loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 130

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- لم يأخذ المشروع بمذهب التقنين الألماني ، فما يتعلق باستغلال المتعاقد ، بل اقتفي أثر المشروع الفرنسي الإيطالي وليس يعني هذا التقنين و أن المغبون قد خضع لتأثير لم يستطع التغلب عليه إرادية ، وإلا كان من أثر ذلك إلحاق الاستغلال بعيوب الرضاء ولكن يعنيه أمر مختلف كل الاختلاف، هو أن الطرف الآخر فقد استغل ، فيمن تعاقد معه ، ما قام به من ضعف ، وما اشتد عليه من عوز فليس ينطوى الأمر على عيب في الرضاء ، بل هو ينطوي على عمل مخالف للآداب ، صدر من المتعاقد الذي حصل على منفعة لا تتناسب مع التزاماته ولذلك كان الجزاء هو البطلان المطلق ، لا البطلان النسبي ، ( تعليقات على التقنين الألماني ، الجزء الأول ، ص 156 ).

تلك وجهة التقنين الألماني وقد آثر المشروع اطراحها ، وأتباع ما اختاره المشروع الفرنسي الإيطالي في هذا الصدد فلم يعتبر الغبن عملاً مخالفاً للأداب ، بل اعتبره عيباً من عيوب الرخاء ، يستتبع وجوده بطلان العقد بطلاناً نسبياً بيد أنه يشترط لذاك توافر أمرين : أحدهما مادي أو موضوعی ، وهو فقدان التعادل ما بين قيمة ما خلا العاقد وقيمة ما يعطى ، على نحو يتحقق معه معنى الإفراط ، والآخر نفى أو ذاتی ، وهو استغلال المتعاقد الذي أصابه الغين وقد نسج المشروع على منوال المشروع الفرنسي الإيطالي ، جعل حكم الشرط الثاني من العموم بحيث يتسع لجميع الفروض التي لا يكون للعاقد فيها ما يكفي من حرية الرضاء أو الخيار فلم يعد أساس الغين ، يعد هذا التوسع قاصراً على افتراض الإكراه .

فحسب ، بل جاوز ذلك إلى افتراض التدليس أو الغلط وبهذا يصبح العين عيباً من من عيوب الرضاء.

2- على أن هذا العيب ، وهو بعد مجرد وضع مفروض ، ليس من الضروري أن يستتبع بطلان العقد بطلاناً نسياناً فقد يكتفي القاضي بانقاص الالتزامات المفرطة أو الفاحشة وهو لو رأى إبطال العقد ، ففي استطاعة العاقد الآخر أن وفي هذا الأثر ، إذا عرض أن يؤدي ما يراه القضاء كافياً لرفع الغبن .. وعلى هذا النحو ، يكون جزاء استغلال المتعاقد ، إما انقاص الالتزامات الفاحشة وإما تكملة الالتزامات الناقصة أو القاصرة .

وتحسن الإشارة إلى أن العقود الاحتمالية ذاتها ، يجوز أن يطعن فيها على أساس الغين ، إذا اجتمع فيه معنى الإفراط ، ومعنى استغلال حاجة المتعاقد أو طيشه أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه ( انظر المادة 214 من التقنين اللبناني ).

3- وقد تضمن كثير من التقنيات الحديثة ، قاعدة عامة في العين ، تفاوتت صورها، باختلاف هذه التقنينات (انظر المادة 214 من التقنين اللبناني، والمادة 138 فقرة 2 من التقنين الألماني ، والمادة 879 من التقنين النمساوي ، والمادة 21 من تقنين الالتزامات السويسري ، والمادة 74 من التقنين الصيني ، والمادة 33 من التقنين السوفيتي )، ويلاحظ أن مذهب التقنيات اللاتينية القديمة ، التي تقتصر على ايراد بعض تطبيقات معينة في العين ، قد هجر في التشريع الحديث نهائياً .

4- ويراعي ، من ناحية أخرى ، أن أخذ المشروع بقاعدة عامة في الغبن ، لم يمنعه من أن بجانب المذهب النفسي أو الذاتي في بعض المسائل ، ويعمد إلى التزام مذهب مادي بحت ومن ذلك جميع الأحوال التي عبر فيها عن معنى الغين برقم من الأرقام ، متوخياً في ذلك إحلال الكم مكان الكيف فقد احتفظ المشروع بأحكام التقنين الحالي فيما يتعلق بتحديد مقدار الغبن في بيع عقار القاصر ، وجعل خمس أمن قاعدة لاحتسابه وكذلك أخذ بحكم التقنين الفرنسي ، في الغين الزائد عن الربع في أحوال القسمة ووضع أخيرة حداً أقصى لسعر الفائدة الاتفاقية هو 7 ، بحيث يتحقق الغبن في كل اتفاق تجاوز هذا الحد.

مذكرة المشروع التمهيدي :

يراجع بشأنها ما جاء بمذكرة المشروع التمهيدي عن المادة 179 المقابلة للمادة 129 من القانون .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 180 من المشروع، واقترح معالي السنهورى باشا إدخال تعديل جعل النص أدق في الدلالة على المعنى المقصود .

فوافقت اللجنة على ذلك وأصبحت المادة في نصها النهائي كالآتي :

يراعى في تطبيق المادة السابقة عدم الإخلال بالأحكام الخاصة بالغين في بعض العقود أو بسعر الفائدة .

وأصبح رقم المادة 134 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 134

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

وافقت اللجنة على المادة دون تعديل وأصبح رقمها 130

مناقشات المجلس:

وافق المجلس على المادة دون تعديل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شرح خبراء القانون

الاعتداد بنصوص الغبن الأخرى :

أهم العقود المشار إليها هي عقد البيع إذا وقع على عقار ناقص الأهلية (م 425) وعقد القسمة (م 845) وعقد الوكالة (م 709) وعقد الشركة (م 515) وعقد القرض إذا اشترطت فيه الفائدة (م 227) والشرط الجزائي والغبن في هذه الحالات، اعتد فيه المشرع بالقيمة المادية المترتبة على التعرف وهي لا تنال من صحته وإنما يؤدى الغبن فيها إلى إمكانية تعادل الالتزامات والحقوق .

ورغم تعلق المادة 45 يبيع عقار ناقص الأهلية، فإنها لا تتصل بالرضا، لأن البيع لم يبرمه ناقص الأهلية، وإنما أبرمه نائبه ، سواء كان ولياً أو وصياً وهو شخص كامل الأهلية توافر رضاه، أما إن كان ناقص الأهلية هو الذي أبرم عقد البيع، فإن رضاه يكون معيباً، وحينئذ يخضع تصرفه لنص المادة 111 من القانون المدني، فيكون البيع قابلاً للإبطال لمصلحته إن كان صبياً مميزاً ، فان كان ذا غفلة أو سفيهاً، كان البيع قابلاً للابطال عملاً بالمادة 115 من القانون المدني، ويرجع ذلك الى عيب في الرضا. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/  الثاني  الصفحة/ 573)

والعقود التي يشير إليها أهمها عقد البيع إذا وقع على عقار القاصر وعقد القسمة وعقد الوكالة وعقد الشركة وعقد القرض إذا اشترطت فيه الفائدة والشرط الجزائي وسيأتي بيان ذلك عند الكلام في هذه العقود والمهم أن الغبن في هذه الحالات قام على أساس النظرية المادية ، فلم يعتبر عيباً في الرضاء بل عيباً في العقد ، واعتد في الشيء بقيمته المادية لا بقيمته الشخصية ، ووقفت النصوص في بعض هذه الحالات عند رقم محدد التزمته عند تقدير الغبن. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/  الأول  الصفحة/ 483)

الإبقاء على الحالات الخاصة بالغبن في بعض العقود وسعر الفائدة :

رأينا أن القانون المدني الجديد أدخل الاستغلال عيباً عاماً بنبسط على سائر العقود، ولكن المادة (130) رغم ذلك نصت على استبقاء التطبيقات التقليدية لفكرة الغبن لكن تلك التطبيقات - وهي واردة في مواضيع مختلفة - واردة على سبيل الحصر فلا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها .

والإبقاء على هذه الحالات له فائدته، من حيث عبء الإثبات، إذ فرض القانون توافر الغبن من مجرد إقامة الدليل على عدم التعادل المادي في العقود التي عينه المشرع، ولو لم يجاوز ما التزم به المتعاقد قيمة الشيء في نظره، في حين أن عبد الإثبات في الاستغلال عبء ثقيل، إذ يجب على المغبون - كما رأينا - أن يثبت عن التعادل بين التزامه والتزام الطرف الآخر طبقاً للمعيار الشخصي، كما عليه أن يثب طيشه هو أو هواه وأن الطرف قد استغل فيه ذلك، فضلاً عن أن ذلك الاستغلال الذي دفعه إلى التعاقد . 

على أن الجزاء الذي فرضه القانون على الغبن التقليدي ليس واحداً بالنسبة لك العقود، فتارة يكون الجزاء هو تكملة الثمن (كما في بيع عقار القاصر)، وأخرى يك الجزاء هو الرجوع في العقد (كما في عقد القسمة)، وطوراً يكون الجزاء تع الالتزام زيادة أو نقصاً، كما قد يكون الجزاء البطلان المطلق كما في الشركة البر أو الإنقاص كما في الفوائد. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/  360) 

وتعليل ذلك أن المشرع إذ اعتبر الإستغلال عيباً يشوب الرضا، وجد أن ذلك لا يغني عن الأخذ بالغبن في بعض العقود باعتباره عيباً في العقد ذاته بقطع النظر عن وجود عيب في الرضا أو عدمه.

وفيما يلي بيان بعض حالات العين التي نص عليها القانون والتي أشار إليها في المادة 130 سالفة الذكر . 

 1- غبن ناقص الأهلية في بيع عقاره غبناً يجاوز خمس ثمن المثل، وقد رتب عليه القانون ثبوت الحق لناقص الأهلية في طلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل ( المادة  420 مدني) .

2 - غبن الشريك في القسمة الحاصلة بالتراضي غبناً يجاوز الخمس، وقد رتب عليه القانون ثبوت الحق للشريك المغبون في نقض القسمة، على أن يرفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ القسمة (المادة 45 مدني).

3 - غبن المدين في سعر الفائدة إذا جاوز هذا السعر الحد الجائز الاتفاق عليه قانوناً وهو 7٪ ، وقد رتب عليه القانون وجوب خفض السعر إلى هذا الحد (المادة 227 - مدنی) .

4 - غبن الشركة لمصلحة أحد الشركاء وغبن أحد الشركاء لمصلحة الشركة إذا اتفق على أن شريكاً معيناً لا يتحمل شيئاً من الخسارة أو لا يكون له نصيب في الربح ، وقد جعل القانون عقد الشركة في هذه الحالة يقع باطلاً . 

 وفي جميع هذه الحالات يكون تقدير الغبن بالمعيار المادي الموضوعي لا بالمعيار الشخصي كما تقدم بالنسبة التقدير عدم التعادل في التزامات الطرفين لتطبيق حكم الاستغلال. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني الصفحة/ 421)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة / 148

خِيَارُ الْغَبْنِ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْغَبْنُ فِي اللُّغَةِ: النَّقْصُ، فِعْلُهُ: غَبَنَ - مِنْ بَابِ ضَرَبَ - يُقَالُ غَبَنَهُ فَانْغَبَنَ، وَغُبِنَ (بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ) فَهُوَ مَغْبُونٌ أَيْ مَنْقُوصٌ مِنَ الثَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ.

وَغَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ غَبْنًا، وَغَبِينَةً (وَهِيَ اسْمُ الْمَصْدَرِ) أَيْ غَلَبَهُ، وَفِي الْقَامُوسِ: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ: خَدَعَهُ .

وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلْغَبْنِ مُسْتَمَدٌّ مِنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ نَفْسِهِ فَهُوَ - كَمَا يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ -: «النَّقْصُ فِي الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ» وَمِثْلُهُ النَّقْصُ فِي الْبَدَلِ فِي بَاقِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ. وَمَعْنَى النَّقْصِ هُنَا إِذَا كَانَ الْمَغْبُونُ هُوَ الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يُقَابَلَ جُزْءٌ مِنَ الثَّمَنِ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَبِيعِ لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ عَنْ أَكْثَرِ تَقْوِيمٍ لِلْمَبِيعِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَغْبُونُ هُوَ الْبَائِعُ فَالنَّقْصُ فِي الثَّمَنِ حَقِيقِيٌّ .

الْخِيَارَاتُ الْمُرْتَبِطَةُ بِالْغَبْنِ:

2 - لِلْغَبْنِ تَأْثِيرٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ، غَيْرَ أَنَّهُ أَحْيَانًا يُنَاطُ بِهِ الْحُكْمُ صَرَاحَةً، وَأَحْيَانًا يُنَاطُ بِسَبَبٍ مَادِّيٍّ أَشَدَّ مِنْهُ وُضُوحًا، وَيَكُونُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْوَحِيدُ، أَوْ أَحَدُ الْمُؤَثِّرَاتِ.

فَمِنَ الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا: الْمُبَادَلاَتُ الرِّبَوِيَّةُ بَيْنَ الأْجْنَاسِ الْمُتَّحِدَةِ، وَالاِحْتِكَارُ، وَأَنْوَاعٌ مِنَ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، كَالنَّجْشِ، وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَالْمُصَرَّاةِ وَنَحْوِهَا مِنْ صُوَرِ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ، وَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ (أَيْ دُخُولِ أَجْنَبِيٍّ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِلاِسْتِئْثَارِ بِالْبَيْعِ أَوِ الشِّرَاءِ). وَبَيْعِ الْمُسْتَرْسِلِ، وَبُيُوعِ الأَْمَانَةِ، وَحَالَةِ التَّغْرِيرِ الْقَوْلِيِّ الْمُقْتَرِنِ بِالْغَبْنِ، لِذَا كَانَ مِنَ الضَّرُورِيِّ اسْتِخْلاَصُ أَحْكَامٍ عَامَّةٍ فِي الْغَبْنِ الَّذِي تَنْشَأُ بِسَبَبِهِ بِضْعَةُ خِيَارَاتٍ تَخْتَلِفُ الْمَذَاهِبُ تُجَاهَهَا بَيْنَ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ.

وَقَدِ اتَّخَذَ ابْنُ قُدَامَةَ  مِنَ الْغَبْنِ مَدَارًا لِثَلاَثَةِ خِيَارَاتٍ هِيَ:

1 - تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، إِذَا اشْتَرَى مِنْهُمْ - أَوْ بَاعَهُمْ - بِغَبْنٍ.

2 - بَيْعُ النَّجْشِ، بِالزِّيَادَةِ فِي السِّلْعَةِ مِمَّنْ يَعْمَلُ لِمَصْلَحَةِ الْبَائِعِ دُونَ إِرَادَةِ الشِّرَاءِ لِيَقَعَ الْمُشْتَرِي فِي غَبْنٍ.

3 - الْمُسْتَرْسِلُ  وَلاَ رَيْبَ فِي أَنَّ خِيَارَ الْمُسْتَرْسِلِ مِنْ صَمِيمِ خِيَارَاتِ الْغَبْنِ، لأِنَّهُ لاَ تَغْرِيرَ يُوَجَّهُ إِلَيْهِ، إِنَّمَا هِيَ خِيَانَةٌ طَارِئَةٌ مِنَ الْبَائِعِ بَعْدَمَا رَكَنَ إِلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَتَرَكَ الْمُسَاوَمَةَ فِي الثَّمَنِ، وَلاَذَ بِالْبَائِعِ لِيُجِيرَهُ مِنَ الْغَبْنِ فَأَوْقَعَهُ فِيهِ، فَهُوَ خِيَارُ غَبْنٍ حَقًّا.

وَتَلْخِيصُ مَوَاقِفِ الْمَذَاهِبِ مِنَ الْغَبْنِ وَاسْتِلْزَامُهُ الْخِيَارَ أَوْ عَدَمَهُ هُوَ بِالصُّورَةِ التَّالِيَةِ:

الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَرَوْنَ لِلْمَغْبُونِ خِيَارًا إِلاَّ إِذَا كَانَ مُغَرَّرًا بِهِ عَلَى الرَّاجِحِ، أَوْ كَانَ غَبْنًا لِلْقَاصِرِ.

الْمَالِكِيَّةُ: يَقُولُونَ (فِي رَأْيٍ) بِالْخِيَارِ لِلْمَغْبُونِ مُطْلَقًا، أَوْ إِذَا كَانَ مُسْتَرْسِلاً لِبَائِعِهِ.

الشَّافِعِيَّةُ: يَقُولُونَ (فِي رَأْيٍ) بِالْخِيَارِ

الْحَنَابِلَةُ: يَقْتَصِرُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الْخِيَارِ لِمَنْ كَانَ مُسْتَرْسِلاً وَغُبِنَ.

ضَابِطُ الْغَبْنِ الْمُعْتَبَرِ، وَشَرْطُهُ:

3 - الْغَبْنُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ شَرْعًا هُوَ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ، وَالإْطْلاَقُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ فِي مَجَالِ الرَّدِّ.

وَالْمُرَادُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الرَّاجِحِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلٍ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي تَقْدِيرِ الْغَبْنِ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ. وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فَإِنَّهَا كُلَّهَا تُؤَدِّي إِلَى هَذَا الْمَعْنَى.

وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعِبْرَةُ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، لأِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَيْهِمْ فِي الْعُيُوبِ وَنَحْوِهَا مِنَ الأْمُورِ الَّتِي تَقْتَضِي الْخِبْرَةَ فِي الْمُعَامَلاَتِ .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِكُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْغَبْنِ الثُّلُثُ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لِلْمَالِكِيَّةِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ .

شَرْطُ خِيَارِ الْغَبْنِ:

4 - يُشْتَرَطُ لِقِيَامِ خِيَارِ الْغَبْنِ أَنْ يَكُونَ الْمَغْبُونُ جَاهِلاً بِوُقُوعِهِ فِي الْغَبْنِ عِنْدَ التَّعَاقُدِ. وَفِي تِلْكَ الْحَالِ وَرَدَ حَدِيثُ حِبَّانَ . الَّذِي احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِالْخِيَارِ (وَفِيهِ أَنَّهُ هُنَاكَ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْخِلاَبَةِ أَوِ الْغَبْنِ) أَمَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْغَبْنِ وَأَقْدَمَ عَلَى التَّعَاقُدِ فَلاَ خِيَارَ لَهُ، لأِنَّهُ أُتِيَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ رَاضِيًا .

مُوجِبُ الْخِيَارِ:

5 - إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّ الْمَغْبُونَ مُسْتَرْسِلٌ، وَكَانَ الْغَبْنُ خَارِجًا عَنِ الْمُعْتَادِ فَلِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإْمْضَاءِ مَجَّانًا، فَهَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لَيْسَ غَيْرُ، أَيْ إِنْ أَمْسَكَ الْمَغْبُونُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالأْرْشِ، وَهُوَ هُنَا مِقْدَارُ الْغَبْنِ .

مُسْقِطَاتُهُ:

6 - يَسْقُطُ خِيَارُ الْغَبْنِ (مَعَ التَّغْرِيرِ) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الْمَجَلَّةُ الْعَدْلِيَّةُ - بِمَا يَلِي:

1 - هَلاَكُ الْمَبِيعِ، أَوِ اسْتِهْلاَكُهُ، أَوْ تَغَيُّرُهُ، أَوْ تَعَيُّبُهُ: وَفِي حُكْمِ الاِسْتِهْلاَكِ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِشَيْءٍ مُقَابَلَةً لِنُقْصَانِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ.

2 - السُّكُوتُ وَالتَّصَرُّفُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْغَبْنِ: فَإِذَا تَصَرَّفَ الْمَغْبُونُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْغَبْنِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ بِأَنْ عَرَضَ الْمَبِيعَ لِلْبَيْعِ مَثَلاً، سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ.

3 - مَوْتُ الْمَغْبُونِ: فَلاَ تَنْتَقِلُ دَعْوَى (التَّغْرِيرِ مَعَ الْغَبْنِ) إِلَى الْوَارِثِ، أَمَّا مَوْتُ الْغَابِنِ فَلاَ يَمْنَعُ .

خِيَارُ غَبْنِ الْمُسَاوَمَةِ:

7 - لاَ يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ خِيَارَ الْغَبْنِ فِي الْمُسَاوَمَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ، وَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ قَدِ اقْتَصَرُوا عَلَى خِيَارِ الْغَبْنِ لِلْمُسْتَرْسِلِ (كَمَا سَيَأْتِي) وَلاَ بُدَّ مِنْ إِفْرَادِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِالذِّكْرِ لِتَحْقِيقِ مَذْهَبِهِمْ فِي خِيَارِ الْغَبْنِ.

خِيَارُ الْغَبْنِ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ:

8 - اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُتُبِ الْخِلاَفِ فِي شَأْنِ خِيَارِ الْغَبْنِ الْمُجَرَّدِ وَالرَّاجِحُ نَفْيُهُمْ لَهُ، وَالَّذِي رَجَّحَهُ شُرَّاحُ خَلِيلٍ هُوَ أَنَّ الْغَبْنَ لِغَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ لاَ خِيَارَ فِيهِ مَهْمَا كَانَ فَاحِشًا .

وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لِلْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ (لُزُومِ الْعَقْدِ مَعَ الْغَبْنِ الْمُجَرَّدِ) بِحَدِيثِ شِرَائِهِ صلي الله عليه وسلم  جَمَلَ جَابِرٍ، فَقَدْ قَالَ لَهُ مُسَاوِمًا: «أَتَبِيعُهُ بِدِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: لاَ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ بَاعَ بِخَمْسِ أَوَاقٍ عَلَى أَنَّ لَهُ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ».

فَالثَّمَنُ الأْوَّلُ بِالنِّسْبَةِ لِلأْخِيرِ غَبْنٌ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ خِيَارٌ لَمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  .

حُكْمُ الْغَبْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

9 - فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ خِلاَفٌ حَوْلَ الْغَبْنِ الْمُجَرَّدِ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ إِذَا تَجَرَّدَ عَنِ التَّغْرِيرِ عَلَى ثَلاَثِ رِوَايَاتٍ:

1 - لاَ يَرُدُّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مُطْلَقًا (صَاحَبَهُ تَغْرِيرٌ أَوْ لاَ).

2 - ثُبُوتُ حَقِّ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مُطْلَقًا (بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ التَّغْرِيرِ).

3 - ثُبُوتُ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ إِنْ صَاحَبَهُ تَغْرِيرٌ، أَيْ لاَ يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْمَغْبُونِ مُطْلَقًا، بَلْ لِلْمَغْبُونِ الْمَغْرُورِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ .

خِيَارُ غَبْنِ الْمُسْتَرْسِلِ

تَعْرِيفُ الْمُسْتَرْسِلِ:

10 - عَرَّفَ الْمَالِكِيَّةُ الْمُسْتَرْسِلَ بِأَنَّهُ: الْمُسْتَسْلِمُ لِبَائِعِهِ .

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَهُوَ عِنْدَهُمْ: الْجَاهِلُ بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ، وَلاَ يُحْسِنُ الْمُبَايَعَةَ. وَيُلْحَظُ هُنَا أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى الْوَصْفِ الأَْخِيرِ وَهُوَ عَدَمُ الْخِبْرَةِ بِالْمُبَايَعَةِ، أَمَّا جَهْلُ قِيمَةِ السِّلْعَةِ فَيَقَعُ فِيهِ كُلُّ مَغْبُونٍ، إِذْ لَوْ عَرَفَ الْقِيمَةَ لَمَا رَضِيَ بِالْغَبْنِ إِلاَّ مُضْطَرًّا، أَوْ بَاذِلاً لِقَاءَ رَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ فِي السِّلْعَةِ، وَسَبْقُ الْعِلْمِ بِالْغَبْنِ مُسْقِطٌ لِلْخِيَارِ.

وَلِلْحَنَابِلَةِ تَعْرِيفٌ آخَرُ لِلْمُسْتَرْسِلِ مِنْ كَلاَمِ الإْمَامِ أَحْمَدَ بِأَنَّهُ: الَّذِي لاَ يُحْسِنُ أَنْ يُمَاكِسَ، وَبِلَفْظٍ آخَرَ: الَّذِي لاَ يُمَاكِسُ، وَالْفَارِقُ أَنَّ الأْوَّلَ قَلِيلُ الْخِبْرَةِ بِالْمُجَادَلَةِ فِي الْمُبَايَعَةِ لِلْوُصُولِ إِلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ دُونَ غَبْنٍ، أَمَّا الأْخِيرُ فَهُوَ الَّذِي لاَ يَسْلُكُ طَرِيقَ الْمُمَاكَسَةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إِتْقَانِهِ لَهَا أَوْ جَهْلِهِ بِهَا. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: فَأَمَّا الْعَالِمُ بِذَلِكَ وَالَّذِي لَوْ تَوَقَّفَ لَعَرَفَ، إِذَا اسْتَعْجَلَ فِي الْحِلِّ فَغُبِنَ، فَلاَ خِيَارَ لَهُ .

خِيَارُ غَبْنِ الْمُسْتَرْسِلِ (عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ):

11 - صَرَّحَ خَلِيلٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُ لاَ يَرُدُّ بِالْغَبْنِ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ. وَأَفَادَ شُرَّاحُهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ هُنَاكَ قَوْلاً بِأَنَّهُ يَرُدُّ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا فَالاِتِّفَاقُ عَلَى لُزُومِ الْعَقْدِ مَعَهُ وَعَدَمِ الرَّدِّ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ حُكْمَ الْغَبْنِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْبَيْعِ، فَفِي بَيْعِ الْمُكَايَسَةِ (الْمُسَاوَمَةِ) لاَ قِيَامَ بِالْغَبْنِ (قَالَ): «وَلاَ أَعْرِفُ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ نَصَّ خِلاَفٍ» وَبَعْدَ أَنْ رَدَّ عَلَى مَنْ وَهِمَ فِي حَمْلِ مَسْأَلَةِ سَمَاعِ أَشْهَبَ عَلَى الْخِلاَفِ، عَادَ فَأَشَارَ إِلَى حِكَايَةِ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ وُجُوبَ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ. وَجَعَلَهُ مَوْضِعَ تَأَمُّلٍ، وَأَمَّا بَيْعُ الاِسْتِنَامَةِ وَالاِسْتِرْسَالِ.. فَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزٌ.. وَالْقِيَامُ بِالْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إِذَا كَانَ عَلَى الاِسْتِرْسَالِ وَالاِسْتِنَامَةِ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعٍ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ ظُلْمٌ» . هَذَا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ .

خِيَارُ الْمُسْتَرْسِلِ (عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ):

12 - الْحَنَابِلَةُ يُثْبِتُونَ خِيَارَ الْغَبْنِ لِلْمُسْتَرْسِلِ فَقَطْ، عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهِيَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَارَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلاَفِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، لأِنَّ  الْغَبْنَ لَحِقَهُ لِجَهْلِهِ. بِالْمَبِيعِ، خِلاَفًا لِغَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ فَقَدْ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ فَهُوَ كَالْعَالِمِ بِالْعَيْبِ، وَهُوَ مَقِيسٌ عَلَى النَّجْشِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى (بِصِيغَةِ: قِيلَ) مُقْتَضَاهَا أَنَّ الْغَبْنَ لاَزِمٌ لِلْمُسْتَرْسِلِ أَيْضًا، لأِنَّ  نُقْصَانَ قِيمَةِ السِّلْعَةِ مَعَ سَلاَمَتِهَا لاَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ، كَبَيْعِ غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ، وَكَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ .

خِيَارُ غَبْنِ الْقَاصِرِ (وَشَبَهِهِ):

13 - أَثْبَتَ هَذَا الْخِيَارَ الْمَالِكِيَّةُ فِي حَالِ غَبْنِ الْوَصِيِّ عَنِ الْقَاصِرِ أَوِ الْوَكِيلِ عَمَّنْ وَكَّلَهُ دَرْءًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْقَاصِرِ وَالْمُوَكِّلِ، وَبَعْضُ الْمَذَاهِبِ لَجَأَتْ إِلَى إِبْطَالِ الْعَقْدِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى غَبْنِهِمَا .

فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ - أَوِ الْمُشْتَرِي - بِالْغَبْنِ وَكِيلاً أَوْ وَصِيًّا. فَيَرُدُّ مَا صَدَرَ مِنْهُمَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ (أَيْ يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ).

وَخِيَارُ غَبْنِ الْقَاصِرِ يَثْبُتُ فِي عَقْدِ الشِّرَاءِ اتِّفَاقًا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، فَأَجَازُوا الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ لِلصَّبِيِّ أَوْ لِلْمُتَصَرِّفِ عَنِ الْغَيْرِ، لأِنَّ  الْبَيْعَ إِزَالَةُ مِلْكٍ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الْغَبْنُ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ: الْبَيْعُ مُرْتَخَصٌ وَغَالٍ. فَإِذَا بَاعَ الْقَاصِرُ بِغَبْنٍ لاَ خِيَارَ لَهُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ .

مُوجِبُ خِيَارِ غَبْنِ الْقَاصِرِ:

14 - هَلْ لِلْقَائِمِ فِي الْغَبْنِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ نَقْضُ الْبَيْعِ أَوِ الْمُطَالَبَةُ بِتَكْمِيلِ الثَّمَنِ؟ وَكَيْفَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمُبْتَاعُ فِي ذَلِكَ بِبَيْعٍ؟

أَفَاضَ الْحَطَّابُ فِي الْمَسْأَلَةِ نَاقِلاً عَنِ ابْنِ رُشْدٍ فِي فَتْوَى لَهُ ثُمَّ قَالَ: وَالرَّاجِحُ مِنَ الأْقْوَالِ  أَنَّ لِلْقَائِمِ بِالْغَبْنِ نَقْضُ الْبَيْعِ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ، وَأَمَّا فِي فَوَاتِهَا فَلاَ نَقْضَ، وَأَنَّ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ يَفُوتُ بِالْبَيْعِ (أَيْ فَيُلْجَأُ إِلَى تَكْمِيلِ الثَّمَنِ)، أَمَّا مَعَ إِمْكَانِ الرَّدِّ فَهُوَ الْمُوجِبُ .

مُسْقِطَاتُ خِيَارِ غَبْنِ الْقَاصِرِ:

15 - ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ يَسْقُطُ بِمَا يَلِي:

1 - التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ.

2 - التَّلَفُ، أَوْ مَا يُسَمِّيهِ الْمَالِكِيَّةُ (فَوَاتَ الْمَبِيعِ) قَالَ الْحَطَّابُ: فَإِنْ فَاتَ الْمَبِيعُ رَجَعَ الْمُوَكِّلُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا وَقَعَ الْغَبْنُ وَالْمُحَابَاةُ بِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ - وَهُوَ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ - بِذَلِكَ.

 وَإِنِ اشْتَرَيَا بِغَبْنٍ، وَفَاتَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي، رَجَعَ الْمُوَكِّلُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا وَقَعَتِ الْمُحَابَاةُ وَالْغَبْنُ بِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ رَجَعَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْوَكِيلُ أَوِ الْوَصِيُّ. صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَتَّابٍ وَغَيْرُهُ.

وَلاَ يَتَقَيَّدُ الرُّجُوعُ هُنَا بِالثُّلُثِ، فَيَرْجِعُ بِكُلِّ مَا نَقَصَ عَنِ الْقِيمَةِ نَقْصًا بَيِّنًا، أَوْ زَادَ عَلَيْهَا زِيَادَةً بَيِّنَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الثُّلُثُ. وَهُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ .

_____________________________________________________________________

 كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له  (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

(مادة 206)
الغبن الفاحش لا يفسد العقد ولا يوجب حق فسخه للمغبون إلا إذا كان فيه تغرير وإنما يفسد العقد ويجب فسخه بالغبن الفاحش ولو لم يكن فيه تغرير إذا كان المغبون غبناً فاحشاً صغيراً أو كان المال الذي حصل فيه الغبن الفاحش مال وقف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

مادة (66) :
للمغبون من العاقدين غبنا يخرج عن العادة الخيار على التراخي بين رد، أو إمساك بلا أرش ، وذلك في صور ثلاث : 
1- إذا تلقى حاضر قادما فباعه أو اشترى منه بغبن  . 
2- إذا زايد في السلعة من لا يريد شراء ما ليغر المشتري . 
٣- إذا كان المغبون جاهلا بقيمة المبيع ولا يحسن المماكسة . 
إيضاح 
الثالث : من أقسام الخيار خيار الغبن، من غبنه إذا خدعه . لأن مبناه على أن يخدع أحد المتعاقدين الآخر ، ولمن غبن منهما الخيار ، بين الرد أو الإمساك بلا أرش. لأن الشرع لم يجعله له ولم فوت الغبن عليه جزء من مبيع بأخذ الأرض في مقابله . 
وقد روي عن ابن رجب ( في شرح الأربعين النووية ) أنه يحط ماغبن فيه من الثمن و پر جمع به إن كان دفعه . 
ويثبت خیار الغبن على التراضي ، لثبوته لدفع ضرر متحقق فلم يسقط بالتأخير بلارضا كالقصاص . وذلك إذا كان الغبن مخرج عن العادة ، لأنه لم يرد الشرع بتحديده فرجع فيه إلى العرف ، فإن لم يخرج عن العادة فلاخيار ، لأنه يتسامح فيه . ويثبت خیار الغبن العاقدين أصيلين أو وكيلين قبل إعلام موكليهما في ثلاث صور . 
الصورة الأولى :
القادم من سفر تلقاه حاضر فباعه ، أو اشترى منه شيئا قبل العلم بالسعر وغبنه ولو بلاقصد . لأنه شرع لإزالة ضررهم بالغبن ، ولا أثر للقصد فيه ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لاتلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار" ، وصح البيع مع النهي لأن النهي لا يعود لمعنى في البيع . 
بل يعود إلى ضرب من الخديعة يمكن استدراكها بالخيار . اشبه المصراة وهو المذهب . لأن الخيار لا يكون إلا في عقد صحيح . 
وروي عن أحمد ( أن البيع باطل لظاهر النهي) 
الصورة الثانية : 
أن يزايد في السلعة من لاريد شراءها ليغر المشترى ولو كانت المزايدة بالاتفاق مع البائع لما سبق في الصورة الأولى فظاهر هذا أنه لا بد أن يكون المزايد الما بالقيمة و المشتري جاهلا بها فلو كان عالما واغتر بذلك فلا خيار له لعجلته وعدم تأمله ، وهذا النوع يسمى النجش وهو حرام ماروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهی عن النجش. ومنه أن يقول البائع: أعطيت في السلعة كذا أو اشتريتها بكذا وهو كاذب. لتغريره بالمشتري، فإن اشترى مع النجش فالشراء صحيح، لأن النهى عاد إلى الناجش لا إلى العاقد فلم يؤثر في البيع . 
وروي عن أحمد أن البيع باطل لأن النهي يقتضى الفساد : 
الصورة الثالثة . 
إذا اشترى المسترسل وهو الجاهل بقيمة السلعة . ولا يحسن المماكسة فله الخيار إذا غبن لجهله بالبيع و تقبل دعوی جهله بالقيمة بيمينه . لأنه الأصل إن لم تكذبه قرينة . 
وقال ابن نصر الله الأظهر احتياجه إلى بينة لأنه ليس مما تتعذر إقامة البينة به . 
أما من له خبرة بسعر البيع ويدخل على بصيرة بالغين . ومن غبن لاستعجاله في البيع ولو توقف ولم يتعجل لم يغبن فلا خيار لهما لعدم التغرير. 
ومن قال عند العقد لاخلابة - أي لاخديمة - فله الخيار إذا غبن نصة. لما روى أن رجلا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال له : « إذا تبايعت فقل : لا خلابة ). متفق عليه . 
وتلحق الإجارة بالبيع في خيار الغين لأنها بيع منفعة . وسيأتي تفصیل لذلك في باب الإجارة. 
مادة (67) : 
(1) إذا تعيب المبيع عند المشتري المغبون لم يسقط الخيار. فإن رده رد معه أرش العيب الحادث عنده . 
(ب) إذا تلف المبيع عند المشتري المغبون لم يسقط الخيار وعليه قيمته أو مثله للبائع .
إيضاح
(1) لايمنع الفسيخ لغبن حدوث عيب بالمبيع عند المشتري . وعليه أرش العيب إذا رده كالمعيب قديما إذا تعيب عنده ورده . 
(ب) وكذلك لا يمنع الفسخ أيضا تلف المبيع عند المشتري وعليه قيمته لبائعه أن كان متقوما أو مثله إن كان متقوم أو لأنه فوته عليه. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام الأعظم ابى حنيفة (رضى الله عنه ) إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية (1392هـ ـ 1972م  )

مادة 43 - التغرير : توصيف المبيع للمشتري بغير صفته الحقيقية ، ترغیبأ له به .

مادة 44 - الغبن الفاحش : غبن على قدر نصف العشر في العروض ، والعشر في الحيوانات ، و الخمس في العقار ، أو زيادة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

مادة (106)

«الغبن في ثمن المبيع بزيادة فيه أو نقص منه لا توجب للمغبون من المتبايعين حق الرد به ، ولو جاز المعتاد بين الناس إلا في حالتين : 
1- أن يكون المغبون منهما جاهلا بثمن المبيع ، واستسلم للآخر في تحديد ثمنه المتعارف بين الناس ، فإن هذا الغبن يوجب له حق الرد به ولو كان قليلا . 
۲- أن يكون المغبون منهما وكيلا أو وصية ، فإن 
هذا الغبن يوجب رد بيعه أو شرائه إن بلغ حدا لا يتسامح الناس في مثله عادة . 
ایضاح 
تبين من النص أن الغبن يعم الواقع على المشتري بالزيادة في ثمن المبيع ، والواقع على البائع بالنقص في ثمنه ، ومثال الغبن الواقع في بيع الاستسلام ، أن يقول المشتري للبائع ، أنا لا أعلم ما تباع به هذه السلعة، فبيعها لي بما تبيع به للناس ، فيقول البائع هي في العرف بعشرة، فاذا هي تباع عادة بأقل ، أو يقول البائع للمشتري : أنا لا أعلم ما تباع به هذه السلعة فاشترمني كما تشتري من الناس ، فقال له المشتري هي في عرفهم بعشرة ، فإذا هي تباع عادة بأكثر ، فللمغبون منهما حق رد المبيع ، سواء كان الغبن قليلا أو كثيرا ، لأن غبن صاحبه له بعد أن استأمنه منه ، يعتبر غشا وخديعة له . 
وما جرينا عليه في النص هو المعتمد في المذهب . 
ويرى بعضهم أن الغبن يوجب الرد في غير بيع الاستسلام أيضا ، إن كان أكثر من ثلث قيمة المبيع وضعفه ابن رشد . .. 
المراجع : الشرح الصغير وحاشيته ج ۲ ص 76،