loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 190

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- لم يأخذ المشروع بمذهب التقنين الألماني ، فما يتعلق باستغلال المتعاقد ، بل اقتفي أثر المشروع الفرنسي الإيطالي وليس يعني هذا التقنين و أن المغبون قد خضع لتأثير لم يستطع التغلب عليه إرادية ، وإلا كان من أثر ذلك إلحاق الاستغلال بعيوب الرضاء ولكن يعنيه أمر مختلف كل الاختلاف، هو أن الطرف الآخر فقد استغل ، فيمن تعاقد معه ، ما قام به من ضعف ، وما اشتد عليه من عوز فليس ينطوى الأمر على عيب في الرضاء ، بل هو ينطوي على عمل مخالف للآداب ، صدر من المتعاقد الذي حصل على منفعة لا تتناسب مع التزاماته ولذلك كان الجزاء هو البطلان المطلق ، لا البطلان النسبي ، ( تعليقات على التقنين الألماني ، الجزء الأول ، ص 156 ).

تلك وجهة التقنين الألماني وقد آثر المشروع اطراحها ، وأتباع ما اختاره المشروع الفرنسي الإيطالي في هذا الصدد فلم يعتبر الغبن عملاً مخالفاً للآداب ، بل اعتبره عيباً من عيوب الرخاء ، يستتبع وجوده بطلان العقد بطلاناً نسبياً بيد أنه يشترط لذاك توافر أمرين : أحدهما مادي أو موضوعی ، وهو فقدان التعادل ما بين قيمة مالية خلى العاقد وقيمة ما يعطى ، على نحو يتحقق معه معنى الإفراط ، والآخر نفى أو ذاتی ، وهو استغلال المتعاقد الذي أصابه الغبن وقد نسج المشروع على منوال المشروع الفرنسي الإيطالي ، جعل حكم الشرط الثاني من العموم بحيث يتسع لجميع الفروض التي لا يكون للعاقد فيها ما يكفي من حرية الرضاء أو الخيار فلم يعد أساس الغبن ، بعد هذا التوسع ، قاصراً على افتراض الإكراه فحسب ، بل جاوز ذلك إلى افتراض التدليس أو الغلط وبهذا يصبح العين عيباً من من عيوب الرضاء.

2- على أن هذا العيب ، وهو بعد مجرد وضع مفروض ، ليس من الضروري أن يستتبع بطلان العقد بطلاناً نسبياً فقد يكتفي القاضي بانقاص الالتزامات المفرطة أو الفاحشة وهو لو رأى إبطال العقد ، ففي استطاعة العاقد الآخر أن وفي هذا الأثر ، إذا عرض أن يؤدي ما يراه القضاء كافياً لرفع الغبن .. وعلى هذا النحو ، يكون جزاء استغلال المتعاقد ، إما انقاص الالتزامات الفاحشة وإما تكملة الالتزامات الناقصة أو القاصرة .

وتحسن الإشارة إلى أن العقود الاحتمالية ذاتها ، يجوز أن يطعن فيها على أساس الغين ، إذا اجتمع فيه معنى الإفراط ، ومعنى استغلال حاجة المتعاقد أو طيشه أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه ( انظر المادة 214 من التقنين اللبناني ).

3- وقد تضمن كثير من التقنيات الحديثة ، قاعدة عامة في العين ، تفاوتت صورها، باختلاف هذه التقنينات (انظر المادة 214 من التقنين اللبناني، والمادة 138 فقرة 2 من التقنين الألماني ، والمادة 789 من التقنين النمساوي ، والمادة 21 من تقنين الالتزامات السويسري ، والمادة 74 من التقنين الصيني ، والمادة 33 من التقنين السوفيتي )، ويلاحظ أن مذهب التقنيات اللاتينية القديمة ، التي تقتصر على ايراد بعض تطبيقات معينة في العين ، قد هجر في التشريع الحديث نهائياً .

4 - ويراعي ، من ناحية أخرى ، أن أخذ المشروع بقاعدة عامة في الغبن ، لم يمنعه من أن بجانب المذهب النفسي أو الذاتي في بعض المسائل ، ويعمد إلى التزام مذهب مادي بحت ومن ذلك جميع الأحوال التي عبر فيها عن معنى الغين برقم من الأرقام ، متوخياً في ذلك إحلال الكم مكان الكيف، فقد احتفظ المشروع بأحكام التقنين الحالي فيما يتعلق بتحديد مقدار الغبن في بيع عقار القاصر ، وجعل خمس أمن قاعدة لاحتسابه وكذلك أخذ بحكم التقنين الفرنسي ، في الغين الزائد عن الربع في أحوال القسمة ووضع أخيراً حداً أقصى لسعر الفائدة الاتفاقية هو 7 ، بحيث يتحقق الغبن في كل اتفاق تجاوز هذا الحد.

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 179 من المشروع، وبعد المناقشة أدخلت عليها تعديلات لفظية فأصبح نصها كما يأتي : -

1- إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لاتتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر وتبين أن المتعاقد المغبون قد استغل طيشه أو حاجته أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه أو تبين بوجه عام أن رضاءه لم يصدر عن اختيار كاف ، جاز للقاضي بناءً على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد ويسرى هذا الحكم ولو كان التصرف الذي صدر من الطرف المغبون تبرعها .

2 - ويجوز في عقود المعارضة أن يتوقى الطرف الآخر دعوى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن، وأصبح رقم المادة 133 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 133.

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة العاشرة

بدأت اللجنة بيحث المادة 133 وهذا نصها :

مادة 133 :

1 - إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ماحصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر وتبين أن المتعاقد المغبون قد استغل طيشه أو حاجته أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه أو تبين بوجه عام أن رضاءه لم يصدر عن اختيار كاف جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد ويسرى هذا الحكم ولو كان التصرف الذي صدر من الطرف المغبون تبرعها.

2 - ويجوز في عقود المعاوضة أن يتوقى الطرف الآخر دعوى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن .

فقال سعادة علوبة باشا إن هذه المادة لا نظير لها في القانونين الفرنسي والمصري وكل ماورد فيهما أحكام تتعلق بالغبن في بيع عقار القاصر ولكن الفقهاء الفرنسيين عندما تكلموا في كتبهم عن الغش والتدليس أفردوا باب خاصة بالتأثير على الإرادة (Captation) والأمعاء أو الاستهواء (Suggestion) والحقوا أحكامه بأحكام الغش والتدليس والأمثلة البارزة عنده لذلك تصرف المرأة المريضة عندما تحضرها الوفاة في أموالها بالهبة أو الوصية إلى الكنيسة تحت تأثير رجل الدين الذي جرت العادة أن يكون بجانب المحتضرين.

فإذا ثبت أن هذا التصرف كان صادرة من المتوفاة تحت تأثير الإيحاء من القسيس فيجوز للورثة أن يطلبوا إلغاء ذلك التصرف لأنه يعتبر أنه تم تحت تأثير الاكراه أو التأثير على الإرادة أو الاستهواء.

ويضرب الفقهاء الفرنسيون مثلاً آخر بالرجل المتقدمة به السن الذي تستهويه خليلته أو زوجة صغيرة جميلة يتزوجها بعد وفاة زوجته الأولى فهو يتصرف تحت تأثير دلال الخليلة أو الزوجة و شغفه وحبه لها في أمواله فهذا التصرف من مثل هذا الرجل صدر منه وهو في حالة لم يتمكن فيها من المقاومة و لذلك اعتبر القضاء أن هذا التأثير والاستهواء كافيان لإلغاء هذا التصرف.

هذه أقوال الفقهاء الفرنسيين وقد أخذت بها الحاكم الفرنسية مع عدم وجود النص وفي مصر تطبيقات لهذه النظرية أخذ بها القضاء وضرب سعادته مثلاً واقعياً عرض على المحاكم في مصر بتحصل في امرأة وقفت طياتها على الكنيسة القبطية تحت تأثير قسيس حضرها عند الوفاة فطعن الورثة في الوقفة وحكمت محكمة استئناف أسيوط بإبطال هذا الوقف لأن الواقفة وقفت أمر الها تحت تأثير الإيحاء من رجل الدين .

واستطرد سعادته فقال إن غالبية المحاكم في مصر لا تأخذ بهذه النظرية متأثرة بالقاعدة القانونية التي تقول لا إبطال بغير نص لأن أسباب البطلان مدينة ومحددة في القانون ولا يدخل فيها الاستغلال .

وقد عرض سعادته بعد ذلك إلى حكم الشريعة الإسلامية في عوض الخلع فقال إنه ورد في كتاب قدري باشا أن هذا العرض تلتزم به الزوجة بالغا مابلغ، ومع أن هذا الحكم يخالف حكم القرآن إلا أن الفقهاء مع اعتراضهم بأن هذا الحكم مكروه قد أجمعوا على التزام الزوجة بعوض الخلع كله وذلك احتراما لتنفيذ العقود وقد قيدت محكمة النقض المصرية هذا الحكم العام بأن التزام الزوجة بعوض الخلع يجب أن يكون في الإيجاب والقبول بمعنى أن يرد في وثيقة الطلاق أو في ورقة مستقلة مشار إليها في تنك الوثيقة فإذا نص عليه في ورقة مستقلة فلا تلتزم به الزوجة وذلك بناءً على فتوی من مفتي الديار المصرية .

وقد ذكر سعادته بهذه المناسبة أنه تقدم بمشروع قانون للمجلس الشيوخ لتقييد الزواج والطلاق وضمنه مادة تخضع مقابل الطلاق لتقدير القاضى ولو كانت الزوجة الناشزة و تجيز له إبطال الاتفاق إذا ثبت أن الزوج قد أرغم زوجته على ذلك.

فأجاب الدكتور بغدادی أن جميع الشرائع تكلمت عن عيوب الرضا التقليدية وهي الغلط والإكراه والتدليس يضاف اليها الغبن في بيع عقار القاصر وقد تدخل المشرع في هذه الحالة الأخيرة لحماية من وقع به حف، وقد نظم الغين في الشرائع القديمة على تقدير حساب أي أنها اتخذت المعايير المادية لكي تكون أمارة على وجود عيب من عيوب الرضا يستنير بها القاضي في حكمه بيد أن الشرائع الحديثة في اتجهت إلى تقرير الغبن في جميع العقود بشرط توافر عنصرين أحدهما مادي او موضوعی وهو فقدان التعادل أو التوازن بين قيمة ما يأخذه أحد المتعاقدين وقيمة ما يعطيه على نحو يتحقق معه معنى الإفراط والآخر نفسي أو ذات وهو استغلال المتعاقد الذي أصابه الغبن وقد أخضع المشروع هذين العنصرين لتقدير القاضي من غير أن تقيد بالمعيار المادي الحساب على خلاف الشرائع القديمة أي أن المشروع قد أحل الكيف محل الكم .

وقد وجه حضرته النظر إلى أن النص ينصرف أولاً وقبل كل شيء إلى عقود المعاوضات وقد ينصرف إلى التبرعات إذا ثبت أن المتبرع كان واقعاً تحت تأثير استغلال .

وأبدى سعادة الرئيس ملاحظتين : الأولى أن القوانين لا تشرع إلا وفقاً لحاجة الشعب ووفقاً لواقع الحال ، والثانية أنه يتضح من المذكرة التفسيرية للمشروع أن نص المادة 133 مأخوذ من المشروع الفرنسي الإيطالي في حين أنه أوسع بكثير من التقنين الألماني الذي تجنبه المشروع لأنه أوسع حدودة من الفرنسي الأيطالي .

وقد تساهل سعادته عن المبرر لإيراد هذا النص وهل يوجد في البيئة المصرية ما يوجب تقنين هذه النظرية فإذا لم يوجد في واقع الحال مايبرر تشريع هذه المادة فسأبين للجنة النتائج التي تترتب على إقرارها.

وقد نوه معالى حلبی عيسى باشا بأن هذه المادة واسعة وغير محددة من ناحية المعنى ومن ناحية الدولي مع أن القواعد الأساسية توجب أن يكون النص واضحاً ومحدداً و مفهوماً لكل شخص وذكر معاليه أن القواعد الموجودة مع قيام قانون العقوبات كافية لمعالجة الحالات القليلة الحادثة في البيئة المصرية .

وقد ذهب رأي الى تحديد النص بمعيار الغبن الوارد في القانون بالنسبة للقاصر فتنصرف نظرية الغبن للقاصر و نظرية الاستغلال للآخرين .

وقد اعترض على هذا الرأى بوجه خاص وعلى المادة جميعها بوجه عام بأنها ستؤدي إلى ارتباك وعدم استقرار في المعاملات .

وقد عارض هذا الرأي سعادة العشماوي باشا بقوله إنه لا نزاع في أن فكرة هاية العاقد أو ورثته واجبة بعد أن حرص المشروع على حمايتهم بعد الوفاة أو حال الحياة في الوقف والوصية على أن تكون هذه الحماية قاصرة على عقود التبرعات فتقصر المادة 133 على هذه الحالات فقط .

وقد تناقشت اللجنة طويلاً في هذه المادة وظهر من هذه المناقشة أن أغلبية حضرات الأعضاء لا يوافقون على إقرار هذا النص حتى لا يؤدي إقراره إلى اضطراب المعاملات وعدم استقرارها أما الحالات القليلة التي وقعت في البيئة المصرية وأما الأمثلة التي ضربت عن حوادث ووقائع معينة فإن القضاء يتكفل بها على هدى القواعد الموجودة في القانون الآن وقواعد العدالة والإنصاف.

وكما قال سعادة الرئيس إن التعميم في المادة لا مبرر له خصوصاً بعد الحماية التي فرضها المشرع في الوقف والوصية و مرض الموت وما دامت الوقائع خارجة عن حدود الإكراه والتدليس والغلط وهي الأسس التي قامت عليها فلسفة القانون من قديم الزمان ولا محل لاعتبارها .

وقد وجه سعادة النظر إلى أن هذه المادة تحد من حرية الإنسان لأن المرء حر في تصرفاته التي بعوض الخارجة عن حدود السفه والإكرام احتراماً لذاته و آدميته وقد رد عبده محرم بك على كل ذللك قائلاً إنه ولو أن القانون قد حصر عيوب الرضا إلا أن القضاء اضطر في حالات إلى إبطال عقود لا تتوافر فيها تلك العيوب ولم يستند في ذلك إلى نص وإنما استند إلى نظرية التسلط على الإرادة والاستهواء مسترشداً بقواعد العدالة ولذلك لم ير المشرع بدأ من التدخل منعا لتضارب الأحكام فأورد نص المادة 133 في المشروع المعروض حتى تحكم هذه الحالات و أمثالها التي عرضت للمحاكم واستشهد حضرته بما ورد في المذكرة التفسيرية لقانون المحاكم الحسبية فقد ورد فيها ما يأتي : ثم أن المشروع أيضا لم يأخذ برأى بعض التقنيات في وجوب أن تشمل المساعدة الأشخاص الذين يكونون مسلوى الإرادة واقعين تحت تأثير غيرهم ذلك لأن مشروع القانون المبنى قد تضمنت أحكامه علاجاً للتصرفات التي تصدر نتيجة التسلط على الإرادة والاستواء ويغني هذا الإجراء التشريعي العلاجي عن إجراء تشریعی وقائي في أمر يكون التقدير فيه بالنسبة للإجراء الوقائي دقيقاً .

واستطرد حضرته فقال إن المشروع يتجه إلى استقرار المعاملات السليمة والقاضي هو الذي يتبين السلم منها وغير السليم وقد حد المشروع أيضاً من استعمال هذا النص جعل مدد سقوط دعوى الإبطال قصيرة .

وقد نوه سعادة العشماوي باشا بأن هذا النص عام يتناول عقود العمل وضرب مثلاً واقعياً على ذلك .

وأما سعادة الرئيس فقد أصر على رفضه لتلك النظرية وقال إن النص سيفتح الباب على مصرعيه فتكثر الحالات التي يطلب فيها إبطال تصرفات و سعادته بفضل التضحية الحالات التي عرضت على القضاء على إقرار هذا النص .

ولما تبين لمندوبي الوزارة أن اتجاه اللجنة هو حذف نص المادة 133 رجا الدكتور بغدادي اللجنة إرجاء البت فيها لدراسة الاقتراحات والآراء المختلفة حتى يصدر قرار اللجنة بعد استنفاد كل السبل .

وقد وافقت اللجنة على إرجاء البت في نص المادة 133 أسبوعين على أن تستمر في نظر المواد التالية .

محضر الجلسة الثانية عشرة

 كانت اللجنة قد أجلت بحث المادة 133 لهذه الجلسة فيبدأ سعادة العشماوي باشا قائلا إن الأسباب المبطنة للعقود قيد حصرها القانون في أسباب معينة منها الغلط والإكراه و الغبن والقصر فنظرية المشروع هي أن هذه الأسباب لا تكفي وحدها وأنه يجب أن نحمي المتعاقد الضيف لم يأخذ بالنظرية التقليدية التي حصرت الأسباب المبطلة للعقد بل أخذ بالنظرية الأخرى التي تتوسع في الأسباب التي تؤثر على الإرادة لأنه لو اقتصر على الأسباب التقليدية وأخذها القاضي بشيء من الجمود لما أمكن إبطال العقود للأسباب الواردة في المادة ولذلك يجب أن نواجه إحدى حالتين : فإما أن تخرج على الأسباب التقليدية وإما أن تلتزمها فإذا ما التزمناها فيجب ألا نخرج عن هذا النطاق وإذا لم تلتزمها وأخذنا بالنظرية التي تقضي بحماية طائفة من الأشخاص الذين تتأثر إرادتهم ولا نجد للإكراه ولا للتدليس أو الغش أثراً في تصرفاتهم من طريق النص لتمكن القاضي من معالجة مثل تلك الحالات الواردة في المادة فيجب أن نحد منها حتى لا يتسع أفق تطبيقها وحتى لا يترتب على الأخذ بها وضع جميع الراشدين تحت الوصاية القضائية وعدم استقرار المعاملات وهنا طلب عبده بك محرم تأجيل مناقشة هذه المادة إلى الجلسة المقبلة حتى تتمكن الحكومة من وضع صيغة جديدة لها تتفق مع وجهة نظر اللجنة .

وذكر سعادة علوبة باشا أنه ولو أن أسباب البطلان واردة في القانون على سبيل الحمر إلا أنه يرى قصر هذه المادة على التبرعات سواء أكانت ظاهرة أم مستترة إذا كانت مبنية على إيحاء أو استهواء وقد ذكر سعادته أيضاً أنه رجع الى المادة 901 من القانون المدني الفرنسي وهي الخاصة بالتبرعات الحية والوصية فوجدها تشترط أن يكون الموهب أو الموصي سلم العقل.

وفي شرح هذه المادة تلي الشراح عن العته و البله و أمراض الشيخوخة والسكر والشهوة الجامحة ثم تكلموا عن الغش والإكراه والتدليس ثم تكلموا أخيراً عن الاستواء والتسلط على الإرادة ( يراجع في ذلك التعليقات على المادة 901 مدنی فرنسی بند 175)، وأدخلوها في باب الغش والتدليس وقصروها على الهبات والوصايا و بذلك أخرجت المعارضات فإذا ما أريد تطبيق هذه القاعدة في مصر فيجب أن تتناول غير الوصايا والهبات من التبرعات كالوقف ومن العدل أن ندخله في نطاق تطبيق القاعدة حتى يكون من الميسور إبطاله إذا ما شابه أستهواء أو تسلط على الإرادة لأن القضاء المصري يعتبر بطلان الوقف لهذين السببين من أصل الوقف وهو من اختصاص المحاكم الشرعية التي لا تعرف نظرية الاستواء والتسلط على الإرادة .

وانتهى سعادته إلى أنه يجب عند إقرار هذه النظرية النص على أي قضاء يختص بإبطال الوقف بسبب الاستهواء أو التسلط على الإرادة وختم كلامه قائلاً إنه يرى إخراج المعاوضات من نطاق تطبيق تلك النظرية .

وقد اعترض معالى عيسى باشا على ما ذهب إليه سعادة علو به باشا بقوله أنه ليس من المصلحة تشريع مبادىء جديدة تتعارض مع قوانين الوصية والوقف بن ناحية تكوينها لأنه غالباً ما يكون الإضرار فيها بالغير لعمل الخير وغالباً ما يكون لها مبرر ومسوغ المفاضلة بين الورثة .

وهنا وجه سعادة الرئيس كلامه إلى مندوب الحكومة قائلاً إن المشروع أخرج بالنص كثيراً من العقود المهمة الهبة والوصية والوقف وهي عرضة لكثير من المغريات والتأثير والاستهواء ووجه نظر اللجنة إلى أنه ما دامت المناقشة تجري في صميم مبدأ النظرية فيحسن الاتفاق أولاً عليه ثم على ضوئه نناقش المادة من حيث الموضوع واستطرد سعادته قائلاً إن هذه النظرية أثارت اعتراضات كثيرة و نقد عنيفاً في ألمانيا و لقد وجدت هذه الفكرة عند الرومان في مسألة المحبة بين الزوجين فرموها بسبب التأثير الذي يصاحبها.

وأصر سعادة علوية باشا على رأيه في إخراج المعاوضات نهائياً من نطاق تطبيق المادة وقصرها على التبرعات وأما معالي حلمي عيسى باشا فهو يرفض النظرية من ناحية المبدأ و كذلك سعادة العشماوي باشا الذي يخشى أن يؤثر إقرار النص على المعاملات من ناحية استقرارها لأن القاضي سيجد في البحث عن عيوب الرضا في العقود وسيجتهد فيها وما دامت التبرعات قد أخرجت من نطاق تطبيق النظرية فلا محل لإقرارها .

وقد طلب من مندوبي الحكومة إبداء رأيهم فقال عبده بك محرم إنه إذا أريد قصر المادة على التبرعات فيجب معالجة الموضوع بنص إجرائي قبل إقرار النص الموضوعي الذي تنتهي إليه اللجنة لأن اللائحة الشرعية توجب على المحاكم الشرعية تطبيق الشريعة الإسلامية على تلك التبرعات التي يراد قصر تطبيق النظرية عليها وعلى كل حال إن كل ما نرجوه إرجاء البت في هذه المادة حتى تستمع اللجنة إلى رأي معالي السنهوري باشا رئيس لجنة  وضع المشروع . 

وأضاف الدكتور بغدادى إلى ذلك قائلاً إنه قد وجهت إلى النص انتقادات كثيرة في ألمانيا لا من ناحية فائدته ولكن من ناحية صياغته الفنية بمعنى هل علة البطلان الذي يقرره النصر في النظام العام أو عيب من عيوب الرضا وهل هذا البطلان مطلق أو نسي أما من ناحية صلاحية المبدأ في حد ذاته فكل النظم الاشتراكية تؤازره بسبب تفاوت قوى المتعاملين من الناحية الاقتصادية تفار تأ لم يكن يتوقع وختم كلامه قائلاً إن كل ما وجهته اللجنة إلى المادة من اعتراضات له قيمته ولكن لو كانت هذه المادة قاصرة على جزئية من الجزئيات لتغاضينا عنها ولكنها مادة أساسية قامت عليها أسس التشريع ولذلك يرى حضرته عدم البت فيها مع المواد التي استبقتها اللجنة للاستشارة برای مالى السنهورى باشا.

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على إرجاء البت في هذه المادة طبقاً لرغبة مندوبي الحكومة .

محضر الجلسة الثامنة والأربعين

قلیت المادة 133 ، وكان اتجاه اللجنة إلى حذفها .

فقال معالي السنهوري باشا إن نظرية الاستغلال موجودة فعلاً في القضاء ، فهو يطبقها بدون نص ، وكل ما عمله المشروع أنه أوجد هذا النص .

وكان من رأى سعادة الرئيس ، وأيده معالی عیسی باشا، حذف هذه المادة ، وترك الناس أحراراً في معاملاتهم، مادام لا يوجد غش ، أو غلط ، أو إكراه .

وكان من رأى العشماوي باشا إبقاء النص ، لأنه وقاني أكثر منه علاجي ، لأنه ينبه الاستغلاليين إلى أن هناك رقابة قضائية على العقود ثم قال إن البيئة المصرية أحوج ما تكون إلى مثل هذه المادة .

وأيده في الرأي أباظة بك قائلاً : إنه كان يطبق هذه النظرية وهو قاض رغم عدم وجود نص ، وأن الأفضل وضع نص يهتدى به القضاء .

قرار اللجنة :

و بعد مناقشة وافقت اللجنة بالإجماع على نص المادة 133 معدلاً كالآتي :

- إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد، أو مع التزامات المتعاقد الآخر وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً أو هوى جامعاً جاز للقاضي بناءً على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو ينقص التزامات هذا المتعاقد.

ويجب أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد ، وإلا كانت غير مقبولة

على أصلها :

ويلاحظ أن الهوى هنا معناه الشهوة الجامحة لا المودة والعطف ، وقد ترك تحديد حدود الطيش والهوى لتقدير القاضي .

وترتب على الموافقة على المادة 133 الموافقة على المادة 134 .

محضر الجلسة الرابعة والخمسين

بدأت اللجنة أعمالها بأن اقترح سعادة الرئيس تعديل المادة 133 باستبدال عبارة واستغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جاماً، بعبارة واستغل طيشه أو هواه ، الواردة في الفقرة الأولى والتي كانت اللجنة قد وافقت عليها في جلسة سابقة .

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على هذا التعديل حتى تجعل أساس النص قاصراً على استغلال الطيش ألبين أو الهوى الجام.

تقرير اللجنة :

عدلت الفقرة الأولى حذفت منها عبارة استغل طيشه أو حاجته أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه أو تبين بوجه عام أن رضاءه لم يصدر عن اختيار كاف، واستعيض عنها بعبارة وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طیشاً بيناً أو هوى جامحاً .

وقد راعت اللجنة في ذلك أن تعدل عن التوسع الذي اختاره نص المشروع وأن تجعل أساس التص قاصراً على استغلال الطيش البين أو الهوى الجامح .

وقد حذفت اللجنة كذلك من الفقرة الأولى عبارة ويسري هذا الحكم ولوكان التصرف الذي صدر من الطرف المغبون تبرعاً، لأنها من قبيل التريد وأضافت إلى الفترة نفسها تبدأ يتعلق بميعاد رفع الدعوى أفرغته في العبارة الآتية :

ويجب أن ترفع الدعوى بذلك في خلال سنة من تاريخ العقد وإلا كانت غير مقبولة . 

وأصبح رقم المادة 129 .

محضر الجلسة الثانية والستين

يقترح حضرات مستشاري محكمة النقض والإكرام إلغاء المادة 129 الخاصة بالاستغلال لأنه قد يكون في استبقائها ما يهدد استقرار المعاملات .

قرار اللجنة :

لم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح لأن وضع أحكام خاصة في شأن الاستغلال لايقتصر أثره على دعم الأسس الخلقية في تنظيم المعاملات بل يجاوز ذلك إلى إقالة القضاء من عناء التحايل على النصوص وتحميل القواعد ما لا تطيق بطبعها وأن إفراد نص خاص للاستغلال يكون أدعى إلى إدراك المتعاملين لما قد يتعرض له العقد من طعن في نطاق ضيق واضح الحدود، إذا اقتصرت فيه على حالتي الهوى الجامح والطيش البين .

محضر الجلسة السادسة والستين

اقترح الدكتور حامد زكي بك حذف المادة 129 الخاصة بالاستغلال لأنها تهدد استقرار المعاملات ثم قال إن القانون الحالى يضيق من نظرية الغبن فلا يصح التوسع فيها وإن الحالة الاجتماعية لا تبرر وجود النص و أن النص يعتمد على العنصر النفساني بجانب العنصر المادي وأن ذلك العنصر خطير .

فرد عليه سعادة الرئيس قائلاً إن هذه المادة كانت محل بحث اللجنة في عدة جلسات حتى صار النص في صورته الحالية وبعد مناقشة لم تخرج عما سبق أن قيل في محاضر سابقة انتهت اللجنة إلى رفض اقتراح الدكتور حامد زكي بك .

قرار اللجنة :

لم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح لأن إفراد نص للاستغلال يكون أدعى إلى إدراك المتعاملين لما قد يتعرض له العقد من طعن في نطاق ضيق واضح الحدود .

 ملحق تقرير اللجنة :

اقترح حذف المادة 129 الخاصة بالاستغلال إذ قد يكون في استبقائها ما يهدد المعاملات - ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح لأن وضع أحكام خاصة في شأن الاستغلال لا يقتصر أثره على دعم الأسس الخلقية في تنظيم المعاملات بل تجاوز ذلك إلى إقالة القضاء من عناء التحايل على النصوص وتحميل القواعد ما لا تطبق بطبعها القضاء في ظل القانون الحالي قد استنبت فكرة الإيحاء والتسلط والإغواء وتوسع في تطبيق الغلط في القيمة، عندما يكون دافعاً إلى التعاقد وتوسل بشتى الوسائل لدفع الأجور في صور كثيرة من صور الاستغلال حفلت بها مجموعات الأحكام .

وما من شك في أن هذه الحالة بذاتها تعرض المتعاملين لاحتمالات من خلاف التقدير و تفاوت مزاج المجتهدين في استحسان الخروج على القواعد العامة ولا تعين على توطيد الاستقرار في قليل أو كثير لذلك رأت اللجنة أن إفراد نص للاستغلال یكون أدعى إلى إدراك المتعاملين لما قد يتعرض له العقد من طعن في نطاق ضيق واضح الحدود ولكنها توسطت فلم تر أن يكون نطاق هذا النص رحبا على غرار نظيره في أكثر التقنينات الحديثة ، ومنها التقنين الألماني والسويسري والبولوني واللبناني والمشروع الفرنسي الايطالي بل اقتصرت فيه على حالتي و الهوى الجامح ، و و الطيش البين . 

 مناقشات المجلس

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأحكام

1-  يُشترط لتطبيق المادة 129 من القانون المدنى التى تجيز إبطال العقد للغبن أن يكون المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً بمعنى أن يكون هذا الاستغلال هـو الذى دفع المتعاقد المغبون إلى التعاقد . وإنه يجب أن ترفع الدعـوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد ، وإلا كانت غير مقبولة .

(الطعن رقم 5121 لسنة 72 جلسة 2012/11/10 س 63 ص 1099 ق 174)

2- يشترط لتطبيق المادة 129 من القانون المدنى التى تجيز إبطال العقد للغبن أن يكون المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامحا بمعنى أن يكون هذا الاستغلال هو الذى دفع المتعاقد المغبون إلى التعاقد وتقدير ما إذا كان الاستغلال هو الدافع إلى التعاقد أم لا هو من مسائل الواقع التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع.

(الطعن رقم 1862 لسنة 59 جلسة 1994/02/17 س 45 ع 1 ص 382 ق 80)

3- مفاد النص فى الفقرة الأولى من المادة 425 من القانون المدنى إنه يشترط للتمسك بالغبن فى البيع وفقاً له أن يكون مالك العقار المبيع غير كامل الأهلية سواء أكان فاقد الأهلية أم كان ناقصها وقت البيع ، و أن هذا الدفع فيما لو ثبت صحته و توافرت شروطه لايؤدى إلى إبطال العقد و إنما هو بسبب لتكمله الثمن ، وينبنى على ذلك ألا يكون مقبولاً ممن هو كامل الأهلية التمسك بإبطال عقد البيع تطبيقاً لهذا النص و إنما يجوز له طلب الإبطال إذا كان المتعاقد معه قد إستغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً دفعه إلى التعاقد وأوقع به الغبن إعمالاً لنص المادة 129 من القانون المدنى .

(الطعن رقم 345 لسنة 54 جلسة 1988/11/24 س 39 ع 2 ص 1212 ق 204)

4- النص فى الفقرة الأولى من المادة 129 من القانون المدنى يدل على أنه لا يكفى لإبطال العقد للغبن أن تكون إلتزامات أحد المتعاقدين غير متعادلة مع ما حصل عليه من فائدة بموجب العقد أو مع إلتزامات المتعاقد الآخر بل يتعين فضلاً عن ذلك أن يكون المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا أن المتعاقد الآخر استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً بمعنى أن يكون هذا الإستغلال هو الذى دفع المتعاقد المغبون إلى التعاقد .

(الطعن رقم 910 لسنة 49 جلسة 1983/03/22 س 34 ع 1 ص 718 ق 152)

5- يشترط لتطبيق المادة 129 من القانون المدنى أن يكون المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد إستغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً بمعنى أن يكون هذا الإستغلال هو الذى دفع المتعاقد المغبون إلى التعاقد و إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن المبينة على الغبن على أنه لم يدع أن المطعون ضده قد إستغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً و أن ما ذهب إليه الطاعن من أن الأخير إستغل فقط حاجته و عدم خبرته - بفرض صحته لا يعتبر غبناً فى مفهوم المادة 129 من القانون المدنى فإنه يكون قد إلتزم صحيح القانون .

(الطعن رقم 713 لسنة 48 جلسة 1981/12/31 س 32 ع 2 ص 2508 ق 458)

6- إذا كان الدفع المبدى من الوارث بأن البيع الصادر من المورث لوارث آخر يخفى وصية ، يحمل معنى الإقرار بصدوره عن إرادة صحيحة و بصحة العقد كوصية تنفذ فى حق الورثة فى حدود ثلث التركة ، فإنه لا يقبل من هذا الوارث بعد ذلك الدفع بإبطال العقد بأكمله تأسيسا على أنه أبرم تحت تأثير الإستغلال مما يعيب الإرادة ، و من ثم فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن هو أغفل الرد على هذا الدفع الأخير ، و يكون النعى عليه من أجل ذلك بالقصور فى التسبيب على غير أساس .

(الطعن رقم 151 لسنة 35 جلسة 1969/04/01 س 20 ع 2 ص 556 ق 89)

شرح خبراء القانون

الاستغلال - الاستغلال هو انتهاز أحد المساعدين فرحة وجود طيش بين أو هوى جامح لدى العاقد الآخر لالحاق الغبن به في التعاقد معه ( المادة 129 مدنی) .

وهو كما في عيوب الرضا المتقدمة : يشوب الإرادة لأنه يدفعها الى قبول ما لم تكن تتقبله لولاه .

ويشترط فيه شرطان : أحدهما نفسي ، والآخر مادي .

والأول هو أن يكون أحد العاقدين في حالة طيشاً بيناً أو هوى جامح وأن يعلم العاقد الاخر بهذه الحالة ويستغلها ، كما إذا رغبت الزوجة في الطلاق من زوجها لتتزوج غيره فاستغل الزوج الأولى رغبتها هذه ليشتري منها عقاراً بغبن فاحش ، وكذلك إذا استغل المرابي نزق شاب وارث ليشتري منه نصيبه في الإرث بثمن بخس.

والثاني هو أن يلحق العاقد الذي استغل طيشه البين أو هواء الجامح غبن فاحش ، أي أنه لا يوجد تعادل البتة بين التر أهات ذا التعاقد وما حصل عليه من فائدة بموجب العقد أو بين التزاماته والتزامات العاقد الآخر. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الأول  الصفحة/ 885)

الاستغلال 

تقسيم الموضوع - اعتبر المشرع في التقنين الحالي الاستغلال عيباً عاماً من عيوب الرضا، ولكنه لم يجر عليه الحكم العام الذي يسري على سائر عيوب الرضا، بل خصه بأحكام معينة، وذلك يدعونا إلى أن لا نقتصر هنا على بيان عناصر الاستغلال أو شروطه أو أركانه كما فعلنا بالنسبة إلى الغلط والتدليس والإكراه ، بل يقتضينا بعد أن نعرض لهذه الشروط والأركان أن نبين الحكم الخاص الذي رتبه المشرع على توافر عيب الاستغلال .

( أ) شروط الاستغلال - يشترط في الاستغلال الذي يشوب الرضا أربعة شروط :

1- اختلال التعادل بين التزامات الطرفين اختلالاً فادحاً و انعدام المقابل أصلاً .

2 - وجود طیش بين أو هوى جامح لدى العائد المغبون .

3 - قصد العاقد الآخر استغلال هذا الطيش أو الهوى.

4- إبرام العقد نتيجة لهذا الاستغلال .

الشرط الأول : اختلال التعادل أو انعدام المقابل - يشترط النص أن تكون التزامات أحد المتعاقدين غير متعادلة البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع إلتزامات المتعاقد الآخر والمقصود بذلك اختلال التعادل، اختلالاً فادحاً .

والمعول عليه في تقدير عمرم التعادل لا القيمة المادية للالتزامات المتقابلة بل قيمتها الشخصية كما تدل على ذلك عبارة  «ما حصل عليه - المتعاقد من فائدة بموجب العقد»، فإذا اشترى هاو سجادة أو طابع بريد قديم بضعفي قيمته في السوق لتكملة مجموعة ناقصة لديه، يمكن اعتبار الفائدة التي حصل عليها بموجب العقد في ضعفاً قيمة الشيء التجارية، وبالتالي لا يكون ثمة اختلال في التعادل بين ما بذله من ثمن وما حصل عليه من فائدة، وتقدير فداحة عدم التعادل مسألة موضوعية لا يخضع فيها القاضي لرقابة المحكمة .

ويلاحظ أن اختلال التعادل بين الالتزامات لا يمكن أن يتحقق إلا في العقود الملزمة للجانبين، وأنه لا يصح التعويل عليه إلا في العقود محددة القيمة لأن العقود الاحتمالية مفروض فيها بطبيعتها تعرض كل من العاقدين للكسب والخسارة ويعتبر من مقوماتها احتمال الربح أو الخسارة فيها وبالتالي عدم التعادل بين الالتزامات الناشئة منها.

غير أنه إذا اختل التعادل في العقود الاحتمالية اختلالاً فادحاً بين احتمال الكسب واحتمال الخسارة، فإن ذلك يسمح بتطبيق نظرية الاستغلال عليها ومثل ذلك عقد بيع عقار كبير المقيمة في مقابل إيراد مرتب مدى حياة شخص مريض وطاعن في السن لا یرجی أن یعیش أكثر من شهور قليلة أو بضع سنوات بحيث يكون ربح المشتري محققا وكبيراً جداً ولو عاش صاحب الإيراد أطول مدة ممكنة لمن يكون في مثل حالته (تراجع في ذلك المذكرة الإيضاحية في مجموعة الأعمال التحضيرية جــ 2 ص 191 .

ومع أن صدر المادة 129  لم يذكر إلا عدم التعادل بين الإلتزامات المتقابلة، الأمر الذي يشعر بأن المقصود بالنص تطبيقه على عقود المعاوضة وحدها، فإن الأعمال التحضيرية تدل على أن أول ما قد بد إليه الشارع من تقرير هذه النظرية إنما هو تطبيقها على التبرعات التي كانت المحاكم  ابتدعت من أجلها نظرية التسليل على الإرادة ونظرية الإيحاء أو الإغواء.

وقد كان المشروع التمهيدي ينص صراحة على أن يسري هذا الحكم ولو كان التصرف الذي صدر من الطرف المغبون تبرعاً غير أن لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ لم تتنبه إلى أن المقصود بهذا النص إدماج نظريتي التسلط على الإرادة والإيحاء في ضمن نظرية الاستغلال ، فاعتقدت أن هذه العبارة تزيد وحذفتها دون أن تقصد بذلك عدم تطبيق حكم المادة على التبرعات، بل إن بعض أعضاء اللجنة أن اقترح قصر النص على التبرعات دون غيرها باعتبار أن الداعي إلى التفكير في مثل هذا النص هو ما أظهرته بعض التبرعات في العمل مما اقتضى الأخذ بنظريتي التسلط والإيحاء المشار إليهما.

 ومما يدل على قصد الشارع تطبيق حكم المادة 129 على التبرعات ما ورد في الفقرة الثالثة منها من حكم، مقصور على المعاوضات وحدها في صيغة تجعله مستثنى من عموم حكم الفقرتين الأولى والثانية، وهذا  يفيد أن المشروع كان يعتبر أن حكم الفقرتين المذكورتين عام يشمل المعاوضات والتبرعات.

ويلاحظ أنه في التبرعات لا محل للبحث عن اختلال التعادل بين التزامات الطرفين ، لأن انعدام التعادل متوافر فيها بطبيعتها وهو يجب اختلال التعادل ويجعل العقد قابلاً لتطبيق حكم الإستغلال عليه إذا توافرت فيه سائر شروطه ولذلك قلنا أن هذا الشرط الأول انعدام التعادل ومجاله في عقود المعاوضة ، أو انعدام المقابل ومجاله عقود التبرع .

الشرط الثاني : وجود طيش بين أو هوجامع السندي العقد المغبون- نظر المشرع المصري إلى الاستقلال باعتباره عيبا مختلفاً عن الغلط والتدليس والإكراه، أساسه طيش أو هوى أدى العاقد المغبون يجعل تقديره للأمور قابلاً لاستغلال الطرف الآخر إياه فنرق الشباب ، الذي يحمل الشاب الوارث على الاستهانة بالأمور وعدم وزنها بالميزان الصحيح وعلى الإقدام على التعاقد و على التصرف في أمواله دون ترو ودون تدبر عواقب الأمور، هذا النزق وما يصاحبه من  خفة وطيش يرشح الإرادة لتوهم غير الحقيقة إذا أراد العاقد الآخر إيقاعها في هذا الوهم، وكذلك الهوى الذي يغلب النفس على أمرها فيجرفها في تيار ما كانت تتجه إليه لو ملكت زمامها، فهو يجعل النفس سهلة القياد تسير إلى حيث يراد بها أن تسير لا الى حيث تريد هي .

فالشيخ الذي يقع في حب فتاة شابة جميلة تستولي على لبه وتوجهه كما تريد يصبح أقرب إلى أن يكون مسيراً من أن يكون مخيراً فيما يتعلق بطلباتها ورغباتها، فتستطيع هي أن تملي عليه ما تشاء من تصرفات لمصلحتها، فيلبى طلباتها حرصا على استرضائها .

وكان المشروع التمهيدي يتضمن نصا يتسع لأكثر من الطيش والهوى  ويكتفي في الاستغلال بأن يكون الطرف الفائز مسند استغل في الطرف المغبون طيشاً أو حاجة أو عدم خبرة أو ضعف أدراك ، وعلى العموم أي حالة تجعل رضا المغبون غير صادر عن اختيار كاف غير أن لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ بعد أن ترددت في الأخذ بالمبدأ ذاته رأت أن تقصره في أضيق الحدود، فعدل النص بالشكل الذي ورد في القانون، أي بقصر أثر الاستغلال على الحالات التي يكون فيها لدى المغبون طيش بين أو هوى جامح استغله الطرف الآخر، والظاهر أنها لم تقصد بوصف الطيش بالبين والهوى بالجامج إلا إظهار الرغبة في التشدد فيما يعتبر طيشاً أو هو الطرف الآخر قد استغله.

الشرط الثالث : قصد الطرف الآخر استغلال هذا الطيش أو الهوى - ليس وجود الطيش أو الهوي في ذاته هو الذي يكون عيب الرضا وفقاً للقانون، وإنما يلزم لذلك أن يعلم الطرف الآخر بوجوده وأن يقصد استغلاله فإذا لم يعلم بذلك أو علم ولم يقصد أن يستغل الطرف الذي به طيش أو هوى أن يستغل و الطرف الذي به طيش أو هوى، فإن القانون لا يرتب على وجود الطيش أو الهوى لدي المغبون  أي أثر .

ولذلك يبدو أن الأثر الذي يرتبه القانون على الاستغلال هو أقرب الى أن يكون جزاء قصد الاستغلال لدى الطرف الفائز ، من أن يكون نتيجة الضعف أو الوهن في ارادة المغبون  وهذا ما جمل الشارع الألماني على اعتبار الاستغلال أمراً غير مشروع جزاؤه البطلان المطلق لا قابلية العقد للإبطال فحسب كما في القانون المصري (راجع بما سیجیء في نبذة 229).

الشرط الرابع : أن يكون إبرام العقد نتيجة لهذا الاستغلال ويشترط القانون أن يكون المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا نتيجة لهذا الاستغلال، أي أنه ما كان ليبرم العقد لولا ما وجد به من طيش أو هوى وما بذلة العائد الآخر لاستغلاله ، فكما أن الغلط والتدليس والإكراه لا تجعل الفقد قابلاً للإبطال إلا إذا كانت هي الدافع الى التعاقد، فكذلك الاستغلال لا يؤثر في منحة العقد الا اذا كان هو الذي حمل العاقد على التعاقد، وكون الاستغلال دافعاً إلى التعاقد مسألة واقع تخضع لسلطة قاضي الموضوع التقديرية دون رقابة لمحكمة النقض متى كان تقديره سائغاً وله أصل ثابت في الأوراق ويقع عبء إثباته على عاتق الطرف المغبون الذي يتم منك بحكم المادة 129 مدني.

(ب) جزاء الاستغلال - ومتى توافرت هذه الشروط الأربعة ، جاز للطرف  المغبون أن يطلب تطبيق المادة 129 وهي تجيز له أن يطلب إما إبطال العقد وأما نقص التراماته الناشئة من العقد على أن يرفع المغبون دعواه في ظرف سنة واحدة من وقت إبرام العقد ، ولا سقط حقه في ذلك.

وهذه المدة هي مدة سقوط لا مدة تقادم، فلا ترد عليها أسباب وقف التقادم أو انقطاعه  فيسقط الحق في رفع الدعوى بمجرد انقضاء السنة أياً كانت الظروف التي أركات إلى عدم رفع الدعوى في الميعاد وتبدأ السنة من وقت تمام العقد وتحسب بالتقويم الميلادي ( المادة 3 مدنی) .

وسيجيء أن الأمر غير ذلك فيما يتعلق بدعوى الإبطال التي يجوز رفعها بسبب عيوب الرضا الأخرى ( انظر نبذة 249).

فإذا رفع المغبون دعوى الإبطال، لم يلتزم القاضي بإجابته إلى طلبه ولو ثبت لديه توافر جميع شروط الاستغلال ،لأن القانون أعطى القاضي في ذلك سلطة تقديرية كما في الفسخ وخلافاً لطلب الابطال المبني على عيوب الرضا الأخرى، فيجوز للقاضي أن رأي أن الظروف لا تقتضي الإبطال أن يكتفي بنقص التزامات الطرف المغبون .

 وإذا طلب المغبون نقص التزاماته، فلا يجوز للقاضي أن يحكم بإبطال العقد، لأن الإبطال لا يكون إلا بناءً على طلب العاقد، ولأنه إذا أمكن في الفرض السابق اعتبار طلب نقص  الالتزامات داخلاً في ضمن طلب الإبطال، فإن العكس غير صحيح فيتعين على القاضي في هذه الحالة أن يحكم بنقص التزامات العاقد المغبون إلى الحد الذي يرفع عنه الغبن.

وسواء أطلب المغبون نقض، التزاماته أم طلب ابطال العقد، فإنه لا يجوز للقاضي أن يعالج الغبن من طريق زيادة التزامات الطرف الذي وقع الغبن لمصلحته لأن القانون لم يخوله هذه السلطة.

ولا يجوز بأي حال أن يطلب المغبون زيادة التزامات الطرف الآخر، فإن طلب ذلك كان طلبه غير مقبول لمخالفته نص القانون.

على أنه اذا كان العقد معاوضة، فقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 129 على أن يجوز للطرف الغابن أن يتوقى دعوى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن فيجوز للطرف المغبون إذا أراد زيادة التزامات الطرف الآخر أن يطلب إبطال العقد، ويستطيع القاضي أن يهدد الطرف الآخر بالإبطال کي يحمله على أن يعرض من تلقاء نفسه أو على أن يقبل زيادة التزاماته.

ويلاحظ أن جميع الأحكام المتقدمة فيما عدا الأخير منها تنطبق على التبرعات كما تنطبق على المعاوضات، فيجوز لمن وهب نتيجة إستغلال أن يطلب إبطال الهبة أو نقصها، ويجوز القاضي في حالة طلب الإبطال أن يرفضه اكتفاء بقصر الهبة إذا وجد من الظروف ما يبرر ذلك.

 وهذا الحكم الأخير منتقد لأن الواهب الذي استغل طيشه أو هواه يجب أن يحكم له بالإبطال ولا يكتفي بنقص الهبة، وهذا ما تقضي به نظرية التسليط ونظرية الاستهواء، وكان جديراً بالمشرع أن يفرق بين الاستغلال في المعاوضات، وبين التسلط والإستهواء في التبرعات. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني  الصفحة:410) 

الغبن والاستغلال :

يترتب على الغبن أو الاستغلال، إنعدام التعادل بين التزامات كل من المتعاقدين، وقد حدد المشرع العقود التي تخضع لأحكام الغبن " أنظر 130 " والقدر الذي يتوفر به، ومن ثم فإن أحكام الغبن تقتصر على هذا النطاق المحدود .

أما الاستغلال، فهو أمر نفسي يؤدي إلى غبن أحد المتعاقدين، لذلك فإن الغبن هو المظهر المادي الذي يستدل به على الاستغلال، عندما ينعدم التعادل بين إلتزامات المتعاقد المغبون والتزامات المتعاقد الآخر وتتوافر الشروط اللازمة للاستغلال.

ولما كان الاستغلال عيبا من عيوب الرضا، فيسري حكمه على جميع التصرفات التي تتوافر فيها شروطه.

شروط الاستغلال :

اختلال التعادل بين التزامات المتعاقدين إختلالاً فادحاً أو انعدام المقابل، فإن لم تكن للشئ محل التعاقد قيمة شخصية، نظر إلى الاختلال باعتبار القيمة المادية، فان كانت القيمة المادية للمسكن المبيع ثلاثين ألفا وبيع بأربعين وتوافرت شروط الاستغلال ، كان العقد قابلاً للابطال أما إن كانت لهذا المسكن بالاضافة إلى قيمته المادية ، قيمة أخرى شخصية كانت هي الدافع إلى التعاقد، فحينئذ تكون العبرة بتلك القيمتين مما ينتفي معه الاستغلال، ومثال ذلك أيضاً من يشترط سرير لأحد الملوك السابقين بمبلغ يجاوز كثيرة قيمته المادية أو خفة أو طابع بريد نادر أو عملة تاريخية ويرد الاستغلال على عقود المعارضة كما يرد على العقود الاحتمالية كعقد التأمين عندما يضطر المدين تلبية لرغبة دائنة أن يؤمن على عقاره ضد الحريق مقابل أقساط سنوية مرتفعة يقارب كل منها مبلغ التعويض الذي يستحق في حالة نشوب الحريق في الوقت الذي يكون فيه نشوب الحريق أمرا بعيد الاحتمال فعقد التأمين في هذه الحالة يكون قابلاً للإبطال بسبب الاستغلال رغم كونه عقداً إحتمالياً لتوافر الاختلال الفادح بين التزامات المؤمن له و التزامات المؤمن .

وقد يرد الاستغلال على عقود التبرع، كمن يهب كل أمواله لزوجته الجديدة ولأولاده منها ويفرغ هذه الهبة في صورة بيع أو يجعلها هبة سافرة حتى لا يشارك هؤلاء في الميراث الزوجة السابقة وأولادها، ومتى كان التصرف تبرعاً، انعدم المقابل فلا يكون ثمة محل للبحث في الاختلال بين الالتزامات .

كذلك يرد الاستغلال على التصرفات الصادرة من جانب واحد کالوصية والقداحة من مسائل الواقع التي يستقل قاضى الموضوع بتقديرها بشرط أن يقيم قضاءه على أسباب سائغة.

والعبرة بتحقيق الفداحة، تكون بوقت إبرام التصرف، ويقع عبء إثباتها على من يدعيها، أما الفداحة التي تتحقق بعد ذلك في مجال بحثها يكون على هدى نظرية الظروف الطارئة "147 " .

2 - أن يتوفر لدى المتعاقد المغبون الطيش البين أو الهوى الجامح. والطيش هو النزق والخفة، والبين هو الواضح والهوى هو هوى النفس، والجامح هو المندفع.

فالطيش البين، هو الخفة الواضحة، والهوى الجامح هو النفس المندفع غير المرتوى الذي يدفعها الى حيث يريد الغير بها لا حيث ما تريد هي فمتى كانت هناك أمارات على الطيش، كان الطيش بينة، فكل طيش هو طیش بین دلت عليه أماراته، بحيث إذا انتفت تلك الأمارات انتفي الطيش والهوى الجامح هو ما يدفع النفس الى تصرفات لا ترد فيها وتدل على عدم تدبر الأمور والاستهانة، ومتى تحقق ذلك، كان دليلاً على توافر الهوى الجامح.

ويقتصر نص المادة 129 على الطيش البين والهوى الجامح، ويكفى توافر أحدهما ليكون التصرف قابلاً للإبطال، فيخرج عن نطاقه الحاجة أو عدم الدراية أو ضعف الإدراك أو أي وصف آخر يجعل الأرادة صادرة عن اختيار غير كاف.

ومثل الطيش، الشاب الوارث الذي يستغل فيه الغير خفته ونزقه، ويستصدرون منه تصرفاته لا تتفق مع ما يعطونه من مقابل لها ليتمكن من اللهو والعبث ومثل الهوى الجامح، الكهل الذي يتزوج من فتاة جميلة عن هوى جامح فيتصرف لها في أمواله كلها إستغلالاً منها لهواه حتى خرم زوجته السابقة وأولادها منه من الميراث، أما إن لم يكن له من يرثه غير الزوجة الجديدة وأولادها منه، فان التصرف في هذه الحالة لا يكون عن هوى وإنما بقصد تمكين هؤلاء من أمواله خاصة إن لم يكن له ولد يحجب الأقرباء عن الميراث، وأيضاً السيدة الثرية العجوز التي تتزوج من شاب فيستغل هواها ويستصدر منها تصرفات بدون مقابل أو بمقابل لا يتناسب مع قيمة التصرف، والسيدة التي تقع في موی جدید فتطلب الطلاق من زوجها للتزوج ممن وقعت في هواه فيستغل الزوج ذلك ويستصدر منها تصرفاً فيه غبن لها فمن وقع في الغبن على النحو المتقدم، كان أقرب لأن يكون مسيرة دون أن تكون لإرادته الخيار فيما أقدمت عليه من تصرفات . 

ويقع على المتعاقد المغبون، عبء إثبات الطيش البين والهوى الجامح بكافة طرق الاثبات لأنه يثبت واقعة مادية، أما التصرف ذاته فيخضع في إثباته للقواعد العامة في الإثبات.

وتقدير توافر الطيش والهوى هو من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضى الموضوع دون معقب عليه من محكمة النقض ما دام استخلاصه سائغاً بأن تكون الوقائع التي استدل منها على توافر الطيش أو الهوى من شأنها أن تؤدي الى ذلك .

3- أن يقصد التعاقد المستغل، إستغلال الطيش أو الهوى لدى المتعاقد المغبون،وهذا عنصر نفسي يمكن الاستدلال عليه بعنصر مادی هو اختلال التوازن اختلالاً فادحاً بين التزامات الطرفين أو عدم وجود مقابل أصلاً أو كان المقابل صورياً، فحينئذ لا يمكن تفسير التصرف إلا بأنه صدر عن قصد إستغلال الطيش أو الهوى.

أما أما إذا انتفى هذا العنصر المادي، وكان المتعاقد لا يعلم بطيش أو هوى المتعاقد الآخر أو كان يعلم به ولكنه لم يقصد الى استغلال ذلك كان التصرف صحيحا لا يجوز إبطاله.

4 - أن يؤدي الاستغلال إلى إبرام العقد، يكون العقد قابلاً للإبطال إلا إذا كان استغلال المتعاقد لطيش وهوى المتعاقد المغبون هو الذي دفع الأخير للتعاقد، فإن لم يكن  للاستغلال دخل في إبرام العقد، فلا محل لطلب إبطاله، كما إذا قصد المستغل إلى إتمام العقد لما تبينه في المتعاقد الآخر من بناطيش وهوى، ولكن لم يتم العقد بناءً على هذه الاستغلال وإنما لأمر آخر كالاضطرار للوفاء ببعض الديون .

الأثر المترتب على الاستغلال :

ومتى توافرت هذه الشروط كان العقد قابلاً للإبطال لصالح المتعاقد المغبون أو للإنقاص بالنسبة لالتزامات المتعاقد المغبون بالقدر الذي يزيل الغبن .

 فيترتب على الاستغلال دعويان، دعوى إبطال دعوى إنقاص، ويندرج طلب الانقاص ضمن طلب الإبطال، ومن ثم يجوز للمغبون أن يرفع أي من الدعويين فان رفع دعوى الإبطال، كان للقاضي أن يجيبه إلى طلبه فيحكم بإبطال التصرف إذا تبين أن المغبون ما كان يبرم العقد لولا هذا الاستغلال، أما إن تبين أن المخيون كان يبرمه بدون هذا الاستغلال، فلا يحكم بإبطال العقد إنما يحكم بانقراض التزام المغبون بالقدر الذي يرفع الغين، وله أن يستعين في ذلك بأهل الخبرة ، فان كان محل التصرف  عقارة للمغبون تبلغ قيمته خمسين ألفاً إشتراه المستغل بأربعين ألفاً، كان للقاضي أن ينقص التزام المغبون بقصره على أربعة أخماس العقار ويستبقى الخمس للمغبون شائعاً في العقار كله، دون أن يستطيع المستغل التحلل من التزامه أو طلب إبطال البيع إذ أن هذا الطلب قاصر على المتعاقد المغبون وحده وعندما يحكم القاضي  بالانقاص، فإنه يكون قد قضى في حدود الطلبات المعروضة عليه باعتبار أن طلب الانقاص يندرج ضمن طلب الإبطال كما سبق القول، ولا يكون قد قضى بما لم يطلبه الخصوم.

أما إن طلب المغبون إنقاص التزامه، فان القاضي يكون مقيدا بهذا الطلب فليس له أن يتركه ويقضي بالإبطال ولو بناءً على طلب المستغل - وإلا فإنه يكون قد فصل فيما يجاوز طلبات الخصوم وفي هذه الحالة يكون الطعن عليه بطريق التماس إعادة النظر وليس بطريق النقض متى كان هذا القضاء صدر عن سهو، أما أن كان قد صدر عن إدراك من المحكمة بأن ضمنت أسباب حكمها بأنها تقضي بالابطال رغم أن الخصم طلب إليها الإنقاش، فان الطعن على حكمها يكون بطريق النقض وبديهي أن يكون هذا الحكم صادراً من محكمة الاستئناف. أنظر في ذلك نقض لسنة 23 ص 394 والسنة 25 ص 681 ونقض 25/1/1978 طعن 754 س 40 ق ، ذلك أن طلب الانقاص يندرج في طلب الإبطال وليس العكس .

ويرد الانتقاص على عقد التبرع كما يرد على عقد المعارضة، فينقض القاضی التزام المتعاقد المغبون بالقدر الذي يرفع الغبن أو بالقدر الذي يصبح فيه الغبن ليس مؤثراً . 

توقی دعوى الإبطال أو الإنقاص :

إذا رفع المتعاقد المغبون دعوى الإبطال أو دعوى الانقاص، كان للمتعاقد المستغل ولخلفه العام أو الخاص من بعده، أن يتوقى صدور الحكم بذلك، إذا ما رأى توافر شروط الاستغلال، بأن يعرض على المتعاقد المغبون الذي يؤدي إلى رفع الغبن، وله أن يسلك في ذلك طريق العرض الحقيقي، فإن قبله المتعاقد المغبون ترك دعواه أو أنهاها صلحاً، أما إن لم يقبله، كان للعارض أن يودعه إيداعاً قانونياً ويترك أمر الفصل في التوقي للقاضي، فإن وجد القاضي أن هذا العرض يرفع الغبن أو يجعل الغبن يسيرة، حكم برفض الدعوى، أما إن وجد هذا العرض غير مؤثر في الغبن، حكم بالإبطال أو بالأبطال أو بالانقاص مراعياً المبلغ المعروض عند الانقاص .

ويقتصر دور القاضي على الانقاص، إذ ليس له زيادة التزام المستغل إنما للأخير وحده أن يزيد من التزامه بعرض ما يرفع الغبن وفقاً لما تقدم.

سقوط دعوى الإبطال أو الإنقاص :

متى توافرت شروط الاستغلال، تعين على المغبون أن يرفع دعوى الإبطال أو الانقاض خلال سنة من تاريخ العقد، فان رفعها بعد ذلك، تعين الحكم بعدم قبولها، والعبرة بتاريخ التصرف وليس بتاريخ تسجيله إن كان واردة على عقار.

والسنة میعاد سقوط وليست مدة تقادم، فلا يرد عليها وقف ولا انقطاع، فيكفي انقضائها للحكم بعدم القبول سواء بالنسبة لدعوى الإبطال أو للدفع المبدى من المغبون بابطال العقد عندما يرفع عليه المستغل دعوى لإجباره على تنفيذ التزامه تنفيذ التزامه.

ولا تسرى مدة السنة إلا بالنسبة للمتعاقدين، ومن ثم لا مجال لأعمالها في حالة تمسك الغير بابطال العقد، كالوارث عندما يطعن على تصرف مورثه بأنه تم تابع شرح متحايلاً  من أحكام الإرث، إذ يكون الوارث في هذه الحالة من طبقة الغير، ويسعى من وراء ذلك الى نفاذ التصرف في حدود ثلث التركة عندما لا تتوافر مقومات إبطاله.

تكملة الثمن للغبن وإبطال البيع للاستغلال :

تتعلق المادة 425 من القانون المدني ببيع عقار مملوك لشخص لا تتوافر فيه الأهلية، سواء لنقصها أو إنعدامها، كما لو كان العقار مملوكاً لصبي مميز أو غير مميز أو المجنون أو معتوه أو سفيه أو ذي غفلة، وأن يكون نائب أي من هؤلاء هو الذي أبرم العقد، وبذلك يتوافر الرضا بالنسبة لهذا النائب، خلافاً لما إذا أبرمه المالك الذي لا تتوافر فيه الأهلية، فإن العقد يكون قابلاً للإبطال لسيب شاب رضاه عملاً بالمادة 111 وما بعدها.

ومتى قام النائب بإبرام البيع وكان فيه غبن يزيد على الخمس، فللبائع أن يطلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل، ولا تسري هذه الأحكام إلا إذا ورد البيع على عقار مملوك لشخص لا تتوافر فيه الأهلية، فإن كان العقار مملوكة الشخص تتوافر فيه الأهلية، فلا يجوز له أن يطلب أعمال المادة 425 سواء أبرم البيع بنفسه أو بنائب عنه.

ولكن يجوز لمن توافرت فيه الأهلية أن يتمسك بالمادة 129 من القانون المدني متى توافرت لديه شروطها استنادا الى عيب شاب رضاه .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/  الثاني ، الصفحة/ 563 )

الاستغلال :

الاستغلال والغبن :

الغبن هو عدم التعادل بين ما يعطيه العاقد وما يأخذه فهو بهذا يعتبر المظهر المادي للاستغلال، ومن ثم يتميز عنه بأمرين جوهريين: الأول، أنه لا يتصور إلا في المعاوضات المحددة، فلا يكون في عقود المعاوضة الاحتمالية لأن الغبن من طبيعة هذه العقود، ولا يكون في التبرعات لأن العاقد فيها يعطي ولا يأخذ.

والثاني: أنه يقاس بمعيار مادي، فينظر فيه إلى ما بين الأداءات المقابلة من تفاوت في القيمة المادية، أى القيمة بحسب سعر السوق فإذا اعتد به الشارع في حالات معينة فغالباً ما يحدد التفاوت الذي يتحقق معه الغبن برقم معين.

أما الاستغلال هو أمر نفسي لا يعتبر الغبن إلا مظهراً مادياً له فهو عبارة عن استغلال أحد المتعاقدين لحالة الضعف التي يوجد فيها المتعاقد الآخر للحصول على مزايا لا يقابلها منفعة لهذا الأخير أو تتفاوت مع هذه المنفعة تفاوتاً مألوفاً .

ومن هذا فهو يختلف عن الغبن في الأمرين المذكورين، إذ يصح أن يقع في جميع التصرفات، كما أن المعيار فيه معيار شخصي لا مادی.

ويخلص من هذا إلى أن الغبن عيب في العقد، لأنه يتحقق بمجرد التفاوت المادي المقدر له حتى لو كانت إرادة العاقد المغبون سليمة أما الاستغلال فعيب في الإرادة لأنه زيادة على التفاوت غير المألوف، لابد من أن يستغل فيه العاقد ضعفاً في المغبون بحيث تفسد إرادته ويدفع إلى التعاقد تحت تأثير هذا الاستغلال .

(شروط الاستغلال)

 جعل الشارع من الاستغلال - كما رأينا - عيبا في الإرادة ينطبق على سائر التصرفات، ويبين من المادة (129) أنه يشترط لقيام هذا الاستغلال ثلاثة شروط هي:

1- أن يختل التعادل بين الأداءات المتقابلة في العقد أو ينعدم هذا التعادل عند عدم وجود مقابل.

2- أن يكون هناك استغلال لطيش بين أو هوى جامح في المتعاقد المغبون.

3- أن يكون الاستغلال هو الذي دفع المتعاقد المغبون إلى التعاقد.

ونعرض لهذه الشروط الثلاثة بالتفصيل فيما يأتي :

- الشرط الأول:

أن يختل التعادل بين الأداءات المتقابلة أو أن ينعدم عند عدم وجود المقابل :

يتحقق هذا الشرط كما تنص الفقرة الأولى من المادة 129 مدنی "إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر".

فيقتضى هذا الشرط أن يكون هناك اختلال في التزامات المتعاقدين، إلى حد يجاوز المألوف بشكل واضح أو إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل بشكل كبير مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة من العقد، وهو ما يعبر عنه بالاختلال الفادح أو الشديد .

وهذا هو العنصر المادي أو الموضوع في الاستغلال، لأنه هو الذي يكشف عن العنصر النفسي وهو استغلال حالة الضعف في المتعاقد المغبون ولذلك فهو يعتبر مفتاح الموقف في مجال الإثبات فإذا قام الدليل عليه وهذا أيسر من إثبات العنصر النفسي، فإنه يلفت النظر إلى الظروف غير العادية التي تم فيها العقد، فيجعل القاضي ينتقل إلى بحث العنصر النفسي .

والمجال الطبيعي لاختلال التعادل هو في عقود المعاوضة المحددة، أي حيث يأخذ كل من المتعاقدين ويعطى وحيث يعرف كل منهما على وجه التحديد مقدار ما أخذ ومقدار ما أعطى ففي البيع مثلاً يكون عدم التناسب بين قيمة المبيع وبين الثمن كما إذا استغل شخص طيشاً بيناً في آخر وجعله يبيعه داره التي تبلغ قيمتها مائة ألف جنيه بخمسين ألف فقط .

إلا أنه من الممكن أن يتحقق الاختلال أيضاً في العقود الاحتمالية، وذلك على الرغم من أنها تقوم على احتمال الكسب والخسارة، إذ أن هذا لا يحول دون أن تكون مجالا للاستغلال. وذلك حين يكون الاختلال فادحا بين احتمال الكسب واحتمال الخسارة كما في عقد بيع عقار كبير القيمة في مقابل إيراد مرتب مدى الحياة لشيخ هرم مريض لا يرجى منه أن يعيش إلا مدة وجيزة.

والاستغلال لا يكون في المعاوضات فحسب، وإنما يكون في التبرعات أيضا، بل ان التبرعات هي الأساس والمجال الخصب الرحيب لإعمال نظام الاستغلال، لاسيما لاستغلال الهوى الجامح وقد حرص المشرع في الفقرة الأولى من المادة 129 على أن يشير إلى ما يفيد إعمال نظام الاستغلال في مجال التبرعات فقال إنه يقوم على عدم التناسب بين التزامات العاقد وبين ما يحصل عليه من فائدة ، وذلك زيادة على قوله بعد ذلك بقيامه على عدم التناسب بين التزامات المتعاقد المستغل مع "التزامات المتعاقد الآخر" .

والأعمال التحضيرية قاطعة على سريان نظام الاستغلال على التبرعات الى جانب المعاوضات .

وواضح من ذلك أنه في التبرعات لا يقال أن هناك اختلالاً في التعادل بين التزامات المتعاقدين، إذ لا تعادل أصلاً في التبرعات، فهو معدوم فيها، لأن العاقد لا يأخذ مقابلاً لما يعطي وإنما يكون تقدير العنصر المادي فيها بالنظر إلى مقدار التبرع بالنسبة إلى ثروة المتصرف وكذلك بالنسبة إلى ما يؤلف التبرع به في مثل الظروف التي وجد فيها المتصرف وإلى التناسب بين مقدار التبرع وبين المنفعة الأدبية التي يحققها له المتبرع له .

ومثال الاستغلال في التبرعات أن يهب شخص لزوجته الجديدة وأولاده منها - دون أولاده الأخرين - كل أمواله، ويكون هذا التصرف نتيجة استغلال الزوجة الجديدة لهواه وهنا لا يقال إن التعادل مختل اختلالاً فادحاً بل يقال إنه غير موجود أصلاً ، فالمتبرع أعطى دون مقابل، وهو لم يرض بهذا التبرع إلا نتيجة استغلال لطيشه البين أو لهواه الجامح .

والاستغلال يجاوز العقود إلى التصرفات القانونية الصادرة من جانب واحد، كما إذا أوصي شخص بجميع ما يملك الإيصاء به لشخص استغل فيه طيشاً أو هوى جامحا، فالوصية هنا يعيبها الاستغلال، وهي ليست عقدا بل عملاً قانونياً صادراً من جانب واحد .

وتقدير فداحة اختلال التعادل أو انعدام الفائدة متروك لقاضي الموضوع وهو في تقديره لا يتقيد برقم ثابت، بل ينظر في ظروف كل حالة مستهدياً بما تعارف الناس عليه وناظراً أول ما ينظر إلى ما يساويه الشيء في اعتبار المتعاقد، فقد يكون هذا هاوياً يبذل في سجادة أو صورة أو طابع بريد ثمناً أكبر بكثير مما يساويه مثله في السوق، فلا يكون ثمة اختلال، لكن قد يتحقق الاختلال رغم ذلك في مثل هذه الفروض إذا كان ما بذل من ثمن قد بولغ فيه إلى حد يمكن معه القول بمجاوزة القيمة الشخصية للشئ.

والعبرة في تقدير العنصر المادي في الاستغلال على النحو الذي ذكرناه هو وقت إبرام التصرف.

 الشرط الثاني:

أن يكون هناك استغلال لطيش بين أو هوى جامح في المتعاقد المغبون :

عبرت الفقرة الأولى من المادة 129 مدني عن هذا الشرط بقولها: "قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً". وهذا هو العنصر النفسي في الاستغلال.

وإذا تمشينا مع منطق الأمور ذاته، وجدنا أن كل مظهر من مظاهر الضعف الإنساني أياً كان نوعه أو طبيعته، من شأنه أن يقيم الاستغلال طالماً أنه قد استغل بالفعل في صاحبه مثل الطيش البين أو الهوى الجامح اللذين نصت عليها الفقرة المذكورة ومع ذلك قصرت الفقرة مظاهر الضعف الإنساني، التي يمكن أن تكون محلاً للإستغلال على الطيش البين والهوى الجامح، بعد أن كانت المادة (179) من المشروع التمهيدي التي تقابل المادة (129 مدنی) مرنة فضفاضة، ذاكرة الحاجة والطيش وعدم الخبرة وضعف الإرادة وعلى العموم عدم صدور الرضاء عن اختيار كاف .

وقد جاء هذا التضييق نتيجة مناقشات محتدمة في لجنة مجلس الشيوخ جرأت إلى أن تتناول نظام الاستغلال في ذات وجوده. وكان محور تلك المناقشات خشية البعض من أن يؤدي نظام الاستغلال إلى قلقلة المعاملات وعدم استقرارها .

ويقصد بالطيش البين الخفة الزائدة التي تؤدي إلى التسرع وسوء التقدير.

ويقصد بالهوى الجامح، الميل الجارف نحو ما تهواه النفس وفيه معنى غلبة العاطفة وضعف الإرادة وما يؤديان إليه من إفلات الزمام، ويستوي أن تنصرف هذه الرغبة إلى شخص أو إلى شيء من الأشياء وإن كان الغالب أن يكون الهوى الجامح نحو شخص.

وقد جاء بتقرير مجلس الشيوخ حتى نص المادة (179) من المشروع التمهيدي المقابلة للمادة (129) مدني أن المقصود بالهوى الجامح والشهوة الجامحة لا المودة والعطف وقد ترك تحديد الطيش والهوى لتقدير القاضي .

ومثال الطيش البين أن يرث شاب مالاً كثيراً فيستغل المرابون نزقه وطيشه ويحصلون منه على عقود تؤدي بأمواله.

ومثال الهوى الجامح ما يأتي :

1- أن ترغب امرأة متزوجة في الزواج من رجل غير زوجها فتعطي زوجها مالاً كثيراً کي يطلقها حتى تستطيع الزواج من الآخر ويعمد الزوج إلى استغلال هذه الرغبة.

2- أن يتزوج رجل طاعن في السن امرأة في مقتبل العمر تستغل هواه فتجعله يبرم لصالحها ولصالح أولادها عقوداً يؤثرهم بها على زوجة أخرى وأولاد آخرين.

3- أن يعجب أحد هواة التحف بقطعة فنية إلى حد أن تأسر منه عقله وفكره ووجدانه .

ويلاحظ أن نص المادة (129) مدني بوضعه الحالي يقصر عن مواجهة الحالات التي يبرم الشخص فيها التصرف وهو مسلوب الإرادة دون أن يكون ذلك راجعاً إلى طيش أو هوى.

وقد عرضت للقضاء حالات من هذا القبيل فلجأ إلى نظرية الاستهواء والتسلط على الإرادة التي أخذ بها القضاء الفرنسي .

الشرط الثالث

أن يكون الاستغلال هو الذي دفع المتعاقد المغبون إلى التعاقد :

يتحقق هذا الشرط كما تنص الفقرة الأولى عن المادة 129 مدني "إذا تبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً".

فيجب أن يكون الاستغلال هو الذي دفع المتعاقد المغبون إلى إبرام التصرف بمعنى أن يكون هو الذي حمل الطرف المغبون على ارتضاء العقد على نحو ما ارتضاه عليه، بحيث أنه ما كان ليرتضيه على هذا النحو لولاه فالمعيار ذاتي كما هو الشأن في عيوب الإرادة.

فكما أن عيوب الإرادة الأخرى لابد أن تكون هي التي دفعت إلى التعاقد، فك يكون الاستغلال إذ أنه باستغلال الضعف الموجود في المغبون، وهو الطيش و الهوي، وقيام المغبون تحت تأثير هذا الاستغلال بإبرام التصرف تكون إرادته مع فيصبح العقد قابلاً للإبطال.

وإذا كان الاستغلال هو الدافع إلى التعاقد، فسيان بعد ذلك أن يكون قد دفع ضحيته إلى أن يبرم العقد مع من استغله ذاته، أو مع شخص آخر غيره يعمل لمصلحته ومثال هذه الحالة الأخيرة، أن تستعمل الزوجة هوى زوجها الجامح نحوها، فتجعله يهب ماله لأولادها .

علاقة الاستغلال بعيوب الرضاء الأخرى :

واضح أن الاستغلال يتفق مع غيره من العيوب في أنه يعيب الإرادة. كما أنه فوق ذلك يقترب في جوهره من هذه العيوب فعيوب الإرادة تجمع بينها فكرة مشتركة بحيث يصعب فصل واحد منها عن غيره من العيوب فصلاً تاماً فاستغلال الطيش البين يدنو من الغلط والتدليس، لأن الخفة والنزق اللذين يعتریان المغبون في هذه الحالة يعميانه عن الحقيقة فيضل ويتعاقد على غير هدى .

واستغلال الهوى الجامح يدنو من الإكراه، لأن المغبون في هذه الحالة يكون صريع هواه فيستغل الطرف الآخر هذا الظرف للضغط على إرادته كي يحصل منه علي مغنم فاحش.

وهذا المعنى نجده واضحا في نص المشروع الفرنسي الإيطالي ونص المشروع التمهيدي فيما يذكرانه في النهاية من أنه يكون مفروضاً تبعاً للظروف أو من أنه يتبين بوجه عام أن رضاء المغبون لم يصدر عن اختيار كاف.

إلا أن فكرة الغلط أو التدليس أو الإكراه التي يثيرها الاستغلال تكمن وراء الوقائع المكونة لهذا الاستغلال فلا يقدر لها أن تظهر أو أن تكون محل إثبات، وإنما ير بذكرها بيان أن ما تتأثر به الإرادة في الاستغلال لا يختلف في جوهره عمال تتأثر ۔ العيوب الأخرى .

إثبات الاستغلال :

يقع عبء إثبات توافر الاستغلال بكافة شروطه على عاتق الطرف المغبون الذي يتمسك بالاستغلال.

ويجوز له إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات – بما فيها البينة والقرائن - لأن الإثبات ينصب على وقائع مادية.

وحصول الوقائع المكونة للاستغلال، وهي وجود الاختلال الفادح ووجود طيش أو هوى واستغلال هذا وذاك وكون هذا الاستغلال هو الذي دفع إلى التعاقد مسألة موضوعية.

الجزاء الذي يترتب على الاستغلال

الإبطال أو الإنقاص :

إذا توافرت شروط الاستغلال على النحو الذي قدمناه جاز للقاضي، كقول المادة 129 "أن يبطل العقد أو ينقص التزامات هذا المتعاقد".

ومن هذا يتبين أن جزاء الاستغلال في القانون المصرى الجديد هو إما الإبطال أو الإنقاص.

فالطرف المغبون بالخيار بين أن يرفع دعوى إبطال العقد أو دعوى إنقاص التزاماته بالقدر الذي يزيل الغبن.

ونعرض لذلك فيما يلي 

(أ) دعوى الإبطال :

للطرف المغبون إذا أراد التخلص من العقد، أن يرفع دعوى إبطال العقد.

غير أنه يجوز في عقود المعاوضة أن يتوقى الطرف الآخر دعوى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن (م 129 /3 )، فإذا كان المشتري قد استغل البائع فإن المشتري يستطيع أن يتوقى الإبطال إذا عرض زيادة في الثمن يراها القاضي كافياً لرفع الغبن وليس معنى ذلك أنه يشترط التعادل بين الثمن وقيمة المبيع بل إن المقصود أن تكفي هذه الزيادة في الثمن لأن تزيل الغبن الفاحش والمسألة مرجعها في تقدير القاضي في ضوء الظروف .

(ب) دعوى الإنقاص

يجوز للمتعاقد المغبون - إذا أراد الإبقاء على العقد - أن يرفع دعوى بإنقاص التزاماته الناشئة عن العقد.

ويستجيب القاضي إلى هذا الطلب إذا رأى في ذلك الإنقاص ما يكفي لرفع الإجحاف عنه.

ومثال ذلك أن يستغل شخص الطيش البين في آخر فيبعيه ماله بثمن باهظ فيطلب الطرف المغبون إنقاص الثمن إلى الحد الذي يرفع عنه فاحش الغبن أو يستغل ربان سفينة الهوى الجامح نحو الحياة لدى سفينة أخرى تشرف على الغرق فيفرض ثمناً باهظاً لإنقاذها، فيطلب صاحب السفينة الغارقة إنقاص الثمن إلى الحد العادل.

ولا يشترط أن يعيد القاضي التوازن بصفة كاملة إلى العقد، بل يكفي أن يرفع الظلم الظاهر وأن يترك بعض الاختلال البسيط في الالتزامات المتقابلة فالمقصود هو رفع الفحش في الغبن أو الإفراط في الغرم، وليس المقصود هو إزالة كل الغبن أو كل الغرم فالغبن البسيط أو عدم التوازن القليل بين الأخذ والعطاء، لا يؤديان إلى قيام الاستغلال أصلاً .

غير أنه إذا رفع الطرف المغبون دعواه طالباً إبطال العقد فإن القاضي لا يلزم بالقضاء بطلباته، وإنما يجوز له أن يحكم بإنقاص التزاماته إن رأى أن الاستغلال لم يبلغ حد إفساد الإرادة وأن المغبون كان يقبل بغير الاستغلال التعاقد بشروط أقل كلفة والقاضي في خياره بين أن يحكم بإبطال العقد أو بإنقاص التزامات الطرف المغبون إنما يستهدف ظروف الدعوى وملابساتها، ولا رقابة عليه في ذلك.

ويبرر هذا أن طلب الإنقاص يندرج في طلب الإبطال أما إذا طلب المغبون إنقاص التزامه، فإن القاضي يكون مقيداً بهذا الطلب فليس له أن يتركه ويقضي بالإبطال، لأنه يكون قد قضى بأكثر مما طلبه الخصم.

ويرد الإنقاص على عقود التبرع كما يرد على عقود المعاوضة، فيقضى القاضي بإنقاص التزام المتعاقد المغبون بالقدر الذي يرفع الغبن.

غير أنه لا يجوز للقاضي بدلاً من إنقاص التزامات المتعاقد المغبون زيادة التزامات الطرف الآخر، بدلاً من إنقاص التزامات الطرف المغبون .

سقوط دعوى الاستغلال :

تنص الفقرة الثانية من المادة 129على أنه: "ويجب أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد وإلا كانت غير مقبولة" .

فالدعوى بإبطال العقد أو إنقاصه، يجب أن ترفع خلال سنة من تاريخ تمام العقد وتحسب السنة طبقاً للتقويم الميلادي، وإلا كانت غير مقبولة.

وهذه المدة هي مدة سقوط وليست مدة تقادم بمعنى أنها لا تقبل الوقف ولا الانقطاع وقد فرق المشروع في هذا الخصوص بين دعوى الاستغلال و دعوى الإبطال للغلط أو التدليس أو للإكراه، إذ جعل مدة التقادم ثلاث سنوات أو خمس عشرة سنة (م 140 مدنی)، وتقبل الوقف والانقطاع.

والحكمة من هذه التفرقة هو رغبة المشرع في حسم ما يثور من نزاع بشأن العقود التي يشوبها الاستغلال، في أقرب وقت، حتى لا يبقى مصير العقد معلقاً على دعوى مجال الادعاء فيها واسع فسيح. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/347)

الاستغلال والغبن : يختلف الاستغلال عن الغبن في أن الغبن هو مجرد عدم التعادل بين ما يعطيه العاقد وبين ما يأخذه ، فهو يقوم على نظرة مادية وتعتد بالقيمة المادية للشيء محل التصرف بغض النظر عن قيمته الشخصية لدى العاقد ، ولذلك اعتبر عيباً في العقد وليس عيبا في الرضا ومن هنا اقتصر أثره على الحالات الاستثنائية التي ينص عليه فيها المشرع كالشأن في المادة 45 الخاصة ببيع عقار ناقص الأهلية ، فإذا اختل التوازن طبقاً لذلك المعيار المادي تحقق الغبن ورتب أثره الذي يحدده القانون في تلك الحالات الاستثنائية التي يعتد فيها بالاختلال المادي دون نظر للعامل النفسي ولو كان هذا الاختلال ليس له أدني أثر على إرادة العاقد ولم يكن مخدوعاً أو مضطراً لأن قيمة الشي تساوي عنده أكثر من قيمته المادية .. السنهوري بند 203 - الدكتور توفيق حسن فرج في رسالته عن الاستغلال طبعة 1957 بندی 10 و 11 - البدراوى بند 215 وقارن الشرقاوي بند 24 حيث يرى اعتبار الغبن حتى في الحالات التي ينص عليها المشرع بنص خاص عيباً فی الرضاء .. وعلى العكس فإنه في غير تلك الحالات الاستثنائية لا يكون لمجرد الغين أي للاختلال المادي أي أثر على العقد ما دام لم يتوافر العامل النفسي الذي لا يكتمل بغيره المقصود بالاستغلال أما الاستغلال فانه وان كان يعتد بعنصر عدم التعادل إلا أنه يقوم على نظرة نفسية فتكون العبرة في عدم التعادل بقيمة الشیء الشخصية لدى العاقد كما أن درجة الاختلال ليست محددة من المشرع سلفاً بنسبة معينة كالخمس أو الربع بل تترك لظروف كل حالة ، ثم أن الاستغلال يقوم أساساً على تعيب الإرادة بحيث يكون عدم التعادل مظهراً مادياً لاستغلال الطرف الآخر الحالة النفسية للطرف المغبون وأخيراً فإن جزاء الغبن يحدده النص الذي يقرره في الحالة الخاصة ، أما الإستغلال فجزاؤه قابلية العقد للإبطال إذا طلبه الطرف المغبون خلال سنة من إبرام العقد .

عيب الاستغلال ينطبق على كافة التصرفات القانونية ولو كانت من التبرعات على خلاف ما قد يشعر به صدر المادة بحديثه عن الالتزامات المتقابلة وقد أشارت إلى ذلك المذكرة الإيضاحية كما يؤكده المصدر التاريخي للنص حيث أريد به إدماج نظريتي التسلط على الإرادة والإيحاء اللتين ابتدعهما القضاء المواجهة ما أظهرته بعض التبرعات في العمل ، ضمن نظرية الاستغلال ، وكان مشروع المادة ينص صراحة على انطباقه ولو كان التصرف تبرعاً ( يراجع في ذلك توفيق حسن فرج بند 96 - السنهوري بند 206 - مرقس بند 201 – وقارن الشرقاوي بند 25 و حجازی بند 704 - البندراوي بند 232 حيث يشككون في انطباق النص بصياغته الحالية على التبرعات - ويراجع مرقس بند 222 كما ينطبق حكم الاستغلال على التصرفات الصادرة من جانب واحد کالوصية السنهوري بند 206 .

شروط الاستغلال : يشترط لإبطال العقد للاستغلال توافر اربعة شروط أولها اختلال التعادل ، وثانيها وجود طيش أو هوى جامح لدى الطرف المغبون وثالثها قصد الطرف الآخر استغلال هذا الهوى أو الطيش ورابعها إبرام العقد نتيجة لهذا الاستغلال مرقس بند 221 .

وعدم التعادل : وهو العنصر المادي يقوم على عدم التعادل بين قيمة كل من الأدائين أي بين القيمة المالية للفوائد والخدمات المتبادلة ، والعبرة في تقدير هذه القيمة بقيمة الشيء الشخصية بالنسبة إلى العاقد لا بقيمته المادية في ذاته السنهوري بند 206 وإن كان يجدر النظر إلى قيمة الشيء في التعامل المعتاد مقوما في ضوء الاعتداد بالظروف الشخصية بحيث ينسب عدم التعادل إلى هذه القيمة يراجع في ذلك الشرقاوي بند 235 ويتعين أن يكون عدم التعادل فادحاً فلا يكون من الغبن المألوف أو المسموح به في المعاملات وإنما يتعين أن يكون مما يحس به کل ذي ذوق سليم - توفيق فرج بند 91 - السنهوري بند 206 وهو ما يترك تقديره عدم التعادل على الأداءات المتقابلة بل تمتد القاضي ولا تقتصر المقارنة لاستخلاص إلى الالتزامات المتقابلة فتشمل الشروط التي يعرضها أحد العاقدين على الآخر ( توفيق فرج بند 85 ) ويلاحظ أن عنصر عدم التعادل متوافر دائما في التبرعات (مرقس بند 222)  وينظر في عدم التعادل الى وقت ابرام العقد ( توفيق فرج  بند 108- الشرقاوي بند 35 - البدراوى بند 225 .

والمقصود بالطيش البين : حالة من يقدم على عمل بدون مبالاة أو اكتراث بما قد ينجم عن تصرفاته من النتائج أو هو التسرع الذي يصطحب بإهمال وعدم تبصر دون اهتمام إلا بالنتائج العاجلة التي يأتي بها التصرف أو هو الاعتقاد أن التصرف الذي أبرمه المتعاقد يعتبر خالياً من كل غبن دون اهتمام بما إذا كان به غبن حقيقة أم لا ويمكن تفسيره كذلك بأنه الإقدام على إبرام التصرف حتى دون قصد الحصول على منفعة وذلك في وقت من أوقات التحمس والاستفزاز أما الهوى الجامح فيمكن تعريفه بأنه رغبة شديدة تقوم في نفس الشخص ولو لم يكن معروفاً بالطيش ، وموضوع هذه الرغبة قد يكون شخصا كما قد يكون شيئاً .. والمثل الواضح له هو ما عرض على القضاء المصري قبل صدور القانون الحالي والذي استند إليه المشرع بصفة أساسية عند إدخاله نظرية الاستغلال في القانون المدني ويتلخص في أن زوجة أرادت أن تحصل على الطلاق لكى تتزوج بأخر تهواه ولما كان زوجها يعلم ذلك استغل فيها ذلك الهوى الجامح وطلب منها مبالغ طائلة في نظير خلعها ( السنهوري بند 207 ويراجع في هامشه أمثلة فضائية عديدة - حجازی بند 468 - الشرقاوي بند 39 - مرقس بند 223 - البدراوى بند 226 ).

ويشترط استغلال الطرف الآخر لهذه الحالة لدى الطرف المغبون بان يكون عالماً بها وأن يقصد استغلالها فإذا لم يكن يعلم بها أو كان عالماً بها ولم يقصد استغلالها لم يتوافر المقصود بالاستغلال مرقس بند 224 - وراجع في السنهوري بند 207 أمثلة عديدة من واقع القضاء.

 كما يشترط أن يتم إبرام التصرف نتيجة هذا الاستغلال ، بحيث ما كان العقد ليتم لو لم توجد هذه الحالة لدى الطرف المغبون واستغلال الطرف الآخر لها  مرقس بند 225 .

وعبء الإثبات يقع على عاتق الطرف المغبون فعلى من يدعي وجود الاستغلال إثبات تلك الشروط الأربعة ، فعليه أن يثبت أن التزاماته لا تتعادل البتة مع التزامات المتعاقد الآخر أو ما حصل عليه من فائدة بموجب العقد وأنه قد أوقع به في قبول ما ينطوي عليه العقد من شروط باهظة .. ثم عليه أن يثبت قيام الجانب النفسي من كلتا جهتيه ، فيثبت الاستغلال الذي قام به الطرف الأخر ، كما يثبت الوقائع التي أثرت على رضاه والتي دفعته إلى قبول العقد وبمعنى آخر ينبغي أن يثبت طيشه البين وهواء الجامح حسب تعبير القانون ( نظرية الاستغلال في القانون المصري للدكتور توفيق حسن فرج بند  82 ).

ووقوع الاستغلال دافعاً إلى التعاقد مسألة واقع تستقل بها محكمة الموضوع أما الوصف القانوني لوقائع الاستغلال مقصور على الطيش البين أو الهوى الجامح فهو مسألة قانون يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض  السنهوري بند 207 .(التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 797)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس عشر ، الصفحة / 167

جَهَالَةٌ

التَّعْرِيف:

1 - الْجَهَالَةُ لُغَةً: مِنْ جَهِلْتُ الشَّيْءَ خِلاَفَ عَلِمْتُهُ وَمِثْلُهَا الْجَهْلُ، وَالْجَهَالَةُ أَنْ تَفْعَلَ فِعْلاً بِغَيْرِ الْعِلْمِ.

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ: فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الْفُقَهَاءِ لِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يُشْعِرُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، فَيَسْتَعْمِلُونَ الْجَهْلَ - غَالِبًا - فِي حَالَةِ مَا إِذَا كَانَ الإْنْسَانُ مَوْصُوفًا بِهِ فِي اعْتِقَادِهِ أَوْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْجَهْلُ مُتَعَلِّقًا بِخَارِجٍ عَنِ الإْنْسَانِ كَمَبِيعٍ وَمُشْتَرًى وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا أَرْكَانُهَا وَشُرُوطُهَا، فَإِنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَلَّبُوا جَانِبَ الْخَارِجِ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْمَجْهُولُ، فَوَصَفُوهُ بِالْجَهَالَةِ، وَإِنْ كَانَ الإْنْسَانُ مُتَّصِفًا بِالْجَهَالَةِ أَيْضًا. وَهَذَا الْبَحْثُ مُرَاعًى فِيهِ الْمَعْنَى الثَّانِي: أَمَّا الْمَعْنَى الأْوَّلُ فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَهْلٌ).

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - الْغَرَر:

2 - الْغَرَرُ لُغَةً الْخَطَرُ وَالتَّعْرِيضُ لِلْهَلَكَةِ، أَوْ هُوَ مَا لَهُ ظَاهِرٌ مَحْبُوبٌ وَبَاطِنٌ مَكْرُوهٌ، وَغَرَّ يَغُرُّ غَرَارَةً وَغُرَّةٌ فَهُوَ غَارٌّ، وَغِرٌّ: أَيْ: جَاهِلٌ بِالأْمُورِ غَافِلٌ عَنْهَا.

وَغَرَّ الرَّجُلُ غَيْرَهُ يَغُرَّهُ غَرًّا وَغُرُورًا فَهُوَ غَارٌّ وَالآْخَرُ مَغْرُورٌ أَيْ خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِلِ.

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَقَدْ قَالَ الرَّمْلِيُّ: الْغَرَرُ مَا احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا، وَقِيلَ مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ.

3 - قَالَ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ يَتَوَسَّعُونَ فِي عِبَارَتَيِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَيَسْتَعْمِلُونَ إِحْدَاهُمَا مَوْضِعَ الأْخْرَى.

ثُمَّ يُفَرِّقُ الْقَرَافِيُّ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَجْهُولِ وَقَاعِدَةِ الْغَرَرِ بِقَوْلِهِ: وَأَصْلُ الْغَرَرِ هُوَ الَّذِي لاَ يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لاَ؟ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ.

وَأَمَّا مَا عُلِمَ حُصُولُهُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ فَهُوَ الْمَجْهُولُ كَبَيْعِهِ مَا فِي كُمِّهِ فَهُوَ يَحْصُلُ قَطْعًا، لَكِنْ لاَ يَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ هُوَ.

فَالْغَرَرُ وَالْمَجْهُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنَ الآْخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَيُوجَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الآْخَرِ وَبِدُونِهِ.

أَمَّا وُجُودُ الْغَرَرِ بِدُونِ الْجَهَالَةِ، فَكَشِرَاءِ الْعَبْدِ الآْبِقِ الْمَعْلُومِ قَبْلَ الإْبَاقِ لاَ جَهَالَةَ فِيهِ وَهُوَ غَرَرٌ لأِنَّهُ لاَ يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لاَ ؟.

وَالْجَهَالَةُ بِدُونِ الْغَرَرِ كَشِرَاءِ حَجَرٍ لاَ يَدْرِي أَزُجَاجٌ هُوَ أَمْ يَاقُوتٌ؟ مُشَاهَدَتُهُ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِحُصُولِهِ فَلاَ غَرَرَ، وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِ تَقْتَضِي الْجَهَالَةَ بِهِ. وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَكَالْعَبْدِ الآْبِقِ الْمَجْهُولِ الصِّفَةِ قَبْلَ الإْبَاقِ.

4 - ثُمَّ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ يَقَعَانِ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ:

1 - فِي الْوُجُودِ، كَالآْبِقِ قَبْلَ الإْبَاقِ.

2 - وَالْحُصُولِ إِنْ عَلِمَ الْوُجُودَ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ.

3 - وَفِي الْجِنْسِ كَسِلْعَةٍ لَمْ يُسَمِّهَا.

4 - وَفِي النَّوْعِ كَعَبْدٍ لَمْ يُسَمِّهِ.

5 - وَفِي الْمِقْدَارِ كَالْبَيْعِ إِلَى مَبْلَغِ رَمْيِ الْحَصَاةِ.

6 - وَفِي التَّعْيِينِ، كَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.

7 - وَفِي الْبَقَاءِ كَالثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا، فَهَذِهِ سَبْعَةُ مَوَارِدَ لِلْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ.

ب - الْقِمَار:

5 - الْقِمَارُ لُغَةً: الرِّهَانُ: يُقَالُ: قَامَرَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ مُقَامَرَةً وَقِمَارًا: رَاهَنَهُ، وَقَامَرْتُهُ قِمَارًا فَقَمَرْتُهُ: غَلَبْتُهُ فِي الْقِمَارِ.

وَالْمَيْسِر: قِمَارُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بِالأْزْلاَمِ.

قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَاسْمُ الْمَيْسِرِ يُطْلَقُ عَلَى سَائِرِ ضُرُوبِ الْقِمَارِ.

فَالْقِمَارُ عَقْدٌ يَقُومُ عَلَى الْمُرَاهِنَةِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْجَهَالَةِ، لأِنَّ  كُلَّ قِمَارٍ فِيهِ جَهَالَةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا فِيهِ جَهَالَةٌ قِمَارًا فَمَثَلاً بَيْعُ الْحَصَاةِ - وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي: أَيُّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِي بِهَا فَهُوَ لِي - قِمَارٌ كَمَا يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ فِيهِ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ.

ج - إِبْهَامٌ :

6 - مِنْ مَعَانِي الإْبْهَامِ أَنْ يَبْقَى الشَّيْءُ لاَ يُعْرَفُ الطَّرِيقُ إِلَيْهِ. (ر: إِبْهَامٌ).

د - شُبْهَةٌ :

7 - الشُّبْهَةُ: مَا يُشَبَّهُ بِالثَّابِتِ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ. وَيُقَالُ: اشْتَبَهَتِ الأْمُورُ وَتَشَابَهَتْ: الْتَبَسَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ، وَتَقُولُ: شَبَّهْتَ عَلَيَّ يَا فُلاَنُ: إِذَا خَلَطَ عَلَيْكَ، وَاشْتَبَهَ الأْمْرُ إِذَا اخْتَلَطَ. (ر: شُبْهَةٌ).

 

أَقْسَامُ الْجَهَالَةِ :

الْجَهَالَةُ عَلَى ثَلاَثِ مَرَاتِبَ :

8 - الأْولَى: الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَة:

وَهِيَ الْجَهَالَةُ الَّتِي تُفْضِي إِلَى النِّزَاعِ وَهِيَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا عِلْمًا يَمْنَعُ مِنَ الْمُنَازَعَةِ.

وَمِنَ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ بُيُوعُ الْغَرَرِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  كَبَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَبَيْعِ الْمُلاَمَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْحَصَاةِ، وَبَيْعِ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلاَقِيحِ، فَهَذِهِ وَنَحْوُهَا بُيُوعٌ جَاهِلِيَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ فِيهَا. وَيُنْظَرُ كُلٌّ مِنْهَا فِي مَوْطِنِهِ.

9 - الثَّانِيَةُ: الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَة:

وَهِيَ الْجَهَالَةُ الَّتِي لاَ تُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا وَتَصِحُّ مَعَهَا الْعُقُودُ وَذَلِكَ كَأَسَاسِ الدَّارِ وَحَشْوَةِ الْجُبَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

10 - الثَّالِثَةُ: الْجَهَالَةُ الْمُتَوَسِّطَة:

وَهِيَ مَا كَانَتْ دُونَ الْفَاحِشَةِ وَفَوْقَ الْيَسِيرَةِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ هَلْ تَلْحَقُ بِالْمَرْتَبَةِ الأْولَى أَوِ الثَّانِيَةِ؟

وَسَبَبُ اخْتِلاَفِهِمْ فِيهَا أَنَّهَا لاِرْتِفَاعِهَا عَنِ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ أُلْحِقَتْ بِالْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَلاِنْحِطَاطِهَا عَنِ الْكَثِيرَةِ أُلْحِقَتْ بِالْيَسِيرَةِ.

وَمِنَ الْبُيُوعِ الَّتِي تُوجَدُ فِيهَا هَذِهِ الضُّرُوبُ مِنَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ بُيُوعٌ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا شَرْعًا، مَنْطُوقٌ بِهَا، وَبُيُوعٌ مَسْكُوتٌ عَنْهَا، وَالْمَنْطُوقُ بِهِ أَكْثَرُهُ مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَبَعْضُهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمِنْهُ مَا جَاءَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام مِنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ. وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ. وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (بَيْعٌ فَاسِدٌ ف9).

أَحْكَامُ الْجَهَالَةِ :

تَبَيَّنَ مِمَّا سَبَقَ مَرَاتِبُ الْجَهَالَةِ إِجْمَالاً عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ حَيْثُ فُحْشُهَا وَقِلَّتُهَا، وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا، وَفِيمَا يَأْتِي تَوْضِيحٌ لأِثَرِ ذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمُخْتَلِفَةِ:

الْجَهَالَةُ فِي الْبَيْعِ :

11 - تَقَدَّمَ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ) أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مَعْلُومَيْنِ عِلْمًا يَمْنَعُ الْمُنَازَعَةَ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْهُولاً جَهَالَةً فَاحِشَةً وَهِيَ الَّتِي تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَالْفَسَادُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ هُنَا بِمَعْنَى الْبُطْلاَنِ، فَلاَ يَقْبَلُ التَّصْحِيحَ. وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنْ تَعَلَّقَتِ الْجَهَالَةُ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ، كَبَيْعِ الْمَعْدُومِ وَالْمَضَامِينِ وَالْمَلاَقِيحِ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلاً عِنْدَهُمْ.

وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِبَعْضِ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ أَوْ كَانَتْ فِي الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لَكِنَّهُ يَقْبَلُ التَّصْحِيحَ بِالْقَبْضِ أَوِ التَّعْيِينِ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَجْلِسِ.

وَكَذَلِكَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ إِذَا كَانَتْ جَهَالَةُ الأْجَلِ فَاحِشَةً، كَقُدُومِ زَيْدٍ مَثَلاً أَوْ مَوْتِهِ، لأِنَّ هَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ (وَانْظُرْ: بَيْعٌ، وَبَيْعٌ فَاسِدٌ ف9 - 12).

وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا حِينَ الْعَقْدِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مَعْدُومًا فَلاَ يَصِحُّ الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ.

وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ مَا يَفْسُدُ مِنَ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْجَهَالَةِ إِجْمَالاً.

وَالْجَهَالَةُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ قَدْ تَكُونُ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ، أَوْ فِي الْمَبِيعِ، أَوْ فِي الثَّمَنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

أ - الْجَهَالَةُ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ :

الْجَهَالَةُ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ تَكُونُ بِإِجْرَاءِ الْعَقْدِ عَلَى صِفَةٍ لاَ تُفِيدُ الْعِلْمَ الَّذِي يَقْطَعُ النِّزَاعَ.

وَهِيَ تَتَحَقَّقُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا مَا يَلِي:

الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ :

12 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ مَعَ التَّفْصِيلِ. وَأَحَدُ هَذِهِ التَّعْرِيفَاتِ: أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ بِكَذَا حَالًّا، وَبِأَعْلَى مِنْهُ مُؤَجَّلاً وَيُوَافِقُ الْمُشْتَرِي وَيَتِمُّ الْعَقْدُ عَلَى الإْبْهَامِ وَيَفْتَرِقَانِ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ هَذَا الْبَيْعِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا»، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ).

بَيْعُ الْحَصَاةِ :

13 - بَيْعُ الْحَصَاةِ مِنْ بُيُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ. وَقَدْ وَرَدَ «نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ». وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعُ الْحَصَاةِ) اخْتِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِهِ، وَأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ الْجَهَالَةُ وَتَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ.

بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ :

14 - بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ مِنْ بُيُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  عَنْهُمَا.

وَعَلَّلَ الْحَنَابِلَةُ فَسَادَ بَيْعِ الْمُلاَمَسَةِ بِعِلَّتَيْنِ: الْجَهَالَةِ، وَكَوْنِهِ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ.

وَعَلَّلَ الشَّوْكَانِيُّ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ وَإِبْطَالِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ.

وَأَمَّا بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ فَقَدْ عَلَّلَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَسَادَهُ بِالأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ؛ وَبِالْجَهَالَةِ وَبِتَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ.

وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ الْكَلاَمِ عَلَيْهِمَا فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ).

ب - الْجَهْلُ بِالْمَبِيعِ :

15 - يَتَحَقَّقُ الْجَهْلُ بِذَاتِ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ بَاعَ قَطِيعًا إِلاَّ شَاةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ شَاةً مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ.

وَمِثْلُهُ مَا لَوْ بَاعَ بُسْتَانًا إِلاَّ شَجَرَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِلْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْمُنَازَعَةِ.

أَمَّا لَوْ عَيَّنَ الْمُسْتَثْنَى فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ) مَعَ التَّفْصِيلِ وَاخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ.

16 - وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ مَجْهُولِ الصِّفَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِذْ لاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جَمِيعِ الأْوْصَافِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْجَهَالَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ بَيْعِ مَجْهُولِ الصِّفَةِ؛ لأِنَّ  لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ الرُّؤْيَةِ الثَّابِتِ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَبِذَلِكَ تَنْتَفِي الْجَهَالَةُ.

بَيْعُ مَا يَكْمُنُ فِي الأْرْضِ :

17 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا يَكْمُنُ فِي الأْرْضِ قَبْلَ قَلْعِهِ، كَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ وَالْجَزَرِ وَنَحْوِهَا؛ لأِنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُرَ، وَلَمْ يُوصَفْ، فَهُوَ مِنَ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْحَمْلِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ بَيْعِهِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَأَثْبَتُوا لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ عِنْدَ قَلْعِهِ.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ قَيَّدُوا صِحَّةَ الْبَيْعِ بِشُرُوطٍ ثَلاَثَةٍ:

أ - أَنْ يَرَى الْمُشْتَرِي ظَاهِرَهُ.

ب - أَنْ يُقْلَعَ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَرَى.

ج - أَنْ يُحْزَرَ إِجْمَالاً، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ حَزْرٍ بِالْقِيرَاطِ أَوِ الْفَدَّانِ. فَإِذَا تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ لاَ يَكُونُ الْمَبِيعُ مَجْهُولاً؛ لأِنَّ  هَذِهِ طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ.

 

بَيْعُ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ :

18 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْبَيْعِ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  عَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ. لأِنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ؛ وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ، وَمِثْلُهُ بَيْعُ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ.

وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ).

بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ :

19 - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ ؛ وَلأِنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ. وَمِثْلُهُ بَيْعُ السَّمْنِ فِي اللَّبَنِ، وَبَيْعُ النَّوَى فِي التَّمْرِ.

وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ).

بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ :

20 - لاَ يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  عَنْهُ ؛ وَلأِنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَلاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ وَلأِنَّهُ مَجْهُولٌ فَلاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ).

بَيْعُ الْمَعْدُومِ :

21 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بَيْعُ الْمَعْدُومِ كَبَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَبَيْعِ الْمَضَامِينِ، وَبَيْعِ الْمَلاَقِيحِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ لِلنَّصِّ؛ وَلأِجْلِ الْجَهَالَةِ. وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ).

بَيْعُ الْجُزَافِ :

22 - بَيْعُ الْجُزَافِ هُوَ الْبَيْعُ بِلاَ كَيْلٍ وَلاَ وَزْنٍ وَلاَ عَدٍّ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْجَهَالَةِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَاضْطِرَارِهِمْ إِلَيْهِ. (ر: بَيْعُ الْجُزَافِ).

ج - الْجَهَالَةُ فِي الثَّمَنِ :

23 - إِذَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ الأْثْمَانِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا فِي الْبَلَدِ وَلَيْسَ أَحَدُهَا غَالِبًا فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ لِلْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْمُنَازَعَةِ.

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ (ثَمَنٌ، بَيْعٌ).

الْجَهَالَةُ فِي السَّلَمِ :

24 - الْجَهَالَةُ فِي السَّلَمِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي رَأْسِ الْمَالِ «الثَّمَنِ» وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الأْجَلِ، فَأَمَّا الثَّمَنُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ جِنْسِهِ، وَنَوْعِهِ، وَصِفَتِهِ، وَقَدْرِهِ.

وَأَمَّا الْمُسَلَّمُ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ، وَالنَّوْعِ، وَالصِّفَةِ، وَالْقَدْرِ، كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أَوْ ذَرْعًا.

وَعِلَّةُ اشْتِرَاطِ هَذِهِ الأْمُورِ إِزَالَةُ الْجَهَالَةِ؛ لأِنَّ  الْجَهَالَةَ فِي كُلٍّ مِنْهَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَمِنْ ثَمَّ تَكُونُ مُفْسِدَةً لِلْعَقْدِ.

قَالَ صلي الله عليه وسلم  : «مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ «سَلَمٌ».

الْجَهَالَةُ بِرَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ :

25 - مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ فِيهِ مَعْلُومًا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْقَدْرِ دَفْعًا لِجَهَالَةِ الرِّبْحِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (مُضَارَبَةٌ).

الْجَهَالَةُ فِي الإْجَارَةِ :

26 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإْجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ وَالأْجْرَةُ مَعْلُومَتَيْنِ عِلْمًا يَنْفِي الْجَهَالَةَ الْمُفْضِيَةَ لِلنِّزَاعِ، وَإِلاَّ فَلاَ تَنْعَقِدُ الإْجَارَةُ. (ر: إِجَارَةٌ).

الْجَهَالَةُ فِي الأْجَلِ :

27 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ التَّأْجِيلِ فِي الأُْمُورِ الَّتِي يَقْبَلُهَا التَّأْجِيلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الأْجَلُ مَعْلُومًا؛ لقوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ).

أَمَّا إِذَا كَانَ الأْجَلُ مَجْهُولاً فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ؛ لأِنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (أَجَلٌ 2: 33، 37 ف 71 وَ 81).

إِبْرَاءُ الْمَجْهُولِ :

28 - قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ بِالْمُبْرَأِ، وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ يَصِحُّ الإْبْرَاءُ لِمَجْهُولٍ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أَبْرَأَ أَحَدٌ مَدِينَيْهِ عَلَى التَّرَدُّدِ لَمْ يَصِحَّ - خِلاَفًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ - فَيَجِبُ تَعْيِينُ الْمُبْرَأِ بِمَا تَزُولُ بِهِ الْجَهَالَةُ عَنْهُ. (ر: إِبْرَاءٌ: ف 30).

 

الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُولِ :

29 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُولِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا. إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ قَالُوا: يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُولِ إِذَا كَانَ لاَ سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، فَأَمَّا مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ فَلاَ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَيْهِ مَعَ الْجَهْلِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَأَمَّا كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ مَعْلُومًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الصُّلْحِ حَتَّى أَنَّ مَنِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ حَقًّا فِي عَيْنٍ فَأَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ جَازَ؛ لأِنَّ  الصُّلْحَ كَمَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ يَصِحُّ بِطَرِيقِ الإْسْقَاطِ، وَلاَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ هُنَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ لِجَهَالَةِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فَيَصِحُّ بِطَرِيقِ الإْسْقَاطِ فَلاَ يُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَالْقَبْضِ؛ لأِنَّ  السَّاقِطَ لاَ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيمَا لاَ يَحْتَمِلُ التَّسَلُّمَ وَالْقَبْضَ لاَ تَمْنَعُ جَوَازَ الصُّلْحِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنِ الْمَجْهُولِ لاَ يَصِحُّ؛ لأِنَّهُ كَالْجَهَالَةِ فِي الْبَيْعِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَيْعَ الْمَجْهُولِ لاَ يَصِحُّ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (صُلْحٌ وَإِبْرَاءٌ).

 

زَوَالُ الْجَهَالَةِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ :

30 - ذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ زَوَالَ الْجَهَالَةِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يُصَحِّحُ الْعَقْدَ بَعْدَ انْعِقَادِهِ فَاسِدًا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ فِيهِ ضَعِيفًا.

قَالَ الْمَوْصِلِيُّ: وَرَوَى الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ سَائِرَ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ تَنْقَلِبُ جَائِزَةً بِحَذْفِ الْمُفْسِدِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا بِأَنْ يَكُونَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَلاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ. وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ فَاسِدٌ) ف 37 (ج 9 113).

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ (أَيِ: الْبَيْعَ بِشَرْطِ السَّلَفِ) مِنَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا تَرَكَ الشَّرْطَ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِلاَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ.

وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّهْيَ يَتَضَمَّنُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَعَ أَنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ فِي الْمَبِيعِ مَجْهُولاً، لاِقْتِرَانِ السَّلَفِ بِهِ.

ثُمَّ قَالَ: وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ هَلْ إِذَا لَحِقَ الْفَسَادُ بِالْبَيْعِ مِنْ قَبْلِ الشَّرْطِ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ إِذَا ارْتَفَعَ الشَّرْطُ أَمْ لاَ يَرْتَفِعُ، كَمَا لاَ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ اللاَّحِقُ لِلْبَيْعِ الْحَلاَلِ مِنْ أَجْلِ اقْتِرَانِ الْمُحَرِّمِ الْعَيْنِ بِهِ؟ وَهَذَا أَيْضًا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ آخَرَ: هُوَ هَلْ هَذَا الْفَسَادُ حُكْمِيٌّ أَوْ مَعْقُولٌ؟

فَإِنْ قُلْنَا: حُكْمِيٌّ لَمْ يَرْتَفِعْ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ، وَإِنْ قُلْنَا: مَعْقُولٌ ارْتَفَعَ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ. فَمَالِكٌ رَآهُ مَعْقُولاً، وَالْجُمْهُورُ رَأَوْهُ غَيْرَ مَعْقُولٍ.

وَالْفَسَادُ الَّذِي يُوجَدُ فِي بُيُوعِ الرِّبَا وَالْغَرَرِ حُكْمِيٌّ، وَلِذَلِكَ لَيْسَ يَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ أَصْلاً وَإِنْ تَرَكَ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيْعِ أَوِ ارْتَفَعَ الْغَرَرُ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ ثُمَّ حُذِفَ الشَّرْطُ لَمْ يَنْقَلِبِ الْعَقْدُ صَحِيحًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَذْفُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفِي وَجْهٍ : يَنْقَلِبُ صَحِيحًا إِنْ حُذِفَ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ.

وَفِي حَاشِيَةِ الْجَمَلِ لَوْ زَادَا أَوْ نَقَصَا فِي الثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ وَلَوْ فِي السَّلَمِ، أَوْ أَحْدَثَا أَجَلاً أَوْ خِيَارًا ابْتِدَاءً أَوْ زِيَادَةً، أَوْ شَرْطًا فَاسِدًا، أَوْ صَحِيحًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (أَيْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ) الْتُحِقَ كُلٌّ مِنْهَا بِالْعَقْدِ (أَيْ: بِالْمُقْتَرِنِ بِهِ) وَكَذَا حَطُّ بَعْضِ مَا ذُكِرَ، إِذْ مَجْلِسُ الْعَقْدِ كَنَفْسِ الْعَقْدِ، وَلِهَذَا صَلَحَ لِتَعْيِينِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَعِوَضِ الصَّرْفِ. وَقِيسَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ خِيَارُ الشَّرْطِ بِجَامِعِ عَدَمِ الاِسْتِقْرَارِ.

أَمَّا بَعْدَ اللُّزُومِ (أَيْ: بَعْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ) فَلاَ يُلْتَحَقُ بِالْعَقْدِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِلاَّ لَوَجَبَتِ الزِّيَادَةُ بَعْدَهُ عَلَى الشَّفِيعِ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ

الصُّلْحُ عَلَى بَدَلِ الْقِصَاصِ :

31 - يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى بَدَلِ الْقِصَاصِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْبَدَلُ مَعْلُومًا أَمْ مَجْهُولاً، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْجَهَالَةُ غَيْرَ فَاحِشَةٍ، وَإِلاَّ فَإِنْ كَانَتْ فَاحِشَةً كَمَا إِذَا صَالَحَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَارٍ أَوْ دَابَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، فَسَدَتِ التَّسْمِيَةُ فِي الصُّلْحِ، وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ لأِنَّ هَا مُتَفَاوِتَةٌ وَالْجَهَالَةُ فِيهَا فَاحِشَةٌ.

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (صُلْحٌ) (وَقَتْلٌ عَمْدٌ).

جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَه:

32 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي الأْصَحِّ - وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى وُجُوبِ مَعْرِفَةِ الْكَفِيلِ الْمَكْفُولِ لَهُ (وَهُوَ الدَّائِنُ) لأِنَّهُ إِذَا كَانَ مَجْهُولاً لاَ يَحْصُلُ مَا شُرِعَتْ لَهُ الْكَفَالَةُ وَهُوَ التَّوَثُّقُ، وَكَذَلِكَ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ تَشْدِيدًا وَتَسْهِيلاً.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ - إِلَى جَوَازِ الْكَفَالَةِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «مَاتَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَوَضَعْنَاهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  حَيْثُ تُوضَعُ الْجَنَائِزُ عِنْدَ مَقَامِ جِبْرِيلَ، ثُمَّ آذَنَّا رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ، فَجَاءَ مَعَنَا خُطًى ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنًا قَالُوا: نَعَمْ دِينَارَانِ، فَتَخَلَّفَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ أَبُو قَتَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمَا عَلَيَّ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  يَقُولُ: هُمَا عَلَيْكَ وَفِي مَالِكَ وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا بَرِيءٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  إِذَا لَقِيَ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: مَا صَنَعَتِ الدِّينَارَانِ حَتَّى كَانَ آخِرُ ذَلِكَ قَالَ: قَدْ قَضَيْتُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الآْنَ حِينَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ».

ضَمَانُ الْحَقِّ الْمَجْهُولِ :

33 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى صِحَّةِ ضَمَانِ الْحَقِّ الْمَجْهُولِ كَقَوْلِهِ: مَا أَعْطَيْتُهُ فَهُوَ عَلَيَّ. وَهَذَا مَجْهُولٌ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لاَ يَصِحُّ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَمَانٌ، كَفَالَةٌ).

جَهَالَةُ الرَّهْنِ وَالْمَرْهُونِ بِهِ :

34 - يُشْتَرَطُ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الرَّهْنِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مَعْلُومًا لِلْعَاقِدَيْنِ فَلَوْ جَهِلاَهُ أَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ، كَمَا فِي الضَّمَانِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ تَعَرُّضًا لِذَلِكَ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (رَهْنٌ).

الْجَهَالَةُ فِي الْوَكَالَةِ :

35 - يُشْتَرَطُ فِي الْوَكَالَةِ الْعِلْمُ بِالْمُوَكَّلِ بِهِ عِلْمًا تَنْتَفِي مَعَهُ الْجَهَالَةُ، وَلِهَذَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَكَالَةٌ).

أَمَّا الْوَكَالَةُ الْعَامَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا بَيْنَ مُجِيزٍ وَمَانِعٍ، فَمَنْ مَنَعَ نَظَرَ إِلَى كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فِي الْمُوَكَّلِ بِهِ.

وَتَفْصِيلُ الْخِلاَفِ فِي ذَلِكَ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي بَابِ (وَكَالَةٌ).

الْجَهْلُ فِي الْجَعَالَةِ :

36 - الْجَعَالَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ جَهَالَةِ الْعَمَلِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا؛ لقوله تعالي : (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ).

هَذَا إِذَا كَانَ الْجُعْلُ مَعْلُومًا. أَمَّا إِذَا كَانَ الْجُعْلُ مَجْهُولاً فَإِنَّ الْجَعَالَةَ لاَ تَصِحُّ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَعَالَةٌ).

الْجَهَالَةُ فِي الشَّرِكَةِ :

37 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ شَرِكَةِ الأْبْدَانِ، وَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ، وَشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ، وَمَنْ مَنَعَهَا نَظَرَ إِلَى الْجَهَالَةِ فِي كُلٍّ مِنْهَا.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (شَرِكَةٌ).

الْجَهَالَةُ فِي الْهِبَةِ :

38 - تَصِحُّ هِبَةُ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ.

عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مُصْطَلَحِ: (هِبَةٌ).

الْجَهَالَةُ فِي الْوَصِيَّةِ :

39 - تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ.

عَلَى تَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّةٌ).

الْجَهَالَةُ فِي الْوَقْفِ :

40 - يَصِحُّ وَقْفُ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ.

عَلَى تَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَقْفٌ).

الْجَهَالَةُ فِي الإْقْرَارِ :

41 - يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا.

وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَهَالَةَ بِالْمُقَرِّ لَهُ لاَ يَصِحُّ مَعَهَا الإْقْرَارُ؛ لأِنَّ  الْمَجْهُولَ لاَ يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا.

وَأَمَّا الْمُقَرُّ بِهِ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ بِهِ لاَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الإْقْرَارِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَيُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى الْبَيَانِ، لأِنَّهُ هُوَ الْمُجْمِلُ.

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِقْرَارٌ ف 12، 27، 35).

الْجَهَالَةُ فِي النَّسَبِ :

42 - مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الإْقْرَارِ بِالنَّسَبِ عَلَى الْمُقِرِّ نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مَجْهُولَ النَّسَبِ. (ر: إِقْرَارٌ ف 63).

الْجَهَالَةُ فِي الْمَهْرِ :

43 - يُشْتَرَطُ فِي الْمَهْرِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَلاَ تَصِحُّ تَسْمِيَةُ مَهْرٍ مَجْهُولٍ، فَإِنْ غَفَلَ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (نِكَاحٌ وَمَهْرٌ).

الْجَهَالَةُ فِي الْخُلْعِ :

44 - يَصِحُّ الْخُلْعُ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، كَالْخُلْعِ عَلَى مَا بِيَدِهَا مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مَتَاعٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ، فَلَهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يُسَمَّى مَتَاعًا.

وَيَصِحُّ الْخُلْعُ أَيْضًا بِشَيْءٍ مَعْدُومٍ كَالْخُلْعِ عَلَى مَا حَمَلَتْ غَنَمُهَا.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ عَدَمَ صِحَّةِ الْخُلْعِ عَلَى بَدَلٍ مَجْهُولٍ.

جَهَالَةُ الْمَقْذُوفِ :

45 - يُشْتَرَطُ لإِقَامَةِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى الْقَاذِفِ الْعِلْمُ بِالْمَقْذُوفِ، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ فَلاَ حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ.

عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي: (حَدٌّ، قَذْفٌ).

جَهَالَةُ وَلِيِّ الْقَتِيلِ :

46 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ جَهَالَةَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ لاَ تَمْنَعُ مِنَ الْقِصَاصِ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْهُ؛ لأِنَّ  وُجُوبَ الْقِصَاصِ وُجُوبٌ لِلاِسْتِيفَاءِ، وَالاِسْتِيفَاءُ مِنَ الْمَجْهُولِ مُتَعَذِّرٌ، فَتَعَذَّرَ الإْيجَابُ لَهُ.

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاصٌ).

جَهَالَةُ الْمُدَّعَى بِهِ :

47 - مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ إِقَامَةِ الدَّعْوَى الْعِلْمُ بِالْمُدَّعِي لِتَعَذُّرِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ بِالْمَجْهُولِ، وَالْعِلْمُ بِالْمُدَّعِي إِنَّمَا يَحْصُلُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا الإْشَارَةُ، وَإِمَّا التَّسْمِيَةُ. عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (دَعْوَى).

جَهَالَةُ الْمَشْهُودِ بِهِ :

48 - يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ لِتَصِحَّ الشَّهَادَةُ، وَإِلاَّ فَإِنَّ جَهَالَتَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ. عَلَى تَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة / 148

خِيَارُ الْغَبْنِ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْغَبْنُ فِي اللُّغَةِ: النَّقْصُ، فِعْلُهُ: غَبَنَ - مِنْ بَابِ ضَرَبَ - يُقَالُ غَبَنَهُ فَانْغَبَنَ، وَغُبِنَ (بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ) فَهُوَ مَغْبُونٌ أَيْ مَنْقُوصٌ مِنَ الثَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ.

وَغَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ غَبْنًا، وَغَبِينَةً (وَهِيَ اسْمُ الْمَصْدَرِ) أَيْ غَلَبَهُ، وَفِي الْقَامُوسِ: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ: خَدَعَهُ .

وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلْغَبْنِ مُسْتَمَدٌّ مِنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ نَفْسِهِ فَهُوَ - كَمَا يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ -: «النَّقْصُ فِي الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ» وَمِثْلُهُ النَّقْصُ فِي الْبَدَلِ فِي بَاقِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ. وَمَعْنَى النَّقْصِ هُنَا إِذَا كَانَ الْمَغْبُونُ هُوَ الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يُقَابَلَ جُزْءٌ مِنَ الثَّمَنِ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَبِيعِ لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ عَنْ أَكْثَرِ تَقْوِيمٍ لِلْمَبِيعِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَغْبُونُ هُوَ الْبَائِعُ فَالنَّقْصُ فِي الثَّمَنِ حَقِيقِيٌّ .

الْخِيَارَاتُ الْمُرْتَبِطَةُ بِالْغَبْنِ:

2 - لِلْغَبْنِ تَأْثِيرٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ، غَيْرَ أَنَّهُ أَحْيَانًا يُنَاطُ بِهِ الْحُكْمُ صَرَاحَةً، وَأَحْيَانًا يُنَاطُ بِسَبَبٍ مَادِّيٍّ أَشَدَّ مِنْهُ وُضُوحًا، وَيَكُونُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْوَحِيدُ، أَوْ أَحَدُ الْمُؤَثِّرَاتِ.

فَمِنَ الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا: الْمُبَادَلاَتُ الرِّبَوِيَّةُ بَيْنَ الأْجْنَاسِ الْمُتَّحِدَةِ، وَالاِحْتِكَارُ، وَأَنْوَاعٌ مِنَ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، كَالنَّجْشِ، وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَالْمُصَرَّاةِ وَنَحْوِهَا مِنْ صُوَرِ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ، وَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ (أَيْ دُخُولِ أَجْنَبِيٍّ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِلاِسْتِئْثَارِ بِالْبَيْعِ أَوِ الشِّرَاءِ). وَبَيْعِ الْمُسْتَرْسِلِ، وَبُيُوعِ الأَْمَانَةِ، وَحَالَةِ التَّغْرِيرِ الْقَوْلِيِّ الْمُقْتَرِنِ بِالْغَبْنِ، لِذَا كَانَ مِنَ الضَّرُورِيِّ اسْتِخْلاَصُ أَحْكَامٍ عَامَّةٍ فِي الْغَبْنِ الَّذِي تَنْشَأُ بِسَبَبِهِ بِضْعَةُ خِيَارَاتٍ تَخْتَلِفُ الْمَذَاهِبُ تُجَاهَهَا بَيْنَ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ.

وَقَدِ اتَّخَذَ ابْنُ قُدَامَةَ  مِنَ الْغَبْنِ مَدَارًا لِثَلاَثَةِ خِيَارَاتٍ هِيَ:

1 - تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، إِذَا اشْتَرَى مِنْهُمْ - أَوْ بَاعَهُمْ - بِغَبْنٍ.

2 - بَيْعُ النَّجْشِ، بِالزِّيَادَةِ فِي السِّلْعَةِ مِمَّنْ يَعْمَلُ لِمَصْلَحَةِ الْبَائِعِ دُونَ إِرَادَةِ الشِّرَاءِ لِيَقَعَ الْمُشْتَرِي فِي غَبْنٍ.

3 - الْمُسْتَرْسِلُ  وَلاَ رَيْبَ فِي أَنَّ خِيَارَ الْمُسْتَرْسِلِ مِنْ صَمِيمِ خِيَارَاتِ الْغَبْنِ، لأِنَّهُ لاَ تَغْرِيرَ يُوَجَّهُ إِلَيْهِ، إِنَّمَا هِيَ خِيَانَةٌ طَارِئَةٌ مِنَ الْبَائِعِ بَعْدَمَا رَكَنَ إِلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَتَرَكَ الْمُسَاوَمَةَ فِي الثَّمَنِ، وَلاَذَ بِالْبَائِعِ لِيُجِيرَهُ مِنَ الْغَبْنِ فَأَوْقَعَهُ فِيهِ، فَهُوَ خِيَارُ غَبْنٍ حَقًّا.

وَتَلْخِيصُ مَوَاقِفِ الْمَذَاهِبِ مِنَ الْغَبْنِ وَاسْتِلْزَامُهُ الْخِيَارَ أَوْ عَدَمَهُ هُوَ بِالصُّورَةِ التَّالِيَةِ:

الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَرَوْنَ لِلْمَغْبُونِ خِيَارًا إِلاَّ إِذَا كَانَ مُغَرَّرًا بِهِ عَلَى الرَّاجِحِ، أَوْ كَانَ غَبْنًا لِلْقَاصِرِ.

الْمَالِكِيَّةُ: يَقُولُونَ (فِي رَأْيٍ) بِالْخِيَارِ لِلْمَغْبُونِ مُطْلَقًا، أَوْ إِذَا كَانَ مُسْتَرْسِلاً لِبَائِعِهِ.

الشَّافِعِيَّةُ: يَقُولُونَ (فِي رَأْيٍ) بِالْخِيَارِ

الْحَنَابِلَةُ: يَقْتَصِرُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الْخِيَارِ لِمَنْ كَانَ مُسْتَرْسِلاً وَغُبِنَ.

ضَابِطُ الْغَبْنِ الْمُعْتَبَرِ، وَشَرْطُهُ:

3 - الْغَبْنُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ شَرْعًا هُوَ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ، وَالإْطْلاَقُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ فِي مَجَالِ الرَّدِّ.

وَالْمُرَادُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الرَّاجِحِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلٍ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي تَقْدِيرِ الْغَبْنِ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ. وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فَإِنَّهَا كُلَّهَا تُؤَدِّي إِلَى هَذَا الْمَعْنَى.

وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعِبْرَةُ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، لأِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَيْهِمْ فِي الْعُيُوبِ وَنَحْوِهَا مِنَ الأْمُورِ الَّتِي تَقْتَضِي الْخِبْرَةَ فِي الْمُعَامَلاَتِ .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِكُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْغَبْنِ الثُّلُثُ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لِلْمَالِكِيَّةِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ .

شَرْطُ خِيَارِ الْغَبْنِ:

4 - يُشْتَرَطُ لِقِيَامِ خِيَارِ الْغَبْنِ أَنْ يَكُونَ الْمَغْبُونُ جَاهِلاً بِوُقُوعِهِ فِي الْغَبْنِ عِنْدَ التَّعَاقُدِ. وَفِي تِلْكَ الْحَالِ وَرَدَ حَدِيثُ حِبَّانَ . الَّذِي احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِالْخِيَارِ (وَفِيهِ أَنَّهُ هُنَاكَ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْخِلاَبَةِ أَوِ الْغَبْنِ) أَمَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْغَبْنِ وَأَقْدَمَ عَلَى التَّعَاقُدِ فَلاَ خِيَارَ لَهُ، لأِنَّهُ أُتِيَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ رَاضِيًا .

مُوجِبُ الْخِيَارِ:

5 - إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّ الْمَغْبُونَ مُسْتَرْسِلٌ، وَكَانَ الْغَبْنُ خَارِجًا عَنِ الْمُعْتَادِ فَلِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإْمْضَاءِ مَجَّانًا، فَهَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لَيْسَ غَيْرُ، أَيْ إِنْ أَمْسَكَ الْمَغْبُونُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالأْرْشِ، وَهُوَ هُنَا مِقْدَارُ الْغَبْنِ .

مُسْقِطَاتُهُ:

6 - يَسْقُطُ خِيَارُ الْغَبْنِ (مَعَ التَّغْرِيرِ) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الْمَجَلَّةُ الْعَدْلِيَّةُ - بِمَا يَلِي:

1 - هَلاَكُ الْمَبِيعِ، أَوِ اسْتِهْلاَكُهُ، أَوْ تَغَيُّرُهُ، أَوْ تَعَيُّبُهُ: وَفِي حُكْمِ الاِسْتِهْلاَكِ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِشَيْءٍ مُقَابَلَةً لِنُقْصَانِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ.

2 - السُّكُوتُ وَالتَّصَرُّفُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْغَبْنِ: فَإِذَا تَصَرَّفَ الْمَغْبُونُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْغَبْنِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ بِأَنْ عَرَضَ الْمَبِيعَ لِلْبَيْعِ مَثَلاً، سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ.

3 - مَوْتُ الْمَغْبُونِ: فَلاَ تَنْتَقِلُ دَعْوَى (التَّغْرِيرِ مَعَ الْغَبْنِ) إِلَى الْوَارِثِ، أَمَّا مَوْتُ الْغَابِنِ فَلاَ يَمْنَعُ .

خِيَارُ غَبْنِ الْمُسَاوَمَةِ:

7 - لاَ يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ خِيَارَ الْغَبْنِ فِي الْمُسَاوَمَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ، وَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ قَدِ اقْتَصَرُوا عَلَى خِيَارِ الْغَبْنِ لِلْمُسْتَرْسِلِ (كَمَا سَيَأْتِي) وَلاَ بُدَّ مِنْ إِفْرَادِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِالذِّكْرِ لِتَحْقِيقِ مَذْهَبِهِمْ فِي خِيَارِ الْغَبْنِ.

خِيَارُ الْغَبْنِ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ:

8 - اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُتُبِ الْخِلاَفِ فِي شَأْنِ خِيَارِ الْغَبْنِ الْمُجَرَّدِ وَالرَّاجِحُ نَفْيُهُمْ لَهُ، وَالَّذِي رَجَّحَهُ شُرَّاحُ خَلِيلٍ هُوَ أَنَّ الْغَبْنَ لِغَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ لاَ خِيَارَ فِيهِ مَهْمَا كَانَ فَاحِشًا .

وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لِلْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ (لُزُومِ الْعَقْدِ مَعَ الْغَبْنِ الْمُجَرَّدِ) بِحَدِيثِ شِرَائِهِ صلي الله عليه وسلم  جَمَلَ جَابِرٍ، فَقَدْ قَالَ لَهُ مُسَاوِمًا: «أَتَبِيعُهُ بِدِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: لاَ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ بَاعَ بِخَمْسِ أَوَاقٍ عَلَى أَنَّ لَهُ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ».

فَالثَّمَنُ الأْوَّلُ بِالنِّسْبَةِ لِلأْخِيرِ غَبْنٌ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ خِيَارٌ لَمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  .

حُكْمُ الْغَبْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

9 - فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ خِلاَفٌ حَوْلَ الْغَبْنِ الْمُجَرَّدِ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ إِذَا تَجَرَّدَ عَنِ التَّغْرِيرِ عَلَى ثَلاَثِ رِوَايَاتٍ:

1 - لاَ يَرُدُّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مُطْلَقًا (صَاحَبَهُ تَغْرِيرٌ أَوْ لاَ).

2 - ثُبُوتُ حَقِّ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مُطْلَقًا (بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ التَّغْرِيرِ).

3 - ثُبُوتُ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ إِنْ صَاحَبَهُ تَغْرِيرٌ، أَيْ لاَ يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْمَغْبُونِ مُطْلَقًا، بَلْ لِلْمَغْبُونِ الْمَغْرُورِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ .

خِيَارُ غَبْنِ الْمُسْتَرْسِلِ

تَعْرِيفُ الْمُسْتَرْسِلِ:

10 - عَرَّفَ الْمَالِكِيَّةُ الْمُسْتَرْسِلَ بِأَنَّهُ: الْمُسْتَسْلِمُ لِبَائِعِهِ .

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَهُوَ عِنْدَهُمْ: الْجَاهِلُ بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ، وَلاَ يُحْسِنُ الْمُبَايَعَةَ. وَيُلْحَظُ هُنَا أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى الْوَصْفِ الأَْخِيرِ وَهُوَ عَدَمُ الْخِبْرَةِ بِالْمُبَايَعَةِ، أَمَّا جَهْلُ قِيمَةِ السِّلْعَةِ فَيَقَعُ فِيهِ كُلُّ مَغْبُونٍ، إِذْ لَوْ عَرَفَ الْقِيمَةَ لَمَا رَضِيَ بِالْغَبْنِ إِلاَّ مُضْطَرًّا، أَوْ بَاذِلاً لِقَاءَ رَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ فِي السِّلْعَةِ، وَسَبْقُ الْعِلْمِ بِالْغَبْنِ مُسْقِطٌ لِلْخِيَارِ.

وَلِلْحَنَابِلَةِ تَعْرِيفٌ آخَرُ لِلْمُسْتَرْسِلِ مِنْ كَلاَمِ الإْمَامِ أَحْمَدَ بِأَنَّهُ: الَّذِي لاَ يُحْسِنُ أَنْ يُمَاكِسَ، وَبِلَفْظٍ آخَرَ: الَّذِي لاَ يُمَاكِسُ، وَالْفَارِقُ أَنَّ الأْوَّلَ قَلِيلُ الْخِبْرَةِ بِالْمُجَادَلَةِ فِي الْمُبَايَعَةِ لِلْوُصُولِ إِلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ دُونَ غَبْنٍ، أَمَّا الأْخِيرُ فَهُوَ الَّذِي لاَ يَسْلُكُ طَرِيقَ الْمُمَاكَسَةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إِتْقَانِهِ لَهَا أَوْ جَهْلِهِ بِهَا. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: فَأَمَّا الْعَالِمُ بِذَلِكَ وَالَّذِي لَوْ تَوَقَّفَ لَعَرَفَ، إِذَا اسْتَعْجَلَ فِي الْحِلِّ فَغُبِنَ، فَلاَ خِيَارَ لَهُ .

خِيَارُ غَبْنِ الْمُسْتَرْسِلِ (عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ):

11 - صَرَّحَ خَلِيلٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُ لاَ يَرُدُّ بِالْغَبْنِ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ. وَأَفَادَ شُرَّاحُهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ هُنَاكَ قَوْلاً بِأَنَّهُ يَرُدُّ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا فَالاِتِّفَاقُ عَلَى لُزُومِ الْعَقْدِ مَعَهُ وَعَدَمِ الرَّدِّ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ حُكْمَ الْغَبْنِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْبَيْعِ، فَفِي بَيْعِ الْمُكَايَسَةِ (الْمُسَاوَمَةِ) لاَ قِيَامَ بِالْغَبْنِ (قَالَ): «وَلاَ أَعْرِفُ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ نَصَّ خِلاَفٍ» وَبَعْدَ أَنْ رَدَّ عَلَى مَنْ وَهِمَ فِي حَمْلِ مَسْأَلَةِ سَمَاعِ أَشْهَبَ عَلَى الْخِلاَفِ، عَادَ فَأَشَارَ إِلَى حِكَايَةِ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ وُجُوبَ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ. وَجَعَلَهُ مَوْضِعَ تَأَمُّلٍ، وَأَمَّا بَيْعُ الاِسْتِنَامَةِ وَالاِسْتِرْسَالِ.. فَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزٌ.. وَالْقِيَامُ بِالْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إِذَا كَانَ عَلَى الاِسْتِرْسَالِ وَالاِسْتِنَامَةِ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعٍ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ ظُلْمٌ» . هَذَا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ .

خِيَارُ الْمُسْتَرْسِلِ (عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ):

12 - الْحَنَابِلَةُ يُثْبِتُونَ خِيَارَ الْغَبْنِ لِلْمُسْتَرْسِلِ فَقَطْ، عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهِيَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَارَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلاَفِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، لأِنَّ  الْغَبْنَ لَحِقَهُ لِجَهْلِهِ. بِالْمَبِيعِ، خِلاَفًا لِغَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ فَقَدْ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ فَهُوَ كَالْعَالِمِ بِالْعَيْبِ، وَهُوَ مَقِيسٌ عَلَى النَّجْشِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى (بِصِيغَةِ: قِيلَ) مُقْتَضَاهَا أَنَّ الْغَبْنَ لاَزِمٌ لِلْمُسْتَرْسِلِ أَيْضًا، لأِنَّ  نُقْصَانَ قِيمَةِ السِّلْعَةِ مَعَ سَلاَمَتِهَا لاَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ، كَبَيْعِ غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ، وَكَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ .

خِيَارُ غَبْنِ الْقَاصِرِ (وَشَبَهِهِ):

13 - أَثْبَتَ هَذَا الْخِيَارَ الْمَالِكِيَّةُ فِي حَالِ غَبْنِ الْوَصِيِّ عَنِ الْقَاصِرِ أَوِ الْوَكِيلِ عَمَّنْ وَكَّلَهُ دَرْءًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْقَاصِرِ وَالْمُوَكِّلِ، وَبَعْضُ الْمَذَاهِبِ لَجَأَتْ إِلَى إِبْطَالِ الْعَقْدِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى غَبْنِهِمَا .

فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ - أَوِ الْمُشْتَرِي - بِالْغَبْنِ وَكِيلاً أَوْ وَصِيًّا. فَيَرُدُّ مَا صَدَرَ مِنْهُمَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ (أَيْ يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ).

وَخِيَارُ غَبْنِ الْقَاصِرِ يَثْبُتُ فِي عَقْدِ الشِّرَاءِ اتِّفَاقًا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، فَأَجَازُوا الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ لِلصَّبِيِّ أَوْ لِلْمُتَصَرِّفِ عَنِ الْغَيْرِ، لأِنَّ  الْبَيْعَ إِزَالَةُ مِلْكٍ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الْغَبْنُ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ: الْبَيْعُ مُرْتَخَصٌ وَغَالٍ. فَإِذَا بَاعَ الْقَاصِرُ بِغَبْنٍ لاَ خِيَارَ لَهُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ .

مُوجِبُ خِيَارِ غَبْنِ الْقَاصِرِ:

14 - هَلْ لِلْقَائِمِ فِي الْغَبْنِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ نَقْضُ الْبَيْعِ أَوِ الْمُطَالَبَةُ بِتَكْمِيلِ الثَّمَنِ؟ وَكَيْفَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمُبْتَاعُ فِي ذَلِكَ بِبَيْعٍ؟

أَفَاضَ الْحَطَّابُ فِي الْمَسْأَلَةِ نَاقِلاً عَنِ ابْنِ رُشْدٍ فِي فَتْوَى لَهُ ثُمَّ قَالَ: وَالرَّاجِحُ مِنَ الأْقْوَالِ  أَنَّ لِلْقَائِمِ بِالْغَبْنِ نَقْضُ الْبَيْعِ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ، وَأَمَّا فِي فَوَاتِهَا فَلاَ نَقْضَ، وَأَنَّ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ يَفُوتُ بِالْبَيْعِ (أَيْ فَيُلْجَأُ إِلَى تَكْمِيلِ الثَّمَنِ)، أَمَّا مَعَ إِمْكَانِ الرَّدِّ فَهُوَ الْمُوجِبُ .

مُسْقِطَاتُ خِيَارِ غَبْنِ الْقَاصِرِ:

15 - ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ يَسْقُطُ بِمَا يَلِي:

1 - التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ.

2 - التَّلَفُ، أَوْ مَا يُسَمِّيهِ الْمَالِكِيَّةُ (فَوَاتَ الْمَبِيعِ) قَالَ الْحَطَّابُ: فَإِنْ فَاتَ الْمَبِيعُ رَجَعَ الْمُوَكِّلُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا وَقَعَ الْغَبْنُ وَالْمُحَابَاةُ بِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ - وَهُوَ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ - بِذَلِكَ.

 وَإِنِ اشْتَرَيَا بِغَبْنٍ، وَفَاتَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي، رَجَعَ الْمُوَكِّلُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا وَقَعَتِ الْمُحَابَاةُ وَالْغَبْنُ بِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ رَجَعَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْوَكِيلُ أَوِ الْوَصِيُّ. صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَتَّابٍ وَغَيْرُهُ.

وَلاَ يَتَقَيَّدُ الرُّجُوعُ هُنَا بِالثُّلُثِ، فَيَرْجِعُ بِكُلِّ مَا نَقَصَ عَنِ الْقِيمَةِ نَقْصًا بَيِّنًا، أَوْ زَادَ عَلَيْهَا زِيَادَةً بَيِّنَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الثُّلُثُ. وَهُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني  والعشرون  ، الصفحة / 234

عُيُوبُ الرِّضَا:

14 م - إِنَّ «الرِّضَا» بِمَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيِّ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا وُجِدَ الْقَصْدُ إِلَى آثَارِ الْعَقْدِ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الآْثَارُ الشَّرْعِيَّةُ إِذَا سَلِمَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا كَانَ «الرِّضَا» سَلِيمًا أَيْ بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا طَلِيقًا لاَ يَشُوبُهُ ضَغْطٌ وَلاَ إِكْرَاهٌ، وَلاَ يَتَقَيَّدُ بِمَصْلَحَةِ أَحَدٍ كَرِضَا الْمَرِيضِ، أَوِ الدَّائِنِ الْمُفْلِسِ، وَأَنْ يَكُونَ وَاعِيًا فَلاَ يَحُولُ دُونَ إِدْرَاكِ الْحَقِيقَةِ جَهْلٌ، أَوْ تَدْلِيسٌ وَتَغْرِيرٌ، أَوِ اسْتِغْلاَلٌ، أَوْ غَلَطٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَعُوقُ إِدْرَاكَهُ.

فَمِنْ عُيُوبِ الرِّضَا الإْكْرَاهُ وَالْجَهْلُ وَالْغَلَطُ، وَالتَّدْلِيسُ وَالتَّغْرِيرُ، وَالاِسْتِغْلاَلُ وَكَوْنُ الرِّضَا مُقَيَّدًا بِرِضَا شَخْصٍ آخَرَ، يَقُولُ الْغَزَالِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا: وَيَخْتَلُّ الْقَصْدُ بِخَمْسَةِ أَسْبَابٍ: سَبْقِ اللِّسَانِ، وَالْهَزْلِ، وَالْجَهْلِ، وَالإْكْرَاهِ، وَاخْتِلاَلِ الْعَقْلِ.

فَإِذَا وُجِدَ عَيْبٌ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ، أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى إِذَا لَمْ يَتَوَفَّرْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الرِّضَا فَإِنَّ الْعَقْدَ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ يَكُونُ فَاسِدًا، أَوْ بَاطِلاً - عَلَى خِلاَفٍ فِيهِمَا بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ - وَيَكُونُ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ غَيْرَ لاَزِمٍ، أَيْ يَكُونُ لأِحَدِ  الْعَاقِدَيْنِ، أَوْ كِلَيْهِمَا حَقُّ الْخِيَارِ، وَمِنْ هُنَا فَإِنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ بَعْضَهَا يُؤَثِّرُ فِي الرِّضَا تَأْثِيرًا مُبَاشِرًا، فَيَكُونُ الْعَقْدُ الَّذِي تَمَّ فِي ظِلِّهِ فَاسِدًا أَوْ بَاطِلاً - كَمَا فِي الإْكْرَاهِ، وَبَعْضَهَا يُؤَثِّرُ فِي إِلْزَامِيَّةِ الرِّضَا، فَيَكُونُ الْعَقْدُ الَّذِي تَمَّ فِي ظِلِّهِ غَيْرَ مُلْزِمٍ، بَلْ يَكُونُ لِعَاقِدٍ حَقُّ الْخِيَارِ، مِثْلَ التَّدْلِيسِ، وَالتَّغْرِيرِ، وَالاِسْتِغْلاَلِ وَنَحْوِهَا، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الرِّضَا كَكَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ تَحْتَ إِكْرَاهٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ لِلُزُومِهِ، كَكَوْنِهِ لَمْ يَشُبْهُ غَلَطٌ أَوِ اسْتِغْلاَلٌ، أَوْ تَدْلِيسٌ - عَلَى تَفْصِيلٍ كَبِيرٍ وَخِلاَفٍ.

وَنُحِيلُ لأِحْكَامِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إِلَى مُصْطَلَحَاتِهَا الْخَاصَّةِ فِي الْمَوْسُوعَةِ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثلاثون  ، الصفحة /  220

عُيُوبُ الرّضَا.

32 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ في عُيُوب الرّضَا: الإْكْرَاهَ وَالْجَهْلَ، وَالْغَلَطَ، وَالتَّدْليسَ، وَالْغَبْنَ، وَالتَّغْريرَ، وَالْهَزْلَ، وَالْخلاَبَةَ، وَنَحْوَهَا، فَإذَا وُجدَ عَيْبٌ منْ هَذه الْعُيُوب في عَقْدٍ منَ الْعُقُود يَكُونُ الْعَقْدُ بَاطلاً أَوْ فَاسدًا في بَعْض الْحَالاَت عَلَى خلاَفٍ بَيْنَ الْجُمْهُور وَالْحَنَفيَّة، أَوْ غَيْرَ لاَزمٍ يَكُونُ لكلاَ الْعَاقدَيْن أَوْ أَحَدهمَا الْخيَارُ في فَسْخه في حَالاَتٍ أُخْرَى.

وَتَعْريفُ هَذه الْعُيُوب وَتَفْصيلُ أَحْكَامهَا وَأَثَرُهَا عَلَى الرّضَا وَخلاَفُ الْفُقَهَاء في ذَلكَ يُنْظَرُ في مُصْطَلَحَاتهَا منَ الْمَوْسُوعَة.

ثَالثًا - مَحَلُّ الْعَقْد.

33 - الْمُرَادُ بمَحَلّ الْعَقْد: مَا يَقَعُ عَلَيْه الْعَقْدُ وَتَظْهَرُ فيه أَحْكَامُهُ وَآثَارُهُ، وَيَخْتَلفُ الْمَحَلُّ باخْتلاَف الْعُقُود، فَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ عَيْنًا مَاليَّةً، كَالْمَبيع في عَقْد الْبَيْع، وَالْمَوْهُوب في عَقْد الْهبَة، وَالْمَرْهُون في عَقْد الرَّهْن، وَقَدْ يَكُونُ عَمَلاً منَ الأْعْمَال، كَعَمَل الأْجير في الإْجَارَة، وَعَمَل الزَّارع في الْمُزَارَعَة، وَعَمَل الْوَكيل في الْوَكَالَة، وَقَدْ يَكُونُ مَنْفَعَةَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، كَمَنْفَعَة الْمَأْجُور في عَقْد الإْجَارَة، وَمَنْفَعَة الْمُسْتَعَار في عَقْد الإْعَارَة، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلكَ كَمَا في عَقْد النّكَاح وَالْكَفَالَة وَنَحْوهمَا.

وَلهَذَا فَقَد اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ في مَحَلّ الْعَقْد شُرُوطًا تَكَلَّمُوا عَنْهَا في كُلّ عَقْدٍ وَذَكَرُوا بَعْضَ الشُّرُوط الْعَامَّة الَّتي يَجبُ تَوَافُرُهَا في الْعُقُود عَامَّةً أَوْ في مَجْمُوعَةٍ منَ الْعُقُود، منْهَا:

أ - وُجُودُ الْمَحَلّ:

34 - يَخْتَلفُ اشْترَاطُ هَذَا الشَّرْط باخْتلاَف الْعُقُود: فَفي عَقْد الْبَيْع مَثَلاً اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ في الْجُمْلَة عَلَى وُجُود الْمَحَلّ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُوجَدْ لقَوْله صلي الله عليه وسلم  : «لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عنْدَكَ» ؛ وَلأنَّ  في بَيْع مَا لَمْ يُوجَدْ غَرَرًا وَجَهَالَةً فَيُمْنَعُ، لحَديث: أَنَّ «النَّبيَّ صلي الله عليه وسلم  نَهَى عَنْ بَيْع الْغَرَر» وَعَلَى ذَلكَ صَرَّحُوا ببُطْلاَن بَيْع الْمَضَامين وَالْمَلاَقيح وَحَبَل الْحُبْلَة.

وَمَنَعُوا منْ بَيْع الزُّرُوع وَالثّمَار قَبْلَ ظُهُورهَا، لقَوْله صلي الله عليه وسلم  : «أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخيه ؟».

وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ منْ بَيْع الْمَعْدُوم عَقْدَ السَّلَم وَذَلكَ لحَاجَة النَّاس إلَيْه  كَمَا اسْتَثْنَى الْحَنَفيَّةُ منْ ذَلكَ عَقْدَ الاسْتصْنَاع للدَّليل نَفْسه ر: (اسْتصْنَاع ف 7).

أَمَّا بَيْعُ الزَّرْع أَو الثَّمَر قَبْلَ ظُهُورهمَا فَلاَ يَجُوزُ؛ لأنَّهُ مَعْدُومٌ وَلاَ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَعْدُوم، أَمَّا بَعْدَ الظُّهُور وَقَبْلَ بُدُوّ الصَّلاَح فَإنْ كَانَ الثَّمَرُ أَو الزَّرْعُ بحَالٍ يُنْتَفَعُ بهمَا فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بشَرْط الْقَطْع في الْحَال اتّفَاقًا لعَدَم الْغَرَر في ذَلكَ، وَلاَ يَجُوزُ بغَيْر شَرْط الْقَطْع عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء.

وَاخْتَلَفُوا في بَيْع الثّمَار الْمُتَلاَحقَة الظُّهُور وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَح: (ثمَار ف 11 - 13).

وَفي عَقْد الإْجَارَة اعْتَبَرَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء الْمَنَافعَ أَمْوَالاً، وَاعْتَبَرَهَا كَذَلكَ الشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ مَوْجُودَةً حينَ الْعَقْد تَقْديرًا، فَيَصحُّ التَّعَاقُدُ عَلَيْهَا بنَاءً عَلَى وُجُود الْمَنَافع حينَ الْعَقْد عنْدَهُمْ، وَلهَذَا يَقُولُونَ بنَقْل ملْكيَّة الْمَنَافع للْمُسْتَأْجر وَالأْجْرَة للْمُؤَجّر بنَفْس الْعَقْد في الإْجَارَة الْمُطْلَقَة.

وَعَلَّلَ الْمَالكيَّةُ جَوَازَ الإْجَارَة بأَنَّ الْمَنَافعَ وَإنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً في حَال الْعَقْد لَكنَّهَا مُسْتَوْفَاةٌ في الْغَالب، وَالشَّرْعُ إنَّمَا لَحَظَ منَ الْمَنَافع مَا يُسْتَوْفَى في الْغَالب أَوْ يَكُونُ اسْتيفَاؤُهُ وَعَدَمُ اسْتيفَائه سَوَاءً.

أَمَّا الْحَنَفيَّةُ فَقَدْ أَجَازُوا عَقْدَ الإْجَارَة اسْتثْنَاءً منَ الْقَاعدَة؛ لوُرُود النُّصُوص منَ الْكتَاب وَالسُّنَّة في جَوَاز الإْجَارَة، قَالَ الْكَاسَانيُّ: الإْجَارَةُ بَيْعُ الْمَنْفَعَة، وَالْمَنَافعُ للْحَال مَعْدُومَةٌ، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَحْتَملُ الْبَيْعَ، فَلاَ تَجُوزُ إضَافَةُ الْبَيْع إلَى مَا يُؤْخَذُ في الْمُسْتَقْبَل، وَهَذَا هُوَ الْقيَاسُ، لَكنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ بالْكتَاب الْعَزيز وَالسُّنَّة وَالإْجْمَاع.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيّم: جَوَازُ الإْجَارَة مُوَافقَةٌ للْقيَاس؛ لأنَّ  مَحَلَّ الْعَقْد إذَا أَمْكَنَ التَّعَاقُدُ عَلَيْه في حَال وُجُوده وَعَدَمه - كَالأَْعْيَان - فَالأَْصْلُ فيه عَدَمُ جَوَاز الْعَقْد حَالَ عَدَمه للْغَرَر، مَعَ ذَلكَ جَازَ الْعَقْدُ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ إذَا دَعَتْ إلَيْه الْحَاجَةُ.

أَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلاَّ حَالٌ وَاحدَةٌ، وَالْغَالبُ فيه السَّلاَمَةُ - كَالْمَنَافع - فَلَيْسَ الْعَقْدُ عَلَيْه مُخَاطَرَةً وَلاَ قمَارًا فَيَجُوزُ، وَقيَاسُهُ عَلَى بَيْع الأَْعْيَان قيَاسٌ مَعَ الْفَارق.

35 - وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاء في هَذَا الشَّرْط بَيْنَ عُقُود الْمُعَاوَضَة وَعُقُود التَّبَرُّع، فَقَالُوا بعَدَم جَوَاز النَّوْع الأْوَّل منَ الْعُقُود في حَال عَدَم وُجُود مَحَلّهَا، وَأَجَازُوا النَّوْعَ الثَّانيَ في حَالَة وُجُود الْمَحَلّ وَعَدَمه.

وَمنْ هَذَا الْقَبيل مَا قَالَ الْمَالكيَّةُ: إنَّ مَا يَخْتَصُّ بعُقُود التَّبَرُّعَات كَالْهبَة مَثَلاً يَجُوزُ فيه أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْعَقْد (الْمَوْهُوبُ) غَيْرَ مَوْجُودٍ في الْخَارج، بَلْ دَيْنًا في الذّمَّة، أَوْ غَيْرَ مَعْلُومٍ فعْلاً، فَالْغَرَرُ في الْهبَة لغَيْر الثَّوَاب جَائزٌ عنْدَهُمْ، وَلهَذَا صَرَّحُوا بأَنَّ مَنْ وَهَبَ لرَجُلٍ مَا يَرثُهُ منْ فُلاَنٍ - وَهُوَ لاَ يَدْري كَمْ هُوَ ؟ أَسُدُسٌ أَوْ رُبُعٌ فَذَلكَ جَائزٌ.

وَفي الرَّهْن يَجُوزُ عنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْعَقْد (الْمَرْهُونُ) غَيْرَ مَوْجُودٍ حينَ الْعَقْد، كَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا، فَشَيْءٌ يُوثَقُ به خَيْرٌ منْ عَدَمه، كَمَا يَقُولُونَ .

وَهَذَا بخلاَف عَقْد الْبَيْع وَسَائر الْعُقُود في الْمُعَاوَضَات.

ب - قَابليَّةُ الْمَحَلّ لحُكْم الْعَقْد :

36 - يُشْتَرَطُ في مَحَلّ الْعَقْد عنْدَ الْفُقَهَاء أَنْ يَكُونَ قَابلاً لحُكْم الْعَقْد.

وَالْمُرَادُ بحُكْم الْعَقْد: الأْثَرُ الْمُتَرَتّبُ عَلَى الْعَقْد، وَيَخْتَلفُ هَذَا حَسْبَ اخْتلاَف الْعُقُود، فَفي عَقْد الْبَيْع مَثَلاً أَثَرُ الْعَقْد هُوَ انْتقَالُ ملْكيَّة الْمَبيع منَ الْبَائع إلَى الْمُشْتَري، وَيُشْتَرَطُ فيه أَنْ يَكُونَ مَالاً مُتَقَوّمًا مَمْلُوكًا للْبَائع، فَمَا لَمْ يَكُنْ مَالاً بالْمَعْنَى الشَّرْعيّ: وَهُوَ مَا يَميلُ إلَيْه الطَّبْعُ وَيَجْري فيه الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ لاَ يَصحُّ بَيْعُهُ، كَبَيْع الْمَيْتَة مَثَلاً عنْدَ الْمُسْلمينَ. وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَقَوّمًا، أَيْ: مُنْتَفَعًا به شَرْعًا، كَبَيْع الْخَمْر وَالْخنْزير، فَإنَّهُمَا وَإنْ كَانَا مَالاً عنْدَ غَيْر الْمُسْلمينَ، لَكنَّهُمَا لَيْسَا مُتَقَوّمَيْن عنْدَ الْمُسْلمينَ، فَحَرُمَ بَيْعُهُمَا كَمَا وَرَدَ في حَديث جَابرٍ رضي الله عنه  : «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْر وَالْمَيْتَة وَالْخنْزير»

وَفي عُقُود الْمَنْفَعَة كَعَقْد الإْجَارَة وَالإْعَارَة وَنَحْوهمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْعَقْد - أَي الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا - مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً مُبَاحَةً، فَلاَ تَجُوزُ الإْجَارَةُ عَلَى الْمَنَافع الْمُحَرَّمَة كَالزّنَا وَالنَّوْح وَنَحْوهمَا كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مُصْطَلَح: (إجَارَة ف 108).

وَكَمَا لاَ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَنَافع الْمُحَرَّمَة لاَ يَجُوزُ إعَارَتُهَا كَذَلكَ؛ لأنَّ  منْ شُرُوط صحَّة الْعَاريَّة إمْكَانُ الانْتفَاع بمَحَلّ الْعَقْد (الْمُعَار أَو الْمُسْتَعَار) انْتفَاعًا مُبَاحًا شَرْعًا مَعَ بَقَاء عَيْنه، كَالدَّار للسُّكْنَى، وَالدَّابَّة للرُّكُوب، مَثَلاً فَلاَ يَجُوزُ إعَارَةُ الْفُرُوج للاسْتمْتَاع، وَلاَ آلاَت الْمَلاَهي للَّهْو، كَمَا لاَ تَصحُّ الإْعَارَةُ للْغنَاء أَو الزَّمْر أَوْ نَحْوهمَا منَ الْمُحَرَّمَات، فَالإْعَارَةُ لاَ تُبيحُ مَا لاَ يُبيحُهُ الشَّرْعُ.

وَتَفْصيلُهُ في مُصْطَلَح: (عَاريَّةً).

وَفي عَقْد الْوَكَالَة يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ (الْمُوَكَّل به) أَنْ يَكُونَ قَابلاً للانْتقَال للْغَيْر وَالتَّفْويض فيه، وَلاَ يَكُونَ خَاصًّا بشَخْص الْمُوَكّل، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مُصْطَلَح: (وَكَالَة).

ج - مَعْلُوميَّةُ الْمَحَلّ للْعَاقدَيْن :

37 - يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَمَعْرُوفًا للْعَاقدَيْن، بحَيْثُ لاَ يَكُونُ فيه جَهَالَةٌ تُؤَدّي إلَى النّزَاع وَالْغَرَر.

وَيَحْصُلُ الْعلْمُ بمَحَلّ الْعَقْد بكُلّ مَا يُمَيّزُهُ عَن الْغَيْر منْ رُؤْيَته أَوْ رُؤْيَة بَعْضه عنْدَ الْعَقْد، أَوْ بوَصْفه وَصْفًا يَكْشفُ عَنْهُ تَمَامًا، أَوْ بالإْشَارَة إلَيْه.

وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْه عنْدَ الْفُقَهَاء في عُقُود الْمُعَاوَضَة في الْجُمْلَة، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ منَ الْقَطيع مَثَلاً وَلاَ إجَارَةُ إحْدَى هَاتَيْن الدَّارَيْن، وَذَلكَ لأنَّ  الْجَهَالَةَ في مَحَلّ الْعَقْد: (الْمَعْقُود عَلَيْه) تُسَبّبُ الْغَرَرَ وَتُفْضي إلَى النّزَاع.

وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاء في هَذه الْمَسْأَلَة بَيْنَ الْجَهَالَة الْفَاحشَة - وَهيَ الَّتي تُفْضي إلَى النّزَاع - وَبَيْنَ الْجَهَالَة الْيَسيرَة - وَهيَ: الَّتي لاَ تُفْضي إلَى النّزَاع - فَمَنَعُوا الأُْولَى وَأَجَازُوا الثَّانيَةَ.

وَجَعَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء الْعُرْفَ حَكَمًا في تَعْيين مَا تَقَعُ عَلَيْه الإْجَارَةُ منْ مَنْفَعَةٍ، وَتَمْييز الْجَهَالَة الْفَاحشَة عَن الْجَهَالَة الْيَسيرَة.

وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَحَيْ: (بَيْع ف 32) (وَالإْجَارَةُ ف 34).

وَفي عَقْد السَّلَم يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ: (الْمُسْلَم فيه) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجنْس وَالنَّوْع وَالصّفَة وَالْقَدْر، كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أَوْ ذَرْعًا، وَذَلكَ لأنَّ  الْجَهَالَةَ في كُلٍّ منْهَا تُفْضي إلَى الْمُنَازَعَة وَقَدْ وَرَدَ في الْحَديث عَن النَّبيّ صلي الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ في تَمْرٍ فَلْيُسْلفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (سَلَم).

هَذَا في عُقُود الْمُعَاوَضَة.

38 - أَمَّا عُقُودُ التَّبَرُّع فَقَد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ في جَوَاز كَوْن الْمَحَلّ مَجْهُولاً، وَمنْ أَمْثلَة ذَلكَ مَا يَأْتي:

1 - عَقْدُ الْهبَة.

39 - يَشْتَرطُ الْحَنَفيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ في الْمَوْهُوب - وَهُوَ مَحَلُّ عَقْد الْهبَة - أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَمُعَيَّنًا، قَالَ الْحَصْكَفيُّ: شَرَائطُ صحَّة الْهبَة في الْمَوْهُوب: أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا، غَيْرَ مُشَاعٍ، مُمَيَّزًا، غَيْرَ مَشْغُولٍ، فَلاَ تَصحُّ هبَةُ لَبَنٍ في ضَرْعٍ، وَصُوفٍ عَلَى غَنَمٍ، وَنَخْلٍ في أَرْضٍ، وَتَمْرٍ في نَخْلٍ.

وَقَالَ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ: كُلُّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ تَجُوزُ هبَتُهُ، وَكُلُّ مَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ تَجُوزُ هبَتُهُ، كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ لغَيْر قَادرٍ عَلَى انْتزَاعه، وَضَالٍّ وَآبقٍ.

أَمَّا الْمَالكيَّةُ فَقَدْ تَوَسَّعُوا فيهَا، فَأَجَازُوا هبَةَ الْمَجْهُول وَالْمُشَاع، جَاءَ في الْفَوَاكه الدَّوَاني: أَنَّ شَرْطَ الشَّيْء الْمُعْطَى أَنْ يَكُونَ ممَّا يَقْبَلُ النَّقْلَ في الْجُمْلَة، فَيَشْمَلُ الأْشْيَاءَ الْمَجْهُولَةَ.

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (هبَة) .

2 - عَقْدُ الْوَصيَّة.

40 - تَصحُّ وَصيَّةُ الْمُوصي بجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ منْ مَاله وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا صَرَّحَ به الْحَنَفيَّةُ، وَفي هَذه الصُّورَة يَكُونُ الْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَة؛ لأنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَليلَ وَالْكَثيرَ، وَالْوَصيَّةُ لاَ تَمْتَنعُ بالْجَهَالَة.

وَأَجَازَ الْحَنَابلَةُ الْوَصيَّةَ بالْحَمْل إنْ كَانَ مَمْلُوكًا للْمُوصي، وَالْغَرَرُ وَالْخَطَرُ لاَ يَمْنَعُ صحَّةَ الْوَصيَّة عنْدَهُمْ

كَمَا أَجَازَ الشَّافعيَّةُ الْوَصيَّةَ بالْمَجْهُول، كَالْحَمْل الْمَوْجُود في الْبَطْن مُنْفَردًا عَنْ أُمّه أَوْ مَعَهَا، وَكَالْوَصيَّة باللَّبَن في الضَّرْع، وَالصُّوف عَلَى ظَهْر الْغَنَم.

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (وَصيَّة).

41 - هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافيُّ في فُرُوقه الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعدَة مَا تُؤَثّرُ فيه الْجَهَالاَتُ وَمَا لاَ تُؤَثّرُ فيه ذَلكَ منَ الْعُقُود وَالتَّصَرُّفَات فَقَالَ: وَرَدَت الأْحَاديثُ الصَّحيحَةُ في نَهْيه صلي الله عليه وسلم  عَنْ بَيْع الْغَرَر وَعَنْ بَيْع الْمَجْهُول، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلكَ: فَمنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ في التَّصَرُّفَات - وَهُوَ الشَّافعيُّ - فَمَنَعَ منَ الْجَهَالَة في الْهبَة وَالصَّدَقَة وَالإْبْرَاء وَالْخُلْع وَالصُّلْح وَغَيْر ذَلكَ، وَمنْهُمْ مَنْ فَصَلَ - وَهُوَ مَالكٌ - بَيْنَ قَاعدَة مَا يُجْتَنَبُ فيه الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَات وَالتَّصَرُّفَات الْمُوجبَة لتَنْميَة الأَْمْوَال مَا يُقْصَدُ به تَحْصيلُهَا، وَقَاعدَة مَا لاَ يُجْتَنَبُ فيه الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَهُوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لذَلكَ، وَانْقَسَمَت التَّصَرُّفَاتُ عنْدَهُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: طَرَفَان وَوَاسطَةٌ، فَالطَّرَفَان أَحَدُهُمَا: مُعَاوَضَةٌ صرْفَةٌ فَيُجْتَنَبُ فيهَا ذَلكَ إلاَّ مَا دَعَت الضَّرُورَةُ إلَيْه... وَثَانيهمَا: مَا هُوَ إحْسَانٌ صرْفٌ لاَ يُقْصَدُ به تَنْميَةُ الْمَال كَالصَّدَقَة وَالْهبَة وَالإْبْرَاء.

فَفي الْقسْم الأْوَّل: إذَا فَاتَ بالْغَرَر وَالْجَهَالاَت ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ في مُقَابَلَته فَاقْتَضَتْ حكْمَةُ الشَّرْع مَنْعَ الْجَهَالَة فيه، أَمَّا الْقسْمُ الثَّاني - أَي: الإْحْسَانُ الصّرْفُ - فَلاَ ضَرَرَ فيه، فَاقْتَضَتْ حكْمَةُ الشَّرْع وَحَثُّهُ عَلَى الإْحْسَان التَّوْسعَةَ فيه بكُلّ طَريقٍ، بالْمَعْلُوم وَالْمَجْهُول فَإنَّ ذَلكَ أَيْسَرُ لكَثْرَة وُقُوعه قَطْعًا، وَفي الْمَنْع منْ ذَلكَ وَسيلَةٌ إلَى تَقْليله فَإذَا وَهَبَ لَهُ عَبْدَهُ الآْبقَ جَازَ أَنْ يَجدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مَا يَنْتَفعُ به، وَلاَ ضَرَرَ عَلَيْه؛ لأنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، وَهَذَا فقْهٌ جَميلٌ.

ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْوَاسطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْن فَهُوَ النّكَاحُ، فَهُوَ منْ جهَة أَنَّ الْمَالَ فيه لَيْسَ مَقْصُودًا، وَإنَّمَا مَقْصدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالأْلْفَةُ وَالسُّكُونُ، يَقْتَضي أَنْ يَجُوزَ فيه الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا، وَمنْ جهَة أَنَّ صَاحبَ الشَّرْع اشْتَرَطَ فيه الْمَالَ بقَوْله تَعَالَى: ( أَنْ تَبْتَغُوا بأَمْوَالكُمْ) يَقْتَضي امْتنَاعَ الْجَهَالَة وَالْغَرَر فيه، فَلوُجُود الشَّبَهَيْن تَوَسَّطَ مَالكٌ فَجَوَّزَ فيه الْغَرَرَ الْقَليلَ دُونَ الْكَثير، نَحْوَ عَبْدٍ منْ غَيْر تَعَيُّنٍ، وَشُورَة (أَثَاث) بَيْتٍ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الْعَبْد الآْبق، وَالْبَعير الشَّارد .

د - الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْليم.

42 - يُشْتَرَطُ في مَحَلّ الْعَقْد أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْليم، وَهَذَا الشَّرْطُ مَحَلُّ اتّفَاقٍ في عُقُود الْمُعَاوَضَة في الْجُمْلَة، فَالْحَيَوَانُ الضَّالُّ الشَّاردُ وَنَحْوُهُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لعَقْد الْبَيْع أَو الإْجَارَة أَو الصُّلْح أَوْ نَحْوهَا، وَكَذَلكَ الدَّارُ الْمَغْصُوبَةُ منْ غَيْر غَاصبهَا، أَو الأَْرْضُ أَوْ أَيْ شَيْءٍ آخَرُ تَحْتَ يَد الْعَدُوّ.

قَالَ الْكَاسَانيُّ: منْ شُرُوط الْمَبيع أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْليم عنْدَ الْعَقْد، فَإنْ كَانَ مَعْجُوزَ التَّسْليم عنْدَهُ لاَ يَنْعَقدُ، وَإنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ كَبَيْع الآْبق حَتَّى لَوْ ظَهَرَ يَحْتَاجُ إلَى تَجْديد الإْيجَاب وَالْقَبُول إلاَّ إذَا تَرَاضَيَا فَيَكُونُ بَيْعًا مُبْتَدَأً بالتَّعَاطي.

وَقَالَ في شُرُوط الْمُسْتَأْجَر: منْ شُرُوطه أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ الاسْتيفَاء حَقيقَةً وَشَرْعًا؛ لأنَّ  الْعَقْدَ لاَ يَقَعُ وَسيلَةً إلَى الْمَعْقُود عَلَيْه بدُونه، فَلاَ يَجُوزُ اسْتئْجَارُ الآْبق، وَلاَ إجَارَةُ الْمَغْصُوب منْ غَيْر الْغَاصب.

وَفي الْمَنْثُور للزَّرْكَشيّ: منْ حُكْم الْعُقُود اللاَّزمَة أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْه مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْليمه في الْحَال، وَالْجَائزُ قَدْ لاَ يَكُونُ كَذَلكَ كَالْجَعَالَة تُعْقَدُ عَلَى رَدّ الآْبق.

وَقَالَ النَّوَويُّ في بَيَان شُرُوط الْمَبيع: الثَّالثُ: إمْكَانُ تَسْليمه، فَلاَ يَصحُّ بَيْعُ الضَّالّ وَالآْبق وَالْمَغْصُوب، وَعَلَّلَهُ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ بقَوْله: للْعَجْز عَنْ تَسْليم ذَلكَ حَالاً.

وَمثْلُهُ مَا في كُتُب بَقيَّة الْمَذَاهب.

أَمَّا في عُقُود التَّبَرُّع فَأَجَازَ الْمَالكيَّةُ هبَةَ الآْبق وَالْحَيَوَان الشَّارد، مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَقْدُورَي التَّسْليم حينَ الْعَقْد؛ لأنَّهُ إحْسَانٌ صرْفٍ، فَإذَا وَجَدَهُ وَتَسَلَّمَهُ يَسْتَفيدُ منْهُ، وَإلاَّ لاَ يَتَضَرَّرُ كَمَا قَالَ الْقَرَافيُّ، وَأَجَازَ الشَّافعيَّةُ الْوَصيَّةَ فيمَا يَعْجزُ عَنْ تَسْليمه وَقَالَ ابْنُ الْقَيّم في عُقُود التَّبَرُّع: لاَ غَرَرَ في تَعَلُّقهَا بالْمَوْجُود وَالْمَعْدُوم وَمَا يَقْدرُ عَلَى تَسْليمه وَمَا لاَ يَقْدرُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والثلاثون ، الصفحة / 138

غَبْن

التَّعْرِيفُ:

1 - الْغَبْنُ فِي اللُّغَةِ. الْغَلَبُ وَالْخَدْعُ وَالنَّقْصُ . قَالَ الْكَفَوِيُّ: الْغَبْنُ بِالْمُوَحَّدَةِ السَّاكِنَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الأْمْوَالِ، وَبِالْمُتَحَرِّكَةِ فِي الآْرَاءِ  وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ بِالْفَتْحِ، وَفِي الرَّأْيِ بِالإْسْكَانِ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَالَ الْحَطَّابُ: الْغَبْنُ عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعِ السِّلْعَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ النَّاسَ لاَ يَتَغَابَنُونَ بِمِثْلِهِ إِذَا اشْتَرَاهَا كَذَلِكَ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - التَّدْلِيسُ:

2 - التَّدْلِيسُ: كِتْمَانُ عَيْبِ السِّلْعَةِ عَنِ الْمُشْتَرِي، يُقَالُ دَلَّسَ الْبَائِعُ تَدْلِيسًا: كَتَمَ عَيْبَ السِّلْعَةِ عَنِ الْمُشْتَرِي وَأَخْفَاهُ، وَمِنْهُ التَّدْلِيسُ فِي الإْسْنَادِ. وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَعْمِلُونَ هَذَا اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ نَفْسِهِ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَالْغَبْنِ هُوَ: أَنَّ التَّدْلِيسَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْغَبْنِ.

ب - الْغِشُّ:

3 - الْغِشُّ هُوَ الاِسْمُ مِنَ الْغِشِّ مَصْدَرُ غَشَّهُ: إِذَا لَمْ يَمْحَضْهُ النُّصْحَ وَزَيَّنَ لَهُ غَيْرَ الْمَصْلَحَةِ أَوْ أَظْهَرَ لَهُ خِلاَفَ مَا أَضْمَرَهُ  وَيَكُونُ الْغِشُّ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْغَبْنِ.

ح - الْغَرَرُ:

4 - الْغَرَرُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ مِنَ التَّغْرِيرِ وَهُوَ الْخَطَرُ وَالْخُدْعَةُ وَتَعْرِيضُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ لِلْهَلَكَةِ .

وَقَالَ الْجُرْجَانِيِّ: الْغَرَرُ مَا يَكُونُ مَجْهُولَ الْعَاقِبَةِ، لاَ يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لاَ ؟

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

5 - الْغَبْنُ مُحَرَّمٌ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّغْرِيرِ لِلْمُشْتَرِي وَالْغِشِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَيَحْرُمُ تَعَاطِي أَسْبَابِهِ . لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»  قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّ الْغَبْنَ فِي الدُّنْيَا مَمْنُوعٌ بِإِجْمَاعٍ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا إِذْ هُوَ مِنْ بَابِ الْخِدَاعِ الْمُحَرَّمِ شَرْعًا فِي كُلِّ مِلَّةٍ. لَكِنَّ الْيَسِيرَ مِنْهُ لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ لأِحَدٍ فَمَضَى فِي الْبُيُوعِ، إِذْ لَوْ حَكَمْنَا بِرَدِّهِ مَا نَفَذَ بَيْعٌ أَبَدًا؛ لأِنَّهُ  لاَ يَخْلُو مِنْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ كَثِيرًا أَمْكَنَ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ وَجَبَ الرَّدُّ بِهِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ مَعْلُومٌ .

أَنْوَاعُ الْغَبْنِ:

6 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْغَبْنَ نَوْعَانِ: غَبْنٌ يَسِيرٌ وَغَبْنٌ فَاحِشٌ. وَلِلْفُقَهَاءِ فِي تَحْدِيدِ كُلٍّ مِنَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ أَقْوَالٌ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْيَسِيرَ: مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ. وَالْفَاحِشَ:

مَا لاَ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، لأِنَّ  الْقِيمَةَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ بَعْدَ الاِجْتِهَادِ، فَيُعْذَرُ فِيمَا يُشْتَبَهُ؛ لأِنَّهُ  يَسِيرٌ لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلاَ يُعْذَرُ فِيمَا لاَ يُشْتَبَهُ لِفُحْشِهِ، وَلإِمْكَانِ الاِحْتِرَازِ عَنْهُ، لأِنَّهُ  لاَ يَقَعُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً إِلاَّ عَمْدًا.

وَقِيلَ: حَدُّ الْفَاحِشِ فِي الْعُرُوضِ نِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ، وَفِي الْحَيَوَانِ عُشْرُ الْقِيمَةِ، وَفِي الْعَقَارِ خُمُسُ الْقِيمَةِ، وَفِي الدَّرَاهِمِ رُبُعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ؛ لأِنَّ  الْغَبْنَ يَحْصُلُ بِقِلَّةِ الْمُمَارَسَةِ فِي التَّصَرُّفِ، وَالصَّحِيحُ الأْوَّلُ .

هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ سِعْرُهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْمَوْزِ لاَ يُعْفَى فِيهِ الْغَبْنُ وَإِنْ قَلَّ وَإِنْ كَانَ فَلْسًا .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْغَبْنَ عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعِ السِّلْعَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ النَّاسَ لاَ يَتَغَابَنُونَ بِمِثْلِهِ، وَهِيَ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ وَقِيلَ: الثُّلُثُ وَأَمَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَلاَ يُوجِبُ الرَّدَّ بِاتِّفَاقٍ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْغَبْنُ الْيَسِيرُ هُوَ مَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا فَيُغْتَفَرُ فِيهِ، وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ هُوَ مَا لاَ يُحْتَمَلُ غَالِبًا، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ عُرْفُ بَلَدِ الْبَيْعِ وَالْعَادَةِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُرْجَعُ فِي الْغَبْنِ إِلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الأْصْحَابِ ، وَقِيلَ: يُقَدَّرُ الْغَبْنُ بِالثُّلُثِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الإْرْشَادِ. وَنَقَلَ الْمِرْدَاوِيُّ عَنِ الْمُسْتَوْعِبِ: الْمَنْصُوصُ أَنَّ الْغَبْنَ الْمُثْبِتَ لِلْفَسْخِ مَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ. وَحَدَّهُ أَصْحَابُنَا بِقَدْرِ ثُلُثِ قِيمَةِ الْبَيْعِ .

أَثَرُ الْغَبْنِ فِي الْعُقُودِ:

7 - إِذَا كَانَ الْغَبْنُ الْمُصَاحِبُ لِلْعَقْدِ يَسِيرًا فَلاَ يُؤَثِّرُ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ. اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْغَبْنَ فِي الْبَيْعِ بِمَا لاَ يُوحِشُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي صِحَّتِهِ .

إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اسْتَثْنَوْا بَعْضَ الْمَسَائِلِ، وَاعْتَبَرُوا الْغَبْنَ يُؤَثِّرُ فِيهَا حَتَّى لَوْ كَانَ يَسِيرًا .

أَمَّا الْغَبْنُ الْفَاحِشُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِهِ عَلَى الْعُقُودِ حَسَبَ الاِتِّجَاهَاتِ الآْتِيَةِ:

الاِتِّجَاهُ الأْوَّلُ : ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ إِلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ لاَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، وَلاَ يُوجِبُ الرَّدَّ .

قَالَ الْحَصْكَفِيُّ: لاَ رَدَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ مُطْلَقًا .

وَقَالَ الدَّرْدِيرُ: وَلاَ يُرَدُّ الْمَبِيعُ بِغَبْنٍ بِأَنْ يَكْثُرَ الثَّمَنُ أَوْ يَقِلَّ جِدًّا، وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ بِأَنْ خَرَجَ عَنْ مُعْتَادِ الْعُقَلاَءِ .

وَجَاءَ فِي رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ: مُجَرَّدُ الْغَبْنِ لاَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَإِنْ تَفَاحَشَ، وَلَوْ اشْتَرَى زُجَاجَةً بِثَمَنٍ كَبِيرٍ يَتَوَهَّمُهَا جَوْهَرَةً فَلاَ خِيَارَ لَهُ، وَلاَ نَظَرَ إِلَى مَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْغَبْنِ؛ لأِنَّ  التَّقْصِيرَ مِنْهُ حَيْثُ لَمْ يُرَاجِعْ أَهْلَ الْخِبْرَةِ .

وَقَدِ اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بَعْضَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ، وَقَالُوا بِأَثَرِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُصَاحِبْهُ تَغْرِيرٌ، وَمِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ:

أ - تَصَرُّفُ الأْبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْمُضَارِبِ وَالْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، يُعْفَى فِيهِ يَسِيرُ الْغَبْنِ دُونَ فَاحِشِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ .

وَقَالَ الْمَوَّاقُ نَقْلاً عَنْ أَبِي عُمَرَ الْمَالِكِيِّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّائِبَ عَنْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ وَصِيٍّ إِذَا بَاعَ أَوِ اشْتَرَى مَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ أَنَّهُ مَرْدُودٌ .

وَلِلتَّفْصِيلِ فِي أَحْكَامِ خِيَارِ غَبْنِ الْقَاصِرِ وَشِبْهِهِ ر: (خِيَارُ الْغَبْنِ ف 13 وَمَا بَعْدَهَا)

ب - بَيْعُ الْمُسْتَسْلِمِ الْمُسْتَنْصِحِ  قَالَ الدَّرْدِيرُ: وَلاَ رَدَّ بِغَبْنٍ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ، إِلاَّ أَنْ يَسْتَسْلِمَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ صَاحِبَهُ بِأَنْ يُخْبِرَهُ بِجَهْلِهِ، كَأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي: أَنَا لاَ أَعْلَمُ قِيمَةَ هَذِهِ السِّلْعَةِ، فَبِعْنِي كَمَا تَبِيعُ النَّاسَ فَقَالَ الْبَائِعُ: هِيَ فِي الْعُرْفِ بِعَشْرَةٍ فَإِذَا هِيَ بِأَقَلَّ: أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ: أَنَا لاَ أَعْلَمُ قِيمَتَهَا فَاشْتَرِ مِنِّي كَمَا تَشْتَرِي مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: هِيَ فِي عُرْفِهِمْ بِعَشْرَةٍ، فَإِذَا هِيَ بِأَكْثَرَ، فَلِلْمَغْبُونِ الرَّدُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، بَلْ بِاتِّفَاقٍ .

الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ - مِنْهُمُ ابْنُ الْقَصَّارِ - وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِلْمَغْبُونِ حَقَّ الْخِيَارِ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْعَقْدِ أَوْ فَسْخِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَاحِبِ الْغَبْنَ تَغْرِيرٌ .

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْحَمَوِيِّ: فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ الرَّدِّ بِهِ (بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ) وَلَكِنْ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَفْتَى بِالرَّدِّ مُطْلَقًا .

وَقَالَ الْمَوَّاقُ نَقْلاً عَنِ الْمُتَيْطِيِّ: تَنَازَعَ الْبَغْدَادِيُّونَ فِي هَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ زَادَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ عَلَى قِيمَةِ الثُّلُثِ فَأَكْثَرُ فُسِخَ الْبَيْعُ، وَكَذَلِكَ إِنْ بَاعَ بِنُقْصَانِ النَّاسِ مِنْ قِيمَتِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ: لِلْمَغْبُونِ الرَّدُّ إِذَا كَانَ فَاحِشًا وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمَغْبُونُ جَاهِلاً بِالْقِيَمِ .

وَالْحَنَابِلَةُ يَقُولُونَ بِإِعْطَاءِ الْعَاقِدِ الْمَغْبُونِ حَقَّ الْخِيَارِ فِي ثَلاَثِ صُوَرٍ  إِحْدَاهَا: تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «لاَ تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ أَيْ صَاحِبُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ»  

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 129. 131).

وَالثَّانِيَةُ: بَيْعُ النَّاجِشِ وَلَوْ بِلاَ مُوَاطَأَةٍ مِنَ الْبَائِعِ، وَمِنْهُ أُعْطِيتُ كَذَا وَهُوَ كَاذِبٌ وَالثَّالِثَةُ: الْمُسْتَرْسِلُ إِذَا اطْمَأَنَّ وَاسْتَأْنَسَ وَغَبَنَ، ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَلاَ أَرْشَ مَعَ إِمْسَاكٍ .

الاِتِّجَاهُ الثَّالِثُ: إِعْطَاءُ الْمَغْبُونِ حَقَّ الْخِيَارِ إِذَا صَاحَبَ الْغَبْنَ تَغْرِيرٌ بِهَذَا يَقُولُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَأَفْتَى بِهِ صَدْرُ الإْسْلاَمِ  وَغَيْرُهُ .

(ر: خِيَارُ الْغَبْنِ ف 12 وَمَا بَعْدَهَا).

غَرَر

التَّعْرِيفُ:

1 - الْغَرَرُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ التَّغْرِيرِ، وَهُوَ الْخَطَرُ، وَالْخُدْعَةُ، وَتَعْرِيضُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ لِلْهَلَكَةِ، يُقَالُ: غَرَّهُ غَرًّا وَغُرُورًا وَغُرَّةً فَهُوَ مَغْرُورٌ وَغَرِيرٌ: خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِلِ، وَغَرَّتْهُ الدُّنْيَا غُرُورًا: خَدَعَتْهُ بِزِينَتِهَا، وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ تَغْرِيرًا وَتَغِرَّةً: عَرَّضَهَا لِلْهَلَكَةِ.

وَالتَّغْرِيرُ: حَمْلُ النَّفْسِ عَلَى الْغَرَرِ .

وَعَرَّفَهُ الْجُرْجَانِيُّ: بِأَنَّهُ مَا يَكُونُ مَجْهُولَ الْعَاقِبَةِ لاَ يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لاَ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْجَهَالَةُ:

2 - الْجَهَالَةُ لُغَةً: أَنْ تَفْعَلَ فِعْلاً بِغَيْرِ عِلْمٍ .

وَاصْطِلاَحًا: هِيَ الْجَهْلُ الْمُتَعَلِّقُ بِخَارِجٍ عَنِ الإِْنْسَانِ كَمَبِيعٍ وَمُشْتَرًى وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ وَغَيْرِهَا.

(ر: جَهَالَة ف 1 – 3)

وَفَرَّقَ الْقَرَافِيُّ بَيْنَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَقَالَ: أَصْلُ الْغَرَرِ هُوَ الَّذِي لاَ يُدْرَى هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لاَ؟ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ، وَأَمَّا مَا عُلِمَ حُصُولُهُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ فَهُوَ الْجَهُولُ، كَبَيْعِهِ مَا فِي كُمِّهِ، فَهُوَ يَحْصُلُ قَطْعًا، لَكِنْ لاَ يُدْرَى أَيْ شَيْءٍ هُوَ؟ فَالْغَرَرُ وَالْمَجْهُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنَ الآْخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَيُوجَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الآْخَرِ وَبِدُونِهِ

أَمَّا وُجُودُ الْغَرَرِ بِدُونِ الْجَهَالَةِ: فَكَشِرَاءِ الْعَبْدِ الآْبِقِ الْمَعْلُومِ قَبْلَ الإِْبَاقِ لاَ جَهَالَةَ فِيهِ، وَهُوَ غَرَرٌ، لأِنَّهُ  لاَ يُدْرَى هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لاَ؟

وَالْجَهَالَةُ بِدُونِ الْغَرَرِ: كَشِرَاءِ حَجَرٍ يَرَاهُ لاَ يَدْرِي أَزُجَاجٌ هُوَ أَمْ يَاقُوتٌ، مُشَاهَدَتُهُ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِحُصُولِهِ فَلاَ غَرَرَ، وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِ يَقْتَضِي الْجَهَالَةَ بِهِ.

وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَكَالْعَبْدِ الآْبِقِ، الْمَجْهُولِ الصِّفَةِ قَبْلَ الإْبَاقِ  

ب - الْغَبْنُ:

3 - الْغَبْنُ فِي اللُّغَةِ: النُّقْصَانُ، يُقَالُ: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ غَبْنًا أَيْ: نَقَصَهُ، وَغَبَنَ رَأْيَهُ غَبْنًا: قَلَّتْ فِطْنَتُهُ وَذَكَاؤُهُ.

قَالَ الْفِيْرُوزُ آبَادِيُّ.: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ يَغْبِنُهُ غَبْنًا - وَيُحَرَّكُ - أَوْ بِالتَّسْكِينِ فِي الْبَيْعِ وَبِالتَّحْرِيكِ فِي الرَّأْيِ: خَدَعَهُ .

وَيُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْغَبْنَ إِلَى فَاحِشٍ وَيَسِيرٍ، وَالْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا - كَمَا يَقُولُ صَاحِبُ الْكُلِّيَّاتِ - هُوَ الدُّخُولُ تَحْتَ التَّقْوِيمِ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ بَعْضِ الْمُقَوِّمِينَ،  فَالْفَاحِشُ مَا لاَ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَالْيَسِيرُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ بَعْضِ الْمُقَوِّمِينَ .

ج - التَّدْلِيسُ:

4 - التَّدْلِيسُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: كَتْمُ عَيْبِ السِّلْعَةِ، قَالَ الأْزْهَرِيُّ : سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: لَيْسَ لِي فِي الأْمْرِ وَلْسٌ وَلاَ دَلْسٌ أَيْ: لاَ خِيَانَةٌ وَلاَ خَدِيعَةٌ .

وَالْغَرَرُ أَعَمُّ مِنَ التَّدْلِيسِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ

5 - الْغَرَرُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ خَدِيعَةً أَوْ تَدْلِيسًا حَرَامٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَمِنْهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ».

قَالَ النَّوَوِيُّ: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ كِتَابِ الْبُيُوعِ، يَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ، وَقَالَ: وَبَيْعُ مَا فِيهِ غَرَرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ وَلاَ تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ بَاطِلٌ .

أَقْسَامُ الْغَرَرِ:

6 - يَنْقَسِمُ الْغَرَرُ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُهُ عَلَى الْعَقْدِ إِلَى: غَرَرٍ مُؤَثِّرٍ فِي الْعَقْدِ وَغَرَرٍ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى مُؤَثِّرٍ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِ مُؤَثِّرٍ .

شُرُوطُ الْغَرَرِ الْمُؤَثِّرِ:

يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا الشُّرُوطَ الآْتِيَةَ:

أ - أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ كَثِيرًا:

7 - يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا، أَمَّا إِذَا كَانَ الْغَرَرُ يَسِيرًا فَإِنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لَهُ عَلَى الْعَقْدِ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ - أَيْ فِي الْبَيْعِ - ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: كَثِيرٌ مُمْتَنِعٌ إِجْمَاعًا، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَقَلِيلٌ جَائِزٌ إِجْمَاعًا، كَأَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ، وَمُتَوَسِّطٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ يُلْحَقُ بِالأْوَّلِ  أَمْ بِالثَّانِي؟  وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ الْكَثِيرَ فِي الْمَبِيعَاتِ لاَ يَجُوزُ وَأَنَّ الْقَلِيلَ يَجُوزُ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: نَقَلَ الْعُلَمَاءُ الإْجْمَاعَ فِي أَشْيَاءَ غَرَرُهَا حَقِيرٌ، مِنْهَا: أَنَّ الأْمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوُهَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا شَهْرًا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلاَثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِأُجْرَةٍ، وَعَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ بِعِوَضٍ مَعَ اخْتِلاَفِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ مُكْثِهِمْ فِي الْحَمَّامِ، قَالَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَدَارُ الْبُطْلاَنِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ وَالصِّحَّةِ مَعَ وُجُودِهِ هُوَ أَنَّهُ إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى ارْتِكَابِ الْغَرَرِ، وَلاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ إِلاَّ بِمَشَقَّةٍ، أَوْ كَانَ الْغَرَرُ حَقِيرًا جَازَ الْبَيْعُ، وَإِلاَّ فَلاَ .

وَقَدْ وَضَعَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ ضَابِطًا لِلْغَرَرِ الْكَثِيرِ فَقَالَ: الْغَرَرُ الْكَثِيرُ هُوَ مَا غَلَبَ عَلَى الْعَقْدِ حَتَّى أَصْبَحَ الْعَقْدُ يُوصَفُ بِهِ  

ب - أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَصَالَةً:

8 - يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَصَالَةً. أَمَّا إِذَا كَانَ الْغَرَرُ فِيمَا يَكُونُ تَابِعًا لِلْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ فَإِنَّهُ. لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ. وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُقَرَّرَةِ: أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا  وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:

1 - أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا مُفْرَدَةً، لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا،  وَلَكِنْ لَوْ بِيعَتْ مَعَ أَصْلِهَا جَازَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ»  وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ الإْجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ، وَقَالَ: وَلأِنَّهُ  إِذَا بَاعَهَا مَعَ الأْصْلِ  حَصَلَتْ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ يَضُرَّ احْتِمَالُ الْغَرَرِ فِيهَا .

2 - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ  رضي الله عنهماأَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمَجْرِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالنَّوَوِيُّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى بُطْلاَنِ بَيْعِ الْجَنِينِ؛ لأِنَّهُ  غَرَرٌ، لَكِنْ لَوْ بَاعَ حَامِلاً بَيْعًا مُطْلَقًا صَحَّ الْبَيْعُ، وَدَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ بِالإْجْمَاعِ .

3 - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ  رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: لاَ تَشْتَرُوا اللَّبَنَ فِي ضُرُوعِهَا، وَلاَ الصُّوفَ عَلَى ظُهُورِهَا  وَلأِنَّهُ  مَجْهُولُ الْقَدْرِ، لأِنَّهُ  قَدْ يُرَى امْتِلاَءُ الضَّرْعِ مِنَ السِّمَنِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ اللَّبَنِ، وَلأِنَّهُ  مَجْهُولُ الصِّفَةِ، لأِنَّهُ  قَدْ يَكُونُ اللَّبَنُ صَافِيًا وَقَدْ يَكُونُ كَدِرًا، وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ، لَكِنْ لَوْ بِيعَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ مَعَ الْحَيَوَانِ جَازَ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ حَيَوَانٍ فِي ضَرْعِهِ لَبَنٌ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مَجْهُولاً؛ لأِنَّهُ  تَابِعٌ لِلْحَيَوَانِ،  وَدَلِيلُهُ مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ .

وَنَقَلَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَ لَبَنِ الْغَنَمِ أَيَّامًا مَعْدُودَةً إِذَا كَانَ مَا يُحْلَبُ فِيهَا مَعْرُوفًا فِي الْعَادَةِ، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ، وَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ لَبَنِ الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً، وَضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلاً شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي إِبَّانِ لَبَنِهَا وَعُلِمَ أَنَّ لَبَنَهَا لاَ يُقْطَعُ إِلَى ذَلِكَ الأَْجَلِ، إِذَا كَانَ قَدْ عُرِفَ وَجْهُ حِلاَبِهَا.  

ج - أَلاَّ تَدْعُوَ لِلْعَقْدِ حَاجَةٌ:

9 - يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي الْعَقْدِ: أَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ حَاجَةٌ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ لِلنَّاسِ حَاجَةٌ لَمْ يُؤَثِّرِ الْغَرَرُ فِي الْعَقْدِ، وَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ: إِنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِلْحَالِ فَكَانَ شَرْطًا مُغَيِّرًا مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فِي الأْصْلِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنَّمَا جَازَ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَا وَرَدَ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ رضي الله عنه كَانَ يُغْبَنُ فِي التِّجَارَاتِ، فَشَكَا أَهْلُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ«إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ» وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ تَبْتَاعُهَا بِالْخِيَارِ ثَلاَثَ لَيَالٍ»  وَلِلْحَاجَةِ إِلَى دَفْعِ الْغَبْنِ بِالتَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ .

وَقَالَ الْكَمَالُ عَنْ عَقْدِ السَّلَمِ: وَلاَ يَخْفَى أَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ. إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ وَالإْجْمَاعِ لِلْحَاجَةِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْتَاجُ إِلَى الاِسْتِرْبَاحِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ، وَهُوَ بِالسَّلَمِ أَسْهَلُ، إِذْ لاَ بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْبَيْعِ نَازِلاً عَنِ الْقِيمَةِ فَيُرْبِحُهُ الْمُشْتَرِي، وَالْبَائِعُ قَدْ يَكُونُ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْحَالِ إِلَى السَّلَمِ، وَقُدْرَةٌ فِي الْمَالِ عَلَى الْبَيْعِ بِسُهُولَةٍ، فَتَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ الْحَالِيَّةُ إِلَى قُدْرَتِهِ الْمَآلِيَّةِ، فَلِهَذِهِ الْمَصَالِحِ شُرِعَ .

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّمَا جُوِّزَ الْجُعْلُ فِي الْعَمَلِ الْمَجْهُولِ وَالْغَرَرُ لِلضَّرُورَةِ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الأْصْلُ  أَنَّ بَيْعَ الْغَرَرِ بَاطِلٌ. لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه أَنَّ «النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . وَالْمُرَادُ مَا كَانَ فِيهِ غَرَرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ، فَأَمَّا مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ. وَلاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ كَأَسَاسِ الدَّارِ، وَشِرَاءِ الْحَامِلِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْحَمْلَ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَكَامِلُ الأْعْضَاءِ أَوْ نَاقِصُهَا، وَكَشِرَاءِ الشَّاةِ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالإْجْمَاعِ .

وَبَعْدَ أَنْ قَرَّرَ ابْنُ قُدَامَةَ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ قَالَ: وَأَمَّا لَبَنُ الظِّئْرِ فَإِنَّمَا جَازَ لِلْحَضَانَةِ؛ لأِنَّهُ  مَوْضِعُ الْحَاجَةِ .

د - أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ فِي عَقْدٍ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ:

10 - وَقَدِ اشْتَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ الْمَالِكِيَّةُ فَقَطْ، حَيْثُ يَرَوْنَ أَنَّ الْغَرَرَ الْمُؤَثِّرَ هُوَ مَا كَانَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَأَمَّا عُقُودُ التَّبَرُّعَاتِ فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهَا الْغَرَرُ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: فَصَلَ مَالِكٌ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَنْمِيَةِ الأْمْوَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُهَا، وَقَاعِدَةِ مَا لاَ يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لِذَلِكَ .

وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي التَّبَرُّعَاتِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، لَكِنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ الْوَصِيَّةَ مِنْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ

الْغَرَرُ فِي الْعُقُودِ:

أَوَّلاً - الْغَرَرُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ:

أ - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ:

الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ، أَوْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ.

1 - الْغَرَرُ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ:

11 - قَدْ يَنْعَقِدُ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَى صِفَةٍ تَجْعَلُ فِيهِ غَرَرًا، بِمَعْنَى أَنَّ الْغَرَرَ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ - الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ - لاَ بِمَحَلِّهِ - الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ - وَيَدْخُلُ فِي الْغَرَرِ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ عِدَّةُ بُيُوعٍ نَهَى الشَّارِعُ عَنْهَا صَرَاحَةً، مِنْهَا الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ».

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَة ف 1 وَمَا بَعْدَهَا)

وَمِنْهَا بَيْعُ الْحَصَاةِ، كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: إِذَا رَمَيْتَ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَهَذَا الثَّوْبُ مَبِيعٌ مِنْكَ بِكَذَا، وَذَلِكَ بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّمْيَ صِيغَةَ الْبَيْعِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ».

(ر: بَيْعُ الْحَصَاةِ ف 4).

وَمِنْهَا بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ».

(ر: بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ ف 3 و 4، وَبَيْعُ الْمُنَابَذَةِ ف 2).

وَيَدْخُلُ أَيْضًا فِي الْغَرَرِ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ تَعْلِيقُ الْبَيْعِ وَإِضَافَتُهُ لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ . قَالَ الشِّيرَازِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَمَجِيءِ الشَّهْرِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ؛ لأِنَّهُ  بَيْعُ غَرَرٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. فَلَمْ يَجُزْ .

2 - الْغَرَرُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ:

12 - مَحَلُّ الْعَقْدِ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ يَشْمَلُ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ.

وَالْغَرَرُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ يَرْجِعُ إِلَى الْجَهَالَةِ بِهِ، لِذَا شَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ الْعِلْمَ بِالْمَحَلِّ .

وَالْغَرَرُ فِي الْمَبِيعِ يَرْجِعُ إِلَى أَحَدِ الأْمُورِ التَّالِيَةِ: الْجَهْلُ بِذَاتِ الْبَيْعِ أَوْ جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ مِقْدَارِهِ أَوْ أَجَلِهِ، أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، أَوِ التَّعَاقُدِ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَعْدُومِ، أَوْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ.

13 - فَمِثَالُ الْجَهْلِ بِذَاتِ الْمَبِيعِ: بَيْعُ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ، أَوْ ثَوْبٍ مِنْ ثِيَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَالْمَبِيعُ هُنَا - وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ - إِلاَّ أَنَّهُ مَجْهُولُ الذَّاتِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى حُصُولِ نِزَاعٍ فِي تَعْيِينِهِ . وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ الْبَيْعَ إِنْ جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ التَّعْيِينِ، وَيُسَمَّى عِنْدَهُمْ بَيْعَ الاِخْتِيَارِ، وَكَذَا أَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ إِنْ جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ التَّعْيِينِ وَكَانَ اخْتِيَارُهُ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَمَا دُونَ.

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِجِنْسِ الْمَحَلِّ: بَيْعُ الْحَصَاةِ عَلَى بَعْضِ التَّفَاسِيرِ، وَبَيْعُ الْمَرْءِ مَا فِي كُمِّهِ وَأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ سِلْعَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَهَا .

(ر: بَيْعُ الْحَصَاةِ ف 3). وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِنَوْعِ الْمَحَلِّ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ كُرًّا - وَهُوَ كَيْلٌ - مِنْ حِنْطَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ الْكُرِّ فِي مِلْكِهِ بَطَلَ، وَلَوْ بَعْضُهُ فِي مِلْكِهِ بَطَلَ فِي الْمَعْدُومِ وَفَسَدَ فِي الْمَوْجُودَةِ، وَلَوْ كُلُّهُ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ فِي مَوْضِعَيْنِ، أَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لاَ يَجُوزُ، وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُضِفِ الْبَيْعَ إِلَى تِلْكَ الْحِنْطَةِ .

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ يَقَعَانِ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ، ثُمَّ قَالَ: رَابِعُهَا النَّوْعُ، كَعَبْدٍ لَمْ يُسَمِّهِ .

وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ إِذَا جُهِلَ جِنْسُهَا أَوْ نَوْعُهَا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»،  وَفِي بَيْعِ مَا لاَ يُعْرَفُ جِنْسُهُ أَوْ نَوْعُهُ غَرَرٌ كَثِيرٌ .

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِصِفَةِ الْمَحَلِّ. بَيْعُ الْحَمْلِ، وَبَيْعُ الْمَضَامِينِ، وَبَيْعُ الْمَلاَقِيحِ، وَبَيْعُ الْمَجْرِ، وَبَيْعُ عَسْبِ الْفَحْلِ.

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 5، 6، 69)

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِمِقْدَارِ الْمَبِيعِ: بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَبَيْعُ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ.

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِالأْجَلِ. بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ.

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 5)

وَمِثَالُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَحَلِّ: بَيْعُ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ  وَبَيْعُ الإْنْسَانِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ، وَبَيْعُ الْمَغْصُوبِ.

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 32 وَمَا بَعْدَهَا)

وَمِثَالُ التَّعَاقُدِ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَعْدُومِ: بَيْعُ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ، وَبَيْعُ الْمُعَاوَمَةِ وَالسِّنِينَ، وَبَيْعُ نِتَاجِ النِّتَاجِ .

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 72، 88).

14 - كَمَا أَنَّ الْغَرَرَ فِي الثَّمَنِ يَرْجِعُ إِلَى الْجَهْلِ بِهِ.

وَالْجَهْلُ بِالثَّمَنِ قَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِالذَّاتِ، كَمَا لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِمِائَةِ شَاةٍ مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ، فَلاَ يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِالنَّوْعِ قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ بِدِينَارٍ فِي ذِمَّتِكَ أَوْ قَالَ: بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِكَ، أَوْ أَطْلَقَ الدَّرَاهِمَ، فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِنَوْعِهَا .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِصِفَةِ الثَّمَنِ، فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الصِّفَةِ؛ لأِنَّ  الصِّفَةَ إِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً تَحْصُلُ الْمُنَازَعَةُ، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الأْدْوَنِ وَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الأْرْفَعَ، فَلاَ يَحْصُلُ مَقْصُودُ شَرْعِيَّةِ الْبَيْعِ، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِلاَ مُنَازَعَةٍ .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ، إِذْ يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ الْعِلْمَ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إِلَيْهِ. فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ اتِّفَاقًا .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِأَجَلِ الثَّمَنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ . وَقَالَ الْكَمَالُ: جَهَالَةُ الأْجَلِ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ فِي التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ، فَهَذَا يُطَالِبُهُ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ وَذَاكَ فِي بِعِيدِهَا، وَلأِنَّهُ  عليه الصلاة والسلام فِي مَوْضِعِ شَرْطِ الأْجَلِ - وَهُوَ السَّلَمُ - أَوْجَبَ فِيهِ التَّعْيِينَ، حَيْثُ قَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».

وَعَلَى كُلِّ ذَلِكَ انْعَقَدَ الإْجْمَاعُ  

ب - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الإْجَارَةِ:

15 - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الإْجَارَةِ قَدْ يَرِدُ عَلَى صِيغَةِ الْعَقْدِ، وَقَدْ يَرِدُ عَلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ.

فَمِنَ الْغَرَرِ فِي صِيغَةِ عَقْدِ الإْجَارَةِ: التَّعْلِيقُ، فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدْ آجَرْتُكَ، بِسَبَبِ أَنَّ انْتِقَالَ الأْمْلاَكِ يَعْتَمِدُ الرِّضَا، وَالرِّضَا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْجَزْمِ، وَلاَ جَزْمَ مَعَ التَّعْلِيقِ، فَإِنَّ شَأْنَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَرِضَهُ عَدَمُ الْحُصُولِ، وَفِي ذَلِكَ غَرَرٌ .

وَأَمَّا الْغَرَرُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ فَلاَ يَخْتَلِفُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ، لِذَا يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ فِي مَحَلِّ الإْجَارَةِ مَا يَشْتَرِطُونَهُ فِي مَحَلِّ الْبَيْعِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الأْجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَتَيْنِ؛ لأِنَّ  جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ،  فَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله تعالي عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنِ اسْتِئْجَارِ الأْجِيرِ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ أَجْرَهُ».

وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الإْجَارَةِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلاَ تَجُوزُ إِجَارَةُ مُتَعَذِّرِ التَّسْلِيمِ حِسًّا، كَإِجَارَةِ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ، أَوْ شَرْعًا كَإِجَارَةِ الْحَائِضِ لِكَنْسِ الْمَسْجِدِ، وَالطَّبِيبِ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحٍ، وَالسَّاحِرِ عَلَى تَعْلِيمِ السِّحْرِ .

ج - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ السَّلَمِ:

16 - الْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ السَّلَمِ، إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَإِنَّمَا جَوَّزَهُ الشَّارِعُ لِلْحَاجَةِ.

قَالَ الْكَمَالُ: وَلاَ يَخْفَى أَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ وَالإْجْمَاعِ لِلْحَاجَةِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي .

وَيُشْتَرَطُ فِي السَّلَمِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ.

وَزَادَ الْفُقَهَاءُ شُرُوطًا أُخْرَى لِتَخْفِيفِ الْغَرَرِ فِيهِ مِنْهَا: تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: مِنْ شَرَائِطِهِ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ جَبْرًا لِلْغَرَرِ فِي الْجَانِبِ .

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ إِلَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ.  

وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَّ الْوُجُودِ عِنْدَ مَحَلِّهِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّهُ  إِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَمْكَنَ تَسْلِيمُهُ عِنْدَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَامَّ الْوُجُودِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ، فَلَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ الآْبِقِ بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّ السَّلَمَ اُحْتُمِلَ فِيهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ، فَلاَ يُحْتَمَلُ فِيهِ غَرَرٌ آخَرُ؛ لِئَلاَّ يَكْثُرَ الْغَرَرُ فِيهِ .

وَمِنْهَا: مَعْرِفَةُ أَوْصَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: لأِنَّ  الْبَيْعَ لاَ يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ عَيْنٌ، فَلأََنْ لاَ يَحْتَمِلَهَا السَّلَمُ وَهُوَ دَيْنٌ كَانَ أَوْلَى.

وَعَلَّلَ ابْنُ عَابِدِينَ ذَلِكَ بِنَفْسِ الْعِلَّةِ، فَقَالَ: لأِنَّهُ  دَيْنٌ وَهُوَ لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ بِالْوَصْفِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُ بِهِ يَكُونُ مَجْهُولاً جَهَالَةً تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَلاَ يَجُوزُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ .

د - الْغَرَرُ فِي الْجَعَالَةِ:

17 - الْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ عَقْدِ الْجَعَالَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ؛ لِجَهَالَةِ الْعَمَلِ وَجَهَالَةِ الأْجَلِ حَيْثُ إِنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْعَمَلِ، وَهُوَ وَقْتٌ مَجْهُولٌ، إِلاَّ أَنَّهُ جُوِّزَ اسْتِثْنَاءً لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ فِي الْقِيَاسِ غَرَرٌ، إِلاَّ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَوَّزَهُ .

لَكِنْ مُنِعَتْ بَعْضُ الصُّوَرِ مِنَ الْجَعَالَةِ، مِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: بِعْ لِي ثَوْبِي وَلَكَ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ دِرْهَمٌ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّهُ  لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا يَبِيعُهُ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ مَعْلُومًا كَأَنْ جَعَلَ الْعَامِلَ مَجْهُولاً، إِذْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجَهَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ مَعْلُومًا. قَالَ مَالِكٌ: كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ فِي حَقِّهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ، فَهَذَا غَرَرٌ لاَ يَدْرِي كَمْ جُعِلَ لَهُ .

وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لآِخَرَ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهُوَ لَكَ فَلاَ يَجُوزُ، قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَجُوزُ لأِنَّ  الْجُعْلَ مَجْهُولٌ قَدْ دَخَلَهُ غَرَرٌ .

ثَانِيًا - الْغَرَرُ فِي عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ:

أ - عَقْدُ الْهِبَةِ:

18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَأْثِيرِ الْغَرَرِ عَلَى عَقْدِ الْهِبَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْهِبَةِ، كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ، يَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُمُ اشْتَرَطُوا فِي الْمَوْهُوبِ مَا اشْتَرَطُوهُ فِي الْمَبِيعِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الشَّرَائِطُ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى الْمَوْهُوبِ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْهِبَةِ، فَلاَ تَجُوزُ هِبَةُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَقْتَ الْعَقْدِ، بِأَنْ وَهَبَ مَا يُثْمِرُ نَخْلُهُ الْعَامَ، وَتَلِدُهُ أَغْنَامُهُ السَّنَةَ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ هِبَتُهُ، وَمَا لاَ - كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ وَضَالٍّ - فَلاَ .

وَعَرَّفَ الْحَنَابِلَةُ الْهِبَةَ: بِأَنَّهَا التَّبَرُّعُ بِتَمْلِيكِ مَالِهِ الْمَعْلُومِ الْمَوْجُودِ فِي حَيَاتِهِ غَيْرَهُ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: خَرَجَ بِالْمَالِ نَحْوُ الْكَلْبِ، وَبِالْمَعْلُومِ الْمَجْهُولُ، وَبِالْمَوْجُودِ الْمَعْدُومُ، فَلاَ تَصِحُّ الْهِبَةُ فِيهَا .

كَمَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ عَقْدِ الْهِبَةِ فِي حَالَةِ التَّعْلِيقِ وَالإِْضَافَةِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْغَرَرَ لاَ تَأْثِيرَ لَهُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْهِبَةِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلاَ خِلاَفَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ الْمُتَوَقَّعِ الْوُجُودُ، وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ جِهَةِ الْغَرَرِ.  

وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لِلْغَرَرِ عَلَى عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: انْقَسَمَتِ التَّصَرُّفَاتُ فِي قَاعِدَةِ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَمَا لاَ يُجْتَنَبُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ، فَالطَّرَفَانِ:

أَحَدُهُمَا: مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ، فَيُجْتَنَبُ فِيهَا ذَلِكَ إِلَى مَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ عَادَةً،

وَثَانِيهُمَا: مَا هُوَ إِحْسَانٌ صِرْفٌ لاَ يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالإْبْرَاءِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لاَ يُقْصَدُ بِهَا تَنْمِيَةُ الْمَالِ، بَلْ إِنْ فَاتَتْ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ بِهَا لاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، بِخِلاَفِ الْقِسْمِ الأْوَّلِ  إِذَا فَاتَ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالاَتِ ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ مَنْعَ الْجَهَالَةِ فِيهِ، أَمَّا الإِْحْسَانُ الصِّرْفُ فَلاَ ضَرَرَ فِيهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ وَحَثُّهُ عَلَى الإِْحْسَانِ التَّوْسِعَةَ فِيهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ قَطْعًا، وَفِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى تَقْلِيلِهِ، فَإِذَا وُهِبَ لَهُ عَبْدُهُ الآْبِقُ جَازَ أَنْ يَجِدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَجِدْهُ، لأِنَّهُ  لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّ الأْحَادِيثَ لَمْ يَرِدْ فِيهَا مَا يَعُمُّ هَذِهِ الأْقْسَامَ حَتَّى نَقُولَ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ نُصُوصِ صَاحِبِ الشَّرْعِ، بَلْ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ النِّكَاحُ .

ب - الْوَصِيَّةُ:

19 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لِلْغَرَرِ عَلَى الْوَصِيَّةِ، لِذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْمُوصَى بِهِ مَا اشْتَرَطُوهُ فِي الْمَبِيعِ، وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ؛ لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ - كَمَا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ - لاَ تَمْتَنِعُ بِالْجَهَالَةِ، وَلأِنَّ هَا - كَمَا قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ - احْتَمَلَ فِيهَا وُجُوهٌ مِنَ الْغَرَرِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَتَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ.

وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةَ بِمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ .

ثَالِثًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ:

20 - مَنَعَ الشَّافِعِيَّةُ شَرِكَةَ الأْبْدَانِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْغَرَرِ، إِذْ لاَ يَدْرِي أَنَّ صَاحِبَهُ يَكْسِبُ أَمْ لاَ . وَمَنَعُوا أَيْضًا شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ تَكُنْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةً فَلاَ بَاطِلَ أَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا. يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى كَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْغَرَرِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لِلْغَرَرِ؛ لأِنَّ  كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ عَاوَضَ صَاحِبَهُ بِكَسْبٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ بِصِنَاعَةٍ وَلاَ عَمَلٍ مَخْصُوصٍ .

كَمَا يَرَى كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لاَ تَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الْقِيَاسُ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لاَ تَجُوزُ؛ لأِنَّ هَا اسْتِئْجَارٌ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ - بَلْ مَعْدُومٍ - وَلِعَمَلٍ مَجْهُولٍ، لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ . وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: الْقِرَاضُ جَائِزٌ مُسْتَثْنًى مِنَ الْغَرَرِ وَالإْجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ .

وَقَدِ اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ عِدَّةَ شُرُوطٍ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ بِاخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهَا مَنْعًا لِوُقُوعِ الْغَرَرِ فِيهَا.

وَلِلْوُقُوفِ عَلَى تَعْرِيفِ الشَّرِكَاتِ وَمَا يَعْتَرِيهِ الْغَرَرُ مِنْهَا وَمَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (شَرِكَة)

رَابِعًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ:

21 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ لاَ يَصِحُّ رَهْنُهُ؛ لأِنَّ  مَقْصُودَ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ يَرَوْنَ أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الرَّهْنِ، لِذَا يَشْتَرِطُونَ فِي الْمَرْهُونِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَمَوْجُودًا وَمَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ .

وَجَوَّزَ الْمَالِكِيَّةُ الْغَرَرَ فِي الرَّهْنِ. فَقَدْ نَصُّوا عَلَى جَوَازِ رَهْنِ مَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ فِي وَقْتِ الاِرْتِهَانِ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ، وَلاَ يُبَاعُ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ إِلاَّ إِذَا بَدَا صَلاَحُهُ، وَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ .

وَقَيَّدَ الدَّرْدِيرُ الْغَرَرَ الَّذِي يَجُوزُ فِي الرَّهْنِ بِالْغَرَرِ الْيَسِيرَةِ وَمَثَّلَ لَهُ بِالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ الْغَرَرُ - كَالْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ - فَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ .

خَامِسًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْكَفَالَةِ:

22 - تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ الْمَجْهُولِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّ هَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّوَسُّعِ، كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ .

وَلأِنَّ هَا الْتِزَامُ حَقٍّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ، قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ .

وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ إِذَا كَانَ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ، نَحْوَ: كَفَلْتُ مَالَكَ عَلَى فُلاَنٍ أَوْ فُلاَنٍ وَيَكُونُ التَّعْيِينُ لِلْكَفِيلِ، وَنَحْوُ: إِنْ غَصَبَ مَالَكَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فَأَنَا ضَامِنٌ.

أَمَّا لَوْ عَمَّمَ فَقَالَ: إِنْ غَصَبَكَ إِنْسَانٌ شَيْئًا فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ لاَ يَصِحُّ، كَمَا لاَ تَصِحُّ عِنْدَهُمُ الْكَفَالَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ الضَّمَانِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ نَحْوُ: أَنَا ضَامِنٌ زَيْدًا فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ لِلنَّاسِ .

وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ الْعِلْمَ بِالْمَضْمُونِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَعَيْنًا، فَلاَ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ .

وَالْحَنَابِلَةُ لاَ يَشْتَرِطُونَ مَعْرِفَةَ الضَّامِنِ لِلْمَضْمُونِ وَلاَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ .

سَادِسًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ:

23 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ، فَأَجَازَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى مَنْعِ الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ؛ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهَا.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَفِي كُلِّ أُمُورِي، أَوْ فَوَّضْتُ إِلَيْكَ كُلَّ شَيْءٍ، لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهِ .

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّ فِي هَذَا غَرَرًا عَظِيمًا وَخَطَرًا كَبِيرًا؛ لأِنَّهُ  تَدْخُلُ فِيهِ هِبَةُ مَالِهِ وَطَلاَقُ نِسَائِهِ وَإِعْتَاقُ رَقِيقِهِ وَتَزَوُّجُ نِسَاءٍ كَثِيرَةٍ، وَيَلْزَمُهُ الْمُهُورُ الْكَثِيرَةُ وَالأْثْمَانُ الْعَظِيمَةُ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ .

وَأَمَّا الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِهَا.

وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِيهَا الْعِلْمَ بِالْمُوَكَّلِ بِهِ عِلْمًا تَنْتَفِي بِهِ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ وَالْمُتَوَسِّطَةُ، أَمَّا الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ فَلاَ تَضُرُّ وَالْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ هِيَ جَهَالَةُ الْجِنْسِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دَابَّةٍ لَمْ يَصِحَّ، لأِنَّ  الدَّابَّةَ تَشْمَلُ الْفَرَسَ وَالْحِمَارَ وَالْبَغْلَ،

وَالْجَهَالَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ هِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ الَّذِي تَتَفَاوَتُ قِيَمُ آحَادِهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، كَأَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ دَارٍ، فَهَذِهِ الْوَكَالَةُ لاَ تَصِحُّ أَيْضًا إِلاَّ إِذَا بَيَّنَ الثَّمَنَ أَوِ الصِّفَةَ لِتَقِلَّ الْجَهَالَةُ.

وَالْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ هِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ الْمَحْضِ - النَّوْعُ الَّذِي لاَ تَتَفَاوَتُ قِيَمُ آحَادِهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا - كَأَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَصِحُّ .

وَتَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ وَيُعَيِّنُهُ الْعُرْفُ .

وَيَشْتَرِطُ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. لأِنَّ  تَجْوِيزَ الْوَكَالَةِ لِلْحَاجَةِ يَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ، فَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا عِلْمًا يَقِلُّ مَعَهُ الْغَرَرُ.

وَيَشْتَرِطُونَ فِي الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ بَيَانَ النَّوْعِ، وَإِذَا تَبَايَنَتْ أَوْصَافُ نَوْعٍ وَجَبَ بَيَانُ الصِّنْفِ أَيْضًا، وَلَكِنْ لاَ يُشْتَرَطُ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ الأْوْصَافِ، وَهَذَا فِيمَا يُشْتَرَى لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، أَمَّا مَا يُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فَلاَ يَجِبُ فِيهِ ذِكْرُ النَّوْعِ وَلاَ غَيْرُهُ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: اشْتَرِ لِي مَا شِئْتَ مِنَ الْعُرُوضِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي فَرَسًا بِمَا شِئْتَ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ حَتَّى يَذْكُرَ النَّوْعَ وَقَدْرَ الثَّمَنِ؛ لأِنَّهُ  مَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ وَالشِّرَاءُ بِهِ يَكْثُرُ، فَيَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ، فَإِنْ ذَكَرَ النَّوْعَ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ صَحَّ لاِنْتِفَاءِ الْغَرَرِ، وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي عَلَى ذِكْرِ النَّوْعِ؛ لأِنَّهُ  إِذَا ذَكَرَ نَوْعًا فَقَدْ أَذِنَ فِي أَعْلاَهُ ثَمَنًا فَيَقِلُّ الْغَرَرُ.

وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ مَالِهِ كُلِّهِ صَحَّ؛ لأِنَّهُ  يَعْرِفُ مَالَهُ فَيَقِلُّ الْغَرَرُ .

سَابِعًا: الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الزَّوَاجِ:

24 - يَرِدُ الْغَرَرُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَهْرِ، وَلاَ يُؤَثِّرُ عَلَى الْعَقْدِ؛ لأِنَّ  النِّكَاحَ عَقْدٌ لاَ يَبْطُلُ بِجَهَالَةِ الْعِوَضِ .

وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ صُوَرًا لِلْغَرَرِ فِي الْمَهْرِ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ جَهَالَةَ نَوْعِ الْمَهْرِ تُفْسِدُ التَّسْمِيَةَ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَارٍ، فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَيَجِبُ حِينَئِذٍ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ.

كَمَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ ثُبُوتِ الأْجَلِ إِذَا كَانَتْ جَهَالَتُهُ مُتَفَاحِشَةً، وَيَجِبُ الْمَهْرُ حَالاً، وَذَلِكَ كَالتَّأْجِيلِ إِلَى هُبُوبِ الرِّيَاحِ أَوْ إِلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ، أَوْ إِلَى الْمَيْسَرَةِ .

وَقَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ - كَمَا سَبَقَ - التَّصَرُّفَاتِ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُ الْغَرَرِ فِيهَا وَعَدَمُهُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ. فَالطَّرَفَانِ: مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ، فَيُجْتَنَبُ فِيهَا الْغَرَرُ، إِلاَّ مَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ عَادَةً.

وَإِحْسَانٌ صِرْفٌ لاَ يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ، فَيُغْتَفَرُ فِيهِ الْغَرَرُ.

وَأَمَّا الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ النِّكَاحُ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَالَ فِيهِ لَيْسَ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا مَقْصِدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالأْلْفَةُ وَالسُّكُونُ، يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ اشْتَرَطَ فِيهِ الْمَالَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ)  الآْيَةُ. يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ فِيهِ، فَلِوُجُودِ الشَّبَهَيْنِ تَوَسَّطَ مَالِكٌ فَجَوَّزَ فِيهِ الْغَرَرَ الْقَلِيلَ دُونَ الْكَثِيرِ، نَحْوُ عَبْدٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَشُورَةِ بَيْتٍ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الْعَبْدِ الآْبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ؛ لأِنَّ  الأْوَّلَ  يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى الْوَسَطِ الْمُتَعَارَفِ، وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ فَامْتَنَعَ،  وَصَرَّحُوا بِعَدَمِ جَوَازِ تَأْجِيلِ الْمَهْرِ إِلاَّ لِزَمَنٍ مُحَدَّدٍ، فَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمُ التَّأْجِيلُ لِلْمَوْتِ أَوِ الْفِرَاقِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا تَأْجِيلَ الْمَهْرِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مَلِيًّا .

وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ فِي الصَّدَاقِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَالثَّمَنِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: لأِنَّ  الصَّدَاقَ عِوَضٌ فِي حَقِّ مُعَاوَضَةٍ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ؛ وَلأِنَّ  غَيْرَ الْمَعْلُومِ مَجْهُولٌ لاَ يَصِحُّ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ كَالْمُحَرَّمِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لاَ يَضُرُّ الْجَهْلُ الْيَسِيرُ وَالْغَرَرُ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ، وَمَثَّلُوا لِذَلِكَ بِالزَّوَاجِ عَلَى الآْبِقِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَدَيْنِ السَّلَمِ، وَالْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَوْ مَكِيلاً وَنَحْوَهُ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: لأِنَّ  الصَّدَاقَ لَيْسَ رُكْنًا فِي النِّكَاحِ، فَاغْتُفِرَ الْجَهْلُ الْيَسِيرُ وَالْغَرَرُ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَهْرِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، لِذَا يَشْتَرِطُونَ فِي الْمَهْرِ شُرُوطَ الْمَبِيعِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَا صَحَّ مَبِيعًا صَحَّ صَدَاقًا.

وَلَوْ سَمَّى صَدَاقًا فَاقِدًا لأِحَدِ  شُرُوطِ الْمَبِيعِ فَسَدَ الصَّدَاقُ وَتَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ لِلزَّوْجَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ .

الْغَرَرُ فِي الشُّرُوطِ:

25 - يُمْكِنُ تَقْسِيمُ الشُّرُوطِ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُ الْغَرَرِ فِيهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، وَشَرْطٌ يُحْدِثُ غَرَرًا فِي الْعَقْدِ، وَشَرْطٌ يَزِيدُ مِنَ الْغَرَرِ الَّذِي فِي الْعَقْدِ.

أَوَّلاً - الشَّرْطُ الَّذِي فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ:

26 - قَالَ الْكَاسَانِيُّ: مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْخُلُوُّ عَنِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ، مِنْهَا شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، نَحْوُ مَا إِذَا اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ؛ لأِنَّ  الْمَشْرُوطَ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَلاَ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ، لأِنَّ  عِظَمَ الْبَطْنِ وَالتَّحَرُّكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعَارِضِ دَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَكَانَ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، فَيُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ .

وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي قَوْلٍ - الْحَنَفِيَّةَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي  الأْصَحِّ  وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ .

وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلاً بِالصِّحَّةِ؛ لأِنَّ  كَوْنَهَا حَامِلاً بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ كَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا أَوْ خَيَّاطًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَذَا جَائِزٌ فَكَذَا هَذَا،  وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ،  وَمِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي فِي وُجُودِهَا غَرَرٌ، مَا لَوِ اشْتَرَى نَاقَةً وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى أَنَّهَا تَضَعُ حَمْلَهَا إِلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لأِنَّ  فِي وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ غَرَرًا، وَكَذَا لَوِ اشْتَرَى بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا وَكَذَا رِطْلاً . قَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا تُدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنَ اللَّبَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأِنَّ  ذَلِكَ لاَ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَضَبْطُهُ فَلَمْ يَصِحَّ .

ثَانِيًا - الشَّرْطُ الَّذِي يُحْدِثُ غَرَرًا فِي الْعَقْدِ:

27 - مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تُحْدِثُ غَرَرًا فِي الْعَقْدِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَيَسْتَثْنِيَ بَعْضَهُ غَيْرَ الْمَعْلُومِ، وَهُوَ مَا يُعْرَفُ بِبَيْعِ الثُّنْيَا.

وَبَيْعُ الثُّنْيَا مِنَ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ».

وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الثُّنْيَا إِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولاً؛ لأِنَّ  اسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولِ مِنَ الْمَعْلُومِ يَجْعَلُ الْبَاقِي مَجْهُولاً .

وَمِنْ أَمْثِلَةِ بَيْعِ الثُّنْيَا: أَنْ يَبِيعَ الشَّاةَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا فِي بَطْنِهَا، فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ لاَ يَصِحُّ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ النَّاشِئِ عَنْ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً أَوْ شَاةً وَهُنَّ حَوَامِلُ، وَاسْتَثْنَى مَا فِي بُطُونِهَا، فَإِنَّ الْبَيْعَ عَلَى هَذَا فَاسِدٌ لاَ يَجُوزُ .

ثَالِثًا - الشَّرْطُ الَّذِي يَزِيدُ الْغَرَرَ فِي الْعَقْدِ

28 - هَذَا الشَّرْطُ يَكُونُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي فِي أَصْلِهَا غَرَرٌ، وَالأْصْلُ  مَنْعُهَا، لَكِنَّهَا جَازَتِ اسْتِثْنَاءً وَذَلِكَ كَعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: أَجْمَعُوا بِالْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَقْتَرِنُ بِهِ - أَيِ الْقِرَاضِ - شَرْطٌ يَزِيدُ فِي مَجْهَلَةِ الرِّبْحِ أَوْ فِي الْغَرَرِ الَّذِي فِيهِ .

ر: (مُضَارَبَة).

الْغِشُّ الْمُسَبِّبُ لِلْغَبْنِ:

8 - الْغِشُّ يُؤَثِّرُ كَثِيرًا فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ بِصُورَةِ الْغَبْنِ، فَيَحْصُلُ النَّقْصُ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَوْ بَدَلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ.

وَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ - وَهُوَ مَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا، أَوْ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ - لاَ يَثْبُتُ خِيَارًا لِلْمَغْبُونِ .

أَمَّا الْغَبْنُ الْفَاحِشُ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِهِ عَلَى الْعَقْدِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمَغْبُونِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (غَرَر) (وَغَبْن) (وَخِيَارُ الْغَبْنِ ف 3 وَمَا بَعْدَهَا)

__________________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

 ( مادة 116)

١- يكون العقد موقوف النفاذ اذا كانت التزامات احد المتعاقدين لا تعادل ، بدرجة غير مألوفة ، مع ما حصل عليه هذا التعاقد من فائدة بموجب العقد او مع التزامات المتعاقد الأخر ، وتبين أن المتعاقد المغبون ما أبرم العقد الا لان المتعاقد الأخر قد استغل حاجته أو طيشه او هواه او عدم خبرته أو ضعف ادراکه ، أو تبين بوجه عام آن رضاءه لم يصدر عن اختيار كاف ويجوز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد .

٢- ويسري هذا الحكم اذا كان التصرف تبرعاً ، و كانت التزامات الطرف المغبون لا نتناسب البتة مع مدار ثروته او مع ما يؤلف البيع به في مثل ظروفه .

٣- ويجوز في جميع الأحوال أن يتوقى الطرف الآخر دعوی الأبطال إذا عرض ما يراه القاضي کافياً لرفع الغبن .

هذه المادة تقابل المادة ۱۲۹ من النقنين الحالي التي تم تنص على ما يأتي :

1- اذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لاتتعادل البت مع احصل عليه هذا التعاقد من فائدة بموجب العقد او مع التزامات المتماتد الآخر ، وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد الا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوی چامحا، جاز للقاضی X على طالب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد او أن ينقص التزامات هذا المتعاقد

۲ - ويجب ان ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد ، والا كانت غير مقبوله .

٣- ويجوز في عقود المعارضة أن يتوقى الطرف الآخر دعوی الابطال ، اذا عرض ما يراه القاضي کافيا لرفع الغبن

وقد كانت هذه المادة في مشروع هذا التقنين بعد ان عدلت في لجنة المراجعة تجري على النحو الآتي:

1- اذا كانت التزامات احد المتعاقدين لا نتعادل البته مع ما حصل عليه هذا التعاقد من فاندة بموجب العقد او مع التزامات المتعاقد الآخر ، وتبين أن التعاقد المغبون قد استغل طيشه أو حاجته او عدم خبرته أو ضعف ادراکه ، او تبين بوجه عام أن رضاءه لم يصدر عن اختیار کاف ، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد او ان ينقص التزامات هذا المتعاقد ، ويسري هذا الحكم ولو كان التصرف الذي صدر من الطرف المغبون تبرعا

۲ - ويجوز في عقود المعاوضة ان يتو في الطرف الآخر دعوی الابطال اذا عرض ما يراه القاضي کافيا لرفع الغبن

ثم عدلت هذه المادة في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ إلى ماهي عليه الآن . حيث ان اللجنة عدم التوسع الى الحد الذي ورد في المشروع على غرار نظيره في اكثر التقنينات الحديثة ، ومنها التقنين الألماني والسويسري والبولوني واللبناني والمشروع الفرنسي الايطالي ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج ۲ ص ۱۸۹ - ۲۰۳) •

والواقع أن نص التقنين الحالي منتقد من ناحتين : الأولى أنه يقصر عن مواجهة حالات استطاع القضاء فيها أن يكفل الحمايه لاعطرف المغبون اذا أبرم التصرف وهو مسلوب الارادة ، دون أن يكون ذلك راجعا إلى طيش أو هوى ، وهي الحالات التي لجأ فيها القضاء الى نظرية الاستواء والتسلط على الارادة : مثل ذلك أن تضي بأبطال عقد بیع الفساد رضاء البائع بسبب كونه متقدما في السن ومصابا بأمراض مستعصية من شأنها أن تضعف ارادته فيصير سهل الانقياد خصوصا لاولاده المقيمين معه الذين صدر العقد لهم ( نقص مدني في ۲ ینایر 1941 ، مجموعة القواعد القانونية ج۳ ص 226  رقم ۱۸۹ . انظر كذلك نقض مدنى في ۲۹ ابریل 1943 ، مجموعة القواعد القانونية ج 4 ص 152 رقم 55 ) . كما قضى بعدم التزام ووثة المتوفي بما تعهد به في سند صدر منه وهو في حالة مرضية تهدد حياته بالخطر مما جعله يفكر في الانتحار فضلا عن كونه في حالة عقلية تجعله مسلوب الارادة ( استئناف مصر في ۳۱ مایو ۱۹۳۳ ، المحاماه 14 - 167 - 86)

والناحية الثانية أنه لا يتفق مع الزعة السائدة في العصر الحاضر، و هي تأبی استقلال احد المتعاقدين لحالة الضعف التي يوجد فيها المتعاقد الآخر ، أيا كان س ببها . فهناك نواح عديدة للضعف يمكن أن تكون محل استغلال ، ولا وجه لان نحرم الاستقلال في ناحية ونتركه في ناحية اخرى ، فهذا مسلك لا نجده في أي من التشريعات الحديثة التي أخذت بنظرية الاستغلال ، كما أنه يضيق من نطاق الحكم الى حد يقعد به عن أن يحقق الغاية التي ترجى منه على الوجه الأكمل .

ويلاحظ في النص المقترح ما يأتي :

اولا - انه توسع في حالات الضعف التي يمكن أن تكون محل استغلال ، على غرار ماجاء في التشريعات الأجنبية الحديثة ، حتی يحقق الغاية التي ترجى منه على الوجه الأكمل .

ثانيا - أنه ، وأن جعل العقد موقوفا ، الا أنه أبقى على الجزاء الذى ينص عليه التقنين الحالي ، و هو ابطال العقد او انقاص التزامات المتعاقد المغبون •

 

ثالثا .. انه افرد فقرة للتبرعات . واقتضى هذا أن يتحدد المعيان الذي يهتدى به التافي في تقدير مدى الغبن : ذلك أنه في المعارضات يتمثل السحر المدى في الاستغلال في اختلال التعادل بين الأداءات المتقابلة . أما في التبرعات فلا محل للقول أن هناك اختلالا في التعادل، اذ لاتعادل اصلا، فهو معدوم لأن العاقد لا يأخد مقابلا لما يعطى .

ولذلك فان تقدير العنصر المادي فيها ينظر فيه الى مقدار التبرع " بالنسبة إلى ثروة المتصرف وكذلك بالنسبة إلى ما يؤلف التبرع به في مثل الظروف التي وجد فيها المتصرف

رابعا – انه عمم الحكم في حالة ما اذا اراد الطرف الاخر ان يتوقی الابطال فيعرض ما يراه القاضي کافيا لرفع الغبن . فلم يجعله قاصرا على عقود المعاوضة كما هو الحكم في نص التقنين الحالي ، بل جعله عاملا ايضا للتبرعات .

خامسا- انه قد أغفلت فيه الفقرة الثانية من النص الحالي التي تو جب أن ترفع دعوى الاستغلال خلال سنة من تاريخ العقد ؛ ان لاوجه للتفريق فيما يتعلق بحكم تقادم الدعوى بين الاستغلال وغيره من عيوب الارادة .

والمادة المقترحة تقابلها المادة 125 من التقنين العراقي التي و تنص على ما یاتی : اذا كان أحد المتعاقدين قد استغلت حاجته او ليشه او هواه او عدم خبرته او ضعف ادراکه فلحقه من تعاقده غبن فاحش ، جاز له في خلال سنة من وقت العقد أن يطلب رفح الغبن عنه إلى الحد المعقول فاذا كان التصرف الذي صدر منه تبرعا جاز له في هذه المدة أن ينقضه

و تقابلها المواد 159 و 160 و 161 من التقنين الكويتي

ويلاحظ أن الفقه الاسلامي لا يعتد بالغبن الفاحش بدون تغرير الا في مال المحجور ومال الوقت ومال الدولة (م 356 من المجلة و 300 مرشد الحيران وم ۲/ 124 مدنی عراقی وم 149 مدنی اردنی ). وفي غير هذه الحالات لا يعتد هذا الفقه بالغبن الفاحش " الا اذا اقترن به تفریر (م 357 من المجلة وم۳۰۰ من مرشد الحيران وم ۱ / 121 مدنی عراقی وم 145 مدني أردنی ). والتغرير ، أي التدليس ، يدنو في جوهره من الاستغلال : حيث يلجأ المدلس الى حيلة تعمى المتعاقد على الحقيقة فيضل ويتعاقد على غير هدى ، لما لطيشه او هواه أو عدم خبرته أو ضعف ادراکه . إذ أن عيوب الارادة تجمع بينها نكرة مشتركة بحيث يصعب فصل واحد منه من غيره من العيوب فصلا تاما . فما تتأثر به الإرادة في الاستغلال لا يختلف في جوهره عما تتاثر به في العيوب الاخرى .

بل أنه يمكن القول أن الغلط في القيمة على النحو الذي يعرضه الفقه الاسلامي انما ينطوي على استغلال العاقد المغبون في دم خبرته . ففي المذهب الحنفي يقول الحموي في غمز عيون البصائر ج۲ ص 195): خيار الغبن يثبت في صورة الوكيل والوصی . وفي صورة تغرير البائع المشتري ، بأن كان المشتري غبيا لا يعرف ، فقال البائع اشتر بهدا الثمن فانه يساويه فاشتراه مغترا بقوله فئة الغين

وفي المذهب الحنفي ايضا قد يستغل العائد المغبون في حاجته المحله اذا كان مضطرا الى التعاقد ، وهذا هو بيع المضطر وشراؤه ( ابن عابدین ج 4 ص 146):« بيع المضطر وشراؤه فاسد وهو ان يضطر الرجل الى طعام او شراب او لباس او غيرها ، ولا يبيعه البائع الا باكثر من ثمنها بكثر ... . . ( عبد الرزاق السنهو دی ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی، ج ۲ ص 151 و 152) •

 

( مادة ۱۲۷ )

يكون العقد موقوف النفاذ على الاجازة اذا صدر من ناقص الأهلية في ماله وكان تصرفا دائرا بين النفع والضرر ، او اذا شاب الارادة فيه غلط أو تدلیس او اكراه أو استغلال ، او اذا كان تصرفا في ملك الغير بدون اذنه ، او اذا ورد في القانون نص خاص على ذلك ،

يقابل هذا النص ما جاء في صدر الفقرة الأولى من المادة 134 من التقنين العراقي التي تقول : اذا انعقد العقد موقوفا لحجر أو اكراه . أو غلط أو تغرير جاز للعاقد أن ينقض العقد ۰۰ كما أن له أن يجيزه

وما جاء في الفقرة الأولى من المادة 135 من هذا التقنين التي تقول: و من تصرف في ملك غيره بدون اذنه انعقد تصرفه موقوفا على اجازة المالك

و تقابله المادة ۱۷۱ من التقنين الكويتي التي تقول : « العقد موقوف النفاذ على الأجازة اذا صدر من فضولي في مال غيره أو من مالك في مال له تعلق به حق الغير أو من ناقص الأهلية في ماله وكان تصرفا دانرا بين النفع والضرر أو من مكره او اذا نص القانون على ذلك

 

وتقابله المادة ۱۷۹ من التقنين الكويتي التي تقول : العقد القابل للأبطال ينتج اثاره ، ما لم يقض بابطاله ، واذا قضی بابطاله اعتبر كان لم یکن ،۰

وقد أخذه في النص المقترح بالأحكام الآتية :

اولا - انه اعتمد فكرة العقد الموقوف التي يأخذ بها الفقه الاسلامی بدلا من فكرة العقد المقابل للابطال التي باخذ بها التقنين الحالي وغيره من التقنينات العربية فيما عدا التقنين العراقي والتقنين الأردني •

ويختلف العقد الموقوف عن العقد القابل للابطال في ان هذا الأخير ينشأ صحيحا منتجا لأثارة، إلى أن يطلب ابطاله فیبطل أو تلحقه الاجازة فيظل صحيحا بصورة نهائية ، بينما ينشأ العقد الموقوف صحيحا ولكنه لا پنتج آثاره فتظل هذه الأثار موقوفه إلى أن ينقض العقد فيبطل أو تلحقه الإجازة فينفذ

ومن ثم فان فكرة العقد الموقوف تفضل فكرة العقد القابل للابطال في أو العقد الذي يشوبه نقص في الأهلية أو عيب في الارادة أو انعدام الولاية على المحل يحسن أن يقف حتى تلحقه الأجازة ، فهذا أولى من ان ينفذ حتى يطلب ابطاله ، وذلك لملافاة التعقيدات التي تنشا عند ابطال العقد بعد نفاذه -

ثانيا - انه وحد الحكم في الحالات التي يشوب العقد فيها نقص في الأهلية أو عيب في الارادة ، أو انعدام الولاية على محل أي التصرف في ملك الغير بدون اذنه

ويلاحظ أنه في الفقه الاسلامی یکون العقد موقوف النفاذ انا كان هناك نقص في الأهلية، أو كان هناك اكراه ، أو اذا تعلق حق الغير بالمحل . وهذا السبب الأخير يندرج تحته حالات أهمها تصرف الفضولى ، وهو من يتصرف في ملك غيره بدون اذنه ، و تصرف مالك العين المرهونه أو المؤجرة ، والبيع الصادر من المريض في مرضى الموت لوارثه (انظر في هذا الخصوص : عبد الرزاق السنهوري ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج 4 ص ۱۹۳ وما بعدها )۰

ولكن حكم النص المقترح يجعل هذا السبب الأخير قاصرا على  التصرف في ملك الغير بدون اذنه . غير أنه من ناحية أخري يتوسع في في نطاق العقد الموقوف فيجعله شاملا لعيوب الارادة جميعها . وبذلك أصبحت الأسباب التي تجعل العقد موقوف النفاذ في النص المقترح می نقص الأهلية وعيوب الارادة والتصرف في ملك الغير بدون اذنه ، وهذا هو النهج الذي سار عليه التقنين المدن العراقي في المادتين 134 و 135 المشار اليهما .أما التقنين المدني الأردني فقد أخذ في المادة ۱۷۱ التي تقدم ذكرها بما قرره الفقه الاسلامي .

ومعروف ان الفقه الاسلامي يجعل العقد موقوفا في حالة الاكراه (م 1006 من المجلة وم ۲۹۷ من مرشد الحيران )، بينما يعظی العاقد خیار الفسخ في حالتي الغلط (م ۳۱۰، ۳۱۱ من المجلة وم ۳۰۱ من مرشد الحيران ) والتدليس (م 357 من المجلة وم 532 من مرشد الحيران ) . وهذا ما أخذ به التقنين الأردنی ها ولكن روی آن من الأفضل توحيد الحكم بالنسبة إلى عيوب الارادة جميعها على غرار ما فعل التقنين العراقي

ويختلف العقد الموقوف عن العقد الذي يثبت فيه خيار الفسخ • فالعقد الموقوف ينشا صحيحا ، ولكنه يكون غير نافذ . اما العقد الذي يثبت فيه للعاند خيار الفسخ فينشأ صحيحا نافذا ، ولكنه يكون غير لازم ، فيكون للعائد الخيار بين امضاء العقد وفسخه .

كذلك رؤى علم جعل تصرف المالك في العين المرهونة أو المؤجرة موقوفا على اجازة الدائن المرتهن أو المستاجر . حيث انه من القواعد المستقرة الآن والتي تقتضيها المصلحة في التعامل ان الرهن او الايجار لا يقيد حق المالك في التصرف في ملكه . ولهذا رؤى من الأفضل الأخذ بالحل الذي اعتمده . التقنين العراقي ، أذ أنه يستجيب لحاجة التعامل ، على خلاف ما أخذ به التقنين الأردني •

اما التصرف الصادر من المريض في مرض الموت فحكمه في مكان أخر .

ثالثا انه جعل التصرف في ملك الغير بدون اذنه موقوفا على الاجازة وهند الحكم يفضل إلى حد كبير حكم بيع ملك الغير في التقنين الحالي وغيره من التقنينات العربية فيما عدا التقنين العراقي والتقنين الأردنی نبيع ملك الغير في التقنين الحالي وغيره من التقنينات التي اخذت بالتصوير اللاتيني حكمه مضطرب ولا يتفق مع القواعد العامة ، فهو نافذ في حق البائع ، وقابل للابطال بالنسبة إلى المشتري بمقتضى نص خاص ، وغير نافذ في حق المالك ، وللمالك أن يقره فيصبح بهذا الاقرار نافذا في حقه وصحيحا في حق المشتري .

بينما في ضوء فكرة العقد الموقوف یکون حكم هذا البيع واحدا بالنسبة إلى كل من البائع والمشتري والمالك ، فهو موقوف في حقهم

جميعا ، ولاتاتی اجازته الا من جانب المسالك ، فاذا صدرت ه ذه الاجازة أصبح العقد نافذا في حق الجميع ( عبد الرزاق السنهورى ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج 4 ص 305 - ۳۰۷)۰

 

مجلة الأحكام العدلية

مادة (356) وجود غبن فاحش في البيع

إذا وجد غبن فاحش في البيع ولم يوجد تغرير فليس للمغبون أن يفسخ البيع إلا أنه وجد الغبن وحده في مال اليتيم فلا يصح البيع. ومال الوقف وبيت المال حكمه حكم مال اليتيم.

مادة (357) البيع بغبن فاحش

إذا غر أحد المتبايعين الآخر وتحقق أن في البيع غبناً فاحشاً فللمغبون أن يفسخ البيع حينئذ.

مادة (310) بيع مال بوصف مرغوب 
إذا باع مالاً بوصف مرغوب فظهر المبيع خالياً عن ذلك الوصف كان المشتري مخيراً إن شاء فسخ البيع وإن شاء أخذه بجميع الثمن المسمى، ويسمى هذا الخيار خيار الوصف. مثلاً لو باع بقرة على أنها حلوب فظهرت غير حلوب يكون المشتري مخيراً وكذا لو باع فصاً ليلاً على أنه ياقوت أحمر فظهر أصفر يخير المشتري. 
مادة (311) خيار الوصف يورث 
خيار الوصف يورث. مثلاً لو مات المشتري الذي له خيار الوصف فظهر المبيع خالياً من ذلك الوصف كان للوارث حق الفسخ. 
مادة (357) البيع بغبن فاحش 
إذا غر أحد المتبايعين الآخر وتحقق أن في البيع غبناً فاحشاً فللمغبون أن يفسخ البيع حينئذ. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له  (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

(مادة 206)
الغبن الفاحش لا يفسد العقد ولا يوجب حق فسخه للمغبون إلا إذا كان فيه تغرير وإنما يفسد العقد ويجب فسخه بالغبن الفاحش ولو لم يكن فيه تغرير إذا كان المغبون غبناً فاحشاً صغيراً أو كان المال الذي حصل فيه الغبن الفاحش مال وقف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

مادة (66) :
للمغبون من العاقدين غبناً يخرج عن العادة الخيار على التراخي بين رد، أو إمساك بلا أرش ، وذلك في صور ثلاث : 
1- إذا تلقى حاضر قادما فباعه أو اشترى منه بغبن  . 
2- إذا زايد في السلعة من لا يريد شراء ما ليغر المشتري . 
٣- إذا كان المغبون جاهلا بقيمة المبيع ولا يحسن المماكسة . 
إيضاح 
الثالث : من أقسام الخيار خيار الغبن، من غبنه إذا خدعه . لأن مبناه على أن يخدع أحد المتعاقدين الآخر ، ولمن غبن منهما الخيار ، بين الرد أو الإمساك بلا أرش. لأن الشرع لم يجعله له ولم فوت الغبن عليه جزء من مبيع بأخذ الأرض في مقابله . 
وقد روي عن ابن رجب ( في شرح الأربعين النووية ) أنه يحط ماغبن فيه من الثمن و پر جمع به إن كان دفعه . 
ويثبت خیار الغبن على التراضي ، لثبوته لدفع ضرر متحقق فلم يسقط بالتأخير بلارضا كالقصاص . وذلك إذا كان الغبن مخرج عن العادة ، لأنه لم يرد الشرع بتحديده فرجع فيه إلى العرف ، فإن لم يخرج عن العادة فلاخيار ، لأنه يتسامح فيه . ويثبت خیار الغبن العاقدين أصيلين أو وكيلين قبل إعلام موكليهما في ثلاث صور . 
الصورة الأولى :
القادم من سفر تلقاه حاضر فباعه ، أو اشترى منه شيئا قبل العلم بالسعر وغبنه ولو بلاقصد . لأنه شرع لإزالة ضررهم بالغبن ، ولا أثر للقصد فيه ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لاتلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار" ، وصح البيع مع النهي لأن النهي لا يعود لمعنى في البيع . 
بل يعود إلى ضرب من الخديعة يمكن استدراكها بالخيار . اشبه المصراة وهو المذهب . لأن الخيار لا يكون إلا في عقد صحيح . 
وروي عن أحمد ( أن البيع باطل لظاهر النهي) 
الصورة الثانية : 
أن يزايد في السلعة من لاريد شراءها ليغر المشترى ولو كانت المزايدة بالاتفاق مع البائع لما سبق في الصورة الأولى فظاهر هذا أنه لا بد أن يكون المزايد الما بالقيمة و المشتري جاهلا بها فلو كان عالما واغتر بذلك فلا خيار له لعجلته وعدم تأمله ، وهذا النوع يسمى النجش وهو حرام ماروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهی عن النجش. ومنه أن يقول البائع: أعطيت في السلعة كذا أو اشتريتها بكذا وهو كاذب. لتغريره بالمشتري، فإن اشترى مع النجش فالشراء صحيح، لأن النهى عاد إلى الناجش لا إلى العاقد فلم يؤثر في البيع . 
وروي عن أحمد أن البيع باطل لأن النهي يقتضى الفساد : 
الصورة الثالثة . 
إذا اشترى المسترسل وهو الجاهل بقيمة السلعة . ولا يحسن المماكسة فله الخيار إذا غبن لجهله بالبيع و تقبل دعوی جهله بالقيمة بيمينه . لأنه الأصل إن لم تكذبه قرينة . 
وقال ابن نصر الله الأظهر احتياجه إلى بينة لأنه ليس مما تتعذر إقامة البينة به . 
أما من له خبرة بسعر البيع ويدخل على بصيرة بالغين . ومن غبن لاستعجاله في البيع ولو توقف ولم يتعجل لم يغبن فلا خيار لهما لعدم التغرير. 
ومن قال عند العقد لاخلابة - أي لاخديمة - فله الخيار إذا غبن نصة. لما روى أن رجلا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال له : « إذا تبايعت فقل : لا خلابة ). متفق عليه . 
وتلحق الإجارة بالبيع في خيار الغين لأنها بيع منفعة . وسيأتي تفصیل لذلك في باب الإجارة. 
مادة (67) : 
(1) إذا تعيب المبيع عند المشتري المغبون لم يسقط الخيار. فإن رده رد معه أرش العيب الحادث عنده . 
(ب) إذا تلف المبيع عند المشتري المغبون لم يسقط الخيار وعليه قيمته أو مثله للبائع .
إيضاح
(1) لايمنع الفسيخ لغبن حدوث عيب بالمبيع عند المشتري . وعليه أرش العيب إذا رده كالمعيب قديما إذا تعيب عنده ورده . 
(ب) وكذلك لا يمنع الفسخ أيضا تلف المبيع عند المشتري وعليه قيمته لبائعه أن كان متقوما أو مثله إن كان متقوم أو لأنه فوته عليه. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام الأعظم ابى حنيفة (رضى الله عنه ) إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية (1392هـ ـ 1972م  )

مادة 43 - التغرير : توصيف المبيع للمشتري بغير صفته الحقيقية ، ترغیبأ له به .

مادة 44 - الغبن الفاحش : غبن على قدر نصف العشر في العروض ، والعشر في الحيوانات ، و الخمس في العقار ، أو زيادة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

مادة (106)

«الغبن في ثمن المبيع بزيادة فيه أو نقص منه لا توجب للمغبون من المتبايعين حق الرد به ، ولو جاوز المعتاد بين الناس إلا في حالتين : 
1- أن يكون المغبون منهما جاهلا بثمن المبيع ، واستسلم للآخر في تحديد ثمنه المتعارف بين الناس ، فإن هذا الغبن يوجب له حق الرد به ولو كان قليلا . 
۲- أن يكون المغبون منهما وكيلا أو وصاً ، فإن هذا الغبن يوجب رد بيعه أو شرائه إن بلغ حدا لا يتسامح الناس في مثله عادة . 
ایضاح 
تبين من النص أن الغبن يعم الواقع على المشتري بالزيادة في ثمن المبيع ، والواقع على البائع بالنقص في ثمنه ، ومثال الغبن الواقع في بيع الاستسلام ، أن يقول المشتري للبائع ، أنا لا أعلم ما تباع به هذه السلعة، فبيعها لي بما تبيع به للناس ، فيقول البائع هي في العرف بعشرة، فاذا هي تباع عادة بأقل ، أو يقول البائع للمشتري : أنا لا أعلم ما تباع به هذه السلعة فاشترمني كما تشتري من الناس ، فقال له المشتري هي في عرفهم بعشرة ، فإذا هي تباع عادة بأكثر ، فللمغبون منهما حق رد المبيع ، سواء كان الغبن قليلا أو كثيرا ، لأن غبن صاحبه له بعد أن استأمنه منه ، يعتبر غشا وخديعة له . 
وما جرينا عليه في النص هو المعتمد في المذهب . 
ويرى بعضهم أن الغبن يوجب الرد في غير بيع الاستسلام أيضا ، إن كان أكثر من ثلث قيمة المبيع وضعفه ابن رشد . .. 
المراجع : الشرح الصغير وحاشيته ج ۲ ص 76،