْو الإْلْقاء منْ شاهقٍ، أي: الإْلْجاء بمعْناه الْحقيقيّ الْمنافي للْقدْرة الْممْكنة من الْفعْل والتّرْك.

والْمالكيّة - وجاراهم ابْن تيْميّة - اكْتفوا بظنّ الضّرر منْ جانب الْمكْره (بالْفتْح) إنْ لمْ يفْعلْ، وعبارتهمْ: يكون (أي الإْكْراه) بخوْف مؤْلمٍ

5 - الرّضا والاخْتيار:

الرّضا لغةً: الاخْتيار. يقال: رضيت الشّيْء ورضيت به: اخْترْته.

والاخْتيار لغةً: أخْذ ما يراه خيْرًا

وأمّا في الاصْطلاح، فإنّ جمْهور الْفقهاء لمْ يفرّقوا بيْن الرّضا والاخْتيار، لكنْ ذهب الْحنفيّة إلى التّفْرقة بيْنهما.

فالرّضا عنْدهمْ هو: امْتلاء الاخْتيار وبلوغه نهايته، بحيْث يفْضي أثره إلى الظّاهر منْ ظهور الْبشاشة في الْوجْه ونحْوها.

أوْ هو: إيثار الشّيْء واسْتحْسانه

والاخْتيار عنْد الْحنفيّة هو: الْقصْد إلى مقْدورٍ متردّدٍ بيْن الْوجود والْعدم بترْجيح أحد جانبيْه على الآْخر.

أوْ هو: الْقصْد إلى الشّيْء وإرادته .

حكْم الإْكْراه:

6 - الإْكْراه بغيْر حقٍّ ليْس محرّمًا فحسْب، بلْ هو إحْدى الْكبائر، لأنّه أيْضًا ينْبئ بقلّة الاكْتراث بالدّيْن، ولأنّه من الظّلْم. وقدْ جاء في الْحديث الْقدْسيّ: « يا عبادي إنّي حرّمْت الظّلْم على نفْسي وجعلْته بيْنكمْ محرّمًا فلا تظالموا.»

شرائط الإكراه

الشّريطة الأْولى:

7 - قدْرة الْمكْره (بالْكسْر) على إيقاع ما هدّد به، لكوْنه متغلّبًا ذا سطْوةٍ وبطْشٍ - وإنْ لمْ يكنْ سلْطانًا ولا أميرًا - ذلك أنّ تهْديد غيْر الْقادر لا اعْتبار له

الشّريطة الثّانية:

8 - خوْف الْمكْره (بفتْح الرّاء) منْ إيقاع ما هدّد به، ولا خلاف بيْن الْفقهاء  في تحقّق الإْكْراه إذا كان الْمخوف عاجلاً. فإنْ كان آجلاً، فذهب الْحنفيّة والْمالكيّة والْحنابلة والأْذْرعيّ من الشّافعيّة إلى تحقّق الإْكْراه مع التّأْجيل. وذهب جماهير الشّافعيّة إلى أنّ الإْكْراه لا يتحقّق مع التّأْجيل، ولوْ إلى الْغد.

والْمقْصود بخوْف الإْيقاع غلبة الظّنّ، ذلك أنّ غلبة الظّنّ معْتبرةٌ عنْد عدم الأْدلّة، وتعذّر التّوصّل إلى الْحقيقة .

الشّريطة الثّالثة:

9 - أنْ يكون ما هدّد به قتْلاً أوْ إتْلاف عضْوٍ، ولوْ بإذْهاب قوّته مع بقائه كإذْهاب الْبصر، أو الْقدْرة على الْبطْش أو الْمشْي مع بقاء أعْضائها،  أوْغيْرهما ممّا يوجب غمًّا يعْدم الرّضا، ومنْه تهْديد الْمرْأة بالزّنا، والرّجل باللّواط.

أمّا التّهْديد بالإْجاعة، فيتراوح بيْن هذا وذاك، فلا يصير ملْجئًا إلاّ إذا بلغ الْجوع بالْمكْره (بالْفتْح) حدّ خوْف الْهلاك.  

ثمّ الّذي يوجب غمًّا يعْدم الرّضا يخْتلف باخْتلاف الأْشْخاص والأْحْوال: فليْس الأْشْراف كالأْراذل، ولا الضّعاف كالأْقْوياء، ولا تفْويت الْمال الْيسير كتفْويت الْمال الْكثير، والنّظر في ذلك مفوّضٌ إلى الْحاكم، يقدّر لكلّ واقعةٍ قدْرها .

الشّريطة الرّابعة:

10 - أنْ يكون الْمكْره ممْتنعًا عن الْفعْل الْمكْره عليْه لوْلا الإْكْراه، إمّا لحقّ نفْسه - كما في إكْراهه على بيْع ماله - وإمّا لحقّ شخْصٍ آخر، وإمّا لحقّ الشّرْع - كما في إكْراهه ظلْمًا على إتْلاف مال شخْصٍ آخر، أوْ نفْس هذا الشّخْص، أو الدّلالة عليْه لذلك  أوْ على ارْتكاب موجب حدٍّ في خالص حقّ اللّه، كالزّنا وشرْب الْخمْر .

الشّريطة الْخامسة:

11 - أنْ يكون محلّ الْفعْل الْمكْره عليْه متعيّنًا. وهذا عنْد الشّافعيّة وبعْض الْحنابلة على إطْلاقه. وفي حكْم الْمتعيّن عنْد الْحنفيّة ومنْ وافقهمْ من الْحنابلة - ما لوْ خيّر بيْن أمورٍ معيّنةٍ .

ويتفرّع على هذا حكْم الْمصادرة الّذي سلف ذكْره في فقْرة (4).

ومنْه يسْتنْبط أنّ موْقف الْمالكيّة في حالة الإْبْهام أدْنى إلى مذْهب الْحنفيّة، بلْ أوْغل في الاعْتداد بالإْكْراه حينئذٍ، لأنّهمْ لمْ يشْترطوا أنْ يكون مجال الإْبْهام أمورًا معيّنةً.

أمّا الإْكْراه على طلاق إحْدى هاتيْن الْمرْأتيْن، أوْ قتْل أحد هذيْن الرّجليْن، فمنْ مسائل الْخلاف الّذي صدّرْنا به هذه الشّريطة:

فعنْد الْحنفيّة والْمالكيّة، ومعهمْ موافقون من الشّافعيّة والْحنابلة، يتحقّق الإْكْراه برغْم هذا التّخْيير.

وعنْد جماهير الشّافعيّة، وقلّةٍ من الْحنابلة - لا يتحقّق؛ لأنّ له منْدوحةً عنْ طلاق كلٍّ بطلاق الأْخْرى، وكذا في الْقتْل، نتيجة عدم تعْيين الْمحلّ . والتّفْصيل في الْفصْل الثّاني.

الشّريطة السّادسة:

12 - ألاّ يكون للْمكْره منْدوحةٌ عن الْفعْل الْمكْره عليْه، فإنْ كانتْ له منْدوحةٌ عنْه، ثمّ فعله لا يكون مكْرهًا عليْه، وعلى هذا لوْ خيّر الْمكْره بيْن أمْريْن فإنّ الْحكْم يخْتلف تبعًا لتساوي هذيْن الأْمْريْن أوْ تفاوتهما منْ حيْث الْحرْمة والْحلّ، وتفْصيل الْكلام في ذلك كما يلي:

إنّ الأْمْريْن الْمخيّر بيْنهما إمّا أنْ يكون كلّ واحدٍ منْهما محرّمًا لا يرخّص فيه، ولا يباح أصْلاً، كما لوْ وقع التّخْيير بيْن الزّنا والْقتْل.

أوْ يكون كلّ واحدٍ منْهما محرّمًا يرخّص فيه عنْد الضّرورة، كما لوْ وقع التّخْيير بيْن الْكفْر وإتْلاف مال الْغيْر.

أوْ يكون كلّ واحدٍ منْهما محرّمًا يباح عنْد الضّرورة، كما لوْ وقع التّخْيير بيْن أكْل الْميْتة وشرْب الْخمْر.

أوْ يكون كلّ واحدٍ منْهما مباحًا أصالةً أوْ للْحاجة، كما لوْ وقع التّخْيير بيْن طلاق امْرأته وبيْع شيْءٍ منْ ماله، أوْ بيْن جمْع الْمسافر الصّلاة في الْحجّ وفطْره في نهار رمضان.

ففي هذه الصّور الأْرْبع الّتي يكون الأْمْران الْمخيّر بيْنهما متساوييْن في الْحرْمة أو الْحلّ، يترتّب حكْم الإْكْراه على فعْل أيّ واحدٍ من الأْمْريْن الْمخيّر بيْنهما، وهو الْحكْم الّذي سيجيء تقْريره بخلافاته وكلّ ما يتعلّق به، لأنّ الإْكْراه في الْواقع ليْس إلاّ على الأْحد الدّائر دون تفاوتٍ، وهذا لا تعدّد فيه، ولا يتحقّق إلاّ في معيّنٍ، وقدْ خالف في هذا أكْثر الشّافعيّة وبعْض الْحنابلة، فنفوْا حصول الإْكْراه في هذه الصّور.

وإنْ تفاوت الأْمْران الْمخيّر بيْنهما، فإنْ كان أحدهما محرّمًا لا يرخّص فيه ولا يباح بحالٍ كالزّنا والْقتْل، فإنّه لا يكون منْدوحةً، ويكون الإْكْراه واقعًا على الْمقابل له، سواءٌ أكان هذا الْمقابل محرّمًا يرخّص فيه عنْد الضّرورة، كالْكفْر وإتْلاف مال الْغيْر، أمْ محرّمًا يباح عنْد الضّرورة، كأكْل الْميْتة وشرْب الْخمْر، أمْ مباحًا أصالةً أوْ للْحاجة، كبيْع شيْءٍ معيّنٍ منْ مال الْمكْره، والإْفْطار في نهار رمضان، ويترتّب على هذا الإْكْراه حكْمه الّذي سيجيء تفْصيله بخلافاته.

وتكون هذه الأْفْعال منْدوحةً مع الْمحرّم الّذي لا يرخّص فيه ولا يباح بحالٍ، أمّا هو فإنّه لا تكون منْدوحةً لواحدٍ منْها، ففي الصّور الثّلاثة الْمذْكورة آنفًا، وهي ما لوْ وقع التّخْيير بيْن الزّنا أو الْقتْل وبيْن الْكفْر أوْ إتْلاف مال الْغيْر، أوْ وقع التّخْيير بيْن الزّنا أو الْقتْل وبيْن أكْل الْميْتة أوْ شرْب الْخمْر، أوْ وقع التّخْيير بيْن الزّنا أو الْقتْل وبيْن بيْع شيْءٍ معيّنٍ من الْمال، فإنّ الزّنى أو الْقتْل لا يكون مكْرهًا عليْه، فمنْ فعل واحدًا منْهما كان فعْله صادرًا عنْ طواعيةٍ لا إكْراهٍ، فيترتّب عليْه أثره إذا كان الإْكْراه ملْجئًا حتّى يتحقّق الإْذْن في فعْل الْمنْدوحة، وكان الْفاعل عالمًا بالإْذْن له في فعْل الْمنْدوحة عنْد الإْكْراه.

وإنْ كان أحد الأْمْريْن الْمخيّر بيْنهما محرّمًا يرخّص فيه عنْد الضّرورة، والْمقابل له محرّمًا يباح عنْد الضّرورة، كما لوْ وقع التّخْيير بيْن الْكفْر أوْ إتْلاف مال الْغيْر، وبيْن أكْل الْميْتة أوْ شرْب الْخمْر، فإنّهما يكونان في حكْم الأْمْريْن الْمتساوييْن في الإْباحة، فلا يكون أحدهما منْدوحةً عنْ فعْل الآْخر، ويكون الإْكْراه واقعًا على فعْل كلّ واحدٍ من الأْمْريْن الْمخيّر بيْنهما، متى كان بأمْرٍ متْلفٍ للنّفْس أوْ لأحد الأْعْضاء.

وإنْ كان أحد الأْمْريْن محرّمًا يرخّص فيه أوْ يباح عنْد الضّرورة، والْمقابل له مباحًا أصالةً أوْ للْحاجة، كما لوْ وقع التّخْيير بيْن الْكفْر أوْ شرْب الْخمْر، وبيْن بيْع شيْءٍ منْ مال الْمكْره أو الْفطْر في نهار رمضان، فإنّ الْمباح في هذه الْحالة يكون منْدوحةً عن الْفعْل الْمحرّم الّذي يرخّص فيه أوْ يباح عنْد الضّرورة، وعلى هذا يظلّ على تحْريمه، سواءٌ كان الإْكْراه بمتْلفٍ للنّفْس أو الْعضْو أوْ بغيْر متْلفٍ لأحدهما، لأنّ الإْكْراه بغيْر الْمتْلف لا يزيل الْحظْر عنْد الْحنفيّة مطْلقًا. والإْكْراه بمتْلفٍ - وإنْ كان يزيل الْحظْر - إلاّ أنّ إزالته له بطريق الاضْطرار، ولا اضْطرار مع وجود الْمقابل الْمباح .

تقْسيم الإْكْراه

ينْقسم الإْكْراه إلى: إكْراهٍ بحقٍّ، وإكْراهٍ بغيْر حقٍّ. والإْكْراه بغيْر حقٍّ ينْقسم إلى إكْراهٍ ملْجئٍ، وإكْراهٍ غيْر ملْجئٍ.

أوّلاً: الإْكْراه بحقٍّ:

تعْريفه:

13 - هو الإْكْراه الْمشْروع، أي الّذي لا ظلْم فيه ولا إثْم .

وهو ما توافر فيه أمْران:

الأْوّل: أنْ يحقّ للْمكْره التّهْديد بما هدّد به.

الثّاني: أنْ يكون الْمكْره عليْه ممّا يحقّ للْمكْره الإْلْزام به. وعلى هذا فإكْراه الْمرْتدّ على الإْسْلام إكْراهٌ بحقٍّ، حيْث توافر فيه الأْمْران، وكذلك إكْراه الْمدين الْقادر على وفاء الدّيْن، وإكْراه الْمولي على الرّجوع إلى زوْجته أوْ طلاقها إذا مضتْ مدّة الإْيلاء .

أثره:

14 - والْعلماء عادةً يقولون: إنّ الإْكْراه بحقٍّ، لا ينافي الطّوْع الشّرْعيّ - وإلاّ لمْ تكنْ له فائدةٌ، ويجْعلون منْ أمْثلته إكْراه الْعنّين على الْفرْقة، ومنْ عليْه النّفقة على الإْنْفاق، والْمدين والْمحْتكر على الْبيْع، وكذلك منْ له أرْضٌ بجوار الْمسْجد أو الْمقْبرة أو الطّريق يحْتاج إليْها منْ أجْل التّوْسيع، ومنْ معه طعامٌ يحْتاجه مضْطرٌّ .

ثانيًا: الإْكْراه بغيْر حقٍّ:

تعْريفه:

15 - الإْكْراه بغيْر حقٍّ هو الإْكْراه ظلْمًا، أو الإْكْراه الْمحرّم، لتحْريم وسيلته، أوْ لتحْريم الْمطْلوب به. ومنْه إكْراه الْمفْلس على بيْع ما يتْرك له .

الإْكْراه الْملْجئ والإْكْراه غيْر الْملْجئ:

16 - تقْسيم الإْكْراه إلى ملْجئٍ وغيْر ملْجئٍ يتفرّد به الْحنفيّة.

فالإْكْراه الْملْجئ عنْدهمْ هو الّذي يكون بالتّهْديد بإتْلاف النّفْس أوْ عضْوٍ منْها، أوْ بإتْلاف جميع الْمال، أوْ بقتْل منْ يهمّ الإْنْسان أمْره.

وحكْم هذا النّوْع أنّه يعْدم الرّضا ويفْسد الاخْتيار ولا يعْدمه. أمّا إعْدامه للرّضا، فلأنّ الرّضا هو الرّغْبة في الشّيْء والارْتياح إليْه، وهذا لا يكون مع أيّ إكْراهٍ.

وأمّا إفْساده للاخْتيار دون إعْدامه، فلأنّ الاخْتيار هو: الْقصْد إلى فعْل الشّيْء أوْ ترْكه بترْجيحٍ من الْفاعل، وهذا الْمعْنى لا يزول بالإْكْراه، فالْمكْره يوقع الْفعْل بقصْده إليْه، إلاّ أنّ هذا الْقصْد تارةً يكون صحيحًا سليمًا، إذا كان منْبعثًا عنْ رغْبةٍ في الْعمل، وتارةً يكون فاسدًا، إذا كان ارْتكابًا لأخفّ الضّرريْن، وذلك كمنْ أكْره على أحد أمْريْن كلاهما شرٌّ، ففعل أقلّهما ضررًا به، فإنّ اخْتياره لما فعله لا يكون اخْتيارًا صحيحًا، بل اخْتيارًا فاسدًا.

والإْكْراه غيْر الْملْجئ هو: الّذي يكون بما لا يفوّت النّفْس أوْ بعْض الأْعْضاء، كالْحبْس لمدّةٍ قصيرةٍ، والضّرْب الّذي لا يخْشى منْه الْقتْل أوْ تلف بعْض الأْعْضاء.

وحكْم هذا النّوْع أنّه يعْدم الرّضا ولكنْ لا يفْسد الاخْتيار، وذلك لعدم اضْطرار الْمكْره إلى الإْتْيان بما أكْره عليْه، لتمكّنه من الصّبْر على تحمّل ما هدّد به بخلاف النّوْع الأْوّل .

17 - أمّا غيْر الْحنفيّة فلمْ يقسّموا الإْكْراه إلى ملْجئٍ وغيْر ملْجئٍ كما فعل الْحنفيّة، ولكنّهمْ تكلّموا عمّا يتحقّق به الإْكْراه وما لا يتحقّق، وممّا قرّروه في هذا الْموْضوع يؤْخذ أنّهمْ جميعًا يقولون بما سمّاه الْحنفيّة إكْراهًا ملْجئًا، أمّا ما يسمّى بالإْكْراه غيْر الْملْجئ فإنّهمْ يخْتلفون فيه، فعلى إحْدى الرّوايتيْن عن الشّافعيّ وأحْمد يعْتبر إكْراهًا، وعلى الرّواية الأْخْرى لا يعْتبر إكْراهًا.

أمّا عنْد الْمالكيّة فإنّه لا يعْتبر إكْراهًا بالنّسْبة لبعْض الْمكْره عليْه، ويعْتبر إكْراهًا بالنّسْبة للْبعْض الآْخر، فمن الْمكْره عليْه الّذي لا يعْتبر الإْكْراه غيْر الْملْجئ إكْراهًا فيه: الْكفْر بالْقوْل أو الْفعْل، والْمعْصية الّتي تعلّق بها حقٌّ لمخْلوقٍ، كالْقتْل أو الْقطْع، والزّنا بامْرأةٍ مكْرهةٍ أوْ لها زوْجٌ، وسبّ نبيٍّ أوْ ملكٍ أوْ صحابيٍّ، أوْ قذْفٍ لمسْلمٍ.

ومن الْمكْره عليْه الّذي يعْتبر الإْكْراه غيْر الْملْجئ إكْراهًا فيه: شرْب الْخمْر، وأكْل الْميْتة، والطّلاق والأْيْمان والْبيْع وسائر الْعقود والْحلول والآْثار .

أثر الإْكْراه:

18 - هذا الأْثر موْضع خلافٍ، بيْن الْحنفيّة وغيْر الْحنفيّة، على النّحْو الآْتي:

أثر الإْكْراه عنْد الْحنفيّة:

19 - يخْتلف أثر الإْكْراه عنْد الْحنفيّة باخْتلاف الْقوْل أو الْفعْل الّذي يقع الإْكْراه عليْه، فإنْ كان الْمكْره عليْه من الإْقْرارات، كان أثر الإْكْراه إبْطال الإْقْرار وإلْغاءه، سواءٌ كان الإْكْراه ملْجئًا أمْ غيْر ملْجئٍ. فمنْ أكْره على الاعْتراف بمالٍ أوْ زواجٍ أوْ طلاقٍ كان اعْترافه باطلاً، ولا يعْتدّ به شرْعًا، لأنّ الإْقْرار إنّما جعل حجّةً في حقّ الْمقرّ باعْتبار ترجّح جانب الصّدْق فيه على جانب الْكذب، ولا يتحقّق هذا التّرْجيح مع الإْكْراه، إذْ هو قرينةٌ قويّةٌ على أنّ الْمقرّ لا يقْصد بإقْراره الصّدْق فيما أقرّ به، وإنّما يقْصد دفْع الضّرر الّذي هدّد به عنْ نفْسه.

وإنْ كان الْمكْره عليْه من الْعقود والتّصرّفات الشّرْعيّة كالْبيْع والإْجارة والرّهْن ونحْوها كان أثر الإْكْراه فيها إفْسادها لا إبْطالها، فيترتّب عليْها ما يترتّب على الْعقْد الْفاسد، حسب ما هو مقرّرٌ في الْمذْهب أنّه ينْقلب صحيحًا لازمًا بإجازة الْمكْره، وكذلك لوْ قبض الْمكْره الثّمن، أوْ سلّم الْمبيع طوْعًا، يترتّب عليْه صحّة الْبيْع ولزومه .

وحجّتهمْ في ذلك أنّ الإْكْراه عنْدهمْ لا يعْدم الاخْتيار الّذي هو ترْجيح فعْل الشّيْء على ترْكه أو الْعكْس، وإنّما يعْدم الرّضا الّذي هو الارْتياح إلى الشّيْء والرّغْبة فيه، والرّضا ليْس ركْنًا منْ أرْكان هذه التّصرّفات ولا شرْطًا منْ شروط انْعقادها، وإنّما هو شرْطٌ منْ شروط صحّتها، فإذنْ فقدْ ترتّب على فقْدانه فساد الْعقْد لا بطْلانه. ولكنّهم اسْتثْنوْا منْ ذلك بعْض التّصرّفات، فقالوا بصحّتهما مع الإْكْراه، ولوْ كان ملْجئًا، ومنْ هذه التّصرّفات: الزّواج والطّلاق ومراجعة الزّوْجة والنّذْر والْيمين.

وعلّلوا هذا بأنّ الشّارع اعْتبر اللّفْظ في هذه التّصرّفات - عنْد الْقصْد إليْه - قائمًا مقام إرادة معْناه، فإذا وجد اللّفْظ ترتّب عليْه أثره الشّرْعيّ، وإنْ لمْ يكنْ لقائله قصْدٌ إلى معْناه، كما في الْهازل، فإنّ الشّارع اعْتبر هذه التّصرّفات صحيحةً إذا صدرتْ منْه، مع انْعدام قصْده إليْها، وعدم رضاه بما يترتّب عليْها من الآْثار.

وإنْ كان الْمكْره عليْه من الأْفْعال، كالإْكْراه على قتْل منْ لا يحلّ قتْله، أوْ إتْلاف مالٍ لغيْره أوْ شرْب الْخمْر وما أشْبه ذلك، فالْحكْم فيها يخْتلف باخْتلاف نوْع الإْكْراه والْفعْل الْمكْره عليْه.

20 - فإنْ كان الإْكْراه غيْر ملْجئٍ - وهو الّذي يكون بما لا يفوّت النّفْس، أوْ بعْض الأْعْضاء كالْحبْس لمدّةٍ قصيرةٍ، أوْ أخْذ الْمال الْيسير، ونحْو ذلك - فلا يحلّ الإْقْدام على الْفعْل. وإذا أقْدم الْمكْره (بالْفتْح) على الْفعْل بناءً على هذا الإْكْراه كانت الْمسْئوليّة عليْه وحْده، لا على منْ أكْرهه .

21 - وإنْ كان الإْكْراه ملْجئًا - وهو الّذي يكون بالْقتْل أوْ تفْويت بعْض الأْعْضاء أو الْعمل الْمهين لذي الْجاه - فالأْفْعال بالنّسْبة إليْه أرْبعة أنْواعٍ:

أ - أفْعالٌ أباحها الشّارع أصالةً دون إكْراهٍ كالأْكْل والشّرْب، فإنّه إذا أكْره على ارْتكابها وجب على الْمكْره (بالْفتْح) أنْ يرْتكب أخفّ الضّرريْن.  

ب - أفْعالٌ أباح الشّارع إتْيانها عنْد الضّرورة، كشرْب الْخمْر وأكْل لحْم الْميْتة أو الْخنْزير، وغيْر ذلك منْ كلّ ما حرّم لحقّ اللّه لا لحقّ الآْدميّ،  فالْعقْل مع الشّرْع يوجبان ارْتكاب أخفّ الضّرريْن.

فهذه يباح للْمكْره فعْلها، بلْ يجب عليْه الإْتْيان بها، إذا ترتّب على امْتناعه قتْل نفْسه أوْ تلف عضْوٍ منْ أعْضائه، لأنّ اللّه تعالى أباحها عنْد الضّرورة بقوْله عزّ منْ قائلٍ: (إنّما حرّم عليْكم الْميْتة والدّم ولحْم الْخنْزير وما أهلّ به لغيْر اللّه فمن اضْطرّ غيْر باغٍ ولا عادٍ فلا إثْم عليْه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ).  

ولا شكّ أنّ الإْكْراه الْملْجئ من الضّرورة الّتي رفع اللّه الإْثْم فيها. فيباح الْفعْل عنْد تحقّقها. وتناول الْمباح دفْعًا للْهلاك عن النّفْس أوْ بعْض أجْزائها - واجبٌ، فلا يجوز ترْكه، ولوْ شرب الْخمْر مكْرهًا لمْ يحدّ، لأنّه لا جناية حينئذٍ، والْحدّ إنّما شرع زجْرًا عن الْجنايات.

ج - أفْعالٌ رخّص الشّارع في فعْلها عنْد الضّرورة، إلاّ أنّه لوْ صبر الْمكْره على تحمّل الأْذى، ولمْ يفْعلْها حتّى مات، كان مثابًا من اللّه تعالى، وذلك كالْكفْر باللّه تعالى أو الاسْتخْفاف بالدّين، فإذا أكْره الإْنْسان على الإْتْيان بشيْءٍ منْ ذلك جاز له الْفعْل متى كان قلْبه مطْمئنًّا بالإْيمان، لقوْل اللّه عزّ وجلّ ( إلاّ منْ أكْره وقلْبه مطْمئنٌّ بالإْيمان)  .

ومن السّنّة ما جاء بإسْنادٍ صحيحٍ عنْد الْحاكم والْبيْهقيّ وغيْرهما عنْ محمّد بْن عمّارٍ عنْ أبيه « أخذ الْمشْركون عمّار بْن ياسرٍ، فلمْ يتْركوه حتّى سبّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهمْ بخيْرٍ، فلمّا أتى النّبيّ  عليه الصلاة  والسلم قال: ما وراءك ؟ قال: شرٌّ، يا رسول اللّه، ما تركْت حتّى نلْت منْك، وذكرْت آلهتهمْ بخيْرٍ، قال  صلى الله عليه وسلم  فكيْف تجد قلْبك ؟ قال: مطْمئنًّا بالإْيمان، قال  صلى الله عليه وسلم  فإنْ عادوا فعدْ » .

وقدْ ألْحق علماء الْمذْهب بهذا النّوْع الإْكْراه على إفْساد صوْم رمضان، أوْ ترْك الصّلاة الْمفْروضة، أوْ إتْلاف مال الْغيْر، فإنّ الْمكْره لوْ صبر وتحمّل الأْذى، ولمْ يفْعلْ ما أكْره عليْه كان مثابًا، وإنْ فعل شيْئًا منْها فلا إثْم عليْه، وكان الضّمان في صورة الإْتْلاف على الْحامل عليْه لا على الْفاعل، لأنّ فعْل الإْتْلاف يمْكن أنْ ينْسب إلى الْحامل بجعْل الْفاعل آلةً له، فيثْبت الضّمان عليْه.

د - أفْعالٌ لا يحلّ للْمكْره الإْقْدام عليْها بحالٍ من الأْحْوال، كقتْل النّفْس بغيْر حقٍّ، أوْ قطْع عضْوٍ منْ أعْضائها، أو الضّرْب الّذي يؤدّي إلى الْهلاك، فهذه الأْفْعال لا يجوز للْمكْره الإْقْدام عليْها، ولوْ كان في امْتناعه عنْها ضياع نفْسه، لأنّ نفْس الْغيْر معْصومةٌ كنفْس الْمكْره، ولا يجوز للإْنْسان أنْ يدْفع الضّرر عنْ نفْسه بإيقاعه على غيْره، فإنْ فعل كان آثمًا، ووجب عقاب الْحامل له على هذا الْفعْل باتّفاق علماء الْمذْهب، والْخلاف بيْنهمْ إنّما هو في نوْع هذا الْعقاب.

فأبو حنيفة ومحمّدٌ يقولان: إنّه الْقصاص، لأنّ الْقتْل يمْكن أنْ ينْسب إلى الْحامل بجعْل الْفاعل آلةً له، والْقصاص إنّما يكون على الْقاتل لا على آلة الْقتْل.

وأبو يوسف يقول: إنّه الدّية، لأنّ الْقصاص لا يثْبت إلاّ بالْجناية الْكاملة، ولمْ توجد الْجناية الْكاملة بالنّسْبة لكلٍّ من الْحامل والْمكْره.

وهذا الْقتْل يقوم مانعًا من الإْرْث بالنّسْبة للْمكْره (بالْكسْر) إذا كان الْمكْره (بالْفتْح) مكلّفًا. أمّا إذا كان غيْر مكلّفٍ كالصّبيّ أو الْمجْنون فلا يكون مانعًا. وهذا عنْد أبي حنيفة ومحمّدٍ، أمّا أبو يوسف فلا يحْرم ولوْ كان الْمكْره مكلّفًا.

أمّا بالنّسْبة للْمكْره (بالْفتْح) فلا يحْرم باتّفاق الْحنفيّة.  

وإنّما يجب الْقصاص عنْد أبي حنيفة ومحمّدٍ على الْمكْره إذا كان الْمطْلوب قتْله شخْصًا ثالثًا غيْر الْمكْره ولا الْمكْره، فإنْ كان الْمطْلوب قتْله هو الْمكْره كأنْ قال للّذي قتله: اقْتلْني وإلاّ قتلْتك، فقتله، فلا قصاص على الْقاتل، وتجب الدّية لوجود الشّبْهة، ولأنّ الدّية تثْبت للْوارث ابْتداءً لا ميراثًا عن الْمقْتول.

وأمّا إنْ كان الْمطْلوب قتْله هو الْمكْره، فإنّه لا يكون ثمّ إكْراهٌ، لأنّ الْمهدّد به لا يزيد على الْقتْل، فلا يتحقّق الإْكْراه ولا شيْء منْ آثاره، فلا قصاص ولا دية في هذا الْقتْل، إلاّ إذا كان التّهْديد بقتْلٍ أشْنع كما لوْ قال له: لتلْقينّ نفْسك في النّار أوْ لأقْتلنّك، فعنْد أبي حنيفة يخْتار ما هو الأْهْون في ظنّه، وعنْد الصّاحبيْن: يصْبر ولا يقْتل نفْسه، لأنّ مباشرة الْفعْل سعْيٌ في إهْلاك نفْسه فيصْبر تحاميًا عنْه. ثمّ إذا ألْقى نفْسه في النّار فاحْترق فعلى الْمكْره الْقصاص باتّفاقهمْ، كما في الزّيْلعيّ.

ونقل صاحب مجْمع الأْنْهر أنّ الْقصاص إنّما هو عنْد أبي حنيفة خلافًا للصّاحبيْن .

ومنْ هذا النّوْع أيْضًا: الزّنا، فإنّه لا يرخّص فيه مع الإْكْراه، كما لا يرخّص فيه حالة الاخْتيار، لأنّ حرْمة الزّنا لا ترْتفع بحالٍ من الأْحْوال، فإذا فعله إنْسانٌ تحْت تأْثير الإْكْراه كان آثمًا، ولكنْ لا يجب عليْه الْحدّ، لأنّ الإْكْراه يعْتبر شبْهةً، والْحدود تدْرأ بالشّبهات.

وقدْ أوْرد الْبابرْتيّ من الْحنفيّة ضابطًا لأثر الإْكْراه، نصّه:

الإْكْراه الْملْجئ معْتبرٌ شرْعًا، سواءٌ أكان على الْقوْل أم الْفعْل. والإْكْراه غيْر الْملْجئ إنْ كان على فعْلٍ فليْس بمعْتبرٍ، ويجْعل كأنّ الْمكْره فعل ذلك الْفعْل بغيْر إكْراهٍ. وإنْ كان على قوْلٍ، فإنْ كان قوْلاً يسْتوي فيه الْجدّ والْهزْل فكذلك، وإلاّ فهو معْتبرٌ .

أثر الإْكْراه عنْد الْمالكيّة:

22 - يخْتلف أثر الإْكْراه عنْدهمْ باخْتلاف الْمكْره عليْه:

أ - فإنْ كان الْمكْره عليْه عقْدًا أوْ حلًّا أوْ إقْرارًا أوْ يمينًا لمْ يلْزم الْمكْره شيْءٌ، ويكون الإْكْراه في ذلك بالتّخْويف بقتْلٍ أوْ ضرْبٍ مؤْلمٍ أوْ سجْنٍ أوْ قيْدٍ أوْ صفْعٍ لذي مروءةٍ على ملأ من النّاس. وإنْ أجاز الْمكْره (بالْفتْح) شيْئًا ممّا أكْره عليْه - غيْر النّكاح - طائعًا بعْد زوال الإْكْراه لزم على الأْحْسن، وأمّا النّكاح فلا تصحّ إجازته.

ب - وإنْ كان الإْكْراه على الْكفْر بأيّ صورةٍ منْ صوره، أوْ قذْف الْمسْلم بالزّنا، أو الزّنا بامْرأةٍ طائعةٍ خليّةٍ (غيْر متزوّجةٍ)، فلا يحلّ له الإْقْدام على شيْءٍ منْ هذه الأْشْياء إلاّ في حالة التّهْديد بالْقتْل، لا فيما دونه منْ قطْعٍ أوْ سجْنٍ ونحْوه، فإنْ فعل ذلك اعْتبر مرْتدًّا، ويحدّ في قذْف الْمسْلم، وفي الزّنا.

ج - وإنْ كان الإْكْراه على قتْل مسْلمٍ، أوْ قطْع عضْوٍ منْه، أوْ على زنًا بمكْرهةٍ، أوْ بامْرأةٍ لها زوْجٌ، فلا يجوز الإْقْدام على شيْءٍ منْ ذلك ولوْ أكْره بالْقتْل. فإنْ قتل يقْتصّ منْه، ويعْتبر الْقتْل هنا مانعًا للْقاتل منْ ميراث الْمقْتول، لأنّه شريكٌ في الْفعْل، وكذلك الْمكْره (بالْكسْر) يقْتصّ منْه أيْضًا ويمْنع من الْميراث. وإنّما يجب الْقصاص عنْدهمْ على الْمكْره والْمكْره، إذا كان الْمطْلوب قتْله شخْصًا ثالثًا غيْرهما.

فإنْ كان الْمطْلوب قتْله هو الْمكْره (بالْكسْر) كما لوْ قال للّذي قتله: اقْتلْني وإلاّ قتلْتك فقتله، فلا قصاص عنْدهمْ وتجب الدّية، لمكان الشّبْهة منْ ناحيةٍ، وبناءً على أنّ الدّية تثْبت للْوارث ابْتداءً لا ميراثًا.

وأمّا إنْ كان الْمطْلوب قتْله هو الْمكْره (بالْفتْح)، فالأْصْل أنّه لا يتحقّق الإْكْراه في هذه الْحالة، ولا قصاص فيه ولا دية، إلاّ إذا كان التّهْديد بقتْلٍ أشْنع، كالإْحْراق بالنّار وبتْر الأْعْضاء حتّى الْموْت، فإنّ الْمكْره (بالْفتْح) يخْتار أهْون الْميتتيْن، جزم به اللّقانيّ . وإنْ زنى يحدّ .

د - وأمّا لوْ أكْره على فعْل معْصيةٍ - غيْر الْكفْر - لا حقّ فيها لمخْلوقٍ كشرْب خمْرٍ وأكْله ميْتةً، أوْ إبْطال عبادةٍ كصلاةٍ وصوْمٍ، أوْ على ترْكها فيتحقّق الإْكْراه بأيّة وسيلةٍ منْ قتْلٍ أوْ غيْره. ويترتّب عليْه في الصّوْم الْقضاء دون الْكفّارة. وفي الصّلاة يكون الإْكْراه بمنْزلة الْمرض الْمسْقط لبعْض أرْكانها، ولا يسْقط وجوبها. وفي شرْب الْخمْر لا يقام الْحدّ.

وألْحق سحْنونٌ بهذا النّوْع الزّنا بامْرأةٍ طائعةٍ لا زوْج لها، خلافًا للْمذْهب .

ويضيف الْمالكيّة أنّ الْقطْع في السّرقة يسْقط بالإْكْراه مطْلقًا، ولوْ كان بضرْبٍ أوْ سجْنٍ لأنّه شبْهةٌ تدْرأ الْحدّ .

أثر الإْكْراه عنْد الشّافعيّة:

23 - يخْتلف أثر الإْكْراه عنْدهمْ باخْتلاف الْمكْره عليْه.

أ - الإْكْراه بالْقوْل:

إذا كان الْمكْره عليْه عقْدًا أوْ حلًّا أوْ أيّ تصرّفٍ قوْليٍّ أوْ فعْليٍّ، فإنّه لا يصحّ عملاً بعموم الْحديث الصّحيح: « رفع عنْ أمّتي الْخطأ والنّسْيان وما اسْتكْرهوا عليْه »  إذ الْمقْصود ليْس رفْع ما وقع لمكان الاسْتحالة، وإنّما رفْع حكْمه، ما لمْ يدلّ دليلٌ على خلاف ذلك، فيخصّص هذا الْعموم في موْضع دلالته. وبمقْتضى أدلّة التّخْصيص يقرّر الشّافعيّة أنّه لا أثر لقوْل الْمكْره (بالْفتْح) إلاّ في الصّلاة فتبْطل به  وعلى هذا فيباح للْمكْره (بالْفتْح) التّلفّظ بكلمة الْكفْر، ولا يجب، بل الأْفْضل الامْتناع مصابرةً على الدّين واقْتداءً بالسّلف.

وفي طلاق زوْجة الْمكْره (بالْكسْر) أوْ بيْع ماله ونحْوهما منْ كلّ ما يعْتبر الإْكْراه فيه إذْنًا - أبْلغ.

والإْكْراه في شهادة الزّور الّتي تفْضي إلى الْقتْل أو الزّنا، وفي الإْكْراه بالْحكْم الْباطل الّذي يفْضي إلى الْقتْل أو الزّنا، فلا يرْتفع الإْثْم عنْ شاهد الزّور، ولا عن الْحاكم الْباطل، وحكْمهما في هذه الْحالة منْ حيْث الضّمان حكْم الْمكْره (بالْكسْر)  

ب - الإْكْراه بالْفعْل:

لا أثر للإْكْراه بالْفعْل عنْد الشّافعيّة إلاّ فيما يأْتي:

(1الْفعْل الْمضمّن كالْقتْل أوْ إتْلاف الْمال أو الْغصْب، فعلى الْمكْره (بالْفتْح) الْقصاص أو الضّمان، وقرار الضّمان على الْمكْره (بالْكسْر)، وإنْ قيل: لا رجوع له على الْمكْره (بالْكسْر) بما غرم في إتْلاف الْمال، لأنّه افْتدى بالإْتْلاف نفْسه عن الضّرر. قال الْقلْيوبيّ في مسْألة الْقتْل: فيقْتل هو - الْمكْره - (بالْفتْح) ومنْ أكْرهه.

(2الزّنا وما إليْه: يأْثم الْمكْره (بالْفتْح) بالزّنا، ويسْقط الْحدّ للشّبْهة، ويترتّب على وطْء الشّبْهة حكْمه.

(3الرّضاع: فيترتّب عليْه التّحْريم الْمؤبّد في الْمناكحات وما ألْحق بها.

(4كلّ فعْلٍ يترتّب عليْه بطْلان الصّلاة، كالتّحوّل عن الْقبْلة، والْعمل الْكثير، وترْك قيام الْقادر في الْفريضة، والْحدث، فتبْطل الصّلاة بما تقدّم برغْم الإْكْراه عليْه.

(5ذبْح الْحيوان: تحلّ ذبيحة الْمكْره (بالْفتْح) الّذي تحلّ ذبيحته، كالْمسْلم والْكتابيّ ولوْ كان الْمكْره (بالْكسْر) مجوسيًّا، أوْ محْرمًا والْمذْبوح صيْدٌ .

قال السّيوطيّ: وقدْ رأيْت الإْكْراه يساوي النّسْيان، فإنّ الْمواضع الْمذْكورة، إمّا منْ باب ترْك الْمأْمور، فلا يسْقط تداركه، ولا يحْصل الثّواب الْمرتّب عليْه، وإمّا منْ باب الإْتْلاف، فيسْقط الْحكْم الْمرتّب عليْه، وتسْقط الْعقوبة الْمتعلّقة به، إلاّ الْقتْل على الأْظْهر .

أثر الإْكْراه عنْد الْحنابلة:

24 - يخْتلف أثر الإْكْراه عنْد الْحنابلة باخْتلاف الْمكْره عليْه:

أ - فالتّصرّفات الْقوْليّة تقع باطلةً مع الإْكْراه إلاّ النّكاح، فإنّه يكون صحيحًا مع الإْكْراه، قياسًا للْمكْره على الْهازل . وإنّما لمْ يقع الطّلاق مع الإْكْراه للْحديث الشّريف « لا طلاق في إغْلاقٍ »،  والإْكْراه من الإْغْلاق.

ب - ومنْ أكْره على الْكفْر لا يعْتبر مرْتدًّا، ومتى زال عنْه الإْكْراه أمر بإظْهار إسْلامه، والأْفْضل لمنْ أكْره على الْكفْر أنْ يصْبر  وإذا أكْره على الإْسْلام منْ لا يجوز إكْراهه كالذّمّيّ والْمسْتأْمن، فأسْلم لمْ يثْبتْ له حكْم الإْسْلام، حتّى يوجد منْه ما يدلّ على إسْلامه طوْعًا.

أمّا منْ يجوز إكْراهه على الإْسْلام كالْمرْتدّ، فإنّه إذا أكْره فأسْلم حكم بإسْلامه ظاهرًا .

ج - والإْكْراه يسْقط الْحدود عن الْمكْره، لأنّه شبْهةٌ، والْحدود تدْرأ بالشّبهات  

د - وإذا أكْره رجلٌ آخر على قتْل شخْصٍ فقتله، وجب الْقصاص على الْمكْره والْمكْره جميعًا، وإنْ صار الأْمْر إلى الدّية وجبتْ عليْهما، وإنْ أحبّ وليّ الْمقْتول قتْل أحدهما، وأخْذ نصْف الدّية من الآْخر أو الْعفْو فله ذلك . ويعْتبر الْقتْل هنا مانعًا من الْميراث بالنّسْبة للْمكْره والْمكْره .

والْقصاص عنْدهمْ لا يجب على الْمكْره والْمكْره، إلاّ إذا كان الْمطْلوب قتْله شخْصًا ثالثًا غيْرهما.

فإنْ كان الْمطْلوب قتْله هو الْمكْره (بالْكسْر) فإنّه يكون هدرًا، ولا قصاص ولا دية في الْمخْتار عنْدهمْ.

وأمّا إنْ كان الْمطْلوب قتْله هو الْمكْره (بالْفتْح)، فلا يتحقّق الإْكْراه في هذه الْحالة، ولا دية ولا قصاص عنْد بعْضهمْ . إلاّ إذا كان التّهْديد بقتْلٍ أشْنع فعليْه أنْ يخْتار أهْون الْميتتيْن في إحْدى الرّوايتيْن .

أثر إكْراه الصّبيّ على قتْل غيْره:

25 - إذا كان الْمكْره على الْقتْل صبيًّا، فإنّه يعْتبر آلةً في يد الْمكْره عنْد الْحنفيّة، فلا قصاص ولا دية، وإنّما الْقصاص على الْمكْره (بالْكسْر) .

وذهب الْمالكيّة إلى وجوب الْقصاص على الْمكْره (بالْكسْر) ونصْف الدّية على عاقلة الصّبيّ .

وذهب الشّافعيّة إلى التّفْرقة بيْن الصّبيّ الْمميّز، وغيْر الْمميّز.

فإنْ كان غيْر مميّزٍ، اعْتبر آلةً عنْدهمْ، ولا شيْء عليْه، ويجب الْقصاص على الْمكْره.

وإنْ كان مميّزًا، فيجب نصْف الدّية على عاقلته، والْقصاص على الْمكْره (بالْكسْر) .

وذهب الْحنابلة إلى أنّ الصّبيّ غيْر الْمميّز إذا أكْره على قتْل غيْره فلا قصاص عليْه، والْقصاص على الْمكْره (بالْكسْر). وفي قوْلٍ: لا يجب الْقصاص، لا عليْه وعلى منْ أكْرهه، لأنّ عمْد الصّبيّ خطأٌ، والْمكْره (بالْكسْر) شريك الْمخْطئ، ولا قصاص على شريك مخْطئٍ. أمّا إذا كان الصّبيّ مميّزًا فلا يجب الْقصاص على الْمكْره (بالْكسْر) ولا يجب على الصّبيّ الْمميّز .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  التاسع  ، الصفحة / 62

بَيْعُ التَّلْجِئَةِ

التَّعْرِيفُ:

1 - يُعَرِّفُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بِأَنَّهُ: عَقْدٌ يُنْشِئُهُ لِضَرُورَةِ أَمْرٍ فَيَصِيرُ كَالْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ  .

وَعَرَّفَهُ صَاحِبُ الإْنْصَافِ بِقَوْلِهِ: هُوَ أَنْ يُظْهِرَا بَيْعًا لَمْ يُرِيدَاهُ بَاطِنًا بَلْ خَوْفًا مِنْ ظَالِمٍ (وَنَحْوِهِ) دَفْعًا لَهُ  .

وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيَّةُ بَيْعَ الأْمَانَةِ وَصُورَتُهُ كَمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ يُظْهِرَا الْعَقْدَ، إِمَّا لِلْخَوْفِ مِنْ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُمَا إِذَا أَظْهَرَاهُ لاَ يَكُونُ بَيْعًا، ثُمَّ يَعْقِدُ الْبَيْعَ  .

وَأَمَّا التَّلْجِئَةُ الَّتِي أُضِيفَ هَذَا الْبَيْعُ إِلَيْهَا فَتَرِدُ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى: الإْكْرَاهِ وَالاِضْطِرَارِ  .

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ: فَيَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى  مَعْنَى الإْلْجَاءِ، وَهُوَ الإْكْرَاهُ التَّامُّ أَوِ الْمُلْجِئُ، وَمَعْنَاهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ أَنْ يُهَدِّدَ شَخْصٌ غَيْرَهُ بِإِتْلاَفِ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ مَا يَطْلُبُهُ مِنْهُ  .

 بَيْعُ الْمُكْرَهِ:

3 - الْمُرَادُ بِبَيْعِ الْمُكْرَهِ حَمْلُ الْبَائِعِ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، إِذِ الإْكْرَاهُ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ: حَمْلُ الإْنْسَانِ  عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ. وَفِي الشَّرْعِ: فِعْلٌ يُوجَدُ مِنَ الْمُكْرَهِ فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إِلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ  .

وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ التَّلْجِئَةِ وَبَيْعِ الْمُكْرَهِ: أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بَيْعٌ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ لاَ فِي الْحَقِيقَةِ، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ، مَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي حُكْمِهِ فَسَادًا وَوَقْفًا.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني  والعشرون  ، الصفحة / 234

عُيُوبُ الرِّضَا:

14 م - إِنَّ «الرِّضَا» بِمَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيِّ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا وُجِدَ الْقَصْدُ إِلَى آثَارِ الْعَقْدِ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الآْثَارُ الشَّرْعِيَّةُ إِذَا سَلِمَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا كَانَ «الرِّضَا» سَلِيمًا أَيْ بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا طَلِيقًا لاَ يَشُوبُهُ ضَغْطٌ وَلاَ إِكْرَاهٌ، وَلاَ يَتَقَيَّدُ بِمَصْلَحَةِ أَحَدٍ كَرِضَا الْمَرِيضِ، أَوِ الدَّائِنِ الْمُفْلِسِ، وَأَنْ يَكُونَ وَاعِيًا فَلاَ يَحُولُ دُونَ إِدْرَاكِ الْحَقِيقَةِ جَهْلٌ، أَوْ تَدْلِيسٌ وَتَغْرِيرٌ، أَوِ اسْتِغْلاَلٌ، أَوْ غَلَطٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَعُوقُ إِدْرَاكَهُ.

فَمِنْ عُيُوبِ الرِّضَا الإْكْرَاهُ وَالْجَهْلُ وَالْغَلَطُ، وَالتَّدْلِيسُ وَالتَّغْرِيرُ، وَالاِسْتِغْلاَلُ وَكَوْنُ الرِّضَا مُقَيَّدًا بِرِضَا شَخْصٍ آخَرَ، يَقُولُ الْغَزَالِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا: وَيَخْتَلُّ الْقَصْدُ بِخَمْسَةِ أَسْبَابٍ: سَبْقِ اللِّسَانِ، وَالْهَزْلِ، وَالْجَهْلِ، وَالإْكْرَاهِ، وَاخْتِلاَلِ الْعَقْلِ.

فَإِذَا وُجِدَ عَيْبٌ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ، أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى إِذَا لَمْ يَتَوَفَّرْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الرِّضَا فَإِنَّ الْعَقْدَ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ يَكُونُ فَاسِدًا، أَوْ بَاطِلاً - عَلَى خِلاَفٍ فِيهِمَا بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ - وَيَكُونُ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ غَيْرَ لاَزِمٍ، أَيْ يَكُونُ لأِحَدِ  الْعَاقِدَيْنِ، أَوْ كِلَيْهِمَا حَقُّ الْخِيَارِ، وَمِنْ هُنَا فَإِنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ بَعْضَهَا يُؤَثِّرُ فِي الرِّضَا تَأْثِيرًا مُبَاشِرًا، فَيَكُونُ الْعَقْدُ الَّذِي تَمَّ فِي ظِلِّهِ فَاسِدًا أَوْ بَاطِلاً - كَمَا فِي الإْكْرَاهِ، وَبَعْضَهَا يُؤَثِّرُ فِي إِلْزَامِيَّةِ الرِّضَا، فَيَكُونُ الْعَقْدُ الَّذِي تَمَّ فِي ظِلِّهِ غَيْرَ مُلْزِمٍ، بَلْ يَكُونُ لِعَاقِدٍ حَقُّ الْخِيَارِ، مِثْلَ التَّدْلِيسِ، وَالتَّغْرِيرِ، وَالاِسْتِغْلاَلِ وَنَحْوِهَا، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الرِّضَا كَكَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ تَحْتَ إِكْرَاهٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ لِلُزُومِهِ، كَكَوْنِهِ لَمْ يَشُبْهُ غَلَطٌ أَوِ اسْتِغْلاَلٌ، أَوْ تَدْلِيسٌ - عَلَى تَفْصِيلٍ كَبِيرٍ وَخِلاَفٍ.

وَنُحِيلُ لأِحْكَامِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إِلَى مُصْطَلَحَاتِهَا الْخَاصَّةِ فِي الْمَوْسُوعَةِ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثلاثون  ، الصفحة /  220

عُيُوبُ الرّضَا.

32 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ في عُيُوب الرّضَا: الإْكْرَاهَ وَالْجَهْلَ، وَالْغَلَطَ، وَالتَّدْليسَ، وَالْغَبْنَ، وَالتَّغْريرَ، وَالْهَزْلَ، وَالْخلاَبَةَ، وَنَحْوَهَا، فَإذَا وُجدَ عَيْبٌ منْ هَذه الْعُيُوب في عَقْدٍ منَ الْعُقُود يَكُونُ الْعَقْدُ بَاطلاً أَوْ فَاسدًا في بَعْض الْحَالاَت عَلَى خلاَفٍ بَيْنَ الْجُمْهُور وَالْحَنَفيَّة، أَوْ غَيْرَ لاَزمٍ يَكُونُ لكلاَ الْعَاقدَيْن أَوْ أَحَدهمَا الْخيَارُ في فَسْخه في حَالاَتٍ أُخْرَى.

وَتَعْريفُ هَذه الْعُيُوب وَتَفْصيلُ أَحْكَامهَا وَأَثَرُهَا عَلَى الرّضَا وَخلاَفُ الْفُقَهَاء في ذَلكَ يُنْظَرُ في مُصْطَلَحَاتهَا منَ الْمَوْسُوعَة.

ثَالثًا - مَحَلُّ الْعَقْد.

33 - الْمُرَادُ بمَحَلّ الْعَقْد: مَا يَقَعُ عَلَيْه الْعَقْدُ وَتَظْهَرُ فيه أَحْكَامُهُ وَآثَارُهُ، وَيَخْتَلفُ الْمَحَلُّ باخْتلاَف الْعُقُود، فَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ عَيْنًا مَاليَّةً، كَالْمَبيع في عَقْد الْبَيْع، وَالْمَوْهُوب في عَقْد الْهبَة، وَالْمَرْهُون في عَقْد الرَّهْن، وَقَدْ يَكُونُ عَمَلاً منَ الأْعْمَال، كَعَمَل الأْجير في الإْجَارَة، وَعَمَل الزَّارع في الْمُزَارَعَة، وَعَمَل الْوَكيل في الْوَكَالَة، وَقَدْ يَكُونُ مَنْفَعَةَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، كَمَنْفَعَة الْمَأْجُور في عَقْد الإْجَارَة، وَمَنْفَعَة الْمُسْتَعَار في عَقْد الإْعَارَة، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلكَ كَمَا في عَقْد النّكَاح وَالْكَفَالَة وَنَحْوهمَا.

وَلهَذَا فَقَد اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ في مَحَلّ الْعَقْد شُرُوطًا تَكَلَّمُوا عَنْهَا في كُلّ عَقْدٍ وَذَكَرُوا بَعْضَ الشُّرُوط الْعَامَّة الَّتي يَجبُ تَوَافُرُهَا في الْعُقُود عَامَّةً أَوْ في مَجْمُوعَةٍ منَ الْعُقُود، منْهَا:

أ - وُجُودُ الْمَحَلّ:

34 - يَخْتَلفُ اشْترَاطُ هَذَا الشَّرْط باخْتلاَف الْعُقُود: فَفي عَقْد الْبَيْع مَثَلاً اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ في الْجُمْلَة عَلَى وُجُود الْمَحَلّ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُوجَدْ لقَوْله صلي الله عليه وسلم  : «لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عنْدَكَ» ؛ وَلأنَّ  في بَيْع مَا لَمْ يُوجَدْ غَرَرًا وَجَهَالَةً فَيُمْنَعُ، لحَديث: أَنَّ «النَّبيَّ صلي الله عليه وسلم  نَهَى عَنْ بَيْع الْغَرَر» وَعَلَى ذَلكَ صَرَّحُوا ببُطْلاَن بَيْع الْمَضَامين وَالْمَلاَقيح وَحَبَل الْحُبْلَة.

وَمَنَعُوا منْ بَيْع الزُّرُوع وَالثّمَار قَبْلَ ظُهُورهَا، لقَوْله صلي الله عليه وسلم  : «أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخيه ؟».

وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ منْ بَيْع الْمَعْدُوم عَقْدَ السَّلَم وَذَلكَ لحَاجَة النَّاس إلَيْه  كَمَا اسْتَثْنَى الْحَنَفيَّةُ منْ ذَلكَ عَقْدَ الاسْتصْنَاع للدَّليل نَفْسه ر: (اسْتصْنَاع ف 7).

أَمَّا بَيْعُ الزَّرْع أَو الثَّمَر قَبْلَ ظُهُورهمَا فَلاَ يَجُوزُ؛ لأنَّهُ مَعْدُومٌ وَلاَ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَعْدُوم، أَمَّا بَعْدَ الظُّهُور وَقَبْلَ بُدُوّ الصَّلاَح فَإنْ كَانَ الثَّمَرُ أَو الزَّرْعُ بحَالٍ يُنْتَفَعُ بهمَا فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بشَرْط الْقَطْع في الْحَال اتّفَاقًا لعَدَم الْغَرَر في ذَلكَ، وَلاَ يَجُوزُ بغَيْر شَرْط الْقَطْع عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء.

وَاخْتَلَفُوا في بَيْع الثّمَار الْمُتَلاَحقَة الظُّهُور وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَح: (ثمَار ف 11 - 13).

وَفي عَقْد الإْجَارَة اعْتَبَرَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء الْمَنَافعَ أَمْوَالاً، وَاعْتَبَرَهَا كَذَلكَ الشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ مَوْجُودَةً حينَ الْعَقْد تَقْديرًا، فَيَصحُّ التَّعَاقُدُ عَلَيْهَا بنَاءً عَلَى وُجُود الْمَنَافع حينَ الْعَقْد عنْدَهُمْ، وَلهَذَا يَقُولُونَ بنَقْل ملْكيَّة الْمَنَافع للْمُسْتَأْجر وَالأْجْرَة للْمُؤَجّر بنَفْس الْعَقْد في الإْجَارَة الْمُطْلَقَة.

وَعَلَّلَ الْمَالكيَّةُ جَوَازَ الإْجَارَة بأَنَّ الْمَنَافعَ وَإنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً في حَال الْعَقْد لَكنَّهَا مُسْتَوْفَاةٌ في الْغَالب، وَالشَّرْعُ إنَّمَا لَحَظَ منَ الْمَنَافع مَا يُسْتَوْفَى في الْغَالب أَوْ يَكُونُ اسْتيفَاؤُهُ وَعَدَمُ اسْتيفَائه سَوَاءً.

أَمَّا الْحَنَفيَّةُ فَقَدْ أَجَازُوا عَقْدَ الإْجَارَة اسْتثْنَاءً منَ الْقَاعدَة؛ لوُرُود النُّصُوص منَ الْكتَاب وَالسُّنَّة في جَوَاز الإْجَارَة، قَالَ الْكَاسَانيُّ: الإْجَارَةُ بَيْعُ الْمَنْفَعَة، وَالْمَنَافعُ للْحَال مَعْدُومَةٌ، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَحْتَملُ الْبَيْعَ، فَلاَ تَجُوزُ إضَافَةُ الْبَيْع إلَى مَا يُؤْخَذُ في الْمُسْتَقْبَل، وَهَذَا هُوَ الْقيَاسُ، لَكنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ بالْكتَاب الْعَزيز وَالسُّنَّة وَالإْجْمَاع.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيّم: جَوَازُ الإْجَارَة مُوَافقَةٌ للْقيَاس؛ لأنَّ  مَحَلَّ الْعَقْد إذَا أَمْكَنَ التَّعَاقُدُ عَلَيْه في حَال وُجُوده وَعَدَمه - كَالأَْعْيَان - فَالأَْصْلُ فيه عَدَمُ جَوَاز الْعَقْد حَالَ عَدَمه للْغَرَر، مَعَ ذَلكَ جَازَ الْعَقْدُ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ إذَا دَعَتْ إلَيْه الْحَاجَةُ.

أَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلاَّ حَالٌ وَاحدَةٌ، وَالْغَالبُ فيه السَّلاَمَةُ - كَالْمَنَافع - فَلَيْسَ الْعَقْدُ عَلَيْه مُخَاطَرَةً وَلاَ قمَارًا فَيَجُوزُ، وَقيَاسُهُ عَلَى بَيْع الأَْعْيَان قيَاسٌ مَعَ الْفَارق.

35 - وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاء في هَذَا الشَّرْط بَيْنَ عُقُود الْمُعَاوَضَة وَعُقُود التَّبَرُّع، فَقَالُوا بعَدَم جَوَاز النَّوْع الأْوَّل منَ الْعُقُود في حَال عَدَم وُجُود مَحَلّهَا، وَأَجَازُوا النَّوْعَ الثَّانيَ في حَالَة وُجُود الْمَحَلّ وَعَدَمه.

وَمنْ هَذَا الْقَبيل مَا قَالَ الْمَالكيَّةُ: إنَّ مَا يَخْتَصُّ بعُقُود التَّبَرُّعَات كَالْهبَة مَثَلاً يَجُوزُ فيه أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْعَقْد (الْمَوْهُوبُ) غَيْرَ مَوْجُودٍ في الْخَارج، بَلْ دَيْنًا في الذّمَّة، أَوْ غَيْرَ مَعْلُومٍ فعْلاً، فَالْغَرَرُ في الْهبَة لغَيْر الثَّوَاب جَائزٌ عنْدَهُمْ، وَلهَذَا صَرَّحُوا بأَنَّ مَنْ وَهَبَ لرَجُلٍ مَا يَرثُهُ منْ فُلاَنٍ - وَهُوَ لاَ يَدْري كَمْ هُوَ ؟ أَسُدُسٌ أَوْ رُبُعٌ فَذَلكَ جَائزٌ.

وَفي الرَّهْن يَجُوزُ عنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْعَقْد (الْمَرْهُونُ) غَيْرَ مَوْجُودٍ حينَ الْعَقْد، كَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا، فَشَيْءٌ يُوثَقُ به خَيْرٌ منْ عَدَمه، كَمَا يَقُولُونَ .

وَهَذَا بخلاَف عَقْد الْبَيْع وَسَائر الْعُقُود في الْمُعَاوَضَات.

ب - قَابليَّةُ الْمَحَلّ لحُكْم الْعَقْد :

36 - يُشْتَرَطُ في مَحَلّ الْعَقْد عنْدَ الْفُقَهَاء أَنْ يَكُونَ قَابلاً لحُكْم الْعَقْد.

وَالْمُرَادُ بحُكْم الْعَقْد: الأْثَرُ الْمُتَرَتّبُ عَلَى الْعَقْد، وَيَخْتَلفُ هَذَا حَسْبَ اخْتلاَف الْعُقُود، فَفي عَقْد الْبَيْع مَثَلاً أَثَرُ الْعَقْد هُوَ انْتقَالُ ملْكيَّة الْمَبيع منَ الْبَائع إلَى الْمُشْتَري، وَيُشْتَرَطُ فيه أَنْ يَكُونَ مَالاً مُتَقَوّمًا مَمْلُوكًا للْبَائع، فَمَا لَمْ يَكُنْ مَالاً بالْمَعْنَى الشَّرْعيّ: وَهُوَ مَا يَميلُ إلَيْه الطَّبْعُ وَيَجْري فيه الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ لاَ يَصحُّ بَيْعُهُ، كَبَيْع الْمَيْتَة مَثَلاً عنْدَ الْمُسْلمينَ. وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَقَوّمًا، أَيْ: مُنْتَفَعًا به شَرْعًا، كَبَيْع الْخَمْر وَالْخنْزير، فَإنَّهُمَا وَإنْ كَانَا مَالاً عنْدَ غَيْر الْمُسْلمينَ، لَكنَّهُمَا لَيْسَا مُتَقَوّمَيْن عنْدَ الْمُسْلمينَ، فَحَرُمَ بَيْعُهُمَا كَمَا وَرَدَ في حَديث جَابرٍ رضي الله عنه  : «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْر وَالْمَيْتَة وَالْخنْزير»

وَفي عُقُود الْمَنْفَعَة كَعَقْد الإْجَارَة وَالإْعَارَة وَنَحْوهمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْعَقْد - أَي الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا - مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً مُبَاحَةً، فَلاَ تَجُوزُ الإْجَارَةُ عَلَى الْمَنَافع الْمُحَرَّمَة كَالزّنَا وَالنَّوْح وَنَحْوهمَا كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مُصْطَلَح: (إجَارَة ف 108).

وَكَمَا لاَ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَنَافع الْمُحَرَّمَة لاَ يَجُوزُ إعَارَتُهَا كَذَلكَ؛ لأنَّ  منْ شُرُوط صحَّة الْعَاريَّة إمْكَانُ الانْتفَاع بمَحَلّ الْعَقْد (الْمُعَار أَو الْمُسْتَعَار) انْتفَاعًا مُبَاحًا شَرْعًا مَعَ بَقَاء عَيْنه، كَالدَّار للسُّكْنَى، وَالدَّابَّة للرُّكُوب، مَثَلاً فَلاَ يَجُوزُ إعَارَةُ الْفُرُوج للاسْتمْتَاع، وَلاَ آلاَت الْمَلاَهي للَّهْو، كَمَا لاَ تَصحُّ الإْعَارَةُ للْغنَاء أَو الزَّمْر أَوْ نَحْوهمَا منَ الْمُحَرَّمَات، فَالإْعَارَةُ لاَ تُبيحُ مَا لاَ يُبيحُهُ الشَّرْعُ.

وَتَفْصيلُهُ في مُصْطَلَح: (عَاريَّةً).

وَفي عَقْد الْوَكَالَة يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ (الْمُوَكَّل به) أَنْ يَكُونَ قَابلاً للانْتقَال للْغَيْر وَالتَّفْويض فيه، وَلاَ يَكُونَ خَاصًّا بشَخْص الْمُوَكّل، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مُصْطَلَح: (وَكَالَة).

ج - مَعْلُوميَّةُ الْمَحَلّ للْعَاقدَيْن :

37 - يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَمَعْرُوفًا للْعَاقدَيْن، بحَيْثُ لاَ يَكُونُ فيه جَهَالَةٌ تُؤَدّي إلَى النّزَاع وَالْغَرَر.

وَيَحْصُلُ الْعلْمُ بمَحَلّ الْعَقْد بكُلّ مَا يُمَيّزُهُ عَن الْغَيْر منْ رُؤْيَته أَوْ رُؤْيَة بَعْضه عنْدَ الْعَقْد، أَوْ بوَصْفه وَصْفًا يَكْشفُ عَنْهُ تَمَامًا، أَوْ بالإْشَارَة إلَيْه.

وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْه عنْدَ الْفُقَهَاء في عُقُود الْمُعَاوَضَة في الْجُمْلَة، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ منَ الْقَطيع مَثَلاً وَلاَ إجَارَةُ إحْدَى هَاتَيْن الدَّارَيْن، وَذَلكَ لأنَّ  الْجَهَالَةَ في مَحَلّ الْعَقْد: (الْمَعْقُود عَلَيْه) تُسَبّبُ الْغَرَرَ وَتُفْضي إلَى النّزَاع.

وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاء في هَذه الْمَسْأَلَة بَيْنَ الْجَهَالَة الْفَاحشَة - وَهيَ الَّتي تُفْضي إلَى النّزَاع - وَبَيْنَ الْجَهَالَة الْيَسيرَة - وَهيَ: الَّتي لاَ تُفْضي إلَى النّزَاع - فَمَنَعُوا الأُْولَى وَأَجَازُوا الثَّانيَةَ.

وَجَعَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء الْعُرْفَ حَكَمًا في تَعْيين مَا تَقَعُ عَلَيْه الإْجَارَةُ منْ مَنْفَعَةٍ، وَتَمْييز الْجَهَالَة الْفَاحشَة عَن الْجَهَالَة الْيَسيرَة.

وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَحَيْ: (بَيْع ف 32) (وَالإْجَارَةُ ف 34).

وَفي عَقْد السَّلَم يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ: (الْمُسْلَم فيه) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجنْس وَالنَّوْع وَالصّفَة وَالْقَدْر، كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أَوْ ذَرْعًا، وَذَلكَ لأنَّ  الْجَهَالَةَ في كُلٍّ منْهَا تُفْضي إلَى الْمُنَازَعَة وَقَدْ وَرَدَ في الْحَديث عَن النَّبيّ صلي الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ في تَمْرٍ فَلْيُسْلفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (سَلَم).

هَذَا في عُقُود الْمُعَاوَضَة.

38 - أَمَّا عُقُودُ التَّبَرُّع فَقَد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ في جَوَاز كَوْن الْمَحَلّ مَجْهُولاً، وَمنْ أَمْثلَة ذَلكَ مَا يَأْتي:

1 - عَقْدُ الْهبَة.

39 - يَشْتَرطُ الْحَنَفيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ في الْمَوْهُوب - وَهُوَ مَحَلُّ عَقْد الْهبَة - أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَمُعَيَّنًا، قَالَ الْحَصْكَفيُّ: شَرَائطُ صحَّة الْهبَة في الْمَوْهُوب: أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا، غَيْرَ مُشَاعٍ، مُمَيَّزًا، غَيْرَ مَشْغُولٍ، فَلاَ تَصحُّ هبَةُ لَبَنٍ في ضَرْعٍ، وَصُوفٍ عَلَى غَنَمٍ، وَنَخْلٍ في أَرْضٍ، وَتَمْرٍ في نَخْلٍ.

وَقَالَ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ: كُلُّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ تَجُوزُ هبَتُهُ، وَكُلُّ مَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ تَجُوزُ هبَتُهُ، كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ لغَيْر قَادرٍ عَلَى انْتزَاعه، وَضَالٍّ وَآبقٍ.

أَمَّا الْمَالكيَّةُ فَقَدْ تَوَسَّعُوا فيهَا، فَأَجَازُوا هبَةَ الْمَجْهُول وَالْمُشَاع، جَاءَ في الْفَوَاكه الدَّوَاني: أَنَّ شَرْطَ الشَّيْء الْمُعْطَى أَنْ يَكُونَ ممَّا يَقْبَلُ النَّقْلَ في الْجُمْلَة، فَيَشْمَلُ الأْشْيَاءَ الْمَجْهُولَةَ.

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (هبَة) .

2 - عَقْدُ الْوَصيَّة.

40 - تَصحُّ وَصيَّةُ الْمُوصي بجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ منْ مَاله وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا صَرَّحَ به الْحَنَفيَّةُ، وَفي هَذه الصُّورَة يَكُونُ الْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَة؛ لأنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَليلَ وَالْكَثيرَ، وَالْوَصيَّةُ لاَ تَمْتَنعُ بالْجَهَالَة.

وَأَجَازَ الْحَنَابلَةُ الْوَصيَّةَ بالْحَمْل إنْ كَانَ مَمْلُوكًا للْمُوصي، وَالْغَرَرُ وَالْخَطَرُ لاَ يَمْنَعُ صحَّةَ الْوَصيَّة عنْدَهُمْ

كَمَا أَجَازَ الشَّافعيَّةُ الْوَصيَّةَ بالْمَجْهُول، كَالْحَمْل الْمَوْجُود في الْبَطْن مُنْفَردًا عَنْ أُمّه أَوْ مَعَهَا، وَكَالْوَصيَّة باللَّبَن في الضَّرْع، وَالصُّوف عَلَى ظَهْر الْغَنَم.

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (وَصيَّة).

41 - هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافيُّ في فُرُوقه الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعدَة مَا تُؤَثّرُ فيه الْجَهَالاَتُ وَمَا لاَ تُؤَثّرُ فيه ذَلكَ منَ الْعُقُود وَالتَّصَرُّفَات فَقَالَ: وَرَدَت الأْحَاديثُ الصَّحيحَةُ في نَهْيه صلي الله عليه وسلم  عَنْ بَيْع الْغَرَر وَعَنْ بَيْع الْمَجْهُول، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلكَ: فَمنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ في التَّصَرُّفَات - وَهُوَ الشَّافعيُّ - فَمَنَعَ منَ الْجَهَالَة في الْهبَة وَالصَّدَقَة وَالإْبْرَاء وَالْخُلْع وَالصُّلْح وَغَيْر ذَلكَ، وَمنْهُمْ مَنْ فَصَلَ - وَهُوَ مَالكٌ - بَيْنَ قَاعدَة مَا يُجْتَنَبُ فيه الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَات وَالتَّصَرُّفَات الْمُوجبَة لتَنْميَة الأَْمْوَال مَا يُقْصَدُ به تَحْصيلُهَا، وَقَاعدَة مَا لاَ يُجْتَنَبُ فيه الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَهُوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لذَلكَ، وَانْقَسَمَت التَّصَرُّفَاتُ عنْدَهُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: طَرَفَان وَوَاسطَةٌ، فَالطَّرَفَان أَحَدُهُمَا: مُعَاوَضَةٌ صرْفَةٌ فَيُجْتَنَبُ فيهَا ذَلكَ إلاَّ مَا دَعَت الضَّرُورَةُ إلَيْه... وَثَانيهمَا: مَا هُوَ إحْسَانٌ صرْفٌ لاَ يُقْصَدُ به تَنْميَةُ الْمَال كَالصَّدَقَة وَالْهبَة وَالإْبْرَاء.

فَفي الْقسْم الأْوَّل: إذَا فَاتَ بالْغَرَر وَالْجَهَالاَت ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ في مُقَابَلَته فَاقْتَضَتْ حكْمَةُ الشَّرْع مَنْعَ الْجَهَالَة فيه، أَمَّا الْقسْمُ الثَّاني - أَي: الإْحْسَانُ الصّرْفُ - فَلاَ ضَرَرَ فيه، فَاقْتَضَتْ حكْمَةُ الشَّرْع وَحَثُّهُ عَلَى الإْحْسَان التَّوْسعَةَ فيه بكُلّ طَريقٍ، بالْمَعْلُوم وَالْمَجْهُول فَإنَّ ذَلكَ أَيْسَرُ لكَثْرَة وُقُوعه قَطْعًا، وَفي الْمَنْع منْ ذَلكَ وَسيلَةٌ إلَى تَقْليله فَإذَا وَهَبَ لَهُ عَبْدَهُ الآْبقَ جَازَ أَنْ يَجدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مَا يَنْتَفعُ به، وَلاَ ضَرَرَ عَلَيْه؛ لأنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، وَهَذَا فقْهٌ جَميلٌ.

ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْوَاسطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْن فَهُوَ النّكَاحُ، فَهُوَ منْ جهَة أَنَّ الْمَالَ فيه لَيْسَ مَقْصُودًا، وَإنَّمَا مَقْصدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالأْلْفَةُ وَالسُّكُونُ، يَقْتَضي أَنْ يَجُوزَ فيه الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا، وَمنْ جهَة أَنَّ صَاحبَ الشَّرْع اشْتَرَطَ فيه الْمَالَ بقَوْله تَعَالَى: ( أَنْ تَبْتَغُوا بأَمْوَالكُمْ) يَقْتَضي امْتنَاعَ الْجَهَالَة وَالْغَرَر فيه، فَلوُجُود الشَّبَهَيْن تَوَسَّطَ مَالكٌ فَجَوَّزَ فيه الْغَرَرَ الْقَليلَ دُونَ الْكَثير، نَحْوَ عَبْدٍ منْ غَيْر تَعَيُّنٍ، وَشُورَة (أَثَاث) بَيْتٍ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الْعَبْد الآْبق، وَالْبَعير الشَّارد .

د - الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْليم.

42 - يُشْتَرَطُ في مَحَلّ الْعَقْد أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْليم، وَهَذَا الشَّرْطُ مَحَلُّ اتّفَاقٍ في عُقُود الْمُعَاوَضَة في الْجُمْلَة، فَالْحَيَوَانُ الضَّالُّ الشَّاردُ وَنَحْوُهُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لعَقْد الْبَيْع أَو الإْجَارَة أَو الصُّلْح أَوْ نَحْوهَا، وَكَذَلكَ الدَّارُ الْمَغْصُوبَةُ منْ غَيْر غَاصبهَا، أَو الأَْرْضُ أَوْ أَيْ شَيْءٍ آخَرُ تَحْتَ يَد الْعَدُوّ.

قَالَ الْكَاسَانيُّ: منْ شُرُوط الْمَبيع أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْليم عنْدَ الْعَقْد، فَإنْ كَانَ مَعْجُوزَ التَّسْليم عنْدَهُ لاَ يَنْعَقدُ، وَإنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ كَبَيْع الآْبق حَتَّى لَوْ ظَهَرَ يَحْتَاجُ إلَى تَجْديد الإْيجَاب وَالْقَبُول إلاَّ إذَا تَرَاضَيَا فَيَكُونُ بَيْعًا مُبْتَدَأً بالتَّعَاطي.

وَقَالَ في شُرُوط الْمُسْتَأْجَر: منْ شُرُوطه أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ الاسْتيفَاء حَقيقَةً وَشَرْعًا؛ لأنَّ  الْعَقْدَ لاَ يَقَعُ وَسيلَةً إلَى الْمَعْقُود عَلَيْه بدُونه، فَلاَ يَجُوزُ اسْتئْجَارُ الآْبق، وَلاَ إجَارَةُ الْمَغْصُوب منْ غَيْر الْغَاصب.

وَفي الْمَنْثُور للزَّرْكَشيّ: منْ حُكْم الْعُقُود اللاَّزمَة أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْه مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْليمه في الْحَال، وَالْجَائزُ قَدْ لاَ يَكُونُ كَذَلكَ كَالْجَعَالَة تُعْقَدُ عَلَى رَدّ الآْبق.

وَقَالَ النَّوَويُّ في بَيَان شُرُوط الْمَبيع: الثَّالثُ: إمْكَانُ تَسْليمه، فَلاَ يَصحُّ بَيْعُ الضَّالّ وَالآْبق وَالْمَغْصُوب، وَعَلَّلَهُ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ بقَوْله: للْعَجْز عَنْ تَسْليم ذَلكَ حَالاً.

وَمثْلُهُ مَا في كُتُب بَقيَّة الْمَذَاهب.

أَمَّا في عُقُود التَّبَرُّع فَأَجَازَ الْمَالكيَّةُ هبَةَ الآْبق وَالْحَيَوَان الشَّارد، مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَقْدُورَي التَّسْليم حينَ الْعَقْد؛ لأنَّهُ إحْسَانٌ صرْفٍ، فَإذَا وَجَدَهُ وَتَسَلَّمَهُ يَسْتَفيدُ منْهُ، وَإلاَّ لاَ يَتَضَرَّرُ كَمَا قَالَ الْقَرَافيُّ، وَأَجَازَ الشَّافعيَّةُ الْوَصيَّةَ فيمَا يَعْجزُ عَنْ تَسْليمه وَقَالَ ابْنُ الْقَيّم في عُقُود التَّبَرُّع: لاَ غَرَرَ في تَعَلُّقهَا بالْمَوْجُود وَالْمَعْدُوم وَمَا يَقْدرُ عَلَى تَسْليمه وَمَا لاَ يَقْدرُ.

_________________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

( مادة 113)

١- يكون العقد موقوف النفاذ للاكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق ، وكانت قائمة على أساس

2- وتكون الرهبة قائمة على أبياس اذا كانت فظروف الحال وقت التعاقد تصور للطرف الذي يدعيها أن المكره قادر على ايقاع ما يهدد به وأن خطرا جسیما يهدده في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال .

٣- والتهديد بإيقاع ضرر بالوالدين أو الأولاد او الزوج أو ذي رحم محرم يعتبر اكراهاً .

هذه المادة تقابل المادة ۱۲۷ فقرة أولى وثانية من التقنين الحالي التي تنص على ما يأتي :

1-يجوز ابطال العقد للاکراه اذا تعاند شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الأخير في نفسه دون حق ، وكانت قائمة على أساس .

2-وتكون الرهبة قائمة على أساس اذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها أن خطرا جسیما محدقا يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال

وقد أدخلت على هذه المادة التعديلات الأتية :

 أولا - أستبدل بعبارة : يجوز ابطال العقد ، في صدر الفقرة الأولى عبارة : يكون العقد موقوف النفذ، وذلك للأخذ بفكرة العقد الموقوف التي يقول بها الفقه الإسلامي بدلا من فكرة العقد القابل للابطال التي ياخذ بها التقنين الحالي •

ثانيا - أضيف في الفقرة الثانية ما يفيد تصور الطرف المكره أن من صدر منه الاكراه قادر على تحقيق ما يهدد به .

وهذه الفكرة تعتبر شرطا مستقلا لكي يكون الاكراه معتبراً في الفقه الاسلامي . فهذا الفقه لا يقتصر على المعيار الذاتي أو النفسي الذي يقول به الفقه الحديث ويأخذ به التقنين الحالي ، وهو أن يبعث الاكراه رهبة في نفس المتعاقد تحمله على التعاقد حيث يغلب على ظنه وقع ما هدد به، بل يقرق هذا المعيار النفسي بمعيار مادي هو ان يكون من صدر منه الاكراه قادرا على ايقاع ما هدد به. وقد نصت المادة ۱۰۰۳ من المجلة على المعيار المادي فقالت : يشترط أن يكون المجبر مقتدرا على ايقاع تهدیده، بناء عليه من لم يكن مقتدرا على ايقاع تهديده واجرائه لا يعتبر اكراهه . ونصت المادة 1004 من المجلة على المعيار النفسي فقالت : يشترط خوف المكره من وقوع المكره به ، يعني يشترط حصول ظن غ الب للمكره بإجراء المجير المكيه به ان لم يفعل المكره عليه ، ونصت المادة ۲۸۹ من مرشد الحيران (وصحتها المادة 195) على هذين المعيارين فقالت : يشترط لاعتبار الاكراه العدم للرضا أن يكون المكره قادرا على ايقاع ما هدد به ، وأن يخاف الكره وقوع ما صار تهديده به في الحال بأن يغلب على ظنه وقع المكره به ان يفعل الأمر الملكره عليه فان كان المجير غير قادر على ايقاع ما هدد به فلا يكون الاكراه معتبرا •

( انظر ايضا في هذا المعنى : المبسوط ج 24 م 39 - البدائع ج۷ ص 176 : عبد الرزاق السنهورى ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج۲ ص ۲۱۷ - ۲۱۹)

وقد سار التقنين العراقي والتقنيين الأردني على هذا النهج . فنصت المادة ۱۱۲ من التقنيين العراقي على أنه : يجب لاعتبار الا فراه ان يكون المكره قادرا على ايقاع تهديده ، وان يخاف المكره وقوع ماصار تهدیده به بان يعلب على ظنه وقوع المكره به ان لم X X المكره عليه ، ونصت المادة 140 من التقنين الأردني على انه يشترط أن يكون المكره قادرا على ايقاع ما هدد به وأن يغلب على ظن المكره وقوع الاكراه عاجلا ان لم يفعل ما أكره عليه ، ۰

ولكن رؤى في النص المقترح ان يكون المعيار المادى مستمدا من تصور المكره قدرة من صدر منه الاكراه على تحقيق ما هدد به ، فقد يكون هذا الأخير غير فارد على تحقيق وعيده ، ومع ذلك يتحقق الاكراه ما دام يتوفر لدي المكره هذا التصور الذي تدعمه ظروف الحال .

ثالثا - أضيف في الفقرة الثانية ما يفيد توافر الرهبة وقت التعاقد مع حذف وصف الخطر الجسيم بأنه محدق ..

ذلك ان الفقرة الثانية من المادة ۱۲۷ من التقنيين الجاي السابق اذكرها تشترط في الخطر الجسيم التي يتصوره اكره أن يكون محدقا

و كان نص المشروع التمهيدى للتقنين الحالي يشترط في هذا الخطر او يكون حالا وعبرت المذكرة الايضاحية لذلك التقنين عن هذا الشرط بقولها أن الخطر يجب أن يكون وشيك الحلول ( مجموعه الأعمال التحضيرية ج۲ ص ۱۸۰):

ولكن الرأي في الفقه المعاصر ، وهو ايضا وای الفقه الاسلامی (انظر المبسوط ج 24 ص 50  کاشف الغطاء ج 3 ص ۱۷۷ - ۱۷۸ • عبد الرزاق السنهوري ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج۱ ص۲۰۷ و ۲۰۸ وقارن المادة 1005 من المجلة والمادة ۲۹۰ من مرشید الجيران )، أن الذي يعتد به لیس کون الخطر حالا أو مستقبلا رانما تأثر الإرادة أو عدم تأثرها بالتهديد الموجة الى المكره . فالخوف من الخطر هو الذي يجب ان يكون حالا ، فقد يكون الخطر مستقبلا ومع دي ولد رهبة في الحال تدفع إلى التعاقد حيث يتوقف الأمر قبل كل شيء على حالة المتعاقد النفسية ومن ثم يكون المعول عليه هو أن تكون الرهبة حانة في نفس المكره وقت التعاقد ، ویستوى بعد ذلك أن يكون الخطر حالا أو غير حال " وهذا هو المعنى الذي روعي في دمياغية النص المقترح

رابعا - أضيفت فقرة ثالثة تفيد توفر الاكراه عند التهديد بايقاع ضرر بالوالدين أو الأولاد أو الزوج أو ذی رحم محرم بد من الطلاق لفظ الغير الذي جاء في التقنين الحالي وذلك أخذا بما يقول به الفقه الاسلامي في تحديد أشخاص هذا الغير ، حيث يعتبر اكراها كل خطر جسيم يهدد الأب أو الأبن أن الزوج أو ذا الرحم المحرم ( المبسوط ج 34 ص 143 - 144 م ۲۸۷ من مرشد الحيران •

وعلى هذا النهج سار التقنين العراقي والتقنين الأردنی ، فنصت المادة ۱۱۲ فقرة ۳ من التقنين العراقي على أن « التهديد بايقاع ضرر بالوالدين أو الزوج أو ذی رحم محرم والتهديد بخطر يخلش الشرف يعتبر اكراها ويكون ملجئا أو غير ملجيء بحسب الأحوال

ونصت المادة ۱۳۷ من التقنين الأردني على أن « التهديد بايقاع ضرر بالوالدين أو الأولاد او ذی رحم محرم والتهديد بخطر يخدش الشرف يعتبر اكراما ، ويكون ملجنا أو غير ملجی، بحسب الأحوال ، .

والرأي في الفقه المعاصر انه في التقنيات التي تحدد أشخاع الغير في هذا الصدد، كالتفنين الفرنسي (م۱۱۱۳ مدنی ) والتقنين اللبناني (م 210/ 1 موجبات وعقود ) والتقنين العراقي (م ۳ / ۱۱۲ مدنی ) والتقنين الأردنی (م ۱۳۷ مدني)، لا يعتبر هؤلاء الأشخاص مذکورین على سبيل الحصر ، غاية الامر ان الخطر اذا كان يهدد واحدا من هؤلاء قامت قرينة على ان الاكراه متحقق ، واذا هدد غير مؤلاء وجب اثبات ان الخطر الذي يهدده اثر في نفس التعاقد الى حد الاكراه .

هذا، وقد ظفر الاكراه في الفقه الاسلامی بعناية لم يشعر بها ای عيب آخر من عيوب الاراده . حي اب المدهبي الحنی واسانی جمر اجزاء علیه اسد من الجزاء على عيوب الارادة الأخرى ، فالغلط والتدليس بجعلان العقد غير لازم ، فيكون للعاقد الخيار في امضاء العيد او فسحة . اما في الاكراه فالمذهب الحنفي يتردد بیں فساد العقد وتوقفه او كلاهما أشد من عدم اللزم والمذهب الشافي يجعل جزاء الاكراه البطلان . اما المذهب المالكي يجعل تصرف المكره غير لازم •

والاكراه في الفقه الاسلامي هو حمل الصبر على ما لا يرضاه . ذلك ان الاراده في الفقه الاسلامي تتكون من عنصرين ، هما الاختيار والرضاء . والاكراه على نوعين : اکراه ملجيء وهو الاكراه الذي يهدد بفوات النفس أو العضو ، واکراه دیر ملجيء وهو الاكراه بما دون ذلك بالحبس أي القيد أو الضرب و كل منهما يعلم الرضاء • ويفرق بينهما أن الاكراه الملجيء يفسد الإختيار ، فيؤثر في التصرفات القولية والتصرفات الفعلية ، أي في التصرفات القانونية والرقابع الماديه ، يفسد الأولى ويصلح عدرا يعفى من المسئولية عن الثانية . اما الاكراه غير المجليء فلا يفسد الإختيار ، ومن ثم يؤثر في انتصر فلت القولية دون التصرفات الفعلية . فسواء كان الاكراه محليا أو غير ملجيء فانه يكون معتبرا في التصرفات القانونية باعتباره ميبا من عيوب الإرادة .

 

وقد وردت هذه التفرقة بين نوعي الإكراه في المادة ۱۰۰۷ من المجلة والمادة 286 من مرشد الحيران .

كما وردت هذه التفرقة في المادة ۲/۱۱۲ من التقنين العراقي والمادتين 136 ،138 من التقنين الأردنی .

 

ومع ذلك فان حكم الإكراه في التصرفات القانونية لا يختلف بحسب ما اذا كان مجلنا أم غير ملجيء. ولهذا نصت المادة 115 من التقنين العراقي على ان « من اكره اکراها معتبرا باحد نوعی الاكراه على ابرام عقد لا ينفذ عقده ، ونصت المادة 141 من التقنين الأردني على ان من اكره بأحد نوعیالاكراه علی ابرام عقد لا ينفذ عقده ولكن لو أجازه المكره أو ورثته بعد زوال الاكراه صراحة أو دلالة ينقلب صحيحا

 

لهذا روی عدم ذكر هذه التفرقة بين نوعي الاكراه في النص المقترح، ما دام أن حكم النوعين واحد في التصرفات القانونية .

( أنظر عبد الرزاق السنهوری ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج۲ ص ۱۹۸ - 235. وانظر المواد 948 و 949 و 1003-1006 من المجلة والمواد 285 - ۲۹۹ من مرشد الحيران )

والنص المقترح يقابل المادة ۱۱۳ من التقنين العراق ، والمادة 140 من التقنين الأردني . وقد تقدم ذكر هذين النصين •

ويقابل المادة 156 /1 و ۲ من التقنين الكويتي •

 

 ( مادة 114)

يراعي في تقدير الإكراه اختلاف الأشخاص بحسب الجنس والسن ودرجة التأثر ومستوى الثقافة والحالة الاجتماعية والصحية وغير ذلك من الظروف التي يكون من شأنها أن تؤثر في جسامة الاكراه .

هذه المادة تطابق في حكمها المادة ۳ / ۱۲۷ من التقنين الحالي التي تجري على النحو التالي : و يراعى في تقدير الاكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الإجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الاكراه .

وتطابق في حكمها المادة 114 من التقنين العراقي، والمادة ۱۳۹ من لتقنين الأردنی ، والمادة ۳/ 156 من التقنين الكويت ، والمادة ۲۸۸ من مرشد الحيراو ( انظر : المبسوط ج 24 ص 50 و 68 و ص 151 - 154 . وانظر عبد الرزاق السنهوری ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج۲ ص 203 وما بعدها ) .

 

( مادة ۱۲۷ )

يكون العقد موقوف النفاذ على الاجازة اذا صدر من ناقص الأهلية في ماله وكان تصرفا دائرا بين النفع والضرر ، او اذا شاب الارادة فيه غلط أو تدلیس او اكراه أو استغلال ، او اذا كان تصرفا في ملك الغير بدون اذنه ، او اذا ورد في القانون نص خاص على ذلك ،

يقابل هذا النص ما جاء في صدر الفقرة الأولى من المادة 134 من التقنين العراقي التي تقول : اذا انعقد العقد موقوفا لحجر أو اكراه . أو غلط أو تغرير جاز للعاقد أن ينقض العقد ۰۰ كما أن له أن يجيزه

وما جاء في الفقرة الأولى من المادة 135 من هذا التقنين التي تقول: و من تصرف في ملك غيره بدون اذنه انعقد تصرفه موقوفا على اجازة المالك

و تقابله المادة ۱۷۱ من التقنين الكويتي التي تقول : « العقد موقوف النفاذ على الأجازة اذا صدر من فضولي في مال غيره أو من مالك في مال له تعلق به حق الغير أو من ناقص الأهلية في ماله وكان تصرفا دانرا بين النفع والضرر أو من مكره او اذا نص القانون على ذلك

 

وتقابله المادة ۱۷۹ من التقنين الكويتي التي تقول : العقد القابل للأبطال ينتج اثاره ، ما لم يقض بابطاله ، واذا قضی بابطاله اعتبر كان لم یکن ،۰

وقد أخذه في النص المقترح بالأحكام الآتية :

اولا - انه اعتمد فكرة العقد الموقوف التي يأخذ بها الفقه الاسلامی بدلا من فكرة العقد المقابل للابطال التي باخذ بها التقنين الحالي وغيره من التقنينات العربية فيما عدا التقنين العراقي والتقنين الأردني •

ويختلف العقد الموقوف عن العقد القابل للابطال في ان هذا الأخير ينشأ صحيحا منتجا لأثارة، إلى أن يطلب ابطاله فیبطل أو تلحقه الاجازة فيظل صحيحا بصورة نهائية ، بينما ينشأ العقد الموقوف صحيحا ولكنه لا پنتج آثاره فتظل هذه الأثار موقوفه إلى أن ينقض العقد فيبطل أو تلحقه الإجازة فينفذ

ومن ثم فان فكرة العقد الموقوف تفضل فكرة العقد القابل للابطال في أو العقد الذي يشوبه نقص في الأهلية أو عيب في الارادة أو انعدام الولاية على المحل يحسن أن يقف حتى تلحقه الأجازة ، فهذا أولى من ان ينفذ حتى يطلب ابطاله ، وذلك لملافاة التعقيدات التي تنشا عند ابطال العقد بعد نفاذه -

ثانيا - انه وحد الحكم في الحالات التي يشوب العقد فيها نقص في الأهلية أو عيب في الارادة ، أو انعدام الولاية على محل أي التصرف في ملك الغير بدون اذنه

ويلاحظ أنه في الفقه الاسلامی یکون العقد موقوف النفاذ انا كان هناك نقص في الأهلية، أو كان هناك اكراه ، أو اذا تعلق حق الغير بالمحل . وهذا السبب الأخير يندرج تحته حالات أهمها تصرف الفضولى ، وهو من يتصرف في ملك غيره بدون اذنه ، و تصرف مالك العين المرهونه أو المؤجرة ، والبيع الصادر من المريض في مرضى الموت لوارثه (انظر في هذا الخصوص : عبد الرزاق السنهوري ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج 4 ص ۱۹۳ وما بعدها )۰

ولكن حكم النص المقترح يجعل هذا السبب الأخير قاصرا على  التصرف في ملك الغير بدون اذنه . غير أنه من ناحية أخري يتوسع في في نطاق العقد الموقوف فيجعله شاملا لعيوب الارادة جميعها . وبذلك أصبحت الأسباب التي تجعل العقد موقوف النفاذ في النص المقترح می نقص الأهلية وعيوب الارادة والتصرف في ملك الغير بدون اذنه ، وهذا هو النهج الذي سار عليه التقنين المدن العراقي في المادتين 134 و 135 المشار اليهما .أما التقنين المدني الأردني فقد أخذ في المادة ۱۷۱ التي تقدم ذكرها بما قرره الفقه الاسلامي .

ومعروف ان الفقه الاسلامي يجعل العقد موقوفا في حالة الاكراه (م 1006 من المجلة وم ۲۹۷ من مرشد الحيران )، بينما يعظی العاقد خیار الفسخ في حالتي الغلط (م ۳۱۰، ۳۱۱ من المجلة وم ۳۰۱ من مرشد الحيران ) والتدليس (م 357 من المجلة وم 532 من مرشد الحيران ) . وهذا ما أخذ به التقنين الأردنی ها ولكن روی آن من الأفضل توحيد الحكم بالنسبة إلى عيوب الارادة جميعها على غرار ما فعل التقنين العراقي

ويختلف العقد الموقوف عن العقد الذي يثبت فيه خيار الفسخ • فالعقد الموقوف ينشا صحيحا ، ولكنه يكون غير نافذ . اما العقد الذي يثبت فيه للعاند خيار الفسخ فينشأ صحيحا نافذا ، ولكنه يكون غير لازم ، فيكون للعائد الخيار بين امضاء العقد وفسخه .

كذلك رؤى علم جعل تصرف المالك في العين المرهونة أو المؤجرة موقوفا على اجازة الدائن المرتهن أو المستاجر . حيث انه من القواعد المستقرة الآن والتي تقتضيها المصلحة في التعامل ان الرهن او الايجار لا يقيد حق المالك في التصرف في ملكه . ولهذا رؤی من الأفضل الأخذ بالحل الذي اعتمده . التقنين العراقي ، أذ أنه يستجيب لحاجة التعامل ، على خلاف ما أخذ به التقنين الأردني •

اما التصرف الصادر من المريض في مرض الموت فحكمه في مكان أخر .

ثالثا انه جعل التصرف في ملك الغير بدون اذنه موقوفا على الاجازة وهند الحكم يفضل إلى حد كبير حكم بيع ملك الغير في التقنين الحالي وغيره من التقنينات العربية فيما عدا التقنين العراقي والتقنين الأردنی نبيع ملك الغير في التقنين الحالي وغيره من التقنينات التي اخذت بالتصوير اللاتيني حكمه مضطرب ولا يتفق مع القواعد العامة ، فهو نافذ في حق البائع ، وقابل للابطال بالنسبة إلى المشتري بمقتضى نص خاص ، وغير نافذ في حق المالك ، وللمالك أن يقره فيصبح بهذا الاقرار نافذا في حقه وصحيحا في حق المشتري .

بينما في ضوء فكرة العقد الموقوف یکون حكم هذا البيع واحدا بالنسبة إلى كل من البائع والمشتري والمالك ، فهو موقوف في حقهم

جميعا ، ولاتاتی اجازته الا من جانب المسالك ، فاذا صدرت ه ذه الاجازة أصبح العقد نافذا في حق الجميع ( عبد الرزاق السنهورى ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج 4 ص 305 - ۳۰۷)۰

 

 

مجلة الأحكام العدلية

مادة (1003) الاقتدار

يشترط أن يكون المجبر مقتدراً على إيقاع تهديده، بناء عليه من لم يكن مقتدراً على إيقاع تهديده وإجرائه لا يعتبر إكراهه.

مادة (1004) خوف المكره

يشترط خوف المكره من وقوع المكره به يعني يشترط حصول ظن غالب للمكره بإجراء المجبر المكره به إن لم يفعل المكره عليه.

 

مادة (1005) أفعال المكره والمكره عليه

إن فعل المكره والمكره عليه في حضور المجبر أو من يتعلق به يكون الإكراه معتبراً وأما إذا فعله في غياب المجبر أو من يتعلق به فلا يعتبر لأنه يكون قد فعله طوعاً بعد زوال الإكراه. مثلاً لو اجبر أحد آخر على بيع ماله وذهب المكره وباع ماله في غياب المجبر ومن يتعلق به فلا يعتبر الإكراه ويكون البيع صحيحاً ومعتبراً.

مادة (1006) الإكراه الملجئ

لا يعتبر البيع الذي وقع بالإكراه ولا الشراء ولا الإيجار ولا الهبة ولا الفراغ ولا الصلح والإقرار والإبراء عن مال ولا تأجيل الدين ولا إسقاط الشفعة ملجئاً كان الإكراه أو غير ملجئ ولكن لو أجاز المكره ما ذكر بعد زوال الإكراه يعتبر.

مادة (1007) الإكراه غير الملجئ

كما أن الإكراه الملجئ يكون معتبراً في التصرفات القولية على ما ذكر في المادة السابقة كذلك في التصرفات الفعلية وأما الإكراه غير الملجئ فيعتبر في التصرفات القولية فقط ولا يعتبر في التصرفات الفعلية بناء عليه لو قال أحد لآخر اتلف مال فلان وإلا أقتلك أو اقطع أحد أعضائك وأتلف ذلك يكون الإكراه معتبراً و يلزم الضمان على المجبر فقط وأما لو قال اتلف مال فلان وإلا أضربك أو أحبسك واتلف ذلك فلا يكون الإكراه معتبراً ويلزم الضمان على المتلف فقط.

 

مادة (948) الاكراه

الإكراه: هو إجبار أحد على أن يعمل عملاً بغير حق من دون رضاه بالإخافة ويقال له المكره (بفتح الراء) ويقال لمن أجبر مُجبرٌ ولذلك العمل مكره عليه وللشيء الموجب للخوف مكره به.

مادة (949) أقسام الإكراه

الإكراه على قسمين، القسم الأول: هو الإكراه المجيء الذي يكون بالضرب الشديد المؤدي إلى إتلاف النفس أو قطع عضو، والثاني: هو الإكراه غير الملجئ الذي يوجب الغم والألم فقط كالضرب غير المبرح والحبس غير المديد.

مادة (1060) شركة الملك 
شركة الملك: هي كون الشيء مشتركاً بين إثنين فأكثر أي مخصوصاً بهما بسبب من أسباب التملك كاشتراء واتهاب وقبول وصية وتوارث أو بخلط أموالهم أو اختلاطها في صورة لا تقبل التمييز والتفريق كأن يشتري إثنان مالاً أو يهبهما واحد أو يوصي لهما ويقبلا أو يرثاه فيصير ذلك مشتركاً بينهما ويكون كل منهما شريك الآخر في هذا المال وكذلك إذا خلط إثنان بعض ذخيرتهما ببعض أو اهرقت عدو لهما بوجه ما فاختلطت ذخيرة الاثنين ببعضها فتصير هذه الذخيرة المخلوطة والمختلطة بين الاثنين مالاً مشتركاً

مادة (310) بيع مال بوصف مرغوب 
إذا باع مالاً بوصف مرغوب فظهر المبيع خالياً عن ذلك الوصف كان المشتري مخيراً إن شاء فسخ البيع وإن شاء أخذه بجميع الثمن المسمى، ويسمى هذا الخيار خيار الوصف. مثلاً لو باع بقرة على أنها حلوب فظهرت غير حلوب يكون المشتري مخيراً وكذا لو باع فصاً ليلاً على أنه ياقوت أحمر فظهر أصفر يخير المشتري
مادة (311) خيار الوصف يورث 
خيار الوصف يورث. مثلاً لو مات المشتري الذي له خيار الوصف فظهر المبيع خالياً من ذلك الوصف كان للوارث حق الفسخ
مادة (357) البيع بغبن فاحش 
إذا غر أحد المتبايعين الآخر وتحقق أن في البيع غبناً فاحشاً فللمغبون أن يفسخ البيع حينئذ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له  (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

(مادة 191)
يشترط لصحة العقد الوارد على الأعيان المالية أو على منافعها تراضى العاقدين بلا إكراه ولا إجبار.
(مادة 192)
الإكراه نوعان ملجئ وغير ملجئ
فالإكراه الملجئ يعدم الرضا ويفسد الاختيار ويكون بالتهديد بإتلاف نفس أو عضواً أو بعض عضو أو بضرب مبرح يخاف منه تلف نفس أو عضو أو بإتلاف كل المال.
والإكراه الغير الملجئ يعدم الرضا أيضاً لكنه لا يفسد الاختيار ويكون بالتهديد بالحبس والقيد المديدين وبالضرب الغير المتلف على حسب أحوال الناس.
(مادة 193)
الإكراه بحبس الوالدين والأولاد وغيرهم من ذي رحم محرم أو بضربهم يعدم الرضا أيضا.
(مادة 194)
يختلف الإكراه باختلاف أحوال الأشخاص وسنهم وضعفهم ومناصبهم وجاههم ودرجة تأثرهم وتألمهم من الحبس والضرب كثرة وقلة وشدة وضعفاً.
(مادة 195)
يشترط الاعتبار الإكراه المعدم للرضا أن يكون المكره قادراً على إيقاع ما هدد به وأن يخاف المكره وقوع ما صدر تهديده به في الحال بأن يغلب على ظنه وقوع المكره به أن لم يفعل الأمر المكره عليه فإن كان المجبر غير قادر على إيقاع ما هدد به فلا يكون الإكراه معتبراً.
(مادة 196)
إذا عقد المكره العقد في غياب المجبر ولم يرسل المجبر أحداً ليرده إليه إن لم يفعل فلا يعتبر الإكراه ويكون قد عقده طوعاً بعد.
(مادة 197)
الرضا شرط لصحة العقود التي تحتمل الفسخ فتفسد بفواته وذلك كالبيع والشراء والإيجار والاستئجار والهبة والصلح وتأجيل الدين والشفعة ونحوها.
فمن أكره إكراهاً معتبراً بأحد نوعي الإكراه على عقد منها فلا يصح عقده.
(مادة 198)
لا يصح أيضاً مع الإكراه إبراء الدائن مديونه ولا إبراء الكفيل بنفس أو مال.
فمن أكره إكراها معتبراً ملجئاً أو غير ملجئ على إبراء مديونه أو كفيل مديونه فإبراؤه غير صحيح وله مطالبة كل منهما بدينه.
(مادة 199)
الكفالة والحوالة لا يصحان بالإكراه فمن كفل عن غيره كرهاً أو قبل حوالة دين عليه جبرا فلا يلزمه شيء مما التزم به قهراً.
(مادة 200)
لا يصح الإقرار بالإكراه فمن أكره إكراهاً معتبراً على الإقرار وعلم بدلالة الحال أنه إن لم يقر بما أكره عليه يوقع به المكره ما هدده به من إتلاف أو حبس أو ضرب وهو قادر على إيقاعه فأقر خائفاً من وقوع ذلك فلا يعتبر إقراره ولا يلزمه شيء مما أقر به.
الزوج ذو شوكة على زوجته فمن أكره زوجته بالضرب أو منعها عن أهلها لتهب له مهرها فوهبته له وهي خائفة فلا تصح الهبة ولا تبرأ ذمته من المهر.
(مادة 201)
العقود والتصرفات التي تصح مع الهزل ولا تحتمل الفسخ كالنكاح والطلاق والعتاق ونحوها لا يؤثر فيها الإكراه ولا تبطل به.
فمن أكره على عقد نكاح أو على طلاق أو إعتاق جاز عقد نكاحه ووقع طلاقه وصح إعتاقه ويرجع المعتق كرهاً بقيمة معتقه على من أكرهه إذا أعتقه لغير الكفارة وكان عتقه بالقول لا بالفعل.
(مادة 202)
من أكره على عقد من العقود المحتملة للفسخ جاز له أن يفسخه بعد زوال الإكراه ولا يبطل حق فسخه بموته ولا بموت من أكرهه ولا بموت العاقد الآخر بل تقوم ورثتهم مقامهم.
(مادة 203)
عقد المكره ينعقد فاسداً إلا باطلاً فيقبل الإجازة فإن أجازه المكره بعد زوال الخوف صراحة أو دلالة ينقلب صحيحاً.
(مادة 204)
عقود المكروه لا يتوقف نفاذها على إجازته بعد زوال الإكراه بل تنفذ بلا توقف وتفيد الملك بالقبض فإن كان المكره عليه عقد بيع يملك المشتري المبيع بقبضه ملكاً فاسداً ويصح فيه كل تصرف من التصرفات التي لا يمكن نقضها وتلزم قيمته ويكون للبائع مكرهاً الخياران شاء ضمن المكره له على البيع قيمته يوم تسليمه إلى المشتري وإن شاء ضمن المشتري قيمته يوم قبضه أو يوم أحد في تصرفاً لا يحتمل النقض.
(مادة 205)
للبائع المكره ولوارثه من بعده أن ينقض تصرفات المشتري التي تحتمل الفسخ ويسترد العين التي أكره على بيعها حيث وجدها وأن تداولتها الأيدي فإن هلكت العين في يد المشتري يضمن قيمتها وللبائع الخيار إن شاء ضمنه وإن شاء ضمن المجبر فإن ضمن المجبر فله الرجوع بما ضمنه على المشتري فإن كان المشتري هو الذي أجبر على الشراء وهلك المبيع في يده بلا تعد منه فلا ضمان عليه وكذا لا ضمان على البائع المكره إن قبض الثمن مكرهاً وهلك في يده بلا تعد منه.

من باب البيع

مادة (۱۲)

(1) بيع المكره منعقد وليس بلازم ، وللكره الامضاء أو الفسخ ، ولايبطل حق الفسخ بموت أحد العاقدين

(ب) إن قبض المشتري المبيع ملكه وتلزمه قیمته.

(ج) وإن قبض المكره الثمن أو سلم المبيع طوعا لزم البيع وإن قبضه مكرها لا يلزم وعليه رده ، ولا يضمن إن هلك في يده لأنه أمانة) .

المذكرة الإيضاحية

الإكراه لغة : حمل الإنسان على شيء يكرهه .

و شرعا : فعل يوجد من المكره ( بكسر الراء ) فيحدث في المحل (المكره) معنى يصير به مدفوعة إلى الفعل الذي طلب منه . .

والبيع بالإكراه ينعقد ولكنه ليس بلازم ، وللكره فسخ ما عقد ، ولا يبطل حق النسخ بموت أحدها ( أي المكرقه والمكرَه) فيقوم ورثة كل مقامه کورثة المشتی ، ولا بموت المشتري ، ولا بالزيادة المنفصلة ، وتضمن هذه الزيادة بالتعدي ، وكذا الزيادة المتصلة المنودة كالسمن، وأما غير المتولدة كصبغ وخياطة ثوب فتمنع الاسترداد إلا برضا المشتري ، وكذا لا يبطل حق الفسخ لوفعل المشتري في المبيع فعلا ينقطع به حق المالك ، كما لو كان حنطة فطحنها ، و يسترد المبيع وإن تداولته الأبدی ؛ لأن الاسترداد فيه لحقه لا لحق الشرع ، وله إمضاؤه ؛ لأن الإكراه الملجئ ، وغير الملجئ يعدمان الرضا ، والرضا شرط لصحة العقد ولزومه ، فلذا صار له حق الفسخ والإمضاء .

وإن قبض المشتري المبيع بالإكراه ملكه ، وكل تصرف منه في المبيع لا يمكن نقضه بصح وتلزمه القيمة ، كما لو كان خبزا فأكله ، وكل تصرف منه يمكن نقضه لا يصح البيع والمحبة والصدقة.

وقبض المكره الثمن أو تسليمه البيع طوعا يترتب عليه نفاذ البيع بمعنى لزومه ، لأن عقود المکره نافذة ، والمعلق على الرضا والإجازة هو اللزوم لانقاذه ، إذ اللزوم أصر وراء النفاذ .

وإن قبضه مكرها لا يلزم ، ورده إن "بقي في يده لفساد العقد ، وإن هلك الثمن في يده لا يضمنه لأنه أمانة ؛ لأخذه بإذن المشترى ..