loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 247

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - ترد أسباب البطلان المطلق إلى تخلف ركن من أركان العقد : كعدم توافر الأهلية إطلاقاً ، بفقدان التمييز وإنعدام الإرادة تفريعاً على ذلك أو انتفاء الرضاء أو عدم وجود المحل حقيقة أو حكماً وغني عن البيان أن تخلف ركن من أركان العقد ، في حكم الواقع أو حكم القانون ، يحول دون انعقاده أو وجوده وهذا هو ما يقصد بالبطلان المطلق .

2 - أما البطلان النسي فهو يفترض قيام العقد أو وجوده من حيث توافر أركانه ولكن ركناً من أركانه هو الرضاء ، يفسد بسبب عيب يداخله ، أو بسبب نقص أهلية أحد العاقدين ولذلك يكون العقد قابلاً للبطلان بمعنى أنه يطل إذا طلب ذلك من شرع البطلان لمصلحته : وهو من داخل رضاءه العيب ، أو من لم تكتمل أهليته ومن الجلى أن قابلية العقد للبطلان إنما تمثل العقد في مرحلتين متتابعتين : الأولى مرحلة الصحة و ينتج فيها العقد جميع آثاره، والثانية مرحلة البطلان ، ويعتبر العقد فيها باطلاً لا حكم له من وقت نشوئه فليست ثمة مراحل ثلاث : الصحة وقابلية البطلان والبطلان ، وإنما توجد مرحلتان : الصحة والبطلان.

3 - وقد يقرر البطلان المطلق أو النسبي بمقتضى نص خاص في القانون ، كما مر الشأن في أحكام المادتين 631 و 632 من المشروع، إذ تنص أولى هاتين المادتين على بطلان رهن الحيازة في العقار بطلانا مطلقا إذا جعل من بيع الوفاء عقده ساتر له فرغم أن الصورية لاتعتبر بمجردها سبباً للبطلان ، طبقاً للقواعد العامة، إلا أن القانون قد قصد إلى تحريمها في هذه الحالة بالذات وجعل من النهي أمراً يتعلق بالنظام العام و أقام البطلان جزاء الخروج عليه أما المادة الثانية فتتضمن صورة من صور البطلان القسي الذي ينشأ بنص خاص ، إذ تقضى بطلان بيع ملك الغير فقابلية البيع للبطلان في هذه الحالة لا ترد إلى عيب في الرضاء أو نقص في الأهلية ولكن القانون يخول المشتري حق التمسك بالبطلان ، إزاء ماهو ملحوظ من أن البائع يمتنع عليه أن يدلى لغيره بحق الملك فيما لا يملك .

4 - وتظهر أهمية التفريق بين البطلان المطلق والبطلان النسبي من وجوه :

(1) فما دام البطلان المطلق يستتبع اعتبار العقد معدوماً - وليس ثمة محل للتفريق بين العقد الباطل والعقد المعدوم - فيجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان ولو لم يكن طرفاً في التعاقد ، المستأجر مثلاً في حالة بطلان بيع الشيء المؤجر بطلاناً مطلقاً ، بل ويجوز للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه أما البطلان النسبي فلا يجوز أن يتمسك به إلا طرف من أطراف التعاقد هو الطرف الذي يشرع البطلان لمصلحته ، ويكون من واجبه أن يقيم الدليل على توافر سببه .

على أن التمسك بهذا البطلان لا يستلزم الترافع إلى القضاء ، بل يكفي في ذلك ، وفقا لما استحدث المشروع من أحكام نقلها عن التقنين الألماني، تصریح يعلن إلى العاقد الآخر إعلاناً رسمياً، وعلى هذا العاقد أن يرفع الأمر إلى القضاء إذا أراد المنازعة في قيام البطلان .

بيد أن عبء إثبات البطلان يقع دائماً على عاتق من يتمسك به ، وتتبع القاعدة نفسها ، بل ويكون اتباعها أولى فيما يتعلق بالبطلان المطلق فإذا حكم بالبطلان المطلق أو النسي استند أثره، واعتبر العقد باطلاً من وقت نشوئه ، دون أن يعل ذاك ما يكون الغير حسن النية قد اكتسب من حقوق عقارية ، سجلت قبل تسجيل إعلان التصريح بالبطلان في حالة البطلان النسبي، ويلتزم كل من المتعاقدين بأن يرد ما تسلمه بمقتضى العقد ويستثنى من هذه القاعدة حالتان : أولاهما حالة ناقص الأهلية فهو لا يسأل عن الرد إلا وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب، والثانية حالة وفاء أحد المتعاقدين بإلتزام في عقد باطل لسبب مخالفته للآداب فلا يجوز لمثل هذا المتعاقد أن يسترد ما أدى إذا نسب إليه ما يخالف الأداب ، وعلى هذا النحو أبان المشروع وجه الحكم في مسألة أثير بشأنها خلاف شدید ( أنظر المادتين 1305 و 1306 من التقنين الأسباني ، والمادة 962 من التقنين البرتغالي ، والمادة 27 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، والمادتين 77 و 72 من التقنيين التونسي و المراكشي ، والمادة 817 من التقنين الألماني ، والمادة 66 من تقنين الالتزامات السويسري ، والمادة 132 من التقنين البولوني ، والمادة 917 من التقنين البرازيلى ، والمادة 180 من التقنين الصيني، والمادة 147 من التقنين السوفيتي ) .

(ب) وما دام البطلان المطلق يستتبع اعتبار العقد معدوماً ، فلا يتصور إطلاقاً أن ترد عليه الإجازة و يختلف عن ذلك حكم العقود القابلة للبطلان فهی تصحح الإجازة ، ولو كانت ضمنية ، بشرط أن توافر شروط صحتها وقت الإجازة ( كبلوغ المتعاقد القاصر سن الرشد وقت الإجازة مثلاً) وأن تكون الإجازة ذاتها منزهة عن العيب ، إذ ينبغي أن تستكمل ما يلزم من الشروط لصحتها باعتبارها تصرفاً قانونياً وإذا كان أثر الإجازة يستند ، أو ينعطف على الماضي ، إلا أنها لا تضر بحقوق الغير فلا تضر الإجازة مثلاً من يشتري عقاراً كان قد سبق لمالكه بیعه ، إذا كان الشراء قد تم بعد صدور البيع الأول وقبل إجازة هذا البيع ولما كان التدليس والإكراه من قبل الأفعال الضارة التي تلحق بها صفة التقصير المدني ، فيظل مرتكبهما مسئولاً عما وقع منه بمقتضى القواعد العامة ، رغم إجازة العاقد الآخر التعاقد ، ما لم تنطو الإجازة على إسقاط هذه المسئولية .

(ج) و مادام العقد المطلق للبطلان معدوماً ، أو غير موجود، فلا يتصور أن يرد عليه التقادم وعلى النقيض من ذلك بعدم البطلان النسبي بإنقضاء خمس عشرة سنة من تاريخ إنشاء العقد، أو بانقضاء ثلاث سنوات من تاريخ زوال نقص الأهلية ، أو تبين الغلط أو التدليس أو إنقطاع سلطان الإكراه .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 201 من المشروع.

واقترح تحويرها تحويراً لفظياً لتجنب استعمال ألفاظ البطلان المطلق والبطلان النسبي واقترح أحد الأعضاء حذف الفقرة الثالثة لأنها لا تتمشى مع منطق البطلان .

فوافقت اللجنة على ذلك وأصبح النص النهائي كما يأتي :

1- في حالتي إبطال العقد وبطلانه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فإذا كان ذلك مستحيلاً جاز الحكم بتعويض معادل .

2 - ومع ذلك لا يلزم ناقص الأهلية إذا أبطل العقد لنقص أهليته أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد.

وأصبح رقم المادة 146 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

 وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 146 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

وافقت اللجنة على المادة دون تعديل وأصبح رقمها 142 .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة دون تعديل .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 199 من المشروع.

واقترح تحوير النص تحويراً لفظياً أدق في الدلالة على المعنى المقصود ولتجنب التكرار فوافقت اللجنة على ذلك وأصبح النص النهائي :

1- يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه في ظرف ثلاث سنوات.

2 - ويبدأ سريان هذه المدة في حالة نقص الأهلية من اليوم الذي يزول فيه.

هذا السبب وفي حالة الغلط أو التدليس من اليوم الذي يكشفان فيه ، وفي حالة الإكراه من يوم انقطاعه وفي حالة الإستغلال من اليوم الذي تم فيه العقد وفي كل حال لايجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت خمسة عشر عاماً من وقت تمام العقد.

3- ويسقط أيضاً حق إنقاص الالتزامات في حالة الاستغلال إذا انقضت ثلاث سنوات من وقت العقد .

وأصبح رقم المادة 144 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

تقرير لجنة الشئون التشريعية :

استبدلت كلمة . ينكشف، بكلمة ينكشفان ، في الفقرة الثانية .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة تحت رقم 144.

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني:

محضر الجلسة الثانية عشرة

تليت المادة 144 وهذا نصها:

1 - يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه في خلال ثلاث سنوات.

2 - ويبدأ سريان هذه المدة في حالة نقص الأهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب وفي حالة الغلط أو التدليس من اليوم الذي ينكشف فيه وفي حالة الإكراه من يوم انقطاعه وفي حالة الاستغلال من اليوم الذي تم فيه العقد، وفي كل حال لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد .

3 - ويسقط أيضاً حق إنقاص الالتزامات في حالة الاستغلال إذا انقضت ثلاث سنوات من وقت العقد .

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على المادة .

محضر الجلسة الثامنة والأربعين

 ترتب على تعديل المادة 133 تعديل المادة 144 بحذف الفقرة الثالثة منها لإضافة حكمها إلى المادة 133 وحذف عبارة ، وفي حالة الإستغلال من اليوم الذي تم فيه العقد ، من الفقرة الثانية لورود حكمها في المادة 133 .

تقرير اللجنة :

حذفت من الفقرة الثانية الإشارة إلى الإستغلال وحذفت كذلك الفقرة الثالثة لأن حكم سقوط الحق في رفع الدعوى المترتبة على الاستغلال قد واجهته الفقرة الأولى من المادة 133 التي تقدمت الإشارة إليها .

وأصبح رقم المادة 140.

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة ما عدلتها اللجنة . 

الأحكام

1- إذ كان البين من الأوراق أن دفع المطعون ضده ببطلان عقدى البيع محل النزاع فى الدعوى الحالية هو ذات الطلب الذى أقام عنه الدعوى رقم ...... لسنة 1992 مدنى جزئى طهطا والتى قضى فيها بسقوط دعوى الإبطال بالتقادم لفوات أكثر من خمس عشرة سنة على تمام التعاقد بما يمتنع معه على المطعون ضده بصفته إثارة موضوع بطلان عقدى البيع موضوع تصرف محجوره للطاعن فى الدعوى الحالية ولو فى صورة دفع بالبطلان لسابقة الفصل فى هذه المسألة بالحكم الأول – سواء كان قضاء المحكمة فى هذه المسألة صواباً أم خطأ – ومن ثم فقد أصبح لهذا القضاء حجيته التى تعلو على اعتبارات النظام العام بما لا محل لإعادة مناقشته ، وإذ لم يراع الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى إلى خلافه بثبوت ملكية المطعون ضده بصفته لأرض النزاع على ما تساند إليه من أن الدفع ببطلان هذين العقدين للسفه هو دفع أبدى وأن العقدين باطلان لصدورهما من محجور عليه بعد تسجيل قرار الحجر وهو ما لا يصلح رداً على ما تمسك به الطاعن بوجه النعى ( بأن القضاء النهائى الصادر بسقوط دعوى المطالبة ببطلان عقدى البيع المسجلين الصادرين له من محجور المطعون ضده بالتقادم بالحكم الصادر فى دعوى سابقة يمنع المطعون ضده بصفته من إثارة الدفع ببطلان العقدين لذات السبب فى أية دعوى تالية وذلك على اعتبار أن دعوى البطلان والدفع بالبطلان وجهان لعملة واحدة ) أو سبباً لابتناء الحكم على ما انتهى إليه من ثبوت ملكية المطعون ضده بصفته لأرض النزاع مما يعيب الحكم المطعون فيه .

(الطعن رقم 7753 لسنة 65 جلسة 2007/05/27 س 58 ص 478 ق 84)

2- إن القضاء النهائى الصادر بسقوط الحق فى التمسك بطلب الإبطال بالتقادم الطويل المدة مانع للخصوم أنفسهم من إثارة النزاع حول هذا الطلب ولذات السبب فى أية دعوى تالية ولو كان فى صورة دفع بالبطلان وفى موضوع مغاير ولا يجابه هذا القول بعدم قابليه الدفوع للتقادم طالما أن المشرع أورد تنظيماً قانونياً لمسألة إبطال عقود بيع المحجور عليه للسفه وأرسى قاعدة خضوع دعوى الإبطال أو الدفع به للتقادم على ما نصت عليه المادة 140 من القانون المدنى ومن ثم فإن قضاء الحكم بهذا التقادم – أخطأت المحكمة أم أصابت فيه – مانع للخصوم أنفسهم من التنازع بطريق الدعوى أو بطريق الدفع بشأن أى حق آخر يتوقف ثبوته أو انتفاؤه على ثبوت هذه المسألة الكلية السابق الفصل فيها أو على انتفائها .

(الطعن رقم 7753 لسنة 65 جلسة 2007/05/27 س 58 ص 478 ق 84)

3- الفقرة الأولى من المادة 466 من القانون المدني تنص على أن "إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات وهو لا يملكه جاز للمشتري أن يطلب إبطال البيع......." وتنص الفقرة الأولى من المادة 140 من القانون ذاته على أن "يسقط الحق فى إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات"، مما مؤداه أن للمشتري  وخلفه العام من بعده - طلب إبطال عقد البيع إذا تبين أن البائع له لا يملك المبيع وتسقط الدعوى بهذا الطلب بإنقضاء ثلاث سنوات من وقت علم المشتري أو خلفه بأن البائع لا يملك المبيع.

(الطعن رقم 2383 لسنة 67 جلسة 1999/06/08 س 50 ع 2 ص 803 ق 158)

4- وضع اليد المدة الطويلة أو القصيرة المكسب للملكية إذا توافرت فيه الشروط القانونية يعد بذاته سببا لكسب الملكية مستقلا عن غيره من أسباب اكتسابها إلا أنه لا يصلح ردا على الدعوى بإبطال العقد أو محو التسجيل إذ ليس من شأنه مع فرض توافر شرائطه أن يمنع من القضاء ببطلان العقد موضوع الدعوى.

(الطعن رقم 1676 لسنة 59 جلسة 1993/10/28 س 44 ع 3 ص 93 ق 307)

5- النص فى المادة 140 من القانون المدني على أن " 1- يسقط الحق فى إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات 2- و يبدأ سريان هذه المدة فى حالة نقص الأهلية ، من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب، وفى حالة الغلط أو التدليس ، من اليوم الذي ينكشف فيه ، وفى حالة الإكراه من يوم انقطاعه ، وفى كل حال لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه ، إذا انقضت خمس عشرة سنه من وقت تمام العقد ". يدل على أن سقوط الحق فى إبطال العقد القابل لذلك يكون بمضي ثلاث سنوات يبدأ سريانها بالنسبة لحالة الغلط أو التدليس من اليوم الذي تكتشف فيه هذه الحالة بحيث إذا انقضت هذه المدة انقلب العقد صحيحاً ، ولا يجوز بعد ذلك إبطاله لا عن طريق الدعوى ولا عن طريق الدفع بإعتبار أن الدفع فى هذه الحالة لا يعدو أن يكون فى حقيقته دعوى فرعية بالإبطال .

(الطعن رقم 248 لسنة 56 جلسة 1992/12/21 س 43 ع 2 ص 1354 ق 276)

6- النص فى المادة 140 من القانون المدنى يدل على أنه فى العقد القابل للإبطال يسقط الحق فى طلب إبطاله بإنقضاء مدة ثلاث سنوات دون التمسك به من صاحبه، و يبدأ سريان هذه المدة فى حالة نقص الأهلية من اليوم الذى يستكمل فيه ناقص الأهلية أهليته ، ولا يجوز فى هذه الحالة أن يكون وقت تمام العقد بدءا لسريان تقادم دعوى طلب إبطاله خلافا لأحوال الغلط و التدليس و الإكراه التى يكون فيها التقادم بأقصر الأجلين أما بإنقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذى ينكشف فيه الغلط أو التدليس أو من يوم إنقطاع الإكراه ، و أما بمضى خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد .

(الطعن رقم 1439 لسنة 51 جلسة 1989/12/28 س 40 ع 3 ص 482 ق 398)

7- تراقب محكمة الموضوع فى تكييفها للدعوى و أن تعطيها وصفها الحق و تكييفها القانونى الصحيح غير مقيده فى ذلك بالوصف الذى أسبغته عليها ، و كان البين من الحكم المطعون فيه و من الأوراق أن طلب المطعون ضده الأول عدم نفاذ التنازل هو فى حقيقته طلب بإبطال هذا التصرف لإبتنائه على الغش من خروج الوكيلة عن حدود الوكالة ، إذ للموكل - إذا لم ير إجازة هذا التصرف أن يطلب إبطالة ، و إذ كانت الطاعنة قد دفعت لدى محكمة الموضوع بسقوط دعوى المطعون ضده الأول بالتقادم المبين فى المادة 140 من القانون المدنى فإن الحكم الإبتدائى المؤيد بالحكم فيه إذ رفض هذا الدفع بما أورده من أن " .......... موضوع الدعوى الماثلة هو طلب عدم نفاذ تصرف فى حق المدعى " المطعون ضده الأول " لخروجة عن حدود الوكالة ......... "يكون قد خرج عن التكييف الصحيح لطلبات المطعون ضده الأول و حجب نفسه بذلك عن بحث مدى توافر شروط التقادم بما يعيبة بمخالفة القانون و الخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 767 لسنة 54 جلسة 1988/04/26 س 39 ع 1 ص 688 ق 135)

8- الفقرة الأولى من المادة 466 من القانون المدنى تنص على أنه إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات لا يملكه جاز للمشترى أن يطلب إبطال البيع ، وأن المادة 485 من القانون المدنى تنص على أنه يسرى على المقايضة أحكام البيع بالقدر الذى تسمح به طبيعة المقايضة و يعتبر كل من المتقايضين بائعاً للشىء الذى قايض به و مشترياً للشىء الذى قايض عليه ، كما حددت الفقرة الأولى من المادة 140 من القانون المدنى مدة سقوط الحق فى الإبطال فى حالات حددتها على سبيل الحصر وهى حالات نقص الأهلية و الغلط و التدليس و الإكراه بثلاث سنوات أما فى غير هذه الحالات فإن مدة تقادم الحق فى إبطال العقد وعلى ما إستقر عليه قضاء هذه المحكمة لا تتم إلا بمضى خمسة عشر سنة من تاريخ إبرام العقد.

(الطعن رقم 841 لسنة 51 جلسة 1985/06/30 س 36 ع 2 ص 922 ق 191)

9- إنه و إن كان من تقادم دعوى التعويض عن العمل غير المشروع و سقوط الحق فى إبطال العقد لحصوله نتيجة إكراه مدته ثلاث سنوات إلا أن لكل منهما قواعده و شروطه الخاصة به ، و من ثم فإن مجرد سقوط الحق فى إبطال العقد لحصوله نتيجة إكراه وفق نص المادة 140 من القانون المدنى لا تتقادم به حتماً دعوى التعويض عن الأضرار الناتجة عن هذا الإكراه بإعتباره عملاً غير مشروع

(الطعن رقم 516 لسنة 48 جلسة 1982/01/21 س 33 ع 1 ص 160 ق 30)

10- التقادم لا يتعلق بالنظام العام و يجب التمسك به أمام محكمة الموضوع ، و إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعنين لم يتمسكوا أمام محكمة الموضوع بتقادم دعوى البطلان ، فأنه لا يقبل منهم التمسك بالتقادم لأول مرة أمام هذه المحكمة .

(الطعن رقم 93 لسنة 39 جلسة 1977/12/15 س 28 ع 2 ص 1810 ق 309)

11- إذ كانت محكمة الموضوع قد إنتهت فى حدود سلطتها التقديرية إلى أن التصرف الصادر من المورث إلى بعض الطاعنين لم يكن منجزا أو أنه يخفى وصية للأسباب السائغة التى أوردتها و منها الحكم الصادر فى الدعوى رقم 81 لسنة 11 ق المنصورة و الذى قضى بإعتبار العقد الصادر من المورث إلى فريق من الطاعنين هو فى حقيقته وصية فإنه لا يكون لتسجيل العقد حال حياة البائع أى أثر فى تصحيح التصرف أو نقل الملكية لأن التسجيل لا يصحح عقدا باطلا و لا يحول دون الطعن فيه بأنه يخفى وصية .

(الطعن رقم 382 لسنة 44 جلسة 1977/12/13 س 28 ع 2 ص 1774 ق 304)

12- مؤدى الحكم الذى يصدر من محكمة القضاء الإدارى بإلغاء قرار وزير المالية بإعتماد البيع الصادر من مصلحة الأملاك للطاعنين لمخالفة ذلك القرار للقانون أن يصبح القرار معدوماً منذ نشأته وكأنه لم يصدر ، وبالتالى فلا محل للقول بإعتبار العقد مشوباً بعيب من عيوب الرضا إذ أن عقدا لم ينعقد لتخلف أحد أركانه وهو القبول من جانب مصلحة الأملاك ، مما يترتب عليه ألا يسقط الحق فى طلب بطلانه بمضى ثلاث سنوات .

(الطعن رقم 213 لسنة 32 جلسة 1966/12/06 س 17 ع 4 ص 1781 ق 257)

13- ترتيب الأثر الرجعى لبطلان عقد البيع و إن كان يقتضى اعتبار ملكية المبيع لم تنتقل من البائع إلى المشترى بسبب العقد ، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يكسب هذا المشترى أو الغير تلك الملكية بسبب آخر من أسباب كسب الملكية إذا تحققت شرائطه القانونية .

(الطعن رقم 20 لسنة 30 جلسة 1964/12/03 س 15 ع 3 ص 1090 ق 161)

14- أحكام الإرث و تعيين نصيب كل وارث فى التركة من النظام العام و كل تحايل على مخالفة هذه الأحكام باطل بطلانا مطلقا ومن ثم فلا يسرى على هذا البطلان التقادم المنصوص عليه فى المادة 140 من القانون المدنى . ولايقدح فى ذلك القول بأن اعتبار البطلان مطلقا يتنافى مع إمكان إجازة التصرف من الورثة ذلك أنه ليس للورثة أن يجيزوا التصرف باعتباره بيعا و إنما لهم ان يجيزوه على الاعتبار الصحيح بوصفه وصية و فى هذه الحالة تجرى عليه أحكام الوصية التى يجيزها الورثة

(الطعن رقم 39 لسنة 29 جلسة 1964/01/09 س 15 ع 1 ص 43 ق 10)

15- ليس فى القانون ما يحول دون التمسك بطلب بطلان التصرف لعيب فى أهلية المتصرف بعد الإخفاق فى الإدعاء بتزوير العقد الحاصل به هذا التصرف لإختلاف نطاق ومرمى كل من الطعنين عن الآخر، إذ يقتصر الأمر فى الطعن بالتزوير على إنكار صدور التصرف من المتصرف دون التعرض للتصرف ذاته من حيث صحته وبطلانه فى حين أن الطعن ببطلان التصرف بصدوره من غير ذي أهلية موجه إلى ذات التصرف بإنكار توافر الأهلية فى المتصرف. فإذا ما ثبت للمحكمة فساد الإدعاء بالتزوير وصحة إسناد التصرف إلى المتصرف فإن ذلك لا يقتضي بطريق اللزوم أن يكون هذا المتصرف أهلاً لصدور التصرف منه كما أن الطعن بالتزوير لا يتضمن فى ذاته إقرار الطاعن بأهلية المتصرف ولا يفيد نزوله عن حقه فى الطعن بعد ذلك فى التصرف لعيب فى هذه الأهلية.

(الطعن رقم 348 لسنة 26 جلسة 1962/02/15 س 13 ع 1 ص 268 ق 41)

16- إذا رفع المدين دعوى ببطلان إقرار الدين الصادر منه تأسيساً على التدليس وفقدان الإرادة و إنعدام السبب القانونى و كان إقراره بالتنازل عن دعوى البطلان قد تضمن أيضا التنازل عما إشتملت عليه تلك الدعوى من حقوق فى الحال والإستقبال فإن هذا التنازل ينصرف قانوناً إلى التنازل عن حق الإدعاء بالبطلان لنفس هذه الأسباب سواء عن طريق الدعوى أو الدفع و ليس بمانع من ذلك ألا يكون التنازل قد تضمن الإعتراف بصحة الإقرار لأن عدم الإعتراف بصحته لايحول دون أن ينتج التنازل عن حق الإدعاء بالبطلان أثره القانونى الذى تتم به إجازة الإقرار بالرغم مما شابه من التدليس و إنعدام السبب و تطهيره من جزاء البطلان النسبى لهذه الشوائب

(الطعن رقم 214 لسنة 23 جلسة 1957/04/04 س 8 ع 1 ص 362 ق 35)

17- تمسك المدين ببطلان إقرار الدين الصادر منه أو ببطلان إقرار تنازله عن الدعوى التى رفعها ببطلان هذا الإقرار للغش و لإنعدام الإرادة بسبب فقد الأهلية هذه الدفوع يخالطها واقع يعود الفصل فيها إلى محكمة الموضوع وحدها

(الطعن رقم 214 لسنة 23 جلسة 1957/04/04 س 8 ع 1 ص 362 ق 35)

18- ليس فى القانون ما يمنع من التمسك ببطلان عقد فى صورة دفع من الدفوع الموضوعية دون حاجة إلى رفع دعوى مستقلة بطلب الحكم بهذا البطلان

(الطعن رقم 196 لسنة 22 جلسة 1957/03/21 س 8 ع 1 ص 241 ق 31)

شرح خبراء القانون

سقوط الحق في البطلان :

البطلان الذي يشوب العقد، قد يكون نسبية، فيجعله قابلاً للإبطال لمصلحة من تقرر هذا البطلان لمصلحته، وقد يكون مطلقاً، فيجعله باطلاً موصوماً بهذا الوصف، ويترتب على ذلك أن لكل شخص ذي مصلحة في تقرير هذا البطلان أن يتمسك به وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، فلا تعتد بإجازته، وإذا رفعت به دعوى التزمت المحكمة بالقضاء به حتى لو تنازل المدعي عن طلباته أو تخلف عن الحضور سعياً إلى شطب دعواه تحايلاً لعدم تصدى المحكمة لهذا البطلان الذي يمس النظام العام.

وقد فرق القانون المدني السابق بين نوعي البطلان من حيث التقادم، فأجاز التمسك بالتقادم بالنسبة للعقد القابل للإبطال على أساس أنه عقد موجود قانوناً ، ولكنه وجود مهدد بالزوال إذا ما تمسك بالبطلان صاحب المصلحة فيه، بحيث إذا أجازه، أصبح صحيحة منذ إبرامه أما العقد الباطل، فلم يكن له وجود في ظل هذا القانون مهما انقضى عليه من الزمن، وبالتالي لا يصححه التقادم .

وعند صدور القانون المدني الجديد، نص في المادة 140 على تقادم دعوى البطلان النسبي للعقد، وتضمنت فقرتها الأولى سقوط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات.

وإذ جاءت الفقرة الثانية من ذات المادة، موضحة نطاق الفقرة الأولى، من ناحية بدء سريان مدة سقوط الحق في التمسك بالبطلان والحالات التي تخضع لهذا السقوط وتنحصر في نقص الأهلية بالنسبة للصغير والسفيه وذي الغفلة، فيبدأ سريان مدة السقوط بالنسبة لهم من اليوم الذي يزول فيه نقص الأهلية ببلوغ الصغير سن الرشد دون أن تستمر الولاية أو الوصاية عليه، وبرفع الحجر عن السفيه وذي الغفلة، كما تنحصر فيمن شابت إرادته الغلط أو التدليس، فيبدأ سريان مدة السقوط بالنسبة لهما من اليوم الذي انكشف فيه الغلط أو التدليس، وأيضا فيمن ابرم العقد تحت تأثير الإكراه، فيبدأ سريان مدة السقوط من يوم انقطاع الإكراه.

فإن لم ينكشف الغلط أو التدليس أو لم ينقطع الإكراه، فيسقط الحق في إبطال العقد إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد.

يدل ذلك على أن سقوط حق ناقص الأهلية في إبطال العقد يبدأ من تاريخ زوال سبب نقص الأهلية ويتم بإنقضاء ثلاث سنوات من هذا الوقت، خلافاً السقوط حق من وقع في غلط أو تدليس أو إكراه، فيسقط حقه في التمسك بالإبطال بأقصر الأجلين سالفي البيان، أي بانقضاء ثلاث سنوات من وقت إنكشاف الغلط أو التدليس أو من وقت إنقطاع الإكراه، فإن لم يتحقق ذلك، سقط الحق بمضي خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني  الصفحة/ 623).

سقوط الحق في إبطال العقد بمضى ثلاث سنوات :

تنص الفقرة الأولى من المادة على أن: "يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات".

فالحق في طلب إبطال العقد القابل للإبطال لا يثبت لصاحبه إلا إلى أجل محدد.

فإذا انقضى هذا الأجل سقط هذا الحق، وتدعمت بذلك صحة العقد و تأيدت.

والمدة التي حددها النص هي ثلاث سنوات ميلادية.

وهذه المدة قد استحدثها القانون المدني الجديد إذ كانت المدة في القانون القديم خمس عشرة سنة من وقت العقد طبقاً للقواعد العامة فرأى الشارع أن هذه المدة طويلة يظل العقد خلالها مهدداً غير مستقر فأقام إلى جانب هذه المدة الطويلة مدة قصيرة قدرها ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذي يزول فيه سبب قابلية العقد للإبطال.

فبالنسبة لناقصي الأهلية، تبدأ هذه المدة لا من تاريخ إبرام العقد، وإنما من وقت زوال نقص الأهلية أي من وقت بلوغ المتعاقد سن الرشد إن كان قاصراً، أو من وقت رفع الحجر عنه إن كان سفيهاً أو ذا غفلة، أو من وقت موته.

وبالنسبة لدعوى الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه، فتبدأ هذه المدة في حالة الغلط أو التدليس من اليوم الذي ينكشف فيه، وفي حالة الإكراه من يوم انقطاعه.

أما بالنسبة لطلب إبطال العقد للإستغلال، فقد رأينا أنه يسقط بمضي سنة من يوم التعاقد، وهو ميعاد سقوط لا يقبل الوقف أو الإنقطاع.

سقوط حق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه بإنقضاء خمس عشرة سنة من تاريخ العقد :

تنص الفقرة الثانية من المادة في عجزها أنه :

"وفي كل حال لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد".

فبالنسبة لدعوى إبطال العقد لنقص الأهلية وضع لها المشرع تقادماً واحداً هو ثلاث سنوات من اليوم الذي يزول فيه نقص الأهلية.

أما بالنسبة لدعوى إبطال العقد للغلط أو التدليس أو الإكراه، فقد أضاف إلى التقادم الثلاثي سالف الذكر، تقادماً آخر هو التقادم الطويل أي خمس عشرة سنة.

ويبدأ هذا التقادم من وقت تمام العقد.

وعلى ذلك فإن دعاوى الإبطال للغلط والتدليس والإكراه، تنقضي إما بمضي ثلاث سنوات من اليوم الذي ينكشف فيه الغلط أو التدليس أو يرتفع فيه الإكراه، وإما بمضى خمس عشرة سنة من تاريخ تمام العقد فالتقادم إذن هنا يكون بأقصر الأجلين : ثلاث سنوات من وقت زوال العيب أو خمس عشرة سنة من وقت صدور العقد والفرض أول هو الغالب الوقوع .

فإذا فرض أن الغلط لم ينكشف للغالط إلا بعد ثلاث عشرة سنة فإن الحق في صال العقد يتقادم بخمس عشرة سنة من يوم صدور العقد لا بمضي ثلاث سنوات من الغلط ، لأن المدة الأولى أقصر من الثانية، ولأن دعوى الإبطال تتقادم بخمس عشرة سنة .

أما في حالة نقص الأهلية فيكون التقادم بمضي ثلاث سنوات من وقت زوال نقض الأهلية وذلك بصرف النظر عن المدة التي انقضت من وقت التعاقد.

وأياً كانت مدة التقادم فإنها تقبل الوقف والإنقطاع طبقاً للقواعد العامة المقررة في هذا الشأن.

للتقادم أثر رجعي :

إذا سقط الحق في إبطال العقد بثلاث سنوات أو بخمس عشرة سنة فإن العقد يعتبر في حكم المجاز وتتأكد صحته منذ صدوره لا من يوم تمام مدة التقادم، إذ للتقادم كالإجازة أثر رجعى وإن اختلف عنها من حيث إنه في استناده إلى الماضي يتناول ما يكون قد تقرر للغير من حقوق فإذا باع قاصر عيناً وبعد بلوغه وقبل انقضاء ثلاث سنوات رتب على العين ارتفاقاً أو انتفاعاً ثم كملت مدة التقادم فإن ملكية العين تتأكد للمشترى خالصة مما أثقلها من حقوق.

وطالما انقضت هذه المدة انقلب العقد صحيحاً، ولا يجوز بعد ذلك إبطاله لا عن طريق الدعوى ولا عن طريق الدفع بإعتبار أن الدفع في هذه الحالة لا يعدو أن يكون في حقيقته دعوى فرعية للإبطال .

سريان مدة التقادم القصير على العقود المبرمة قبل نفاذ القانون الجديد :

طبقاً للمبدأ العام الذي وضعه القانون المدني الجديد في الباب التمهيدي (المادة 8) فإن العقود التي أبرمت في ظل القانون القديم تخضع للمدة القصيرة، ما لم يكن الباقي من المدة الطويلة المقررة في القانون القديم أقل من المدة الجديدة .

فإذا فرض أن قاصراً أبرم عقداً في أول يناير سنة 1948 وبلغ سن الرشد في 15 يناير سنة 1949، وفي 15 أكتوبر أدرك القانون الجديد ذلك العقد، فإن هذا العقد الذي لم يكن يتقادم بحسب القانون إلا في سنة 1963 (ولا نقول سنة 1964 لأن مدة التقادم كانت تحسب بالتقويم الهجري) يخضع في تقادمه للقانون الجديد فتبدأ ثلاث السنوات من یوم سريان القانون الجديد لا من يوم البلوغ وتتم في 14 أكتوبر سنة 1952.

أما إن كانت المدة الباقية من التقادم السائد في القانون القديم أقل من ثلاث سنين كما لو كان القاصر قد بلغ سن الرشد في سنة 1939 فإن التقادم يتم في سنة 1950 إلا في 14 أكتوبر سنة 1952 .

عدم تعلق التقادم بالنظام العام :

المقرر أن التقادم لا يتعلق بالنظام العام ويجب التمسك به أمام محكمة الموضوع ولا يجوز للمحكمة القضاء بالتقادم من تلقاء نفسها.

ويسقط التمسك بالتقادم بالنزول عنه صراحة أو ضمناً. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/427)

أن الحق في إبطال العقد يسقط بثلاث سنوات أو بخمس عشرة سنة حسب الأحوال فإذا انقضت هذه المدة انقلب العقد صحيحاً ، لا يجوز بعد ذلك إبطاله لا عن طريق الدعوى ولا عن طريق الدفع وهكذا يستقر الوجود القانوني للعقد بعد أن كان مهدداً بالزوال ويصبح العقد في حكم المجاز ، يثبت وجوده منذ صدوره ، إذ للتقادم اثر رجعي كما للإجازة ولكن هناك فرقاً بين عقد لحقته الإجازة وعقد زال بطلانه بالتقادم ، حيث حقوق الغير فقد قدمنا أن الإجازة لا تضر بحقوق الغير ، أما في زوال البطلان بالتقادم فحقوق الغير تتأثر مثل ذلك أن يبيع قاصر عيناً ، ولا يتمسك بعد بلوغه سن الرشد بإبطال العقد ، فيتقادم البطلان ويزول ، ويعتبر البيع صحيحاً منذ صدوره فلو أن البائع بعد أن بلغ سن الرشد وقبل تقادم البطلان رتب على العين رهناً ، ثم تم التقادم ، فإن ملكية العين تخلص للمشتري غير مثقلة بحق الرهن ، وهذا عكس ما قررناه في حالة الإجازة .

ويلاحظ أن هناك فرقاً جوهرياً بين تقادم دعوى البطلان في العقد الباطل وتقادمها في العقد القابل للإبطال فقد قدمنا أن تقادم دعوى البطلان في العقد الباطل لا يقلب العقد صحيحاً ، بل يبقى العقد باطلاً ، ولكن دعوى البطلان هي التي لا يجوز سماعها لتقادمها أما تقادم البطلان في العقد القابل للإبطال فيقلب العقد صحيحاً كما رأينا ، ويبقى العقد مرتباً لجميع آثاره بوجه بات . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول ، الصفحة : 696)

وهذا النص يقرر مدة تقادم خاصة – ثلاث سنوات أو خمسة عشرة سنة – لدعاوى إبطال العقد. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث المجلد الثاني  الصفحة : 1183)

وبما أنه لا يصح أن تعلق هذه الآثار إلى الأبد على تمسك هذا الشخص بحقه في أبطال الإرادة أو عدم تمسكه به، فقد وضح القانون حد أقصى لإستعمال هذا الحق هو بالنسبة إلى ناقص الأهلية ثلاث سنوات من تاريخ زوال نقص أهليته : وبالنسبة إلى من شاب رضاءه عيب غير الإستغلال 15 سنة من وقت تمام العقد، ثم نص على أن يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات من اليوم الذي ينكشف فيه الغلط أو التدليس أو ينقطع الأكره، أو خلال سنة واحدة من تاريخ العقد في حالة الاستغلال ( المواد 140 و 141 و 129 مدنی)، فاذا انقضت المدة المقررة دون أن يتمسك الشخص بحقه هذا سقط الحق بالتقادم وامتنع على صاحبه أن يتمسك به بعد ذلك ، وتأيدت نهائياً الآثار القانونية التي أنتجتها إرادته.

والبطلان النسبي يمكن أن يزول بالاجازة ، كما يجوز أن يد سقط بالتقادم حق التمسك به ( المادتان 139 و 140 ) . (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الأول  الصفحة/ 887)

ويبين من هذا النص أنه قصر مدة تقادم الحق في إبطال العقد عما كانت علي في التقنين الملغي حيث كانت متروكة للقاعدة العامة في التقادم وهي التي تحدد مدته بخمس عشرة سنة ، وأن حكمه جاء شاملاً الدعوى والدفع على السواء .

غير أنه يلاحظ أنه إذا كان القانون الجديد. قد نقص مدة التقادم إلى ثلاثة سنوات ، فإنه قد عين البدء هذه المدة وقتاً قد يبعد كثيراً عن تاريخ إبرام العقدة هو وقت زوال السبب في نقص الأهلية أو انكشاف الغلط أو التدليس أو انقطاع الإكراه، ومن شأن ذلك أن يجعل مدة التقادم الجديدة ليست بالقصر الذي يوحي به تحديدها بثلاث سنوات، إذ فقد يطول بقاء سبب نقص الأهلية سنين عديدة كما إذا كان العاقد قاصراً في السابعة من عمره أو محجوراً عليه لسفه أو غفلة وطالت مدة الحجر عليه، وقد لا يكشف العاقد الغلط أو التدليس الا بعد عدة سنوات .

ولم يشأ المشرع أن تطول مدة التقادم وفقاً للقانون الجديد - فيما عدا حالة نقص الأهلية - الى أكثر مما كانت عليه في التقنين الملغي و فقرر أنه مهما تأخر انكشاف الغلط أو التدليس أو انقطاع الأكراه ، لا يجوز التمسك بحق الإبطال إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد ، أي أنه في هذه الأحوال يتقادم الحق في الإبطال بأقل الأجلين ، أما ثلاث سنوات من وقت زوال سبب قابلية العقد للإبطال وأما خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد ، أما إذا كان سبب الابطال نقص الأهلية ، فلا يسقط الحق فيه. الا بثلاث سنوات من وقت زوال هذا السبب مهما طالت المدة التي انقضت من تاريخ العقد .

ويلاحظ أن مدة التقادم التي نصت عليها المادة 140 لا تسري على حق إبطال العقد بسبب الإستقلال ، لأن هذا النص لم يعرض لحالة الإستغلال كما عرض لغيرها ، لأن نص المادة 129 الذي بين حكم الإستغلال قرر سقوط الدعاوى الناشئة عنها بمضي سنة من تاريخ العقد .

ويترتب على انقضاء مدة التقادم امتناع التمسك بعدها بقابلية العقد للإبطال، أي أن الحق في إبطال العقد بطلاناً نسبياً يسقط بالتقادم إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات عملاً بالمادة 1/140 مدنی، ولما كان من المقرر أن التقادم لا يتعلق بالنظام العام ويجب التمسك به أمام محكمة الموضوع ، فإنه إذا لم يثبت أن الطاعنين قد تمسكوا أمامها بتقادم دعوى البطلان ، فلا يقبل منهم التمسك بالتقادم لأول مرة أمام محكمة النقض (97 مكرر) ، ويترتب على سقوط الحق في التمسك بالتقادم تأييد العقد نهائياً وتأييد آثاره التي أنتجها واعتباره كأن لم يكن في أي وقت منذ إبرامه قابلاً للإبطال، شأنه في ذلك شأن الإجازة تماماً .. فاذا جاز القول بأن الاجازة لها أثر رجعي بهذا المعنى، جاز القول بأن التقادم أيضاً له هذا الأثر.

غير أن المشرع قد نص على الأثر الرجعي بالنسبة إلى الإجازة كما تقدم ، وسكت عنه فيما يتعلق بالتقادم ، وكان المنطق يقضي بالمساواة في ذلك بينهما ، وبخاصة فيما يتعلق بعدم الإخلال بحقوق الغير ، حتى لا يتبادر إلى الذهن كما ذهب إلى ذلك الأستاذ السنهورى أن الإجازة لا يصح أن تخل بحقوق الغير أما التقادم فيجوز أن يخل بها ومن شأن التفسير الذي أخذنا به لنص المادة 139 قرة ثانية أن يجعل حكمها تطبيقاً للقواعد العامة وأن يسمح بالتالي بتطبيقه على التقادم بالرغم من عدم ورود نص بشأنه على ذلك .

ولأن نص المادة 140 قد قصر مدة التقادم، فإن حكمها يسري وفقاً للمادة 8 من التقنين الجديد بالنسبة الى العقود التي أبرمت قبل نفاذ بهذا التقنين إذا كان التقادم فيها لم يكتمل وقت نفاذه ، وذلك ما لم يكن الباقي من مدة التقادم المقررة في القانون القديم أقصر من المدة التي قررها القانون الجالي : (98 مكرر). (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني  الصفحة/ 474)

سقوط الحق في طلب إبطال العقد بمضي المدد المبينة بالنص يمنع من أبطاله بعد ذلك سواء عن طريق الدعوى أو الدفع .

يتعين التمسك بتقادم الحق في طلب الأبطال أمام محكمة الموضوع .

ولا يسرى التقادم المنصوص عليه في المادة إلا على الحق في الإبطال بسبب نقص الأهلية أو تعيب الرضا . (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 868 )

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الأول ، الصفحة /   179

إبْطال

1 - الإْبْطال لغةً: إفْساد الشّيْء وإزالته، حقًّا كان ذلك الشّيْء أوْ باطلاً. قال اللّه تعالى , ليحقّ الْحقّ ويبْطل الْباطل- وشرْعًا: الْحكْم على الشّيْء بالْبطْلان، سواءٌ وجد صحيحًا ثمّ طرأ عليْه سبب الْبطْلان، أوْ وجد وجودًا حسّيًّا لا شرْعيًّا. فالأْوّل كما لو انْعقدت الصّلاة صحيحةً ثمّ طرأ عليْها ما يبْطلها، والثّاني كما لوْ عقد على إحْدى الْمحرّمات عليْه على التّأْبيد، كما يسْتفاد منْ عبارات الْفقهاء.

ويأْتي على ألْسنة الْفقهاء بمعْنى الْفسْخ، والإْفْساد، والإْزالة، والنّقْض، والإْسْقاط، لكنّه يخْتلف عنْ هذه الأْلْفاظ منْ بعْض الْوجوه، ويظْهر ذلك عنْد مقارنته بها. والأْصْل في الإْبْطال أنْ يكون من الشّارع، كما يحْدث الإْبْطال ممّنْ قام بالْفعْل أو التّصرّف، وقدْ يقع من الْحاكم في الأْمور الّتي سلّطه عليْها الشّارع.

الأْلْفاظ ذات الصّلة:

أ - الإْبْطال والْفسْخ:

2 - يعبّر الْفقهاء أحْيانًا في الْمسْألة الْواحدة تارةً بالإْبْطال، وتارةً بالْفسْخ، غيْر أنّ الإْبْطال يحْدث أثْناء قيام التّصرّف وبعْده، وكما يحْصل في الْعقود والتّصرّفات يحْدث في الْعبادة.

أمّا الْفسْخ فإنّه يكون غالبًا في الْعقود والتّصرّفات، ويقلّ في الْعبادات، ومنْه فسْخ الْحجّ إلى الْعمْرة، وفسْخ نيّة الْفرْض إلى النّفْل، ويكون في الْعقود قبْل تمامها، لأنّه فكّ ارْتباط الْعقْد أو التّصرّف.

ب - الإْبْطال والإْفْساد:

3 - يأْتي التّفْريق بيْن الإْبْطال والإْفْساد تفْريعًا على التّفْرقة بيْن الْباطل والْفاسد.

ويتّفق الْفقهاء على أنّ الْباطل والْفاسد بمعْنًى واحدٍ في الْعبادات، إن اسْتثْنيْنا الْحجّ عنْد الشّافعيّة والْحنابلة.

وغيْر الْعبادة كذلك غالبًا عنْد الْمالكيّة والشّافعيّة والْحنابلة.

أمّا الْحنفيّة فإنّهمْ يفرّقون في أغْلب الْعقود بيْن الْفاسد والْباطل، فالْباطل ما لا يكون مشْروعًا لا بأصْله ولا بوصْفه، والْفاسد ما يكون مشْروعًا بأصْله دون وصْفه. ولتفْصيل ذلك (ر: بطْلان، فساد.)

ج - الإْبْطال والإْسْقاط:

4 - الإْسْقاط فيه رفْعٌ لحقٍّ ثابتٍ. وفي الإْبْطال منْعٌ لقيام الْحقّ أو الالْتزام.

وقدْ يأْتي كلٌّ من الإْبْطال والإْسْقاط بمعْنًى واحدٍ أحْيانًا في كلام الْفقهاء، كقوْلهمْ: الْوقْف لا يبْطل بالإْبْطال، وقوْلهمْ: أسْقطْت الْخيار أوْ أبْطلْته.

إجازة

التّعْريف:

1 - الإْجازة في اللّغة الإْنْفاذ، يقال: أجاز الشّيْء: إذا أنْفذه.

ولا يخْرج اسْتعْمال الْفقهاء للإْجازة عنْ هذا الْمعْنى اللّغويّ.

هذا وقدْ يطْلق الْفقهاء «الإْجازة» بمعْنى الإْعْطاء كما يطْلقونه على الإْذْن بالإْفْتاء أو التّدْريس.

ويطْلق الْمحدّثون وغيْرهمْ «الإْجازة» بمعْنى الإْذْن بالرّواية، سواءٌ أكانتْ رواية حديثٍ أمْ رواية كتابٍ. وتفْصيل ذلك يأْتي في آخر الْبحْث، والإْجازة بمعْنى الإْنْفاذ لا تكون إلاّ لاحقةً للتّصرّف، بخلاف الإْذْن فلا يكون إلاّ سابقًا عليْه.

وعلى هذا فنقسّم الْبحْث على هذه الأْنْواع الأْرْبعة:

أوّلاً: الإْجازة بمعْنى الإْنْفاذ

أرْكانها:

2 - كلّ إجازةٍ لا بدّ منْ أنْ تتوفّر فيها الأْمور التّالية:

أ - الْمجاز تصرّفه: وهو منْ تولّى التّصرّف بلا ولايةٍ كالْفضوليّ.

ب - الْمجيز: وهو منْ يمْلك التّصرّف سواءٌ أكان أصيلاً أمْ وكيلاً أمْ وليًّا أمْ وصيًّا أمْ قيّمًا أمْ ناظر وقْفٍ.

ج - الْمجاز: وهو التّصرّف.

د - الصّيغة: صيغة الإْجازة أوْ ما يقوم مقامها.

وقد اصْطلح جمْهور الْفقهاء على أنّ هذه الأْمور كلّها أرْكانٌ والْحنفيّة يقْصرون إطْلاق لفْظ الرّكْن على الصّيغة أوْ ما يقوم مقامها.

أ - الْمجاز تصرّفه:

3 - يشْترط في الْمجاز تصرّفه ما يلي:

1 - أنْ يكون ممّنْ ينْعقد به التّصرّف كالْبالغ الْعاقل والصّغير الْمميّز في بعْض تصرّفاته.

أمّا إذا كان الْمباشر غيْر أهْلٍ لعقْد التّصرّف أصْلاً كالْمجْنون والصّغير غيْر الْمميّز فإنّ التّصرّف يقع باطلاً غيْر قابلٍ للإْجازة.

بقاء الْمجاز تصرّفه حيًّا لحين الإْجازة:

4 - لكيْ تكون الإْجازة صحيحةً ومعْتبرةً عنْد الْحنفيّة فلا بدّ منْ صدورها حال حياة الْمباشر، إنْ كانتْ طبيعة التّصرّف ممّا ترْجع حقوقه إلى الْمباشر فيما لوْ حجبتْ عنْه الإْجازة، كالشّراء والاسْتئْجار

أمّا التّصرّفات الّتي يعْتبر فيها الْمباشر سفيرًا ومعبّرًا، ولا تعود حقوق التّصرّف إليْه بحالٍ من الأْحْوال، كالنّكاح فلا تشْترط فيه حياة الْمباشر وقْت الإْجازة، كما لوْ زوّج فضوليٌّ رجلاً بامْرأةٍ، ثمّ

مات الْفضوليّ، ثمّ أجاز الرّجل اعْتبرت الإْجازة صحيحةً؛ لأنّ الْوكيل في هذا الْعقْد ما هو إلاّ سفيرٌ ومعبّرٌ، ولا يعود إليْه شيْءٌ منْ حقوق هذا الْعقْد حين إخْلاله بالشّروط الّتي اشْترطها عليْه الْموكّل.

هذا صريح مذْهب الْحنفيّة وهو الْمفْهوم منْ بعْض الْفروع في مذْهب الشّافعيّة، فقدْ قالوا: لوْ باع مال مورّثه على ظنّ أنّه حيٌّ وأنّه فضوليٌّ، فبان ميّتًا حينئذٍ وأنّه ملْك الْعاقد فقوْلان، وقيل: وجْهان مشْهوران، أصحّهما أنّ الْعقْد صحيحٌ لصدوره منْ مالكٍ، والثّاني: الْبطْلان لأنّه في معْنى الْمعلّق بموْته، ولأنّه كالْغائب.

والظّاهر أنّ الْوجْه الأْوّل هنا مبْنيٌّ على الْقوْل بجواز تصرّف الْفضوليّ، فإنّ تصرّفه كان على ظنّ أنّه فضوليٌّ، وإجازته بعْد تحقّق وفاة مورّثه على أنّه مالكٌ فله اعْتباران: كوْنه فضوليًّا وكوْنه مالكًا، وهو حيٌّ في كلْتا الْحالتيْن. وأمّا على الْقوْل بالْبطْلان، وهو الْمعْتمد عنْدهمْ، فلا تنافي. هذا ولمْ نعْثرْ على هذا الشّرْط عنْد الْمالكيّة والْحنابلة.

ب - الْمجيز:

5 - منْ له الإْجازة (الْمجيز) إمّا أنْ يكون واحدًا أوْ أكْثر، فإنْ كان واحدًا فظاهرٌ، وإنْ كان أكْثر فلا بدّ من اتّفاق جميع منْ لهم الإْجازة عليْها حتّى تلْحق التّصرّف إذا كان لكلّ واحدٍ منْهمْ حقّ الإْجازة كاملاً، فإن اخْتلفوا فأجازه الْبعْض وردّه الْبعْض قدّم الرّدّ على الإْجازة، كما لوْ جعل خيار

 

الشّرْط إلى شخْصيْن فأجاز الْبيْع أحدهما وامْتنع عن الإْجازة الآْخر، لمْ تلْحق الإْجازة التّصرّف.

أمّا إنْ كانت الإْجازة قابلةً للتّجْزئة كما إذا تصرّف فضوليٌّ في مالٍ مشْتركٍ، فالإْجازة تنْفذ في حقّ الْمجيز دون شركائه.

6 - ويشْترط في الْمجيز لكيْ تصحّ إجازته أنْ يكون أهْلاً لمباشرة التّصرّف وقْت الإْجازة، فإنْ كان التّصرّف هبةً وجب أنْ تتوفّر فيه أهْليّة التّبرّع، وإنْ كان بيْعًا وجب أنْ تتوفّر فيه أهْليّة التّعاقد وهكذا؛ لأنّ الإْجازة لها حكْم الإْنْشاء، فيجب فيها من الشّروط ما يجب في الإْنْشاء.

7 - ويشْترط الْحنفيّة والْمالكيّة والْحنابلة في قوْلٍ عنْدهمْ والشّافعيّة في التّصرّفات الّتي تتوقّف على الإْجازة كخيار الشّرْط لأجْنبيٍّ عن الْعقْد، أنْ يكون الْمجيز موْجودًا حال وقوع التّصرّف؛ لأنّ كلّ تصرّفٍ يقع ولا مجيز له حين وقوعه يقع باطلاً، والْباطل لا تلْحقه الإْجازة.

فإذا باع الصّغير الْمميّز ثمّ بلغ قبْل إجازة الْوليّ تصرّفه، فأجاز تصرّفه بنفْسه جاز؛ لأنّ له وليًّا يجيزه حال الْعقْد، وإذا زوّج فضوليٌّ إنْسانًا ثمّ وكّل هذا الشّخْص الْفضوليّ في تزْويجه قبْل أنْ يجيز التّصرّف، فأجاز الْفضوليّ بعْد الْوكالة تصرّفه السّابق للْوكالة،

 

جاز هذا عنْد كلٍّ من الْحنفيّة والْمالكيّة. بخلاف ما إذا طلّق وهو صغيرٌ، ثمّ بلغ فأجاز طلاقه بنفْسه، لمْ يجزْ لأنّ طلاق الصّغير ليْس له مجيزٌ وقْت وقوعه، إذْ ليْس للْوليّ أنْ يطلّق زوْجة الصّغير، ولا أنْ يتصرّف تصرّفًا مضرًّا ضررًا محْضًا بالصّغير - مميّزًا أوْ غيْر مميّزٍ - هذا عنْد الْجمْهور (الْحنفيّة والْمالكيّة والشّافعيّة وقوْلٌ لأحْمد) والْمعْتمد عنْد الْحنابلة وقوع طلاق الصّبيّ الْمميّز الّذي يعْقل الطّلاق وما يترتّب عليْه.

8 - ويشْترط الشّافعيّة أنْ يكون منْ تولّى الإْجازة مالكًا للتّصرّف عنْد الْعقْد، فلوْ باع الْفضوليّ مال الطّفْل، فبلغ الطّفْل، فأجاز ذلك الْبيْع، لمْ ينْفذْ لأنّ الطّفْل لمْ يكنْ يمْلك الْبيْع عنْد الْعقْد. وهذا بناءً على الْقوْل عنْدهمْ بجواز تصرّفات الْفضوليّ.

9 - كما يشْترط في الْمجيز أنْ يكون عالمًا ببقاء محلّ التّصرّف. أمّا علْمه بالتّصرّف الّذي أجازه فظاهرٌ، وأمّا علْمه ببقاء محلّ التّصرّف فقدْ قال في الْهداية: ولوْ أجاز الْمالك في حياته وهو لا يعْلم حال

الْمبيع جاز الْبيْع في قوْل أبي يوسف أوّلاً، وهو قوْل محمّدٍ لأنّ الأْصْل بقاؤه. ثمّ رجع أبو يوسف فقال: لا يصحّ حتّى يعْلم قيامه عنْد الإْجازة؛ لأنّ الشّكّ وقع في شرْط الإْجازة. فلا يثْبت مع الشّكّ وهو ما ذهب إليْه الْمالكيّة أيْضًا. ولمْ نقفْ على نصٍّ في هذا عنْد الشّافعيّة والْحنابلة لأنّ الْمعْتمد عنْدهمْ عدم جواز تصرّفات الْفضوليّ، ولهذا لمْ يتوسّعوا في التّفْريع.

ج - التّصرّف الْمجاز (محلّ الإْجازة)

محلّ الإْجازة إمّا أنْ يكون قوْلاً أوْ فعْلاً

إجازة الأْقْوال:

10 - الإْجازة تلْحق التّصرّفات الْقوْليّة، وعنْدئذٍ يشْترط في تلْك التّصرّفات:

أوّلاً: أنْ يكون قدْ وقع صحيحًا، فالْعقْد غيْر الصّحيح لا تلْحقه الإْجازة كبيْع الْميْتة، فبيْع الْميْتة غيْر منْعقدٍ أصْلاً، فهو غيْر موْجودٍ إلاّ منْ حيْث الصّورة فحسْب، والإْجازة لا تلْحق الْمعْدوم بالْبداهة. ويبْطل الْعقْد الْموْقوف وغيْر اللاّزم بردّ منْ له الإْجازة، فإذا ردّه فقدْ بطل، ولا تلْحقه الإْجازة بعْد ذلك.

ثانيًا: أنْ يكون التّصرّف صحيحًا غيْر نافذٍ - أيْ موْقوفًا - كهبة الْمريض مرض الْموْت فيما زاد على الثّلث وكتصرّف الْفضوليّ عنْد منْ يرى جوازه، وكالْعقود غيْر اللاّزمة كالّتي تنْعقد مع الْخيار.

ثالثًا: أنْ يكون الْمعْقود عليْه قائمًا وقْت الإْجازة، فإنْ فات الْمعْقود عليْه فإنّ الْعقْد لا تلْحقه الإْجازة،

لأنّ الإْجازة تصرّفٌ في الْعقْد، فلا بدّ منْ قيام الْعقْد بقيام الْعاقديْن والْمعْقود عليْه.

إجازة الْعقود الْواردة على محلٍّ واحدٍ:

11 - إذا وردت الإْجازة على أكْثر منْ عقْدٍ واحدٍ على محلٍّ واحدٍ، لحقتْ أحقّ هذه الْعقود بالإْمْضاء.

وقدْ صنّف الْحنفيّة الْعقود والتّصرّفات بحسب أحقّيّتها كما يلي:

الْكتابة والتّدْبير والْعتْق، ثمّ الْبيْع، ثمّ النّكاح، ثمّ الْهبة، ثمّ الإْجارة، ثمّ الرّهْن. فإذا باع فضوليٌّ أمة رجلٍ، وزوّجها فضوليٌّ آخر، أوْ آجرها أوْ رهنها، فأجاز الْمالك تصرّف الْفضوليّين معًا، جاز الْبيْع وبطل غيْره؛ لأنّ الْبيْع أحقّ منْ بقيّة التّصرّفات، فلحقتْ به الإْجازة دون غيْره ولمْ نجدْ هذا عنْد غيْرهمْ.

إجازة الأْفْعال:

الأْفْعال إمّا أنْ تكون أفْعال إيجادٍ أوْ إتْلافٍ.

12 - وفي أفْعال الإْيجاد اتّجاهان: الأْوّل: أنّ الإْجازة لا تلْحقها، وهو ما ذهب

 

إليْه الإْمام أبو حنيفة.

الثّاني: أنّ الإْجازة تلْحقها، وهو ما ذهب إليْه الإْمام محمّد بْن الْحسن وهو الرّاجح عنْد الْحنفيّة. وبناءً على ذلك فإنّ الْغاصب إذا أعْطى الْمغْصوب لأجْنبيٍّ بأيّ تصرّفٍ فأجاز الْمالك ذلك، فقدْ ذهب أبو حنيفة إلى عدم براءة الْغاصب وأنّه لا يزال ضامنًا إذ الأْصْل عنْده أنّ الإْجازة لا تلْحق الأْفْعال. والْمفْهوم منْ بعْض فروع الْمالكيّة والشّافعيّة، وروايةٌ عنْ أحْمد أنّهمْ يذْهبون مذْهب أبي حنيفة.

وعلّل الْمالكيّة ذلك بأنّ الرّضا بتصرّف الْغاصب لا يجْعل يده يد أمانةٍ. وعلّل الشّافعيّ والْحنابلة لهذه الرّواية بأنّ تصرّفات الْغاصب في الْعيْن الْمغْصوبة حرامٌ، ولا يمْلك أحدٌ إجازة تصرّفٍ حرامٍ. وذهب الإْمام محمّد بْن الْحسن إلى أنّ إجازة الْمالك لتصرّف الْغاصب صحيحةٌ وتبرّئ ذمّته وتسْقط عنْه الضّمان والْقاعدة عنْده أنّ الإْجازة تلْحق الأْفْعال. وهو الرّواية الأْخْرى عنْد الْحنابلة، واخْتلف علماؤهمْ في تخْريج هذه الرّواية عنْ أحْمد.

13 - واتّفقتْ كلمة الْحنفيّة على أنّ الإْجازة لا تلْحق أفْعال الإْتْلاف، فليْس للْوليّ أنْ يهب منْ مال الصّغير؛ لأنّ الْهبة إتْلافٌ، فإنْ فعل ذلك كانضامنًا، فإنْ بلغ الصّبيّ وأجاز هبته، لمْ تجزْ؛ لأنّ الإْجازة لا تلْحق أفْعال الإْتْلاف.

وهذا هو ما يفْهم منْ كلام الْمالكيّة والشّافعيّة. وأمّا الْحنابلة فقدْ فرّقوا بيْن ما إذا كان الْوليّ أبًا أوْ غيْر أبٍ فإنْ كان أبًا فلا يعْتبر متعدّيًا لأنّ له حقّ تملّك مال ولده، لحديث: «أنْت ومالك لأبيك» وإنْ كان الْوليّ غيْر أبٍ فهمْ مع الْجمْهور. أمّا دليل عدم نفاذ الإْجازة فلأنّ تصرّفات الْوليّ منوطةٌ بمصْلحته، والتّبرّعات إتْلافٌ فتقع باطلةً فلا تلْحقها الإْجازة.

14 - وقدْ وقع خلافٌ في اللّقطة إذا تصدّق بها الْملْتقط، فالْمالكيّة والْحنابلة قالوا: إذا عرّفها سنةً ولمْ يأْت مالكها تملّكها الْملْتقط، وعلى هذا فلوْ تصدّق بها بعْد الْمدّة الْمذْكورة فلا ضمان عليْه لأنّه تصدّق بخالص ماله. ومفْهوم كلامهمْ أنّه لوْ تصدّق بها قبْل هذه الْمدّة أوْ لمْ يعرّفْها يكون ضامنًا إنْ لمْ يجز الْمالك التّصدّق. وسندهمْ في ذلك حديث زيْد بْن خالدٍ أنّ الرّسول صلي الله عليه وسلم  قال في شأْن اللّقطة: «فإنْ لمْ تعْرفْ فاسْتنْفقْها. وفي لفْظٍ: وإلاّ فهي كسبيل مالك. وفي لفْظٍ: ثمّ كلْها. وفي لفْظٍ: فانْتفعْ بها».

أمّا الْحنفيّة فقالوا: إذا تصدّق الْملْتقط باللّقطة، ثمّ جاء صاحبها فأجاز

 

صدقة الْملْتقط طلبًا لثواب اللّه تعالى، جاز بالاتّفاق. قال عمر بْن الْخطّاب لمنْ أتاه مسْتفْسرًا عمّا يتصرّف به في اللّقطة الّتي في يده: ألا أخْبرك بخيْر سبيلها؟ تصدّقْ بها، فإنْ جاء صاحبها فاخْتار الْمال غرمْت له وكان الأْجْر لك، وإن اخْتار الأْجْر كان له، ولك ما نويْت ومفْهوم مذْهب الشّافعيّة أنّ الْملْتقط إذا تصرّف أيّ تصرّفٍ فيها يكون متعدّيًا ويعْتبر ضامنًا. وتفْصيل ذلك في مصْطلح «لقطة».

صيغة الإْجازة:

من اسْتقْراء كلام الْفقهاء نجد أنّ الإْجازة تتحقّق بطرائق متعدّدةٍ. وهي خمْسةٌ في الْجمْلة:

الطّريقة الأْولى: الْقوْل

15 - الأْصْل في الإْجازة أنْ تكون بالْقوْل الْمعبّر عنْها بنحْو قوْل الْمجيز: أجزْت، وأنْفذْت، وأمْضيْت، ورضيت، ونحْو ذلك.

وإذا وقعت الإْجازة بلفْظٍ يمْكن أنْ يعبّر به عنْها كما يمْكن أنْ يعبّر به عنْ غيْرها، فالاحْتكام في ذلك إلى قرائن الأْحْوال. فإن انْعدمتْ قرائن الأْحْوال حمل الْكلام على حقيقته.

وتقوم الْكتابة أو الإْشارة الْمفْهمة مقام الْقوْل عنْد الْعجْز، على تفْصيلٍ موْضعه الصّيغة في الْعقْد.

الطّريقة الثّانية: الْفعْل

16 - فكلّ ما يصحّ أنْ يكون قبولاً من الأْفْعال في الْعقود، يصحّ أنْ يكون إجازةً.

الطّريقة الثّالثة:

17 - مضيّ الْمدّة في التّصرّفات الْموْقوتة: كمضيّ مدّة الْخيار في خيار الشّرْط (ر: خيار الشّرْط)

الطّريقة الرّابعة:

18 - الْقرائن الْقويّة: كتبسّم الْبكْر الْبالغة، وضحكها ضحك سرورٍ وابْتهاجٍ، وسكوتها وقبْضها مهْرها، عنْد إعْلام وليّها إيّاها أنّه زوّجها منْ فلانٍ، فإنّها قرينةٌ قويّةٌ على إجازتها، بخلاف بكائها بصوْتٍ مرْتفعٍ وولْولتها، فهي قرينةٌ على الرّفْض.

ومن الْقرائن الْقويّة السّكوت في موْطن الْحاجة إلى الإْبْطال، كسكوت صاحب الْحاجة عنْد رؤْية حاجته يبيعها صغيره الْمميّز في السّوق وغيْرها.

الطّريقة الْخامسة:

19 - زوال حالةٍ أوْجبتْ عدم نفاذ التّصرّف، كما هو الْحال في تصرّفات الرّجل الْمرْتدّ عن الإْسْلام منْ معاوضاتٍ ماليّةٍ كالْبيْع والإْجارة، أوْ تبرّعاتٍ كالْهبة والْوصيّة والْوقْف، فإنّ الإْمام أبا حنيفة يعْتبر سائر عقود الْمرْتدّ وتصرّفاته الْماليّة موْقوفةً غيْر نافذةٍ، فإنْ زالتْ حالة الرّدّة بعوْدته للإْسْلام نفذتْ تلْك التّصرّفات الْموْقوفة، وإنْ مات أوْ قتل أو الْتحق بدار الْحرْب وقضى الْقاضي باعْتباره ملْتحقًا بها، بطلتْ تلْك الْعقود والتّصرّفات.

20 - وهذه الطّرق الْخمْسة هي صريح مذْهب الْحنفيّة والْمفْهوم منْ مذْهب الْمالكيّة عنْد كلامهمْ عنْ صيغة عقْد الْبيْع. أمّا الشّافعيّة فالأْصْل عنْدهمْ في التّصرّفات الْقوْليّة الْعبارة. وهذا هو الْمعْتمد في الْمذْهب الْجديد. وفي الْمذْهب الْقديم جواز الاعْتماد على الْمعاطاة وما في معْناها، وهو اخْتيار النّوويّ وجماعةٍ، سواءٌ أكان في النّفيس أم الْخسيس واخْتار بعْضهمْ جواز ذلك في الْخسيس فقطْ. وعليْه فتكون الإْجازة عنْدهمْ على الْمعْتمد بالْعبارة دون غيْرها.

وأمّا الْحنابلة فالْمأْخوذ منْ فروعهمْ جواز ذلك في الْجمْلة.

وللْفقهاء في تصرّفات الْمرْتدّ وكوْنها موْقوفةً أوْ نافذةً تفْصيلٌ حاصله أنّها موْقوفةٌ عنْد أبي حنيفة ومالكٍ والْحنابلة ورأْيٍ عنْد الشّافعيّة، فإنْ عاد إلى الإْسْلام نفذتْ تصرّفاته بإجازة الشّارع. والصّاحبان من الْحنفيّة والشّافعيّة في رأْيٍ عنْدهمْ أنّ تصرّفاته نافذةٌ. ومبْنى هذا الْخلاف أنّ منْ قال بنفاذ تصرّفاته قال: إنّه أهْلٌ للتّصرّف وقدْ تصرّف في ملْكه ولمْ يوجدْ سببٌ مزيلٌ للْملْك، وأنّ كلّ ما يسْتحقّه هو الْقتْل. أمّا الْوجْه الآْخر فإنّهمْ يروْن أنّه بالرّدّة صار مهْدر الدّم وماله تبعٌ له، ويتريّث حتّى يسْتبين أمْره.

آثار الإْجازة:

21 - الإْجازة يظْهر أثرها منْ حين إنْشاء التّصرّف. ولذا اشْتهر منْ أقْوال الْفقهاء الإْجازة اللاّحقة كالإْذْن السّابق. ويبْنى على ذلك كثيرٌ من التّطْبيقات الْعمليّة عنْدهمْ، نذْكر منْها:

1 - أنّ الْمجيز يطالب الْمباشر بالثّمن بعْد الإْجازة إنْ كان التّصرّف بيْعًا، ولا يطالب الْمشْتري لأنّ الْمباشر - وهو الْفضوليّ - قدْ صار بالإْجازة وكيلاً.

2 - إذا باع الْفضوليّ ملْك غيْره ثمّ أجاز الْمالك الْبيْع يثْبت الْبيْع والْحطّ سواءٌ علم الْمالك الْحطّ أوْ لمْ يعْلمْ إلاّ أنّه بالْحطّ بعْد الإْجازة يثْبت له الْخيار.

3 - إذا تعدّدتْ التّصرّفات وأجاز الْمالك أحدها أجاز الْعقْد الّذي أجازه خاصّةً، فلوْ باع الْغاصب الْعيْن الْمغْصوبة ثمّ باعها الْمشْتري أوْ أجّرها أوْ رهنها وتداولتْها الأْيْدي فأجاز مالكها أحد هذه الْعقود، جاز الْعقْد الّذي أجازه خاصّةً لتوقّف كلّها على الإْجازة، فإذا أجاز عقْدًا منْها جاز ذلك خاصّةً ولمْ نعْثرْ لغيْر الْحنفيّة على ما يتعلّق بهذا.

رفْض الإْجازة:

22 - يحقّ لمنْ له الإْجازة أنْ يردّ التّصرّف الْمتوقّف عليْها، وإذا ردّه فليْس له أنْ يجيزه بعْد ذلك لأنّه بالرّدّ أصْبح التّصرّف باطلاً.

الرّجوع عن الإْجازة:

23 - إذا أجاز منْ له الإْجازة التّصرّف، فليْس له أنْ يرْجع عن الإْجازة بعْد ذلك، فمنْ سمع أنّ فضوليًّا باع ملْكه فأجاز ولمْ يعْلمْ مقْدار الثّمن، فلمّا علم ردّ الْبيْع، فالْبيْع قدْ لزم، ولا عبْرة لردّه لصيْرورة الْبائع الْمباشر للْبيْع - وهو الْفضوليّ هنا - كالْوكيل.

ثانيًا: الإْجازة بمعْنى الإْعْطاء

24 - الإْجازة بمعْنى الإْعْطاء. وهي بمعْنى الْعطيّة منْ حاكمٍ أوْ ذي شأْنٍ كمكافأةٍ على عملٍ، وبيان ذلك في مصْطلح هبة.

ثالثًا: الإْجازة بمعْنى الإْذْن بالإْفْتاء أو التّدْريس

25 - أمّا الإْجازة بمعْنى الإْفْتاء أو التّدْريس، فلا يحلّ إجازة أحدٍ للإْفْتاء أوْ تدْريس الْعلوم الدّينيّة إلاّ أنْ يكون عالمًا بالْكتاب والسّنّة والآْثار ووجوه الْفقْه واجْتهاد الرّأْي، عدْلاً موْثوقًا به.

رابعًا: الإْجازة بمعْنى الإْذْن في الرّواية

26 - اخْتلف الْعلماء في حكْم رواية الْحديث بالإْجازة والْعمل به، فذهب جماعةٌ إلى الْمنْع وهو إحْدى الرّوايتيْن عن الشّافعيّ، وحكي ذلك عنْ أبي طاهرٍ الدّبّاس منْ أئمّة الْحنفيّة، ولكنّ الّذي اسْتقرّ عليْه الْعمل وقال به جماهير أهْل الْعلْم منْ أهْل الْحديث وغيْرهم الْقوْل بتجْويز الإْجازة وإباحة الرّواية بها، ووجوب الْعمل بالْمرْويّ بها.

27 - وتسْتحْسن الإْجازة برواية الْحديث إذا كان الْمجيز عالمًا بما يجيز، والْمجاز له منْ أهْل الْعلْم؛ لأنّها توسّعٌ وترْخيصٌ يتأهّل له أهْل الْعلْم لمسيس حاجتهمْ إليْها، وبالغ بعْضهمْ في ذلك فجعله شرْطًا فيها، وقدْ حكى ذلك أبو الْعبّاس الْوليد بْن بكْرٍ الْمالكيّ عن الإْمام مالكٍ رحمه الله.

أنْواع الإْجازة بالْكتب:

28 - وكما جرت الْعادة برواية الْحديث بالإْجازة، جرتْ كذلك برواية الْكتب وتدْريسها بها، وهي على أنْواعٍ:

النّوْع الأْوّل: أنْ يجيز إنْسانًا معيّنًا في رواية كتابٍ معيّنٍ، كقوْله: «أجزْت لك رواية كتابي الْفلانيّ».

النّوْع الثّاني: أنْ يجيز لإنْسانٍ معيّنٍ رواية شيْءٍ غيْر معيّنٍ، كقوْله: «أجزْت لك رواية جميع مسْموعاتي».

وجمْهور الْفقهاء والْمحدّثين على تجْويز الرّواية بهذيْن النّوْعيْن، وعلى وجوب الْعمل بما روي بهما بشرْطه، مع الْعلْم أنّ الْخلاف في جواز الْعمل بالنّوْع الثّاني أكْثر بيْن الْعلماء.

النّوْع الثّالث: إجازة غيْر معيّنٍ رواية شيْءٍ معيّنٍ كقوْله: «أجزْت للْمسْلمين رواية كتابي هذا» وهذا النّوْع مسْتحْدثٌ، فإنْ كان مقيّدًا بوصْف حاضرٍ فهو إلى الْجواز أقْرب

ويقول ابْن الصّلاح: «لمْ نر ولمْ نسْمعْ عنْ أحدٍ ممّنْ يقْتدى به أنّه اسْتعْمل هذه الإْجازة».

النّوْع الرّابع: الإْجازة لغيْر معيّنٍ برواية غيْر معيّنٍ، كأنْ يقول: أجزْت لكلّ من اطّلع على أيّ مؤلّفٍ منْ مؤلّفاتي روايته، وهذا النّوْع يراه الْبعْض فاسدًا واسْتظْهر عدم الصّحّة وبذلك أفْتى الْقاضي أبو الطّيّب الطّبريّ، وحكي الْجواز عنْ بعْض الْحنابلة والْمالكيّة.

وهناك أنْواعٌ أخْرى غيْر هذه ذهب الْمحقّقون إلى عدم جواز الْعمل بها.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثالث ، الصفحة /  285

فَسَادُ الْعَقْدِ:

10 - يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَالْعَقْدُ الْبَاطِلُ عِنْدَهُمْ: هُوَ مَا لَمْ يُشْرَعْ بِأَصْلِهِ وَلاَ وَصْفِهِ، وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ: هُوَ مَا شُرِعَ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ. أَمَّا حُكْمُ الاِسْتِرْدَادِ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ فَيَظْهَرُ فِيمَا يَأْتِي:

الْعَقْدُ الْبَاطِلُ لاَ وُجُودَ لَهُ شَرْعًا، وَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ؛ لأِنَّهُ لاَ أَثَرَ لَهُ، وَلاَ يَمْلِكُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَنْ يُجْبِرَ الآْخَرَ عَلَى تَنْفِيذِهِ.

فَفِي الْبَيْعِ يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: لاَ حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ (الْبَاطِلِ) أَصْلاً؛ لأِنَّ الْحُكْمَ لِلْمَوْجُودِ، وَلاَ وُجُودَ لِهَذَا الْبَيْعِ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ؛ لأِنَّ التَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لاَ وُجُودَ لَهُ بِدُونِ الأْهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ شَرْعًا، كَمَا لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ الْحَقِيقِيِّ إِلاَّ مِنْ الأْهْلِ فِي الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ نَحْوُ بَيْعِ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.

وَمَا دَامَ الْعَقْدُ الْبَاطِلُ لاَ وُجُودَ لَهُ شَرْعًا، وَلاَ يُنْتِجُ أَيَّ أَثَرٍ، فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ بِاخْتِيَارِهِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي بِاخْتِيَارِهِ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ، كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَوْ بِالْقَبْضِ، وَلِذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ عِتْقٍ، فَإِنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لاَ يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنِ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ لَمْ يَنْقُلِ الْمِلْكِيَّةَ لِلْمُشْتَرِي، فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَ مَالاً غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ.

11 - أَمَّا الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ، فَلِذَلِكَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فِي الْجُمْلَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، بَلْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ الْفَسْخَ، حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِمَا فِي الْفَسْخِ مِنْ رَفْعِ الْفَسَادِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْفَسْخُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَسْتَلْزِمُ رَدَّ الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَرَدَّ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، هَذَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.

أَمَّا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ؛ لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ، فَتَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا، وَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الاِسْتِرْدَادِ؛ لأِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ، وَالاِسْتِرْدَادُ حَقُّ الشَّرْعِ، وَمَا اجْتَمَعَ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ إِلاَّ غَلَبَ حَقُّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ التَّصَرُّفُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ، أَوْ لاَ يَقْبَلُهُ، إِلاَّ الإْجَارَةَ فَإِنَّهَا لاَ تَقْطَعُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الاِسْتِرْدَادِ؛ لأِنَّ الإْجَارَةَ عَقْدٌ ضَعِيفٌ يُفْسَخُ بِالأْعْذَارِ، وَفَسَادُ الشِّرَاءِ عُذْرٌ، هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.

12 - أَمَّا الْجُمْهُورُ: فَإِنَّهُمْ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَالْعَقْدِ الْبَاطِلِ. فَالْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلاَ يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، أَمْ لَمْ يَتَّصِلْ، وَيَلْزَمُ رَدُّ الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي هَذَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.

أَمَّا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ. فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ، وَمِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي اسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُمْ رَدُّ الْمَبِيعِ الْفَاسِدِ لِرَبِّهِ إِنْ لَمْ يَفُتْ، كَأَنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ يَدِهِ بِبَيْعٍ، أَوْ بُنْيَانٍ، أَوْ غَرْسٍ، فَإِنْ فَاتَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي مَضَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ - وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ - بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَلْ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ، ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ إِنْ كَانَ مُقَوَّمًا حِينَ الْقَبْضِ، وَضَمِنَ مِثْلَ الْمِثْلِيِّ إِذَا بِيعَ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا، وَعَلِمَ كَيْلَهُ أَوْ وَزْنَهُ، وَلَمْ يَتَعَذَّرْ وُجُودُهُ، وَإِلاَّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثامن   ، الصفحة / 106

بُطْلاَنٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْبُطْلاَنُ لُغَةً: الضَّيَاعُ وَالْخُسْرَانُ، أَوْ سُقُوطُ الْحُكْمِ. يُقَالُ: بَطَلَ الشَّيْءُ يَبْطُلُ بَطَلاً وَبُطْلاَنًا بِمَعْنَى: ذَهَبَ ضَيَاعًا وَخُسْرَانًا، أَوْ سَقَطَ حُكْمُهُ، وَمِنْ مَعَانِيهِ: الْحُبُوطُ.

وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِلْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ.

فَفِي الْعِبَادَاتِ: الْبُطْلاَنُ: عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ حَتَّى كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ. كَمَا لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ.

وَالْبُطْلاَنُ فِي الْمُعَامَلاَتِ يَخْتَلِفُ فِيهَا تَعْرِيفُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْ تَقَعَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ، وَيَنْشَأُ عَنِ الْبُطْلاَنِ تَخَلُّفُ الأْحْكَامِ  كُلِّهَا عَنِ التَّصَرُّفَاتِ، وَخُرُوجُهَا عَنْ كَوْنِهَا أَسْبَابًا مُفِيدَةً لِتِلْكَ الأْحْكَامِ  الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَبُطْلاَنُ الْمُعَامَلَةِ لاَ يُوَصِّلُ إِلَى الْمَقْصُودِ الدُّنْيَوِيِّ أَصْلاً؛  لأِنَّ  آثَارَهَا لاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا.

وَتَعْرِيفُ الْبُطْلاَنِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ تَعْرِيفُ الْفَسَادِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ: أَنْ تَقَعَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ أَوْ بِوَصْفِهِ أَوْ بِهِمَا.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْفَسَادُ:

2 - الْفَسَادُ: مُرَادِفٌ لِلْبُطْلاَنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) فَكُلٌّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي يُخَالِفُ وُقُوعُهُ الشَّرْعَ، وَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الآْثَارُ، وَلاَ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ.

وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي بَعْضِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ، كَالْحَجِّ وَالْعَارِيَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَالْفَسَادُ يُبَايِنُ الْبُطْلاَنَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَامَلاَتِ، فَالْبُطْلاَنُ عِنْدَهُمْ: مُخَالَفَةُ الْفِعْلِ لِلشَّرْعِ لِخَلَلٍ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ شَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.

أَمَّا الْفَسَادُ فَهُوَ: مُخَالَفَةُ الْفِعْلِ لِلشَّرْعِ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ، وَلَوْ مَعَ مُوَافَقَةِ الشَّرْعِ فِي أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.

ب - الصِّحَّةُ:

3 - الصِّحَّةُ فِي اللُّغَةِ. بِمَعْنَى: السَّلاَمَةِ فَالصَّحِيحُ ضِدُّ الْمَرِيضِ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: وُقُوعُ الْفِعْلِ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ بِاسْتِجْمَاعِ الأْرْكَانِ وَالشُّرُوطِ. وَأَثَرُهُ فِي الْمُعَامَلاَتِ: تَرَتُّبُ ثَمَرَةِ التَّصَرُّفِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ عَلَيْهِ، كَحِلِّ الاِنْتِفَاعِ فِي الْبَيْعِ، وَالاِسْتِمْتَاعِ فِي النِّكَاحِ.

وَأَثَرُهُ فِي الْعِبَادَاتِ هُوَ سُقُوطُ الْقَضَاءِ بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ.

ج - الاِنْعِقَادُ:

4 - الاِنْعِقَادُ: يَشْمَلُ الصِّحَّةَ، وَيَشْمَلُ الْفَسَادَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَهُوَ ارْتِبَاطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ شَرْعًا. أَوْ هُوَ: تَعَلُّقُ كُلٍّ مِنَ الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالآْخَرِ  عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ، يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي مُتَعَلَّقِهِمَا.

فَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ مُنْعَقِدٌ بِأَصْلِهِ، وَلَكِنَّهُ فَاسِدٌ بِوَصْفِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. فَالاِنْعِقَادُ ضِدُّ الْبُطْلاَنِ.

عَدَمُ التَّلاَزُمِ بَيْنَ بُطْلاَنِ التَّصَرُّفِ فِي الدُّنْيَا وَبُطْلاَنِ أَثَرِهِ فِي الآْخِرَةِ:

5 - لاَ تَلاَزُمَ بَيْنَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ أَوْ بُطْلاَنِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ بُطْلاَنِ أَثَرِهِ فِي الآْخِرَةِ، فَقَدْ يَكُونُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ فِي الدُّنْيَا، لاِسْتِكْمَالِهِ الأْرْكَانَ  وَالشُّرُوطَ الْمَطْلُوبَةَ شَرْعًا، لَكِنِ اقْتَرَنَ بِهِ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ مَا يُبْطِلُ ثَمَرَتَهُ فِي الآْخِرَةِ، فَلاَ يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ، بَلْ قَدْ يَلْزَمُهُ الإْثْمُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «إِنَّمَا الأْعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» وَقَدْ يَصِحُّ الْعَمَلُ وَيَسْتَحِقُّ عَامِلُهُ الثَّوَابَ، وَلَكِنْ يُتْبِعُهُ صَاحِبُهُ عَمَلاً يُبْطِلُهُ، فَالْمَنُّ وَالأْذَى يُبْطِلُ أَجْرَ  الصَّدَقَةِ، لقوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأْذَى)  وَقَالَ:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).

6 - وَيُوَضِّحُ الشَّاطِبِيُّ ذَلِكَ فَيَقُولُ: يُرَادُ بِالْبُطْلاَنِ إِطْلاَقَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا نَقُولُ فِي الْعِبَادَاتِ: إِنَّهَا غَيْرُ مُجْزِئَةٍ وَلاَ مُبَرِّئَةٍ لِلذِّمَّةِ وَلاَ مُسْقِطَةٍ لِلْقَضَاءِ، فَهِيَ بَاطِلَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى لِمُخَالَفَتِهَا لِمَا قَصَدَ الشَّارِعُ فِيهَا. وَقَدْ تَكُونُ بَاطِلَةً لِخَلَلٍ فِي بَعْضِ أَرْكَانِهَا أَوْ شُرُوطِهَا، كَكَوْنِهَا نَاقِصَةً رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً.

وَنَقُولُ أَيْضًا فِي الْعَادَاتِ: إِنَّهَا بَاطِلَةٌ، بِمَعْنَى عَدَمِ حُصُولِ فَوَائِدِهَا بِهَا شَرْعًا، مِنْ حُصُولِ إِمْلاَكٍ وَاسْتِبَاحَةِ فُرُوجٍ وَانْتِفَاعٍ بِالْمَطْلُوبِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُرَادَ بِالْبُطْلاَنِ عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الآْخِرَةِ، وَهُوَ الثَّوَابُ. فَتَكُونُ الْعِبَادَةُ بَاطِلَةً بِالإْطْلاَقِ الأْوَّلِ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا جَزَاءٌ؛ لأِنَّ هَا غَيْرُ مُطَابِقَةٍ لِمُقْتَضَى الأْمْرِ بِهَا، كَالْمُتَعَبِّدِ رِئَاءَ النَّاسِ، فَهِيَ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ

وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ، وَقَدْ تَكُونُ صَحِيحَةً بِالإْطْلاَقِ الأْوَّلِ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ أَيْضًا، كَالْمُتَصَدِّقِ بِالصَّدَقَةِ يُتْبِعُهَا بِالْمَنِّ وَالأْذَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأْذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ).

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلإْقْدَامِ عَلَى تَصَرُّفٍ بَاطِلٍ مَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ:

7 - الإْقْدَامُ عَلَى فِعْلٍ بَاطِلٍ - مَعَ الْعِلْمِ بِبُطْلاَنِهِ - حَرَامٌ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ؛ لاِرْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ بِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوعَ؛ لأِنَّ  الْبُطْلاَنَ وَصْفٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ، كَالصَّلاَةِ بِدُونِ طَهَارَةٍ، وَالأْكْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَمْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُعَامَلاَتِ، كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَكَالاِسْتِئْجَارِ عَلَى النَّوْحِ، وَكَرَهْنِ الْخَمْرِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ، وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ، أَمْ كَانَ فِي النِّكَاحِ، كَنِكَاحِ الأْمِّ وَالْبِنْتِ.

وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الْفَاسِدَ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ بَعْضَ الأْحْكَامِ  - كَإِفَادَتِهِ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ مَثَلاً - إِلاَّ أَنَّ الإْقْدَامَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، وَيَجِبُ فَسْخُهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى دَفْعًا لِلْفَسَادِ؛ لأِنَّ  فِعْلَهُ مَعْصِيَةٌ، فَعَلَى الْعَاقِدِ التَّوْبَةُ مِنْهُ بِفَسْخِهِ.

وَيُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الإِْقْدَامِ عَلَى التَّصَرُّفِ الْبَاطِلِ حَالَةُ الضَّرُورَةِ، كَالْمُضْطَرِّ يَشْتَرِي الْمَيْتَةَ.

هَذَا فِيمَنْ يُقْدِمُ عَلَى الْبَاطِلِ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلاَنِهِ.

8 - وَأَمَّا الإْقْدَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ الْبَاطِلِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ، فَهَذَا يَشْمَلُ النَّاسِيَ وَالْجَاهِلَ. وَالأْصْلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَاهِلِ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، فَمَنْ بَاعَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الْبَيْعِ، وَمَنْ آجَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الإْجَارَةِ، وَمَنْ صَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الصَّلاَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ مَا يُرِيدُ الإْقْدَامَ عَلَيْهِ، لقوله تعالي : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)  فَلاَ يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي شَيْءٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَهُ، فَيَكُونُ طَلَبُ الْعِلْمِ وَاجِبًا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ.

وَتَرْكُ التَّعَلُّمِ مَعْصِيَةٌ يُؤَاخَذُ بِهَا.

أَمَّا الْمُؤَاخَذَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّصَرُّفِ الَّذِي وَقَعَ بَاطِلاً مَعَ الْجَهْلِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ: أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ تَسَامَحَ فِي جَهَالاَتٍ فِي الشَّرِيعَةِ، فَعَفَا عَنْ مُرْتَكِبِهَا، وَأَخَذَ بِجَهَالاَتٍ، فَلَمْ يَعْفُ عَنْ مُرْتَكِبِهَا. وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيلِ مُصْطَلَحَ (جَهْلٌ، نِسْيَانٌ).

الإْنْكَارُ عَلَى مَنْ فَعَلَ الْبَاطِلَ:

9 - إِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُتَّفَقًا عَلَى بُطْلاَنِهِ، فَإِنْكَارُهُ وَاجِبٌ عَلَى مُسْلِمٍ. أَمَّا إِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَلاَ إِنْكَارَ فِيهِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الإْنْكَارُ مِنَ الْمُنْكِرِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا اجْتُمِعَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلاَ إِنْكَارَ فِيهِ؛ لأِنَّ  كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أَوِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَلاَ نَعْلَمُهُ، وَلَمْ يَزَلِ الْخِلاَفُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي الْفُرُوعِ، وَلاَ يُنْكِرُ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ أَمْرًا مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا خَالَفَ نَصًّا، أَوْ إِجْمَاعًا قَطْعِيًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ لاَ يَرَى تَحْرِيمَهُ، فَإِنْ كَانَ يَرَاهُ فَالأْصَحُّ الإْنْكَارُ.

وَفِي كُلِّ ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (إِنْكَار، أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، اجْتِهَاد، تَقْلِيد، اخْتِلاَف، إِفْتَاء، رُخْصَة).

الاِخْتِلاَفُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ:

10 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ فِي التَّصَرُّفَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ، كَالصَّلاَةِ مَعَ تَرْكِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، أَوْ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا، أَمْ كَانَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ، كَالْعَقْدِ عَلَى إِحْدَى الْمَحَارِمِ، أَمْ كَانَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالشِّرَاءِ بِالْخَمْرِ، وَالْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا، فَكُلٌّ مِنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ يُوصَفُ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي يَقَعُ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ لَمْ يَعْتَبِرْهُ، وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ أَيَّ أَثَرٍ مِنَ الآْثَارِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْفِعْلِ الصَّحِيحِ.

فَالْجُمْهُورُ يُطْلِقُونَهُمَا، وَيُرِيدُونَ بِهِمَا مَعْنًى وَاحِدًا، وَهُوَ: وُقُوعُ الْفِعْلِ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْخِلاَفُ رَاجِعًا إِلَى فَوَاتِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْفِعْلِ، أَمْ رَاجِعًا إِلَى فَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمْ - عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ - يُوَافِقُونَ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّ الْبُطْلاَنَ وَالْفَسَادَ مُتَرَادِفَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَاتِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَامَلاَتِ، فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ الْجُمْهُورَ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، وَيَجْعَلُونَ لِلْفَسَادِ مَعْنًى يُخَالِفُ مَعْنَى الْبُطْلاَنِ، وَيَقُومُ هَذَا التَّفْرِيقُ عَلَى أَسَاسِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَصْلِ الْعَقْدِ وَوَصْفِهِ.

فَأَصْلُ الْعَقْدِ هُوَ أَرْكَانُهُ وَشَرَائِطُ انْعِقَادِهِ، مِنْ أَهْلِيَّةِ الْعَاقِدِ وَمَحَلِّيَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِمَا، كَالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ... وَهَكَذَا.

أَمَّا وَصْفُ الْعَقْدِ، فَهِيَ شُرُوطُ الصِّحَّةِ، وَهِيَ الْعَنَاصِرُ الْمُكَمِّلَةُ لِلْعَقْدِ، كَخُلُوِّهِ عَنِ الرِّبَا، وَعَنْ شَرْطٍ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَعَنِ الْغَرَرِ وَالضَّرَرِ.

وَعَلَى هَذَا الأْسَاسِ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا حَصَلَ خَلَلٌ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ - بِأَنْ تَخَلَّفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ، أَوْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِهِ - كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلاً، وَلاَ وُجُودَ لَهُ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيُّ أَثَرٍ دُنْيَوِيٍّ؛ لأِنَّ هُ لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ إِلاَّ مِنَ الأْهْلِ فِي الْمَحَلِّ، وَيَكُونُ الْعَقْدُ فَائِتَ الْمَعْنَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ فَحَسْبُ، إِمَّا لاِنْعِدَامِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، أَوْ لاِنْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْمُتَصَرِّفِ كَالْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنَ الْمَجْنُونِ أَوِ الصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يَعْقِلُ.

أَمَّا إِذَا كَانَ أَصْلُ الْعَقْدِ سَالِمًا مِنَ الْخَلَلِ، وَحَصَلَ خَلَلٌ فِي الْوَصْفِ، بِأَنِ اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، أَوْ رِبًا، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ فَاسِدًا لاَ بَاطِلاً، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الآْثَارِ دُونَ بَعْضٍ.

11 - وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الاِخْتِلاَفِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ، يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلاَفِ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ فِي أَثَرِ النَّهْيِ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْعَمَلِ اللاَّزِمَةِ لَهُ، كَالنَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا أَوْ شَرْطٍ فَاسِدٍ.

فَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَقْتَضِي بُطْلاَنَ كُلٍّ مِنَ الْوَصْفِ وَالأْصْلِ، كَأَثَرِ النَّهْيِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ وَحَقِيقَتِهِ، وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِوَصْفٍ لاَزِمٍ لَهُ اسْمَ الْفَاسِدِ أَوِ الْبَاطِلِ، وَلاَ يُرَتِّبُونَ عَلَيْهِ أَيَّ أَثَرٍ مِنَ الآْثَارِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَيْعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الرِّبَا، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، أَوْ نَحْوِ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِلِ عِنْدَهُمْ أَوِ الْفَاسِدِ.

وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَقْتَضِي بُطْلاَنَ الْوَصْفِ فَقَطْ، أَمَّا أَصْلُ الْعَمَلِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ بِخِلاَفِ النَّهْيِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ وَحَقِيقَتِهِ، وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِوَصْفٍ لاَزِمٍ لَهُ اسْمَ الْفَاسِدِ لاَ الْبَاطِلِ، وَيُرَتِّبُونَ عَلَيْهِ بَعْضَ الآْثَارِ دُونَ بَعْضٍ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَيْعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الرِّبَا، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ قَبِيلِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُمْ، لاَ مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِلِ.

12 - وَقَدِ اسْتَدَلَّ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ، أَهَمُّهَا مَا يَأْتِي:

أَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مَتَى خَالَفَ أَمْرَ الشَّارِعِ صَارَ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي نَظَرِهِ، فَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الأْحْكَامُ الَّتِي يَقْصِدُهَا مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمُخَالَفَةُ رَاجِعَةً إِلَى ذَاتِ الْعَمَلِ وَحَقِيقَتِهِ، أَمْ إِلَى وَصْفٍ مِنَ الأْوْصَافِ اللاَّزِمَةِ لَهُ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمُ اسْتَنَدُوا إِلَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ وَضَعَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ أَسْبَابًا لأِحْكَامٍ  تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَإِذَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا لِوَصْفٍ مِنَ الأْوْصَافِ اللاَّزِمَةِ لَهُ، كَانَ النَّهْيُ مُقْتَضِيًا بُطْلاَنَ هَذَا الْوَصْفِ فَقَطْ؛ لأِنَّ  النَّهْيَ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِ، فَيَقْتَصِرُ أَثَرُهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ هَذَا الْوَصْفِ مُخِلًّا بِحَقِيقَةِ التَّصَرُّفِ الْمَوْصُوفِ بِهِ، بَقِيَتْ حَقِيقَتُهُ قَائِمَةً، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُقْتَضَاهُ. فَإِذَا كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بَيْعًا مَثَلاً، وَوُجِدَتْ حَقِيقَتُهُ بِوُجُودِ رُكْنِهِ وَمَحَلِّهِ، ثَبَتَ الْمِلْكُ بِهِ نَظَرًا لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ، وَوَجَبَ فَسْخُهُ نَظَرًا لِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ الْجَانِبَيْنِ، وَإِعْطَاءُ كُلٍّ مِنْهَا حُكْمَهُ اللاَّئِقَ بِهِ. إِلاَّ أَنَّ الْعِبَادَاتِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الاِمْتِثَالَ وَالطَّاعَةَ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ هَذَا إِلاَّ إِذَا لَمْ تَحْصُلْ فِيهَا مُخَالَفَةٌ مَا، لاَ فِي الأْصْلِ وَلاَ فِي الْوَصْفِ، كَانَتْ مُخَالَفَةُ أَمْرِ الشَّارِعِ فِيهَا مُقْتَضِيَةً لِلْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ هَذِهِ الْمُخَالَفَةُ رَاجِعَةً إِلَى ذَاتِ الْعِبَادَةِ، أَمْ إِلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا اللاَّزِمَةِ.

بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَذْكُرَ أَنَّ الْجُمْهُورَ وَإِنْ كَانُوا لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ - عَلَى مَا جَاءَ فِي قَوَاعِدِهِمُ الْعَامَّةِ - إِلاَّ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ وُجُودُ الْخِلاَفِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ نُصُوصِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنَ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ، أَوْ لِلتَّفْرِقَةِ فِي مَسَائِلِ الدَّلِيلِ كَمَا يَقُولُ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهِ.

تَجَزُّؤُ الْبُطْلاَنِ:

13 - الْمُرَادُ بِتَجَزُّؤِ الْبُطْلاَنِ: أَنْ يَشْمَلَ التَّصَرُّفَ عَلَى مَا يَجُوزُ وَمَا لاَ يَجُوزُ، فَيَكُونُ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ بَاطِلاً.

وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا يُسَمَّى بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا يَجُوزُ وَمَا لاَ يَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ.

وَأَهَمُّ الصُّوَرِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْبَيْعِ وَهِيَ.

14 - عَقْدُ الْبَيْعِ إِذَا كَانَ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ بَاطِلاً، كَبَيْعِ الْعَصِيرِ وَالْخَمْرِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمُذَكَّاةِ وَالْمَيْتَةِ، فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ - عَدَا ابْنِ الْقَصَّارِ مِنْهُمْ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ (وَادَّعَى فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ)، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ.

وَذَلِكَ لأِنَّهُ مَتَى بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْبَعْضِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ؛ لأِنَّ  الصَّفْقَةَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ، أَوْ لِتَغْلِيبِ الْحَرَامِ عَلَى الْحَلاَلِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا، أَوْ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ.

 وَالْقَوْلُ الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ - قَالُوا: وَهُوَ الأْظْهَرُ - وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَجْزِئَةُ الصَّفْقَةِ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيمَا يَجُوزُ، وَيَبْطُلُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ  الإْبْطَالَ فِي الْكُلِّ لِبُطْلاَنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِ الْكُلِّ لِصِحَّةِ أَحَدِهِمَا، فَيَبْقَيَانِ عَلَى حُكْمِهِمَا، وَيَصِحُّ فِيمَا يَجُوزُ وَيَبْطُلُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ عُيِّنَ ابْتِدَاءً لِكُلِّ شِقٍّ حِصَّتُهُ مِنَ الثَّمَنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نُعْتَبَرُ الصَّفْقَةُ صَفْقَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، تَجُوزُ فِيهِمَا التَّجْزِئَةُ، فَتَصِحُّ وَاحِدَةٌ، وَتَبْطُلُ الأْخْرَى.

وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ مَوْقُوفًا، كَالْجَمْعِ بَيْنَ مَا يَمْلِكُهُ وَمَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ، وَبَيْعِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِيهِمَا وَيَلْزَمُ فِي مِلْكِهِ، وَيَقِفُ اللاَّزِمُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى إِجَازَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ عَدَا زُفَرَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَاعِدَةِ عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً، وَجَوَازِ ذَلِكَ بَقَاءً. وَعِنْدَ زُفَرَ: يَبْطُلُ الْجَمِيعُ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَالْمَجْمُوعُ لاَ يَتَجَزَّأُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَجْرِي الْخِلاَفُ السَّابِقُ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ فِي الأْصَحِّ.

15 - كَذَلِكَ تَجْرِي التَّجْزِئَةُ فِي النِّكَاحِ، فَلَوْ جُمِعَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَيْنَ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لاَ تَحِلُّ، كَمُسْلِمَةٍ وَوَثَنِيَّةٍ، صَحَّ نِكَاحُ الْحَلاَلِ اتِّفَاقًا، وَبَطَلَ فِي مَنْ لاَ تَحِلُّ.

 أَمَّا لَوْ جُمِعَ بَيْنَ خَمْسٍ، أَوْ بَيْنَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ؛ لأِنَّ  الْمُحَرَّمَ الْجَمْعُ، لاَ إِحْدَاهُنَّ أَوْ إِحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَإِنَّمَا يَجْرِي خِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا لَوْ جُمِعَ بَيْنَ أَمَةٍ وَحُرَّةٍ مَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَبْطُلُ فِيهِمَا، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ صَحَّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الأْمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَالْحُكْمُ فِي سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَامَلاَتِ كَالإْجَارَةِ وَغَيْرِهَا كَالْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ عَقَدَ الْفُقَهَاءُ فَصْلاً لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا مِنْ تَصَرُّفَاتٍ. انْظُرْ (تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ).

بُطْلاَنُ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ بُطْلاَنَ مَا فِي ضِمْنِهِ وَمَا بُنِيَ عَلَيْهِ:

16 - مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الأْشْبَاهِ: إِذَا بَطَلَ الشَّيْءُ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إِذَا بَطَلَ الْمُتَضَمِّنُ (بِالْكَسْرِ) بَطَلَ الْمُتَضَمَّنُ (بِالْفَتْحِ) وَأَوْرَدَ لِذَلِكَ عِدَّةَ أَمْثِلَةٍ مِنْهَا:

أ - لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ دَمِي بِأَلْفٍ، فَقَتَلَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلاَ يُعْتَبَرُ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنَ الإْذْنِ بِقَتْلِهِ.

ب - التَّعَاطِي ضِمْنَ عَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ لاَ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ.

ج - لَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ أَقَرَّ لَهُ ضِمْنَ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَسَدَ الإْبْرَاءُ.

د - لَوْ جَدَّدَ النِّكَاحَ لِمَنْكُوحَتِهِ بِمَهْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لأِنَّ  النِّكَاحَ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ، فَلَمْ يَلْزَمْ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنَ الْمَهْرِ.

إِلاَّ أَنَّ أَغْلَبَ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ تُجْرِي الْقَاعِدَةَ عَلَى الْفَسَادِ لاَ عَلَى الْبُطْلاَنِ؛ لأِنَّ  الْبَاطِلَ مَعْدُومٌ شَرْعًا أَصْلاً وَوَصْفًا، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَتَضَمَّنُ شَيْئًا، أَمَّا الْفَاسِدُ فَهُوَ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الأْصْلِ، فَلَمْ يَكُنْ مَعْدُومًا بِأَصْلِهِ فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمَّنًا، فَإِنْ فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ.

17 - هَذَا وَالْمَذَاهِبُ الأْخْرَى - وَهِيَ الَّتِي لاَ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ - تَسِيرُ عَلَى هَذَا النَّهْجِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا. فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: الْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ، إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْمَأْذُونِ، صَحَّتْ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ إِذَا أَفْسَدْنَاهَا فَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ، صَحَّ لِوُجُودِ الإْذْنِ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مَعَ شَرْطِ عِوَضٍ فَاسِدٍ لِلْوَكِيلِ، فَالإْذْنُ صَحِيحٌ وَالْعِوَضُ فَاسِدٌ.

وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ: الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا نُفُوذَ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا بِالإْذْنِ. ثُمَّ يُفَرِّقُ بَيْنَ الإْذْنِ فِي الْبَيْعِ - وَهُوَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ - وَبَيْنَ الإْذْنِ فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، فَيَقُولُ: الْبَيْعُ وُضِعَ لِنَقْلِ الْمِلْكِ لاَ لِلإْذْنِ، وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ تُسْتَفَادُ مِنَ الْمِلْكِ لاَ مِنَ الإْذْنِ، بِخِلاَفِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلإْذْنِ.

وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا تَصَرَّفَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ؛ لأِنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ بَقِيَ الإْذْنُ، فَمَلَكَ بِهِ التَّصَرُّفَ.

وَقَوَاعِدُ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تَأْبَى ذَلِكَ.

هَذِهِ هِيَ قَاعِدَةُ التَّضَمُّنِ. لَكِنْ هُنَاكَ قَاعِدَةٌ أُخْرَى شَبِيهَةٌ بِهَا، وَهِيَ: إِذَا سَقَطَ الأْصْلُ سَقَطَ الْفَرْعُ، وَمِنْهَا: التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ، وَقَدْ مَثَّلَ الْفُقَهَاءُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ مِنَ الدَّيْنِ، فَكَمَا أَنَّهُ يَبْرَأُ الْمَدِينُ يَبْرَأُ مِنْهُ الْكَفِيلُ أَيْضًا؛ لأِنَّ  الْمَدِينَ فِي الدَّيْنِ أَصْلٌ، وَالْكَفِيلَ فَرْعٌ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والثلاثون ، الصفحة /  119

أَسْبَابُ الْفَسَادِ فِي الْمُعَامَلاَتِ:

6 -لاَ يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ كَالصَّلاَةِ بِدُونِ طَهَارَةٍ، أَمْ فِي النِّكَاحِ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، أَمْ فِي عُقُودِ الْمُعَامَلاَتِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ - ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ يَدُلاَّنِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ وَقَعَ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ الأْثَرَ ال الَّذِي رَتَّبَهُ عَلَى الْفِعْلِ الصَّحِيحِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَأَسْبَابُ الْفَسَادِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هِيَ أَسْبَابُ الْبُطْلاَنِ، وَهِيَ تَرْجِعُ إِلَى الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْفِعْلِ، أَوْ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ، أَوْ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنِ الْوَصْفِ الْمُلاَزِمِ لِلْفِعْلِ، أَوْ عَنِ الْوَصْفِ الْمُجَاوِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .

يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: أَسْبَابُ الْفَسَادِ الْعَامَّةُ فِي الْبَيْعِ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: تَحْرِيمُ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَالثَّانِي: الرِّبَا، وَالثَّالِثُ: الْغَرَرُ، وَالرَّابِعُ: الشُّرُوطُ الَّتِي تَئُولُ إِلَى أَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ لِمَجْمُوعِهِمَا .

وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي الْمُعَامَلاَتِ، عَلَى أَسَاسِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَصْلِ الْعَقْدِ وَوَصْفِهِ.

وَأَسْبَابُ الْبُطْلاَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ حُدُوثُ خَلَلٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، بِأَنْ تَخَلَّفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.

أَمَّا أَسْبَابُ الْفَسَادِ، فَهِيَ حُدُوثُ خَلَلٍ فِي وَصْفِ الْعَقْدِ مَعَ سَلاَمَةِ الْمَاهِيَّةِ، فَإِذَا اخْتَلَّ الْوَصْفُ: بِأَنْ دَخَلَ الْمَحَلَّ شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لاَ بَاطِلٌ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْد) وَفِي الْمُلْحَقِ الأْصُولِيٍ.

التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا الْجُمْهُورُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ:

7 -الأْصْلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ:

فَالْمَالِكِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ .

وَالشَّافِعِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي عُقُودٍ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: الْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ عِنْدَنَا، وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ: الْحَجَّ وَالْخُلْعَ وَالْكِتَابَةَ وَالْعَارِيَّةَ .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي الْوَكَالَةِ وَالإْجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ .

قَالَ ابْنُ اللَّحَّامِ الْحَنْبَلِيُّ: الْبُطْلاَنُ وَالْفَسَادُ عِنْدَنَا مُتَرَادِفَانِ... ثُمَّ قَالَ: إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَذَكَرَ أَصْحَابُنَا مَسَائِلَ فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً لِلْمَسَائِلِ الَّتِي فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُلْحَقِ الأْصُوليَِ .

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَسَادِ مِنْ أَحْكَامٍ:

8- يَتَعَلَّقُ بِالْفَسَادِ أَحْكَامٌ أَوْرَدَهَا الْفُقَهَاءُ فِي صُورَةِ قَوَاعِدَ فِقْهِيَّةٍ أَوْ أَحْكَامٍ لِلْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ، مِنْهَا:

أَوَّلاً - فَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ:

9-هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، وَعَبَّرَ عَنْهَا ابْنُ نُجَيْمٍ بِلَفْظٍ آخَرَ هُوَ: (الْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ) وَوَضَّحُوا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فَقَالُوا: يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا، وَيَجِبُ قَطْعُهَا لِلْحَالِ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ إِلَى وَقْتِ الإْدْرَاكِ  بَطَلَتِ الإْجَارَةُ؛ لأِنَّهُ لاَ تَعَامُلَ فِي إِجَارَةِ الأْشْجَارِ  الْمُجَرَّدَةِ، فَلاَ يَجُوزُ، وَطَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ - وَهِيَ مَا زَادَ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ - وَذَلِكَ لِبَقَاءِ الإْذْنِ.

وَلَوِ اسْتَأْجَرَ الأْرْضَ  إِلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ - أَيْ إِلَى وَقْتِ إِدْرَاكِهِ - فَسَدَتِ الإْجَارَةُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَلَمْ تَطِبِ الزِّيَادَةُ لِفَسَادِ الإْذْنِ بِفَسَادِ الإْجَارَةِ ، وَفَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ، بِخِلاَفِ الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ مَعْدُومٌ شَرْعًا أَصْلاً وَوَصْفًا فَلاَ يَتَضَمَّنُ شَيْئًا، فَكَانَتْ مُبَاشَرَتُهُ عِبَارَةً عَنِ الإْذْنِ.

وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفَاسِدَ لَهُ وُجُودٌ؛ لأِنَّهُ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الأْصْلِ ، فَكَانَ الإْذْنُ  ثَابِتًا فِي ضِمْنِهِ، فَيَفْسُدُ، أَمَّا الْبَاطِلُ فَلاَ وُجُودَ لَهُ أَصْلاً، فَلَمْ يُوجَدْ إِلاَّ الإْذْنُ .

وَفِي حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الإْذْنِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ الإْجَارَةِ  الْبَاطِلَةِ وَبَيْنَهُ فِي ضِمْنِ الإْجَارَةِ  الْفَاسِدَةِ: أَنَّ الإْذْنَ  فِي الإْجَارَةِ  الْبَاطِلَةِ صَارَ أَصْلاً مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ؛ لأِنَّ  الْبَاطِلَ لاَ وُجُودَ لَهُ، وَالْمَعْدُومَ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الإْجَارَةُ الْفَاسِدَةُ، لأِنَّ  الْفَاسِدَ لَيْسَ مَعْدُومًا بِأَصْلِهِ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا، فَإِذَا فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ .

وَالْحُكْمُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَظْهَرُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي يُفَرِّقُونَ فِيهَا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ، كَالْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ، مِثْلِ الشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْوَكَالَةِ، فَهَذِهِ الْعُقُودُ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ لِبَقَاءِ الإْذْنِ.

فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: الْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْمَأْذُونِ صَحَّتْ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ إِذَا أَفْسَدْنَاهَا فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ، صَحَّ لِوُجُودِ الإْذْنِ، وَطَرَدَهُ الإْمَامُ فِي سَائِرِ صُوَرِ الْفَسَادِ .

وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ: الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا نُفُوذَ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالإْذْنِ .

وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا تَصَرَّفَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ لأِنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ بَقِيَ الإْذْنُ ، فَمَلَكَ بِهِ التَّصَرُّفَ .

وَقَوَاعِدُ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تَأْبَى ذَلِكَ .

ثَانِيًا - الْمِلْكُ:

10-التَّصَرُّفُ الْفَاسِدُ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

أَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ كَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ: الْفَاسِدُ لاَ يُمْلَكُ فِيهِ شَيْءٌ، وَيَلْزَمُهُ الرَّدُّ وَمُؤْنَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْبَدَلِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ إِنْ عَلِمَ الْفَسَادَ، وَكَذَا إِنْ جَهِلَ فِي الأْصَحِّ.

وَيُسْتَثْنَى صُورَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ فِيهَا أَكْسَابَهُ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا صَالَحْنَا كَافِرًا بِمَالٍ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ، فَدَخَلَ وَأَقَامَ، فَإِنَّا نَمْلِكُ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ .

وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مِلْكٌ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ، وَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِبَيْعٍ وَلاَ هِبَةٍ وَلاَ عِتْقٍ وَلاَ غَيْرِهِ .

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ الْفَاسِدَ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَهُمْ بِالْقَبْضِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَيَمْلِكُ الْقَابِضُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مِلْكٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، لأِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْفَسْخِ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَلِذَلِكَ فَهُوَ مَضْمُونٌ .

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الأْصْلُ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْلَكُ بِبَيْعٍ جَائِزٍ يُمْلَكُ بِفَاسِدٍ، فَلَوْ شَرَى قِنًّا بِخَمْرٍ - وَهُمَا مُسْلِمَانِ - مَلَكَ الْقِنَّ مُشْتَرِيهِ بِقَبْضِهِ بِإِذْنٍ، وَلاَ يَمْلِكُ الْبَائِعُ الْخَمْرَ .

وَالْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، وَبِهِ يُفْتَى، وَهِيَ مَضْمُونَةٌ .

وَالْمَقْبُوضُ بِالْقِسْمَةِ الْفَاسِدَةِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ وَيَنْفُذُ التَّصَرُّفُ، كَالْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَتَقَرَّرُ الْمِلْكُ فِي الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِالْفَوَاتِ:

يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ: الْبُيُوعُ الْفَاسِدَةُ عِنْدَ مَالِكٍ تَنْقَسِمُ إِلَى مُحَرَّمَةٍ وَإِلَى مَكْرُوهَةٍ: فَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ فَإِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ مَضَتْ بِالْقِيمَةِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهَةُ فَإِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ صَحَّتْ عِنْدَهُ، وَرُبَّمَا صَحَّ عِنْدَهُ بَعْضُ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بِالْقَبْضِ، لِخِفَّةِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ .

ثَالِثًا - الضَّمَانُ:

11 -يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةَ تُرَدُّ إِلَى حُكْمِ صَحِيحِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، فَإِنِ اقْتَضَى التَّصَرُّفُ الصَّحِيحُ الضَّمَانَ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ، وَإِنِ اقْتَضَى عَدَمَ الضَّمَانِ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ .

وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَاعِدَةٌ شَبِيهَةٌ بِمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ: الأْصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا قُبِضَ بِجِهَةِ التَّمَلُّكِ ضُمِنَ، وَكُلَّ مَا قُبِضَ لاَ بِجِهَةِ التَّمَلُّكِ لَمْ يُضْمَنْ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَمَان ف 35، وَمَا بَعْدَهَا).

رَابِعًا - سُقُوطُ الْمُسَمَّى فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ:

12 - الْوَاجِبُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا تَسْمِيَةُ نَحْوِ الأْجْرِ  أَوِ الرِّبْحِ أَوِ الْمَهْرِ، هُوَ الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ، فَإِنَّ الْمُسَمَّى يَسْقُطُ، وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ إِذَا سَقَطَ الْمُسَمَّى  وَمِنْ ذَلِكَ:

أ - الإْجَارَةُ:

13 - إِذَا فَسَدَتِ الإْجَارَةُ وَاسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، أَيْ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَزِيدَ عَنِ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي: (إِجَارَة ف 43 - 44).

ب - الْمُضَارَبَةُ:

14 -الْوَاجِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ هُوَ الرِّبْحُ الْمُسَمَّى لِلْمُضَارِبِ، فَإِذَا فَسَدَتِ الْمُضَارَبَةُ فَلاَ يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ الرِّبْحَ الْمُسَمَّى، لأِنَّهَا  تَسْمِيَةٌ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ إِذَا عَمِلَ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ جَمِيعُهُ لِرَبِّ الْمَالِ، لأِنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ.

وَالْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَرَبِحَتِ الْمُضَارَبَةُ أَمْ لَمْ تَرْبَحْ، لأِنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ، فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَهِيَ الأْجْرَةُ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرَ أَبِي يُوسُفَ - وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ غَيْرَ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ .

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا لِلْمُضَارِبِ قِرَاضَ الْمِثْلِ فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ، وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ فِيمَا عَدَاهَا، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ضَابِطٌ، هُوَ: كُلُّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِرَاضِ مِنْ أَصْلِهَا فَفِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إِنْ شَمَلَهَا الْقِرَاضُ، لَكِنِ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ، فَفِيهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (مُضَارَبَة)

ج - النِّكَاحُ:

15 - الْمَهْرُ يَسْقُطُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ - سَوَاءٌ اتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ أَمْ لاَ - إِذَا حَصَلَ التَّفْرِيقُ قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .

 هَذَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا نِصْفُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، كَمَا إِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَضَاعًا مُحَرِّمًا بِلاَ بَيِّنَةٍ، وَكَذَّبَتْهُ الزَّوْجَةُ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .

وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِالدُّخُولِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» .

فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم لَهَا الْمَهْرَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَعَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَاجِبِ مِنَ الْمَهْرِ، هَلْ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوِ الأْقَلُّ  مِنْهُمَا؟ فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرَ زُفَرَ - لَهَا الأْقَلُّ  مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَمِنَ الْمُسَمَّى.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَهَا الْمُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى كَنِكَاحِ الشِّغَارِ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَهَا الْمُسَمَّى فِي الْفَاسِدِ (وَهُوَ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ) وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْبَاطِلِ (وَهُوَ مَا اتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ) .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (مَهْر - نِكَاح).

خَامِسًا: الْفَسَادُ فِي الأْشْيَاءِ  الْمَادِّيَّةِ:

16 - يَرِدُ الْفَسَادُ فِي الأْشْيَاءِ  الْمَادِّيَّةِ كَعَطَبِ الأْطْعِمَةِ، وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ إِيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، كَمَا فِي الرَّهْنِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْتِقَاطُهَا، أَوْ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُهَا عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ - رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ:

17 -ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ إِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ، كَرُطَبٍ وَعِنَبٍ يَتَجَفَّفَانِ، فَإِنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ وَلَكِنْ رُهِنَ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ لَكِنَّهُ يَحِلُّ قَبْلَ الْفَسَادِ وَلَوِ احْتِمَالاً جَازَ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ وَرُهِنَ بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ بَعْدَ فَسَادِهِ أَوْ مَعَهُ، لَمْ يَجُزْ إِلاَّ إِنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ، وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ رَهْنًا.

وَلَوْ رُهِنَ مَا لاَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ فَحَدَثَ قَبْلَ الأْجَلِ  مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ - كَحِنْطَةٍ ابْتَلَتْ وَتَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا - لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ، بَلْ يُبَاعُ وُجُوبًا وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ إِصْلاَحُهُ بِالتَّجْفِيفِ كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، أَوْ لاَ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ كَالْبِطِّيخِ وَالطَّبِيخِ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ مِمَّا يُجَفَّفُ، فَعَلَى الرَّاهِنِ تَجْفِيفُهُ، لأِنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ حِفْظِهِ وَتَبْقِيَتِهِ، فَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ كَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يُجَفَّفُ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ كَانَ حَالًّا، أَوْ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لاَ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، جُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، سَوَاءٌ شُرِطَ فِي الرَّهْنِ بَيْعُهُ أَوْ أُطْلِقَ، لأِنَّ  الْعُرْفَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، لأِنَّ  الْمَالِكَ لاَ يُعَرِّضُ مِلْكَهُ لِلتَّلَفِ وَالْهَلاَكِ، فَإِذَا تَعَيَّنَ حِفْظُهُ فِي بَيْعِهِ حُمِلَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، كَتَجْفِيفِ مَا يَجِفُّ، وَأَمَّا إِذَا شَرَطَ أَنْ لاَ يُبَاعَ فَلاَ يَصِحُّ، لأِنَّهُ شَرَطَ مَا يَتَضَمَّنُ فَسَادَهُ وَفَوَاتَ الْمَقْصُودِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لاَ يُجَفَّفَ مَا يَجِفُّ.

وَفِي وَجْهٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ أَطْلَقَ لاَ يَصِحُّ.

وَإِذَا شَرَطَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعَهُ، أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ الرَّاهِنُ أَوْ غَيْرُهُ، بَاعَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَجَعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا، وَلاَ يُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ، لأِنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَعْجِيلُ وَفَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ رَهَنَهُ ثِيَابًا يُخَافُ فَسَادُهَا، كَالصُّوفِ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ رَهَنَ ثِيَابًا يُخَافُ فَسَادُهَا كَالصُّوفِ: أَتَى السُّلْطَانَ فَأَمَرَهُ بِبَيْعِهَا .

وَنَقَلَ الْحَصْكَفِيُّ عَنِ الذَّخِيرَةِ: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ ثَمَرَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ خَافَ تَلَفَهَا، لأِنَّ  لَهُ وِلاَيَةَ الْحَبْسِ لاَ الْبَيْعِ، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ إِلَى الْقَاضِي، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُمْكِنُهُ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي أَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِحَالٍ يَفْسُدُ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذَا إِذَا لَمْ يُبِحِ الرَّاهِنُ لَهُ الْبَيْعَ.

وَفِي الْبِيرِيِّ عَنِ الْوَلْوَالِجِيَّةِ: وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَيَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ، قَالَ الْبِيرِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ إِذَا تَدَاعَتْ لِلْخَرَابِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الْمَرْهُونِ إِلاَّ إِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ، فَإِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ جَازَ بَيْعُهُ .

ب - الْتِقَاطُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ:

18 -مَنِ الْتَقَطَ مَا لاَ يَبْقَى وَيَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ، كَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالْفَوَاكِهِ، فَإِنَّهُ يُعَرِّفُهُ إِلَى أَنْ يَخْشَى فَسَادَهُ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ خَوْفًا مِنَ الْفَسَادِ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأْوْلَى  عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: مَنِ الْتَقَطَ شَيْئًا مِمَّا يُسْرِعُ فَسَادُهُ وَلاَ يَبْقَى بِعِلاَجٍ، فَإِنَّ آخِذَهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ: فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ اسْتِقْلاَلاً إِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، وَبِإِذْنِهِ إِنْ وَجَدَهُ وَعَرَّفَ الْمَبِيعَ بَعْدَ بَيْعِهِ لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ فِي الْحَالِ وَأَكَلَهُ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ.

وَإِنْ أَمْكَنَ بَقَاءُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ بِعِلاَجٍ، كَرُطَبٍ يَتَجَفَّفُ، فَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي بَيْعِهِ بِيعَ جَمِيعُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إِنْ وَجَدَهُ، وَإِلاَّ بَاعَهُ اسْتِقْلاَلاً، وَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي تَجْفِيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ لَهُ أَوْ غَيْرُهُ، جَفَّفَهُ، لأِنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ، فَرُوعِيَ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِتَجْفِيفِهِ بِيعَ بَعْضُهُ بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي 

التَّجْفِيفَ لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي، طَلَبًا لِلأْحَظِّ  .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَنِ الْتَقَطَ مَا لاَ يَبْقَى عَامًا وَكَانَ مِمَّا لاَ يَبْقَى بِعِلاَجٍ وَلاَ غَيْرِهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَكْلِهِ وَبَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، فَإِنْ أَكَلَهُ ثَبَتَتِ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ جَازَ، وَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى إِذْنِ الْحَاكِمِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَهُ بَيْعُ الْيَسِيرِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا دَفَعَهُ إِلَى السُّلْطَانِ.

وَإِنْ أَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ حَفِظَ صِفَاتِهِ، ثُمَّ عَرَّفَهُ عَامًا.

وَإِنْ كَانَ مَا الْتَقَطَهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِبْقَاؤُهُ بِالْعِلاَجِ، كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، فَيَنْظُرُ مَا فِيهِ الْحَظُّ لِصَاحِبِهِ: فَإِنْ كَانَ فِي التَّجْفِيفِ جَفَّفَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ ذَلِكَ، وَإِنِ احْتَاجَ التَّجْفِيفُ إِلَى غَرَامَةٍ بَاعَ بَعْضَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ تَعَيَّنَ أَكْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْلُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ فَلَهُ أَكْلُهُ لأِنَّ  الْحَظَّ فِيهِ .

(خامساً) الْمُعَاوَضَاتُ الْفَاسِدَةُ:

38 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الْقَبْضِ نَاقِلاً لِلْمِلْكِيَّةِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ غَيْرَ نَاقِلٍ .

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ كَالْبَاطِلِ، لاَ يَنْعَقِدُ أَصْلاً، وَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بَتَاتًا، سَوَاءٌ قَبَضَ الْعَاقِدُ الْبَدَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ مِلْكِيَّةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَنْتَقِلُ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْفَاسِدِ بِقَبْضِهِ بِرِضَا صَاحِبِهِ، وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ .

_________________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

( مادة ۱۳۰ )

ا- يسقط الحق في ابطال العقد الموقوف اذا لم يتمسك به من شرع التوقف لمصلحته خلال ثلاث سنوات .

۲ - ويبدا سريان هذه المدة اذا كان سبب التوقف نقص الأهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب ، واذا كان سبب التوقف الغلط او التدليس او الاكراه أو الاستغلال، فمن اليوم الذي ينكشف فيه العيب أو يزول . واذا كان سبب التوقف انعدام الولاية على المعقود عليه ، فمن اليوم الذي يعلم فيه المالك بصدور العقد ، واذا كان التوقف لسبب آخر ينص عليه القانون ، فمن اليوم الذي يعلم فيه من شرع التوقف لمصلحته بصدور العقد ۰

٣- وفي كل حال لا يجوز التمسك بالحق في الابطال لغلط أو تدلیس او اکراه او استغلال اذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد .

هذه المادة تقابل الماده 140 من التقنين الحالي التي تنص على ما يأتي

1 - يسقط الحق في ابطال العقد اذا لم يتمسك به مصاحبه خلال ثلاث سنوات .

۲ - ويبدأ سريان هذه المدة ، في حالة نقص الأهلية، من اليوم الذي بزول فيه هذا السبب ، وفي حالة الغلط أو التدليس ، من اليوم الذي ينكشف فيه ، وفي حالة الاكراه من يوم انقطاعه ، وفي كل حال لا يجوز التمسك بحق الأبطال لغلط أو تدلیس از اکراه اذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد، ۰

وتبقى المادة المقترحة على مدة التقادم المنصوص عليها في التقنين الحال مع تعميم الحكم على جميع الحالات التي يتوقف فيها العقد •

و تقابلها المادة ۱۳۹ فقرة ثانية وثالثة من التقنين العراقي التي

تنص على ما يأتي :

2- ويجب أن يستعمل خيار الاجازة أو النقض خلال ثلاثة اشهر . فاذا لم يصدر في هذه المدة ما يدل على الرغبة في نقض العقد اعتبر العقد نافذا .

٣- ويبدأ سريان المدة اذا كان سبب التوقف نقص الأهلية من الوقت الذي يزول فيه هذا السبب أو من الوقت الذي يعلم فيه الولى بصدور العقد . واذا كان س بب التوقف الاكراه أو الغلط أو التغزير فمن الوقت الذي يرتفع فيه الاكراه أو يتبين فيه الغلط او ينكشف فيه التغرير : واذا كان سبب التوقف انعدام الولاية على المعقود عليه فين اليوم الذي يعلم فيه المالك بصدور العقد .

وتقابلها المادة ۱۸۲ من التقنين الكويتي ، وهي تأخذ بمدة التقادم المنصوص عليها في التقنين الحالي

ولم يحدد الفقه الاسلامي مدة معينة لأجازة العقد أو نقضه . ولذلك جاء التقنين الأردني خلوا من مدة التقادم في هذا الخصوص .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 217)
العقد الصحيح الذي يظهر أثره بانعقاده هو العقد المشروع ذاتاً ووصفاً.
والمراد بمشروعية ذاته ووصفه أن يكون ركنه صادراً من أهله مضافاً إلى محل قابل لحكمه وأن تكون أوصافه صحيحة سالمة من الخلل وأن يكون مقروناً بشرط من الشروط المفسدة للعقد.
(مادة 218)
العقد الفاسد هو ما كان مشروعاً بأصله لا يوصفه أي أنه يكون صحيحاً باعتبار أصله لا خلل في ركنه ولا في محله فاسداً باعتبار بعض أوصافه الخارجة بأن يكون المعقود عليه أو بدله مجهولاً جهالة فاحشة أو يكون العقد خالياً عن الفائدة أو يكون مقروناً بشرط من الشرائط الموجبة لفساد العقد والعقد الفاسد لا يفيد الملك في المعقود عليه إلا بقبضه برضا صاحبه.
(مادة 219)
العقد الباطل هو ما ليس مشروعاً لا أصلاً ولا وصفاً أي ما كان في ركنه أو في محله خلل بأن كان الإيجاب والقبول صادرين ممن ليس أهلاً للعقد أو كان المحل غير قابل لحكم العقد.
وهو لا ينعقد أصلاً ولا يفيد الملك في الأعيان المالية ولو بالقبض.

(مادة 317)
إذا كان خيار التعيين للبائع وهلك أحد الشيئين في يده كان له أن يلزم المشتري بالثاني فإن هلكا معاً بطل العقد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م
 

مادة (68):
(1) إذا غيرت صفة المبيع بما يزيد ثمنه ولو من غير قصد دون علم المشتری ثبت الخيار له بين رد أو إمساك بلا أرش . 
(ب) خيار التدليس على التراخى إلا إذا كان بتصرية فيثبت في ثلاثة أيام من حين علمه بها . فإذا ردت المصراة رد معها صاع من تمر أو قيمته أو اللبن إن كان بحاله . 
إيضاح
القسم الرابع من أقسام الخيار خيار التدليس من الدلس بالتحريك وهو الظلمة . كأن البائع بفعله يجعل المشتري في ظلمة بما يزيد في الثمن . وهو حرام والعقد صحیح حديث أبي هريرة مرفوعا : "لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلها ، إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعا من تمر " متفق عليه . 
وغير التصرية من التدلیس یلحق بها كتحسين وجه الصبرة وتصنع النساج وجه الثوب . 
فإذا فعل بالمبيع شيء من ذلك ولو من غير قصد التدليس كان للمشتري الخيار على التراخي إن لم يكن عالم به وقت العقد ، فإذا كان عالما فلا خيار له . لأنه دخل على بصيرة ، وإنما لم يؤثر عدم التصد في إثبات الخيار لأن عدم القصد لا أثر له في إزالة ضرر المشتري. 
فاذا كان التدليس بما لا يزيد في الثمن فلاخيار لأنه لا ضرر في ذلك فاذا اختار المشتري الإمساك فلا أرش له لأن النبي - صلى الله عليه وسلم۔ لم يجعل له في المعراة أرشا . بل خيره بين الإمساك والرد مع صاع من تمر. ولأن المدلس ليس بمعيب فلم يستحق له أرش. 
فإن تعذر الرد لتلف المبيع فعليه الثمن ولا أرش له . أما تعيب المبيع عند المشتري قبل العلم بالتدليس فله رده ورد أرش العيب الذي حدث عنده وأخذ الثمن . وإن شاءاً مسك ولا شيء . 
فإن تصرف في المبيع بعد علمه بالتدليس بطل الرد . 
(ب) خيار التدليس على التراخي إلا إذا كان بتصرية المبيع . وهي جمع اللبن في الضرع . فإذا كان التدليس بها ثبت الخيار للمشتري مدة ثلاثة أيام منذ علم بالتصرية . وخير بين إمساکها بلا أرش و بين ردها مع صاع تمر إذا حلبها . لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر ) رواه مسلم . 
فإذا مضت الثلاثة أيام ولم يردها بطل الخيار لانتهاء غايته ولزوم البيع . وكذا لو صار لبنها عادة . لأن الخيار مثبت لدفع الضرر وقد زال وهذا الصاع الذي رد معها هو عوض اللبن الموجود حال العقد . ولو زادت قيمته على اللين لعموم الحديث . ولا يلزم أن يكون الصاع مرا بل يكفي أن يكون من غالب قوت البلد . واختاره الشيخ تقي الدين . إن لم يجد فعليه قيمته موضع العقد . وإن كان اللبن باقياً بعد الحلب بحاله لم يتغير بحموضه ولا بغيرها رده المشتري و لزم البائع قبوله . لأن اللبن هو الأصل والتمر بدل عنه . فإذا رد الأصل أجزأ كسائر الأصول مع مبادلاتها . أما إذا تغير اللبن فلا يلزم البائع بقبوله . فإن رضی بالتهرية فأمسكها ثم وجد بها عيبا آخر وردها به لزمه رد اللبن إن في أو عوضه كما تقدم . 
مادة (۱۲۹) : 
 تحرم الحيل التي تحل حراما ، أو تحرم حلالا . 
ايضاح 
الحيلة المحرمة : هي ان يظهر عقدا ظاهره الإباحة بريد به محرما مخادعة وتوصلا إلى فعل ما حرم الله تعالى ، أو إلى إسقاط واجب لله تعالى ، أو لادی کهبة ماله مثلا قرب الحول لإسقاط الزكاة ، أو الإسقاط نفقة واجبة . 
والحيل التي توصل بها إلى تحليل حرام ، او تحريم حلال محرمة، لا تجوز في شيء من الدين لأن الله تعالى إنما حرم المحرمات لمفسداتها، والضرر الحاصل منها ولا يزول ذلك مع بقاء معناها . 
أما حديث خيبر المشهور الذي امر فيه بيع التمر الرديء والشراء ثمنه جيدة ، فإنما امرهم بذلك لأنهم كانوا يبيعون الصاعين من الرديء بالصاع من الجيد فعلهم و الحيلة المانعة من الربا لأن العقد هنا بالذات تحميل احد النوعين دون الزيادة ، فان تصورت حرمت الحيلة جمعا بين الأخبار . فعلم أن كل ما قصد التوصل إليه من حيث ذاته لا من حيث كونه حراما جاز ، وإلا حرم . 
ومن الحيل لو اقرض شيئا وباع إلى المقترض سلعة بأكثر من قیمتها ، أو اشترى منه شيئا بأقل من قيمته توسلا إلى أخذ العوض عن القرض .، ومنها أن يستأجر أرض بستان بأمثال أجرتهام يساقيه على نمر شجر بجزء من الف للمالك والباقي للعامل ولا يأخذ المالك منه شيئا ، ولا يريدان ذلك . وإنما قصدهما بيع الثمرة قبل وجودها . أو بدو صلاحها بما سمياه والعامل لا يقصد سوى ذلك ، أو ربما لا ينتفع الأرض التي سمي الأجرة في مقابلتها ، ومثل ذلك من الحيل .