loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 205

المذكرة الإيضاحية :

أولاً - المحل :

نظرة عامة :

اختص التقنين الخالى محل الالتزام بمادة واحدة ، تضمنت بياناً مقتضياً للشروط الواجب توافرها فيه أما المشروع فلم يكتف بمجرد سرد هذه الشروط ، بل تناول أحكامها بالتفصيل .

وقد قصد فيما يتعلق بالشرط الأول ، وهو وجود المحل ، أن يزيل كل شك كان حكم الأشياء السنة ، فقرر صلاحيتها لأن تكون محلاً للإلتزام ولما كان التعامل في تركه إنسان على قيد الحياة يرد على شيء من الأشياء الثقيلة ، فقد ورد كه بين الأحكام المتعلقة بالحلي ، دون أحكام البيع ولم يقتصر الأمر في هذا الصدد، على حالة البيع ، بل جاء شاملاً لكل ما قد يرد على التركة من ضروب التصرفات ، والأصل حظر التعامل في تركه الإنسان ، ما بقى على قيد الحياة ، وفقاً للقواعد التقليدية ، التي جرى العمل عليها من عهد الرومان .

واخيراً ، نقل المشروع الاحكام التقليدية ، فيما يتعلق بمشروعية المحل ، فقضى بعدم مشروعية المحل اذا كان مخالفاً للقانون او كان يتعارض مع النظام العام والآداب .

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- يجب أن يكون محل الالتزام موجودة وقت التعاقد فإذا كان قد وجد ، ولكنه ملك من قبل ، فلا يقوم الالتزام لانعدام المحل وينطبق نفس الحكم من باب أولى ، إذا كان المحل لم يوجد أصلاً ، ولا يمكن وجوده في المستقبل ويستثنى من نطاق تطبيق هذا الحكم حالة العقود الاحتمالية ( انظر في هذا المعنى المادتين 1206 و 1207 من التقنين الأرجنتيني ) .

2 - فإذا كان المحل غير موجود أصلاً وقت التعاقد ، ولكنه سيوجد فيما بعد فهذا هو الشيء المستقبل وهو يصح أن يكون محلاً للالتزام ، بشرط أن يكون معينة ، أو على الأقل قابلاً للتعيين وليس ثمة محل للتفريق بين بيع الثمار المنعقدة ربيع الثمار قبل انعقادها ، على نحو ما فعل التقنين المختلط (م 330 - 331 ) متأثراً في ذلك بأحكام الشريعة الإسلامية .

3 - ويرد على قاعدة جواز التعامل في الأشياء المستقبلة استثناء يتعلق بالتركات المستقبلة ، إذ حظر التعامل فيها بضروب التصرفات جميعاً ، كالبيع والمقايضة والشركة والصلح والتنازل وما إلى ذلك ويراعى أن النص الذي تضمنه المشروع أعم من نص المادة 263 / 332 من التقنين الحالي ، حيث يقتصر الحظر على البيع بيد أن بين قواعد المشروع و بين قواعد التقنين الحالى خلافاً أم مما تقدم يتصل بحكم التعامل في التركة المستقبلة ، إذا كان حاصلاً برضاء صاحبها فقد احتذى هذا التقنين مثال أغلب التقنيات الأجنبية ، وقضى ببطلان التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة ولو برضاه لعدم مشروعية المحل ، باعتبار أن المضاربة على الموت تتعارض مع الآداب وقد بلغ من أمر هذا الاتجاه أن اعتبر التصرف باطلا ولو كان صادراً من صاحب التركة نفسه كما إذا باع شخص كل أمواله الحاضرة والمستقبلة أما المشروع فقد اتبع في هذا الشأن مذهبة لا يزال نصيه من الذيوع غير كبير ( انظر مع ذلك المادة 636 من تقنين الالتزامات السويسري ، والمادة 312 من التقنين الألماني . وكذلك المادة 1271 من التقنين الأسباني ، والمادة 1370 من التقنين الهولندي ، والمادة 58 من التقنين البولوني)، فاستبعد فكرة المضاربة على حياة المورث إذا تدخل هذا في التصرف وارتضاه وليس يكفي لاتمام التعاقد في هذه الصورة رضاء المتعاقدين بل لابد أيضاً من رضاء المورث ويجب أن يكون رضاء الجميع ثابتة في عقد رسمي وإذا كان التصرف لا ينعقد إلا باجتماع إرادات ثلاث ، فلهذه الحالة نظير في التقنين المصری الحال ، فوالة الحق لا تنعقد إلا إذا اقترن رضاء المحال عليه برضاء طرفي الحوالة .

وعلى هذا النحو يكون التعامل في التركات المستقيلة قد وصل وفقاً لأحكام المشروع إلى مرحلة جديدة في تطوره ، فقد كانت الفكرة في مبدأ الأمر حماية الوارث ، ولهذا شرع البطلان النسبي لمصلحته ثم اعتبر البطلان بعد ذلك مطلقاً المخالفة التصرف للآداب من حيث استنكار فكرة المضاربة على موت إنسان لايزال على قيد الحياة وانتهى الأمر بالمشروع ، والتقنينات التي اقتبس منها ، إلى وضع المسألة وضعاً جديداً فكل تصرف يرد على تركة مستقبلة لا يقتصر على المتعاقدين وحدهم ، بل يتناول شخصاً ثالثاً ، يعتبر تدخله ضرورة لا معدى عنها ، إذ الأمر يتعلق بتركته وإذا كان هذا التدخل إقراراً ضرورياً يصدر من صاحب المصلحة الأولى في التصرف ، فهو في الوقت ذاته كفيل باستبعاد فكرة المضاربة ، التي استند إليها لاعتبار التصرف مخالفاً للآداب .

وغني عن البيان أن هذا الوضع الجديد مزايا لا يستهان بها فهو يبيح اتفاقات لها ، بغير شك ، نفعها من الناحية العملية ، ولا يحول دون الإفادة منها إلا الحظر القائم فلورثة مثلاً أثناء حياة مورثهم وبموافقته أن يتفقوا على قسمة التركة المستقيلة ولا شك أن قسمة من هذا القبيل تكون أفضل وأدق من قسمة يجريها الأصول والتزم بها الورثة دون أن تكون وليدة إرادتهم ، كذلك يجوز لكل وارث أن يتصرف فيما قد يؤول إليه من التركة مع مراعاة الأحكام المقررة بمقتضى قواعد الميراث .

4 - وينبغي كذلك أن يكون المحل مما يجوز التعامل فيه , ويلاحظ فيما يتعلق بتطبيق هذه القاعدة أن قابلية الشيء التعامل فيه مسألة نسبية فهناك أموال قد تستعصي على ضروب من التصرفات وتستجيب في الوقت ذاته لضروب أخرى ..( انظر المادة 193 من التقنين اللبناني ، وكذلك المادة 259/ 326  من التقنين الحالي).

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 182 من المشروع، واقترح تعديلها لأن النص الأصلى يقرر حكماً جديداً بشأن التعامل في التركات فقصد بالتعديل الرجوع عن هذا التجديد .

فوافقت اللجنة على التعديل وأصبح نص المادة النهائي ما يأتي :

1- يجوز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً .

2 - غير أن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل إلا في الأحوال التي نص عليها في القانون .

وأصبح رقم المادة 135 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 135 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة الحادية عشرة انتقلت اللجنة بعد ذلك إلى بحث المادة 135 وهذا نصها:

1 - يجوز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً .

2 - غير أن التعامل على تركة إنسان على قيد الحياة باطل إلا في الأحوال التي نص عليها في القانون .

اقترح سعادة العشماوي باشا إضافة عبارة ، ولو كان برضاه ، في الفقرة الثانية لأنه من الجائز أن يميز القاضي التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة إذا كان هذا حاصلاً برضاه.

فرد عليه عبده محرم بك قائلاً إنه لا داعي لهذه الإضافة لأن القضاء بمجمع على أن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة ولو برضاه مضاربة بحياته ويعتبر باطلاً وقال إنه يرجو أن يكون مفهوماً بأن كلية التعامل أصبحت اصطلاحاً قانونياً يصدق على كل أنواع التصرفات عدا الوصية والوقف فقد كان القانون الحالي يقصر التعامل على البيع بفضل التشريع الجديد التعميم.

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة بالإجماع على اقتراح سعادة العشماوي باشا وبذلك يصبح نص الفقرة الثانية كما يأتي :

غير أن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل ولو كان برضاه إلا في الأحوال التي نص عليها في القانون .

تقرير اللجنة :

أضيفت إلى الفقرة الثانية عبارة ( ولو كان برضاه ) زيادة في الإيضاح ونسجاً على منوال التقنين الراهن .

وأصبح رقم المادة 131 .

مناقشات المجلس

وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأحكام

1- إذا أجازت المادة 131 من القانون المدنى أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا إلا أن المشرع لاعتبارات خاصة قد حرم ضروبا من التعامل فى الشىء المستقبل الذى لم يتحقق وجوده تضمنها نص المادة 492 من القانون المدنى ورتب على ذلك بطلانها بما نص عليه فيها من أنه تقع هبةالأموال المستقبلة باطلة وجعل هذا البطلان متعلقا بالنظام العام لاتلحقه الإجازة والمرجع فى ذلك هو ما تنطوى عليه هبة هذا النوع من الأموال من خطر إذ يندفع الواهب إلى هبة مال مستقبل أكثر مما يندفع إلى هبة مال تحقق وجوده مما حدا بالمشرع إلى حمايته من هذا الإندفاع بإبطال هبته وهو ما أكدته المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى للقانون سالف الذكر باعتبار ذلك تطبيقا لأحكام الشريعة الإسلامية التى تستلزم لصحة الهبة أن يكون الشىء الموهوب موجودا وقت العقد ومن ثم تعتبر هبة المعدوم غير صحيحة ومثل المعدوم ما هو فى حكمة ومنها الأموال المستقبلة فتقع الهبة الواردة عليها باطلة بطلانا مطلقا لاتلحقه الإجازة لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن العقد الذى يحكم واقعة الدعوى المؤرخ 1986/10/13 تبرع الطاعن بمقتضاه للمطعون ضده بصفته بحق الإنتفاع بشقة فى العقار الذى سيتم تشييده مستقبلا على الأرض المملوكة له أى أن إرادته انصرفت لهبة حق انتفاع وارد على مال مستقبل لم يتحقق وجوده بعد مما يصيبه بالبطلان الذى لاتلحقه الإجازة وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وكيف هذا العقد على أنه هبة غير مباشرة لمال تحقق وجوده وقضى بتأييد الحكم الإبتدائى فيما قضى به من صحته ونفاذه والتسليم فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه.

(الطعن رقم 4257 لسنة 62 جلسة 1993/12/29 س 44 ع 3 ص 578 ق 387)

2- النص فى المادة 1/131 من القانون المدنى على أنه " يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا " فإنه لا يشترط - فى الأصل - لصحة عقد الإيجار أن تكون العين المؤجرة موجودة وقت التعاقد بل يكفى أن تكون ممكنة الوجود مستقبلاً .

(الطعن رقم 334 لسنة 58 جلسة 1992/12/30 س 43 ع 2 ص 1458 ق 297)

3- التحايل الممنوع على احكام الارث لتعلق الأرث بالنظام العام - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو ما كان متصلا بقواعد التوريث و احكامه المعتبرة شرعا كاعتبار شخص وارثا و هو فى الحقيقة غير وارث او العكس ، و كذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل فى التركات المستقبلة كايجاد ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعا أو الزيادة او النقص فى حصصهم الشرعية ، و يترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث فى حالة صحته لأحد ورثته او لغيرهم تكون صحيحه ، ولو كان يترتب عليها حرمان بعض ورثته أو التقليل من أنصبتهم فى الميراث ، لأن التوريث لا يقوم الا على ما يخلفه المورث وقت وفاته ، أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته فلا حق للورثة فيه .

(الطعن رقم 599 لسنة 50 جلسة 1983/12/15 س 34 ع 2 ص 1833 ق 359)

4- إذ كان الحكم المطعون فيه قد نهج فى تكييف العقد محل التداعى تكييفاً صحيحاً و لم يخرج فى تفسيره عما تحتمله نصوصه فلقد إستخلص من عباراته الظاهرة أن تصرف الأب المطعون ضده لإبنه الطاعن فى حق الإنتفاع بالأرض الزارعية التى سلمها إياه كان بغير عوض مما يعتبر من التصرف تبرعاً أى هبة و قد وقعت الهبة باطلة لعدم مشروعية سببها المخالف للنظام العام بإنصرافه إلى تعامل فى تركة مستقبلة ، و كان من المقرر أن تعيين الورثة و أنصبتهم وإنتقال الحقوق فى التركات بطريق التوريث لمن لهم الحق فيها شرعاً مما يتعلق بالنظام العام و تحريم التعامل فى التركات المستقبلة بأى نتيجة لهذا الأصل فلا يحوز قبل وفاة إنسان الإتفاق على شىء يمس بحق الإرث و إلا كان الإتفاق باطلاً ، و كان الحكم قد إستدل على قيام ذلك السبب غير المشروع - وهو الباعث الدافع إلى التبرع - بما ورد فى الإتفاق من بيان صريح يفصح عن أن ما تسلمه الإبن الطاعن - أرض زراعية يمثل مقدار نصيبه ميراثاً عن أبيه الذى لم يزل على قيد الحياة و من اشتراط على هذا الإبن بعدم المطالبة بميراث أرض أخرى من بعد وفاة الأب ، و هو ما يعد إستدلالاً سائغاً له مأخذه الصحيح من واقع ما أثبت بالإتفاق الذى انعقد بين الطرفين ، فإن الحكم يكون قد التزم صحيح القانون فى تفسير الإتفاق و تكييف التصرف الثابت به الذى لحقه البطلان .

(الطعن رقم 626 لسنة 46 جلسة 1979/11/29 س 30 ع 3 ص 103 ق 358)

5- إجازة الوارث للتصرف الصادر من مورثه لا يعتد بها إلا إذا حصلت بعد وفاة المورث ، ذلك لأن صفة الوارث التى تخوله حقاً فى التركة لا تثبت له إلا بهذه الوفاة . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر ، فإن النعى عليه - بالخطأ فى تطبيق القانون إذ قضى بصورية عقدى البيع الصادرين للطاعن رغم أن المطعون عليها الثانية وقعت عليهما و يعتبر ما ورد فيهما من شروط حجة عليها بحيث يمتنع عليها الطعن فيهما بالصورية - يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 58 لسنة 41 جلسة 1975/11/11 س 26 ص 1394 ق 264)

6- الاتفاق الذى ينطوى على التصرف فى حق الإرث قبل إنفتاحه لصاحبه وإستحقاقه إياه ، أو يؤدى إلى المساس بحق الإرث فى كون الإنسان وارثا أم غير وارث وكونه يستقل بالإرث أو يشاركه فيه غيره هو إتفاق مخالف للنظام العام يعد تحايلا على قواعد الميراث فيقع باطلا بطلانا مطلقا لا تلحقه الإجازة ويتاح إثباته بكافة الطرق ولو كان الوارث طرفا فى الإتفاق .

(الطعن رقم 125 لسنة 34 جلسة 1967/11/21 س 18 ع 4 ص 1736 ق 261)

7- إذا كان الواقع فى الدعوى أن الطاعنين باعا للمطعون عليه الأقطان الناتجة من زراعتهما فى سنة 1950 البالغة 750 قنطارًا تحت العجز و الزيادة بسعر 13 جنيها و 520 مليماً للقنطار بحسب إقفال البورصة فى يوم 28 فبراير سنة 1950 لعقود شهر أكتوبر سنة 1950 و دفع الثمن مقدماً على أن يكون التسليم فى ميعاد غايته 20 أكتوبر سنة 1950 فإن زاد الناتج عن هذا المقدار تكون الزيادة على أساس سعر العقود المؤجلة لشهر أكتوبر سنة 1950 فى يوم إقفال البورصة الذى يحدده البائع مع زيادة جنيه و 400 مليما فى القنطار و فى حالة العجز يقدر ثمن الكمية الناقصة على أساس تلك العقود فى يوم تسليم آخر رسالة من المحصول بحيث إذا قل هذا السعر عن السعر المقطوع به فلا رجوع لأحد على الآخر - أما إذا زاد السعر عن ذلك فإن الفرق يرجع به المشترى على البائع  فإن هذا العقد هو تعاقد على بيع محصول فى المستقبل و هو جائز بحكمالمادة 131 من القانون المدنى ، فإذا حصلت محكمة الموضوع أن العاقدين قصدا بيع 750 قنطارًا من القطن محددة على الأقل و إستندت فى ذلك إلى أسباب سائغة ، فإن هذا مما يدخل فى سلطتها الموضوعية التى لا تخضع لرقابة محكمة النقض ــ 

(الطعن رقم 52 لسنة 25 جلسة 1959/11/12 س 10 ع 3 ص 641 ق 97)

8- بيع المحاصيل المستقبلة قبل نباتها فى ظل القانون المدنى القديم صحيح ، ذلك أنه لم يرد فيه نص بتحريمه كما جاء بالقانون المدنى المختلط ( م .33 ) وقد قضى القانون المدنى الجديد فى المادة 131 منه على ما كان من خلاف فى هذا الشأن بين القانونين الوطنى والمختلط

(الطعن رقم 436 لسنة 21 جلسة 1953/04/30 س 4 ع 1 ص 963 ق 146)

9 - متى كان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تقل ببطلان التعاقد على بيع المحصول المستقبل بل قررت أن البيع المتنازع على تكييفه هو بيع معلق على شرط واقف هو وجود المبيع فى المستقبل وأن هذا ليس معناه القول ببطلان التعاقد على محصول مستقبل وأنها إذا كانت قد الزمت الطاعن بالتعويض الذى قضى عليه به فان هذا كان على أساس ما استخلصته بالأدلة السائغة التى أوردتها من أنه هو وزميله المطعون عليه الثانى قد قصرا فى القيام بما التزما به من تعهدات تضمنها العقد المبرم بين الطرفين ، إذ لم يتبعا نصوص العقد فيما يتعلق بعملية الزراعه من تسميد وبذر التقاوى والرى وتعليمات مهندس الشركة ، وكان من أثر ذلك التقصير هبوط نسبة المحصول ، فليس فيما قررته المحكمة أى تناقض أو مخالفة للقانون

(الطعن رقم 436 لسنة 21 جلسة 1953/04/30 س 4 ع 1 ص 963 ق 146)

شرح خبراء القانون

الالتزام الوارد على کل شئ مستقبل :

المحل ركن في الالتزام، ومحل الالتزام هو كل ما يلتزم به المدين سواء كان عملاً أو امتناعاً عن عمل، ونقل الحق العيني ما هو إلا قيام بعمل ولذلك أثرنا قصر المحل على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل .

والأصل أن محل الالتزام يجب أن يكون موجوداً وقت التعاقد ومع ذلك يصح الالتزام أن كان محله شيئا لم يكن موجوداً وقت التعاقد ولكنه سوف يوجد مستقبلا، أياً كان هذا الشي وأياً كان نوع التعامل، مثال ذلك بيع الثمار والمحاصيل الزراعية، وما تخرجه المناجم والسلع التي لم يتم صنعها وبعض الانتاج الفكري للمؤلف وفقاً لما أوضحناه بالمادة 86 فيما تقدم والبناء قبل أن يتم أو قبل البدء فيه، ويتم الاتفاق على الثمن بالنسبة للثمار والحاصلات وما شابهها جزافاً أو بسهر الوحدة، ووجود المحل في هذه الحالات محقق الوجود ولذلك يقع الالتزام باتاً، فإن لم يكن المحل محقق الوجود کبیع نتاج دابة كان المحل محتمل الوجود اذ قد تلد الدابة وقد لا تلد .

ويرى البعض أن البيع في هذه الحالة يكون معلقا على شرط واقف هو وجود المحل، الا أننا لا نسلم بذلك، ونرى أن التصرف الوارد على شئ مستقبل يقع باتاً في جميع الحالات سواء كان المحل محقق الوجود أو غير محقق الوجود، ولكن يتوقف مصيره على وجود المحل أو عدم وجوده لأن المحل ركن في الالتزام الذي لا يكتمل إلا بوجوده وقد أجازت الفقرة الأولى من المادة 131 من القانون المدني إبرام التصرف إن كان محله شيئاً مستقبلاً، مما مفاده صحة الالتزام رغم عدم وجود محله عند التعاقد، فالمحل ذاته هو الذي يحدد مصير الالتزام بحيث إن وجد اعتبر الالتزام قائماً منذ إبرام العقد وإن تخلف ارتد ذلك لذات الوقت، فتنفيذ الالتزامات كاملة يتوقف على تحقق المحل أى على اكتمال اركان الالتزام، ولذلك لا يصح القول بأن الالتزام يكون معلقاً على شرط واقف، لا هو مقرر من أن الشرط وصف يرد على الالتزام وقد يتعلق به نفاذه ان كان واقفاً أو انفساخه أن كان فاسخاً، بينما تحقق المحل أو تخلفه ليس وصفا وإنما رکناً ولا يصح أن يكون الأمر الواحد وصفا وركناً في وقت واحد وأن اتحدا في مصير الالتزام.

وقد وردت تلك الفترة على خلاف القياس، لأن المحل في الالتزام أن كان معدوماً كان العقد باطلاً، وكان مؤدي القياس إبطال العقد الوارد على شئ مستقبل، ولكن أجازته تلك الفقرة إثباتا له على خلاف القياس، ومن ثم فلا يجوز القياس عليها لأن القاعدة أن ما ثبت على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس .

تخلف المحل  :

فان كان محل الالتزام محقق الوجود ولكن حال المدين دون تحققه كأن يمتنع عن إقامة البناء جاز للدائن التنفيذ عليه بطريق التعويض، أما أن كان عدم تحقق الوجود لا يرجع إلى المدين إنما إلى سبب أجنبي عنه، فإن التزامه بنقضى بالاستحالة وينفسخ العقد وتسقط عن الدين التزاماته إلا إذا كان العقد احتمالياً وقبل بموجبه المتعاقد الآخر أن يلتزم سواء تحقق وجود المحل أو إستحال تحققه  .

ويجب لإنقضاء التزام المدين توافر السبب الأجنبي بشروطه ومنها ألا يكون متوقعاً وألا يرجع الاخلال إلى تقصير المدين، وبالتالي إذا كان السبب في عدم تنفيذ المدين لالتزامه متوقعا أو توافر الخطأ في حقه، ظل مسئولاً، وتحول التنفيذ العينى إلى تنفيذ للالتزام بطريق التعويض، مثال ذلك أن يبيع الباتي الطابق العاشر في عقاره المزمع إنشائه ثم يصدر له الترخيص بتسعة طوابق فقط ، وهو ما يتحقق به الخطأ في جانبه إذ كان يجب عليه قبل بيع الطابق العاشر التحقق من أن الجهة القائمة بأعمال التنظيم سوف ترخص له بذلك اقرب نقض 30/4/1953 فیما یلی، كما أن الاخلال بتنفيذ التزامه كان متوقعاً وبالتالي لا يرجع ذلك إلى السبب الأجنبي الذي ينتفي كذلك اذا رجع عدم تنفيذ الالتزام إلى خطأ المدين .

الأشياء المستقبلة التي لا يظل التعامل فيها :

ويستثنى مما تقدم، رهن المال المستقبل رهنا رسمياً أو حيازياً وفقاً لما تنص عليه المادتان 1033 ، 1098 من القانون المدني، وكذلك التعامل في التركة المستقبلة وفقا للفقرة الثانية من المادة 131 والتركة هي مجموع ما يتركه المتوفى من حقوق وديون ولا توجد إلا بالوفاة أو بصدور حكم باعتبار الغائب میتاً، أما قبل ذلك فهي تركة مستقبلة يطل التعامل فيها بطلاناً مطلقاً فلا ترد عليه إجازة من باقي الورثة ويكون لكل ذي مصلحة التمسك به وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، وأيا كان نوع التعامل، بيعاً أو هبة أو قسمة أو مقايضة أو إيجاراً أو انتفاعاً أو وصية وأيا كان التعامل، سواء كان الوارث نفسه بأن يبيع مجموع حقوقه وديونه التي تتحقق عند وفاته، أما اذا باع كل حقوقه وديونه المتحققة وقت التعاقد كان البيع صحيحاً لعدم وروده على تركة مستقبلة، كذلك إذا باع الوارث المحتمل تركة مورثة كمجموع من الأموال أو باع حصته فيها أو عيناً من أعيانها قبل وفاة مورثة، كان البيع باطلاً بطلاناً مطلقاً لوروده على تركة مستقبلية، أما إن باع العين على أنها مملوكة له سرت أحكام بيع ملك الغير.

والبطلان المطلق يجيز لكل ذي مصلحة التمسك به وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ولا ترد عليه الاجازة ولا يسرى في شأنه التقادم . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني  الصفحة/ 574 )

تعریف محل الالتزام :

محل الالتزام هو كل ما يلتزم به المدين، أي هو الأداء الذي يجب على المدين أن يقوم به لصالح الدائن. وهو ركن في الالتزام .

ولمحل الالتزام صور ثلاث: نقل حق عيني أو عمل أو امتناع عن عمل. ونقل حق عيني هو في حقيقته عمل، وإنما جرى الفقه على أن يخصه بالذكر لما يتميز به الالتزام في هذه الحالة من أنه بحسب الأصل ينفذ بمجرد نشوئه، حتى صار من المألوف أن يقال أن محل الالتزام هو الشيء، وهذا القول ينطوي بطبيعة الحال على تجوز في التعبير.

أما محل العقد فهو العملية القانونية التي يراد تحقيقها من وراء العقد. وإذ كان أثر العقد هو إنشاء التزامات فإن هذه الالتزامات ترمي في مجموعها إلى تحقيق العملية القانونية المقصودة من العقد وبهذا يتميز محل العقد عن محل الالتزام، كما يخضع كل منهما لأحكام غير التي يخضع لها الآخر وآية ذلك أن محل الالتزام قد يكون صحيحاً في ذاته ولكن العقد يقع باطلاً لأن العملية القانونية المقصودة منه يحرمها القانون كما في تحريم التعامل في تركة مستقبلة لشخص على قيد الحياة وكما في تحريم شراء الحق المتنازع فيه بالنسبة إلى القضاة وأعضاء النيابة إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها (م 471 مدنی).

ويلاحظ أن لكل التزام محل أياً كان مصدر هذا الالتزام غير أن أهمية دراسة محل الالتزام لا تظهر إلا بالنسبة إلى الالتزام الإرادی وهو الذي ينشئه العقد أو تنشئه الإرادة المنفردة ذلك لأن الالتزامات التي تنشأ عن مصادر غير إرادية يحدد محلها القانون، وهو غالباً مبلغ من النقود أما الالتزام الإرادی فتحدد محله الإرادة ولذا يجب بيان الشروط الواجب توافرها في المحل  ولم يرد في التقنين القديم في خصوص المحل سوى مادة واحدة (م95/149 ) أما التقنين الحالي فقد خصته بخمس مواد (م 131 - 135 مدنی).

يجوز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً

تنص الفقرة الأولى من المادة (131) على أنه يجوز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً .

ولم يرد مثل هذا النص في التقنين المدني القديم، ومع ذلك كان الرأي في ظل هذا القانون هو جواز التعاقد في شأن شيء سيوجد في المستقبل وذلك استناداً إلى أن هذا هو ما يستتبع بمفهوم المخالفة من المادة 332 / 313 مدني قديم التي وردت في البيع والتي تنص على أن: بيع الحقوق في تركة إنسان على قيد الحياة باطل ولو برضاه وقبس على البيع غيره من التصرفات ثم جاء التقنين المدني الجديد فأورد قاعدة صريحة على النحو الذي رأيناه، وذلك حتى يزيل كل شك يكتنف حكم الأشياء المستقبلة .

وعلى ذلك فإنه وإن كان الأصل أن محل الالتزام يجب أن يكون موجوداً وقت تعاقد، إلا أن ذلك ليس محتماً فإنه يجوز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً والأمثلة على عقود واردة على شيء مستقبل كثيرة في العمل مثال ذلك عقد بیع محصول أرض زراعية قبل نضجه، أو بيع ثمار حديقة قبل جنيهاً، أو بيع نتاج ماشية لم يولد بعد، أو بيع منتجات صناعية لمصنع صنعها أو بيع منزل قبل بنائه أو حوالة حق شخصي سیوجد في المستقبل.

في كل هذه الأمثلة محل الالتزام هو إعطاء شيء مستقبل، ولكن تنفيذه يكون مؤجلاً الى وقت تحقق الشيء، فإذا لم يتحقق هذا الشيء لأي سبب، كان تلف المحصول أو نفقت الماشية أو أغلق المصنع، فإن العقد ينفسخ بعد أن كان قد انعقد فعلاً .

على أن القانون قد يحرم لاعتبارات خاصة ضروبا من التعامل في الشيء المستقبل، كما فعل عندما جعل باطلاً رهن المال المستقبل رهناً رسمياً (م 2 / 1033) أو رهناً حيازياً (م 1098) وقد يحرم جميع ضروب التعامل في نوع خاص في المال المستقبل كما فعل عندما حرم التعامل في التركة المستقبلة.

والفقرة الأولى من المادة وقد نصت على أنه يجوز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً فإن ذلك يعني أن التصرف الوارد على شيء مستقبل يقع باتا ولكن يتوقف مصيره على وجود المحل أو عدم وجوده لأن المحل ركن في الالتزام لا يكتمل الا بوجوده .

فالمحل ذاته هو الذي يحدد مصير الالتزام بحيث إن وجد اعتبر الالتزام قائماً منذ إبرام العقد، وإن تخلف ارتد لذلك الوقت، ولذلك لا يصح القول بأن الالتزام يكون معلقاً على شرط واقف لما هو مقرر من أن الشرط وصف يرد على الالتزام وقد يتعلق به نفاذه إن كان واقفاً أو انفساخه إن كان فاسخاً، بينما تحقق المحل أو تخلفه ليس وصفاً وإنما رکناً ولا يصح أن يكون الأمر الواحد وصفاً وركناً في وقت واحد وإن اتحدا في مصير الالتزام .

بطلان التعامل في التركات المستقبلة

بعد أن أجازت الفقرة الأولى من المادة (131) أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً أردفت في فقرتها الثانية أن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل، ولو كان برضاه إلا في الأحوال التي نص عليها القانون.

ومن ثم فإن الفقرة الثانية تكون قد أوردت استثناء على أحكام الفقرة الأولى منها، مؤداه بطلان التعامل في التركات المستقبلة.

والتركة هي مجموع ما للإنسان من حقوق وما عليه من ديون وقت موته فإذا كان الإنسان على قيد الحياة فهذا المجموع من الحقوق والديون منظوراً إليه وقت الموت هو تركته المستقبلة .

والحكمة من حظر التعامل في التركات المستقبلة أن هذا التعامل يتضمن المضاربة على حياة المورث المحتمل والحث على قتله من ناحية، ولأن المتصرف في الأموال التي سوف يرثها فيما بعد يكون في العادة صيداً سهلاً وثمينا للمرابين والمستغلين و الجشعين من الناس من ناحية أخرى أما إذا كان التصرف في التركة المستقبلة حاصلاً من ذات صاحبها، فإن علة خطره تتمثل في مخالفته لقواعد الميراث التي هي من صميم النظام العام.

- نطاق حظر التصرف في التركات المستقبلة:

نشير في البداية إلى أن هذا الحظر لا يكون إلا إذا ورد التصرف في شأن مال، اعتباراً بأنه سوف يكون من مشتملات تركة مستقبلة لإنسان لازال على قيد الحياة عند التصرف، فلا يوجد ثمة ما يمنع من أن يتصرف الشخص في أمواله كلها، إذا ورد التصرف على أنه يسرى حال حياته فيجوز للشخص مثلاً أن يبيع أو يهب كل أمواله، إذا كان المقصود من البيع أو الهبة أن تسرى فوراً لا بعد الممات، على أن يكون الاتفاق على فورية نفاذ الهبة أو البيع حقيقياً وليس صورياً .

أما التعامل على التركة ذاته، فيستوي أن يقع التعامل على التركة في مجموعها أو على جزء منها، مادام قد نظر إلى ذلك المال المعين، باعتباره داخلاً في تركة مستقبلية كما يستوي أن تأتي التركة عن طريق الميراث أو الوصية، فما يحرم على المورث والورثة يحرم على الموصي والموصى له .

وقد يكون التعامل بين المورث نفسه ووارث أو بينه وأجنبي بأن يزيد المورث من نصيب الوارث أو ينتقص منه، أو بأن يعطى الأجنبى نصيباً من تركته.

أو يكون التعامل بين وارث ووارث آخر، بأن يتفقا على قسمة ما سيقع في نصيب كل منهما، أو أن يبيع أحدهما نصيبه للآخر أو يتنازل له عنه.

وقد يكون التعامل بين وارث وأجنبي، بأن يبيع الوارث نصيبه للأجنبي أو برهنه له .... الخ.

ولا عبرة بنوع التصرف، فيستوي أن يكون بيعاً أو مقايضة، أو نصيباً في شركة و محلاً للتصالح عليه، أو النزول عنه بالإرادة المنفردة أو بالتأجير.

ولا يستثنى من هذا الحظر إلا التصرفات التي أجازها القانون كالوصية (م 915 مدني) و الوصية بقسمة أعيان التركة (م 908 - 913  مدنی).

أما إذا لم يكن التعاقد تعاملاً في تركة مستقبلة، كما إذا كفل شخص مدينا على ألا رجع الدائن على الكفيل إلا بعد موت المدين، وكما إذا تعهد مدين بأن يفي بالدين عند تصل نصيبه من تركة مستقبله، فمثل هذا التعاقد أو ذاك ليس تعاقدا على تركة مستقبلة ومن ثم فهو تصرف صحيح.

بطلان التصرف في التركات المستقبلة:

جزاء التصرف في التركات المستقبلة، وقوع التصرف باطلاً، ولو تم من المورث المحتمل أو برضاه وهذا البطلان مطلق لمخالفة المحل للنظام العام لا ترد عليه الإجازة ولكل ذي مصلحة أن يتمسك به وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/363)

وقد يبدو أن هذا النص بديهي ، فهو يردد حكماً تقضي به القواعد العامة ، إذ ليس في هذه القواعد ما يمنع من أن يكون المحل القابل للتعيين غير موجود وقت نشوء الالتزام إذا كان من شأنه أن يوجد أو أن يكون من الممكن وجوده في المستقبل ولكن  النص مع ذلك أتى بحكم يخالف المعروف من قواعد الفقه الإسلامي ، فإن هذه القواعد تقضي بأن التعامل لا يصح إلا في شيء موجود ، فبيع المعدوم باطل ، واستثنى السلم ، وجاء الإيجار وهو بيع منافع مستقبلة على خلاف القياس وقد تأثر القانون المدني المختلط القديم بقواعد الفقه الإسلامي فنص في المادة 330 على ان بيع ثمار الشجر قبل انعقادها والزرع قبل نباته باطل من أجل ذلك حرص القانون الجديد على إباحة التعامل في الأشياء المستقبلة بنص صريح .

ويترتب على ذلك أنه يجوز بيع المحصولات المستقبلة قبل أن تنبت ، بثمن مقدر جزافاً أو بسعر الوحدة وقد قضى القانون الجديد على أما كان من خلاف في هذا بين القانون الوطني والقانون المختلط ، ويترتب على ذلك أيضاً أنه يصح أن يبيع شخص من آخر منزلاً لم يبدأ بناؤه على أن تنتقل ملكية المنزل إلى المشتري عند تمام البناء فهذا بيع شيء مستقبل محقق الوجود وقد يكون الشيء المستقبل محتمل الوجود كما إذا باع شخص نتاج ماشية قبل وجودها ، فالنتاج قد يوجد وقد لا يوجد ، والبيع هنا يكون معلقاً على شرط يتحقق إذا وجد الإنتاج.

 والواقع من الأمر أن التعامل في الشيء المستقبل كثير الوقوع في الحياة العملية فكثيراً ما يقع أن يبيع صاحب مصنع قدراً معيناً من مصنوعاته دون أن يكون قد اتم صنعها ، بل لعله لا يكون قد بدا في ذلك ، وقد يبيع مزارع محصولات أرضه قبل ظهورها كما رأينا ويبيع مؤلف مؤلفه قبل أن يتمه ، بل قبل أن يبدأه وينزل مقاول عن الأجر في مقاولة لم ترس عليه بعد هذه كلها عقود واقعة على شيء مستقبل ، وهي صحيحة .

على أن القانون قد يحرم لاعتبارات خاصة ضروباً من التعامل في الشيء المستقبل ، كما فعل عندما جعل باطلا رهن المال المستقبل رهناً رسمياً ( م 1033 فقرة 2 ) أو رهنا حيازياً ( م 1098 ) وقد يحرم جميع ضروب التعامل في نوع خاص من المال المستقبل كما فعل عند ما حرم التعامل في التركة المستقبلة ، وهذا ما ننتقل الآن إليه . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/  الأول  الصفحة/ 504)

فدلت بذلك على أنه لا يشترط أن يكون الشيء محل الالتزام موجوداً فعلاً وقت العقد بل يكفي أن يكون قابلاً للوجود بعد العقد  .

وقد تضمن هذا النص قاعدة عامة واستثناء واحداً من هذه القاعدة، بخلاف الاستثناءات الأخرى التي وردت بها نصوص خاصة، أما القاعدة فهى جواز التعامل في الأموال المستقبلة أياً كان نوع التعامل وأياً كان المال المستقبل وبناءً على ذلك يجوز بيع المال الذي لم يوجد بعید مادام محتمل الوجود كبيع السلع التي لم يتم صنعها وبيع المحصول قبل ظهوره أو حتى قبل زرعه وبيع البناء قبل إقامته وبيع المؤلف قبل تمامه أو حتى قبل البدء فيه وبيع ورقة اليانصيب أو ضربة الشبكة، فإذا طرأ ما يحول دون تحقق وجود هذا المحل بسبب أجنبي عمن تعهد به، انقضى التزام الأخير بالاستحالة، وانفسخ العقد إن كان ملزماً الجانبين وسقطت عن الطرف الآخر التزاماته، ما لم يكن العقد احتمالياً قبل فيه الطرف الآخر أن يلتزم بقطع النظر عن تحقق وجود ذلك المحل المستقبل أو عدمه .

الاستثناء في تحريم التعامل في التركة المستقبلة - التركة هي مجموع ما يتركه الإنسان عند موته من حقوق وديون ، ولا يعتبر للتركة وجود الا من وقت موت صاحبها، أما قبل ذلك فهي تركة مستقبلة.

ويرجع تاريخ تحريم بيع التركة المستقبلة إلى عهد القانون الروماني  فقد كان هذا القانون يحرم كل تعامل في التركة المستقبلة لا بيعها فحسب، باعتبار هذا التعامل مخالفا للآداب وللنظام العام ، أما مخالفته للآداب فلأنه ينطوي على مضاربة على حياة المورث .

غير أن الرومان اعتبروا أن المورث خير من يقدر وجود الخطر على حياته من وراء هذا التعامل، فإذا أقر التصرف، أو اشترك فيه ، كان ذلك دليلاً على انتفاء الخطر ولم يكن ثمة محل لاعتبار التصرف مخالفا للنظام العام، بل إن إقراره إياه أو اشتراكه فيه يجعل مضاربة التصرف اليه غير مخالفة للآداب، ولذلك أجازوا التعامل في التركة المستقبلة برضا المورث. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/  الثاني  الصفحة/ 253)

المحل ركناً في العقد وإذا كان مؤدى ذلك أن يكون المحل واحداً في كل عقد على خلاف الواقع فقد هجرت هذه النظرة واتجه التيار السائد إلى اعتبار المحل ركناً في الالتزام الذي ينشئه العقد وليس ركنا في العقد نفسه وإن ظهر اتجاه حديث إلى اعتبار المحل – والسبب مع إدماجهم في عنصر واحد - عنصراً من عناصر الإرادة ( أي التصرف القانوني بتقدير أنه الإرادة التي تتجه لإحداث أثر قانوني ) ومن ثم يقصر شرطة على المشروعية (يراجع في هذا الرأي الدكتور جميل الشرقاوي في بحثه عن طبيعة المحل والسبب المنشور بمجلة القانون والاقتصاد سنة 1964 ص 301 وما بعدها - وفي كتابه مصادر الالتزام بند 46 وما بعده حيث يعرض المحل والسبب حت بحثه مشروعية الإرادة - وراجع الدكتور عبد الرحمن عياد في رسالته عن أساس الالتزام العقدي حيث يرى إدماج الأهلية والمحل والسبب ، وقصر أركان الالتزام على ركنين أحدهما رکن مادي هو الثقة المتولدة عن التعبير ، والآخر معنوي هو المسئولية غير أن الرأي الذي نراه جديراً بالاعتبار الذي يذهب إلى التفرقة بين محل العقد ومحل الالتزام ، فمحل العقد هو العملية القانونية التي يراد تحقيقها ، والعقد ينشئ في سبيل تحقيق هذه العملية ونتائجها التزامات يكون لكل منها محل قد يكون إعطاء أو عملا أو امتناعا وتختلف شروط محل العقد بهذه المثابة عن شروط محل الالتزام ، ومن ثم قد يكون هذا الأخير موجوداً وصحيحاً في حين يكون محل العقد غير مشروع المخالفة العملية القانونية للنظام العام ، وأبرز مثال على ذلك التصرف في تركة إنسان على قيد الحياة ، فمحل الالتزام الذي ينشئه هذا العقد هو محل مشروع إذا نظر إليه مجرداً إذ لا يعدو أن يكون تصرفاً في مال مستقبل ، ولكن محل العقد أي العملية القانونية التي يراد تحقيقها وهي تصرف في شركة إنسان على قيد الحياة تعتبر مخالفة للنظام العام فيكون العقد باطلاً لعدم مشروعية المحل .. وكما يتميز محل العقد عن محل الالتزام فان محل العقد يتميز كذلك عن أثر العقد إذ أن أثر العقد هو إنشاء الالتزامات التي تهدف إلى تحقيق العملية القانونية محل العقد ( يراجع في هذا الرأي حجازی بندی 76، 77 - الصدة بندی 62 و 197 - مرقس بند 133 ).

شروط محل الالتزام : محل الالتزام قد يكون إعطاء شيء أي نقل حق عيني على هذا الشيء ، وقد يكون أداء عمل ، وقد يكون امتناعاً عن عمل ويشترط في محل الالتزام بوجه عام أن يكون موجوداً ، وأن يكون ممكناً ، وأن يكون معيناً ، وأن يكون مشروعاً غير أنه بالنظر إلى النوع الأول من محل الالتزام وهو إعطاء شيء أي نقل حق عيني عليه يندمج الشيء ( سواء كان مادياً أو معنوياً ) بالعمل وهو الإعطاء فإن شرط الوجود يغني عن شرط الإمكان كما أن المشروعية تتعلق بهذا الشيء ولذلك فهي تعني جواز التعامل فيه .. أما الالتزام بعمل أو بامتناع في النظر إلى تعلقه بإرادة الملتزم فانه شرط يقتصر على الإمكان دون الوجود ومن خلال ما سلف يمكن التمييز في شروط محل الالتزام بين الالتزام بإعطاء شيء أي بنقل حق عيني عليه و هذا يشترط فيه أن يكون موجودا ، وأن يكون معيناً ، وأن يكون مما يجوز التعامل فيه ، وبين الالتزام بعمل أو امتناع وهذا يشترط فيه أن يكون ممكناً وأن يكون معيناً ، وأن يكون مشروعاً ( يراجع في تفصيل ذلك السنهوري بند 216 وما بعدها مرقس بند 135 وما بعده - حجازی بند 77 مكرراً وما بعده وإن كنا نلاحظ أنه يشترط في محل الالتزام بإعطاء شيء أن يكون مملوكاً للملتزم معتمداً على المادة 466 مدنى التي تتعلق ببيع ملك الغير ، وواضح انه نظر غير صحيح لأن بيع ملك الغير هو بيع صحيح نافذ بين طرفيه وإن كان غير نافذ في حق المالك ، كما أن طلب الإبطال قاصر على المشترى بما يكشف أنه يرجع في أساسه إلى عيب في الرضا ) وقد تعرضت المادة الحالية الشرط وجود محل الالتزام بإعطاء شيء، وتناولت المادة 132 شرط الإمكان وهو ما يتعلق بالالتزام بعمل أو امتناع ، وتعرضت المادة 133 الشرط التعيين ، في حين تناولت المادة 135 شرط عدم مخالفة المحل للنظام العام أو الآداب وهو ما ينطوي تحته شرط كون محل الالتزام بإعطاء شيء مما يجوز التعامل فيه وشرط کون محل الالتزام بعمل أو امتناع أمراً مشروعاً .

والمقصود بالوجود : يتصل شرط الوجود بالشيء محل الالتزام بنقل حق عینی سواء كان هذا الشيء مادياً كالشأن في نقل حق عيني على منزل ، أو كان معنوياً كالشأن في حوالة الحق حيث ينصب التصرف على الحق الشخصي للدائن المحيل .. فمتى قصد المتعاقدان أن ينصب الالتزام على شيء موجود بالفعل ف إن الالتزام لا يقوم إذا لم يوجد هذا الشيء وقت التعاقد ولو كان ممكن الوجود في المستقبل أما إذا لم يقصد المتعاقدان إلى ذلك فإنه يكفي لتحقق شرط الوجود أن يكون الشيء قابلاً للوجود في المستقبل وهذا المحل المستقبل أما إذا كان الشيء موجوداً وآهلاً قبل إبرام العقد اعتبر غير موجود ومن ثم يبطل الالتزام علم بذلك المتعاقدان أم لم يعلما سواء كان الهلاك مادياً أو قانونياً كالشان في سبق وفاء الدين المحال .. وعلى العكس إذا كان الشيء موجوداً عند إبرام العقد ثم هلك بعد ذلك انعقد العقد صحيحاً وقام الالتزام ثم انقضى بهلاك محله وقد يؤدي ذلك إلى انفساخ العقد إذا كان ملزماً للجانبين ، وقد افترض النص شرط الوجود وحرص على أنه يعني إمكان الوجود فوضع في الفقرة الأولى قاعدة عامة بإجازة التعامل في الأموال المستقبلة أياً كان نوع التعامل وأياً كان المال المستقبل - عدا استثناء التركة المستقبلة المنصوص عليه في الفقرة الثانية ومن ثم يجوز التعامل في أي مال مستقبل مادام قابلاً للوجود كالشأن في بيع محصول قبل ظهوره أو زرعه ، وبيع البناء قبل إتمامه وبيع المصنف الذهني قبل تمامه ، فإن طرأ ما يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً انقضى الالتزام بالاستحالة ، ويترتب على هذا الانقضاء انفساخ العقد إن كان ملزماً للجانبين ما لم يكن عقداً احتمالياً كبيع حاصل الصيد وقبل فيه المشتري أن يلتزم بأداء ثمن جزافي بغض النظر عن تحقق وجود المحل مستقبلاً إذ يظل ملتزماً بالثمن ( يراجع في ذلك كله مرقس بند 141 - السنهوري بند 216 - الصدة 202) .

والمقصود بالتركة المستقبلة هو مجموع ما للإنسان من حقوق وما عليه من التزامات منظوراً إليه وقت الموت ، ويحرم التعامل في التركة المستقبلة سواء اتصب التعامل على مجموعها أو على جزء منها أو على مال معين من بين عناصرها مدام منظوراً إليه على أنه يدخل ضمن التركة ويستوي أن تؤول التركة إلى المتصرف عن طريق الميراث أو عن طريق الوصية كتعامل الموصى له فيما أوصى له به مستقبلاً .. ويستوي أن يكون التعامل في التركة المستقيلة من الوارث المستقبل ( أو الموصى له المستقبل ) أو المورث نفسه كما يستوي في الحالين أن يتم التعامل مع وارث او أجنبي ، ومن صور تعامل المورث في تركته المستقبلة أن يتفق مع وارث علی إعطائه نصيباً أكبر أو أقل من حصته الميراثية أو أن يتفق مع أجنبي على إعطائه حصة من التركة وهي صورة تختلف عن الوصية إذ في الوصية يملك الموصي العدول عنها حتى الموت ( يراجع في ذلك السنهوري بند 217 وما بعده - ويراجع جلال ابراهيم في التعامل في التركات المستقبلة بند 53 وما بعده في بيان مسوغات حظر التعامل في التركات المستقبلة سواء كانت مسوغات أخلاقية أو سياسية أو قانونية وسواء اتصلت هذه المسوغات الأخيرة بعنصر الغبن أو اتصلت بالابقاء على حرية الايصاء ) وقد كان المشروع التمهيدي يجيز في المادة 182 منه التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة إذا تم هذا التصرف برضاه وبورقة رسمية لانتقاء معنى المضاربة على الموت في هذه الصورة وأشارت مذكرة المشروع إلى جواز اتفاق الورثة في حياة المورث وبموافقته على قسمة التركة المستقبلة ، غير أن هذا النص حذف في لجنة المراجعة ( يراجع الأعمال التحضيرية الجزء الثاني ص 205، ص 211) وبذلك أصبح كل تعامل في تركة مستقبلة باطلا أيا كان نوع التعامل وأيا كان طرفاه متى كان لا يزجل نشأة الحق إلى وقت الوفاة ( يراجع في ذلك حجازی بند 120 - مرقس بند 142 - ويراجع في جزاء مخالفة الحظر جلال ابراهيم في التعامل في التركات المستقبلة بند 209 وما بعده .

شروط اعتبار التعامل تعاملاً في تركة مستقبلة : يشترط لذلك شرطان أولهما أن ينصب التصرف على كل أو بعض تركة مستقبلة على التفصيل السالف وثانيهما ألا يترتب على هذا التصرف إلا مجرد حق احتمالی لمن عقد التصرف لمصلحته أي مجرد أمل في حق يتوقف وجوده – وليس نفاذه - على موت صاحب التركة قبل موت المتصرف إليه بحسب الأحوال وبذلك يتميز التصرف في تركة مستقبلة عن التصرف المؤجل التنفيذ لحين وفاة صاحب التركة إذ الأخير ينصب على حق موجود ولكنه متراخي التنفيذ إلى أجل ومن ثم فهو صحيح ومن خلال ما سلف لا يعتبر تعاملاً في شركة تأجيل المدين وفاء دينه إلى حين وفاته أو وفاة مورثه حتى لو كان الباعث توقع موت شخص معين ، أو أن يكفل المورث الوارث في دينه مع اشتراط عدم مطالبته إلا بعد موته ومن تركته ، أو تعهد الوارث بسداد ديون مورثه عند موت الأخير (يراجع في ذلك حجازی بند 121 - ويراجع جلال ابراهيم في التعامل في التركات المستقبلة بند 121 وما بعده في التطبيقات الجديدة لحظر التعامل في التركات المستقبلة في الشرط التجاري وشرط التنمية وشرط استمرار شركة الأشخاص عند وفاة أحد الشركاء ومدى اعتبار الوعد بالبيع تعاملاً في تركة مستقبلية ) أو أن يتصرف المورث إلي وأرثه تصرفاً منجزاً بالبيع أو الهبة مثلاً فی مال معين .. وعلى العكس فكل تصرف يتوقف وجوده على موت المورث هو تعامل في تركة مستقبلة فهو باطل كالشأن في اتفاق الورثة قبل موت المورث على عدم الطعن في أية وصية تصدر من المورث ، أو على عدم الإقرار بأية وصية قد يتركها ، أو إلزام المورث لأحد ورثته دون الباقين بسداد دين من ديون التركة، أو قصره منفعة عقد معين على واحد منهم دون الآخرين واتفاق الزوجين على أن تؤول لأحدهما تركة من يتوفى منهما قبل الآخر ( يراجع في ذلك كله السنهوري هامش بند 217 ). (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 804 )

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثلاثون  ، الصفحة /  220

ثَالثًا - مَحَلُّ الْعَقْد.

33 - الْمُرَادُ بمَحَلّ الْعَقْد: مَا يَقَعُ عَلَيْه الْعَقْدُ وَتَظْهَرُ فيه أَحْكَامُهُ وَآثَارُهُ، وَيَخْتَلفُ الْمَحَلُّ باخْتلاَف الْعُقُود، فَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ عَيْنًا مَاليَّةً، كَالْمَبيع في عَقْد الْبَيْع، وَالْمَوْهُوب في عَقْد الْهبَة، وَالْمَرْهُون في عَقْد الرَّهْن، وَقَدْ يَكُونُ عَمَلاً منَ الأْعْمَال، كَعَمَل الأْجير في الإْجَارَة، وَعَمَل الزَّارع في الْمُزَارَعَة، وَعَمَل الْوَكيل في الْوَكَالَة، وَقَدْ يَكُونُ مَنْفَعَةَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، كَمَنْفَعَة الْمَأْجُور في عَقْد الإْجَارَة، وَمَنْفَعَة الْمُسْتَعَار في عَقْد الإْعَارَة، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلكَ كَمَا في عَقْد النّكَاح وَالْكَفَالَة وَنَحْوهمَا.

وَلهَذَا فَقَد اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ في مَحَلّ الْعَقْد شُرُوطًا تَكَلَّمُوا عَنْهَا في كُلّ عَقْدٍ وَذَكَرُوا بَعْضَ الشُّرُوط الْعَامَّة الَّتي يَجبُ تَوَافُرُهَا في الْعُقُود عَامَّةً أَوْ في مَجْمُوعَةٍ منَ الْعُقُود، منْهَا:

أ - وُجُودُ الْمَحَلّ:

34 - يَخْتَلفُ اشْترَاطُ هَذَا الشَّرْط باخْتلاَف الْعُقُود: فَفي عَقْد الْبَيْع مَثَلاً اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ في الْجُمْلَة عَلَى وُجُود الْمَحَلّ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُوجَدْ لقَوْله صلي الله عليه وسلم  : «لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عنْدَكَ» ؛ وَلأنَّ  في بَيْع مَا لَمْ يُوجَدْ غَرَرًا وَجَهَالَةً فَيُمْنَعُ، لحَديث: أَنَّ «النَّبيَّ صلي الله عليه وسلم  نَهَى عَنْ بَيْع الْغَرَر» وَعَلَى ذَلكَ صَرَّحُوا ببُطْلاَن بَيْع الْمَضَامين وَالْمَلاَقيح وَحَبَل الْحُبْلَة.

وَمَنَعُوا منْ بَيْع الزُّرُوع وَالثّمَار قَبْلَ ظُهُورهَا، لقَوْله صلي الله عليه وسلم  : «أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخيه ؟».

وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ منْ بَيْع الْمَعْدُوم عَقْدَ السَّلَم وَذَلكَ لحَاجَة النَّاس إلَيْه  كَمَا اسْتَثْنَى الْحَنَفيَّةُ منْ ذَلكَ عَقْدَ الاسْتصْنَاع للدَّليل نَفْسه ر: (اسْتصْنَاع ف 7).

أَمَّا بَيْعُ الزَّرْع أَو الثَّمَر قَبْلَ ظُهُورهمَا فَلاَ يَجُوزُ؛ لأنَّهُ مَعْدُومٌ وَلاَ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَعْدُوم، أَمَّا بَعْدَ الظُّهُور وَقَبْلَ بُدُوّ الصَّلاَح فَإنْ كَانَ الثَّمَرُ أَو الزَّرْعُ بحَالٍ يُنْتَفَعُ بهمَا فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بشَرْط الْقَطْع في الْحَال اتّفَاقًا لعَدَم الْغَرَر في ذَلكَ، وَلاَ يَجُوزُ بغَيْر شَرْط الْقَطْع عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء.

وَاخْتَلَفُوا في بَيْع الثّمَار الْمُتَلاَحقَة الظُّهُور وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَح: (ثمَار ف 11 - 13).

وَفي عَقْد الإْجَارَة اعْتَبَرَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء الْمَنَافعَ أَمْوَالاً، وَاعْتَبَرَهَا كَذَلكَ الشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ مَوْجُودَةً حينَ الْعَقْد تَقْديرًا، فَيَصحُّ التَّعَاقُدُ عَلَيْهَا بنَاءً عَلَى وُجُود الْمَنَافع حينَ الْعَقْد عنْدَهُمْ، وَلهَذَا يَقُولُونَ بنَقْل ملْكيَّة الْمَنَافع للْمُسْتَأْجر وَالأْجْرَة للْمُؤَجّر بنَفْس الْعَقْد في الإْجَارَة الْمُطْلَقَة.

وَعَلَّلَ الْمَالكيَّةُ جَوَازَ الإْجَارَة بأَنَّ الْمَنَافعَ وَإنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً في حَال الْعَقْد لَكنَّهَا مُسْتَوْفَاةٌ في الْغَالب، وَالشَّرْعُ إنَّمَا لَحَظَ منَ الْمَنَافع مَا يُسْتَوْفَى في الْغَالب أَوْ يَكُونُ اسْتيفَاؤُهُ وَعَدَمُ اسْتيفَائه سَوَاءً.

أَمَّا الْحَنَفيَّةُ فَقَدْ أَجَازُوا عَقْدَ الإْجَارَة اسْتثْنَاءً منَ الْقَاعدَة؛ لوُرُود النُّصُوص منَ الْكتَاب وَالسُّنَّة في جَوَاز الإْجَارَة، قَالَ الْكَاسَانيُّ: الإْجَارَةُ بَيْعُ الْمَنْفَعَة، وَالْمَنَافعُ للْحَال مَعْدُومَةٌ، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَحْتَملُ الْبَيْعَ، فَلاَ تَجُوزُ إضَافَةُ الْبَيْع إلَى مَا يُؤْخَذُ في الْمُسْتَقْبَل، وَهَذَا هُوَ الْقيَاسُ، لَكنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ بالْكتَاب الْعَزيز وَالسُّنَّة وَالإْجْمَاع.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيّم: جَوَازُ الإْجَارَة مُوَافقَةٌ للْقيَاس؛ لأنَّ  مَحَلَّ الْعَقْد إذَا أَمْكَنَ التَّعَاقُدُ عَلَيْه في حَال وُجُوده وَعَدَمه - كَالأَْعْيَان - فَالأَْصْلُ فيه عَدَمُ جَوَاز الْعَقْد حَالَ عَدَمه للْغَرَر، مَعَ ذَلكَ جَازَ الْعَقْدُ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ إذَا دَعَتْ إلَيْه الْحَاجَةُ.

أَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلاَّ حَالٌ وَاحدَةٌ، وَالْغَالبُ فيه السَّلاَمَةُ - كَالْمَنَافع - فَلَيْسَ الْعَقْدُ عَلَيْه مُخَاطَرَةً وَلاَ قمَارًا فَيَجُوزُ، وَقيَاسُهُ عَلَى بَيْع الأَْعْيَان قيَاسٌ مَعَ الْفَارق.

35 - وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاء في هَذَا الشَّرْط بَيْنَ عُقُود الْمُعَاوَضَة وَعُقُود التَّبَرُّع، فَقَالُوا بعَدَم جَوَاز النَّوْع الأْوَّل منَ الْعُقُود في حَال عَدَم وُجُود مَحَلّهَا، وَأَجَازُوا النَّوْعَ الثَّانيَ في حَالَة وُجُود الْمَحَلّ وَعَدَمه.

وَمنْ هَذَا الْقَبيل مَا قَالَ الْمَالكيَّةُ: إنَّ مَا يَخْتَصُّ بعُقُود التَّبَرُّعَات كَالْهبَة مَثَلاً يَجُوزُ فيه أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْعَقْد (الْمَوْهُوبُ) غَيْرَ مَوْجُودٍ في الْخَارج، بَلْ دَيْنًا في الذّمَّة، أَوْ غَيْرَ مَعْلُومٍ فعْلاً، فَالْغَرَرُ في الْهبَة لغَيْر الثَّوَاب جَائزٌ عنْدَهُمْ، وَلهَذَا صَرَّحُوا بأَنَّ مَنْ وَهَبَ لرَجُلٍ مَا يَرثُهُ منْ فُلاَنٍ - وَهُوَ لاَ يَدْري كَمْ هُوَ ؟ أَسُدُسٌ أَوْ رُبُعٌ فَذَلكَ جَائزٌ.

وَفي الرَّهْن يَجُوزُ عنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْعَقْد (الْمَرْهُونُ) غَيْرَ مَوْجُودٍ حينَ الْعَقْد، كَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا، فَشَيْءٌ يُوثَقُ به خَيْرٌ منْ عَدَمه، كَمَا يَقُولُونَ .

وَهَذَا بخلاَف عَقْد الْبَيْع وَسَائر الْعُقُود في الْمُعَاوَضَات.

ب - قَابليَّةُ الْمَحَلّ لحُكْم الْعَقْد :

36 - يُشْتَرَطُ في مَحَلّ الْعَقْد عنْدَ الْفُقَهَاء أَنْ يَكُونَ قَابلاً لحُكْم الْعَقْد.

وَالْمُرَادُ بحُكْم الْعَقْد: الأْثَرُ الْمُتَرَتّبُ عَلَى الْعَقْد، وَيَخْتَلفُ هَذَا حَسْبَ اخْتلاَف الْعُقُود، فَفي عَقْد الْبَيْع مَثَلاً أَثَرُ الْعَقْد هُوَ انْتقَالُ ملْكيَّة الْمَبيع منَ الْبَائع إلَى الْمُشْتَري، وَيُشْتَرَطُ فيه أَنْ يَكُونَ مَالاً مُتَقَوّمًا مَمْلُوكًا للْبَائع، فَمَا لَمْ يَكُنْ مَالاً بالْمَعْنَى الشَّرْعيّ: وَهُوَ مَا يَميلُ إلَيْه الطَّبْعُ وَيَجْري فيه الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ لاَ يَصحُّ بَيْعُهُ، كَبَيْع الْمَيْتَة مَثَلاً عنْدَ الْمُسْلمينَ. وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَقَوّمًا، أَيْ: مُنْتَفَعًا به شَرْعًا، كَبَيْع الْخَمْر وَالْخنْزير، فَإنَّهُمَا وَإنْ كَانَا مَالاً عنْدَ غَيْر الْمُسْلمينَ، لَكنَّهُمَا لَيْسَا مُتَقَوّمَيْن عنْدَ الْمُسْلمينَ، فَحَرُمَ بَيْعُهُمَا كَمَا وَرَدَ في حَديث جَابرٍ رضي الله عنه  : «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْر وَالْمَيْتَة وَالْخنْزير»

وَفي عُقُود الْمَنْفَعَة كَعَقْد الإْجَارَة وَالإْعَارَة وَنَحْوهمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْعَقْد - أَي الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا - مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً مُبَاحَةً، فَلاَ تَجُوزُ الإْجَارَةُ عَلَى الْمَنَافع الْمُحَرَّمَة كَالزّنَا وَالنَّوْح وَنَحْوهمَا كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مُصْطَلَح: (إجَارَة ف 108).

وَكَمَا لاَ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَنَافع الْمُحَرَّمَة لاَ يَجُوزُ إعَارَتُهَا كَذَلكَ؛ لأنَّ  منْ شُرُوط صحَّة الْعَاريَّة إمْكَانُ الانْتفَاع بمَحَلّ الْعَقْد (الْمُعَار أَو الْمُسْتَعَار) انْتفَاعًا مُبَاحًا شَرْعًا مَعَ بَقَاء عَيْنه، كَالدَّار للسُّكْنَى، وَالدَّابَّة للرُّكُوب، مَثَلاً فَلاَ يَجُوزُ إعَارَةُ الْفُرُوج للاسْتمْتَاع، وَلاَ آلاَت الْمَلاَهي للَّهْو، كَمَا لاَ تَصحُّ الإْعَارَةُ للْغنَاء أَو الزَّمْر أَوْ نَحْوهمَا منَ الْمُحَرَّمَات، فَالإْعَارَةُ لاَ تُبيحُ مَا لاَ يُبيحُهُ الشَّرْعُ.

وَتَفْصيلُهُ في مُصْطَلَح: (عَاريَّةً).

وَفي عَقْد الْوَكَالَة يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ (الْمُوَكَّل به) أَنْ يَكُونَ قَابلاً للانْتقَال للْغَيْر وَالتَّفْويض فيه، وَلاَ يَكُونَ خَاصًّا بشَخْص الْمُوَكّل، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مُصْطَلَح: (وَكَالَة).

ج - مَعْلُوميَّةُ الْمَحَلّ للْعَاقدَيْن :

37 - يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَمَعْرُوفًا للْعَاقدَيْن، بحَيْثُ لاَ يَكُونُ فيه جَهَالَةٌ تُؤَدّي إلَى النّزَاع وَالْغَرَر.

وَيَحْصُلُ الْعلْمُ بمَحَلّ الْعَقْد بكُلّ مَا يُمَيّزُهُ عَن الْغَيْر منْ رُؤْيَته أَوْ رُؤْيَة بَعْضه عنْدَ الْعَقْد، أَوْ بوَصْفه وَصْفًا يَكْشفُ عَنْهُ تَمَامًا، أَوْ بالإْشَارَة إلَيْه.

وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْه عنْدَ الْفُقَهَاء في عُقُود الْمُعَاوَضَة في الْجُمْلَة، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ منَ الْقَطيع مَثَلاً وَلاَ إجَارَةُ إحْدَى هَاتَيْن الدَّارَيْن، وَذَلكَ لأنَّ  الْجَهَالَةَ في مَحَلّ الْعَقْد: (الْمَعْقُود عَلَيْه) تُسَبّبُ الْغَرَرَ وَتُفْضي إلَى النّزَاع.

وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاء في هَذه الْمَسْأَلَة بَيْنَ الْجَهَالَة الْفَاحشَة - وَهيَ الَّتي تُفْضي إلَى النّزَاع - وَبَيْنَ الْجَهَالَة الْيَسيرَة - وَهيَ: الَّتي لاَ تُفْضي إلَى النّزَاع - فَمَنَعُوا الأُْولَى وَأَجَازُوا الثَّانيَةَ.

وَجَعَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء الْعُرْفَ حَكَمًا في تَعْيين مَا تَقَعُ عَلَيْه الإْجَارَةُ منْ مَنْفَعَةٍ، وَتَمْييز الْجَهَالَة الْفَاحشَة عَن الْجَهَالَة الْيَسيرَة.

وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَحَيْ: (بَيْع ف 32) (وَالإْجَارَةُ ف 34).

وَفي عَقْد السَّلَم يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ: (الْمُسْلَم فيه) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجنْس وَالنَّوْع وَالصّفَة وَالْقَدْر، كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أَوْ ذَرْعًا، وَذَلكَ لأنَّ  الْجَهَالَةَ في كُلٍّ منْهَا تُفْضي إلَى الْمُنَازَعَة وَقَدْ وَرَدَ في الْحَديث عَن النَّبيّ صلي الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ في تَمْرٍ فَلْيُسْلفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (سَلَم).

هَذَا في عُقُود الْمُعَاوَضَة.

38 - أَمَّا عُقُودُ التَّبَرُّع فَقَد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ في جَوَاز كَوْن الْمَحَلّ مَجْهُولاً، وَمنْ أَمْثلَة ذَلكَ مَا يَأْتي:

1 - عَقْدُ الْهبَة.

39 - يَشْتَرطُ الْحَنَفيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ في الْمَوْهُوب - وَهُوَ مَحَلُّ عَقْد الْهبَة - أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَمُعَيَّنًا، قَالَ الْحَصْكَفيُّ: شَرَائطُ صحَّة الْهبَة في الْمَوْهُوب: أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا، غَيْرَ مُشَاعٍ، مُمَيَّزًا، غَيْرَ مَشْغُولٍ، فَلاَ تَصحُّ هبَةُ لَبَنٍ في ضَرْعٍ، وَصُوفٍ عَلَى غَنَمٍ، وَنَخْلٍ في أَرْضٍ، وَتَمْرٍ في نَخْلٍ.

وَقَالَ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ: كُلُّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ تَجُوزُ هبَتُهُ، وَكُلُّ مَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ تَجُوزُ هبَتُهُ، كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ لغَيْر قَادرٍ عَلَى انْتزَاعه، وَضَالٍّ وَآبقٍ.

أَمَّا الْمَالكيَّةُ فَقَدْ تَوَسَّعُوا فيهَا، فَأَجَازُوا هبَةَ الْمَجْهُول وَالْمُشَاع، جَاءَ في الْفَوَاكه الدَّوَاني: أَنَّ شَرْطَ الشَّيْء الْمُعْطَى أَنْ يَكُونَ ممَّا يَقْبَلُ النَّقْلَ في الْجُمْلَة، فَيَشْمَلُ الأْشْيَاءَ الْمَجْهُولَةَ.

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (هبَة) .

2 - عَقْدُ الْوَصيَّة.

40 - تَصحُّ وَصيَّةُ الْمُوصي بجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ منْ مَاله وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا صَرَّحَ به الْحَنَفيَّةُ، وَفي هَذه الصُّورَة يَكُونُ الْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَة؛ لأنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَليلَ وَالْكَثيرَ، وَالْوَصيَّةُ لاَ تَمْتَنعُ بالْجَهَالَة.

وَأَجَازَ الْحَنَابلَةُ الْوَصيَّةَ بالْحَمْل إنْ كَانَ مَمْلُوكًا للْمُوصي، وَالْغَرَرُ وَالْخَطَرُ لاَ يَمْنَعُ صحَّةَ الْوَصيَّة عنْدَهُمْ

كَمَا أَجَازَ الشَّافعيَّةُ الْوَصيَّةَ بالْمَجْهُول، كَالْحَمْل الْمَوْجُود في الْبَطْن مُنْفَردًا عَنْ أُمّه أَوْ مَعَهَا، وَكَالْوَصيَّة باللَّبَن في الضَّرْع، وَالصُّوف عَلَى ظَهْر الْغَنَم.

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (وَصيَّة).

41 - هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافيُّ في فُرُوقه الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعدَة مَا تُؤَثّرُ فيه الْجَهَالاَتُ وَمَا لاَ تُؤَثّرُ فيه ذَلكَ منَ الْعُقُود وَالتَّصَرُّفَات فَقَالَ: وَرَدَت الأْحَاديثُ الصَّحيحَةُ في نَهْيه صلي الله عليه وسلم  عَنْ بَيْع الْغَرَر وَعَنْ بَيْع الْمَجْهُول، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلكَ: فَمنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ في التَّصَرُّفَات - وَهُوَ الشَّافعيُّ - فَمَنَعَ منَ الْجَهَالَة في الْهبَة وَالصَّدَقَة وَالإْبْرَاء وَالْخُلْع وَالصُّلْح وَغَيْر ذَلكَ، وَمنْهُمْ مَنْ فَصَلَ - وَهُوَ مَالكٌ - بَيْنَ قَاعدَة مَا يُجْتَنَبُ فيه الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَات وَالتَّصَرُّفَات الْمُوجبَة لتَنْميَة الأَْمْوَال مَا يُقْصَدُ به تَحْصيلُهَا، وَقَاعدَة مَا لاَ يُجْتَنَبُ فيه الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَهُوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لذَلكَ، وَانْقَسَمَت التَّصَرُّفَاتُ عنْدَهُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: طَرَفَان وَوَاسطَةٌ، فَالطَّرَفَان أَحَدُهُمَا: مُعَاوَضَةٌ صرْفَةٌ فَيُجْتَنَبُ فيهَا ذَلكَ إلاَّ مَا دَعَت الضَّرُورَةُ إلَيْه... وَثَانيهمَا: مَا هُوَ إحْسَانٌ صرْفٌ لاَ يُقْصَدُ به تَنْميَةُ الْمَال كَالصَّدَقَة وَالْهبَة وَالإْبْرَاء.

فَفي الْقسْم الأْوَّل: إذَا فَاتَ بالْغَرَر وَالْجَهَالاَت ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ في مُقَابَلَته فَاقْتَضَتْ حكْمَةُ الشَّرْع مَنْعَ الْجَهَالَة فيه، أَمَّا الْقسْمُ الثَّاني - أَي: الإْحْسَانُ الصّرْفُ - فَلاَ ضَرَرَ فيه، فَاقْتَضَتْ حكْمَةُ الشَّرْع وَحَثُّهُ عَلَى الإْحْسَان التَّوْسعَةَ فيه بكُلّ طَريقٍ، بالْمَعْلُوم وَالْمَجْهُول فَإنَّ ذَلكَ أَيْسَرُ لكَثْرَة وُقُوعه قَطْعًا، وَفي الْمَنْع منْ ذَلكَ وَسيلَةٌ إلَى تَقْليله فَإذَا وَهَبَ لَهُ عَبْدَهُ الآْبقَ جَازَ أَنْ يَجدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مَا يَنْتَفعُ به، وَلاَ ضَرَرَ عَلَيْه؛ لأنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، وَهَذَا فقْهٌ جَميلٌ.

ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْوَاسطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْن فَهُوَ النّكَاحُ، فَهُوَ منْ جهَة أَنَّ الْمَالَ فيه لَيْسَ مَقْصُودًا، وَإنَّمَا مَقْصدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالأْلْفَةُ وَالسُّكُونُ، يَقْتَضي أَنْ يَجُوزَ فيه الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا، وَمنْ جهَة أَنَّ صَاحبَ الشَّرْع اشْتَرَطَ فيه الْمَالَ بقَوْله تَعَالَى: ( أَنْ تَبْتَغُوا بأَمْوَالكُمْ) يَقْتَضي امْتنَاعَ الْجَهَالَة وَالْغَرَر فيه، فَلوُجُود الشَّبَهَيْن تَوَسَّطَ مَالكٌ فَجَوَّزَ فيه الْغَرَرَ الْقَليلَ دُونَ الْكَثير، نَحْوَ عَبْدٍ منْ غَيْر تَعَيُّنٍ، وَشُورَة (أَثَاث) بَيْتٍ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الْعَبْد الآْبق، وَالْبَعير الشَّارد .

د - الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْليم.

42 - يُشْتَرَطُ في مَحَلّ الْعَقْد أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْليم، وَهَذَا الشَّرْطُ مَحَلُّ اتّفَاقٍ في عُقُود الْمُعَاوَضَة في الْجُمْلَة، فَالْحَيَوَانُ الضَّالُّ الشَّاردُ وَنَحْوُهُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لعَقْد الْبَيْع أَو الإْجَارَة أَو الصُّلْح أَوْ نَحْوهَا، وَكَذَلكَ الدَّارُ الْمَغْصُوبَةُ منْ غَيْر غَاصبهَا، أَو الأَْرْضُ أَوْ أَيْ شَيْءٍ آخَرُ تَحْتَ يَد الْعَدُوّ.

قَالَ الْكَاسَانيُّ: منْ شُرُوط الْمَبيع أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْليم عنْدَ الْعَقْد، فَإنْ كَانَ مَعْجُوزَ التَّسْليم عنْدَهُ لاَ يَنْعَقدُ، وَإنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ كَبَيْع الآْبق حَتَّى لَوْ ظَهَرَ يَحْتَاجُ إلَى تَجْديد الإْيجَاب وَالْقَبُول إلاَّ إذَا تَرَاضَيَا فَيَكُونُ بَيْعًا مُبْتَدَأً بالتَّعَاطي.

وَقَالَ في شُرُوط الْمُسْتَأْجَر: منْ شُرُوطه أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ الاسْتيفَاء حَقيقَةً وَشَرْعًا؛ لأنَّ  الْعَقْدَ لاَ يَقَعُ وَسيلَةً إلَى الْمَعْقُود عَلَيْه بدُونه، فَلاَ يَجُوزُ اسْتئْجَارُ الآْبق، وَلاَ إجَارَةُ الْمَغْصُوب منْ غَيْر الْغَاصب.

وَفي الْمَنْثُور للزَّرْكَشيّ: منْ حُكْم الْعُقُود اللاَّزمَة أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْه مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْليمه في الْحَال، وَالْجَائزُ قَدْ لاَ يَكُونُ كَذَلكَ كَالْجَعَالَة تُعْقَدُ عَلَى رَدّ الآْبق.

وَقَالَ النَّوَويُّ في بَيَان شُرُوط الْمَبيع: الثَّالثُ: إمْكَانُ تَسْليمه، فَلاَ يَصحُّ بَيْعُ الضَّالّ وَالآْبق وَالْمَغْصُوب، وَعَلَّلَهُ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ بقَوْله: للْعَجْز عَنْ تَسْليم ذَلكَ حَالاً.

وَمثْلُهُ مَا في كُتُب بَقيَّة الْمَذَاهب.

أَمَّا في عُقُود التَّبَرُّع فَأَجَازَ الْمَالكيَّةُ هبَةَ الآْبق وَالْحَيَوَان الشَّارد، مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَقْدُورَي التَّسْليم حينَ الْعَقْد؛ لأنَّهُ إحْسَانٌ صرْفٍ، فَإذَا وَجَدَهُ وَتَسَلَّمَهُ يَسْتَفيدُ منْهُ، وَإلاَّ لاَ يَتَضَرَّرُ كَمَا قَالَ الْقَرَافيُّ، وَأَجَازَ الشَّافعيَّةُ الْوَصيَّةَ فيمَا يَعْجزُ عَنْ تَسْليمه وَقَالَ ابْنُ الْقَيّم في عُقُود التَّبَرُّع: لاَ غَرَرَ في تَعَلُّقهَا بالْمَوْجُود وَالْمَعْدُوم وَمَا يَقْدرُ عَلَى تَسْليمه وَمَا لاَ يَقْدرُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاوثون  ، الصفحة /  238

الْمَحَلُّ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ :

10 - مَحَلُّ الْعَقْدِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَتَظْهَرُ فِيهِ أَحْكَامُهُ وَآثَارُهُ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْعُقُودِ فَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ عَيْنًا مَالِيَّةً كَالْمَبِيعِ وَالْمَوْهُوبِ وَالْمَرْهُونِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ عَمَلاً كَعَمَلِ الأْجِيرِ  وَالزَّارِعِ وَالْوَكِيلِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْفَعَةً كَمَنْفَعَةِ الْمَأْجُورِ وَالْمُسْتَعَارِ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالْكَفَالَةِ وَنَحْوِهَا.

وَلِلْمَحَلِّ شُرُوطٌ مُخْتَلِفَةٌ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (عَقْدٌ ف 33 - 42).

أَثَرُ فَوَاتِ الْمَحَلِّ

11 - يَتَرَتَّبُ عَلَى فَوَاتِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ بُطْلاَنُهُ أَوِ الضَّمَانُ، وَلِذَلِكَ فُرُوعٌ وَأَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحَاتِ: (بَيْعٌ ف 59). و (عَقْدٌ ف 60) وَ (فَسْخٌ ف 17) و (ضَمَانٌ ف 19 وَمَا بَعْدَهَا).

___________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

( مادة ۱۱۸)

1- يجب ان يكون محل العقد جائزاً شرعاً ، والا كان العقد باطلاً.

2- ولا يجوز التعامل في تركة انسان على قيد الحياة ، ولوكان ذلك برضاه ، الا في الأحوال التي نص عليها القانون .

اختلف الفقهاء في تحديد ماهية المحل . فمنهم من يعتبره رکنا في الالتزام ، ومنهم من يعتبره من عناصر الارادة . وهذا الرأي الأخير رغم صحته لايفصل في الخلاف ، لان المحل أيا كان وضعه يعنبر من عناصر الإرادة ، اذ لارادة المعتبرة قانونا هي التي تتجه إلى التعاقد وهي على بينة من المحل : والصحيح ما يراه فريق من ان للالتزام محلا وللعقد محل أخر ، فكل من المحلين يتميز عن الاخر . ويظهر هذا التميز فيما نصت عليه المادة 186 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني اذ تقول : الموضوع الحقيقي لكل عقد هر انشاء الموجبات ، على أن هذا الغرض لا ينال الا اذا كان للموجبات نفسها مواضيع توافرت فيها بعض الصفات ، حيث يتضح من هذا النت ان الشارع اللبناني يفرف بحق بين محل الالتزام و محل العقد .

فمحل الالتزام مو الأداء الذي يجب على المدين أن يقوم به الصالح الدائن . وهو ما اعطاء شيء أو عمل غير الأعطاء أو امتناع عن عمل •

أما محل العقد فهو العملية القانونية المقصودة من العقد. واذ كان أثر العقد هو انشاء التزامات ، فان هذه الالتزامات ترمي في مجموعها إلى تحقيق العملية القانونية المقصودة من العقد وبهذا يتميز محل العقد عن محل الالتزام ، كما يخضع كل منهما لأحكام غير التي يخضع لها الآخر "

وأية ذلك أن محل الالتزام قد یکون صحيحا في ذاته ولكن العقد يقع با طلا ، لأن العملية القانونية المقصودة منه يحرمها القانون كما في تحريم التعامل في تركة مستقبلة الشخص على قيد الحياة و كما في تحريم التعامل في الحق المتنازع فيه بالنسبة إلى القضاء واعضاء النيابة اذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها .

ولا يتطلب القانون في محل العقد الا شرطا واحدا ، هو أن يكون مشروعا أي لا يخالف النظام العام والآداب . والفقرة الأولى من المادة المقترحة نص مستحدث 

أما الفترة الثانية فتنطاق المادة ۲ / ۱۳۱ من التقنين الحالي والمادة ۲ / ۱۲۹ من التقنين العراقي والمادة 160/2 من التقنين الأردني والمادة 169 من التقنين الكويتي

وسند حكمها في الفقه الإسلامي أن النهي عن بيع المعدوم في هذا الفقه انما هو للغرر لا للعدم . ومن ثم يكون التعامل في التركة المستقبلة باطلا لما يقع فيه من العين والضرر ( انظر ابن القيم في اعلام الموقعين ج اول ص 357 - 361 • عبد الرازق السنهوري )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 210)
لا يصح أن يكون الشيء المعدوم الذي سيوجد في المستقبل محلاً للعقد المتقدم ذكر مالاً في السلم بشرائطه.

(مادة 211)
يلزم أن يكون في العقد فائدة لعاقديه وأن يكون مقصوداً شرعاً.
وكل عقد لا فائدة فيه للعاقدين فهو فاسد وكذا العقد الذي قصد به مقصد غير شرعي.