loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 241

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- ترد أسباب البطلان المطلق إلى تخلف ركن من أركان العقد : كعدم توافر الأهلية إطلاقاً ، بفقدان التميز وإنعدام الإرادة تفريعاً على ذلك أو انتفاء الرضاء أو عدم وجود المحل حقيقة أو حكماً وغني عن البيان أن تخلف ركن من أركان العقد ، في حكم الواقع أو حكم القانون ، بحول دون انعقاده أو وجوده وهذا هو ما يقصد بالبطلان المطلق .

2- أما البطلان النسي فهو يفترض قيام العقد أو وجوده من حيث توافر أركانه ولكن ركناً من أركانه هو الرضاء ، يفسد بسبب عيب يداخله ، أو بسبب نقص أهلية أحد العاقدين ولذلك يكون العقد قابلاً للبطلان بمعنى أنه يطل إذا طلب ذلك من شرع البطلان لمصلحته : وهو من داخل رضاءه العيب ، أو من لم تكتمل أهليته ومن الجلى أن قابلية العقد للبطلان إنما تمثل العقد في مرحلتين متتابعتين : الأولى مرحلة الصحة و ينتج فيها العقد جميع آثاره، والثانية مرحلة البطلان ، ويعتبر العقد فيها باطلاً لا حكم له من وقت نشوئه، فلیست ثمة مراحل ثلاث : الصحة وقابلية البطلان والبطلان ، وإنما توجد مرحلتان : الصحة والبطلان.

 3 - وقد يقرر البطلان المطلق أو النسبي بمقتضى نص خاص في القانون ، كما مر الشأن في أحكام المادتين 631 و 632 من المشروع، إذ تنص أولى هاتين المادتين على بطلان رهن الحيازة في العقار بطلاناً مطلقاً إذا جعل من بيع الوفاء عقده ساتر له فرغم أن الصورية لا تعتبر بمجردها سبباً للبطلان ، طبقا للقواعد العامة، إلا أن القانون قد قصد إلى تحريمها في هذه الحالة بالذات وجعل من النهي أمراً يتعلق بالنظام العام و أقام البطلان جزاء الخروج عليه أما المادة الثانية فتتضمن صورة من صور البطلان القسي الذي ينشأ بنص خاص ، إذ تقضى بطلان بيع ملك الغير وقابلية البيع للبطلان في هذه الحالة لا ترد إلى عيب في الرضاء أو نقص في الأهلية ولكن القانون يخول المشتري حق التمسك بالبطلان ، إزاء ما هو ملحوظ من أن البائع يمتنع عليه أن يدلى لغيره بحق الملك فيما لا يملك .

4 - وتظهر أهمية التفريق بين البطلان المطلق والبطلان النسبي من وجوه :

(1) فما دام البطلان المطلق يستتبع اعتبار العقد معدوماً - وليس ثمة محل للتفريق بين العقد الباطل والعقد المعدوم - فيجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان ولو لم يكن طرفاً في التعاقد ، المستأجر مثلاً في حالة بطلان بيع الشيء المؤجر بطلاناً مطلقاً ، بل ويجوز للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه أما البطلان النسي فلا يجوز أن يتمسك به إلا طرف من أطراف التعاقد هو الطرف الذي يشرع البطلان لمصلحته ، ويكون من واجبه أن يقيم الدليل على توافر سببه .

على أن التمسك بهذا البطلان لا يستلزم الترافع إلى القضاء ، بل يكفي في ذلك ، وفقاً لما استحدث المشروع من أحكام نقلها عن التقنين الألماني، تصریح يعلن إلى العاقد الآخر إعلاناً رسمياً، وعلى هذا العاقد أن يرفع الأمر إلى القضاء إذا أراد المنازعة في قيام البطلان .

بيد أن عبء إثبات البطلان يقع دائما على عاتق من يتمسك به ، وتتبع القاعدة نفسها ، بل ويكون اتباعها أولى فيما يتعلق بالبطلان المطلق فإذا حكم بالبطلان المطلق أو النسي استند أثره، واعتبر العقد باطلاً من وقت نشوئه ، دون أن يعل ذاك ما يكون الغير حسن النية قد اكتسب من حقوق عقارية ، سجلت قبل تسجيل إعلان التصريح بالبطلان في حالة البطلان النسبي، ويلتزم كل من المتعاقدين بأن يرد ما تسلمه بمقتضى العقد ويستثنى من هذه القاعدة حالتان : أولاهما حالة ناقص الأهلية فهو لا يسأل عن الرد إلا وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب والثانية حالة وفاء أحد المتعاقدين بإلتزام في عقد باطل لسبب مخالفته للآداب فلا يجوز لمثل هذا المتعاقد أن يسترد ما أدى إذا نسب إليه ما يخالف الأداب ، وعلى هذا النحو أبان المشروع وجه الحكم في مسألة أثير بشأنها خلاف شدید ( أنظر المادتين 1305 و 1306 من التقنين الأسباني ، والمادة 962 من التقنين البرتغالي ، والمادة 27 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، والمادتين 77 و 72 من التقنيين التونسي و المراكشي ، والمادة 817 من التقنين الألماني ، والمادة 66 من تقنين الالتزامات السويسري ، والمادة 132 من التقنين البولوني ، والمادة 971 من التقنين البرازيلى ، والمادة 180 من التقنين الصيني، والمادة 147 من التقنين السوفيتي ).

(ب) وما دام البطلان المطلق يستتبع اعتبار العقد معدوماً ، فلا يتصور إطلاقاً أن ترد عليه الإجازة و يختلف عن ذلك حكم العقود القابلة للبطلان فهی تصحح الإجازة ، ولو كانت ضمنية ، بشرط أن توافر شروط صحتها وقت الإجازة ( كبلوغ المتعاقد القاصر سن الرشد وقت الإجازة مثلاً) وأن تكون الإجازة ذاتها منزهة عن العيب ، إذ ينبغي أن تستكمل ما يلزم من الشروط لصحتها باعتبارها تصرفاً قانونياً وإذا كان أثر الإجازة يستند ، أو ينعطف على الماضي ، إلا أنها لا تضر بحقوق الغير فلا تضر الإجازة مثلاً من يشتري عقاراً كان قد سبق لمالكه بیعه ، إذا كان الشراء قد تم بعد صدور البيع الأول وقبل إجازة هذا البيع ولما كان التدليس والإكراه من قبل الأفعال الضارة التي تلحق بها صفة التقصير المدني ، فيظل مرتكبهما مسئولاً عما وقع منه بمقتضى القواعد العامة ، رغم إجازة العاقد الآخر التعاقد ، ما لم تنطو الإجازة على إسقاط هذه المسئولية .

(ج) و مادام العقد المطلق البطلان معدومة ، أو غير موجود، فلا يتصور أن يرد عليه التقادم وعلى النقيض من ذلك بعدم البطلان النسبي بإنقضاء خمس عشرة سنة من تاريخ إنشاء العقد، أو بانقضاء ثلاث سنوات من تاريخ زوال نقص الأهلية ، أو تبين الغلط أو التدليس أو انقطاع سلطان الإكراه .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 201 من المشروع.

واقترح تحويرها تحويرا لفظيا لتجنب استعمال ألفاظ البطلان المطلق والبطلان النسبي واقترح أحد الأعضاء حذف الفقرة الثالثة لأنها لا تتمشى مع منطق البطلان .

فوافقت اللجنة على ذلك وأصبح النص النهائي كما يأتي :

1- في حالتي إبطال العقد وبطلانه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فإذا كان ذلك مستحيلاً جاز الحكم بتعويض معادل .

2 - ومع ذلك لا يلزم ناقص الأهلية إذا أبطل العقد لنقص أهليته أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد.

وأصبح رقم المادة 146 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

 وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 146 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

وافقت اللجنة على المادة دون تعديل وأصبح رقمها 142 .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة دون تعديل .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 198 من المشروع، واقترح تحرير النص تحريراً لفظياً لوحظ فيه توخي الدقة في التعبير عن المعنى فوافقت اللجنة وأصبح النص كما يأتي :

1- حق إبطال العقد يزول بالإجازة الصريحة أو الضمنية ، وتتحقق الإجازة على الأخص إذا كان من له حق الإبطال قد نفذ العقد مختارة وهو على بينة من الأمر ويشترط لإجازة العقد أن يتوافر فيه وقت الإجازة الشروط اللازمة لصحته وأن تكون الإجازة ذاتها خالية من كل عيب .

2- وتستند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد دون إخلال بحقوق الغير وأصبح رقم المادة 143 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

 وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 143 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة الحادية عشرة

تليت المادة 143 وهذا نصها :

1- حق إبطال العقد يزول بالإجازة الصريحة أو الضمنية وتتحقق الإجازة على الأخص إذا كان من له حق الإبطال قد نفذ العقد مختاراً و هو على بينة من الأمر ويشترط لإجازة العقد أن يتوافر فيه وقت الإجازة الشروط اللازمة لصحته وأن تكون الإجازة ذاتها خالية من كل عيب .

2- وتستند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد دون إخلال بحقوق الغير .

قررت هذه المادة في الفقرة الأولى قاعدة عامة وهي أن حق إبطال العقد يزول بالإجازة الصريحة أو الضمنية وأوردت تطبيقاً لها بتحصل في أن الإجازة تتحقق على الأخص إذا كان من له حق الإبطال قد نفذ العقد مختارة وهو على بينة من الأمر.

وقد أثار هذا التطبيق اعتراض اللجنة إذ رأت عدم لزومه لأن في القاعدة العامة الكفاية فهي تمكن القاضي من تطبيقها في كل مسألة بحسب ظروفها .

وقد اقترح سعادة الرئيس الاقتصار على هذه القاعدة العامة و حذف باقي الفقرة الأولى وأيده في ذلك باقی حضرات الأعضاء .

وردت الحكومة على هذا الإعتراض بأن المشروع يلجأ أحياناً إلى ذكر التطبيق في المسائل التي تكون مهمة أو خفية ولا ضرر من الإبقاء على هذا الجزء من الفقرة الأولى .

ثم انتقلت اللجنة إلى الجزء الباقي من الفقرة وهي التي تتكلم عن شروط الإجازة من حيث خلوها من كل عيب ومن حيث توفر الشروط اللازمة لصحة العقد عند الإجازة .

فتساءل حضرات الأعضاء عن العيوب التي ترد على الإجازة فأجابت الحكومة بألا تكون نتيجة إكراه أو غلط ، ولأن الإجازة هي في الواقع تصرف إرادى فيجب أن تكون خالية من كل عيب .

أما اشتراط صحة العقد وقت الإجازة فلا لزوم لذكره لأنه من القواعد العامة فالإجازة لا تلحق إلا العقد الصحيح هذا كان رأى حضرات الأعضاء ، ولكن الحكومة بينت للجنة أن المقصود بذلك أن إجازة العقد لسبب من الأسباب لاتمنع من طلب البطلان إذا تكشف عن سبب آخر.

فقيل للنائبين عن الحكومة إن القاضي يمكنه أن يتبين إذا كانت الإجازة شاملة أو قاصرة ومع ذلك فستضمن اللجنة في تقريرها , أن المفهوم من هذا النص أنه أريد به ألا تكون الإجازة مصححة لكل عيوب العقد وإنما تقتصر آثارها على العيب الذي أريد إجازته دون الإخلال بحق التمسك بالبطلان لعيب آخر غير الذي صحيح بالإجازة ، ومن رأى اللجنة أن المسألة لا تحتاج إلى نص وإنما يرجع فيها إلى القواعد العامة في قصر الرضا على ماقصد منه .

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على ذلك وعلى أن تكون الفقرة الأولى من المادة كما يأتي :

يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية .

وبعد ذلك انتقلت اللجنة إلى الفقرة الثانية من المادة فانتقدها سعادة الرئيس وتساءل كيف تخل الإجازة بحقوق الغير .

فأجاب الدكتور بغدادی أن ذلك يتحقق في حالة شخص باع منزله مرتين مثلاً ورأى إجازة العقد الأول من البطلان فالمشتري الثاني تجب حمايته لأن التصرف الثاني يعتبر بمثابة تنازل عن حق الإجازة ولذلك يجب عدم نفاذ الإجازة في حق المشتري الثاني .

فعاد الرئيس وقال إن في تقرير هذه القاعدة إخلالاً بحقوق الشخص حسن النية .

وبعد مناقشة تقرر إرجاء البيت في هذه الفقرة إلى الجلسة القادمة .

محضر الجلسة الثانية عشرة

انتقلت اللجنة إلى متابعة مناقشة الفقرة الثانية من المادة 143 التي لم تنته منها في الجلسة الماضية فقال سعادة علوية باشا إن هذه الفقرة واجبة لأن الغرض منها حماية حسني النية وقد ایده سعادة العشماوي باشا قائلاً : إنه هذه الفقرة تحمی التصرفات الصحيحة بعد زوال العيوب فإذا لم تحر يكون الموقف عجيبة ورأى سعادته أن القاصر متى أجاز التصرف ينفذ العقد .

اعترض سعادة حلمي عيسى باشا على بقاء الفقرة قائلاً إذا فرضنا أن قاصراً باع ملكاً لزيد و بعد أن بلغ رشده باعه لبكر ثم بعد ذلك أجاز البيع لزيد فما دامت الإجازة ترجع إلى تاريخ البيع تزيد فليس البكر الحق مطلقاً في مطالبة المشتري الأول الذي أجيز بيعه لأنه إذا كان هناك خطأ فهو واقع من جانب البائع أما المشترى الأول فلا ينسب إليه خطأ بعد إجازة عقده وجواز هذا التصحيح قانوناً ، هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا كان التصرف الذي أبرمه وهو بالغ رهنا فالرهن يتبع العين ولا يجوز في رأي أن يتبع العين في هذه الحالة ولا يؤاخذ به المشتري زيد الذي صحح عقده بالإجازة طبقاً لأحكام القانون والاعتراض الآخر الذي يقوم في ذهن سعادته أنه مع بقاء الفقرة الخاصة بعدم الإخلال بحقوق الغير بعد قبول مبدأ جعل الإجازة تستند إلى تاريخ العقد فيه إباحة لتصرفين من شخص بالغ رشید وهذا يخالف أحكام قانون العقوبات التي تنص على عقاب من يبيع مرتين .

فعاد سعادة علوية باشا إلى تأيد فكرته قائلاً إن العقد الصادر من القاصر وقت أن كان قاصراً إما أن تحكم المحاكم بصحته دون تدخل من القاصر وإما أن يجيزه ذلك القاصر فالصحة هنا لحقت العقد من طريق الإجازة .

واستطرد سعادته فقال إن الوضع الذي تعالجه المادة يطبق عملياً ولا شائباً فيه .

من الناحية القانونية فالقاصر الذي بيع لزيد ويكون معروفاً لدى الكافة أنه قاصر له الحق المطلق في إبطال هذا العقد عند بلوغه سن الرشد وله الحق في إظهار هذه الرغبة بالبيع لعمرو ولا يمكن الطعن على هذا البيع الأخير بتواطؤ القاصر مع عمرو ذلك لأن القانون أعطاه هذا الحق وإذا فرض مع وجود هذا الحق للقاصر أنه لم يبيع عقاره لعمرو بل رهنه له بعقد مسجل ثم أجاز تصرفه السابق لزيد فإن صحة هذا التصرف تستند إلى الإجازة ولا تستند إلى العقد غير أن الإجازة هنا نكون باطلة لإنتفاء محلها ومع ذلك فإن لها أثر رجعية بين القاصر وزيد الذي يعتبر مالكاً للعقار بالإجازة من يوم العقد .

وذكر سعادته أيضاً أنه إذا فرض وباع القاصر عقاره مرة ثانية بيعاً باتاً بعد بلوغه سن الرشد عوضاً عن رهنه و وضع المشتري الثاني يده على العقار وانتفع به فاللمشترى الأول الحق في المطالبة بالريع وأنهى سعادته من ذلك إلى القول بوجوب بقاء الفقرة الثانية .

قرار اللجنة :

وأخيراً أخذ الرأي فوافقت أغلبية اللجنة على بقاء الفقرة الثانية وكان من رأى معالی حلی علي باشا حذف عبارة ، دون إخلال بحقوق الغير ، وأما سعادة الرئيس فكان من رأيه استبدال عبارة ، دون إخلال بالحقوق الأخرى بعبارة دون إخلال بحقوق الغير.

تقرير اللجنة :

حذفت من الفقرة الثانية عبارة , و تتحقق الإجازة على الأخص ... ، إلى آخر ما جاء في هذه الفقرة بإعتبار أن في القواعد العامة ما يغني عن إيرادها .

وأصبح رقم المادة 139 .

محضر الجلسة الثانية والستين

يقترح حضرات مستشارى محكمة النقض والإبرام أن يضاف إلى الفقرة الأولى من المادة 139 ما يأتي : ويشترط في الإجازة أن تكون خالية من العيوب التي شابت العقد و صادرة عن بينة .

قرار اللجنة :

لم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح لأن في القواعد العامة ما يغني عن مثل هذه الإضافة دون أن يكون هناك محل الاختلاف في التفسير أو التأويل .

ملحق تقرير اللجنة :

اقترح أن يضاف إلى الفقرة الأولى النص الآتي :

ويشترط في الإجازة أن تكون خالية من العيوب التي شابت العقد وصادرة عن بينة .

ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح الأن في القواعد العامة ما يغني عن مثل هذه الإضافة دون أن يكون هناك محل الاختلاف في التفسير أو التأويل .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة التي أقرتها اللجنة .

الأحكام

1- النص فى الفقرة الأولى من المادة 139 من القانون المدنى على أن " يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية " وفى الفقرة الأولى من المادة 141 من القانون ذاته على أن " إذا كان العقد باطلاً جاز لكل ذى مصلحة أن يتمسك بالبطلان وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها ولا يزول البطلان بالإجازة " مفاده أنه إذا كان القانون هو الذى يرتب جزاء بطلان التصرفات أو قابليتها للإبطال ، وكانت الإجازة المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادتين سالفتى الذكر التى يزول بها حق الإبطال ولكنها لا تجدى فى إزالة البطلان المطلق إنما هو ذلك الإقرار الصريح أو الضمنى الذى يصدر ممن يحاج بهذا التصرف المعيب بما يفيد قبوله الالتزام بأثاره رغم قيام السبب المخل بصحته .

(الطعن رقم 9263 لسنة 66 جلسة 1998/10/20 س 49 ع 2 ص 616 ق 150)

2- مفاد نص المادتين 39 و 78 من المرسوم بقانون ر قم 119 لسنة 1952 فى شأن الولاية على المال أن القيم على المحجور عليه شأنه شأن الوصى على القاصر لا يملك إجازة العقد " عقد البيع " القابل للإبطال ضمناً ، لأن هذه الإجازة بإعتبارها من أعمال التصرف لا تكون إلا بناء على إذن من محكمة الأحوال الشخصية للولاية على المال ، لما كان ذلك ، و كان البين من الحكم المطعون فيه أنه ... إعتبر سكوت الطاعن " القيم " مدة طويلة عن طلب إبطال العقد الصادر من محجوره بمثابة إجازة ضمنية له ، فإنه يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 1261 لسنة 52 جلسة 1987/01/14 س 38 ع 1 ص 98 ق 26)

3- إذ كان البين من حكم محكمة أول درجة أن الطاعن تنازل عن طلب بطلان عقد الإيجار الذى أبرمه وكيله و إقتصر على طلب المتأخر من الأجرة ، فإن إثارته لهذا الدفاع يعتبر سبباً جديداً لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 969 لسنة 44 جلسة 1978/03/15 س 29 ع 1 ص 762 ق 150)

4- إنه و إن كانت المادة 139 /1 من القانون المدنى تقضى بأن يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية ، إلا أنه لما كان من المقرر فى قضاء محكمة النقض ، أن عبء إثبات إجازة عقد قابل للإبطال ، إنما يقع على عاتق مدعى الإجازة و إذ لم يقدم الطاعنون ما يدل على تمسكهم بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع ، و إغفالها تحقيقه فإنه لا يقبل منهم إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 189 لسنة 37 جلسة 1972/02/15 س 23 ع 1 ص 162 ق 25)

5- إذا كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر عقد المقايضة الذي عقدته الوصية بدون إذن المحكمة الحسبية هو عقد باطل بطلاناً نسبياً يصح بإجازة القاصر بعد بلوغه سن الرشد وجعل الإجازة تستند إلى التاريخ الذي تم فيه العقد فإنه يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح.

(الطعن رقم 107 لسنة 30 جلسة 1965/01/21 س 16 ع 1 ص 73 ق 12)

6- إجازة العقد قد تكون صريحة أو ضمنية، ومن ثم فلا تثريب على محكمة الموضوع إذا استخلصت - فى حدود سلطتها الموضوعية استخلاصاً سائغاً من وقائع الدعوى ومستنداتها - إجازة الطاعنة لعقد القسمة إجازة ضمنية بعد بلوغها سن الرشد من توقيعها كشاهدة على عقود البيع الصادرة من بعض المتقاسمين الآخرين والمشار فيها إلى أن أصل التمليك يرجع إلى عقد القسمة المذكور وبالتالي لا تعدو المجادلة فى ذلك أن تكون جدلاً موضوعياً لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.

(الطعن رقم 449 لسنة 26 جلسة 1962/05/03 س 13 ع 1 ص 595 ق 89)

7- متى كان القاصر بعد أن بلغ سن الرشد قدم مذكرة تتضمن موافقته على الحكم الابتدائى القاضى برد العين المبيعة وفائيا إليه وإلى باقى الورثة و بطلب تأييده فانه يكون غير منتج التمسك بأن الوصى قد طلب الاسترداد باسم القاصر و هو لايملك هذا الحق إذ فى موافقة القاصر على الحكم اجازة لعمل الوصى .

(الطعن رقم 123 لسنة 21 جلسة 1954/12/02 س 6 ع 1 ص 199 ق 26)

8- إن عبء إثبات إجازة عقد قابل للابطال إنما يقع على عاتق مدعى الإجازة . و إذن فمتى كان الطاعن قد ادعى أن مورث المطعون عليها قد أجاز بعد بلوغه سن الرشد عقد البيع الذى عقده وهو قاصر فإن الحكم المطعون فيه إذ ألقى عليه عبء إثبات هذه الواقعة لا يكون قد خالف قواعد الإثبات .

(الطعن رقم 36 لسنة 21 جلسة 1953/11/26 س 5 ع 1 ص 203 ق 28)

9- الإجازة التى تصحح العقد القابل للابطال هى التى تصدر ممن يملكها و هو عالم بالعيب الذى يشوب العقد و أن يكون قاصداً إجازتة . و إذن فمتى كان الثابت من الأوراق أن الطاعن لم يدع صدور إجازة مستكملة لهذه الشروط القانونية بل اكتفى بالقول بأن مجرد توقيع المطعون عليها الأولى على محضر الجرد يفيد إجازتها للعقد الصادر من مورثها بصفتها الشخصية و بصفتها وصية على ابنتها القاصر ، و كان تمسك الطاعن بالإجازة استنادا إلى هذه الواقعة غير منتج ذلك أن المطعون عليها ما كانت تملك إجازة العقد بصفتها وصية دون إذن من المجلس الحسبى كما أن مجرد توقيعها على محضر الجرد لا يفيد أنها كانت تعلم بأن العقد الصادر من مورثها صدر منه وهو قاصر و أنها أرادت من التوقيع إسقاط حقها فى الطعن على العقد ، فان الحكم المطعون فيه إذلم يتعرض لبحث هذا الدفاع لا يكون باطلا .

(الطعن رقم 36 لسنة 21 جلسة 1953/11/26 س 5 ع 1 ص 203 ق 28)

10- الإجازة تصرف قانونى يتضمن إسقاطاً لحق فلا يملكها من كان ناقص الأهلية . و إذن فمتى كان الحكم إذ إعتبر إجازة القاصر للبيع الصادر منه منعدمة الأثر قانوناً قد أقام قضاءه على أن هذه الإجازة إنما صدرت من القاصر بعد قرار المجلس الحسبى بإستمرار الوصاية عليه ، فإن النعى على الحكم الخطأ فى تطبيق القانون يكون غير صحيح و لا محل للتحدى بعدم نشر قرار إستمرار الوصاية فى الجريدة الرسمية وفقاً لما كانت تقضى به المادة 30 من اللائحة التنفيذية لقانون المجالس الحسبية ، إذ ليس من شأن إغفال النشر أن يكون لمن صدرت لمصلحته الإجازة أن يدعى صحتها : أولاً - لأن الإجازة ، و هى إسقاط لحق تصرف من جانب واحد لا يشارك فيه الغير فليس له التحدى بنصوص يدعى أنها وضعت لحماية الغير فى التعامل . و ثانياً - لأن قرارات المجالس الحسبية الصادرة فى ظل المرسوم بقانون الصادر فى 13 من أكتوبر سنة 1925 بالحجر أو بإستمرار الوصاية تحد من أهلية المحجور بمجرد صدورها و لا يتراخى هذا الأثر قبل الغير حتى يقوم الوصى أو القيم بنشر إقرار فى الجريدة الرسمية وفقاً لما يفرضه نص المادة 30 من القرار الوزارى الصادر فى 24 من نوفمبر 1925

(الطعن رقم 197 لسنة 18 جلسة 1951/02/01 س 2 ع 2 ص 289 ق 55)

11- وحيث إن من المقرر وفقاً لنص المادة 139 من القانون المدنى -وحكمها قاعدة عامة فى شأن العقد القابل للإبطال - أن حق إبطال العقد يزول بالإجازة صريحة كانت أم ضمنية . وتستند الإجازة دوما إلى التاريخ الذى تم فيه العقد دون إخلال بحقوق الغير. وإذ كان من المقرر أن الإجازة الصادرة ممن يملكها تصح ولو لم يقترن قبول بها، إذ تعد تصرفاً قانونياً منفرداً صادراً من قبل من تقرر البطلان لمصلحته. ولا يجوز الرجوع فيها بالتالى بادعاء أن هذا القبول لم يصدر بعد. وبها يستقر وجود العقد بصورة نهائية بعد أن كان مهدداً بالزوال. وهى تلحق العقد القابل للإبطال لأن وجوده قانوناً لا شبهة فيه ما دام بطلانه لم يتقرر بعد. ويدل عليها كل عمل يفيد معناها، ويكون كاشفاً عن دلالتها، إذا صدر ممن يملكها فى شأن عقد قائم، وكان عالماً بما داخل هذا العقد من عيوب قاصداً التجاوز عنها. بما مؤداه أن دعواه بإبطال العقد، تكون مفتقرة إلى أساسها منافية لمقاصدها، إذا أتى عملاً يدل صراحة أو ضمناً على أنه أجازه، ذلك أن هذه الإجازة هى التى تزيل قابليته للإبطال، وهى التى ينقلب بها العقد صحيحاً على الدوام بعد أن كان وجوده قلقاً، وإن كان ذلك لا يخل بالحقوق التى كفلها القانون للغير . ذلك ان العقد يظل- حتى مع هذه الاجازة - وعلى ما تقضى به الفقرة الثانية من المادة 466 من القانون المدنى -غير نافذ فى حق المالك الحقيقى للعين، باعتبار أن بطلان العقد وإن كان يزول بالإجازة ، إلا أن الآثار التى تتولد عن عدم سريان هذا العقد فى حق مالكها، لا يزيلها إلا إقراره إعمال ذلك العقد إنفاذاً لمحتواه.

( الدعوى 4 لسنة 15 - تنازع - المحكمة الدستورية العليا جلسة 3 / 12 / 1994 )

شرح خبراء القانون

إجازة العقد القابل للإبطال :

تنص الفقرة الأولى من المادة على أن: "يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية".

فالعقد القابل للإبطال هو الذي تصح إجازته، لأنه عقد موجود قانوناً منتج لكل آثاره، فلا فارق بينه وبين العقد الصحيح إلا في أن العاقد الذي شرع الإبطال لمصلحته يستطيع أن يطلب إبطاله.

- تعريف الإجازة :

الإجازة هي النزول عن الحق في طلب إبطال العقد وهي يملكها من شرع الإبطال لمصلحته، لأنه هو صاحب الحق في التمسك بالإبطال، فهو الذي يملك النزول عنه ويترتب عليها أن يزول الخطر الذي كان يهدد العقد بالزوال، فاستقر العقد نهائياً ويعتبر كأنه خال من كل شائبة.

الإجازة تصرف من جانب واحد :

الإجازة تصرف قانونى من جانب واحد، فالأمر لا يحتاج فيها إلى قبول من الطرف الآخر، بل هي تحدث أثرها بمجرد صدورها ودون توقف على وصول التعبير إلى علم العاقد الآخر، لأن التعبير عنا غير واجب التسليم .

كما أنه لا يمكن الرجوع فيها.

التمييز بين الإجازة والإقرار :

يجب التمييز بين الإجازة وبين وضع آخر كثيراً ما يخلط بينهما هو الإقرار فالإقرار هو تصرف قانونى من جانب واحد كذلك إلا أنه يصدر من أجنبي عن العقد، وبه يضيف الأجنبي أثر العقد إلى نفسه بعد أن كان لا يتعدى إليه ومثله إقرار الموكل لمجاوزة الوكيل حدود وكالته وإقرار المتعهد عنه للتعهد .

توافر سائر شروط التصرف في الإجازة:

لما كانت الإجازة تصرفاً قانونياً فإنه يلزم أن يتوافر فيها سائر شروط التصرف، ومن بينها زوال العيب الذي لحق العقد وقت الإجازة، وإلا لوقعت معيبة هي الأخرى. 

فالعقد القابل للإبطال لنقص أهلية أحد الطرفين لا تلحقه الإجازة إلا بعد زوال العلة التي من أجلها تقرر الإبطال ألا وهو نقص الأهلية والإجازة الصادرة من المتعاقد قبل استكماله للأهلية تنعقد قابلة للإبطال شأنها في هذا شأن العقد الذي وقعت عليه الإجازة ولكي تكون الإجازة صحيحة يجب أن تقع بعد استكمال الأهلية.

وكذلك الحال في العقد القابل للإبطال بسبب الغلط أو التدليس أو الإكراه، لا تلحقه الإجازة إلا بعد ارتفاع الوهم الذي قام في ذهن المتعاقد أو زوال الإكراه، بعد ذلك تكون الإجازة عملاً قانونياً صحيحاً إذ الإرادة لم يعد يشوبها العيب .

يشترط للإجازة علم المجيز بقابلية العقد للإبطال واتجاه إرادته نحو النزول عن حقه في الإبطال :

يشترط للإجازة أن يكون المجيز عالماً بقابليته العقد للإبطال، وأن تتجه إرادته نحو النزول عن حقه في إبطال العقد .

الإجازة الصريحة والإجازة الضمنية :

الإجازة قد تكون صريحة، وقد تكون ضمنية والإجازة الصريحة هى التى تتضمن التصريح بالنزول عن حق طلب الإبطال وهي تكون صريحة بأية عبارة تفيد بوضوح اتجاه نية المجيز إلى الإجازة، فلا تشترط فيها بيانات معينة.

أما الإجازة الضمنية، فهي تلك التي يستدل عليها من ظروف الحال، بشرط أن يكون هذا الاستدلال قاطعاً في إفادته النزول عن حق التمسك بالإبطال.

إذ النزول عن الحق لا يفترض، ولا يتوسع في تفسير ما يؤدي إليه.

ومثال الإجازة الضمنية، أن يقوم المتعاقد الذي قرر القانون الإبطال لمصلحته بتنفيذ العقد أو إلى مطالبة المتعاقد الآخر بتنفيذ العقد من جانبه، وذلك مع علمه بالفساد الذي كان يعتريه، أو أن يلجأ المشتري بعد أن يتبين فساد البيع الذي أبرمه، إلى إعادة بيع المال إلى ثالث أو إلى رهنه أو إلى إجراء أي تصرف آخر فيه قانونياً كان هذا التصرف أم مادياً .

ما لا يعتبر إجازة للعقد القابل للإبطال :

لا تعتبر إجازة ضمنية للعقد القابل للإبطال ما يأتي :

1- تنفيذ الالتزام مع التحفظ الصريح.

2- طلب مهلة للوفاء.

3- السكوت عن طلب الإبطال إلا إذا سقط الحق بالتقادم.

4- الدفع بتزوير العقد.

أثر الإجازة :

إذا أجيز العقد القابل للإبطال، زال حق المتعاقد في التمسك بإبطال العقد، واستقر وجود العقد نهائياً غير مهدد بالزوال وهذا معناه أن العقد ينقلب صحيحاً بوجه بات. 

وتنص الفقرة الثانية من المادة 139 على أن : "وتستند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد، دون إخلال بحقوق الغير".

ومعنى ذلك أن العقد يعتبر صحيحاً من وقت صدوره لا من وقت الإجازة، لأن للإجازة أثراً رجعياً .

غير أن هذا الأثر الرجعي لا يكون إلا فيما بين المتعاقدين، لا بالنسبة إلى الغير فمن كسب حقاً عينياً على الشيء موضوع العقد، كما لو باع قاصر عيناً، وبعد بلوغ سن الرشد بلغها ثانية أو رهنها لآخر، ثم أجاز العقد الأول، فإن الإجازة لا تؤثر على حق المشتري الثاني أو الدائن المرتهن، إذ تخلص العين لهذا المشتري أو تبقى مثقلة بحق الرهن رغم الإجازة.

والإجازة لا تتناول إلا العيب المقصود بهذه الإجازة فإن كانت هناك عيوب أخرى بقى باب الطعن مفتوحاً من أجلها ومن ثم إذا تعاقد قاصر وكان واقعاً فی غلط، وأجاز العقد بعد بلوغ سن الرشد فيما يتعلق بنقص الأهلية، بقي له الحق في إبطال العقد للغلط .

إثبات الإجازة :

يقع عبء إثبات الإجازة على عاتق الطرف الآخر غير المجيز، ولما كانت در غیر صادرة منه فله إثباتها بكافة طرق الإثبات ومن بينها البينة والقرائن .

استخلاص الإجازة مسألة موضوعية :

استخلاص حصول إجازة العقد من عدمه مسألة موضوعية، و لقاضي الموضوع فيها القول الفصل، من غير أن يخضع تقديره لرقابة محكمة النقض، طالما أقام قضاؤه على أسباب سائغة من شأنها أن تحمله. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/419)

 الإجازة تصرف من جانب واحد تنتج أثرها بمجرد صدورها ولو لم يصدر قبول لها من الطرف الأخر، ولا يجوز الرجوع فيها بحجة عدم صدور هذا القبول، ويشترط في كافة التصرفات، فيجب أن تتوفر في المجيز الأهلية اللازمة بالنسبة للعقد محل الإجازة وألا تقوم الاجازة على خطأ أو تدليس أو اكراه أو استغلال، فلا تصح الاجازة إلا إذا زال السبب الذي يجيز البطلان، فناقص الأهلية لا يجوز له إجازة العقد الذي أبرمه مادام ناقص الأهلية، كذلك من وقع في خطأ أو تدليس أو إكراه أو استغلال، لا يجوز له إجازة تصرفه إلا بعد زوال العيب الذي شاب رضاءه .

وتكون الاجازة صريحة بأي تعبير يفصح عنها، وتخضع هذه الإجازة في الأثبات للقواعد العامة وقد تكون الإجازة ضمنية، فتستخلص من كل مايفيد نزول من له حق في الإبطال عن التمسك به ، کتنفيذ العقد أو انفاق الثمن أو البناء على الأرض المشتراه أو تصرف القاصر في العين بعد بلوغه أو إذا استأجر العين التي باعها متى بلغ رشده، ولا يعتبر السكوت إجازة ضمنية ما لم يستفاد منه التنازل عن التمسك بالأبطال، ويجوز اثبات الاجازة الضمنية بكافة طرق الاثبات متى كانت مستفادة من واقعة مادية، ويترتب على الاجازة صحة العقد من وقت صدوره لا من وقت الاجازة فترجع الاجازة الى وقت صدور العقد دون أن يترتب عليها ضرر بحقوق الغير الذي تلقى حقا من المجيز ولا تتناول الاجازة إلا العيب المقصود بها فيبقى الحق في الأبطال لأسباب أخرى ولا ترد الاجازة إلا على العقد القابل للابطال لأنه عقد قائم قانوناً، أما العقد الباطل، فهو معدوم، فلا ترد عليه الإجازة، ولا سبيل إلى تصحيحه إلا بعقد جدید برئ من سبب الإبطال، ولا ينتج العقد الجديد أثره إلا من تاريخ نشوئه دون اعتبار لتاريخ العقد السابق . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/  الثاني  الصفحة/ 618)

أن الاجازة تلحق العقد القابل للإبطال لأن له وجوداً قانونياً ما دام بطلانه لم يتقرر ، وإن كان هذا الوجود مهدداً بالزوال ، فإذا لحقته الإجازة استقر .

والإجازة عمل قانوني صادر من جانب واحد ، فلا حاجة لاقتران قبول بها ، ولا يمكن الرجوع فيها بحجة أن القبول لم يصدر  .

والذي يجيز العقد هو الذي يثبت له الحق في التمسك بالبطلان . 

فناقص الأهلية و من شاب رضاءه عيب هما اللذان تصدر منهما الإجازة وهذا ما يقضي به المنطق القانونين ، لأن الإجازة نزول عن التمسك بالبطلان ، ولا ينزل عن الحق إلا من يملكه ويجب في المجيز وقت الإجازة أن يكون كامل الأهلية بالنسبة إلى العقد الذي يجيزه ، وإلا تشوب الإجازة – وهي عمل قانونين كما قدمنا – عيب من عيوب الإرادة ، غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال ومن أجل ذلك لا تصح الإجازة إلا إذا زال السبب الذي قرر القانون من أجله البطلان فناقص الأهلية لا يستطيع إجازة العقد ما دام ناقص الأهلية ، فإذا استكمل أهليته جاز له ذلك ومن شاب رضاءه عيب لا تكون إجازته صحيحة ما دام تحت تأثير هذا العيب ، حتى إذا انكشف الغلط أو افتضح التدليس أو ارتفع الإكراه صحت الإجازة بعد ذلك .

وتكون الإجازة صريحة أو ضمنية . ولا يشترط في الإجازة الصريحة أن تشتمل على بيانات معينة ( قارن م 1338 من القانون المدني الفرنسي ) ، بل كل عبارة يفهم منها الإجازة تصح ، بشرط أن تكون نية المجيز في الإجازة واضحة  والاجازة الضمنية تكون بتنفيذ العقد من جانب من له الحق في التمسك بالبطلان  ، أو بإتيانه عملاً مادياً يدل على  نزوله عن التمسك بالبطلان ، أو بتصرفه تصرفاً يفهم منه بوضوح أنه أجاز العقد كما إذا اشترى قاصر عيناً وبعد البلوغ تصرف فيها باعتباره مالكاً وهو عالم بأن له حق إبطال العقد الذي اشترى به العين وعبء إثبات الإجازة يقع على الطرف الآخر غير المجيز ، ولما كانت الإجازة غير صادرة منه فله أن يثبتها بجميع الطرق ولو بالبينة أو بالقرائن .

أثر الإجازة :

وإذا أجيز العقد القابل للإبطال ، زال حق المتعاقد في التمسك بإبطال العقد ، واستقر وجود العقد نهائياً غير مهدد بالزوال . وهذا معناه أن العقد ينقلب صحيحاً بوجه بات ويعتبر صحيحاً من وقت صدوره لا من وقت الإجازة ، لأن للإجازة أثراً رجعياً ولكن هذا الأثر لا يكون إلا فيما بين المتعاقدين ، لا بالنسبة إلى الغير ممن كسب حقاً عينياً على الشيء موضوع العقد فلو أن قاصراً باع عيناً ، وبعد بلوغه سن الرشد وقبل إجازته للبيع رهن العين ، فإن إجازته للبيع بعد ذلك لا تضر الدائن المرتهن ، وتنتقل العين إلى المشتري مثقلة بحق الرهن .

والاجازة لا تتناول إلا العيب المقصود بهذه الإجازة فإن كانت هناك عيوب أخرى بقى باب الطعن مفتوحاً من أجلها ومن ثم إذا تعاقد قاصر وكان وقاعاً في غلط ، وأجاز العقد بعد بلوغ سن الرشد فيما يتعلق بنقص الأهلية ، بقى له الحق في إبطال العقد للغلط . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/   الأول  الصفحة/685)

والبطلان النسبي يمكن أن يزول بالاجازة ، كما يجوز أن يسقط بالتقادم حق التمسك به ( المادتان  139 و 140 ) . (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الأول  الصفحة/ 890)

 

والإجازة هي اتجاه إرادة العاقد الذي تقررت لمصلحته قابلية العقد للإبطال نحو النزول عن الحق في إبطال العقد  ويترتب عليها زوال هذا الحق أي صيرورة العقد غير قابل للابطال .

فهي إذن عمل قانوني من جانب واحد ، أي أنه يتم بارادة منفردة هي ارادة الشخص الذي تقررت لحمايته قابلية العقد للابطال وهی باعتبارها عملاً قانونياً يلزم فيها توافر الأهلية لدى المجيز وخلو ارادته من كل عيب يشوبها، وعلى ذلك يشترط في صحة الاجازة : 

1 - علم المجيز بسبب قابلية العقد للإبطال واتجاه إرادته نحو النزول عن حقه في إبطال العقد (84 مكرر) .

2 - زوال ذلك السبب لأنه لو كان باقيا ، فإن من شأنه أن يجعل الأجازة ذاتها قابلة للإبطال، فمن كان عقده قابلا للإبطال لنقص أهليته لا تصح إجازته الا بعد أن يزول هذا النقص ، ومن كان عقده قابلاً للإبطال بسبب إكراه وقع عليه لا تصح إجازته إلا إذا صدرت منه بعد ارتفاع الإكراه عنه ، وإلا فإنها تكون هي بذاتها مشوباً بذلك الإكراه.

3-أهلية المجيز وقت الإجازة لإبرام العقد الذي يجيزه وسلامة رضاه وقت الإجازة من العيوب التي تفسد الرضا فإذا كان العقد وقع قابلاً للإبطال لغلط أو تدليس ، لإ لنقص الأهلية ، ثم كشف العاقد هذا السبب ولكنه لم يجز العقد الا بعد توقيع الحجر عليه لسفه أو غفلة فلا تصبح إجازته إلا إذا كان العقد الذي وردت عليه مما يملك المحجور عليه مباشرته ، وإذا كان العقد، قد وقع قابلاً للإبطال النقص في الأهلية وأجازه العاقد بعد زوال نقص الأهلية ولكنه كان واقعاً في هذه الإجازة تحت تأثير غلط أو تدليس أو إكراه كانت الاجازة ذاتها قابلة للإبطال لهذا السبب.

ويجوز أن تكون الاجازة صريحة كما يجوز أن تكون ضمنية والإجازة الصريحة لا يشترط فيها لفظ أو بيان معين، بل يكفي فيها أي لفظ يدل على معنى النزول عن الحق في إبطال العقد والاجازة الضمنية تكون بأي عمل تجعل له الظروف التي تم فيها مثل هذه الدلالة ، كتنفيذ العقد من جانب صاحب الحق في إبطاله أو تصرفه في الشيء الذي تلقی ملكيته من طريق العقد القابل للإبطال .

ويقع عبء إثبات الإجازة على الطرف الذي يدعيها، ويكون له ويقع عبء إثبات الإجازة على الطرف الذي يدعيها، ويكون له إثباتها بكافة الطرق ولمحكمة الموضوع استخلاص الإجازة الضمنية من ظروف الدعوى بأسباب شائعة، فإذا لم يقدم الطاعنون وهم مدعو الإجازة - ما يدل على تمسكهم بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع وعلى إغفالها تحقيقه ، خانه لا يقبل منهم إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .

وتختلف إجازة العقد عن إقراره في أن الأولى ترد على العقد القابل للإبطال من العاقد الذي تقررت لمصلحته قابلية العقد للإبطال، في حين أن الإقرار يرد على عقد صحيح من شخص لم يكن طرفاً فيه ولا يلتزم به، فيجعله نافذاً في حقه، كما هو الشأن في إقرار المال الحقيقي البيع الصادر من غير المالك.

وقد كان هذا النص محل جدل كبير في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ، انتهى بإقراره.

غير أن إمعان النظر في طبيعة العقد القابل للإبطال وفي معنى الأجازة يحمل على التشكك في صواب هذا النص .

فمن المعلوم أن العقد القابل للابطال عقد منتج جميع آثاره من وقت إبرامه وأنه لا يختلف عن العقد الصحيح الا في أنه يجيز لأحد عاقديه إبطاله فينعدم و تزول جميع آثاره حتى ما سبق ترتبه منها ، وأن اجازة مثل هذا العقد هي النزول عن الحق في إبطاله ولا يترتب عليها من أثر سوى زوال خطر الإبطال الذي كان يهدد هذا العقد أي أنها لا تجعل العقد ينتج أثراً لم يكن ينتجه من قبل وإنما تقتصر على تأييد هذه الآثار ومنع احتمال إزالتها مستقبلاً ، فكيف يتصور والحالة هذه استناد الإجازة في الماضي أو أن يكون لها أثر رجعي من تاريخ العقد، وإذا كان ذلك غير متصور فإنه لا يتصور بالتالي أن يرد استثناء لمصلحة الغير من الأثر الرجعي للإجازة .

ولقد دافع ممثل الحكومة عن هذا النص أمام لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ بقوله «أن ذلك يتحقق في حالة شخص باع منزله مرتين مثلاً ورأى أجازة العقد الأول من البطلان، فالمشتري الثاني تجب حمايته لأن التصرف الثاني يعتبر بمثابة تنازل عن حق الإجازة ولذلك يجب عدم نفاذ الإجازة في حق المشتري الثاني»، ويلاحظ على هذا القول أنه يعتبر التصرف الثاني بمثابة تنازل عن حق الإجازة مانع من حصول الإجازة مستقبلاً ، مع أن الإجازة نفسها هي تنازل عن حق إبطال العقد ، فالتنازل عنها إثبات لحق الإبطال، وليس يكفي أن يكون التصرف الثاني من شأنه إثبات حق التصرف في الإبطال لينتج هذا التصرف آثاره ويفضل على التصرف الأول الذي وقع قابلاً للإبطال ، لأن إبطال العقد الأول لا يتم إلا إذا تمسك به المتصرف و قضت به المحكمة فإذا لم يقع شيء من ذلك ظل العقد الأول قائماً ومنتجاً آثاره، وكان عند التعارض بينه وبين العقد الثاني مفضلاً على الأخير ، ولا تزيده الإجازة إلا تأييداً لأفضليته الثابتة له من قبل .

ومن المؤسف أن تكون اللجنة قد تأثرت بهذا الدفاع، وأن تكون قد أقرت تحت هذا التأثير النص الذي صدر به القانون.

على أننا - بعد إبداء هذه الملاحظات -  نرى إزاء وجود نص المادة 139 فقرة ثانية وضرورة إعماله أنه من الممكن تفسيره بما لا يتعارض مع تلك المبادئ الأولية التي أشرنا إليها، وذلك بأن يحمل قوله أن الإجازة تستند إلى تاريخ العقد على أن العقد الذي وردت عليه الاجازة يعتبر كأنه لم يكن قابلاً للإبطال في أي وقت منذ تاريخ إبرامه، وأن المقصود من التحفظ الوارد في آخر الفقرة - فيما يتعلق بحقوق الغير الذين تعاملوا مع صاحب الحق في إبطال ذلك العقد أملاً في أن يستعمل هذا حقه المذكور - ليس نفاذ هذه الحقوق إزاء العاقد الآخر ولا تفضيلها على الحقوق التي نشأت له من العقد، موضوع الإجازة ، وإنما هو حفظ حقهم في الرجوع على المجيز بتعويض عن الأضرار التي سببها لهم بإجازة العقد المقابل للإبطال، باعتبار هذه الإجازة الصادرة منه إخلالاً بالتزامه إزاءهم بضمان تعرضه الشخصي. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني  الصفحة/ 468).

 

والإجازة تصرف قانونى من جانب واحد ، فهي تقع بالإرادة المنفردة وتنتج أثرها بمجرد صدورها فلا تحتاج لاقتران قبول بها كما أنها تقع باتة فلا يمكن الرجوع فيها وهي لا تكون إلا من ناقص الأهلية بعد بلوغه سن الرشد أو ممن شاب رضاعه عيب بعد زوال هذا العيب ولا كانت الإجازة تصرفاً قانونياً فإنه يجب ألا يشوبها عيب من عيوب الإرادة ، وهي قد تكون صريحة وتكفي أية عبارة تفيد ذلك ، كما قد تكون ضمنية بتنفيذ العقد من جانب من له الحق في التمسك بالبطلان أو بإتيانه عملاً مادياً يدل على نزوله عن التمسك بالبطلان أو إتيانه تصرفا يقيد أجازته العقد القابل للإبطال السنهوري بند 317 - البدراوي بند 278 - مرقس في نظرية العقد بند 249 - حمدي عبد الرحمن ص 391 - الصدة في مصادر الإلتزام بند 247 وما بعده - فتحي عبد الكريم بند 244 وما بعده وقارن الشرقاوي في نظرية بطلان التصرف القانونی بند 317) وإجازة العقد تختلف عن إقراره إذ الإجازة ترد على عقد قابل للإبطال وتصدر من العاق الذي تقرر قابلية العقد للإبطال لمصلحته ، أما إقرار العقد فهو يرد على عقد صحيح من شخص لم يكن طرفاً فيه فيجعله نافذاً في حقه كالشان في إقرار المالك الحقيقي للبيع الصادر من غير مالك (مرقس في نظرية العقد ص 470).

لا تصح الا ممن يملكها قاصداً المجاز العقد القابل للإبطال .

وهي قد تكون صريحة أو ضمنية.

ويقع عبء إثبات الاجازة على من يدعيها .

والإجازة تصرف قانونى من جانب واحد ، فتنتج أثرها بمجرد التعبير عنها صراحة أو ضمناً وتصبح ملزمة لمن صدرت منه فلا يجوز له العدول عنها ولا يعتد بالإجازة إلا في تاريخ لاحق لزوال العيب أي بعد بلوغ القاصر سن الرشد او ارتفاع عیب الغلط أو الإكراه أو التدليس ، ولكن ليس لها ميعاد يتعين إبداؤها فيه من ذلك التاريخ ومن ثم يجوز ابداؤها حتى فوات المدة المسقطة للدعوى الابطال حجازی بند  474 . (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 863).

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الأول ، الصفحة /   179

إبْطال

1 - الإْبْطال لغةً: إفْساد الشّيْء وإزالته، حقًّا كان ذلك الشّيْء أوْ باطلاً. قال اللّه تعالى , ليحقّ الْحقّ ويبْطل الْباطل- وشرْعًا: الْحكْم على الشّيْء بالْبطْلان، سواءٌ وجد صحيحًا ثمّ طرأ عليْه سبب الْبطْلان، أوْ وجد وجودًا حسّيًّا لا شرْعيًّا. فالأْوّل كما لو انْعقدت الصّلاة صحيحةً ثمّ طرأ عليْها ما يبْطلها، والثّاني كما لوْ عقد على إحْدى الْمحرّمات عليْه على التّأْبيد، كما يسْتفاد منْ عبارات الْفقهاء.

ويأْتي على ألْسنة الْفقهاء بمعْنى الْفسْخ، والإْفْساد، والإْزالة، والنّقْض، والإْسْقاط، لكنّه يخْتلف عنْ هذه الأْلْفاظ منْ بعْض الْوجوه، ويظْهر ذلك عنْد مقارنته بها. والأْصْل في الإْبْطال أنْ يكون من الشّارع، كما يحْدث الإْبْطال ممّنْ قام بالْفعْل أو التّصرّف، وقدْ يقع من الْحاكم في الأْمور الّتي سلّطه عليْها الشّارع.

الأْلْفاظ ذات الصّلة:

أ - الإْبْطال والْفسْخ:

2 - يعبّر الْفقهاء أحْيانًا في الْمسْألة الْواحدة تارةً بالإْبْطال، وتارةً بالْفسْخ، غيْر أنّ الإْبْطال يحْدث أثْناء قيام التّصرّف وبعْده، وكما يحْصل في الْعقود والتّصرّفات يحْدث في الْعبادة.

أمّا الْفسْخ فإنّه يكون غالبًا في الْعقود والتّصرّفات، ويقلّ في الْعبادات، ومنْه فسْخ الْحجّ إلى الْعمْرة، وفسْخ نيّة الْفرْض إلى النّفْل، ويكون في الْعقود قبْل تمامها، لأنّه فكّ ارْتباط الْعقْد أو التّصرّف.

ب - الإْبْطال والإْفْساد:

3 - يأْتي التّفْريق بيْن الإْبْطال والإْفْساد تفْريعًا على التّفْرقة بيْن الْباطل والْفاسد.

ويتّفق الْفقهاء على أنّ الْباطل والْفاسد بمعْنًى واحدٍ في الْعبادات، إن اسْتثْنيْنا الْحجّ عنْد الشّافعيّة والْحنابلة.

وغيْر الْعبادة كذلك غالبًا عنْد الْمالكيّة والشّافعيّة والْحنابلة.

أمّا الْحنفيّة فإنّهمْ يفرّقون في أغْلب الْعقود بيْن الْفاسد والْباطل، فالْباطل ما لا يكون مشْروعًا لا بأصْله ولا بوصْفه، والْفاسد ما يكون مشْروعًا بأصْله دون وصْفه. ولتفْصيل ذلك (ر: بطْلان، فساد.)

ج - الإْبْطال والإْسْقاط:

4 - الإْسْقاط فيه رفْعٌ لحقٍّ ثابتٍ. وفي الإْبْطال منْعٌ لقيام الْحقّ أو الالْتزام.

وقدْ يأْتي كلٌّ من الإْبْطال والإْسْقاط بمعْنًى واحدٍ أحْيانًا في كلام الْفقهاء، كقوْلهمْ: الْوقْف لا يبْطل بالإْبْطال، وقوْلهمْ: أسْقطْت الْخيار أوْ أبْطلْته.

إجازة

التّعْريف:

1 - الإْجازة في اللّغة الإْنْفاذ، يقال: أجاز الشّيْء: إذا أنْفذه.

ولا يخْرج اسْتعْمال الْفقهاء للإْجازة عنْ هذا الْمعْنى اللّغويّ.

هذا وقدْ يطْلق الْفقهاء «الإْجازة» بمعْنى الإْعْطاء كما يطْلقونه على الإْذْن بالإْفْتاء أو التّدْريس.

ويطْلق الْمحدّثون وغيْرهمْ «الإْجازة» بمعْنى الإْذْن بالرّواية، سواءٌ أكانتْ رواية حديثٍ أمْ رواية كتابٍ. وتفْصيل ذلك يأْتي في آخر الْبحْث، والإْجازة بمعْنى الإْنْفاذ لا تكون إلاّ لاحقةً للتّصرّف، بخلاف الإْذْن فلا يكون إلاّ سابقًا عليْه.

وعلى هذا فنقسّم الْبحْث على هذه الأْنْواع الأْرْبعة:

أوّلاً: الإْجازة بمعْنى الإْنْفاذ

أرْكانها:

2 - كلّ إجازةٍ لا بدّ منْ أنْ تتوفّر فيها الأْمور التّالية:

أ - الْمجاز تصرّفه: وهو منْ تولّى التّصرّف بلا ولايةٍ كالْفضوليّ.

ب - الْمجيز: وهو منْ يمْلك التّصرّف سواءٌ أكان أصيلاً أمْ وكيلاً أمْ وليًّا أمْ وصيًّا أمْ قيّمًا أمْ ناظر وقْفٍ.

ج - الْمجاز: وهو التّصرّف.

د - الصّيغة: صيغة الإْجازة أوْ ما يقوم مقامها.

وقد اصْطلح جمْهور الْفقهاء على أنّ هذه الأْمور كلّها أرْكانٌ والْحنفيّة يقْصرون إطْلاق لفْظ الرّكْن على الصّيغة أوْ ما يقوم مقامها.

أ - الْمجاز تصرّفه:

3 - يشْترط في الْمجاز تصرّفه ما يلي:

1 - أنْ يكون ممّنْ ينْعقد به التّصرّف كالْبالغ الْعاقل والصّغير الْمميّز في بعْض تصرّفاته.

أمّا إذا كان الْمباشر غيْر أهْلٍ لعقْد التّصرّف أصْلاً كالْمجْنون والصّغير غيْر الْمميّز فإنّ التّصرّف يقع باطلاً غيْر قابلٍ للإْجازة.

بقاء الْمجاز تصرّفه حيًّا لحين الإْجازة:

4 - لكيْ تكون الإْجازة صحيحةً ومعْتبرةً عنْد الْحنفيّة فلا بدّ منْ صدورها حال حياة الْمباشر، إنْ كانتْ طبيعة التّصرّف ممّا ترْجع حقوقه إلى الْمباشر فيما لوْ حجبتْ عنْه الإْجازة، كالشّراء والاسْتئْجار

أمّا التّصرّفات الّتي يعْتبر فيها الْمباشر سفيرًا ومعبّرًا، ولا تعود حقوق التّصرّف إليْه بحالٍ من الأْحْوال، كالنّكاح فلا تشْترط فيه حياة الْمباشر وقْت الإْجازة، كما لوْ زوّج فضوليٌّ رجلاً بامْرأةٍ، ثمّ

مات الْفضوليّ، ثمّ أجاز الرّجل اعْتبرت الإْجازة صحيحةً؛ لأنّ الْوكيل في هذا الْعقْد ما هو إلاّ سفيرٌ ومعبّرٌ، ولا يعود إليْه شيْءٌ منْ حقوق هذا الْعقْد حين إخْلاله بالشّروط الّتي اشْترطها عليْه الْموكّل.

هذا صريح مذْهب الْحنفيّة وهو الْمفْهوم منْ بعْض الْفروع في مذْهب الشّافعيّة، فقدْ قالوا: لوْ باع مال مورّثه على ظنّ أنّه حيٌّ وأنّه فضوليٌّ، فبان ميّتًا حينئذٍ وأنّه ملْك الْعاقد فقوْلان، وقيل: وجْهان مشْهوران، أصحّهما أنّ الْعقْد صحيحٌ لصدوره منْ مالكٍ، والثّاني: الْبطْلان لأنّه في معْنى الْمعلّق بموْته، ولأنّه كالْغائب.

والظّاهر أنّ الْوجْه الأْوّل هنا مبْنيٌّ على الْقوْل بجواز تصرّف الْفضوليّ، فإنّ تصرّفه كان على ظنّ أنّه فضوليٌّ، وإجازته بعْد تحقّق وفاة مورّثه على أنّه مالكٌ فله اعْتباران: كوْنه فضوليًّا وكوْنه مالكًا، وهو حيٌّ في كلْتا الْحالتيْن. وأمّا على الْقوْل بالْبطْلان، وهو الْمعْتمد عنْدهمْ، فلا تنافي. هذا ولمْ نعْثرْ على هذا الشّرْط عنْد الْمالكيّة والْحنابلة.

ب - الْمجيز:

5 - منْ له الإْجازة (الْمجيز) إمّا أنْ يكون واحدًا أوْ أكْثر، فإنْ كان واحدًا فظاهرٌ، وإنْ كان أكْثر فلا بدّ من اتّفاق جميع منْ لهم الإْجازة عليْها حتّى تلْحق التّصرّف إذا كان لكلّ واحدٍ منْهمْ حقّ الإْجازة كاملاً، فإن اخْتلفوا فأجازه الْبعْض وردّه الْبعْض قدّم الرّدّ على الإْجازة، كما لوْ جعل خيار

الشّرْط إلى شخْصيْن فأجاز الْبيْع أحدهما وامْتنع عن الإْجازة الآْخر، لمْ تلْحق الإْجازة التّصرّف.

أمّا إنْ كانت الإْجازة قابلةً للتّجْزئة كما إذا تصرّف فضوليٌّ في مالٍ مشْتركٍ، فالإْجازة تنْفذ في حقّ الْمجيز دون شركائه.

6 - ويشْترط في الْمجيز لكيْ تصحّ إجازته أنْ يكون أهْلاً لمباشرة التّصرّف وقْت الإْجازة، فإنْ كان التّصرّف هبةً وجب أنْ تتوفّر فيه أهْليّة التّبرّع، وإنْ كان بيْعًا وجب أنْ تتوفّر فيه أهْليّة التّعاقد وهكذا؛ لأنّ الإْجازة لها حكْم الإْنْشاء، فيجب فيها من الشّروط ما يجب في الإْنْشاء.

7 - ويشْترط الْحنفيّة والْمالكيّة والْحنابلة في قوْلٍ عنْدهمْ والشّافعيّة في التّصرّفات الّتي تتوقّف على الإْجازة كخيار الشّرْط لأجْنبيٍّ عن الْعقْد، أنْ يكون الْمجيز موْجودًا حال وقوع التّصرّف؛ لأنّ كلّ تصرّفٍ يقع ولا مجيز له حين وقوعه يقع باطلاً، والْباطل لا تلْحقه الإْجازة.

فإذا باع الصّغير الْمميّز ثمّ بلغ قبْل إجازة الْوليّ تصرّفه، فأجاز تصرّفه بنفْسه جاز؛ لأنّ له وليًّا يجيزه حال الْعقْد، وإذا زوّج فضوليٌّ إنْسانًا ثمّ وكّل هذا الشّخْص الْفضوليّ في تزْويجه قبْل أنْ يجيز التّصرّف، فأجاز الْفضوليّ بعْد الْوكالة تصرّفه السّابق للْوكالة،جاز هذا عنْد كلٍّ من الْحنفيّة والْمالكيّة. بخلاف ما إذا طلّق وهو صغيرٌ، ثمّ بلغ فأجاز طلاقه بنفْسه، لمْ يجزْ لأنّ طلاق الصّغير ليْس له مجيزٌ وقْت وقوعه، إذْ ليْس للْوليّ أنْ يطلّق زوْجة الصّغير، ولا أنْ يتصرّف تصرّفًا مضرًّا ضررًا محْضًا بالصّغير - مميّزًا أوْ غيْر مميّزٍ - هذا عنْد الْجمْهور (الْحنفيّة والْمالكيّة والشّافعيّة وقوْلٌ لأحْمد) والْمعْتمد عنْد الْحنابلة وقوع طلاق الصّبيّ الْمميّز الّذي يعْقل الطّلاق وما يترتّب عليْه.

8 - ويشْترط الشّافعيّة أنْ يكون منْ تولّى الإْجازة مالكًا للتّصرّف عنْد الْعقْد، فلوْ باع الْفضوليّ مال الطّفْل، فبلغ الطّفْل، فأجاز ذلك الْبيْع، لمْ ينْفذْ لأنّ الطّفْل لمْ يكنْ يمْلك الْبيْع عنْد الْعقْد. وهذا بناءً على الْقوْل عنْدهمْ بجواز تصرّفات الْفضوليّ.

9 - كما يشْترط في الْمجيز أنْ يكون عالمًا ببقاء محلّ التّصرّف. أمّا علْمه بالتّصرّف الّذي أجازه فظاهرٌ، وأمّا علْمه ببقاء محلّ التّصرّف فقدْ قال في الْهداية: ولوْ أجاز الْمالك في حياته وهو لا يعْلم حال

الْمبيع جاز الْبيْع في قوْل أبي يوسف أوّلاً، وهو قوْل محمّدٍ لأنّ الأْصْل بقاؤه. ثمّ رجع أبو يوسف فقال: لا يصحّ حتّى يعْلم قيامه عنْد الإْجازة؛ لأنّ الشّكّ وقع في شرْط الإْجازة. فلا يثْبت مع الشّكّ وهو ما ذهب إليْه الْمالكيّة أيْضًا. ولمْ نقفْ على نصٍّ في هذا عنْد الشّافعيّة والْحنابلة لأنّ الْمعْتمد عنْدهمْ عدم جواز تصرّفات الْفضوليّ، ولهذا لمْ يتوسّعوا في التّفْريع.

ج - التّصرّف الْمجاز (محلّ الإْجازة)

محلّ الإْجازة إمّا أنْ يكون قوْلاً أوْ فعْلاً

إجازة الأْقْوال:

10 - الإْجازة تلْحق التّصرّفات الْقوْليّة، وعنْدئذٍ يشْترط في تلْك التّصرّفات:

أوّلاً: أنْ يكون قدْ وقع صحيحًا، فالْعقْد غيْر الصّحيح لا تلْحقه الإْجازة كبيْع الْميْتة، فبيْع الْميْتة غيْر منْعقدٍ أصْلاً، فهو غيْر موْجودٍ إلاّ منْ حيْث الصّورة فحسْب، والإْجازة لا تلْحق الْمعْدوم بالْبداهة. ويبْطل الْعقْد الْموْقوف وغيْر اللاّزم بردّ منْ له الإْجازة، فإذا ردّه فقدْ بطل، ولا تلْحقه الإْجازة بعْد ذلك.

ثانيًا: أنْ يكون التّصرّف صحيحًا غيْر نافذٍ - أيْ موْقوفًا - كهبة الْمريض مرض الْموْت فيما زاد على الثّلث وكتصرّف الْفضوليّ عنْد منْ يرى جوازه، وكالْعقود غيْر اللاّزمة كالّتي تنْعقد مع الْخيار.

ثالثًا: أنْ يكون الْمعْقود عليْه قائمًا وقْت الإْجازة، فإنْ فات الْمعْقود عليْه فإنّ الْعقْد لا تلْحقه الإْجازة،

لأنّ الإْجازة تصرّفٌ في الْعقْد، فلا بدّ منْ قيام الْعقْد بقيام الْعاقديْن والْمعْقود عليْه.

إجازة الْعقود الْواردة على محلٍّ واحدٍ:

11 - إذا وردت الإْجازة على أكْثر منْ عقْدٍ واحدٍ على محلٍّ واحدٍ، لحقتْ أحقّ هذه الْعقود بالإْمْضاء.

وقدْ صنّف الْحنفيّة الْعقود والتّصرّفات بحسب أحقّيّتها كما يلي:

الْكتابة والتّدْبير والْعتْق، ثمّ الْبيْع، ثمّ النّكاح، ثمّ الْهبة، ثمّ الإْجارة، ثمّ الرّهْن. فإذا باع فضوليٌّ أمة رجلٍ، وزوّجها فضوليٌّ آخر، أوْ آجرها أوْ رهنها، فأجاز الْمالك تصرّف الْفضوليّين معًا، جاز الْبيْع وبطل غيْره؛ لأنّ الْبيْع أحقّ منْ بقيّة التّصرّفات، فلحقتْ به الإْجازة دون غيْره ولمْ نجدْ هذا عنْد غيْرهمْ.

إجازة الأْفْعال:

الأْفْعال إمّا أنْ تكون أفْعال إيجادٍ أوْ إتْلافٍ.

12 - وفي أفْعال الإْيجاد اتّجاهان: الأْوّل: أنّ الإْجازة لا تلْحقها، وهو ما ذهب

إليْه الإْمام أبو حنيفة.

الثّاني: أنّ الإْجازة تلْحقها، وهو ما ذهب إليْه الإْمام محمّد بْن الْحسن وهو الرّاجح عنْد الْحنفيّة. وبناءً على ذلك فإنّ الْغاصب إذا أعْطى الْمغْصوب لأجْنبيٍّ بأيّ تصرّفٍ فأجاز الْمالك ذلك، فقدْ ذهب أبو حنيفة إلى عدم براءة الْغاصب وأنّه لا يزال ضامنًا إذ الأْصْل عنْده أنّ الإْجازة لا تلْحق الأْفْعال. والْمفْهوم منْ بعْض فروع الْمالكيّة والشّافعيّة، وروايةٌ عنْ أحْمد أنّهمْ يذْهبون مذْهب أبي حنيفة.

وعلّل الْمالكيّة ذلك بأنّ الرّضا بتصرّف الْغاصب لا يجْعل يده يد أمانةٍ. وعلّل الشّافعيّ والْحنابلة لهذه الرّواية بأنّ تصرّفات الْغاصب في الْعيْن الْمغْصوبة حرامٌ، ولا يمْلك أحدٌ إجازة تصرّفٍ حرامٍ. وذهب الإْمام محمّد بْن الْحسن إلى أنّ إجازة الْمالك لتصرّف الْغاصب صحيحةٌ وتبرّئ ذمّته وتسْقط عنْه الضّمان والْقاعدة عنْده أنّ الإْجازة تلْحق الأْفْعال. وهو الرّواية الأْخْرى عنْد الْحنابلة، واخْتلف علماؤهمْ في تخْريج هذه الرّواية عنْ أحْمد.

13 - واتّفقتْ كلمة الْحنفيّة على أنّ الإْجازة لا تلْحق أفْعال الإْتْلاف، فليْس للْوليّ أنْ يهب منْ مال الصّغير؛ لأنّ الْهبة إتْلافٌ، فإنْ فعل ذلك كانضامنًا، فإنْ بلغ الصّبيّ وأجاز هبته، لمْ تجزْ؛ لأنّ الإْجازة لا تلْحق أفْعال الإْتْلاف.

وهذا هو ما يفْهم منْ كلام الْمالكيّة والشّافعيّة. وأمّا الْحنابلة فقدْ فرّقوا بيْن ما إذا كان الْوليّ أبًا أوْ غيْر أبٍ فإنْ كان أبًا فلا يعْتبر متعدّيًا لأنّ له حقّ تملّك مال ولده، لحديث: «أنْت ومالك لأبيك» وإنْ كان الْوليّ غيْر أبٍ فهمْ مع الْجمْهور. أمّا دليل عدم نفاذ الإْجازة فلأنّ تصرّفات الْوليّ منوطةٌ بمصْلحته، والتّبرّعات إتْلافٌ فتقع باطلةً فلا تلْحقها الإْجازة.

14 - وقدْ وقع خلافٌ في اللّقطة إذا تصدّق بها الْملْتقط، فالْمالكيّة والْحنابلة قالوا: إذا عرّفها سنةً ولمْ يأْت مالكها تملّكها الْملْتقط، وعلى هذا فلوْ تصدّق بها بعْد الْمدّة الْمذْكورة فلا ضمان عليْه لأنّه تصدّق بخالص ماله. ومفْهوم كلامهمْ أنّه لوْ تصدّق بها قبْل هذه الْمدّة أوْ لمْ يعرّفْها يكون ضامنًا إنْ لمْ يجز الْمالك التّصدّق. وسندهمْ في ذلك حديث زيْد بْن خالدٍ أنّ الرّسول صلي الله عليه وسلم  قال في شأْن اللّقطة: «فإنْ لمْ تعْرفْ فاسْتنْفقْها. وفي لفْظٍ: وإلاّ فهي كسبيل مالك. وفي لفْظٍ: ثمّ كلْها. وفي لفْظٍ: فانْتفعْ بها».

أمّا الْحنفيّة فقالوا: إذا تصدّق الْملْتقط باللّقطة، ثمّ جاء صاحبها فأجاز

 

صدقة الْملْتقط طلبًا لثواب اللّه تعالى، جاز بالاتّفاق. قال عمر بْن الْخطّاب لمنْ أتاه مسْتفْسرًا عمّا يتصرّف به في اللّقطة الّتي في يده: ألا أخْبرك بخيْر سبيلها؟ تصدّقْ بها، فإنْ جاء صاحبها فاخْتار الْمال غرمْت له وكان الأْجْر لك، وإن اخْتار الأْجْر كان له، ولك ما نويْت ومفْهوم مذْهب الشّافعيّة أنّ الْملْتقط إذا تصرّف أيّ تصرّفٍ فيها يكون متعدّيًا ويعْتبر ضامنًا. وتفْصيل ذلك في مصْطلح «لقطة».

صيغة الإْجازة:

من اسْتقْراء كلام الْفقهاء نجد أنّ الإْجازة تتحقّق بطرائق متعدّدةٍ. وهي خمْسةٌ في الْجمْلة:

الطّريقة الأْولى: الْقوْل

15 - الأْصْل في الإْجازة أنْ تكون بالْقوْل الْمعبّر عنْها بنحْو قوْل الْمجيز: أجزْت، وأنْفذْت، وأمْضيْت، ورضيت، ونحْو ذلك.

وإذا وقعت الإْجازة بلفْظٍ يمْكن أنْ يعبّر به عنْها كما يمْكن أنْ يعبّر به عنْ غيْرها، فالاحْتكام في ذلك إلى قرائن الأْحْوال. فإن انْعدمتْ قرائن الأْحْوال حمل الْكلام على حقيقته.

وتقوم الْكتابة أو الإْشارة الْمفْهمة مقام الْقوْل عنْد الْعجْز، على تفْصيلٍ موْضعه الصّيغة في الْعقْد.

الطّريقة الثّانية: الْفعْل

16 - فكلّ ما يصحّ أنْ يكون قبولاً من الأْفْعال في الْعقود، يصحّ أنْ يكون إجازةً.

الطّريقة الثّالثة:

17 - مضيّ الْمدّة في التّصرّفات الْموْقوتة: كمضيّ مدّة الْخيار في خيار الشّرْط (ر: خيار الشّرْط)

الطّريقة الرّابعة:

18 - الْقرائن الْقويّة: كتبسّم الْبكْر الْبالغة، وضحكها ضحك سرورٍ وابْتهاجٍ، وسكوتها وقبْضها مهْرها، عنْد إعْلام وليّها إيّاها أنّه زوّجها منْ فلانٍ، فإنّها قرينةٌ قويّةٌ على إجازتها، بخلاف بكائها بصوْتٍ مرْتفعٍ وولْولتها، فهي قرينةٌ على الرّفْض.

ومن الْقرائن الْقويّة السّكوت في موْطن الْحاجة إلى الإْبْطال، كسكوت صاحب الْحاجة عنْد رؤْية حاجته يبيعها صغيره الْمميّز في السّوق وغيْرها.

الطّريقة الْخامسة:

19 - زوال حالةٍ أوْجبتْ عدم نفاذ التّصرّف، كما هو الْحال في تصرّفات الرّجل الْمرْتدّ عن الإْسْلام منْ معاوضاتٍ ماليّةٍ كالْبيْع والإْجارة، أوْ تبرّعاتٍ كالْهبة والْوصيّة والْوقْف، فإنّ الإْمام أبا حنيفة يعْتبر سائر عقود الْمرْتدّ وتصرّفاته الْماليّة موْقوفةً غيْر نافذةٍ، فإنْ زالتْ حالة الرّدّة بعوْدته للإْسْلام نفذتْ تلْك التّصرّفات الْموْقوفة، وإنْ مات أوْ قتل أو الْتحق بدار الْحرْب وقضى الْقاضي باعْتباره ملْتحقًا بها، بطلتْ تلْك الْعقود والتّصرّفات.

20 - وهذه الطّرق الْخمْسة هي صريح مذْهب الْحنفيّة والْمفْهوم منْ مذْهب الْمالكيّة عنْد كلامهمْ عنْ صيغة عقْد الْبيْع. أمّا الشّافعيّة فالأْصْل عنْدهمْ في التّصرّفات الْقوْليّة الْعبارة. وهذا هو الْمعْتمد في الْمذْهب الْجديد. وفي الْمذْهب الْقديم جواز الاعْتماد على الْمعاطاة وما في معْناها، وهو اخْتيار النّوويّ وجماعةٍ، سواءٌ أكان في النّفيس أم الْخسيس واخْتار بعْضهمْ جواز ذلك في الْخسيس فقطْ. وعليْه فتكون الإْجازة عنْدهمْ على الْمعْتمد بالْعبارة دون غيْرها.

وأمّا الْحنابلة فالْمأْخوذ منْ فروعهمْ جواز ذلك في الْجمْلة.

وللْفقهاء في تصرّفات الْمرْتدّ وكوْنها موْقوفةً أوْ نافذةً تفْصيلٌ حاصله أنّها موْقوفةٌ عنْد أبي حنيفة ومالكٍ والْحنابلة ورأْيٍ عنْد الشّافعيّة، فإنْ عاد إلى الإْسْلام نفذتْ تصرّفاته بإجازة الشّارع. والصّاحبان من الْحنفيّة والشّافعيّة في رأْيٍ عنْدهمْ أنّ تصرّفاته نافذةٌ. ومبْنى هذا الْخلاف أنّ منْ قال بنفاذ تصرّفاته قال: إنّه أهْلٌ للتّصرّف وقدْ تصرّف في ملْكه ولمْ يوجدْ سببٌ مزيلٌ للْملْك، وأنّ كلّ ما يسْتحقّه هو الْقتْل. أمّا الْوجْه الآْخر فإنّهمْ يروْن أنّه بالرّدّة صار مهْدر الدّم وماله تبعٌ له، ويتريّث حتّى يسْتبين أمْره.

آثار الإْجازة:

21 - الإْجازة يظْهر أثرها منْ حين إنْشاء التّصرّف. ولذا اشْتهر منْ أقْوال الْفقهاء الإْجازة اللاّحقة كالإْذْن السّابق. ويبْنى على ذلك كثيرٌ من التّطْبيقات الْعمليّة عنْدهمْ، نذْكر منْها:

1 - أنّ الْمجيز يطالب الْمباشر بالثّمن بعْد الإْجازة إنْ كان التّصرّف بيْعًا، ولا يطالب الْمشْتري لأنّ الْمباشر - وهو الْفضوليّ - قدْ صار بالإْجازة وكيلاً.

2 - إذا باع الْفضوليّ ملْك غيْره ثمّ أجاز الْمالك الْبيْع يثْبت الْبيْع والْحطّ سواءٌ علم الْمالك الْحطّ أوْ لمْ يعْلمْ إلاّ أنّه بالْحطّ بعْد الإْجازة يثْبت له الْخيار.

3 - إذا تعدّدتْ التّصرّفات وأجاز الْمالك أحدها أجاز الْعقْد الّذي أجازه خاصّةً، فلوْ باع الْغاصب الْعيْن الْمغْصوبة ثمّ باعها الْمشْتري أوْ أجّرها أوْ رهنها وتداولتْها الأْيْدي فأجاز مالكها أحد هذه الْعقود، جاز الْعقْد الّذي أجازه خاصّةً لتوقّف كلّها على الإْجازة، فإذا أجاز عقْدًا منْها جاز ذلك خاصّةً ولمْ نعْثرْ لغيْر الْحنفيّة على ما يتعلّق بهذا.

رفْض الإْجازة:

22 - يحقّ لمنْ له الإْجازة أنْ يردّ التّصرّف الْمتوقّف عليْها، وإذا ردّه فليْس له أنْ يجيزه بعْد ذلك لأنّه بالرّدّ أصْبح التّصرّف باطلاً.

الرّجوع عن الإْجازة:

23 - إذا أجاز منْ له الإْجازة التّصرّف، فليْس له أنْ يرْجع عن الإْجازة بعْد ذلك، فمنْ سمع أنّ فضوليًّا باع ملْكه فأجاز ولمْ يعْلمْ مقْدار الثّمن، فلمّا علم ردّ الْبيْع، فالْبيْع قدْ لزم، ولا عبْرة لردّه لصيْرورة الْبائع الْمباشر للْبيْع - وهو الْفضوليّ هنا - كالْوكيل.

ثانيًا: الإْجازة بمعْنى الإْعْطاء

24 - الإْجازة بمعْنى الإْعْطاء. وهي بمعْنى الْعطيّة منْ حاكمٍ أوْ ذي شأْنٍ كمكافأةٍ على عملٍ، وبيان ذلك في مصْطلح هبة.

ثالثًا: الإْجازة بمعْنى الإْذْن بالإْفْتاء أو التّدْريس

25 - أمّا الإْجازة بمعْنى الإْفْتاء أو التّدْريس، فلا يحلّ إجازة أحدٍ للإْفْتاء أوْ تدْريس الْعلوم الدّينيّة إلاّ أنْ يكون عالمًا بالْكتاب والسّنّة والآْثار ووجوه الْفقْه واجْتهاد الرّأْي، عدْلاً موْثوقًا به.

رابعًا: الإْجازة بمعْنى الإْذْن في الرّواية

26 - اخْتلف الْعلماء في حكْم رواية الْحديث بالإْجازة والْعمل به، فذهب جماعةٌ إلى الْمنْع وهو إحْدى الرّوايتيْن عن الشّافعيّ، وحكي ذلك عنْ أبي طاهرٍ الدّبّاس منْ أئمّة الْحنفيّة، ولكنّ الّذي اسْتقرّ عليْه الْعمل وقال به جماهير أهْل الْعلْم منْ أهْل الْحديث وغيْرهم الْقوْل بتجْويز الإْجازة وإباحة الرّواية بها، ووجوب الْعمل بالْمرْويّ بها.

27 - وتسْتحْسن الإْجازة برواية الْحديث إذا كان الْمجيز عالمًا بما يجيز، والْمجاز له منْ أهْل الْعلْم؛ لأنّها توسّعٌ وترْخيصٌ يتأهّل له أهْل الْعلْم لمسيس حاجتهمْ إليْها، وبالغ بعْضهمْ في ذلك فجعله شرْطًا فيها، وقدْ حكى ذلك أبو الْعبّاس الْوليد بْن بكْرٍ الْمالكيّ عن الإْمام مالكٍ رحمه الله.

 

أنْواع الإْجازة بالْكتب:

28 - وكما جرت الْعادة برواية الْحديث بالإْجازة، جرتْ كذلك برواية الْكتب وتدْريسها بها، وهي على أنْواعٍ:

النّوْع الأْوّل: أنْ يجيز إنْسانًا معيّنًا في رواية كتابٍ معيّنٍ، كقوْله: «أجزْت لك رواية كتابي الْفلانيّ».

النّوْع الثّاني: أنْ يجيز لإنْسانٍ معيّنٍ رواية شيْءٍ غيْر معيّنٍ، كقوْله: «أجزْت لك رواية جميع مسْموعاتي».

وجمْهور الْفقهاء والْمحدّثين على تجْويز الرّواية بهذيْن النّوْعيْن، وعلى وجوب الْعمل بما روي بهما بشرْطه، مع الْعلْم أنّ الْخلاف في جواز الْعمل بالنّوْع الثّاني أكْثر بيْن الْعلماء.

النّوْع الثّالث: إجازة غيْر معيّنٍ رواية شيْءٍ معيّنٍ كقوْله: «أجزْت للْمسْلمين رواية كتابي هذا» وهذا النّوْع مسْتحْدثٌ، فإنْ كان مقيّدًا بوصْف حاضرٍ فهو إلى الْجواز أقْرب

ويقول ابْن الصّلاح: «لمْ نر ولمْ نسْمعْ عنْ أحدٍ ممّنْ يقْتدى به أنّه اسْتعْمل هذه الإْجازة».

النّوْع الرّابع: الإْجازة لغيْر معيّنٍ برواية غيْر معيّنٍ، كأنْ يقول: أجزْت لكلّ من اطّلع على أيّ مؤلّفٍ منْ مؤلّفاتي روايته، وهذا النّوْع يراه الْبعْض فاسدًا واسْتظْهر عدم الصّحّة وبذلك أفْتى الْقاضي أبو الطّيّب الطّبريّ، وحكي الْجواز عنْ بعْض الْحنابلة والْمالكيّة.

وهناك أنْواعٌ أخْرى غيْر هذه ذهب الْمحقّقون إلى عدم جواز الْعمل بها.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثالث ، الصفحة /  285

فَسَادُ الْعَقْدِ:

10 - يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَالْعَقْدُ الْبَاطِلُ عِنْدَهُمْ: هُوَ مَا لَمْ يُشْرَعْ بِأَصْلِهِ وَلاَ وَصْفِهِ، وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ: هُوَ مَا شُرِعَ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ. أَمَّا حُكْمُ الاِسْتِرْدَادِ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ فَيَظْهَرُ فِيمَا يَأْتِي:

الْعَقْدُ الْبَاطِلُ لاَ وُجُودَ لَهُ شَرْعًا، وَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ؛ لأِنَّهُ لاَ أَثَرَ لَهُ، وَلاَ يَمْلِكُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَنْ يُجْبِرَ الآْخَرَ عَلَى تَنْفِيذِهِ.

فَفِي الْبَيْعِ يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: لاَ حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ (الْبَاطِلِ) أَصْلاً؛ لأِنَّ الْحُكْمَ لِلْمَوْجُودِ، وَلاَ وُجُودَ لِهَذَا الْبَيْعِ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ؛ لأِنَّ التَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لاَ وُجُودَ لَهُ بِدُونِ الأْهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ شَرْعًا، كَمَا لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ الْحَقِيقِيِّ إِلاَّ مِنْ الأْهْلِ فِي الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ نَحْوُ بَيْعِ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.

وَمَا دَامَ الْعَقْدُ الْبَاطِلُ لاَ وُجُودَ لَهُ شَرْعًا، وَلاَ يُنْتِجُ أَيَّ أَثَرٍ، فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ بِاخْتِيَارِهِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي بِاخْتِيَارِهِ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ، كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَوْ بِالْقَبْضِ، وَلِذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ عِتْقٍ، فَإِنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لاَ يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنِ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ لَمْ يَنْقُلِ الْمِلْكِيَّةَ لِلْمُشْتَرِي، فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَ مَالاً غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ.

11 - أَمَّا الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ، فَلِذَلِكَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فِي الْجُمْلَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، بَلْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ الْفَسْخَ، حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِمَا فِي الْفَسْخِ مِنْ رَفْعِ الْفَسَادِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْفَسْخُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَسْتَلْزِمُ رَدَّ الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَرَدَّ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، هَذَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.

أَمَّا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ؛ لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ، فَتَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا، وَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الاِسْتِرْدَادِ؛ لأِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ، وَالاِسْتِرْدَادُ حَقُّ الشَّرْعِ، وَمَا اجْتَمَعَ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ إِلاَّ غَلَبَ حَقُّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ التَّصَرُّفُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ، أَوْ لاَ يَقْبَلُهُ، إِلاَّ الإْجَارَةَ فَإِنَّهَا لاَ تَقْطَعُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الاِسْتِرْدَادِ؛ لأِنَّ الإْجَارَةَ عَقْدٌ ضَعِيفٌ يُفْسَخُ بِالأْعْذَارِ، وَفَسَادُ الشِّرَاءِ عُذْرٌ، هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.

12 - أَمَّا الْجُمْهُورُ: فَإِنَّهُمْ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَالْعَقْدِ الْبَاطِلِ. فَالْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلاَ يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، أَمْ لَمْ يَتَّصِلْ، وَيَلْزَمُ رَدُّ الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي هَذَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.

أَمَّا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ. فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ، وَمِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي اسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُمْ رَدُّ الْمَبِيعِ الْفَاسِدِ لِرَبِّهِ إِنْ لَمْ يَفُتْ، كَأَنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ يَدِهِ بِبَيْعٍ، أَوْ بُنْيَانٍ، أَوْ غَرْسٍ، فَإِنْ فَاتَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي مَضَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ - وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ - بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَلْ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ، ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ إِنْ كَانَ مُقَوَّمًا حِينَ الْقَبْضِ، وَضَمِنَ مِثْلَ الْمِثْلِيِّ إِذَا بِيعَ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا، وَعَلِمَ كَيْلَهُ أَوْ وَزْنَهُ، وَلَمْ يَتَعَذَّرْ وُجُودُهُ، وَإِلاَّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثامن   ، الصفحة / 106

بُطْلاَنٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْبُطْلاَنُ لُغَةً: الضَّيَاعُ وَالْخُسْرَانُ، أَوْ سُقُوطُ الْحُكْمِ. يُقَالُ: بَطَلَ الشَّيْءُ يَبْطُلُ بَطَلاً وَبُطْلاَنًا بِمَعْنَى: ذَهَبَ ضَيَاعًا وَخُسْرَانًا، أَوْ سَقَطَ حُكْمُهُ، وَمِنْ مَعَانِيهِ: الْحُبُوطُ.

وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِلْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ.

فَفِي الْعِبَادَاتِ: الْبُطْلاَنُ: عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ حَتَّى كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ. كَمَا لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ.

وَالْبُطْلاَنُ فِي الْمُعَامَلاَتِ يَخْتَلِفُ فِيهَا تَعْرِيفُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْ تَقَعَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ، وَيَنْشَأُ عَنِ الْبُطْلاَنِ تَخَلُّفُ الأْحْكَامِ  كُلِّهَا عَنِ التَّصَرُّفَاتِ، وَخُرُوجُهَا عَنْ كَوْنِهَا أَسْبَابًا مُفِيدَةً لِتِلْكَ الأْحْكَامِ  الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَبُطْلاَنُ الْمُعَامَلَةِ لاَ يُوَصِّلُ إِلَى الْمَقْصُودِ الدُّنْيَوِيِّ أَصْلاً؛  لأِنَّ  آثَارَهَا لاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا.

وَتَعْرِيفُ الْبُطْلاَنِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ تَعْرِيفُ الْفَسَادِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ: أَنْ تَقَعَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ أَوْ بِوَصْفِهِ أَوْ بِهِمَا.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْفَسَادُ:

2 - الْفَسَادُ: مُرَادِفٌ لِلْبُطْلاَنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) فَكُلٌّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي يُخَالِفُ وُقُوعُهُ الشَّرْعَ، وَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الآْثَارُ، وَلاَ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ.

وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي بَعْضِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ، كَالْحَجِّ وَالْعَارِيَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَالْفَسَادُ يُبَايِنُ الْبُطْلاَنَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَامَلاَتِ، فَالْبُطْلاَنُ عِنْدَهُمْ: مُخَالَفَةُ الْفِعْلِ لِلشَّرْعِ لِخَلَلٍ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ شَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.

أَمَّا الْفَسَادُ فَهُوَ: مُخَالَفَةُ الْفِعْلِ لِلشَّرْعِ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ، وَلَوْ مَعَ مُوَافَقَةِ الشَّرْعِ فِي أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.

ب - الصِّحَّةُ:

3 - الصِّحَّةُ فِي اللُّغَةِ. بِمَعْنَى: السَّلاَمَةِ فَالصَّحِيحُ ضِدُّ الْمَرِيضِ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: وُقُوعُ الْفِعْلِ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ بِاسْتِجْمَاعِ الأْرْكَانِ وَالشُّرُوطِ. وَأَثَرُهُ فِي الْمُعَامَلاَتِ: تَرَتُّبُ ثَمَرَةِ التَّصَرُّفِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ عَلَيْهِ، كَحِلِّ الاِنْتِفَاعِ فِي الْبَيْعِ، وَالاِسْتِمْتَاعِ فِي النِّكَاحِ.

وَأَثَرُهُ فِي الْعِبَادَاتِ هُوَ سُقُوطُ الْقَضَاءِ بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ.

ج - الاِنْعِقَادُ:

4 - الاِنْعِقَادُ: يَشْمَلُ الصِّحَّةَ، وَيَشْمَلُ الْفَسَادَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَهُوَ ارْتِبَاطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ شَرْعًا. أَوْ هُوَ: تَعَلُّقُ كُلٍّ مِنَ الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالآْخَرِ  عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ، يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي مُتَعَلَّقِهِمَا.

فَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ مُنْعَقِدٌ بِأَصْلِهِ، وَلَكِنَّهُ فَاسِدٌ بِوَصْفِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. فَالاِنْعِقَادُ ضِدُّ الْبُطْلاَنِ.

عَدَمُ التَّلاَزُمِ بَيْنَ بُطْلاَنِ التَّصَرُّفِ فِي الدُّنْيَا وَبُطْلاَنِ أَثَرِهِ فِي الآْخِرَةِ:

5 - لاَ تَلاَزُمَ بَيْنَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ أَوْ بُطْلاَنِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ بُطْلاَنِ أَثَرِهِ فِي الآْخِرَةِ، فَقَدْ يَكُونُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ فِي الدُّنْيَا، لاِسْتِكْمَالِهِ الأْرْكَانَ  وَالشُّرُوطَ الْمَطْلُوبَةَ شَرْعًا، لَكِنِ اقْتَرَنَ بِهِ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ مَا يُبْطِلُ ثَمَرَتَهُ فِي الآْخِرَةِ، فَلاَ يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ، بَلْ قَدْ يَلْزَمُهُ الإْثْمُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «إِنَّمَا الأْعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» وَقَدْ يَصِحُّ الْعَمَلُ وَيَسْتَحِقُّ عَامِلُهُ الثَّوَابَ، وَلَكِنْ يُتْبِعُهُ صَاحِبُهُ عَمَلاً يُبْطِلُهُ، فَالْمَنُّ وَالأْذَى يُبْطِلُ أَجْرَ  الصَّدَقَةِ، لقوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأْذَى)  وَقَالَ:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).

6 - وَيُوَضِّحُ الشَّاطِبِيُّ ذَلِكَ فَيَقُولُ: يُرَادُ بِالْبُطْلاَنِ إِطْلاَقَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا نَقُولُ فِي الْعِبَادَاتِ: إِنَّهَا غَيْرُ مُجْزِئَةٍ وَلاَ مُبَرِّئَةٍ لِلذِّمَّةِ وَلاَ مُسْقِطَةٍ لِلْقَضَاءِ، فَهِيَ بَاطِلَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى لِمُخَالَفَتِهَا لِمَا قَصَدَ الشَّارِعُ فِيهَا. وَقَدْ تَكُونُ بَاطِلَةً لِخَلَلٍ فِي بَعْضِ أَرْكَانِهَا أَوْ شُرُوطِهَا، كَكَوْنِهَا نَاقِصَةً رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً.

وَنَقُولُ أَيْضًا فِي الْعَادَاتِ: إِنَّهَا بَاطِلَةٌ، بِمَعْنَى عَدَمِ حُصُولِ فَوَائِدِهَا بِهَا شَرْعًا، مِنْ حُصُولِ إِمْلاَكٍ وَاسْتِبَاحَةِ فُرُوجٍ وَانْتِفَاعٍ بِالْمَطْلُوبِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُرَادَ بِالْبُطْلاَنِ عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الآْخِرَةِ، وَهُوَ الثَّوَابُ. فَتَكُونُ الْعِبَادَةُ بَاطِلَةً بِالإْطْلاَقِ الأْوَّلِ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا جَزَاءٌ؛ لأِنَّ هَا غَيْرُ مُطَابِقَةٍ لِمُقْتَضَى الأْمْرِ بِهَا، كَالْمُتَعَبِّدِ رِئَاءَ النَّاسِ، فَهِيَ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ

وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ، وَقَدْ تَكُونُ صَحِيحَةً بِالإْطْلاَقِ الأْوَّلِ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ أَيْضًا، كَالْمُتَصَدِّقِ بِالصَّدَقَةِ يُتْبِعُهَا بِالْمَنِّ وَالأْذَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأْذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ).

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلإْقْدَامِ عَلَى تَصَرُّفٍ بَاطِلٍ مَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ:

7 - الإْقْدَامُ عَلَى فِعْلٍ بَاطِلٍ - مَعَ الْعِلْمِ بِبُطْلاَنِهِ - حَرَامٌ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ؛ لاِرْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ بِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوعَ؛ لأِنَّ  الْبُطْلاَنَ وَصْفٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ، كَالصَّلاَةِ بِدُونِ طَهَارَةٍ، وَالأْكْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَمْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُعَامَلاَتِ، كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَكَالاِسْتِئْجَارِ عَلَى النَّوْحِ، وَكَرَهْنِ الْخَمْرِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ، وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ، أَمْ كَانَ فِي النِّكَاحِ، كَنِكَاحِ الأْمِّ وَالْبِنْتِ.

وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الْفَاسِدَ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ بَعْضَ الأْحْكَامِ  - كَإِفَادَتِهِ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ مَثَلاً - إِلاَّ أَنَّ الإْقْدَامَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، وَيَجِبُ فَسْخُهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى دَفْعًا لِلْفَسَادِ؛ لأِنَّ  فِعْلَهُ مَعْصِيَةٌ، فَعَلَى الْعَاقِدِ التَّوْبَةُ مِنْهُ بِفَسْخِهِ.

وَيُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الإِْقْدَامِ عَلَى التَّصَرُّفِ الْبَاطِلِ حَالَةُ الضَّرُورَةِ، كَالْمُضْطَرِّ يَشْتَرِي الْمَيْتَةَ.

هَذَا فِيمَنْ يُقْدِمُ عَلَى الْبَاطِلِ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلاَنِهِ.

8 - وَأَمَّا الإْقْدَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ الْبَاطِلِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ، فَهَذَا يَشْمَلُ النَّاسِيَ وَالْجَاهِلَ. وَالأْصْلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَاهِلِ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، فَمَنْ بَاعَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الْبَيْعِ، وَمَنْ آجَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الإْجَارَةِ، وَمَنْ صَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الصَّلاَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ مَا يُرِيدُ الإْقْدَامَ عَلَيْهِ، لقوله تعالي : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)  فَلاَ يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي شَيْءٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَهُ، فَيَكُونُ طَلَبُ الْعِلْمِ وَاجِبًا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ.

وَتَرْكُ التَّعَلُّمِ مَعْصِيَةٌ يُؤَاخَذُ بِهَا.

أَمَّا الْمُؤَاخَذَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّصَرُّفِ الَّذِي وَقَعَ بَاطِلاً مَعَ الْجَهْلِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ: أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ تَسَامَحَ فِي جَهَالاَتٍ فِي الشَّرِيعَةِ، فَعَفَا عَنْ مُرْتَكِبِهَا، وَأَخَذَ بِجَهَالاَتٍ، فَلَمْ يَعْفُ عَنْ مُرْتَكِبِهَا. وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيلِ مُصْطَلَحَ (جَهْلٌ، نِسْيَانٌ).

الإْنْكَارُ عَلَى مَنْ فَعَلَ الْبَاطِلَ:

9 - إِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُتَّفَقًا عَلَى بُطْلاَنِهِ، فَإِنْكَارُهُ وَاجِبٌ عَلَى مُسْلِمٍ. أَمَّا إِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَلاَ إِنْكَارَ فِيهِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الإْنْكَارُ مِنَ الْمُنْكِرِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا اجْتُمِعَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلاَ إِنْكَارَ فِيهِ؛ لأِنَّ  كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أَوِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَلاَ نَعْلَمُهُ، وَلَمْ يَزَلِ الْخِلاَفُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي الْفُرُوعِ، وَلاَ يُنْكِرُ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ أَمْرًا مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا خَالَفَ نَصًّا، أَوْ إِجْمَاعًا قَطْعِيًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ لاَ يَرَى تَحْرِيمَهُ، فَإِنْ كَانَ يَرَاهُ فَالأْصَحُّ الإْنْكَارُ.

وَفِي كُلِّ ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (إِنْكَار، أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، اجْتِهَاد، تَقْلِيد، اخْتِلاَف، إِفْتَاء، رُخْصَة).

الاِخْتِلاَفُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ:

10 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ فِي التَّصَرُّفَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ، كَالصَّلاَةِ مَعَ تَرْكِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، أَوْ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا، أَمْ كَانَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ، كَالْعَقْدِ عَلَى إِحْدَى الْمَحَارِمِ، أَمْ كَانَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالشِّرَاءِ بِالْخَمْرِ، وَالْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا، فَكُلٌّ مِنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ يُوصَفُ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي يَقَعُ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ لَمْ يَعْتَبِرْهُ، وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ أَيَّ أَثَرٍ مِنَ الآْثَارِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْفِعْلِ الصَّحِيحِ.

فَالْجُمْهُورُ يُطْلِقُونَهُمَا، وَيُرِيدُونَ بِهِمَا مَعْنًى وَاحِدًا، وَهُوَ: وُقُوعُ الْفِعْلِ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْخِلاَفُ رَاجِعًا إِلَى فَوَاتِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْفِعْلِ، أَمْ رَاجِعًا إِلَى فَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمْ - عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ - يُوَافِقُونَ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّ الْبُطْلاَنَ وَالْفَسَادَ مُتَرَادِفَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَاتِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَامَلاَتِ، فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ الْجُمْهُورَ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، وَيَجْعَلُونَ لِلْفَسَادِ مَعْنًى يُخَالِفُ مَعْنَى الْبُطْلاَنِ، وَيَقُومُ هَذَا التَّفْرِيقُ عَلَى أَسَاسِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَصْلِ الْعَقْدِ وَوَصْفِهِ.

فَأَصْلُ الْعَقْدِ هُوَ أَرْكَانُهُ وَشَرَائِطُ انْعِقَادِهِ، مِنْ أَهْلِيَّةِ الْعَاقِدِ وَمَحَلِّيَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِمَا، كَالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ... وَهَكَذَا.

أَمَّا وَصْفُ الْعَقْدِ، فَهِيَ شُرُوطُ الصِّحَّةِ، وَهِيَ الْعَنَاصِرُ الْمُكَمِّلَةُ لِلْعَقْدِ، كَخُلُوِّهِ عَنِ الرِّبَا، وَعَنْ شَرْطٍ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَعَنِ الْغَرَرِ وَالضَّرَرِ.

وَعَلَى هَذَا الأْسَاسِ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا حَصَلَ خَلَلٌ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ - بِأَنْ تَخَلَّفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ، أَوْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِهِ - كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلاً، وَلاَ وُجُودَ لَهُ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيُّ أَثَرٍ دُنْيَوِيٍّ؛ لأِنَّ هُ لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ إِلاَّ مِنَ الأْهْلِ فِي الْمَحَلِّ، وَيَكُونُ الْعَقْدُ فَائِتَ الْمَعْنَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ فَحَسْبُ، إِمَّا لاِنْعِدَامِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، أَوْ لاِنْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْمُتَصَرِّفِ كَالْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنَ الْمَجْنُونِ أَوِ الصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يَعْقِلُ.

أَمَّا إِذَا كَانَ أَصْلُ الْعَقْدِ سَالِمًا مِنَ الْخَلَلِ، وَحَصَلَ خَلَلٌ فِي الْوَصْفِ، بِأَنِ اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، أَوْ رِبًا، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ فَاسِدًا لاَ بَاطِلاً، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الآْثَارِ دُونَ بَعْضٍ.

11 - وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الاِخْتِلاَفِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ، يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلاَفِ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ فِي أَثَرِ النَّهْيِ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْعَمَلِ اللاَّزِمَةِ لَهُ، كَالنَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا أَوْ شَرْطٍ فَاسِدٍ.

فَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَقْتَضِي بُطْلاَنَ كُلٍّ مِنَ الْوَصْفِ وَالأْصْلِ، كَأَثَرِ النَّهْيِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ وَحَقِيقَتِهِ، وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِوَصْفٍ لاَزِمٍ لَهُ اسْمَ الْفَاسِدِ أَوِ الْبَاطِلِ، وَلاَ يُرَتِّبُونَ عَلَيْهِ أَيَّ أَثَرٍ مِنَ الآْثَارِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَيْعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الرِّبَا، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، أَوْ نَحْوِ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِلِ عِنْدَهُمْ أَوِ الْفَاسِدِ.

وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَقْتَضِي بُطْلاَنَ الْوَصْفِ فَقَطْ، أَمَّا أَصْلُ الْعَمَلِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ بِخِلاَفِ النَّهْيِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ وَحَقِيقَتِهِ، وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِوَصْفٍ لاَزِمٍ لَهُ اسْمَ الْفَاسِدِ لاَ الْبَاطِلِ، وَيُرَتِّبُونَ عَلَيْهِ بَعْضَ الآْثَارِ دُونَ بَعْضٍ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَيْعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الرِّبَا، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ قَبِيلِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُمْ، لاَ مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِلِ.

12 - وَقَدِ اسْتَدَلَّ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ، أَهَمُّهَا مَا يَأْتِي:

أَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مَتَى خَالَفَ أَمْرَ الشَّارِعِ صَارَ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي نَظَرِهِ، فَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الأْحْكَامُ الَّتِي يَقْصِدُهَا مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمُخَالَفَةُ رَاجِعَةً إِلَى ذَاتِ الْعَمَلِ وَحَقِيقَتِهِ، أَمْ إِلَى وَصْفٍ مِنَ الأْوْصَافِ اللاَّزِمَةِ لَهُ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمُ اسْتَنَدُوا إِلَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ وَضَعَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ أَسْبَابًا لأِحْكَامٍ  تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَإِذَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا لِوَصْفٍ مِنَ الأْوْصَافِ اللاَّزِمَةِ لَهُ، كَانَ النَّهْيُ مُقْتَضِيًا بُطْلاَنَ هَذَا الْوَصْفِ فَقَطْ؛ لأِنَّ  النَّهْيَ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِ، فَيَقْتَصِرُ أَثَرُهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ هَذَا الْوَصْفِ مُخِلًّا بِحَقِيقَةِ التَّصَرُّفِ الْمَوْصُوفِ بِهِ، بَقِيَتْ حَقِيقَتُهُ قَائِمَةً، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُقْتَضَاهُ. فَإِذَا كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بَيْعًا مَثَلاً، وَوُجِدَتْ حَقِيقَتُهُ بِوُجُودِ رُكْنِهِ وَمَحَلِّهِ، ثَبَتَ الْمِلْكُ بِهِ نَظَرًا لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ، وَوَجَبَ فَسْخُهُ نَظَرًا لِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ الْجَانِبَيْنِ، وَإِعْطَاءُ كُلٍّ مِنْهَا حُكْمَهُ اللاَّئِقَ بِهِ. إِلاَّ أَنَّ الْعِبَادَاتِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الاِمْتِثَالَ وَالطَّاعَةَ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ هَذَا إِلاَّ إِذَا لَمْ تَحْصُلْ فِيهَا مُخَالَفَةٌ مَا، لاَ فِي الأْصْلِ وَلاَ فِي الْوَصْفِ، كَانَتْ مُخَالَفَةُ أَمْرِ الشَّارِعِ فِيهَا مُقْتَضِيَةً لِلْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ هَذِهِ الْمُخَالَفَةُ رَاجِعَةً إِلَى ذَاتِ الْعِبَادَةِ، أَمْ إِلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا اللاَّزِمَةِ.

بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَذْكُرَ أَنَّ الْجُمْهُورَ وَإِنْ كَانُوا لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ - عَلَى مَا جَاءَ فِي قَوَاعِدِهِمُ الْعَامَّةِ - إِلاَّ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ وُجُودُ الْخِلاَفِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ نُصُوصِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنَ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ، أَوْ لِلتَّفْرِقَةِ فِي مَسَائِلِ الدَّلِيلِ كَمَا يَقُولُ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهِ.

تَجَزُّؤُ الْبُطْلاَنِ:

13 - الْمُرَادُ بِتَجَزُّؤِ الْبُطْلاَنِ: أَنْ يَشْمَلَ التَّصَرُّفَ عَلَى مَا يَجُوزُ وَمَا لاَ يَجُوزُ، فَيَكُونُ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ بَاطِلاً.

وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا يُسَمَّى بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا يَجُوزُ وَمَا لاَ يَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ.

وَأَهَمُّ الصُّوَرِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْبَيْعِ وَهِيَ.

14 - عَقْدُ الْبَيْعِ إِذَا كَانَ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ بَاطِلاً، كَبَيْعِ الْعَصِيرِ وَالْخَمْرِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمُذَكَّاةِ وَالْمَيْتَةِ، فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ - عَدَا ابْنِ الْقَصَّارِ مِنْهُمْ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ (وَادَّعَى فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ)، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ.

وَذَلِكَ لأِنَّهُ مَتَى بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْبَعْضِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ؛ لأِنَّ  الصَّفْقَةَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ، أَوْ لِتَغْلِيبِ الْحَرَامِ عَلَى الْحَلاَلِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا، أَوْ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ.

 وَالْقَوْلُ الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ - قَالُوا: وَهُوَ الأْظْهَرُ - وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَجْزِئَةُ الصَّفْقَةِ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيمَا يَجُوزُ، وَيَبْطُلُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ  الإْبْطَالَ فِي الْكُلِّ لِبُطْلاَنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِ الْكُلِّ لِصِحَّةِ أَحَدِهِمَا، فَيَبْقَيَانِ عَلَى حُكْمِهِمَا، وَيَصِحُّ فِيمَا يَجُوزُ وَيَبْطُلُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ عُيِّنَ ابْتِدَاءً لِكُلِّ شِقٍّ حِصَّتُهُ مِنَ الثَّمَنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نُعْتَبَرُ الصَّفْقَةُ صَفْقَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، تَجُوزُ فِيهِمَا التَّجْزِئَةُ، فَتَصِحُّ وَاحِدَةٌ، وَتَبْطُلُ الأْخْرَى.

وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ مَوْقُوفًا، كَالْجَمْعِ بَيْنَ مَا يَمْلِكُهُ وَمَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ، وَبَيْعِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِيهِمَا وَيَلْزَمُ فِي مِلْكِهِ، وَيَقِفُ اللاَّزِمُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى إِجَازَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ عَدَا زُفَرَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَاعِدَةِ عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً، وَجَوَازِ ذَلِكَ بَقَاءً. وَعِنْدَ زُفَرَ: يَبْطُلُ الْجَمِيعُ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَالْمَجْمُوعُ لاَ يَتَجَزَّأُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَجْرِي الْخِلاَفُ السَّابِقُ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ فِي الأْصَحِّ.

15 - كَذَلِكَ تَجْرِي التَّجْزِئَةُ فِي النِّكَاحِ، فَلَوْ جُمِعَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَيْنَ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لاَ تَحِلُّ، كَمُسْلِمَةٍ وَوَثَنِيَّةٍ، صَحَّ نِكَاحُ الْحَلاَلِ اتِّفَاقًا، وَبَطَلَ فِي مَنْ لاَ تَحِلُّ.

 أَمَّا لَوْ جُمِعَ بَيْنَ خَمْسٍ، أَوْ بَيْنَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ؛ لأِنَّ  الْمُحَرَّمَ الْجَمْعُ، لاَ إِحْدَاهُنَّ أَوْ إِحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَإِنَّمَا يَجْرِي خِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا لَوْ جُمِعَ بَيْنَ أَمَةٍ وَحُرَّةٍ مَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَبْطُلُ فِيهِمَا، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ صَحَّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الأْمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَالْحُكْمُ فِي سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَامَلاَتِ كَالإْجَارَةِ وَغَيْرِهَا كَالْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ عَقَدَ الْفُقَهَاءُ فَصْلاً لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا مِنْ تَصَرُّفَاتٍ. انْظُرْ (تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ).

بُطْلاَنُ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ بُطْلاَنَ مَا فِي ضِمْنِهِ وَمَا بُنِيَ عَلَيْهِ:

16 - مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الأْشْبَاهِ: إِذَا بَطَلَ الشَّيْءُ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إِذَا بَطَلَ الْمُتَضَمِّنُ (بِالْكَسْرِ) بَطَلَ الْمُتَضَمَّنُ (بِالْفَتْحِ) وَأَوْرَدَ لِذَلِكَ عِدَّةَ أَمْثِلَةٍ مِنْهَا:

أ - لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ دَمِي بِأَلْفٍ، فَقَتَلَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلاَ يُعْتَبَرُ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنَ الإْذْنِ بِقَتْلِهِ.

ب - التَّعَاطِي ضِمْنَ عَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ لاَ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ.

ج - لَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ أَقَرَّ لَهُ ضِمْنَ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَسَدَ الإْبْرَاءُ.

د - لَوْ جَدَّدَ النِّكَاحَ لِمَنْكُوحَتِهِ بِمَهْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لأِنَّ  النِّكَاحَ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ، فَلَمْ يَلْزَمْ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنَ الْمَهْرِ.

إِلاَّ أَنَّ أَغْلَبَ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ تُجْرِي الْقَاعِدَةَ عَلَى الْفَسَادِ لاَ عَلَى الْبُطْلاَنِ؛ لأِنَّ  الْبَاطِلَ مَعْدُومٌ شَرْعًا أَصْلاً وَوَصْفًا، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَتَضَمَّنُ شَيْئًا، أَمَّا الْفَاسِدُ فَهُوَ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الأْصْلِ، فَلَمْ يَكُنْ مَعْدُومًا بِأَصْلِهِ فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمَّنًا، فَإِنْ فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ.

17 - هَذَا وَالْمَذَاهِبُ الأْخْرَى - وَهِيَ الَّتِي لاَ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ - تَسِيرُ عَلَى هَذَا النَّهْجِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا. فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: الْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ، إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْمَأْذُونِ، صَحَّتْ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ إِذَا أَفْسَدْنَاهَا فَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ، صَحَّ لِوُجُودِ الإْذْنِ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مَعَ شَرْطِ عِوَضٍ فَاسِدٍ لِلْوَكِيلِ، فَالإْذْنُ صَحِيحٌ وَالْعِوَضُ فَاسِدٌ.

وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ: الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا نُفُوذَ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا بِالإْذْنِ. ثُمَّ يُفَرِّقُ بَيْنَ الإْذْنِ فِي الْبَيْعِ - وَهُوَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ - وَبَيْنَ الإْذْنِ فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، فَيَقُولُ: الْبَيْعُ وُضِعَ لِنَقْلِ الْمِلْكِ لاَ لِلإْذْنِ، وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ تُسْتَفَادُ مِنَ الْمِلْكِ لاَ مِنَ الإْذْنِ، بِخِلاَفِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلإْذْنِ.

وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا تَصَرَّفَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ؛ لأِنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ بَقِيَ الإْذْنُ، فَمَلَكَ بِهِ التَّصَرُّفَ.

وَقَوَاعِدُ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تَأْبَى ذَلِكَ.

هَذِهِ هِيَ قَاعِدَةُ التَّضَمُّنِ. لَكِنْ هُنَاكَ قَاعِدَةٌ أُخْرَى شَبِيهَةٌ بِهَا، وَهِيَ: إِذَا سَقَطَ الأْصْلُ سَقَطَ الْفَرْعُ، وَمِنْهَا: التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ، وَقَدْ مَثَّلَ الْفُقَهَاءُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ مِنَ الدَّيْنِ، فَكَمَا أَنَّهُ يَبْرَأُ الْمَدِينُ يَبْرَأُ مِنْهُ الْكَفِيلُ أَيْضًا؛ لأِنَّ  الْمَدِينَ فِي الدَّيْنِ أَصْلٌ، وَالْكَفِيلَ فَرْعٌ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثامن   ، الصفحة /  115

تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ:

18 - تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِصُورَتَيْنِ:

الأْولَى: إِذَا ارْتَفَعَ مَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ فَهَلْ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا

الثَّانِيَةُ: أَنْ تُؤَدِّيَ صِيغَةُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ إِلَى مَعْنَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ.

19 أَمَّا الصُّورَةُ الأْولَى: فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ لاَ يَصِيرُ الْعَقْدُ الْبَاطِلُ صَحِيحًا عِنْدَهُمْ إِذَا ارْتَفَعَ مَا يُبْطِلُهُ. وَعَلَى ذَلِكَ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ، وَالزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالْبَذْرِ فِي الْبِطِّيخِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ؛ لأِنَّ هُ لاَ يُعْلَمُ وُجُودُهُ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ، حَتَّى لَوْ سُلِّمَ اللَّبَنُ أَوِ الدَّقِيقُ أَوِ الْعَصِيرُ لاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا؛ لأِنَّ  الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ  كَالْمَعْدُومِ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَلاَ يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُ الْعَقْدِ بِدُونِهِ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلاً، فَلاَ يَحْتَمِلُ التَّصْحِيح.

أَمَّا الْجُمْهُورُ (وَهُمْ لاَ يُفَرِّقُونَ فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ) فَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ كَالْحَنَفِيَّةِ، لاَ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ الْبَاطِلُ صَحِيحًا بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ.

فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ حَذَفَ الْعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ، وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ، لَمْ يَنْقَلِبِ الْعَقْدُ صَحِيحًا؛ إِذْ لاَ عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ.

وَفِي مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ: الْفَاسِدُ لاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنَّهُمْ يُوَافِقُونَ الْجُمْهُورَ فِي هَذَا الْحُكْمِ، إِلاَّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطٍ لاَ يُؤَدِّي إِلَى الإْخْلاَلِ بِشَيْءٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا إِذَا أُسْقِطَ الشَّرْطُ، وَذَلِكَ كَبَيْعِ الثُّنْيَا، وَهُوَ أَنْ يَبْتَاعَ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ فَالسِّلْعَةُ لَهُ، وَكَالْبَيْعِ بِشَرْطِ السَّلَفِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ عِنْدَهُمْ يَكُونُ فَاسِدًا، لَكِنَّهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا إِنْ حُذِفَ الشَّرْطُ.

أَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ تَحَوُّلُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ إِلَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ، فَيَكَادُ الْفُقَهَاءُ يَتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ تَحْوِيلُ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ إِلَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ - لِتَوَفُّرِ أَسْبَابِ الصِّحَّةِ فِيهِ - صَحَّ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الصِّحَّةُ عَنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، أَمْ عَنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْبَعْضِ الآْخَرِ؛ نَظَرًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي قَاعِدَةِ: هَلِ الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا.

21 - وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا يَأْتِي:

الْمُضَارَبَةُ، وَهِيَ: أَنْ يَدْفَعَ شَخْصٌ إِلَى آخَرَ مَالَهُ لِيَتَّجِرَ فِيهِ، وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ، وَيُسَمَّى الْقَائِمُ بِالتِّجَارَةِ مُضَارِبًا، فَلَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْمُضَارِبِ لَمْ يَكُنْ مُضَارَبَةً، وَلَكِنْ يَكُونُ قَرْضًا، تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ؛ لأِنَّ هُ لَوْ بَقِيَ مُضَارَبَةً لَكَانَ بَاطِلاً؛ لأِنَّ  الْمُضَارِبَ لاَ يَمْلِكُ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ حَتَّى يَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لَهُ، فَجُعِلَ قَرْضًا؛ نَظَرًا لِلْمَعْنَى، لِيَصِحَّ الْعَقْدُ.

وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، اعْتُبِرَ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِبْضَاعًا، تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ الْمُضَارِبُ وَكِيلاً مُتَبَرِّعًا لِصَاحِبِ الْمَالِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ.

وَبِهِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَصَحَّحُوا الْوَكَالَةَ إِذَا عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، وَالْحَوَالَةَ إِذَا عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ؛ لاِشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى، حَيْثُ قَالُوا: إِنْ أَحَالَ مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ رَجُلاً عَلَى رَجُلٍ آخَرَ مَدِينٍ لَهُ، لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّصَرُّفُ حَوَالَةً، بَلْ وَكَالَةً تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا، وَإِنْ أَحَالَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَاحِبَ الدَّيْنِ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، لَمْ يُجْعَلْ هَذَا التَّصَرُّفُ حَوَالَةً، بَلِ اقْتِرَاضًا.

وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَحَالَهُ لاَ دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ اعْتُبِرَ وَكَالَةً فِي الاِقْتِرَاضِ.

وَفِي الْفِقْهِ الشَّافِعِيِّ: إِذَا وَهَبَ شَخْصٌ لآِخَرَ شَيْئًا بِشَرْطِ الثَّوَابِ، اعْتُبِرَ هَذَا التَّصَرُّفُ بَيْعًا بِالثَّمَنِ لاَ هِبَةً، فِي أَصَحِّ الأْقْوَالِ.

الْبَاطِلُ لاَ يَصِيرُ صَحِيحًا بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ:

22 - التَّصَرُّفَاتُ الْبَاطِلَةُ لاَ تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِنَفَاذِ التَّصَرُّفَاتِ الْبَاطِلَةِ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ وَعَوْدَتِهِ يُعْتَبَرُ قَائِمًا فِي نَفْسِ الأْمْرِ، وَلاَ يَحِلُّ لأِحَدٍ الاِنْتِفَاعُ بِحَقِّ غَيْرِهِ نَتِيجَةَ تَصَرُّفٍ بَاطِلٍ مَا دَامَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ. فَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لاَ يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً.

هَذَا هُوَ الأْصْلُ، وَالْقُضَاةُ إِنَّمَا يَقْضُونَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ أَدِلَّةٍ وَحُجَجٍ يَبْنُونَ عَلَيْهَا أَحْكَامَهُمْ، وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِ الأْمْرِ.

وَلِذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  فِيمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْهُ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِمَا أَسْمَعُ، وَأَظُنُّهُ صَادِقًا، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».

23 - وَمُضِيِّ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ عَلَى أَيِّ تَصَرُّفٍ، مَعَ عَدَمِ تَقَدُّمِ أَحَدٍ إِلَى الْقَضَاءِ بِدَعْوَى بُطْلاَنِ هَذَا التَّصَرُّفِ، رُبَّمَا يَعْنِي صِحَّةَ هَذَا التَّصَرُّفِ أَوْ رِضَى صَاحِبِ الْحَقِّ بِهِ. وَمِنْ هُنَا نَشَأَ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِهَا بِحَسَبِ الأْحْوَالِ، وَبِحَسَبِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَبِحَسَبِ الْقَرَابَةِ وَعَدَمِهَا، وَمُدَّةِ الْحِيَازَةِ، لَكِنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ الَّتِي تَمْنَعُ سَمَاعَ الدَّعْوَى لاَ أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ، إِنْ كَانَ بَاطِلاً. يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ: الْحَقُّ لاَ يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، قَذْفًا أَوْ قِصَاصًا أَوْ لِعَانًا أَوْ حَقًّا لِلْعَبْدِ.

وَيَقُولُ: يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، إِلاَّ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: لَوْ قَضَى بِبُطْلاَنِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِالتَّقَادُمِ.

وَفِي التَّكْمِلَةِ لاِبْنِ عَابِدِينَ: مِنَ الْقَضَاءِ الْبَاطِلِ: الْقَضَاءُ بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ سِنِينَ. ثُمَّ يَقُولُ. عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ ثَلاَثِينَ سَنَةً، أَوْ بَعْدَ الاِطِّلاَعِ عَلَى التَّصَرُّفِ، لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى بُطْلاَنِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مَنْعٍ لِلْقَضَاءِ عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى، مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ لِصَاحِبِهِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ يَلْزَمُهُ.

وَفِي مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأِنَّ هَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ، فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ.

وَالْمَالِكِيَّةُ - وَإِنْ كَانُوا يَشْتَرِطُونَ لِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى حِيَازَةَ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ مُدَّةً تَخْتَلِفُ بِحَسَبِهِ مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ - إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْمُدَّعِي حَاضِرًا مُدَّةَ حِيَازَةِ الْغَيْرِ، وَيَرَاهُ يَقُومُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالتَّصَرُّفِ وَهُوَ سَاكِتٌ. أَمَّا إِذَا كَانَ يُنَازِعُهُ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ لاَ تُفِيدُ شَيْئًا مَهْمَا طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَفِي فَتْحِ الْعَلِيِّ لِمَالِكٍ: رَجُلٌ اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضٍ بَعْدَ مَوْتِ أَهْلِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، مَعَ وُجُودِ وَرَثَتِهِمْ، وَبَنَاهَا وَنَازَعَهُ الْوَرَثَةُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مَنْعِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ رُؤَسَاءِ بَلْدَتِهِمْ، فَهَلْ لاَ تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا؟ أُجِيبَ: نَعَمْ. لاَ تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا... سَمِعَ يَحْيَى مِنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ عُرِفَ بِغَصْبِ أَمْوَالِ النَّاسِ لاَ يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ مَالَ غَيْرِهِ فِي وَجْهِهِ، فَلاَ يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، وَإِنْ طَالَ بِيَدِهِ أَعْوَامًا إِنْ أَقَرَّ بِأَصْلِ الْمِلْكِ لِمُدَّعِيهِ، أَوْ قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ؛ لأِنَّ  الْحِيَازَةَ لاَ تُوجِبُ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا هِيَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ تُوجِبُ تَصْدِيقَ غَيْرِ الْغَاصِبِ فِيمَا ادَّعَاهُ مَنْ تَصِيرُ إِلَيْهِ؛ لأِنَّ  الظَّاهِرَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ، وَهُوَ حَاضِرٌ لاَ يَطْلُبُهُ وَلاَ يَدَّعِيهِ، إِلاَّ وَقَدْ صَارَ إِلَى حَائِزَةٍ إِذَا حَازَهُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوَهَا.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني عشر ، الصفحة / 58

تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ :

11-  الْفُقَهَاءُ عَدَا الْحَنَفِيَّةَ لاَ يُفَرِّقُونَ فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْعَقْدَ لاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ. فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ حَذَفَ الْعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ - وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ - لَمْ يَنْقَلِبِ الْعَقْدُ صَحِيحًا، إِذْ لاَ عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ .

وَفِي الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ: لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِفَهُ أَوْ يُقْرِضَهُ، أَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ وَالْعَقْدُ بَاطِلٌ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو  رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ   صلي الله عليه وسلم  نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» . وَلأِنَّهُ  اشْتَرَطَ عَقْدًا فِي عَقْدٍ فَفَسَدَ كَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ؛ وَلأِنَّهُ  إِذَا اشْتَرَطَ الْقَرْضَ زَادَ فِي الثَّمَنِ لأِجْلِهِ، فَتَصِيرُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ عِوَضًا عَنِ الْقَرْضِ وَرِبْحًا لَهُ، وَذَلِكَ رِبًا مُحَرَّمٌ، فَفَسَدَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ؛ وَلأِنَّهُ  بَيْعٌ فَاسِدٌ فَلاَ يَعُودُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ ثُمَّ تَرَكَ أَحَدَهُمَا .

وَفِي بَابِ الرَّهْنِ قَالَ: لَوْ بَطَلَ الْعَقْدُ لَمَا عَادَ صَحِيحًا .

وَفِي شَرْحِ منتهى الإرادات: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَصِحُّ الْعَقْدُ إِذَا حُذِفَ الشَّرْطُ الْمُفْسِدُ لِلْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْطًا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، أَمْ كَانَ شَرْطًا يُخِلُّ بِالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، إِلاَّ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ مَعَهَا وَلَوْ حُذِفَ الشَّرْطُ، وَهِيَ:

أ - مَنِ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى أَنَّهُ إِنْ مَاتَ فَالثَّمَنُ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، فَإِِنَّهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَلَوْ أَسْقَطَ هَذَا الشَّرْطَ لأِنَّهُ  غَرَرٌ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ: إِنْ مَاتَ فَلاَ يُطَالِبُ الْبَائِعُ وَرَثَتَهُ بِالثَّمَنِ.

ب - شَرْطُ مَا لاَ يَجُوزُ مِنْ أَمَدِ الْخِيَارِ، فَيَلْزَمُ فَسْخُهُ وَإِنْ  أَسْقَطَ لِجَوَازِ كَوْنِ إِسْقَاطِهِ أَخْذًا بِهِ.

ج - مَنْ بَاعَ أَمَةً وَشَرَطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ لاَ يَطَأَهَا، وَأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ فَهِيَ حُرَّةٌ، أَوْ عَلَيْهِ دِينَارٌ مَثَلاً، فَيُفْسَخُ وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ لأِنَّهُ  يَمِينٌ.

د - شَرْطُ الثُّنْيَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ.

وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ شَرْطًا خَامِسًا وَهُوَ:

هـ - شَرْطُ النَّقْدِ (أَيْ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ) فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَسْقَطَ شَرْطَ النَّقْدِ فَلاَ يَصِحُّ .

وَفِي الإْجَارَةِ  جَاءَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: تَفْسُدُ الإجَارَةُ بِالشَّرْطِ الَّذِي يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَمَحَلُّ الْفَسَادِ إِنْ لَمْ يُسْقِطَ الشَّرْطَ، فَإِنْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ صَحَّتْ .

وَيُوَضِّحُ ابْنُ رُشْدٍ سَبَبَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ أَوْ عَدَمِ صِحَّتِهِ. فَيَقُولُ: هَلْ إِذَا لَحِقَ الْفَسَادُ بِالْبَيْعِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْطِ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ إِذَا ارْتَفَعَ الشَّرْطُ، أَوْ لاَ يَرْتَفِعُ؟ كَمَا لاَ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ اللاَّحِقُ لِلْبَيْعِ الْحَلاَلِ مِنْ أَجْلِ اقْتِرَانِ الْمُحَرَّمِ الْعَيْنَ بِهِ، كَمَنْ بَاعَ غُلاَمًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَزِقِّ خَمْرٍ، فَلَمَّا عَقَدَ الْبَيْعَ قَالَ: أَدَّعِ الزِّقَّ. وَهَذَا الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِإِجْمَاعٍ.

وَهَذَا أَيْضًا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ آخَرَ. هُوَ: هَلْ هَذَا الْفَسَادُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرُ مَعْقُولٍ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، لَمْ يَرْتَفِعِ الْفَسَادُ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ. وَإِنْ  قُلْنَا: مَعْقُولٌ، ارْتَفَعَ الْفَسَادُ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ.

فَمَالِكٌ رَآهُ مَعْقُولاً، وَالْجُمْهُورُ رَأَوْهُ غَيْرَ مَعْقُولٍ، وَالْفَسَادُ الَّذِي يُوجَدُ فِي بُيُوعِ الرِّبَا وَالْغَرَرِ هُوَ أَكْثَرُ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ لَيْسَ يَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ أَصْلاً، وَإِنْ  تُرِكَ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَارْتَفَعَ الْغَرَرُ .

12-وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ - خِلاَفًا لِزُفَرَ - تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، بِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ دُونَ الْبَاطِلِ، وَيَقُولُونَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ: إِنَّ ارْتِفَاعَ الْمُفْسِدِ فِي الْفَاسِدِ يَرُدُّهُ صَحِيحًا، لأِنَّ  الْبَيْعَ قَائِمٌ مَعَ الْفَسَادِ، وَمَعَ الْبُطْلاَنِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِصِفَةِ الْبُطْلاَنِ، بَلْ كَانَ مَعْدُومًا.

وَعِنْدَ زُفَرَ: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ.

لَكِنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا. يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: الأْصْلُ  عِنْدَنَا أَنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى  الْفَسَادِ، فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا بِأَنْ دَخَلَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ - وَهُوَ الْبَدَلُ أَوِ الْمُبْدَلُ - لاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، كَمَا إِذَا بَاعَ عَبْدًا بأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، فَحَطَّ الْخَمْرَ عَنِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فَاسِدٌ وَلاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا.

وَإِنْ  كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بَلْ فِي شَرْطٍ جَائِزٍ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَمْ يُوَقَّتْ، أَوْ وُقِّتَ إِلَى  وَقْتٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ، أَوْ لَمْ يُذْكُرِ الْوَقْتُ، وَكَمَا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى  أَجَلٍ مَجْهُولٍ، فَإِذَا أَسْقَطَ الأْجَلَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ قَبْلَ حُلُولِهِ وَقَبْلَ فَسْخِهِ جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، وَلَوْ كَانَ إِسْقَاطُ الأْجَلِ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ.

وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ بِسَبَبِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ بِالْبَائِعِ فِي التَّسْلِيمِ إِذَا سَلَّمَ الْبَائِعَ بِرِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ - كَمَا إِذَا بَاعَ جِذْعًا لَهُ فِي سَقْفٍ، أَوْ آجُرًّا لَهُ فِي حَائِطٍ، أَوْ ذِرَاعًا فِي دِيبَاجٍ - أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأِنَّهُ  لاَ يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ إِلاَّ بِالنَّزْعِ وَالْقَطْعِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْبَائِعِ، وَالضَّرَرُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ، فَكَانَ هَذَا عَلَى التَّقْدِيرِ بَيْعُ مَا لاَ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ شَرْعًا، فَيَكُونُ فَاسِدًا. فَإِنْ نَزَعَهُ الْبَائِعُ أَوْ قَطَعَهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى  الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ جَازَ الْبَيْعُ؛ لأِنَّ  الْمَانِعَ مِنَ الْجَوَازِ ضَرَرُ الْبَائِعِ بِالتَّسْلِيمِ، فَإِذَا سَلَّمَ بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ، فَجَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ .

وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ طِبْقًا لِقَاعِدَةِ: إِذَا زَالَ الْمَانِعُ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي عَادَ الْحُكْمُ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ. وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَالزَّرْعُ وَالنَّخْلُ فِي الأْرْضِ، وَالتَّمْرُ فِي النَّخِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاعِ؛ لأِنَّ هَا مَوْجُودَةٌ، وَامْتِنَاعُ الْجَوَازِ لِلاِتِّصَالِ، فَإِذَا فَصَّلَهَا وَسَلَّمَهَا جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ .

وَمِثْلُ ذَلِكَ: إِذَا رَهَنَ الأْرْضَ بِدُونِ الْبِنَاءِ، أَوْ بِدُونِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ، أَوْ رَهَنَ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ بِدُونِ الأْرْضِ، أَوْ رَهَنَ الشَّجَرَ بِدُونِ الثَّمَرِ، أَوْ رَهَنَ الثَّمَرَ بِدُونِ الشَّجَرِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ  الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ، وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ. وَلَوْ جُذَّ الثَّمَرُ وَحُصِدَ الزَّرْعُ وَسُلِّمَ مُنْفَصِلاً جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ .

 تَصْحِيحُ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِهِ عَقْدًا آخَرَ :

13-هَذَا، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إِذَا أَمْكَنَ تَحْوِيلُهُ إِلَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ لِتَوَافُرِ أَسْبَابِ الصِّحَّةِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الصِّحَّةُ عَنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، أَمْ عَنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْبَعْضِ الآْخَرِ نَظَرًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي قَاعِدَةِ (هَلِ الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا).

وَنُوَضِّحُ ذَلِكَ بِالأْمْثِلَةِ الآْتِيَةِ:

14-فِي الأْشْبَاهِ لاِبْنِ نُجَيْمٍ: الاِعْتِبَارُ لِلْمَعْنَى لاَ لِلأْلْفَاظِ، صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا: الْكَفَالَةُ، فَهِيَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الأْصِيلِ حَوَالَةً، وَهِيَ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَتِهِ كَفَالَةً .

وَفِي الاِخْتِيَارِ: شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَتَسَاوَى الشَّرِيكَانِ فِي التَّصَرُّفِ وَالدَّيْنِ وَالْمَالِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ.. فَلاَ تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، فَإِذَا عَقَدَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ الْمُفَاوَضَةَ صَارَتْ عِنَانًا عِنْدَهُمَا، لِفَوَاتِ شَرْطِ الْمُفَاوَضَةِ وَوُجُودِ شَرْطِ الْعِنَانِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فَاتَ مِنْ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ  يُجْعَلُ عِنَانًا إِذَا أَمْكَنَ، تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِمَا بِقَدْرِ الإْمْكَانِ .

وَفِي الاِخْتِيَارِ أَيْضًا: عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ، إِنْ شُرِطَ فِيهِ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ فَهُوَ قَرْضٌ؛ لأِنَّ  كُلَّ رِبْحٍ لاَ يُمْلَكُ إِلاَّ بِمِلْكِ رَأْسِ الْمَالِ، فَلَمَّا شُرِطَ لَهُ جَمِيعُ الرِّبْحِ فَقَدْ مَلَّكَهُ رَأْسَ الْمَالِ، وَإِنْ  شُرِطَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ كَانَ إِبْضَاعًا، وَهَذَا مَعْنَاهُ عُرْفًا وَشَرْعًا .

وَجَاءَ فِي مِنَحِ الْجَلِيلِ: مَنْ أَحَالَ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَأَعْلَمَ الْمُحَالَ، صَحَّ عَقْدُ الْحَوَالَةِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ تَصِحَّ، وَتَنْقَلِبُ حَمَالَةً أَيْ كَفَالَةً.  

وَفِي أَشْبَاهِ السُّيُوطِيِّ: هَلِ الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا؟ خِلاَفٌ. التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ فِي الْفُرُوعِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: إِذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا عَلَى أَلْفٍ. إِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ فَسَدَ وَلاَ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ، وَإِنْ  قُلْنَا: عِتْقٌ بِعِوَضٍ، صَحَّ وَوَجَبَ الْمُسَمَّى. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ، فَهُوَ إِقَالَةٌ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَخَرَّجَهُ السُّبْكِيُّ عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَالتَّخْرِيجُ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ: إِنِ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى فَإِقَالَةٌ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والثلاثون ، الصفحة /  119

أَسْبَابُ الْفَسَادِ فِي الْمُعَامَلاَتِ:

6 -لاَ يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ كَالصَّلاَةِ بِدُونِ طَهَارَةٍ، أَمْ فِي النِّكَاحِ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، أَمْ فِي عُقُودِ الْمُعَامَلاَتِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ - ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ يَدُلاَّنِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ وَقَعَ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ الأْثَرَ ال الَّذِي رَتَّبَهُ عَلَى الْفِعْلِ الصَّحِيحِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَأَسْبَابُ الْفَسَادِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هِيَ أَسْبَابُ الْبُطْلاَنِ، وَهِيَ تَرْجِعُ إِلَى الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْفِعْلِ، أَوْ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ، أَوْ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنِ الْوَصْفِ الْمُلاَزِمِ لِلْفِعْلِ، أَوْ عَنِ الْوَصْفِ الْمُجَاوِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .

يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: أَسْبَابُ الْفَسَادِ الْعَامَّةُ فِي الْبَيْعِ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: تَحْرِيمُ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَالثَّانِي: الرِّبَا، وَالثَّالِثُ: الْغَرَرُ، وَالرَّابِعُ: الشُّرُوطُ الَّتِي تَئُولُ إِلَى أَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ لِمَجْمُوعِهِمَا .

وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي الْمُعَامَلاَتِ، عَلَى أَسَاسِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَصْلِ الْعَقْدِ وَوَصْفِهِ.

وَأَسْبَابُ الْبُطْلاَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ حُدُوثُ خَلَلٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، بِأَنْ تَخَلَّفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.

أَمَّا أَسْبَابُ الْفَسَادِ، فَهِيَ حُدُوثُ خَلَلٍ فِي وَصْفِ الْعَقْدِ مَعَ سَلاَمَةِ الْمَاهِيَّةِ، فَإِذَا اخْتَلَّ الْوَصْفُ: بِأَنْ دَخَلَ الْمَحَلَّ شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لاَ بَاطِلٌ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْد) وَفِي الْمُلْحَقِ الأْصُولِيٍ.

التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا الْجُمْهُورُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ:

7 -الأْصْلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ:

فَالْمَالِكِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ .

وَالشَّافِعِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي عُقُودٍ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: الْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ عِنْدَنَا، وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ: الْحَجَّ وَالْخُلْعَ وَالْكِتَابَةَ وَالْعَارِيَّةَ .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي الْوَكَالَةِ وَالإْجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ .

قَالَ ابْنُ اللَّحَّامِ الْحَنْبَلِيُّ: الْبُطْلاَنُ وَالْفَسَادُ عِنْدَنَا مُتَرَادِفَانِ... ثُمَّ قَالَ: إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَذَكَرَ أَصْحَابُنَا مَسَائِلَ فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً لِلْمَسَائِلِ الَّتِي فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُلْحَقِ الأْصُوليَِ .

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَسَادِ مِنْ أَحْكَامٍ:

8- يَتَعَلَّقُ بِالْفَسَادِ أَحْكَامٌ أَوْرَدَهَا الْفُقَهَاءُ فِي صُورَةِ قَوَاعِدَ فِقْهِيَّةٍ أَوْ أَحْكَامٍ لِلْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ، مِنْهَا:

أَوَّلاً - فَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ:

9-هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، وَعَبَّرَ عَنْهَا ابْنُ نُجَيْمٍ بِلَفْظٍ آخَرَ هُوَ: (الْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ) وَوَضَّحُوا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فَقَالُوا: يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا، وَيَجِبُ قَطْعُهَا لِلْحَالِ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ إِلَى وَقْتِ الإْدْرَاكِ  بَطَلَتِ الإْجَارَةُ؛ لأِنَّهُ لاَ تَعَامُلَ فِي إِجَارَةِ الأْشْجَارِ  الْمُجَرَّدَةِ، فَلاَ يَجُوزُ، وَطَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ - وَهِيَ مَا زَادَ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ - وَذَلِكَ لِبَقَاءِ الإْذْنِ.

وَلَوِ اسْتَأْجَرَ الأْرْضَ  إِلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ - أَيْ إِلَى وَقْتِ إِدْرَاكِهِ - فَسَدَتِ الإْجَارَةُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَلَمْ تَطِبِ الزِّيَادَةُ لِفَسَادِ الإْذْنِ بِفَسَادِ الإْجَارَةِ ، وَفَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ، بِخِلاَفِ الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ مَعْدُومٌ شَرْعًا أَصْلاً وَوَصْفًا فَلاَ يَتَضَمَّنُ شَيْئًا، فَكَانَتْ مُبَاشَرَتُهُ عِبَارَةً عَنِ الإْذْنِ.

وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفَاسِدَ لَهُ وُجُودٌ؛ لأِنَّهُ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الأْصْلِ ، فَكَانَ الإْذْنُ  ثَابِتًا فِي ضِمْنِهِ، فَيَفْسُدُ، أَمَّا الْبَاطِلُ فَلاَ وُجُودَ لَهُ أَصْلاً، فَلَمْ يُوجَدْ إِلاَّ الإْذْنُ .

وَفِي حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الإْذْنِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ الإْجَارَةِ  الْبَاطِلَةِ وَبَيْنَهُ فِي ضِمْنِ الإْجَارَةِ  الْفَاسِدَةِ: أَنَّ الإْذْنَ  فِي الإْجَارَةِ  الْبَاطِلَةِ صَارَ أَصْلاً مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ؛ لأِنَّ  الْبَاطِلَ لاَ وُجُودَ لَهُ، وَالْمَعْدُومَ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الإْجَارَةُ الْفَاسِدَةُ، لأِنَّ  الْفَاسِدَ لَيْسَ مَعْدُومًا بِأَصْلِهِ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا، فَإِذَا فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ .

وَالْحُكْمُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَظْهَرُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي يُفَرِّقُونَ فِيهَا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ، كَالْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ، مِثْلِ الشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْوَكَالَةِ، فَهَذِهِ الْعُقُودُ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ لِبَقَاءِ الإْذْنِ.

فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: الْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْمَأْذُونِ صَحَّتْ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ إِذَا أَفْسَدْنَاهَا فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ، صَحَّ لِوُجُودِ الإْذْنِ، وَطَرَدَهُ الإْمَامُ فِي سَائِرِ صُوَرِ الْفَسَادِ .

وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ: الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا نُفُوذَ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالإْذْنِ .

وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا تَصَرَّفَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ لأِنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ بَقِيَ الإْذْنُ ، فَمَلَكَ بِهِ التَّصَرُّفَ .

وَقَوَاعِدُ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تَأْبَى ذَلِكَ .

ثَانِيًا - الْمِلْكُ:

10-التَّصَرُّفُ الْفَاسِدُ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

أَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ كَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ: الْفَاسِدُ لاَ يُمْلَكُ فِيهِ شَيْءٌ، وَيَلْزَمُهُ الرَّدُّ وَمُؤْنَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْبَدَلِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ إِنْ عَلِمَ الْفَسَادَ، وَكَذَا إِنْ جَهِلَ فِي الأْصَحِّ.

وَيُسْتَثْنَى صُورَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ فِيهَا أَكْسَابَهُ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا صَالَحْنَا كَافِرًا بِمَالٍ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ، فَدَخَلَ وَأَقَامَ، فَإِنَّا نَمْلِكُ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ .

وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مِلْكٌ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ، وَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِبَيْعٍ وَلاَ هِبَةٍ وَلاَ عِتْقٍ وَلاَ غَيْرِهِ .

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ الْفَاسِدَ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَهُمْ بِالْقَبْضِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَيَمْلِكُ الْقَابِضُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مِلْكٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، لأِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْفَسْخِ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَلِذَلِكَ فَهُوَ مَضْمُونٌ .

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الأْصْلُ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْلَكُ بِبَيْعٍ جَائِزٍ يُمْلَكُ بِفَاسِدٍ، فَلَوْ شَرَى قِنًّا بِخَمْرٍ - وَهُمَا مُسْلِمَانِ - مَلَكَ الْقِنَّ مُشْتَرِيهِ بِقَبْضِهِ بِإِذْنٍ، وَلاَ يَمْلِكُ الْبَائِعُ الْخَمْرَ .

وَالْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، وَبِهِ يُفْتَى، وَهِيَ مَضْمُونَةٌ .

وَالْمَقْبُوضُ بِالْقِسْمَةِ الْفَاسِدَةِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ وَيَنْفُذُ التَّصَرُّفُ، كَالْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَتَقَرَّرُ الْمِلْكُ فِي الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِالْفَوَاتِ:

يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ: الْبُيُوعُ الْفَاسِدَةُ عِنْدَ مَالِكٍ تَنْقَسِمُ إِلَى مُحَرَّمَةٍ وَإِلَى مَكْرُوهَةٍ: فَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ فَإِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ مَضَتْ بِالْقِيمَةِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهَةُ فَإِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ صَحَّتْ عِنْدَهُ، وَرُبَّمَا صَحَّ عِنْدَهُ بَعْضُ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بِالْقَبْضِ، لِخِفَّةِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ .

ثَالِثًا - الضَّمَانُ:

11 -يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةَ تُرَدُّ إِلَى حُكْمِ صَحِيحِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، فَإِنِ اقْتَضَى التَّصَرُّفُ الصَّحِيحُ الضَّمَانَ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ، وَإِنِ اقْتَضَى عَدَمَ الضَّمَانِ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ .

وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَاعِدَةٌ شَبِيهَةٌ بِمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ: الأْصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا قُبِضَ بِجِهَةِ التَّمَلُّكِ ضُمِنَ، وَكُلَّ مَا قُبِضَ لاَ بِجِهَةِ التَّمَلُّكِ لَمْ يُضْمَنْ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَمَان ف 35، وَمَا بَعْدَهَا).

رَابِعًا - سُقُوطُ الْمُسَمَّى فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ:

12 - الْوَاجِبُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا تَسْمِيَةُ نَحْوِ الأْجْرِ  أَوِ الرِّبْحِ أَوِ الْمَهْرِ، هُوَ الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ، فَإِنَّ الْمُسَمَّى يَسْقُطُ، وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ إِذَا سَقَطَ الْمُسَمَّى  وَمِنْ ذَلِكَ:

أ - الإْجَارَةُ:

13 - إِذَا فَسَدَتِ الإْجَارَةُ وَاسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، أَيْ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَزِيدَ عَنِ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي: (إِجَارَة ف 43 - 44).

ب - الْمُضَارَبَةُ:

14 -الْوَاجِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ هُوَ الرِّبْحُ الْمُسَمَّى لِلْمُضَارِبِ، فَإِذَا فَسَدَتِ الْمُضَارَبَةُ فَلاَ يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ الرِّبْحَ الْمُسَمَّى، لأِنَّهَا  تَسْمِيَةٌ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ إِذَا عَمِلَ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ جَمِيعُهُ لِرَبِّ الْمَالِ، لأِنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ.

وَالْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَرَبِحَتِ الْمُضَارَبَةُ أَمْ لَمْ تَرْبَحْ، لأِنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ، فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَهِيَ الأْجْرَةُ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرَ أَبِي يُوسُفَ - وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ غَيْرَ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ .

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا لِلْمُضَارِبِ قِرَاضَ الْمِثْلِ فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ، وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ فِيمَا عَدَاهَا، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ضَابِطٌ، هُوَ: كُلُّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِرَاضِ مِنْ أَصْلِهَا فَفِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إِنْ شَمَلَهَا الْقِرَاضُ، لَكِنِ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ، فَفِيهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (مُضَارَبَة)

ج - النِّكَاحُ:

15 - الْمَهْرُ يَسْقُطُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ - سَوَاءٌ اتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ أَمْ لاَ - إِذَا حَصَلَ التَّفْرِيقُ قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .

 هَذَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا نِصْفُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، كَمَا إِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَضَاعًا مُحَرِّمًا بِلاَ بَيِّنَةٍ، وَكَذَّبَتْهُ الزَّوْجَةُ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .

وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِالدُّخُولِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» .

فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم لَهَا الْمَهْرَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَعَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَاجِبِ مِنَ الْمَهْرِ، هَلْ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوِ الأْقَلُّ  مِنْهُمَا؟ فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرَ زُفَرَ - لَهَا الأْقَلُّ  مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَمِنَ الْمُسَمَّى.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَهَا الْمُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى كَنِكَاحِ الشِّغَارِ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَهَا الْمُسَمَّى فِي الْفَاسِدِ (وَهُوَ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ) وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْبَاطِلِ (وَهُوَ مَا اتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ) .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (مَهْر - نِكَاح).

خَامِسًا: الْفَسَادُ فِي الأْشْيَاءِ  الْمَادِّيَّةِ:

16 - يَرِدُ الْفَسَادُ فِي الأْشْيَاءِ  الْمَادِّيَّةِ كَعَطَبِ الأْطْعِمَةِ، وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ إِيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، كَمَا فِي الرَّهْنِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْتِقَاطُهَا، أَوْ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُهَا عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ - رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ:

17 -ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ إِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ، كَرُطَبٍ وَعِنَبٍ يَتَجَفَّفَانِ، فَإِنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ وَلَكِنْ رُهِنَ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ لَكِنَّهُ يَحِلُّ قَبْلَ الْفَسَادِ وَلَوِ احْتِمَالاً جَازَ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ وَرُهِنَ بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ بَعْدَ فَسَادِهِ أَوْ مَعَهُ، لَمْ يَجُزْ إِلاَّ إِنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ، وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ رَهْنًا.

وَلَوْ رُهِنَ مَا لاَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ فَحَدَثَ قَبْلَ الأْجَلِ  مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ - كَحِنْطَةٍ ابْتَلَتْ وَتَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا - لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ، بَلْ يُبَاعُ وُجُوبًا وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ إِصْلاَحُهُ بِالتَّجْفِيفِ كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، أَوْ لاَ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ كَالْبِطِّيخِ وَالطَّبِيخِ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ مِمَّا يُجَفَّفُ، فَعَلَى الرَّاهِنِ تَجْفِيفُهُ، لأِنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ حِفْظِهِ وَتَبْقِيَتِهِ، فَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ كَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يُجَفَّفُ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ كَانَ حَالًّا، أَوْ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لاَ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، جُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، سَوَاءٌ شُرِطَ فِي الرَّهْنِ بَيْعُهُ أَوْ أُطْلِقَ، لأِنَّ  الْعُرْفَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، لأِنَّ  الْمَالِكَ لاَ يُعَرِّضُ مِلْكَهُ لِلتَّلَفِ وَالْهَلاَكِ، فَإِذَا تَعَيَّنَ حِفْظُهُ فِي بَيْعِهِ حُمِلَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، كَتَجْفِيفِ مَا يَجِفُّ، وَأَمَّا إِذَا شَرَطَ أَنْ لاَ يُبَاعَ فَلاَ يَصِحُّ، لأِنَّهُ شَرَطَ مَا يَتَضَمَّنُ فَسَادَهُ وَفَوَاتَ الْمَقْصُودِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لاَ يُجَفَّفَ مَا يَجِفُّ.

وَفِي وَجْهٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ أَطْلَقَ لاَ يَصِحُّ.

وَإِذَا شَرَطَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعَهُ، أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ الرَّاهِنُ أَوْ غَيْرُهُ، بَاعَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَجَعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا، وَلاَ يُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ، لأِنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَعْجِيلُ وَفَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ رَهَنَهُ ثِيَابًا يُخَافُ فَسَادُهَا، كَالصُّوفِ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ رَهَنَ ثِيَابًا يُخَافُ فَسَادُهَا كَالصُّوفِ: أَتَى السُّلْطَانَ فَأَمَرَهُ بِبَيْعِهَا .

وَنَقَلَ الْحَصْكَفِيُّ عَنِ الذَّخِيرَةِ: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ ثَمَرَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ خَافَ تَلَفَهَا، لأِنَّ  لَهُ وِلاَيَةَ الْحَبْسِ لاَ الْبَيْعِ، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ إِلَى الْقَاضِي، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُمْكِنُهُ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي أَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِحَالٍ يَفْسُدُ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذَا إِذَا لَمْ يُبِحِ الرَّاهِنُ لَهُ الْبَيْعَ.

وَفِي الْبِيرِيِّ عَنِ الْوَلْوَالِجِيَّةِ: وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَيَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ، قَالَ الْبِيرِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ إِذَا تَدَاعَتْ لِلْخَرَابِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الْمَرْهُونِ إِلاَّ إِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ، فَإِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ جَازَ بَيْعُهُ .

ب - الْتِقَاطُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ:

18 -مَنِ الْتَقَطَ مَا لاَ يَبْقَى وَيَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ، كَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالْفَوَاكِهِ، فَإِنَّهُ يُعَرِّفُهُ إِلَى أَنْ يَخْشَى فَسَادَهُ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ خَوْفًا مِنَ الْفَسَادِ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأْوْلَى  عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: مَنِ الْتَقَطَ شَيْئًا مِمَّا يُسْرِعُ فَسَادُهُ وَلاَ يَبْقَى بِعِلاَجٍ، فَإِنَّ آخِذَهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ: فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ اسْتِقْلاَلاً إِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، وَبِإِذْنِهِ إِنْ وَجَدَهُ وَعَرَّفَ الْمَبِيعَ بَعْدَ بَيْعِهِ لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ فِي الْحَالِ وَأَكَلَهُ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ.

وَإِنْ أَمْكَنَ بَقَاءُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ بِعِلاَجٍ، كَرُطَبٍ يَتَجَفَّفُ، فَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي بَيْعِهِ بِيعَ جَمِيعُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إِنْ وَجَدَهُ، وَإِلاَّ بَاعَهُ اسْتِقْلاَلاً، وَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي تَجْفِيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ لَهُ أَوْ غَيْرُهُ، جَفَّفَهُ، لأِنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ، فَرُوعِيَ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِتَجْفِيفِهِ بِيعَ بَعْضُهُ بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي 

التَّجْفِيفَ لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي، طَلَبًا لِلأْحَظِّ  .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَنِ الْتَقَطَ مَا لاَ يَبْقَى عَامًا وَكَانَ مِمَّا لاَ يَبْقَى بِعِلاَجٍ وَلاَ غَيْرِهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَكْلِهِ وَبَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، فَإِنْ أَكَلَهُ ثَبَتَتِ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ جَازَ، وَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى إِذْنِ الْحَاكِمِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَهُ بَيْعُ الْيَسِيرِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا دَفَعَهُ إِلَى السُّلْطَانِ.

وَإِنْ أَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ حَفِظَ صِفَاتِهِ، ثُمَّ عَرَّفَهُ عَامًا.

وَإِنْ كَانَ مَا الْتَقَطَهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِبْقَاؤُهُ بِالْعِلاَجِ، كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، فَيَنْظُرُ مَا فِيهِ الْحَظُّ لِصَاحِبِهِ: فَإِنْ كَانَ فِي التَّجْفِيفِ جَفَّفَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ ذَلِكَ، وَإِنِ احْتَاجَ التَّجْفِيفُ إِلَى غَرَامَةٍ بَاعَ بَعْضَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ تَعَيَّنَ أَكْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْلُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ فَلَهُ أَكْلُهُ لأِنَّ  الْحَظَّ فِيهِ .

(خامساً) الْمُعَاوَضَاتُ الْفَاسِدَةُ:

38 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الْقَبْضِ نَاقِلاً لِلْمِلْكِيَّةِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ غَيْرَ نَاقِلٍ .

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ كَالْبَاطِلِ، لاَ يَنْعَقِدُ أَصْلاً، وَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بَتَاتًا، سَوَاءٌ قَبَضَ الْعَاقِدُ الْبَدَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ مِلْكِيَّةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَنْتَقِلُ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْفَاسِدِ بِقَبْضِهِ بِرِضَا صَاحِبِهِ، وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الرابع والثلاثون ، الصفحة / 133

فِي الأْشْيَاءِ الْقِيَمِيَّةِ إِذَا وَجَبَ ضَمَانُهَا:

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:

أ - الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

5 - الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَاجِبُ الْفَسْخِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إِلَى الْبَائِعِ، وَرَدُّ الثَّمَنِ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَانَ قِيَمِيًّا كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي طَالِبٍ.

وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُضْمَنُ بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَقَالَ: إِنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ .

وَيُفَصِّلُ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ وَبَيْنَ الْفَاسِدِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ.

فَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ - وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ - إِذَا فَاتَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ إِلاَّ مَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ.

وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ إِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، وَمِثْلُهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَأَصْلُهَا لاِبْنِ يُونُسَ وَعَزَاهَا لاِبْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ لاِبْنِ رُشْدٍ وَابْنِ بَشِيرٍ وَاللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ أَنَّ اللاَّزِمَ مَعَ الْفَوَاتِ هُوَ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ قِيَمِيًّا أَمْ مِثْلِيًّا .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ مِثْلَهُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَأَقْصَى قِيَمِهِ إِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، وَهَذَا مَا جَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ كَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ، وَقَالَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ تَعْلِيقًا عَلَى قَوْلِ الرَّوْضِ: (يُضْمَنُ الْمَبِيعُ التَّالِفُ بِالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ)، هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَإِنْ صَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ أَيْضًا، وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِيهِ.

كَذَلِكَ ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَطْلَقَ وُجُوبَ الْقِيمَةِ دُونَ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، لَكِنَّ الزَّرْكَشِيَّ قَالَ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ .

هَذَا الَّذِي سَبَقَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ وَالْبَاطِلُ سَوَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ فَإِنَّ الْمَبِيعَ إِذَا تَلِفَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنَفِيَّةَ؛ لأِنَّهُ  أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَيَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ؛ لأِنَّ  الْبَائِعَ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ مَجَّانًا .

وَقْتُ وُجُوبِ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

6 - إِذَا وَجَبَتْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلِلْفُقَهَاءِ اتِّجَاهَاتٌ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْقِيمَةِ.

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ؛ لأِنَّهُ  إِنَّمَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَلاَ يَتَغَيَّرُ كَالْغَصْبِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ يَوْمَ تَلَفِ الْمَبِيعِ قَالُوا: لأِنَّهُ  مَأْذُونٌ فِي إِمْسَاكِهِ فَأَشْبَهَ الْعَارِيَّةَ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْقِيمَةَ تَجِبُ بِأَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إِلَى حِينِ التَّلَفِ؛ لأِنَّهُ  مُخَاطَبٌ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِرَدِّهِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي الْغَصْبِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: فَيَخْرُجُ هَاهُنَا (الْبَيْعُ الْفَاسِدُ)، بَلْ هُوَ هُنَا أَوْلَى؛ لأِنَّ  الْعَيْنَ كَانَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فِي حَالِ زِيَادَتِهَا وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِهَا مَعَ زِيَادَتِهَا، فَكَذَلِكَ فِي حَالِ تَلَفِهَا.

 وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْبَيْعِ .

_______________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

(ماده ۱۲۹)

١- يزول الحق في ابطال العقد الموقوف بالاجازة الصريحة او الضمنية .

۲ - وتستند الإجازة الى الوقت الذي تم فيه العقد ، دون اخلال بحقوق الغير

٣- واذا سكت من شرع توقف العقد لمصلحته عن اعلان موقفه خلال مهلة اعطيت له من الطرف الآخر لا تقل عن ثلاثة اشهر ، اعتبر سکوته اجازة

هذه المادة تقابلها المادة ۱۳۹ من التقنين الحالي التي تنص على ما یاتی :

«1- يزول حتى ابطال العقد بالإجازة الصريحة او الضمنية .

۲۔ ولستند الإجازة الى التاريخ الذي لم فيه العقد ، دون اخلال بحقوق الغير .

وقد كانت العبارة الأخيرة في الفقرة الثانية من هذه المادة في التقنين الحالي وهي التي تقول « دون اخلال بحقوق الغير » محل نقد ، لأن الغرض المقصود في النص أن الأثر الرجعي للاجازة الايسرى الا بين المتعاقدين ، فلا يؤخذ به بالنسبة إلى الغير الذي کسب حقا عينيا على الشيء الذي ورد عليه العقد. والمثل الذي ذكر في هذا الخصوص هو اه لو باع القاصر العين و بعد بلوغه سن الرشد باعها مرة ثانية او رهنها لآخر ثم اجاز العقد الأول ، فان الاجازة لا تؤثر على حق المشتري الثاني أو الدائن المرتهن اذ تخلص المين لهذا المشتري او تبقى مثقلة بحق الرهن رغم الاجازة . وهذا القول غير صحيح في ظل فكرة العقد القابل للابطال التي يأخذ بها التقنين الحالي . ذلك أن العقد القابل للابطال يكون قبل الاجازة منتجا لكل آثاره ، فاذا صدرت الاجزة كان كل ما يترتب عليها هو أن تزول قابلية العقد للابطال •

الاجازة لا تجعل العقد ينتج أثرا لم يكن ينتجه من قبل ، ولهذا يتصور أن يكون لها أثر رجعي يضر بحقوق الغير . فالمشترى من قاصر ممیز صبح مالكا للعين البيعة إلى أن يطلب ابطال العقد ، فاذا باع القاصر العين بعد بلوغ الرشد او رهنها كان تصرفه في شيء لا يملكه، الاذا أجاز بعد ذلك البيع الذي ابرمه وهو تامر فان الملكية تستقر للمشتري الأول خالصة من الوهن ولا يصح أن يعترض بان التصرف الثاني يعتبر نزولا عن الحق في اجازة التصرف الأول ، لأن الابطال لا تقرر الا بالاتفاق مع الطرف الآخر في العقد القابل للابطال او بحکم القاضي ، اما قبل ذلك فان العقد يظل منتجا لكل أثاره .

اما في ظل فكرة العقد الموقوف التي يؤخذ بها في النصوص المقترحة فان الوضع يختلف . فقد رأينا أن العقد المورقون، على خلاف العقد القابل للابطال، پنشا صحیحا ولكنه لابنتي أثاره فتظل هذه الأثار موقوفة إلى أن ينقض العقد فيبطل أو تلحقه الإجازة فينفذ ، ومن ثم و يكون هناك محل للقول أو استناد الاجازة الى الوقت الذي تم فيه العقد الما يكون دون اخلال بحقوق الغير . فالمشتري من قاصر  ممیزیگون عقده موقوفا ، فلا يصبح مالكا للعين التي اشتراها مادام أن العقد لم تلحقه الأجازة ، فاذا باع القاصر العين بعد بلوغه الرشد او رهنها كان تصرفه في شيء يملكه ، فاذا أجاز بعد ذلك البيع الذي أبرمة وهو قاصر ، فان الأثر الرجعي للاجازة ينشر بحق المشتري الثاني أو الدائن المرتهن لأنه يؤدي إلى زوال هذا الحق . ولملاقاة هذا الاضرار بحق الغير ، وجب النص على أن الأثر الرجعي للأجازة لايصح أن يخل بحقوق الغير ، فهذا الأثر الرجعي للأجازة انما يكون فيما بين المتعاقدين وليس بالنسبة إلى الغير "

والأجازة هي النزول عن الحق في ابطال العقد الموقوف . فهي تصرف قانونی من جانب واحد ، ومن ثم يصح أن تكون صريحة أو ضمنية. ويجب ان تتوفر فيها الشروط اللازمة لصحة التصرف القانوني •

ويشترط الفقه الإسلامي لصحة الإجازة قيام كل عناصر التصرف ، وهي العاقدان والمحل والمجيز ، وقت صدور التصرف ووقت صدور الاجازة . ذلك أن الإجازة في الفقه لها حكم الاستناد و الا نشاء ، ومن ثم يجب توافر الشرط وقت صدور التصرف لأنه الوقت الذي تستند اليه الإجازة ، كما يجب توافره وقت صدور الاجازة لأنه الوقت التي وجدت فيه .

ولكن الشارع العراقي قدير أن الأولى أن يجعل للاجازة حكم الاستناد دون حكم الانشاء ، فقد تدعو الحاجة إلى اجازة العقد بعد موت أحد الأطراف الثلاثة او بعد هلاك المحل

ولهذا اكتفى باشتراط قیام عناصر التصرف وقت صدوره دون وقت صدور الاجازة ، حيث اشترط لصحة الإجازة وجود من يملكها وقت صدور العقد الموقوف . فقد نصت المادة 1 / 136 من التقنين العراقی على أن « اجازة العقد الموقوف تكون صراحة أو دلالة وتستند الى الوقت الذي تم فيه العقد ويشترط في صحتها وجود من يملكها وقت صدور العقد ولا يشترط قيام العاقدين او المالك الأصلي أو المعقود عليه ولت الإجازة ، ۰

وقد اراد الشارع العراقي بهذا أن يتجاوز الحدود التي وقف . X الفقه الاسلامي فيما يتعلق بشروط الإجازة دون مبرر .

( انظر في هذه المسالة : عبد الرزاق السنهورى ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج 4 ص ۱۹۸ و ۲۰۹ و ۲۲۰ و ۳۰۸ و 316) .

اما الشارع الأردني فجعل للاجازة حكم الاستناد والانشاء على غرار الفقه الاسلامی فنصت المادة 174 من التقنين الأردني على أنه «يشترط الصحة الإجازة قبول التصرف للاجازة وقت صدوره ووقت الاجازة ووجود من له الاجازة وطرفي العقد والمتصرف فيه وبدل ان كان عينا وقت الاجازة )

وقد رؤى ترك الأمر فيما يتعلق بشروط الأجازة للقواعد العامة .

وفي الفقرة الأولى من المادة المقترحة تمي على زوال الحق في ابطال العقد الموقوف بالاجازة ، سواء كانت صريحة أو ضمنية، حيث تعتبر الإجازة نزولا عن هذا الحق •

وفي الفقرة الثانية نص على ما للاجازة من حكم الاستناد ، مع تقييد ذلك بعدم الإخلال بحقوق الغير .

وفي الفقرة الثالثة اعطيت الفرصة للعاقد الذي يضره توقف العقد لحسم الموقف دون ابطاء . حيث يستطيع أن يحدد لمن شرع التوقف لمصلحته مدة معقولة لا تقل عن ثلاثة أشهر يعلن فيها عن رغبته في الاجازة أو الرفض ، فان سكت عن الرد طوال هذه الملة اعتبر سكوته اجازة للعقد •

وفي مذهب الإمام مالك انه اذا حمل التصرف في ملك الغير بلون اذنه ، وسكت المالك عاما من وقت علمه بالتصرف ، اعتبر سكوته اجازة عبد الرزاق السنهوری ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج4 ص۳۰۷)

و تقابل المادة المقترحة الفقرة الأولى من المادة 136 من التقنين العراقي التي تقدم ذكرها . ويقابلها في التقنين الاردني المواد ۱۷۳ و 174 و 175

فالمادة 173 من هذا التقنين تنص على ما يأتي : ,

۱- تكون الاجازة بالفعل أو بالقول أو بأي لفظ يدل عليها صراحة أو دلالة .

٢- ويعتبر السکوت اجازة ان دل على الرضا عرفا ..

 والمادة 174 من هذا التقنين تقدم ذكرها ۰ والمادة 175 من هذا التقنين تنص على ما ياتي :

۱- اذا أجيز التصرف الموقوف نفذ مستندا إلى وقت صدوره واعتبرت الأجازة اللاحقة كالوكالة السابقة .

٢- واذا رفضت الاجازة بطل التصرف .

ويقابلها في التقنين الكويتي المواد من ۱۷۹ الى ۱۸۲

وهي تأخذ بفكرة العقد القابل للابطال •

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 217)
العقد الصحيح الذي يظهر أثره بانعقاده هو العقد المشروع ذاتاً ووصفاً.
والمراد بمشروعية ذاته ووصفه أن يكون ركنه صادراً من أهله مضافاً إلى محل قابل لحكمه وأن تكون أوصافه صحيحة سالمة من الخلل وأن يكون مقروناً بشرط من الشروط المفسدة للعقد.
(مادة 218)
العقد الفاسد هو ما كان مشروعاً بأصله لا يوصفه أي أنه يكون صحيحاً باعتبار أصله لا خلل في ركنه ولا في محله فاسداً باعتبار بعض أوصافه الخارجة بأن يكون المعقود عليه أو بدله مجهولاً جهالة فاحشة أو يكون العقد خالياً عن الفائدة أو يكون مقروناً بشرط من الشرائط الموجبة لفساد العقد والعقد الفاسد لا يفيد الملك في المعقود عليه إلا بقبضه برضا صاحبه.
(مادة 219)
العقد الباطل هو ما ليس مشروعاً لا أصلاً ولا وصفاً أي ما كان في ركنه أو في محله خلل بأن كان الإيجاب والقبول صادرين ممن ليس أهلاً للعقد أو كان المحل غير قابل لحكم العقد.
وهو لا ينعقد أصلاً ولا يفيد الملك في الأعيان المالية ولو بالقبض.

(مادة 347)
إذا قبض المشتري المبيع ورآه البائع وهو يقبضه ولم يمنعه من قبضه يعتبر ذلك إذناً من البائع له بالقبض.