loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 216

مذكرة المشروع التمهيدي

يجب أن يكون محل الالتزام معينة ، أو على الأقل قابلاً للتعيين فإذا التزم شخص بعمل شيء أو بالامتناع عنه . وجب أن يكون ما التزم به محدداً تحديداً كافياً وإذا ورد العقد على شيء معين بالذات فيجب وصفه وصفة كافية لتميزه عما عداه أما إذا كان الشيء غير معين بالذات بل عين بنوعه فيجب أن يبين مقداره ( من حيث العدد أو المقاس أو الوزن أو الكيل ) وأن يذكر صنفه أيضاً فإذا لم يعين الصنف فيفرض أن نية المتعاقدين قد انصرفت إلى الصنف المتوسط ، حتى لا يصيب الدان أو الدين غين من جراء ذلك.

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 184 من المشروع :

واقترح إدخال بعض تعديلات لفظية والنص على حكم البطلان بعد أن استغني عن المادة 181 ، وحذف عبارة « صراحة أو ضمناً ، من الفقرة الثانية لأن الاتفاق الضمني يندرج تحت عبارة استخلاص ذلك من أي طرف آخر ، وإضافة العرف كتخصيص يليه تعميم في عبارة من أي ظرف آخر » .

فوافقت اللجنة على هذه التعديلات وأصبح النص كالآتي :

1- إذا لم يكن محل الالتزام معيناً بذاته وجب أن يكون معيناً بنوعه ومقداره وإلا كان العقد باطلاً .

2 - ويكفي أن يكون المحل معينة بنوعه فقط إذا تضمن العقد ما يستطاع به تعيين مقداره وإذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشيء من حيث جودته ولم يمكن استخلاص ذلك من العرف أو من أي ظرف آخر التزم المدين بأن يسلم شيئاً من صنف متوسط .

وأصبح رقم المادة 137 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

 وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 137 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

وافقه اللجنة على المادة بالإجماع دون تعديل وأصبح رقمها 133 .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة دون تعديل .

الأحكام

1- إذ كانت العلاقة بين البنوك وعملائها تخضع بحسب الأصل لمبدأ سلطان الإرادة فإن النص فى العقود التى تبرمها معهم على تخويل البنك الدائن رخصة رفع سعر الفائدة المتفق عليه دون حاجة لموافقة مجددة من المدين وذلك طبقاً لما يصدره البنك المركزى من قرارات عملاً بالقانون رقم 120 لسنة 1975 ثم قيام البنك المقرض بتعاطى هذه الرخصة ليس مؤداه أن تعديل سعر الفائدة بالزيادة فى هذه الحالة راجع إلى محض إرادة الدائن وحده بل هو نتيجة لتلاقى كامل إرادة طرفى القرض على تعيين سعر الفائدة بما يحدده البنك المركزى – وفقاً لما يجد من عموم متغيرات الظروف الاقتصادية – من حد أقصى لأسعار الفائدة الدائنة والمدينة وفى هذا ما يكفى لأن يكون محل التزام المدين قابلاً للتعيين دون أن يكون لتغيير قيمة النقود أثر مباشر على تعيينه .

(الطعن رقم 550 لسنة 53 جلسة 1996/03/21 س 47 ع 1 ص 512 ق 98)

2- مفاد نص المادتين 133، 419 من القانون المدنى- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه لا يشترط لصحة العقود أن يكون محل الإلتزام معينا بل يكفى أن يكون قابلا للتعيين، وأن يتضمن عقد البيع ما يسمح بتمييز المبيع عن سواه ويمنع إختلاطه بغيره لو تنازع طرفا البيع حول تحديد المبيع ،كما يشترط لصحة البيع أن يتطابق المشترى الظاهر مع المشترى المستتر ولا أن يكشف المشترى الظاهر عن أنه لم يكن غير وسيط أو أسم مستعار.

(الطعن رقم 2176 لسنة 59 جلسة 1994/01/11 س 45 ع 1 ص 129 ق 26)

3- لما كان إثبات العلاقة الإيجارية بين طرفى عقد الإيجار بمقتضى بيان محل إلتزام كل من الطرفين ، و كانت الأجرة هى محل إلتزام المستأجر فى هذا العقد بما لازمه بيان الأجرة الواجب على المستأجر أداؤها عند إثبات العلاقة الإيجارية بينه و بين المؤجر له ، فإن الحكم الإبتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه إذ قضى بإثبات العلاقة الإيجارية بين طرفى الدعوى محل النزاع لقاء تسعة جنيهات شهرية التى ثبت له إتفاق الطرفين عليها لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 741 لسنة 54 جلسة 1987/11/22 س 38 ع 2 ص 984 ق 209)

4- النص فى المادة 1/133 من القانون المدنى على أنه " إذا لم يكن محل الإلتزام معيناً بذاته وجب أن يكون معيناً بنوعه و مقداره و إلا كان العقد باطلاً " و فى المادة 1/419 منه على أنه " يجب أن يكون المشترى عالماً بالبيع علماً كافياً و يعتبر العلم كافياً إذا أشتمل العقد على بيان المبيع و أوصافه الأساسية بياناً يمكن من تعرفه " يدل على أنه إذا كان محل الإلتزام نقل حق عينى على شيء وجب أن يكون هذا الشئ معيناً أو قابلاً للتعيين ، فإذا وقع العقد على شيء معين بالذات وجب أن تكون ذاتية الشئ معروفة لطرفيه سواء بوصفه فى العقد وصفاً مانعاً من الجهالة الفاحشة أو بإمكان إستخلاص العناصر الناقصة لتعيين المبيع من النية المشتركة " للمتعاقدين وقت إبرام العقد و من الكيفية التى تم بها تنفيذهما له .

(الطعن رقم 1440 لسنة 52 جلسة 1986/05/20 س 37 ع 1 ص 578 ق 120)

5- مؤدى نص المادة 133 من القانون المدنى أنه يكفى لتعيين محل الإلتزام أن يحدد فى عقد إيجار العين المؤجرة تحديداً نافياً للجهالة ، و إذا كان الثابت أن عقد الإيجار مثار النزاع قد حدد العين المؤجرة بأنها أرض فضاء تقع برقمى ... ، ... شارع ..... فإن العقد يكون صحيحاً و لا يقدح فى ذلك سابقة تأجير هذه الأرض ، إذ أن المادة 573 من القانون المدنى نظمت كيفية تفضيل مستأجر على مستأجر آخر ، و هو ما يخرج عن نطاق هذه الدعوى و إذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر و قضى ببطلان العقد موضوع النزاع لوروده على غير محل فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 790 لسنة 50 جلسة 1981/02/21 س 32 ع 1 ص 573 ق 111)

6- متى كان الحكم المطعون فيه قد أيد حكم محكمة أول درجة فيما إستخلصه من أنه لم يكن من حق المطعون عليها " وزارة المعارف " بمقتضى قائمة المناقصة تكليف مورث الطاعنين توريد الأغذية للسبع عشرة مدرسة الإضافية و أنها إذ طلبت إليه القيام بهذا العمل و إذ قبل هو القيام به على أساس سعر حدده  فإنه يكون قد إنعقد بينهما عقد غير مسمى إلتزم بمقتضاه مورث الطاعنين بتوريد الأغذيه المتفق عليها و إلتزمت المطعون عليها بأن تدفع عن ذلك مقابلا  ولايؤثر فى إنعقاد هذا العقد ولا فى صحته عدم حصول التراضى على مقدار هذا المقابل . ذلك بأنه لايشترط أن يكون محل الإلتزام متعينا بل يكفى أن يكون قابلا للتعيين ، وما دام محل إلتزام المطعون عليها قابلاً للتعيين و قد عينه فعلا الحكم المطعون فيه ، فإن التكييف الصحيح للمبلغ المحكوم به لورثة الطاعن هو أنه ثمن الأغذية الذى تعهدت الوزارة بالوفاء به . والقاعدة هى أنه متى كان محل الإلتزام ، منذ نشأته ، مبلغا من النقود فإن الفوائد تكون مستحقه عنه من يوم المطالبة القضائية ، وإذن فالقضاء بعدم إستحقاق الطاعنين فوائد عن المبلغ المحكوم به لهم خطأ فى تطبيق القانون

(الطعن رقم 74 لسنة 19 جلسة 1951/11/08 س 3 ع 1 ص 26 ق 5)

شرح خبراء القانون

تعيين محل الالتزام :

أوضحنا فيما تقدم أنه يشترط في محل الالتزام أن يكون موجودة وممكنة، وتضيف المادة 133 شرطاً ثالثاً ينصرف الى تعيين هذا المحل حتى يرد عليه التنفيذ سواء كان المحل عملاً أو امتناع عن عمل فإن لم يعين وجب أن يتضمن العقد الأسس التي تمكن من التعيين، بحيث إن جاء العقد خلواً من التعيين ومن تلك الأسس ولم يمكن إتمام التعيين وفقاً للعرف أو للمألوف في المعاملات، كان العقد باطلاً .

فان كان محل الالتزام معيناً بذاته بأن كان شيئا قيميا، تعين أن يتم الوفاء به بناته ، لذلك وجب أن يعين في العقد تعييناً نافياً للجهالة فإن كان هذا المحل سيارة وجب بيان رقمها وموديل صنعها وماركتها فإن كان منزلاً وجب بيان رقمه وموقعه وأوصافه وحدوده، فإن جاء العقد خلواً من ذلك ومن الأسس التي يمكن معها الوصول الى هذا التعيين كان العقد باطلاً كذلك إذا عهد إلى مقاول بناء مستشفى أو مدرسة، وجب تعيين أوصافها من حيث عدد الحجرات ومساحة كل منها وعدد الطوابق وغير ذلك من المواصفات فإن لم يحدد المتعاقدان ذلك، واكتفيا بيان عدد الأسرة بالنسبة للمستشفى وعدد التلاميذ بالنسبة للمدرسة فإن محل الالتزام يكون قابلاً للتعيين وفقا للمألوف وللعرف، إذ يمكن معرفة عدد الحجرات اللازمة للأسرة أو للتلاميذ والعدد اللازم للإدارة وفقاً للمألوف ويجوز الاستعانة بأهل الخبرة لتعيين محل الالتزام كما لو كانت أرضاً وتضمن العقد أسس تعيينها كأن تكون ملاصقة لأرض المشترى متى تم تحديد مساحتها.

أما أن جاء العقد خلواً من التعيين ومن أسس التعيين كان محل الالتزام غير معین ووقع العقد باطلاً، بطلاناً مطلقاً، فيجوز لكل ذي مصلحة التمسك به وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ولا ترد عليه الاجازة ولا يسرى في شأنه التقادم .

وقد يكون محل الالتزام معيناً بنوعه، فيكون من المثليات وتلك يقوم بعضها مقام بعض في الوفاء بالالتزام، کمائة أردب قمح هندى أو مائة قنطار قطن أشموني أو مائة قلم باركر 61 أو ما شابه ذلك، ويتم تعيينها ببيان نوعها ومقدارها عدداً أو وزناً أو كيلاً أو مقاساً ويمكن التعرف على المقدار من ظروف التعاقد کتوريد بيض أو برتقال المستشفى على أن يكون لكل مريض بيضتان وبرتقاله إذ يمكن حينئذ حصر عدد المرضى وتعيين محل الالتزام كذلك أن لم تذكر درجة الجودة أو حجم الوحدة كانت من درجة متوسطة، وبالنسبة للمحل في البيع أنظر المادة 419.

واذا عينت المثليات بظرف المكان أو الزمان أو بهما معا كانت في حكم المعينة بالذات فلا يجوز لأي من المتعاقدين استبدالها بغيرها، مثال ذلك أن يبيع مزارع ثمار صديقته في موسم معين أو ما نتيجة أرضه من محصول في موسم معين، فرغم أن الفاكهة والحاصلات الزراعية من المثليات إلا أنها بتحديد مكان وزمان إنتاجها جعلها في حكم الأشياء القيمية، ومن ثم تعين محل الالتزام بها بذاتها أياً ما كانت درجة جودتها، فإن كانت جيدة فلا يجوز للمدين أن يوفي بغيرها من درجة أقل، وأن كانت رديئة فإنه لا يجوز للدائن المطالبة بغيرها من درجة أعلى، ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك فيسرى ما تضمنه الاتفاق.

وفي المثليات يجوز للمتعاقدين تفويض شخص معين بتعيين المحل فيلتزم بهذا التعيين، فإن لم يتم التعيين على نحو ما تقدم كان العقد باطلاً، ولا يجوز للقاضي القيام بهذا التعيين حتى لو اتفق الخصوم على ذلك، لأن القانون أناط به الفصل في المنازعات دون تكملة العقود أو تعديلها ما لم يوجد نص بذلك.

المطالبة بالمنقول المعين بنوعه أو بذاته :

إذا حل أجل تسليم المنقول المعين بنوعه أو بذاته، أو كان التزام الدين بالتسليم واجب التنفيذ فور التعاقد، ثم امتنع عن التسليم، تعين على الدائن مطالبته عن طريق أمر الأداء وليس عن طريق الدعوى، وذلك عملاً بالمادة 201 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992 إذ أوجبت اللجوء إلى هذا الطريق إذا كان حق الدائن ثابتاً بالكتابة وحال الأداء وكان كل ما يطالب به دينا من النقود معين المقدار أو منقولاً معيناً بذاته أو بنوعه أو مقداره، وكان لا يجوز اللجوء لهذا الطريق قبل تعديل تلك المادة إلا إذا كان المنقول معينة بنوعه فقط، فأصبح طريقاً إلزامياً بالنسبة  للمنقول المعين بذاته أو بنوعه أو مقداره، وذلك على التفصيل الذي أوضحناه بموسوعة المرافعات ، الجزء الثالث، صفحة 639 وما بعدها.

وفي حالة البيع بالعينة، يكون البيع معينة بنوعه، فيكون الرجوع على البائع لتسليمه عن طريق أمر الأداء، وللقاضي الآمر سلطة تقديرية في إصدار الأمر بالأداء أو الإمتناع عن إصداره وتحديد جلسة لنظر طلبات المشتری. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني الصفحة/ 585)

القاعدة العامة في تعيين محل الالتزام :

يجب أن يكون محل الالتزام معيناً أو على الأقل قابلاً للتعيين وهذا شرط تقتضيه طبيعة الأمور ذاتها مثله في ذلك مثل إمكان محل الالتزام فالالتزام يلزم المدين بأداء محله فإذا كان هذا المحل مجهلاً جهالة فاحشة، بحيث يتعذر الوصول إلى تحديده، كان من شأن ذلك أن تثور المنازعات دون أن يوجد لدينا أساس سليم لفظها.

وإن كان يتضح من المادة 133 أن الشارع عني ببيان كيفية تعيين المحل في الالتزام بنقل حق عيني، كما عني في المادة 134 - كما سنرى - بهذا البيان في الالتزام بدفع مبلغ من النقود غير أن الشارع لم يقتصر على هاتين الصورتين إلا أنهما تظهر فيهما الحاجة إلى هذا البيان، إلا أنه لا شبهة في أن التعيين أو على الأقل القابلية للتعيين شرط ينطبق توافره في المحل أياً كانت صورته.

- صور تعيين محل الالتزام :

إذا كان محل الالتزام عملاً أو امتناعاً عن عمل، وجب أن يكون هذا العمل أوالامتناع معيناً أو على الأقل قابلاً للتعيين فإذا تعهد مقاول بإقامة بناء وجب تعيين هذا البناء يذكر مواصفاته فإذا لم تذكر هذه المواصفات فيكفي أن يشتمل العقد على العناصر التي تجعل البناء قابلاً للتعيين، كما في حالة الاتفاق على إقامة مستشفى يتسع لعدد معين من الأسرة، أو مدرسة تتسع لعدد معين من الطلبة، أو مخزناً يتسع لقدر معين من الحبوب، فإذا لم تذكر المواصفات ولم تتوفر مثل هذه العناصر فلا يقوم الالتزام ولا ينعقد العقد .

وإذا كان محل الالتزام نقل حق عینی، وجب أن يكون الشيء الذي يرد عليه الحق معيناً أو قابلاً للتعيين، والشيء إما أن يكون شيئا قيميا أو يكون شيئاً مثلياً.

فالأشياء القيمية هي التي يغلب أن تتفاوت آحادها تفاوتاً يعتد به فلا يقوم بعض مقام بعض عند الوفاء وهذه يجب أن تعين بذاتها، فيوصف الواحد منها بأوصاف تميزه عن غيره بحيث تحدد ذاتيته، كالأرض تذكر مساحتها، وموقعها، وحدوده والمنزل يذكر موقعه وأوصافه وحدوده، والدابة توصف وصفاً يميزها عن غيرها .

والأشياء المعينة بنوعها أي الأشياء المثلية، فهي الأشياء التي يغلب ألا تتفاوت آحادها تفاوتاً يعتد به فيقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء (م 85 مدنی)، فهذه يجب أن تعين بنوعها ومقدارها ودرجة جودتها، إلا أن التحديد يختلف من حيث القوة والأث باختلاف هذه الأمور الثلاثة.

فالتحديد بالنوع ضروری، بحيث إذا لم يحصل ولم يمكن الوصول إليه بشر قاطع من ظروف العقد، اعتبر المحل غير معين، ووقع العقد باطلاً كما إذا باع شخص آخر غلالاً دون أن يبين نوعها قمحاً أو ذرة أو شعيراً، وكما إذا باعه حيوان دون أن يبين ما إذا كان بقرة هو أم حصاناً أم حماراً .

والتعيين بالمقدار لازم بدوره وإلا بطل العقد، فإذا لم يحدد مقدار الشيء الذي يتعلق به الالتزام، ولم يمكن من الظروف تعيين المقدار، كما إذا تعهد شخص بان يورد أغذية من نوع معين لمستشفى أو مدرسة أو فحماً من نوع معين لمصنع، إذ يتحدد المقدار وفقاً لحاجة المستشفى أو المدرسة أو المصنع فإذا لم يتيسر استخلاص المقدار من ظروف العقد وقع العقد باطلاً لتخلف شرط التعيين .

أما فيما يتعلق بالصنف أو درجة الجودة، فإذا لم يتفق عليه صراحة في العقد و يمكن استخلاصه مما جرى عليه الناس في التعامل أو من أي ظرف آخر كما يقول النص التزم المدين بأن يسلم شيئاً من صنف متوسط ومعنى هذا أن الصنف إذا لم يكن معيناً او قابلاً للتعيين فإن القانون يتكفل بهذا التعيين فيقضي بأن يكون الشيء من صنف متوسط أي صنف وسط بين الجيد والردي وذلك حماية لمصلحة الطرفين .

ترك تعيين المحل لأحد الطرفين أو لأجنبي :

لا يصح لأحد الطرفين أن يترك تعيين المحل للطرف الآخر كما لو ترك البائع للمشتري أمر تحديد الثمن، إذ لا ينعقد العقد حينئذ إلا بعد قبول البائع للثمن الذي حدده المشتري.

إنما يصح أن يترك الأجنبي تعيين المحل، كما إذا باع شخص عيناً بثمن يترك تقديره لحكم فإذا قدر الحكم الثمن كان تقديره ملزماً للمتعاقدين وقام التزام المشتري على محل معين.

كما يجوز أن يترك للأجنبى تعيين المبيع من بين عدة أشياء لدى البائع تستجيب جميعها للغرض الذي يهدف إليه المشتري.

أما إذا لم يقم الأجنبي بمهمته تخلف المحل وبطل العقد، ولا يكون للقاضي في هذه الحالة أن يتولى أمر التعيين، لأنه ليس من مهمته إنشاء العقود. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/377)

محل الإرادة - الغالب أن الأثر الذي يترتب على الإرادة يكون نشوء حق أو التزام أو انقضاءهما .

ولما كان كل من الحق والالتزام لابد له من محل يقوم فيه ، فان هذا المحل هو الذي تنعقد عليه الارادة ، ويشترط فيه أن يكون : 1- معيناً ، 2 - وممكناً ، 3- ومشروعاً (المواد 132 - 135 مدنی ).

فإذا كان المحل غير معين، كما إذا تعهدت أن أقوم لك ببناء ، دون تعيين نوع البناء وأوصافه ، أو اذا تعهدت أن أعطيك قمحاً دون تعيين مقدار القمح، استحال نشوء الحق أو الالتزام ، وكانت الأرادة كأنها لم تتجه إلى أثر قانونی ، فلا يعتبر لها وجود.

وإذا كان المحل غير ممكن ، كما إذا تعهدت بأحياء ميت أو بأقامة قصر في السماء ، فإن الالتزام به لا ينشأ، لأن المستحيل لا يلزم أحداً وتكون الارادة عبثاً فلا يعتد بوجودها غير أنها لا تكون كذلك الا اذا كانت استحالة المحل استحالة مطلقة أعني الوفاء به غير ممكن في ذاته أما اذا كانت الاستحالة نسبية ، وهي تكون كذلك إذا كان المحل غير ممكن بالنسبة إلى من تعهد به فقط، ولكنه ممكن بالنسبة إلى غيره من أمثاله ، فلا تجعل الارادة عبثاً ولا تمنع انعقاد العمل القانوني وترتب أثره عليه .

وإذا كان المحل غير مشروع ، وهو يعتبر كذلك إذا كان مخالفاً النظام العام أو للآداب العامة ، فان القانون لا يقره ، ولا يسمح للارادة أن تتجه إليه ، وإن هي اتجهت إليه لا يرتب عليها أثراً ويعتبرها في حكم العدم - ومثل ذلك أن يتعهد شخص بقتل آخر، أو بتهريب مخدر، أو بإغواء امرأة .  (  الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الأول  الصفحة/ 877)

 فيستفاد من ذلك أن محل الالتزام (أو محل العقد) يجب أن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين . (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/  الثاني  الصفحة/ 253)

ويختلف تعيين المحل بحسب ما إذا كان محل الالتزام نقل حق عيني على شيئ ، أو كان عملاً أو امتناعاً وفي الحالة الأولى إما أن يكون الشيء معيناً بالذات بوصفه وصفاً مانعاً من الجهالة وقد طبق المشرع ذلك على عقد البيع في المادة 419 ، وإما أن يكون معيناً بجنسه ونوعه ومقداره فان لم يعين المقدار وجب أن يتضمن العقد ما يعين على تحديده ، أما إذا كان محل الالتزام عملاً أو امتناعاً وجب أن يكون العمل أو الامتناع معيناً أو على الأقل قابلاً للتعيين طبقاً لما يستخلص من ظروف الحال عن نية الطرفين (السنهوري بندی 222 و 223) . (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/  815 )

 

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والعشرون  ، الصفحة /  109

أَسْبَابُ ثُبُوتِ الدَّيْنِ:

22 - الأْصْلُ  بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الإْنْسَانِ مِنْ كُلِّ دَيْنٍ أَوِ الْتِزَامٍ أَوْ مَسْئُولِيَّةٍ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُنْشِئُ ذَلِكَ وَيُلْزِمُ بِهِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ لاَ بُدَّ لِثُبُوتِ أَيِّ دَيْنٍ مِنْ سَبَبٍ مُوجِبٍ يَقْتَضِيهِ. وَالْبَاحِثُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ يَجِدُ أَنَّ أَسْبَابَ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَدِيدَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، غَيْرَ أَنَّهُ يُمْكِنُ حَصْرُهَا فِي تِسْعَةِ أَسْبَابٍ:

23 - أَحَدُهَا: الاِلْتِزَامُ بِالْمَالِ: سَوَاءٌ أَكَانَ فِي عَقْدٍ يَتِمُّ بَيْنَ طَرَفَيْنِ كَالْبَيْعِ، وَالسَّلَمِ، وَالْقَرْضِ، وَالإْجَارَةِ ، وَالزَّوَاجِ، وَالطَّلاَقِ عَلَى مَالٍ، وَالْحَوَالَةِ، وَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، وَالاِسْتِصْنَاعِ وَنَحْوِهَا، أَوْ كَانَ فِي الْتِزَامٍ فَرْدِيٍّ يَتِمُّ بِإِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ كَنَذْرِ الْمَالِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ، وَالْتِزَامِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .

فَفِي الْقَرْضِ مَثَلاً يَلْتَزِمُ الْمُقْتَرِضُ أَنْ يَرُدَّ لِلْمُقْرِضِ مَبْلَغًا مِنَ النُّقُودِ، أَوْ قَدْرًا مِنْ أَمْوَالٍ مِثْلِيَّةٍ يَكُونُ قَدِ اقْتَرَضَهَا مِنْهُ، وَثَبَتَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ.

عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الدُّيُونِ الَّتِي تَثْبُتُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ لاَ تَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ لُزُومِهَا إِلاَّ بِقَبْضِ الْبَدَلِ الْمُقَابِلِ لَهَا، إِذْ بِهِ يَحْصُلُ الأْمْنُ  مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ بِسَبَبِ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ إِلاَّ دَيْنًا وَاحِدًا وَهُوَ دَيْنُ السَّلَمِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لاَزِمًا فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ لاِحْتِمَالِ طُرُوءِ انْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَسُقُوطِ الدَّيْنِ.

وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الدَّيْنِ فِي أَيِّ عَقْدٍ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ إِنَّمَا يَعْنِي الأَْمْنَ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ بِسَبَبِ تَعَذُّرِ حُصُولِ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ جِنْسِهِ وَامْتِنَاعِ الاِعْتِيَاضِ عَنْهُ. وَذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِدَيْنِ السَّلَمِ دُونَ بَقِيَّةِ الدُّيُونِ؛ لِجَوَازِ الاِعْتِيَاضِ عَنْهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ جِنْسِهَا .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثلاثون  ، الصفحة /  220

ثَالثًا - مَحَلُّ الْعَقْد.

33 - الْمُرَادُ بمَحَلّ الْعَقْد: مَا يَقَعُ عَلَيْه الْعَقْدُ وَتَظْهَرُ فيه أَحْكَامُهُ وَآثَارُهُ، وَيَخْتَلفُ الْمَحَلُّ باخْتلاَف الْعُقُود، فَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ عَيْنًا مَاليَّةً، كَالْمَبيع في عَقْد الْبَيْع، وَالْمَوْهُوب في عَقْد الْهبَة، وَالْمَرْهُون في عَقْد الرَّهْن، وَقَدْ يَكُونُ عَمَلاً منَ الأْعْمَال، كَعَمَل الأْجير في الإْجَارَة، وَعَمَل الزَّارع في الْمُزَارَعَة، وَعَمَل الْوَكيل في الْوَكَالَة، وَقَدْ يَكُونُ مَنْفَعَةَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، كَمَنْفَعَة الْمَأْجُور في عَقْد الإْجَارَة، وَمَنْفَعَة الْمُسْتَعَار في عَقْد الإْعَارَة، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلكَ كَمَا في عَقْد النّكَاح وَالْكَفَالَة وَنَحْوهمَا.

وَلهَذَا فَقَد اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ في مَحَلّ الْعَقْد شُرُوطًا تَكَلَّمُوا عَنْهَا في كُلّ عَقْدٍ وَذَكَرُوا بَعْضَ الشُّرُوط الْعَامَّة الَّتي يَجبُ تَوَافُرُهَا في الْعُقُود عَامَّةً أَوْ في مَجْمُوعَةٍ منَ الْعُقُود، منْهَا:

أ - وُجُودُ الْمَحَلّ:

34 - يَخْتَلفُ اشْترَاطُ هَذَا الشَّرْط باخْتلاَف الْعُقُود: فَفي عَقْد الْبَيْع مَثَلاً اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ في الْجُمْلَة عَلَى وُجُود الْمَحَلّ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُوجَدْ لقَوْله صلي الله عليه وسلم  : «لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عنْدَكَ» ؛ وَلأنَّ  في بَيْع مَا لَمْ يُوجَدْ غَرَرًا وَجَهَالَةً فَيُمْنَعُ، لحَديث: أَنَّ «النَّبيَّ صلي الله عليه وسلم  نَهَى عَنْ بَيْع الْغَرَر» وَعَلَى ذَلكَ صَرَّحُوا ببُطْلاَن بَيْع الْمَضَامين وَالْمَلاَقيح وَحَبَل الْحُبْلَة.

وَمَنَعُوا منْ بَيْع الزُّرُوع وَالثّمَار قَبْلَ ظُهُورهَا، لقَوْله صلي الله عليه وسلم  : «أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخيه ؟».

وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ منْ بَيْع الْمَعْدُوم عَقْدَ السَّلَم وَذَلكَ لحَاجَة النَّاس إلَيْه  كَمَا اسْتَثْنَى الْحَنَفيَّةُ منْ ذَلكَ عَقْدَ الاسْتصْنَاع للدَّليل نَفْسه ر: (اسْتصْنَاع ف 7).

أَمَّا بَيْعُ الزَّرْع أَو الثَّمَر قَبْلَ ظُهُورهمَا فَلاَ يَجُوزُ؛ لأنَّهُ مَعْدُومٌ وَلاَ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَعْدُوم، أَمَّا بَعْدَ الظُّهُور وَقَبْلَ بُدُوّ الصَّلاَح فَإنْ كَانَ الثَّمَرُ أَو الزَّرْعُ بحَالٍ يُنْتَفَعُ بهمَا فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بشَرْط الْقَطْع في الْحَال اتّفَاقًا لعَدَم الْغَرَر في ذَلكَ، وَلاَ يَجُوزُ بغَيْر شَرْط الْقَطْع عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء.

وَاخْتَلَفُوا في بَيْع الثّمَار الْمُتَلاَحقَة الظُّهُور وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَح: (ثمَار ف 11 - 13).

وَفي عَقْد الإْجَارَة اعْتَبَرَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء الْمَنَافعَ أَمْوَالاً، وَاعْتَبَرَهَا كَذَلكَ الشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ مَوْجُودَةً حينَ الْعَقْد تَقْديرًا، فَيَصحُّ التَّعَاقُدُ عَلَيْهَا بنَاءً عَلَى وُجُود الْمَنَافع حينَ الْعَقْد عنْدَهُمْ، وَلهَذَا يَقُولُونَ بنَقْل ملْكيَّة الْمَنَافع للْمُسْتَأْجر وَالأْجْرَة للْمُؤَجّر بنَفْس الْعَقْد في الإْجَارَة الْمُطْلَقَة.

وَعَلَّلَ الْمَالكيَّةُ جَوَازَ الإْجَارَة بأَنَّ الْمَنَافعَ وَإنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً في حَال الْعَقْد لَكنَّهَا مُسْتَوْفَاةٌ في الْغَالب، وَالشَّرْعُ إنَّمَا لَحَظَ منَ الْمَنَافع مَا يُسْتَوْفَى في الْغَالب أَوْ يَكُونُ اسْتيفَاؤُهُ وَعَدَمُ اسْتيفَائه سَوَاءً.

أَمَّا الْحَنَفيَّةُ فَقَدْ أَجَازُوا عَقْدَ الإْجَارَة اسْتثْنَاءً منَ الْقَاعدَة؛ لوُرُود النُّصُوص منَ الْكتَاب وَالسُّنَّة في جَوَاز الإْجَارَة، قَالَ الْكَاسَانيُّ: الإْجَارَةُ بَيْعُ الْمَنْفَعَة، وَالْمَنَافعُ للْحَال مَعْدُومَةٌ، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَحْتَملُ الْبَيْعَ، فَلاَ تَجُوزُ إضَافَةُ الْبَيْع إلَى مَا يُؤْخَذُ في الْمُسْتَقْبَل، وَهَذَا هُوَ الْقيَاسُ، لَكنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ بالْكتَاب الْعَزيز وَالسُّنَّة وَالإْجْمَاع.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيّم: جَوَازُ الإْجَارَة مُوَافقَةٌ للْقيَاس؛ لأنَّ  مَحَلَّ الْعَقْد إذَا أَمْكَنَ التَّعَاقُدُ عَلَيْه في حَال وُجُوده وَعَدَمه - كَالأَْعْيَان - فَالأَْصْلُ فيه عَدَمُ جَوَاز الْعَقْد حَالَ عَدَمه للْغَرَر، مَعَ ذَلكَ جَازَ الْعَقْدُ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ إذَا دَعَتْ إلَيْه الْحَاجَةُ.

أَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلاَّ حَالٌ وَاحدَةٌ، وَالْغَالبُ فيه السَّلاَمَةُ - كَالْمَنَافع - فَلَيْسَ الْعَقْدُ عَلَيْه مُخَاطَرَةً وَلاَ قمَارًا فَيَجُوزُ، وَقيَاسُهُ عَلَى بَيْع الأَْعْيَان قيَاسٌ مَعَ الْفَارق.

35 - وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاء في هَذَا الشَّرْط بَيْنَ عُقُود الْمُعَاوَضَة وَعُقُود التَّبَرُّع، فَقَالُوا بعَدَم جَوَاز النَّوْع الأْوَّل منَ الْعُقُود في حَال عَدَم وُجُود مَحَلّهَا، وَأَجَازُوا النَّوْعَ الثَّانيَ في حَالَة وُجُود الْمَحَلّ وَعَدَمه.

وَمنْ هَذَا الْقَبيل مَا قَالَ الْمَالكيَّةُ: إنَّ مَا يَخْتَصُّ بعُقُود التَّبَرُّعَات كَالْهبَة مَثَلاً يَجُوزُ فيه أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْعَقْد (الْمَوْهُوبُ) غَيْرَ مَوْجُودٍ في الْخَارج، بَلْ دَيْنًا في الذّمَّة، أَوْ غَيْرَ مَعْلُومٍ فعْلاً، فَالْغَرَرُ في الْهبَة لغَيْر الثَّوَاب جَائزٌ عنْدَهُمْ، وَلهَذَا صَرَّحُوا بأَنَّ مَنْ وَهَبَ لرَجُلٍ مَا يَرثُهُ منْ فُلاَنٍ - وَهُوَ لاَ يَدْري كَمْ هُوَ ؟ أَسُدُسٌ أَوْ رُبُعٌ فَذَلكَ جَائزٌ.

وَفي الرَّهْن يَجُوزُ عنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْعَقْد (الْمَرْهُونُ) غَيْرَ مَوْجُودٍ حينَ الْعَقْد، كَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا، فَشَيْءٌ يُوثَقُ به خَيْرٌ منْ عَدَمه، كَمَا يَقُولُونَ .

وَهَذَا بخلاَف عَقْد الْبَيْع وَسَائر الْعُقُود في الْمُعَاوَضَات.

ب - قَابليَّةُ الْمَحَلّ لحُكْم الْعَقْد :

36 - يُشْتَرَطُ في مَحَلّ الْعَقْد عنْدَ الْفُقَهَاء أَنْ يَكُونَ قَابلاً لحُكْم الْعَقْد.

وَالْمُرَادُ بحُكْم الْعَقْد: الأْثَرُ الْمُتَرَتّبُ عَلَى الْعَقْد، وَيَخْتَلفُ هَذَا حَسْبَ اخْتلاَف الْعُقُود، فَفي عَقْد الْبَيْع مَثَلاً أَثَرُ الْعَقْد هُوَ انْتقَالُ ملْكيَّة الْمَبيع منَ الْبَائع إلَى الْمُشْتَري، وَيُشْتَرَطُ فيه أَنْ يَكُونَ مَالاً مُتَقَوّمًا مَمْلُوكًا للْبَائع، فَمَا لَمْ يَكُنْ مَالاً بالْمَعْنَى الشَّرْعيّ: وَهُوَ مَا يَميلُ إلَيْه الطَّبْعُ وَيَجْري فيه الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ لاَ يَصحُّ بَيْعُهُ، كَبَيْع الْمَيْتَة مَثَلاً عنْدَ الْمُسْلمينَ. وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَقَوّمًا، أَيْ: مُنْتَفَعًا به شَرْعًا، كَبَيْع الْخَمْر وَالْخنْزير، فَإنَّهُمَا وَإنْ كَانَا مَالاً عنْدَ غَيْر الْمُسْلمينَ، لَكنَّهُمَا لَيْسَا مُتَقَوّمَيْن عنْدَ الْمُسْلمينَ، فَحَرُمَ بَيْعُهُمَا كَمَا وَرَدَ في حَديث جَابرٍ رضي الله عنه  : «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْر وَالْمَيْتَة وَالْخنْزير»

وَفي عُقُود الْمَنْفَعَة كَعَقْد الإْجَارَة وَالإْعَارَة وَنَحْوهمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْعَقْد - أَي الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا - مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً مُبَاحَةً، فَلاَ تَجُوزُ الإْجَارَةُ عَلَى الْمَنَافع الْمُحَرَّمَة كَالزّنَا وَالنَّوْح وَنَحْوهمَا كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مُصْطَلَح: (إجَارَة ف 108).

وَكَمَا لاَ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَنَافع الْمُحَرَّمَة لاَ يَجُوزُ إعَارَتُهَا كَذَلكَ؛ لأنَّ  منْ شُرُوط صحَّة الْعَاريَّة إمْكَانُ الانْتفَاع بمَحَلّ الْعَقْد (الْمُعَار أَو الْمُسْتَعَار) انْتفَاعًا مُبَاحًا شَرْعًا مَعَ بَقَاء عَيْنه، كَالدَّار للسُّكْنَى، وَالدَّابَّة للرُّكُوب، مَثَلاً فَلاَ يَجُوزُ إعَارَةُ الْفُرُوج للاسْتمْتَاع، وَلاَ آلاَت الْمَلاَهي للَّهْو، كَمَا لاَ تَصحُّ الإْعَارَةُ للْغنَاء أَو الزَّمْر أَوْ نَحْوهمَا منَ الْمُحَرَّمَات، فَالإْعَارَةُ لاَ تُبيحُ مَا لاَ يُبيحُهُ الشَّرْعُ.

وَتَفْصيلُهُ في مُصْطَلَح: (عَاريَّةً).

وَفي عَقْد الْوَكَالَة يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ (الْمُوَكَّل به) أَنْ يَكُونَ قَابلاً للانْتقَال للْغَيْر وَالتَّفْويض فيه، وَلاَ يَكُونَ خَاصًّا بشَخْص الْمُوَكّل، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مُصْطَلَح: (وَكَالَة).

ج - مَعْلُوميَّةُ الْمَحَلّ للْعَاقدَيْن :

37 - يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَمَعْرُوفًا للْعَاقدَيْن، بحَيْثُ لاَ يَكُونُ فيه جَهَالَةٌ تُؤَدّي إلَى النّزَاع وَالْغَرَر.

وَيَحْصُلُ الْعلْمُ بمَحَلّ الْعَقْد بكُلّ مَا يُمَيّزُهُ عَن الْغَيْر منْ رُؤْيَته أَوْ رُؤْيَة بَعْضه عنْدَ الْعَقْد، أَوْ بوَصْفه وَصْفًا يَكْشفُ عَنْهُ تَمَامًا، أَوْ بالإْشَارَة إلَيْه.

وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْه عنْدَ الْفُقَهَاء في عُقُود الْمُعَاوَضَة في الْجُمْلَة، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ منَ الْقَطيع مَثَلاً وَلاَ إجَارَةُ إحْدَى هَاتَيْن الدَّارَيْن، وَذَلكَ لأنَّ  الْجَهَالَةَ في مَحَلّ الْعَقْد: (الْمَعْقُود عَلَيْه) تُسَبّبُ الْغَرَرَ وَتُفْضي إلَى النّزَاع.

وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاء في هَذه الْمَسْأَلَة بَيْنَ الْجَهَالَة الْفَاحشَة - وَهيَ الَّتي تُفْضي إلَى النّزَاع - وَبَيْنَ الْجَهَالَة الْيَسيرَة - وَهيَ: الَّتي لاَ تُفْضي إلَى النّزَاع - فَمَنَعُوا الأُْولَى وَأَجَازُوا الثَّانيَةَ.

وَجَعَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء الْعُرْفَ حَكَمًا في تَعْيين مَا تَقَعُ عَلَيْه الإْجَارَةُ منْ مَنْفَعَةٍ، وَتَمْييز الْجَهَالَة الْفَاحشَة عَن الْجَهَالَة الْيَسيرَة.

وَتَفْصيلُ ذَلكَ في مُصْطَلَحَيْ: (بَيْع ف 32) (وَالإْجَارَةُ ف 34).

وَفي عَقْد السَّلَم يُشْتَرَطُ في الْمَحَلّ: (الْمُسْلَم فيه) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجنْس وَالنَّوْع وَالصّفَة وَالْقَدْر، كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أَوْ ذَرْعًا، وَذَلكَ لأنَّ  الْجَهَالَةَ في كُلٍّ منْهَا تُفْضي إلَى الْمُنَازَعَة وَقَدْ وَرَدَ في الْحَديث عَن النَّبيّ صلي الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ في تَمْرٍ فَلْيُسْلفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (سَلَم).

هَذَا في عُقُود الْمُعَاوَضَة.

38 - أَمَّا عُقُودُ التَّبَرُّع فَقَد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ في جَوَاز كَوْن الْمَحَلّ مَجْهُولاً، وَمنْ أَمْثلَة ذَلكَ مَا يَأْتي:

1 - عَقْدُ الْهبَة.

39 - يَشْتَرطُ الْحَنَفيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ في الْمَوْهُوب - وَهُوَ مَحَلُّ عَقْد الْهبَة - أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَمُعَيَّنًا، قَالَ الْحَصْكَفيُّ: شَرَائطُ صحَّة الْهبَة في الْمَوْهُوب: أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا، غَيْرَ مُشَاعٍ، مُمَيَّزًا، غَيْرَ مَشْغُولٍ، فَلاَ تَصحُّ هبَةُ لَبَنٍ في ضَرْعٍ، وَصُوفٍ عَلَى غَنَمٍ، وَنَخْلٍ في أَرْضٍ، وَتَمْرٍ في نَخْلٍ.

وَقَالَ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ: كُلُّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ تَجُوزُ هبَتُهُ، وَكُلُّ مَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ تَجُوزُ هبَتُهُ، كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ لغَيْر قَادرٍ عَلَى انْتزَاعه، وَضَالٍّ وَآبقٍ.

أَمَّا الْمَالكيَّةُ فَقَدْ تَوَسَّعُوا فيهَا، فَأَجَازُوا هبَةَ الْمَجْهُول وَالْمُشَاع، جَاءَ في الْفَوَاكه الدَّوَاني: أَنَّ شَرْطَ الشَّيْء الْمُعْطَى أَنْ يَكُونَ ممَّا يَقْبَلُ النَّقْلَ في الْجُمْلَة، فَيَشْمَلُ الأْشْيَاءَ الْمَجْهُولَةَ.

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (هبَة) .

2 - عَقْدُ الْوَصيَّة.

40 - تَصحُّ وَصيَّةُ الْمُوصي بجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ منْ مَاله وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا صَرَّحَ به الْحَنَفيَّةُ، وَفي هَذه الصُّورَة يَكُونُ الْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَة؛ لأنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَليلَ وَالْكَثيرَ، وَالْوَصيَّةُ لاَ تَمْتَنعُ بالْجَهَالَة.

وَأَجَازَ الْحَنَابلَةُ الْوَصيَّةَ بالْحَمْل إنْ كَانَ مَمْلُوكًا للْمُوصي، وَالْغَرَرُ وَالْخَطَرُ لاَ يَمْنَعُ صحَّةَ الْوَصيَّة عنْدَهُمْ

كَمَا أَجَازَ الشَّافعيَّةُ الْوَصيَّةَ بالْمَجْهُول، كَالْحَمْل الْمَوْجُود في الْبَطْن مُنْفَردًا عَنْ أُمّه أَوْ مَعَهَا، وَكَالْوَصيَّة باللَّبَن في الضَّرْع، وَالصُّوف عَلَى ظَهْر الْغَنَم.

وَللتَّفْصيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (وَصيَّة).

41 - هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافيُّ في فُرُوقه الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعدَة مَا تُؤَثّرُ فيه الْجَهَالاَتُ وَمَا لاَ تُؤَثّرُ فيه ذَلكَ منَ الْعُقُود وَالتَّصَرُّفَات فَقَالَ: وَرَدَت الأْحَاديثُ الصَّحيحَةُ في نَهْيه صلي الله عليه وسلم  عَنْ بَيْع الْغَرَر وَعَنْ بَيْع الْمَجْهُول، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلكَ: فَمنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ في التَّصَرُّفَات - وَهُوَ الشَّافعيُّ - فَمَنَعَ منَ الْجَهَالَة في الْهبَة وَالصَّدَقَة وَالإْبْرَاء وَالْخُلْع وَالصُّلْح وَغَيْر ذَلكَ، وَمنْهُمْ مَنْ فَصَلَ - وَهُوَ مَالكٌ - بَيْنَ قَاعدَة مَا يُجْتَنَبُ فيه الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَات وَالتَّصَرُّفَات الْمُوجبَة لتَنْميَة الأَْمْوَال مَا يُقْصَدُ به تَحْصيلُهَا، وَقَاعدَة مَا لاَ يُجْتَنَبُ فيه الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَهُوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لذَلكَ، وَانْقَسَمَت التَّصَرُّفَاتُ عنْدَهُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: طَرَفَان وَوَاسطَةٌ، فَالطَّرَفَان أَحَدُهُمَا: مُعَاوَضَةٌ صرْفَةٌ فَيُجْتَنَبُ فيهَا ذَلكَ إلاَّ مَا دَعَت الضَّرُورَةُ إلَيْه... وَثَانيهمَا: مَا هُوَ إحْسَانٌ صرْفٌ لاَ يُقْصَدُ به تَنْميَةُ الْمَال كَالصَّدَقَة وَالْهبَة وَالإْبْرَاء.

فَفي الْقسْم الأْوَّل: إذَا فَاتَ بالْغَرَر وَالْجَهَالاَت ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ في مُقَابَلَته فَاقْتَضَتْ حكْمَةُ الشَّرْع مَنْعَ الْجَهَالَة فيه، أَمَّا الْقسْمُ الثَّاني - أَي: الإْحْسَانُ الصّرْفُ - فَلاَ ضَرَرَ فيه، فَاقْتَضَتْ حكْمَةُ الشَّرْع وَحَثُّهُ عَلَى الإْحْسَان التَّوْسعَةَ فيه بكُلّ طَريقٍ، بالْمَعْلُوم وَالْمَجْهُول فَإنَّ ذَلكَ أَيْسَرُ لكَثْرَة وُقُوعه قَطْعًا، وَفي الْمَنْع منْ ذَلكَ وَسيلَةٌ إلَى تَقْليله فَإذَا وَهَبَ لَهُ عَبْدَهُ الآْبقَ جَازَ أَنْ يَجدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مَا يَنْتَفعُ به، وَلاَ ضَرَرَ عَلَيْه؛ لأنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، وَهَذَا فقْهٌ جَميلٌ.

ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْوَاسطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْن فَهُوَ النّكَاحُ، فَهُوَ منْ جهَة أَنَّ الْمَالَ فيه لَيْسَ مَقْصُودًا، وَإنَّمَا مَقْصدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالأْلْفَةُ وَالسُّكُونُ، يَقْتَضي أَنْ يَجُوزَ فيه الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا، وَمنْ جهَة أَنَّ صَاحبَ الشَّرْع اشْتَرَطَ فيه الْمَالَ بقَوْله تَعَالَى: ( أَنْ تَبْتَغُوا بأَمْوَالكُمْ) يَقْتَضي امْتنَاعَ الْجَهَالَة وَالْغَرَر فيه، فَلوُجُود الشَّبَهَيْن تَوَسَّطَ مَالكٌ فَجَوَّزَ فيه الْغَرَرَ الْقَليلَ دُونَ الْكَثير، نَحْوَ عَبْدٍ منْ غَيْر تَعَيُّنٍ، وَشُورَة (أَثَاث) بَيْتٍ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الْعَبْد الآْبق، وَالْبَعير الشَّارد .

د - الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْليم.

42 - يُشْتَرَطُ في مَحَلّ الْعَقْد أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْليم، وَهَذَا الشَّرْطُ مَحَلُّ اتّفَاقٍ في عُقُود الْمُعَاوَضَة في الْجُمْلَة، فَالْحَيَوَانُ الضَّالُّ الشَّاردُ وَنَحْوُهُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لعَقْد الْبَيْع أَو الإْجَارَة أَو الصُّلْح أَوْ نَحْوهَا، وَكَذَلكَ الدَّارُ الْمَغْصُوبَةُ منْ غَيْر غَاصبهَا، أَو الأَْرْضُ أَوْ أَيْ شَيْءٍ آخَرُ تَحْتَ يَد الْعَدُوّ.

قَالَ الْكَاسَانيُّ: منْ شُرُوط الْمَبيع أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْليم عنْدَ الْعَقْد، فَإنْ كَانَ مَعْجُوزَ التَّسْليم عنْدَهُ لاَ يَنْعَقدُ، وَإنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ كَبَيْع الآْبق حَتَّى لَوْ ظَهَرَ يَحْتَاجُ إلَى تَجْديد الإْيجَاب وَالْقَبُول إلاَّ إذَا تَرَاضَيَا فَيَكُونُ بَيْعًا مُبْتَدَأً بالتَّعَاطي.

وَقَالَ في شُرُوط الْمُسْتَأْجَر: منْ شُرُوطه أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ الاسْتيفَاء حَقيقَةً وَشَرْعًا؛ لأنَّ  الْعَقْدَ لاَ يَقَعُ وَسيلَةً إلَى الْمَعْقُود عَلَيْه بدُونه، فَلاَ يَجُوزُ اسْتئْجَارُ الآْبق، وَلاَ إجَارَةُ الْمَغْصُوب منْ غَيْر الْغَاصب.

وَفي الْمَنْثُور للزَّرْكَشيّ: منْ حُكْم الْعُقُود اللاَّزمَة أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْه مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْليمه في الْحَال، وَالْجَائزُ قَدْ لاَ يَكُونُ كَذَلكَ كَالْجَعَالَة تُعْقَدُ عَلَى رَدّ الآْبق.

وَقَالَ النَّوَويُّ في بَيَان شُرُوط الْمَبيع: الثَّالثُ: إمْكَانُ تَسْليمه، فَلاَ يَصحُّ بَيْعُ الضَّالّ وَالآْبق وَالْمَغْصُوب، وَعَلَّلَهُ الشّرْبينيُّ الْخَطيبُ بقَوْله: للْعَجْز عَنْ تَسْليم ذَلكَ حَالاً.

وَمثْلُهُ مَا في كُتُب بَقيَّة الْمَذَاهب.

أَمَّا في عُقُود التَّبَرُّع فَأَجَازَ الْمَالكيَّةُ هبَةَ الآْبق وَالْحَيَوَان الشَّارد، مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَقْدُورَي التَّسْليم حينَ الْعَقْد؛ لأنَّهُ إحْسَانٌ صرْفٍ، فَإذَا وَجَدَهُ وَتَسَلَّمَهُ يَسْتَفيدُ منْهُ، وَإلاَّ لاَ يَتَضَرَّرُ كَمَا قَالَ الْقَرَافيُّ، وَأَجَازَ الشَّافعيَّةُ الْوَصيَّةَ فيمَا يَعْجزُ عَنْ تَسْليمه وَقَالَ ابْنُ الْقَيّم في عُقُود التَّبَرُّع: لاَ غَرَرَ في تَعَلُّقهَا بالْمَوْجُود وَالْمَعْدُوم وَمَا يَقْدرُ عَلَى تَسْليمه وَمَا لاَ يَقْدرُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس والثلاثون ، الصفحة / 177

كَيْلٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْكَيْلُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ كَالَ يَكِيلُ، يُقَالُ: كِلْتُ زَيْدًا الطَّعَامَ كَيْلاً مِنْ بَابِ بَاعَ، وَكَالَ الطَّعَامَ كَيْلاً: عَرَفَ مِقْدَارَهُ، وَكَالَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ: قَاسَهُ بِهِ.

وَيُطْلَقُ الْكَيْلُ عَلَى مَا يُعْرَفُ بِهِ الْمِقْدَارُ بِالْقَفِيزِ وَالْمُدِّ وَالصَّاعِ، وَالاِسْمُ (الْكِيلَةُ) بِالْكَسْرِ، وَالْمِكْيَالُ مَا يُكَالُ بِهِ، قَالَ الْفَيُّومِيُّ: وَالْكَيْلُ مِثْلُهُ .

وَعَلَى ذَلِكَ فَالْكَيْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى وِعَاءٍ يُكَالُ بِهِ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا  وَالْكَيْلِيُّ مَا يُقَدَّرُ بِالْكَيْلِ، وَكَذَلِكَ الْمَكِيلُ . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِلْكَيْلِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْوَزْنُ:

2 - الْوَزْنُ فِي اللُّغَةِ: التَّقْدِيرُ، يُقَالُ: وَزَنَ الشَّيْءَ: قَدَّرَهُ بِوَسَاطَةِ الْمِيزَانِ  وَقَالَ الأْصْفَهَانِيُّ: الْوَزْنُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الشَّيْءِ، وَالْمُتَعَارَفُ فِي الْوَزْنِ عِنْدَ الْعَامَّةِ مَا يُقَدَّرُ بِالْقِسْطِ وَالْقَبَّانِ . وَلاَ يَخْتَلِفُ مَعْنَى الْوَزْنِ فِي الاِصْطِلاَحِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ أَنَّ الْكَيْلَ يُعْرَفُ بِهِ مِقْدَارُ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ الْحَجْمِ، وَالْوَزْنُ يُعْرَفُ بِهِ مِقْدَارُ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ الثِّقَلِ.

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْكَيْلِ

الْحَثُّ عَلَى إِيفَاءِ الْكَيْلِ:

3 - حَثَّ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ عَلَى إِيفَاءِ الْكَيْلِ، قَالَ تَعَالَى(أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ)  وَتَوَعَّدَ الْمُطَفِّفِينَ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) .

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ نَقْلاً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما  أَنَّهُ قَالَ: هِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  سَاعَةَ نَزَلَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ هَذَا فِيهِمْ، كَانُوا إِذَا اشْتَرَوُا اسْتَوْفَوْا بِكَيْلٍ رَاجِحٍ، فَإِذَا بَاعُوا بَخَسُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ انْتَهَوْا، فَهُمْ أَوْفَى النَّاسِ كَيْلاً إِلَى يَوْمِهِمْ هَذَا .

وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما  قَالَ: مَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ قُطِعَ مِنْهُمُ الرِّزْقُ  وَعَدَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْبَخْسَ فِي الْكَيْلِ مِنَ الْكَبَائِرِ .

أُجْرَةُ الْكَيَّالِ

4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ كَيْلِ الْمَبِيعِ فِي بَيْعِ الْمَكِيلِ وَأُجْرَةَ وَزْنِهِ فِي بَيْعِ الْمَوْزُونِ عَلَى الْبَائِعِ  لأِنَّ  عَلَيْهِ تَقْبِيضَ الْمَبِيعِ، وَالْقَبْضُ لاَ يَحْصُلُ إِلاَّ بِذَلِكَ  قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالي : (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ)  كَانَ يُوسُفُ - عليه السلام - هُوَ الَّذِي يَكِيلُ، وَكَذَلِكَ الْوَزَّانُ وَالْعَدَّادُ،  لأِنَّ  الرَّجُلَ إِذَا بَاعَ عِدَةً مَعْلُومَةً مِنْ طَعَامِهِ وَأَوْجَبَ الْعَقْدَ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبْرِزَهَا وَيُمَيِّزَ حَقَّ الْمُشْتَرِي مِنْ حَقِّهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ إِلاَّ بَعْدَ التَّوْفِيَةِ، وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْهُ قَبْلَ التَّوْفِيَةِ .

أَمَّا أُجْرَةُ كَيْلِ الثَّمَنِ وَمُؤْنَةِ إِحْضَارِهِ إِلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ إِذَا كَانَ غَائِبًا فَهِيَ عَلَى الْمُشْتَرِي لأِنَّهُ هُوَ الْمُكَلَّفُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ .

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعٌ ف 58).

اعْتِبَارُ الْكَيْلِ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا

5 - وَرَدَ النَّصُّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأْشْيَاءِ السِّتَّةِ الْوَارِدَةِ فِي قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ» .

وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: إِنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الأْجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ لِعِلَّةٍ، وَإِنَّ الْحُكْمَ بِالتَّحْرِيمِ يَتَعَدَّى إِلَى مَا تَثْبُتُ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي يَتَعَدَّى الْحُكْمُ بِهَا إِلَى سَائِرِ الأْجْنَاسِ. قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْعِلَّةُ هِيَ الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ، وَعُرِفَ الْجِنْسُ بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ» ،، وَعُرِفَ الْقَدْرُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مِثْلاً بِمِثْلٍ»، وَيُعْنَى بِالْقَدْرِ الْكَيْلُ فِيمَا يُكَالُ، وَالْوَزْنُ فِيمَا يُوزَنُ، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ  وَلِحَدِيثِ: «لاَ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ وَلاَ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ»  وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَكِيلٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مَطْعُومًا أَمْ غَيْرَ مَطْعُومٍ، فَحَرُمَ الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِيعَ بِجِنْسِهِ .

وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا قَالَهُ الْحَنَابِلَةُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عِنْدَهُمْ، قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَكُلُّ مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ مِنْ سَائِرِ الأْشْيَاءِ لاَ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ إِذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا .

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ ثَلاَثُ رِوَايَاتٍ أَشْهَرُهُنَّ أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ، وَعِلَّةُ الأْعْيَانِ الأْرْبَعَةِ  مَكِيلُ جِنْسٍ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ مَطْعُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ، وَلاَ يَجْرِي فِي مَطْعُومٍ لاَ يُكَالُ وَلاَ يُوزَنُ. ثُمَّ عُلِّلَ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ قَضِيَّةَ الْبَيْعِ الْمُسَاوَاةُ، وَالْمُؤَثِّرُ فِي تَحْقِيقِهَا الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَالْجِنْسُ، فَإِنَّ الْوَزْنَ أَوِ الْكَيْلَ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا صُورَةً، وَالْجِنْسُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا مَعْنًى، فَكَانَا عِلَّةً.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الأْثْمَانِ  الثَّمَنِيَّةُ وَفِيمَا عَدَاهَا كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ فَيَخْتَصُّ بِالْمَطْعُومَاتِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا عَدَاهَا.

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْعِلَّةُ فِيمَا عَدَا الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا، فَلاَ يَجْرِي الرِّبَا فِي مَطْعُومٍ لاَ يُكَالُ وَلاَ يُوزَنُ .

وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ.

وَأَمَّا فِي الْجَدِيدِ عِنْدَهُمْ فَالْعِلَّةُ فِي الأْجْنَاسِ الأْرْبَعَةِ  غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنَّهَا مَطْعُومَةٌ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَالْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا جِنْسَ الأْثْمَانِ  غَالِبًا .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْعِلَّةُ فِي النُّقُودِ غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ، أَوْ مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الطَّعَامِ فَالاِقْتِيَاتُ وَالاِدِّخَارُ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (رِبًا ف 21 - 25)

تَعْيِينُ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِالْكَيْلِ

6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَعْلُومًا مُبَيَّنًا بِمَا يَرْفَعُ الْجَهَالَةَ وَيَسُدُّ بَابَ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ تَسْلِيمِهِ، كَمَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِهِ  وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» .

وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمِقْدَارِ بِالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلاَتِ؟ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ:

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُشْتَرَطُ تَقْدِيرُ الْمَكِيلِ بِالْكَيْلِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ سَوَاءٌ بِالْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ  قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَكِيلاً فَأَعْلَمَ قَدْرَهُ بِالْوَزْنِ الْمَعْلُومِ، أَوْ كَانَ مَوْزُونًا فَأَعْلَمَ قَدْرَهُ بِالْكَيْلِ الْمَعْلُومِ جَازَ،  لأِنَّ  الشَّرْطَ كَوْنُهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ بِمِعْيَارٍ يُؤْمَنُ فَقْدُهُ وَقَدْ وُجِدَ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا بَاعَ الْمَكِيلَ بِالْمَكِيلِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ أَوْ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِالْمَوْزُونِ كَيْلاً بِكَيْلٍ مُتَسَاوِيًا فِي الْكَيْلِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مَا لَمْ يَتَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ،  لأِنَّ  شَرْطَ السَّلَمِ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ، وَالْعِلْمُ بِالْقَدْرِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْكَيْلِ يَحْصُلُ بِالْوَزْنِ.

فَأَمَّا شَرْطُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فِي الأْشْيَاءِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ فَثَبَتَ نَصًّا، فَكَانَ بَيْعُهَا بِالْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ مُجَازَفَةً فَلاَ يَجُوزُ .

وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ، لَكِنِ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ بَعْضَ الأْجْنَاسِ، فَلاَ يُسْلَمُ فِيهَا إِلاَّ بِالْوَزْنِ، قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَيَصِحُّ سَلَمُ الْمَكِيلِ وَزْنًا، وَعَكْسُهُ أَيِ الْمَوْزُونُ الَّذِي يَتَأَتَّى كَيْلُهُ كَيْلاً، وَحَمَلَ الإْمَامُ  إِطْلاَقَ الأْصْحَابِ جَوَازَ كَيْلِ الْمَوْزُونِ عَلَى مَا يُعَدُّ الْكَيْلُ فِي مِثْلِهِ ضَابِطًا، بِخِلاَفِ نَحْوِ فُتَاتِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ  لأِنَّ  لِلْقَدْرِ الْيَسِيرِ مِنْهُ مَالِيَّةً كَثِيرَةً وَالْكَيْلُ لاَ يُعَدُّ ضَابِطًا فِيهِ.

وَاسْتَثْنَى الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ النَّقْدَيْنِ أَيْضًا، فَلاَ يُسْلَمُ فِيهِمَا إِلاَّ بِالْوَزْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا فِيهِ خَطَرٌ فِي التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ عِلْمُ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِمِعْيَارِهِ الْعَادِيِّ فَلاَ يَصِحُّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُقَدَّرًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ . وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي جَوَازِ سَلَمِ الْمَكِيلِ وَزْنًا أَوْ بِالْعَكْسِ رِوَايَتَانِ:

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ أَسْلَمَ فِيمَا يُكَالُ وَزْنًا، أَوْ فِيمَا يُوزَنُ كَيْلاً فَنَقَلَ الأَْثْرَمُ أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ فِي التَّمْرِ وَزْنًا، فَقَالَ: لاَ، إِلاَّ كَيْلاً، قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ هَاهُنَا لاَ يَعْرِفُونَ الْكَيْلَ، قَالَ: وَإِنْ كَانُوا لاَ يَعْرِفُونَ الْكَيْلَ، فَيَحْتَمِلُ هَذَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ إِلاَّ كَيْلاً، وَلاَ فِي الْمَوْزُونِ إِلاَّ وَزْنًا. ثُمَّ نَقَلَ قَوْلَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّبَنِ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ السَّلَمِ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا، وَفِي الْمَوْزُونِ كَيْلاً،  لأِنَّ  اللَّبَنَ لاَ يَخْلُو مِنْ كَوْنِهِ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا، وَقَدْ أَجَازَ السَّلَمَ فِيهِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .

اشْتِرَاطُ الْكَيْلِ فِي بَيْعِ الْمَكِيلِ

7 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمَكِيلاَتِ قَبْلَ الْقَبْضِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: مَنِ اشْتَرَى مَكِيلاً مُكَايَلَةً أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً فَاكْتَالَهُ أَوِ اتَّزَنَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَلاَ أَنْ يَأْكُلَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ  « لأِنَّ  النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» .

وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ كَيْلَ الْمَبِيعِ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ فَقَالُوا: لَوْ بِيعَ الشَّيْءُ تَقْدِيرًا. كَحِنْطَةٍ كَيْلاً اشْتُرِطَ فِي قَبْضِهِ مَعَ النَّقْلِ كَيْلَهُ بِأَنْ يُكَالَ، وَذَلِكَ لِوُرُودِ النَّصِّ فِي قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ» ، قَالَ الشِّرْبِينِيُّ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحْصُلُ فِيهِ الْقَبْضُ إِلاَّ بِالْكَيْلِ. فَتَعَيَّنَ فِيمَا قُدِّرَ بِكَيْلٍ الْكَيْلُ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَخْبَرَهُ الْبَائِعُ بِكَيْلِهِ ثُمَّ بَاعَهُ بِذَلِكَ الْكَيْلِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَلَوْ كَانَ طَعَامًا وَآخَرُ يُشَاهِدُهُ فَلِمَنْ شَاهَدَ الْكَيْلَ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ ثَانٍ، لأِنَّهُ شَاهَدَ كَيْلَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ كِيلَ لَهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى كَيْلٍ لِلْخَبَرِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاوثون  ، الصفحة /  238

الْمَحَلُّ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ :

10 - مَحَلُّ الْعَقْدِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَتَظْهَرُ فِيهِ أَحْكَامُهُ وَآثَارُهُ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْعُقُودِ فَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ عَيْنًا مَالِيَّةً كَالْمَبِيعِ وَالْمَوْهُوبِ وَالْمَرْهُونِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ عَمَلاً كَعَمَلِ الأْجِيرِ  وَالزَّارِعِ وَالْوَكِيلِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْفَعَةً كَمَنْفَعَةِ الْمَأْجُورِ وَالْمُسْتَعَارِ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالْكَفَالَةِ وَنَحْوِهَا.

وَلِلْمَحَلِّ شُرُوطٌ مُخْتَلِفَةٌ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (عَقْدٌ ف 33 - 42).

أَثَرُ فَوَاتِ الْمَحَلِّ

11 - يَتَرَتَّبُ عَلَى فَوَاتِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ بُطْلاَنُهُ أَوِ الضَّمَانُ، وَلِذَلِكَ فُرُوعٌ وَأَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحَاتِ: (بَيْعٌ ف 59). و (عَقْدٌ ف 60) وَ (فَسْخٌ ف 17) و (ضَمَانٌ ف 19 وَمَا بَعْدَهَا).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والثلاوثون  ، الصفحة / 201

مَعْدُومٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - تَعْرِيفُ الْمَعْدُومِ لُغَةً: الْمَفْقُودُ، يُقَالُ: عَدِمْتُهُ عَدَمًا مِنْ بَابِ تَعِبَ: فَقَدْتُهُ وَالاِسْمُ: الْعَدَمُ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ، قَالَ الْبَرَكَتِيُّ: الْعَدَمُ مَا يُقَابِلُ الْوُجُودَ .

الأْحْكَامُ  الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَعْدُومِ:

يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

أ - بَيْعُ الْمَعْدُومِ

2 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمَعْدُومِ، وَأَنَّهُ لاَ يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَمَا لَهُ خَطَرُ الْعَدَمِ، وَاشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَوْجُودًا حِينَ الْعَقْدِ (أَيْ غَيْرَ مَعْدُومٍ). وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ حَالاَتٍ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا).

ب - الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْدُومِ:

3 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْدُومِ مُطْلَقًا، لأِنَّهُ يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْدُومِ إِذَا كَانَ قَابِلاً لِلتَّمْلِيكِ بِعِقْدٍ مِنَ الْعُقُودِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا تُثْمِرُ نَخِيلُهُ الْعَامَ تَجُوزُ وَإِنْ  كَانَ الْمُوصَى بِهِ مَعْدُومًا، لأِنَّهُ يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصِي بِعَقْدِ الْمُعَامَلَةِ. وَالْوَصِيَّةُ بِمَا تَلِدُ أَغْنَامُهُ لاَ تَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، لأِنَّهُ لاَ يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصِي بِعَقْدٍ مِنَ الْعُقُودِ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (وَصِيَّةٌ)

ج - الْوَصِيَّةُ لِلْمَعْدُومِ:

4 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَعْدُومِ بَاطِلَةٌ وَلاَ تَصِحُّ، لأِنَّ  مِنْ شَرْطِ الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَيُتَصَوَّرُ الْمِلْكُ لَهُ، فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِحَمْلٍ فِي بَطْنِ أُمِّهِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَعْدُومِ جَائِزَةٌ، وَهُوَ أَنْ يُوصِيَ لِمَيِّتٍ عَلِمَ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ حِينَ الْوَصِيَّةِ، وَتُصْرَفُ فِي وَفَاءِ دُيُونِهِ ثُمَّ لِوَارِثِهِ، فَإِنْ  لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بَطَلَتْ وَلاَ يُعْطَى لِبَيْتِ الْمَالِ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (وَصِيَّةٌ).

د - هِبَةُ الْمَعْدُومِ:

5 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ هِبَةُ الْمَعْدُومِ لأِنَّ  مِنْ شَرْطِ الْمَوْهُوبِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْهِبَةِ، مِثْلَ أَنْ يَهَبَ مَا يُثْمِرُ نَخْلُهُ هَذَا الْعَامَ أَوْ مَا تَلِدُ أَغْنَامُهُ هَذِهِ السَّنَةَ، لأِنَّهُ تَمْلِيكٌ لِمَعْدُومِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ بَاطِلاً .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جِوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ الْمُتَوَقَّعِ الْوُجُودِ، كَالْعَبْدِ الآْبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَالثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلاَحِ .

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلاَ خِلاَفَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جِوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ الْمُتَوَقَّعِ الْوُجُودِ، وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ جِهَةِ الْغَرَرِ  (أَيْ لاَ تَأْثِيرَ لِلْغَرَرِ عَلَى صِحَّةِ الْهِبَةِ).

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (هِبَةٌ).

هـ - الْخُلْعُ بِالْمَعْدُومِ:

6 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ الْخُلْعِ بِالْمَجْهُولِ وَبِالْمَعْدُومِ إِذَا كَانَ عِوَضُ الْخُلْعِ مُشْتَمِلاً عَلَى غَرَرٍ، أَوْ مَعْدُومٍ يُنْتَظَرُ وُجُودُهُ، كَجَنِينٍ فِي بَطْنِ حَيَوَانٍ تَمْلِكُهُ الزَّوْجَةُ، أَوْ كَانَ مَجْهُولاً كَأَحَدِ فَرَسَيْنِ، أَوْ غَيْرَ مَوْصُوفٍ مِنْ عِوَضٍ أَوْ حَيَوَانٍ وَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا عَلَى تَفْصِيلٍ فِي مُصْطَلَحِ (خُلْعٌ ف 26).

و - الإِجَارَةُ  عَلَى مَعْدُومٍ:

7 - اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جِوَازِ الإْجَارَةِ عَلَى مَعْدُومٍ لأِنَّ  الْحَاجَةَ إِلَى الْمَنَافِعِ كَالْحَاجَةِ إِلَى الأْعْيَانِ، فَلَمَّا جَازَ الْعَقْدُ عَلَى الأْعْيَانِ وَجَبَ أَنْ تَجُوزَ الإِجَارَةُ  عَلَى الْمَنَافِعِ، وَلاَ يَخْفَى مَا بِالنَّاسِ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ .

وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَةٌ ف 26 وَمَا بَعْدَهَا).

__________________________________________________________________

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 209)
يلزم لصحة عقد المعاوضات المالية من الجانبين أن يكون كل من البدلين معيناً تعييناً نافياً للجهالة الفاحشة سواء كان تعيينه بالإشارة إليه أو إلى مكانه الخاص أن كان موجوداً وقت العقد أو ببيان وصفه مع بيان مقداره إن كان من المقدورات أو بنحو ذلك مما تنتفي به الجهالة الفاحشة ولا يكتفي بذكر الجنس عن القدر والوصف.