loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 255

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - ترد أسباب البطلان المطلق إلى تخلف ركن من أركان العقد : كعدم توافر الأهلية إطلاقاً ، بفقدان التمييز وإنعدام الإرادة تفريعاً على ذلك أو كإنتفاء الرضاء أو عدم وجود المحل حقيقة أو حكماً وغني عن البيان أن تخلف ركن من أركان العقد ، في حكم الواقع أو حكم القانون ، بحول دون انعقاده أو وجوده وهذا هو ما يقصد بالبطلان المطلق .

2 - أما البطلان النسي فهو يفترض قيام العقد أو وجوده من حيث توافر أركانه ولكن ركناً من أركانه هو الرضاء ، يفسد بسبب عيب يداخله ، أو بسبب نقص أهلية أحد العاقدين ولذلك يكون العقد قابلاً للبطلان بمعنى أنه يطل إذا طلب ذلك من شرع البطلان لمصلحته : وهو من داخل رضاءه العيب ، أو من لم تكتمل أهليته ومن الجلى أن قابلية العقد للبطلان إنما تمثل العقد في مرحلتين متتابعتين : الأولى مرحلة الصحة و ينتج فيها العقد جميع آثاره، والثانية مرحلة البطلان ، ويعتبر العقد فيها باطلاً لا حكم له من وقت نشوئه فليست ثمة مراحل ثلاث : الصحة وقابلية البطلان والبطلان ، وإنما توجد مرحلتان : الصحة والبطلان.

 3 - وقد يقرر البطلان المطلق أو النسبي بمقتضى نص خاص في القانون ، كما مر الشأن في أحكام المادتين 631 و 632 من المشروع، إذ تنص أولى هاتين المادتين على بطلان رهن الحيازة في العقار بطلاناً مطلقاً إذا جعل من بيع الوفاء عقده ساتر له فرغم أن الصورية لا تعتبر بمجردها سبباً للبطلان ، طبقاً للقواعد العامة، إلا أن القانون قد قصد إلى تحريمها في هذه الحالة بالذات وجعل من النهي أمراً يتعلق بالنظام العام و أقام البطلان جزاء الخروج عليه أما المادة الثانية فتتضمن صورة من صور البطلان النسبي الذي ينشأ بنص خاص ، إذ تقضى بطلان بيع ملك الغير فقابلية البيع للبطلان في هذه الحالة لا ترد إلى عيب في الرضاء أو نقص في الأهلية ولكن القانون يخول المشتري حق التمسك بالبطلان ، إزاء ماهو ملحوظ من أن البائع يمتنع عليه أن يدلى لغيره بحق الملك فيما لا يملك .

4 - وتظهر أهمية التفريق بين البطلان المطلق والبطلان النسبي من وجوه :

(1) فما دام البطلان المطلق يستتبع اعتبار العقد معدوماً - وليس ثمة محل للتفريق بين العقد الباطل والعقد المعدوم - فيجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان ولو لم يكن طرفاً في التعاقد ، المستأجر مثلاً في حالة بطلان بيع الشيء المؤجر بطلاناً مطلقاً ، بل ويجوز للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه أما البطلان النسي فلا يجوز أن يتمسك به إلا طرف من أطراف التعاقد هو الطرف الذي يشرع البطلان لمصلحته ، ويكون من واجبه أن يقيم الدليل على توافر سببه .

على أن التمسك بهذا البطلان لا يستلزم الترافع إلى القضاء ، بل يكفي في ذلك ، وفقاً لما استحدث المشروع من أحكام نقلها عن التقنين الألماني، تصریح يعلن إلى العاقد الآخر إعلاناً رسمياً، وعلى هذا العاقد أن يرفع الأمر إلى القضاء إذا أراد المنازعة في قيام البطلان .

بيد أن عبء إثبات البطلان يقع دائماً على عاتق من يتمسك به ، وتتبع القاعدة نفسها ، بل ويكون اتباعها أولى فيما يتعلق بالبطلان المطلق فإذا حكم بالبطلان المطلق أو النسي استند أثره، واعتبر العقد باطلاً من وقت نشوئه ، دون أن يعل ذاك ما يكون الغير حسن النية قد اكتسب من حقوق عقارية ، سجلت قبل تسجيل إعلان التصريح بالبطلان في حالة البطلان النسبي، ويلتزم كل من المتعاقدين بأن يرد ما تسلمه بمقتضى العقد ويستثنى من هذه القاعدة حالتان : أولهما حالة ناقص الأهلية فهو لا يسأل عن الرد إلا وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب والثانية حالة وفاء أحد المتعاقدين بإلتزام في عقد باطل لسبب مخالفته للآداب فلا يجوز لمثل هذا المتعاقد أن يسترد ما أدى إذا نسب إليه ما يخالف الآداب ، وعلى هذا النحو أبان المشروع وجه الحكم في مسألة أثير بشأنها خلاف شدید ( أنظر المادتين 1305 و 1306 من التقنين الأسباني ، والمادة 962 من التقنين البرتغالي ، والمادة 27 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، والمادتين 77 و 72 من التقنيين التونسي و المراكشي ، والمادة 817 من التقنين الألماني ، والمادة 66 من تقنين الالتزامات السويسري ، والمادة 132 من التقنين البولوني ، والمادة 971 من التقنين البرازيلى ، والمادة 180 من التقنين الصيني، والمادة 147 من التقنين السوفيتي ) .

(ب) وما دام البطلان المطلق يستتبع اعتبار العقد معدوماً ، فلا يتصور إطلاقاً أن ترد عليه الإجازة و يختلف عن ذلك حكم العقود القابلة للبطلان فهی تصحح الإجازة ، ولو كانت ضمنية ، بشرط أن توافر شروط صحتها وقت الإجازة (كبلوغ المتعاقد القاصر سن الرشد وقت الإجازة مثلاً) وأن تكون الإجازة ذاتها منزهة عن العيب ، إذ ينبغي أن تستكمل ما يلزم من الشروط لصحتها باعتبارها تصرفاً قانونياً وإذا كان أثر الإجازة يستند ، أو ينعطف على الماضي ، إلا أنها لا تضر بحقوق الغير فلا تضر الإجازة مثلاً من يشتري عقاراً كان قد سبق لمالكه بیعه ، إذا كان الشراء قد تم بعد صدور البيع الأول وقبل إجازة هذا البيع ولما كان التدليس والإكراه من قبل الأفعال الضارة التي تلحق بها صفة التقصير المدني ، فيظل مرتكبهما مسئولاً عما وقع منه بمقتضى القواعد العامة ، رغم إجازة العاقد الآخر التعاقد ، ما لم تنطو الإجازة على إسقاط هذه المسئولية .

(ج) و مادام العقد المطلق البطلان معدومة ، أو غير موجود، فلا يتصور أن يرد عليه التقادم وعلى النقيض من ذلك بعدم البطلان النسبي بإنقضاء خمس عشرة سنة من تاريخ إنشاء العقد، أو بانقضاء ثلاث سنوات من تاريخ زوال نقص الأهلية ، أو تبين الغلط أو التدليس أو إنقطاع سلطان الإكراه .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 201 من المشروع.

واقترح تحويرها تحويراً لفظياً لتجنب استعمال ألفاظ البطلان المطلق والبطلان النسبي واقترح أحد الأعضاء حذف الفقرة الثالثة لأنها لا تتمشى مع منطق البطلان .

فوافقت اللجنة على ذلك وأصبح النص النهائي كما يأتي :

1 - في حالتي إبطال العقد وبطلانه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فإذا كان ذلك مستحيلاً جاز الحكم بتعويض معادل .

2 - ومع ذلك لا يلزم ناقص الأهلية إذا أبطل العقد لنقص أهليته أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد.

وأصبح رقم المادة 146 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

 وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 146 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

وافقت اللجنة على المادة دون تعديل وأصبح رقمها 142

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة دون تعديل .

الأحكام

1- مفاد المادة 1/142 من القانون المدنى بأن العقد القابل للإبطال إذا تقرر بطلانه اعتبر كأن لم يكن وزال كل أثر له فيما بين المتعاقدين وبالنسبة للغير ، وأن يعيد كل من الطرفين الحال إلى ما كان عليه - أى المال الذى أخذه تنفيذاً للعقد - ، ويتم ذلك كله إعمالاً لأحكام رد غير المستحق وفقاً لنص المادة 185 من ذات القانون .

(الطعن رقم 1092 لسنة 73 جلسة 2008/01/22 س 59 ص 125 ق 22)

2- النص فى الفقرة الأولى من المادة 142 من القانون المدنى قطعى الدلالة على الأثر الرجعى للإبطال أو البطلان وعلى شموله العقود كافة إلا أنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه بالنسبة لعقد المدة أو العقد المستمر والدورى التنفيذ فإنه يستعصى بطبيعته على فكرة الأثر الرجعى لأن الزمن فيه مقصود لذاته باعتباره أحد عناصر المحل الذى ينعقد عليه وإذ كان عقد الشركة من هذه العقود فإنها إن باشرت بعض أعمالها فعلاً بأن اكتسبت حقوقاً والتزمت بتعهدات على نحو يتعذر الرجوع فيما نفد منها ، فإن المشرع اعتبرها عند طلب بطلانها لعدم شهر ونشر عقدها وفقاً لحكم المادة 54 من قانون التجارة السابق – السارية على الواقع فى الدعوى – قائمة فعلاً فيما بين الشركاء فى الفترة من تكوينها إلى طلب البطلان – بصرف النظر عن المتسبب منهم فى اتخاذ إجراءات الشهر والنشر  وذلك حتى يمكن القول بوجود كيان لها من الواقع ليصل الشركاء من ذلك إلى تصفية العمليات المشتركة فلا ينفرد بنتائجها من ربح أو خسارة أحدهم دون الباقين وهو ما أريد تفاديه بالالتجاء إلى فكرة الشركة الفعلية .

(الطعن رقم 674 لسنة 71 جلسة 2003/10/28 س 54 ع 2 ص 1210 ق 215)

3- إن المقرر قانوناً بالمادة 1/142 من القانون المدني انه " فى حالتي إبطال العقد وبطلانه يعاد يعاد المتعاقدان إلي الحالة التي كانا عليها قبل العقد ..." فإذا كان العقد بيعاً وتقرر بطلانه رد المشتري المبيع إلي البائع ورد البائع الثمن إلي المشتري ، ويترتب علي ذلك أنه إذا كان البيع قد تم عن طريق الوكالة فيجب علي الوكيل أن يؤدي إلي الموكل ما حصلة من المشتري نتيجتة هذا البيع الباطل إذ ليس للوكيل ان يبحث فيما تسلمه لحساب الموكل هل هو مستحق له أو ليس مستحقاً له لأن الموكل وليس الوكيل فى في النهاية هو الذي يطالب برد غير المستحق لما كان ذلك وكانت الطاعنة قد قدمت لمحكمة الموضوع إيصالين موقعين من المطعون ضدهما وغير منكورين منهما يفيدان استلامهما منها مبلغ خمسة وثلاثين ألف جنيه هي عبارة عن ثمن الشقة التي باعتها لحساب الأول ومقدارة 28000 جنيه وثمن منقولات اشترتها لنفسها ومقدارها 2200 جنية بزيادة قدرها 4800 عن ثمن الشقة والمنقولات طالبت بردها فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض طلباتها علي سند من بطلان عقد بيع الشقة وعدم وجود دليل علي شراء الطاعنة للمنقولات رغم أن بطلان عقد بيع الشقة لا ينفي تسلم الطاعنة لثمنها من المشتري بصفتها وكيله عن البائع - المطعون ضده الأول - وتسلم الأخير له منها كما أن الطاعنة هي المشترية لمنقولات الشقة وقد أقرت بذلك فى دعواها فإنه يكون قد اخطأ فى فهم واقع الدعوى .

(الطعن رقم 6341 لسنة 63 جلسة 2002/05/16 س 53 ع 2 ص 661 ق 127)

4- حكم القاضي ببطلان عقد الشركة - وهو من عقود المدة - خلافاً للقواعد العامة للبطلان الوارد ذكرها فى المادة 142 من القانون المدني لا يكون له أثر رجعي فأعمال الشركة وتعهداتها فى الماضي لا تتأثر به وإنما يلحقها البطلان على ما قد يجرى منها بعد القضاء ببطلانها.

(الطعن رقم 1902 لسنة 63 جلسة 2001/02/13 س 52 ع 1 ص 303 ق 62)

5- المستأجر لعين مفروشة من مالك أجنبى يحق له التمسك بتصحيح العقد الباطل إعمالا لحكم المادة 25 من القانون رقم 136 لسنة 1981 لتعلقها بالنظام العام، ويحق له أيضا التمسك بالقاعدة التى وضعتها محكمة النقض من قبل باعتباره من طالبى استئجار المكان خاليا إذ أن التأجير المفروش الصادر من المالك الأجنبى قد وقع باطلا بطلانا مطلقا وهذه قاعدة متعلقة بالنظام العام ويحق لكل ذى مصلحة التمسك به وقد طلب الطاعن استئجار المكان خاليا على ما جاء بطلباته ودفاعه أمام محكمتى الموضوع وإذ طبق الحكم المادة 142 من القانون المدنى التى تعالج أثر بطلان العقد بالنسبة للمتعاقدين طبقا للقواعد العامة كما أعمل حكم المادة 144من هذا القانون الخاص بتحول العقد الباطل فى المادة 25 من القانون رقم 136 لسنة 1981 الخاصة بتصحيح العقد الباطل ورد الحالة إلى ما نص عليه القانون رقم 49 لسنه1977 هى الواجبة التطبيق وكذلك القاعدة التى قررتها محكمة النقض لصاحب المصلحة فى التأجير خاليا وهى قواعد آمرة متعلقة بالنظام العام.

(الطعن رقم 7448 لسنة 63 جلسة 1994/04/14 س 45 ع 1 ص 709 ق 136)

6- نص المادة 25 من القانون رقم 136 لسنة 1981- يدل-على أن المشرع أراد أن يعالج فى هذا النص القانونى حالات الحظر التى نصت عليه قوانين إيجار الأماكن المختلفة، وللتعرف على قصد المشرع من هذا النص المستحدث يتعين تأصيل حالات البطلان والآثار المترتبة عليه والطريقة التى تعالج بها المشرع حالاته، فالبطلان إما أن يرجع إلى اعتبارات شكلية أو إلى اعتبارات موضوعية ففى الحالة الأولى يكون العقد الذى لا يتوافر ركن الشكل فيه باطلا ولكن بالقدر الذى يتطلبه القانون من الشكل، ولما كان الشكل من صنع القانون فإن القانون هو الذى يعين له الجزاء الكافى فى حالة الإخلال به، أما إذا رجع البطلان إلى اعتبارات موضوعية كما هو الحال فى انعدام أحد أركان العقد الثلاثة الرضا والمحل والسبب فإن هذا البطلان هو الذى يخضع للقواعد العامة وقد عالج المشرع هذا النوع من البطلان بالقواعد المنصوص عليها فى المواد 141،142،143،144 من القانون المدنى وتخلص فى أن العقد الباطل منعدم كأصل ولا ينتج أثرا ولكل ذى مصلحة أن يتمسك به وللمحكمة أن تقضى به فى تلقاء نفسها ولا يزول البطلان بالإجازة وفى حالة البطلان يعاد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل التعاقد وإلا جاز الحكم بالتعويض ويتحول العقد الباطل إلى عقد آخر صحيح إذا توافرت فيه أركان العقد الأخير دون إضافة لأى عنصر جديد إليه إذا تبين المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرامه.

(الطعن رقم 7448 لسنة 63 جلسة 1994/04/14 س 45 ع 1 ص 709 ق 136)

7- إذ كان القانون لا يرخص للمالك أو المستأجر الأجنبى إلا بتأجير المكان خاليا، فإنه يحق لكل ذى مصلحة أن يطلب إخلاء المكان واستئجاره خاليا وفقا لحكم القانون مسايرة للمحكمة التى تغياها هذا الحظر من الحرص على توفير المساكن لراغبى السكنى وهم الغالبية العظمى من الناس وهو ما جرى به قضاء محكمة النقض عند تطبيق حكم المادة 1/5 من القانون رقم 52 لسنة 1969 التى حظرت احتجاز أكثر من مسكن فى المدينة الواحدة ولم ينص هذا القانون على الجزاء المدنى عند مخالفة هذا الحظر وهى حالة مماثلة تماما لما نصت عليه المادة 1/48 من القانون رقم 49 لسنة 1977 ووضع قضاء النقض قاعدة رخص فيها لطالبى السكنى طلب الإخلاء وتكون الدعوى مقبولة منهم لكونهم أصحاب مصلحة فى التمسك ببطلان العقد وتحرير عقد إيجار لصالحهم إذ المناط فى دعوى الإخلاء فى هذه الحالة ليس فسخ العقد وإنما الإخلاء استجابة لنص قانونى ملزم يتعلق بالنظام العام ومن ثم فلا محل للقول بأن اسباب الإخلاء قد وردت على سبيل الحصر وليس من بينها حالة مخالفة هذا الحظر أو القيد الذى وضعة القانون ويتعلق بها حق المؤجر.

(الطعن رقم 7448 لسنة 63 جلسة 1994/04/14 س 45 ع 1 ص 709 ق 136)

8- إذ أن البطلان قد لا يرجع لاعتبارات شكلية أو موضوعية فقد يرجع إلى نص فى القانون لحكمة يتوخاها المشرع وهذا النوع من البطلان هو بطلان خاص يتبع فى شأنه النص الذى يعالجه وقد يضع المشرع له حكما خاصا لحماية مصلحة عامة فيخرج به عن القواعد العامة سالفة البيان فقد يذهب المشرع إلى تصحيح العقد الباطل ويكون ذلك بإدخال عنصر جديد عليه يؤدى قانوناً إلى جعله صحيحاً وهو ما يسمى بنظرية تصحيح العقد الباطل وهى تخرج عن نطاق نظرية تحول العقد الباطل التى تستلزم عدم إضافة أى عنصر جديد على هذا العقد فإذا ما سلك المشرع نهج التصحيح فلا محل للتمسك بالقواعد العامة فى القانون المدنى ومنها نظرية تحول العقد الباطل ورد المتعاقدين إلى حالة ما قبل التعاقد، لما كان ذلك وكانت قوانين الإيجار الاستثنائية قد نصت على بعض الشروط والقيود بأن حظرت على المتعاقدين الاتفاق عليها، وكانت هذه النصوص آمرة فإن البطلان المترتب عليها هو بطلان من نوع خاص نص عليه القانون لاعتبارات متعلقة بالنظام العام كما هو الحال فى تحديد أجرة الأماكن المؤجرة وفقا لمعايير معينة، وخضوع عقود إيجار الأماكن للامتداد القانونى، وحظر احتجاز أكثر من مسكن فى البلد الواحد، وحظر تأجير وحدات مفروشة تجاوز الحد المسموح به قانونا، وحظر التأجير المفروش على الملاك والمستأجرين غير المصريين وغيرها من الشروط والقيود التى نصت عليها قوانين إيجار الأماكن، وقد عالج المشرع هذه الحالات المخالفة فى المادة /25 من القانون رقم 136 لسنه 1981بأن رتب البطلان المطلق عند مخالفة كل شرط أو تعاقد لأحكام تلك القوانين وأوجب على المحكمة المختصة بإبطال التصرف المخالف واعتباره كأن لم يكن وبرد الحال إلى ما يتفق مع أحكام القانون وهو حكم مغاير تماما للأثر المترتب على البطلان فى القواعد العامة إذ نصت المادة 142 من القانون المدنى على أن يعاد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد وقد جاء لفظ أحكام القانون فى المادة 25 سالفة البيان عاما دون تخصيص ومن ثم فهى تنصرف بداهة إلى أحكام قوانين إيجار الأماكن فى شأن المخالفة لأحكامه وعندئذ ترد الحالة إلى ما توجبه تلك القوانين إذ جاء النص واضح الدلالة على مقصده ومن المسلم به قواعد تفسير القانون أن معنى العبارة أقوى من معنى الإشارة وأن معنى الإشارة أقوى من معنى الدلالة، ومن المسلم به أيضا أن النصوص المختلفة فى النظام القانونى الواحد مرتبطة بعضها ببعض وتوضح بعضها بعضا فينبغى فى تفسير إحداها تقريب هذا النص من سائر النصوص الأخرى لإمكان استخلاص دلالة النص الحقيقية التى تتفق مع سائر النصوص لفظا وروحا والواضح أن القانون رقم 136 لسنه1981 عندما أورد نص المادة 25 ضمن نصوصه لتطبق فى حالات البطلان الواردة فى قوانين الإيجارات السابقة عليه فهو نص مكمل لتلك القوانين ومن ثم فإنه يلزم تفسيره وإعماله وفقا لأحكام القوانين السابقة عليه وإعمالا لهذا المنطق السليم فإن الإتفاق على أجرة تزيد على الأجرة القانونية يقع باطلا وترد الحالة إلى الأجرة التى يحددها القانون، والاتفاق على تعليق مدة العقد شرط أو أجل يقع باطلا وترد الحالة إلى أحكام الامتداد القانونى لعقود الإيجار، وفى حالة احتجاز أكثر من مسكن ترد العين المؤجرة إلى المالك ليسترد حقه فى التأجير، وفى حالة التأجير المفروش المحظور بنص فى القانون ترد إلى الحالة التى رخص بها المشرع للمالك وهو التأجير الخالى.

(الطعن رقم 7448 لسنة 63 جلسة 1994/04/14 س 45 ع 1 ص 709 ق 136)

9- النص الخاص هو الواجب التطبيق إذا ما تعارض مع النص العام ولما كان ما أوردة المشرع فى المادة  25 من القانون رقم 136 لسنة 1981 هو تطبيق لنظرية تصحيح البطلان ومن ثم فلا محل للتحدى فى هذا الشأن بأحكام المادة  142 من القانون المدنى التى تقضى برد المتعاقدين إلى حالة ما قبل العقد أو المادة 144 من هذا القانون التى تأخذ بنظرية تحول العقد، وبديهى أن نظرية تصحيح العقد الباطل تؤدى إلى التطبيق الصحيح لأحكام قوانين إيجار الأماكن، والقول بتطبيق القواعد العامة عند مخالفة الوارد فى المادة 1/48 من القانون رقم 49 لسنة 1977 يؤدى إلى عودة العين المؤجرة مرة أخرى للمالك أو المستأجر الأجنبى المخالف وقد يعاود مخالفته المرة تلو الأخرى بلا رادع أو أى جزاء مدنى خاصة وأن المشرع لم يجزم مخالفة هذا الحظر ومن ثم تصبح المادة 1/48 مجرد لغو وأصبح نصها معطلا كما يهدر الحكمة التى توخاها المشرع بتوفير المساكن الخالية لطالبى السكنى ويسمح بالمضاربة على هذا النشاط-والتأجير المفروش- لصالح المالك أو المستأجر الأجنبى ويرجع مصلحتهما الفردية على المصلحة العامة ولا يسوغ القول بأن ذلك يتفق مع إرادة المشرع والحكمة من التشريع.

(الطعن رقم 7448 لسنة 63 جلسة 1994/04/14 س 45 ع 1 ص 709 ق 136)

10- إذ كان الثابت من الأوراق أن عقد الإيجار المفروش سند الدعوى قد وقع باطلا لصدوره من المطعون ضدها وهى غير مصرية "فلسطينية "حسبما هو ثابت من العقد نفسه الصادر منها وانتهى الحكم المطعون فيه إلى بطلان هذا العقد إعمالا لحكم المادة1/48من القانون رقم49 لسنة 1977 إلا ان الحكم لم يعمل نص المادة 25 من القانون رقم 136 لسنة 1981 الواجبة التطبيق وما يقضى به القانون رقم 49 لسنة 1977 من اعتبار الإيجار عن عين خالية وذلك وفقا لأحكام نظرية تصحيح العقد الباطل على ما سلف بيانه كذلك القاعدة التى قررتها محكمة النقض لصاحب المصلحة فى التأجير خاليا مسايرة للحكمة التى هدف إليها المشرع فى هذا الشأن وكلاهما من الأمور المتعلقة بالنظام العام وهو ما يخرج عن نطاق تطبيق القواعد العامة المنصوص عليه فى المادتين 142،144من القانون المدنى وإذ اعتد بهما الحكم المطعون فيه فإن هذه المحكمة تثير من تلقاء نفسها سببا متعلقا بالنظام العام هو مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه وقد ورد ذلك على ما قضى به الحكم المطعون فيه بما يوجب نقضه.

(الطعن رقم 7448 لسنة 63 جلسة 1994/04/14 س 45 ع 1 ص 709 ق 136)

11- نص الفقرة الأولى من المادة 48 من القانون رقم 49 سنه 1977 يدل وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن المشرع إنما أراد تحديد جنسية من يرخص له بالتأجير مفروشا وقصر هذا الحق على المصريين وحدهم و قصد من تلك القاعدة القانونية أن يضيق من مجال المضاربة فى هذا النوع من النشاط حتى تتوافر الأماكن الخالية لطالبى السكنى التزاما بمقتضيات الصالح العام وترجيحا لها على ما قد يكون للأفراد من مصالح مغايرة ومن ثم فإن هذه القاعدة تكون من قواعد النظام العام ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها ومن البديهى فإن عقد الإيجار المفروش الصادر من أجنبى مالكا أو مستأجرا يقع باطلا بطلانا مطلقا وإن لم ينص القانون رقم 49 سنه 1977 صراحة على هذا الجزاء المدنى المترتب على ذلك المخالفة.

(الطعن رقم 7448 لسنة 63 جلسة 1994/04/14 س 45 ع 1 ص 709 ق 136)

12- إذا كان الثابت من الحكم الإبتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه، أنه إنتهى إلى القضاء بفسخ عقد البيع محل النزاع وإلزام الطاعنين من تركة مورثهم بأن يدفعوا للمطعون ضده ما قبضه من ثمن هذا البيع وكان بطلان العقد لانعدام محله يترتب عليه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يعاد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد فيسترد كل ما أعطاه وهو ما يستوى فى هذا الأثر مع الأثر المترتب على الفسخ، ومن ثم فإن النعى ببطلان العقد محل النزاع - أياً كان وجه الرأى فيه - يكون غير منتج و بالتالى غير مقبول.

(الطعن رقم 756 لسنة 51 جلسة 1991/03/14 س 42 ع 1 ص 762 ق 121)

13- لما كان ما يثيره الطاعن بشأن بطلان عقد إستئجاره للعين مفروشة لقيام المؤجر بتأجير أكثر من وحدة مفروشة بالعقار بالمخالفة لنص المادة 39 من القانون رقم 49 لسنة 1977 التى تحظر على المالك - فى غير المصايف و المشاتى - أن يؤجر أكثر من وحدة واحدة مفروشة إلا فى الحالات التى أوردها النص على سبيل الإستثناء لا يحقق له هذا الإدعاء أية مصلحة ، ذلك أنه بفرض ثبوت هذا البطلان المدعى به فإنه يترتب عليه إعتبار التصرف كأن لم يكن مع إعادة المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبل التعاقد وفقاً لنص المادة 25 من القانون رقم 136 لسنة 1981 و يكون غير منتج التحدى بهذا البطلان توصلاً إلى ما يبتغيه الطاعن من إثبات العلاقة الإيجارية عن ذات العين خالية بعد أن خلص الحكم صحيحاً إلى أنه إستأجر شقة النزاع مفروشة .

(الطعن رقم 292 لسنة 55 جلسة 1990/04/18 س 41 ع 1 ص 1021 ق 167)

14- إذ كان مؤدى نص المادة 54 من قانون التجارة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع أعتبر الشركة الباطلة لعدم شهر ونشرعقدها قائمة فعلاً بين الشركاء فى الفترة من تكوينها إلى طلب البطلان قد إشترط أن تكون هذه الشركة قد باشرت بعض أعمالها فعلاً بان إكتسبت حقوقاً وإلتزاماته بتعهدات وذلك حتى يمكن القول بوجود كيان لها من الواقع ليصل الشركاء من ذلك إلى تصفية العمليات المشتركة فلا ينفرد بنتائجها من ربح أو خسارة أحدهم دون الباقين، وهو ما أريد تفاديه بالإلتجاء إلى فكرة الشركة الفعلية أما إذا كانت الشركة لم تبدأ فى تنفيذها قبل أن يحكم ببطلانها لعدم إتخاذ إجراءات شهر ونشر عقدها ولم يكن قد زاولت أى عمل من أعمالها فإنه لا يكون قد توافر لها كيان من الواقع فى الفترة السابقة لطلب البطلان ولا يمكن بداهة إعتبارها شركة فعلية وتكون العلة من عدم تطبيق الأثر الرجعى للبطلان منتفية فى هذه الحالة.

(الطعن رقم 1198 لسنة 52 جلسة 1988/06/20 س 39 ع 2 ص 1059 ق 175)

15- عقد الإيجار الصادر من المؤجر الذى زال سند ملكيته بأثر رجعى لبطلانه لا ينفذ فى حق المالك إذا كان مشوباً بالغش أو بالتواطؤ بين المؤجر و المستاجر للإضرار بالمالك لأن الغش مبطل للتصرف ، ولما كان إستخلاص توافر الغش و التواطؤ مما تستقل به محكمة الموضوع المتعلقة بفهم الواقع فى الدعوى ما دام الإستخلاص سائغاً ، و كان الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه ببطلان عقد الإيجار سند الطاعن على ما أورده من أنه . . . . تم أورد الحكم المطعون فيه رداً على أسباب الإستئناف بأن عقد الإيجار باطل لقيامه على الغش و التواطؤ للإضرار بالمستأنف عليها و من ثم فلا وجه للإعتداد به وكانت هذه الأسباب التى إستند إليها الحكم سائغة و من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها فلا يعيبه ما أورده .....

(الطعن رقم 680 لسنة 53 جلسة 1984/03/26 س 35 ع 1 ص 833 ق 157)

16- إذ تنص المادة 142 من القانون المدنى على أنه فى حالتى إبطال العقد و بطلانه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، و جرى نص المادة 246 من ذات القانون بأن لكل من إلتزم شىء أن يمتنع عن الوفاء به ، ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بإلتزام مترتب عليه بسبب إلتزام المدين و مرتبط به ، أو ما دام الدائن لم يقم بتقديم تأمين كاف للوفاء بإلتزامه هذا ، و يكون ذلك بوجه خاص لحائز الشىء أو محرزه ، إذا هو أنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة ، فإن له أن يمتنع عن رد هذا الشىء حتى يستوفى ما هو مستحق له ، إلا أن يكون الإلتزام بالرد ناشئاً عن عمل غير مشروع - و كانت الطاعنة "المشترية" قد دفعت أمام محكمة الموضوع بحقها فى حبس العين المبيعة حتى تستوفى ما دفعته من ثمن و ما أنفقته من مصروفات ضرورية أو نافعة ، و قد حجب الحكم المطعون فيه نفسه عن بحث هذا الدفاع الجوهرى مجتزئاً من ذلك بالقول بأن عقد البيع باطل بطلاناً مطلقاً فلا يرتب أثراً من آثار البيع فإن الحكم فى هذا الخصوص - إذ قضى بتسليم العقار المبيع للمطعون عليها " البائعة " يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون و عابه القصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 919 لسنة 50 جلسة 1981/04/14 س 32 ع 1 ص 1128 ق 210)

17- تنص الفقرة الثانية من المادة 142 من القانون المدنى على أن ناقص الأهلية - إذا أبطل العقد لنقص أهليته - أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد ، بما يعنى أن الرد فى هذه الحالة لا يكون واجباً إلا وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب وهو ما نصت عليه المادة 186 من ذات القانون بقولها أنه إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فيمن تسلم غير المستحق فلا يكون ملتزماً إلا بالقدر الذى أثرى به ، بما يفصح عن أن المشرع قرر قصر إلتزام المشترى ناقص الأهلية بالرد على قدر النفع الحقيقى الذى عاد عليه فلا يلزم برد ما أضاعه أو أنفقه فى غير مصلحته .

(الطعن رقم 450 لسنة 46 جلسة 1979/03/15 س 30 ع 1 ص 809 ق 148)

18- عبء الإثبات فى بيان أن ناقص الأهلية قد أثرى و فى تقدير مدى إثرائه يقع على الدافع الذى يطلب رد ما دفع ، فإن عجز عن الإثبات كان ذلك موجباً فى ذاته لرفض طلبه .

(الطعن رقم 450 لسنة 46 جلسة 1979/03/15 س 30 ع 1 ص 809 ق 148)

19- إذا كان الثابت أن الطاعن الأول بصفته ولياً على أولاده باع إلى المطعون عليها قطعة أرض مقام عليها مبان بثمن قدره 6300 ج وقضى بأبطال هذا العقد إستناداً إلى أن الولى تصرف فى عقار تزيد قيمته على 300 ج آلت ملكيته إلى القصر بطرق الشراء من مال والدتهم دون أن يحصل على إذن من محكمة الأحوال الشخصية طبقاً لما توجبه المادة السابعة من القانون رقم 119 لسنة 1952 الخاص بأحكام الولاية على المال ، مما مفاده أنه وقد ثبت من الحكم سالف الذكر أن الولى حين تصرف فى هذا العقار قد جاوز حدود ولايته ، فإن هذا التصرف لا ينصرف أثره إلى القصر ولا يلزمون برد شىء من المبلغ المدفوع من الثمن إلا بقدر ما أفادوه منه ، ولما كان يبين من الأطلاع على المذكرة التى قدمها الطاعنان أمام محكمة الإستئناف والتى سلمت صورتها إلى المطعون عليها وأشارت إليها المحكمة فى حكمها أن الطاعنة الثانية بصفتها وصية على القصر تمسكت فى دفاعها أنها لم تتسلم شيئاً من المبلغ المدفوع من ثمن البيع وهو ما يستفاد منه أنها تتمسك بأن القصر لم يدخل فى ذمتهم شىء من هذا المبلغ ، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد ألزم الطاعنة الثانية بصفتها برد ما قبضه الطاعن الأول من ثمن المبيع دون أن يشير إلى هذا الدفاع أو يرد عليه وهو دفاع جوهرى قد يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإن الحكم يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور يبطله .

(الطعن رقم 508 لسنة 42 جلسة 1977/01/31 س 28 ع 1 ص 310 ق 64)

20- دعوى صحة التوقيع هي دعوى تحفظيه الغرض منها إثبات أن التوقيع الموضوع على المحرر هو توقيع صحيح صادر من يد صاحبه ، ويكفي لقبول الدعوى وفقاً لما تقضى به المادة الثالثة من قانون المرافعات أن يكون لرافعها مصلحة قائما يقرها القانون . ولما كان الحكم فى الدعوى - السابقة - برفض طلب الطاعن صحة ونفاذ عقد البيع الصادر إليه من المطعون عليه لبطلانه لا ينفى أن للطاعن مصلحة فى الحصول على حكم بصحة التوقيع على عقد البيع المشار إليه ذلك أن بطلان هذا العقد يترتب عليه طبقاً للمادة 142/1 من القانون المدني أن يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، فيسترد كل متعاقد ما أعطاه ، مما يكون معه للطاعن مصلحة فى طلب إثبات صحة توقيع المطعون عليه على المحرر سالف الذكر . لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقرر أنه لا مصلحة للطاعن فى رفع دعواه بصحة التوقيع على عقد البيع الصادر إليه من المطعون عليه بعد أن حكم ببطلان هذا العقد ورتب على ذلك قضاءه بعدم قبول الدعوى فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 357 لسنة 39 جلسة 1974/11/19 س 25 ع 1 ص 1250 ق 212)

21- مقتضى أحكام الأمر رقم 138 لسنة 1961 الذى أحال إلى الأمر العسكرى رقم 4 لسنة 1956 أن التصرف بالبيع الذى يبرمه الخاضعون للحراسة فى أموالهم بتاريخ لأحق على فرض الحراسة هو أمر محظور قانوناً سواء على البائع أو المشترى ، بل إنه يعتبر جريمة من كليهما ، و إذا كان وفاء المشترى بالثمن قد تم تنفيذا لعقد البيع فإن هذا الوفاء يكون قد تم بالمخالفة للقانون و لا يجوز له إسترداد الثمن من أموال البائعين المفروضة عليها الحراسة بعد تقرير الحارس العام عدم الإعتداد بالعقد بالتطبيق لأحكام الأمر المشار إليه و بعد الحكم ببطلان ذلك العقد ، ذلك لأن القضاء بإلزام الحارس برد الثمن من أموال البائعين المفروضة عليها الحراسة يعتبر تنفيذا لإلتزام على البائع نشأ فى تاريخ لاحق لفرض الحراسة و هو ما تنهى عنه صراحة المادة السادسة من الأمر رقم 4 لسنة 1956 و تحرمه المادة 23 ، كما أنه يؤدى إلى إهدار الأساس الذى تقوم عليه فكرة الحراسة و تفويت الغرض منها . و لا محل للإستناد إلىالمادة 142 من القانون المدنى فى إلزام الحارس برد الثمن من أموال البائع المفروضة عليها الحراسة لوجود نصوص خاصة فى الأمر رقم 4 لسنة 1956 تمنع من رد الثمن من تلك الأموال و هى نصوص آمرة و متعلقة بالنظام العام .

(الطعن رقم 168 لسنة 34 جلسة 1969/03/20 س 20 ع 1 ص 438 ق 71)

22- وإن كانت المادة 228 من قانون التجارة قد إعتبرت الجزاء الذى يجوز توقيعه فى حالة إبرام المفلس عقودا بمقابل فى فترة الريبة هو البطلان ، إلا أنه فى حقيقته ليس بطلاناً بالمعنى القانونى لأن البطلان يترتب عليه إنعدام أثر العقد بالنسبة للمتعاقدين بينما العقد الذى يقضى ببطلانه طبقاً لتلك المادة يظل صحيحاً ومنتجاً لآثاره فيما بين عاقديه وإنما لا ينفذ فى حق جماعة الدائنين فالجزاء فى حقيقته هو عدم نفاذ التصرف فى حق هذه الجماعة ومن ثم فلا يجوز للمشترى من المفلس الذى يقضى ببطلان عقده طبقاً للمادة المذكورة أن يستند فى مطالبة التفليسة برد الثمن الذى دفعه للمفلس إلى المادة 142 من القانون المدنى لأنها خاصة بالحالة التى يقضى فيها بإبطال العقد أو ببطلانه بالنسبة للمتعاقدين .

(الطعن رقم 188 لسنة 33 جلسة 1967/03/30 س 18 ع 2 ص 725 ق 112)

شرح خبراء القانون

الأثر الرجعي للبطلان :

يترتب على القضاء بتقرير بطلان العقد أو إبطاله، إعتبار العقد كأن لم يكن فيعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، ففي البيع يلتزم البائع برد الثمن وفوائده من وقت المطالبة القضائية، كما يلتزم المشتري برد المبيع وثماره من وقت هذه المطالبة، فإن استحال ذلك كما لو هلكت العين في يد المشترى فإن الأخير يلتزم بتعويض البائع عنها، فإن كان التعويض بخطأ المشتري كان التعويض مساوية لقيمة المبيع وقت الهلاك، أما إن كان الهلاك بقوة قاهرة التزم المشتري بدفع تعويض مقدرة وفقاً للمادة 185 من القانون المدني وفي عقود المدة كعقد الإيجار، يلتزم المستأجر بدفع تعويض للمؤجر عن مدة انتفاعه بالعين ويعتبر التعويض في حالة بطلان العقد ريعة لا يخضع للتقدير القانوني ولكن قد يقدر التعويض وفقا للأجرة القانونية، ولما كان هذا التعويض لا يعتبر أجرة ولذلك فإنه لا يخضع لإمتياز المؤجر.

وتوجد عقود تترتب عليها كافة آثارها رغم القضاء ببطلانها، كعقد الشركة والزواج الظني أنظر مادة 13 مدنی، والصورية المطلقة والمالك الظني والوكيل الظاهر والايجار من مالك بطل سند ملكيته ما لم يكن هناك غش وتواطؤ .

وفي حالة بطلان عقد الإيجار المفروش الصادر من أجنبي، لا يعود الطرفان الى ما كانا عليه قبل التعاقد، وإنما تؤجر العين خالية للمستأجر، وفقاً للمبادئ التالية.

ويترتب الأثر الرجعي لبطلان عقد الإيجار بسبب احتجاز أكثر من مسكن في البلد الواحد، وهو بطلان متعلق بالنظام العام، مما يتعين معه على المحكمة أن تقضي بالبطلان وتقف عند هذا الحد، وقد اختلفت دوائر النقض في هذا الصدد، فقضي بعضها بالأثر الرجعي وخالف البعض ذلك حسبما تضمنه كتابنا في تشريعات إيجار الأماكن .

أساس الرجوع لتقرير البطلان :

ونظراً لانعدام العقد الباطل، فلا يصح للمضرور منه الإستناد إليه في الرجوع على المتعاقد الآخر وفقاً لأحكام المسئولية العقدية، لأن ذلك يتطلب وجود عقد صحيح، أما العقد الباطل فهو معدوم ولذلك يكون رجوع المضرور على المتسبب بموجب أحكام المسئولية التقصيرية، وحينئذ يعتبر العقد الباطل واقعة مادية يستشف منها الخطأ.

وترفع الدعوى بالبطلان والرد حتى يتضمن الحكم بالبطلان الرد أيضاً، أما إن رفعت بالبطلان فقط، فأن الحكم الصادر بالبطلان لا يجوز تنفيذه جبراً بالرد، وحينئذ يتعين رفع دعوى مبتدأة بالرد، ويكون الحكم بذلك جائزا تنفيذه جبراً .

وتعتبر دعوى الرد دعوی شخصية يكتفي فيها بالعقد الباطل واقعة مادية تدل على إستلام المدعى عليه العين المطلوب ردها، والرد التزام شخصی، ولذلك تفضل هذه الدعوى عن دعوى الاستحقاق لما تتطلبه الدعوى الأخيرة من إثبات .

ولكن يضطر المالك الى وقع علوي الاستحقاق في حالة تقادم دعوى البطلان .

 فإن كان الملتزم بالرد ناقص أهلية وكان البطلان يرجع الى هذا السبب فلا يرد إلا ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد وهذا الحكم تردید لنص المادة 186 من القانون المدني .

ويقوم طلب الرد مستندة إلى أحكام استرداد ما دفع دون حق وفقاً للمادة 181 وما بعدها، ويذهب رأى إلى إعتبار الالتزام بالرد كما لو كان متولداً عن عقد بحيث إذا استحال على أحد المتعاقدين تنفيذه ولو كانت الإستحالة ترجع إلى قوة قاهرة، فلا يكون له أن يطالب المتعاقد الآخر تنفيذ التزامها "أنظر نقض 17/3/1970 في شقه الثاني بالمادة 157 " .

والالتزام بالرد لا يسقط الحق في الحبس وفقاً للمادة 246 ولا الحق في الدفع بعدم التنفيذ وفقاً للمادة 161.

وكان القانون المدني القديم يحول دون الرد إذا كان التسليم قد تم وفقاً لعقد باطل بسبب عدم مشروعية محله أو سببه، بإعتبار طالب الرد ملوثة، كما في عقد المقامرة وفي الاتفاق على معاشرة غير مشروعة إلا أن القانون المدني الجديد أهدر تلك القاعدة وأجرى أحكام البطلان فأوجب إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل العقد سواء كان البطلان يرجع إلى عدم مشروعية المحل أو السبب أو لسبب آخر، على أنه يمكن إعمال حكم القانون القديم بالنسبة لمقابل المعاشرة غير المشروعة ويكون ذلك على سند من حكم القانون الجديد، ذلك لأن المرأة إذا طالبت برد ما أخذته أن تتمسك بحقها في الحبس أو بعدم التنفيذ وحينئذ يستحيل على الرجل أن يرد لها ما أخذه منها فتحول بذلك دون الرد .

ومتى أبطل العقد، صار واقعة مادية ، فلا يجوز للمضرور بسببه من الطرفين أن يرجع على المتسبب في البطلان بالتعويض إلا إذا توافرت في العقد الباطل عناصر المسئولية التقصيرية من خطأ وعلاقة سببية مع مراعاة ما نصت عليه المواد 91 و 119 و 120 و 468 من القانون المدني وفقاً لنظرية الخطأ عند تكوين العقد.

أثر البطلان بالنسبة للغير :

متى قضى بالبطلان وأصبح الحكم نهائياً ، فإن حقوق الغير التي تعلقت بالعقار محل العقد يتحدد مدى نفاذها في حق المالك بحسب تاريخ تسجيل صحيفة دعوى البطلان أو التأشير بها على هامش تسجيل العقد الباطل إن كان قد سجل قبل رفع الدعوى. 

فإن كان الغير الذي تلقي العين قام بالتسجيل قبل تسجيل صحيفة دعوى البطلان، استقرت له الملكية بشرط أن يكون حسن النية أي لا يعلم بالعيب الذي شاب عقد من تلقى الحق منه وأن يكون هذا العقد خلوة مما يدل على بطلانه لأن العقد لو تضمن ذلك وادعي من تلقى الحق أنه لم يطلع عليه ولم يعلم ما تضمنه يكون قد ارتكب خطأ جسيماً يوصم مرتكبه بسوء النية فإن كان من تلقى الحق سيئ النية ابتداء، فإن الملكية لا تنتقل إليه ويحاج بالبطلان، و العبرة بتوافر حسن النية وقت إبرام العقد لا وقت تسجيله، ويفترض في من تلقى الحق حسن النية ومن ثم يقع على طالب البطلان إثبات سوء نيته وله ذلك بكافة الطرق، أما أن كان الغير قد سجل تصرفه بعد تسجيل صحيفة دعوى البطلان أو التأشير بها، فإنه يحاج بالحكم الذي يصدر بالبطلان وفقا لما تنص عليه المادتين 15 و 17 من قانون الشهر العقاري وفي حالة الرهن يراعى نص المادة 1034. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني   الصفحة/ 648  )

أثر إبطال العقد وبطلانه :

 - أولاً : أثر إبطال العقد وبطلانه بالنسبة للمتعاقدين :

إذا اتفق الطرفان على إبطال العقد القابل للإبطال أو على بطلان الحكم الباطل، و صدر حكم بالإبطال أو البطلان.

فإن المتعاقدين يعودان إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام العقد، وكأن العقد لم يبرم بالمرة.

وينبني على ذلك أنه إذا كان العقد الذي تقرر بطلانه لم ينفذ بعد فلا يلتزم أي من المتعاقدين بشيء نحو الآخر.

وإذا كان العقد قد نفذ كله أو في جزء منه وجب أن يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد فيكون على كل منهما أن يرد إلى المتعاقد الآخر الأداء الی قبضة.

فإذا كان العقد بيعاً، وكان المبيع قد سلم إلى المشتري، وجب على هذا الأخير رده و البائع، كما يجب عليه رد كل ما اقتطعه من أصله، كما إذا اقتلع منه شجرة. يجب عليه أيضاً أن يرد جميع الثمار التي أخذها من المبيع، ما لم يكن قد تملكها إعمالاً بالقاعدة أن حائز الشيء يتملك ثماره التي يقبضها بحسن نية (المادة 978 مدنی)، و كان البائع قد قبض الثمن فعليه رده إلى المشتري مضافاً إليه فوائده ما لم يكن الإلتزام بالرد قد انقضى بالتقادم.

 وإذا أصبح الرد مستحيلاً حكم القاضي بتعويض معادل، كما لو كان المبيع قد هلك في يد المشتري بخطأ منه، فإنه القاضي يحكم للبائع بتعويض يعادل قيمة المبيع وقت الهلاك.

 أما إذا كان المبيع قد هلك بقوة قاهرة، ولم يكن المشتري سيء النية أي عالماً بسبب البطلان عند تسلمه إياه، وأثبت أن الشيء كان ليهلك أيضاً عند البائع، فإنه لا يلزم بشيء.

وينطبق حكم استحالة الرد على عقد المدة كالإيجار، إذ الرد فيه مستحيل، إذ الفرض أن المستأجر قد انتفع بالعين بالفعل، ومن ثم وجب عليه أن يعوض المؤجر عن هذه المنفعة، ويقدر هذا التعويض بمقدار الأجرة ولكنه لا يكون أجرة فلا يكفله التزام المؤجر.

 وكما يكون البطلان حجة على المتعاقدين، فإنه يكون حجة على دائنهما لأن المدين يعتبر ممثلاً لدائنه في الخصومات التي يكون هذا المدين طرفاً فيها.

أساس الالتزام بالرد المترتب على بطلان العقد :

لا صعوبة في تحديد الأساس الذي يقوم عليه الإلتزام بالرد المترتب على بطلان العقد، إذا كان الشيء الذي تسلمه المتعاقد بمقتضى العقد الباطل باقياً بذاته لم يهلك أو يتلف إذ أن ذلك الأساس يتمثل في تسلم غير المستحق أو دفع غير المستحق طبقاً للتعبير الذي استعمله المشرع فنتيجة الأثر الرجعي لبطلان العقد أو إبطاله، يعتبر كل متعاقد أنه أخذ ما أعطاه إياه المتعاقد الآخر من غير أن يكون له حق فيه ومن ثم يلتزم برده إليه. وهذا هو عين ما قضت به المادة 182 بقولها: "يصح استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذه لالتزام لم يتحقق سببه أو لالتزام زال سببه بعد أن تحقق".

غير أن الرأى انقسم في الحالة التي يتعذر فيها على العاقد أن يرد ماتسلمه بمقتضى العقد، ويلتزم بالتالي أن يؤدي إلى العاقد الآخر، ما أسمته المادة 1/142 مدنى "التعويض  المعادل" ، كما إذا كان الشيء قد هلك أو تلف.

فذهب رأي إلى أن أساس الإلتزام في هذه الحالة هو قواعد المسئولية التقصيرية وليس طبقاً لقواعد المسئولية العقدية، لأن العقد لا وجود له .

أثر البطلان بالنسبة إلى ناقص الأهلية :

بعد أن نصت الفقرة الأولى من المادة 142 مدني على أنه في حالتي إبطال العقد وبطلانه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا كان هذا مستحيلاً جاز الحكم بتعويض معادل أوردت في فقرتها الثانية استثناء على هذه القاعدة بالنسبة لإبطال العقد النقص الأهلية فقضت بأنه لا يلزم ناقص الأهلية، إذا أبطل العقد لنقص أهليته، أن يرد غير ما عاد إليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد.

وبذلك يكون المشرع قد استثنى ناقص الأهلية حماية له من قاعدة إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها وقت العقد فلم يلزمه برد ما حصل عليه بموجب العقد الباطل إلا في حدود ما عاد عليه من منفعة مادية كانت أو معنوية.

فإذا باع القاصر مثلاً ماله وقبض ثمنه، ثم أنفق جزءاً من هذا الثمن في ملذاته القائمة على النزق والطيش أو لعب القمار، وأنفق الجزء الآخر فيما عاد عليه بالنفع، كما إذا اشترى مالاً مفيداً من غير أن يغبن في ثمنه، أو دفعه في أغراض تعليمه بدون إسراف أو في سداد ديونه، فإنه يكون ملزماً بأن يرد إلى المشتري القدر من الثمن الذي عاد عليه بالنفع فعلاً، أما الذي أنفقه في طيشه وملذاته أو في القمار، فلا يلتزم برده، إذ القانون يعتبره لم ينتفع به.

وهذا الاستثناء المقرر لناقص الأهلية ليس إلا تطبيقاً لأصل عام قرره القانون في دعوى غير المستحق في المادة 186 مدني إذ تقول "إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فيمن تسلم غير المستحق فلا يكون ملتزماً إلا بالقدر الذي أثرى به".

وتحديد الالتزام بالرد بالمنفعة المعتبرة قانونا مقصور على من لا تتوافر الأهلية فيه، فلا يفيد من هذه الميزة المتعاقد الأخر إذا كان مكتمل الأهلية.

وإذا كان ظاهر نص المادة 142/2 يجعل الاسترداد في حدود المنفعة مقصوراً على حالة نقص الأهلية، وهو القاصر ثم السفيه وذو الغفلة بعد تسجيل قرار الحجر عليهما إلا أن هذا الحكم يسرى أيضاً على عديمي الأهلية وهم الصبي غير المميز ثم المجنون والمعتوه بعد تسجيل قرار الحجر عليهما، ذلك لأن الحكم السابق - كما ذكرنا سلفاً - مجرد تطبيق لقاعدة أعم وأشمل أوردتها المادة 186 مدني.

 - إثبات إثراء ناقص الأهلية مما تسلمه :

عبء إثبات أن ناقص الأهلية قد أثرى مما تسلمه بمقتضى العقد، ومقدار هذا الإثراء، يقع على الدافع الذي يطلب رد ما دفع.

حالة البطلان لعدم المشروعية:

القاعدة التي قدمناها تنطبق على العقد الباطل أياً كان سبب البطلان فإذا كان العقد باطلاً لعدم مشروعية المحل أو السبب فإن كلاً من الطرفين يلتزم يرد ما أخذه إلي الطرف الآخر غير أن هذا الحل لم يستقر إلا في ظل القانون الحالي.

تفصيل ذلك أن قاعدة رومانية قديمة كانت تأبي على الطرف الملوث أن يؤسس دعواه على غش صدر من جانبه فإذا كان العقد باطلاً لمخالفة المحل أو السبب النظام العام أو الآداب فإن من سلم شيئاً لا يستطيع أن يسترده إلا إذا كان غير ملوث، بأن كان عدم المشروعية غير آت من ناحيته، كمن يعطى لأخر مالاً لكي يرد له ما سرقه أو لكي يمتنع عن ارتكاب جريمة أما إذا كان ملوثاً كما هو الحال في الرشوة، والإتصال الجنسي غير المشروع والمقامرة، فإنه لا يستطيع أن يسترد ما أداه.

وقد أخذت بعض القوانين الحديثة بهذه القاعدة، كالقانون الألماني (م 817) والقانون السويسري (م66)، ولم يرد نص في شأنها في القانون الفرنسي، ومع ذلك أخذ بها الفقه والقضاء مدة طويلة ثم أصبح الفقه ينتقدها وصار القضاء يحد من تطبيقها حيث قصرها على العقود المخالفة للآداب ولم يرد نص عنها في القانون القديم، ومع ذلك كان القضاء المصري يأخذ بها.

وقد تضمن المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد نصا يأخذ بهذه القاعدة في حالة البطلان لمخالفة الآداب هو الفقرة الثالثة من المادة (302) التي تقابل المادة (142) مدني، إذ تقول إنه: "لا يجوز لمن وفي بإلتزام مخالف للآداب أن يسترد ما دفعه إلا إذا كان هو في التزامه لم يخالف الآداب".

وقد استقى هذا النص من القضاء الفرنسي والمشروع الفرنسي الإيطالي (م 27/2)  ولكنه حذف لأنه لا يتمشى مع منطق البطلان ومن هذا يتضح أن نية الشارع في القانون الحالي هي عدم الأخذ بالقاعدة الرومانية .

فالقاعدة إذن في القانون الحالى أن العقد الباطل لعدم المشروعية حكمه حكم العقد الباطل لأي سبب آخر، فيلتزم فيه كل من الطرفين برد ما أخذه طبقاً لقاعدة العامة التي ذكرناها.

ويعتبر هذا حكماً مستحدثاً، فلا ينطبق إلا على العقود التي تبرم في ظل القانون الحالي، أي منذ 15 أكتوبر سنة 1949. أما العقود التي أبرمت في ظل القانون القديم فلا يجوز للطرف الملوث فيها أن يسترد ما أراده طبقاً لما كان سائداً حينذاك .

تسجيل العقد الباطل لا يصححه :

إذا ورد عقد البيع الباطل على عقار وسجل هذا العقد، فإنه ليس من شأن التسجيل تصحيح العقد، بل يظل باطلاً كما هو.

ثانياً : آثار البطلان بالنسبة إلى الغير :

(أ) القاعدة العامة :

القاعدة العامة أن أثر بطلان العقد لا يقتصر على العلاقة فيما بين المتعاقدين، بل يجاوزهما إلى الغير ممن يكون قد تلقى من العاقد حقاً فهذا الغير يتأثر بانعدام العقد، تأسيساً على قاعدة مؤداها أنه متى زال حق المتصرف زال حق المتلقي، وعلى قاعدة أخري تقرر بأنه لا يجوز للشخص أن يدلي إلى غيره بأكثر مما يملك، أو فاقد الشيء لا يعطيه فإذا كان أحد الطرفين في العقد الباطل قد تصرف في حقه إلى الغير، فإن حق الغير يزول بالبطلان فلو أن شخصاً اشترى عيناً بعقد باطل أو قابل للإبطال ثم باعها ويعد ذلك تقرر بطلان العقد، فإن البائع في العقد الباطل يسترد العين من المشتري الثاني وإذا كان هذا الشخص قد رتب على العين رهناً أو حقاً عينياً آخر فإن البائع يسترد العين خالية من الرهن أو أي حق آخر.

(ب) استثناءان من القاعدة العامة :

استثنى الشارع من القاعدة العامة سالفة الذكر حالتين :

(الأولي) إذا كسب الغير بحسن نية حقاً عينياً عقارياً على الشيء الذي ورد عليه العقد الباطل وذلك قبل تسجيل دعوى البطلان أو التأشير بها في هامش تسجيل العقد الباطل.

وهذا ما تقضي به المادتان 15، 17 من قانون تنظيم الشهر العقارى، فقد نصت المادة (15) على أنه :

يجب التأشير في هامش سجل المحررات واجبة الشهر بما يقدم ضدها من الدعاوى التي يكون الغرض منها الطعن فى التصرف الذى يتضمنه المحرر وجودا أو صحة أو نفاذاً، كدعاوى البطلان أو الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع، فإذا كان المحرر الأصلي لم يشهر تسجيل تلك الدعاوى"، ونصت المادة 17 على أنه: "يترتب على تسجيل الدعاوى المذكورة بالمادة الخامسة عشرة أو التأشير بها أن حق المدعى إذا تقرر بحكم مؤشر به طبق القانون يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداءً من تاريخ تلك الدعاوى أو التأشير بها ولا يكون هذا الحق حجة على الغير الذي کسب حقه بحسن نية قبل التأشير أو التسجيل المشار إليهما".

ويبين من هذين النصين أنه إذا كسب الغير حقاً عينياً عقارياً بعد تسجيل دعوى البطلان أو التأشير بها فإن حقه يزول نتيجة للبطلان، سواء كان هذا الغير حسن النية أو سيء النية أما إذا كان قد كسب حقه قبل تسجيل دعوى البطلان أو التأشير بها فإن هذا الحق يزول إذا كان سيء النية ويبقى إذا كان حسن النية فمن تصرف في عقار بمقتضى عقد باطل أو قابل للإبطال لا يستطيع أن يسترد العقار خالياً من الحقوق العينية الذي تترتب عليه لشخص من من الغير يكون حسن النية إلا إذا كان قد سجل دعوى البطلان أو أشر بها على هامش تسجيل العقد الباطل قبل أن يكسب هذا الغير حقه فإذا كان هذا الغير قد كسب حقاً عينياً على العقار، كملكية أو رهن أو أي حق عيني عقارى آخر، وسبق إلى شهر هذا الحق قبل تسجيل دعوى البطلان أو التأشير بها، فإن حقه يبقى بالرغم من بطلان عقد من تصرف له فإذا كان هذا الغير مشتری خلصت له الملكية، وإذا كان دائناً مرتهناً عاد العقار إلى البائع محملاً بالرهن .

وقد تضمن المشروع التمهيدي للتقنين المدني نصا في هذا المعنى، هو الفقرة الثالثة من المادة 197 التي تقول : "على أن إبطال العقود الناقلة للملكية لا يضر بالغير حسن النية إذا ترتب له حق على عقار قبل تسجيل الإعلان بالبطلان"، ثم حذفت هذه الفقرة لأن الحكم الوارد فيها جاء في مكان آخر .

كما حرص الشارع في التقنين المدني على أن يذكر حكم هذا الاستثناء بالنسبة للدائن المرتهن رهناً رسمياً إذا كان حسن النية، فلم يكتف بما ورد في قانون تنظيم الشهر العقاري على النحو الذي ذكرناه، بل أورد في شأنه نصاً خاصاً هو المادة (1034) مدني التي تقول إنه "يبقى قائماً لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغاءه و زواله لأي سبب آخر، إذا كان هذا الدائن حسن النية في الوقت الذي أبرم فيه الرهن".

( الحالة الثانية) إذا كسب الغير حقاً يتعلق بالشيء الذي ورد عليه العقد الباطل، وذلك بمقتضى عقد من عقود الإدارة كما إذا أجر مشترى الأرض إلى مستأجر حسن النية فإن إجازته تبقى رغم البطلان متى كانت لا تجاوز مدتها ثلاث سنوات.

إنما يشترط في عقد الإدارة كي يبقى بالرغم من البطلان ألا يكون مشوباً بغش من جانب من صدر منه، وأن يكون ثابت التاريخ قبل دعوى البطلان فلو أن المشتري في المثلى المذكور شعر بأن الطرف الآخر سيطلب الإبطال فبادر إلى تأجير العقار وكانت الإجازة تجافي المألوف بالنسبة إلى العين، سواء من ناحية الأجرة أو المدة أو غير ذلك، فإنها تكون مشوبة بغش فتزول بالبطلان .

  - الآثار التي يرتبها العقد الباطل :

العقد الباطل - كما قدمنا - عدم ومن ثم لا يرتب أثراً ما، وكان منطق هذا القول يقتضي أن تكون تلك النتيجة مطلقة، إلا أن القانون خرج على هذه القاعدة ورتب على العقد الباطل من الرغم من بطلانه بعض الآثار التي تترتب على العقد لو كان صحيحاً وهذا القول وإن بدا غريباً فإن غرابته تزول متى عرفنا أن بعض هذه الآثار، وهي الآثار العرضية، إنما تتولد عن العقد الباطل باعتبارها واقعة مادية، وأن بعضها الآخر، وهي الآثار الجوهرية أو الأصلية وإن تولد من العقار باعتباره عقداً فليس ذلك على تقدير أن العاقدين قد قصداً إلى توليد تلك الآثار، وإنما لأن القانون اعتبر العقد الباطل قائماً حكماً رغبة منه في حماية حسن النية واستقرار المعاملات.

ونتناول فيما يلي هذه الآثار 

أولاً : الآثار العرضية :

هذه الآثار العرضية تترتب على العقد الباطل، لا بوصفه عقداً، بل باعتباره واقعة مادية، فهذه آثار عرضية، بمعنى أنها ليست الآثار الأصلية التي قصد إليها المتعاقدان والتي تترتب على العقد ولو كان صحيحاً.

من ذلك الزواج غير الصحيح فعقد الزواج غير الصحيح، كالزواج بين المحارم أو بغير شهود فهو لا ينتج آثاره الأصلية بحسب الشريعة الإسلامية (كحل التمتع ووجوب النفقة والميراث) لكنه مع ذلك ينتج آثاراً عرضية، كوجوب المهر بعد الدخول والعدة في بعض الأحوال وثبوت النسب، وهذه الآثار لم تترتب على الزواج باعتباره عقداً ولكنها تترتب عليه باعتباره واقعة مادية، هي واقعة اتصال رجل وامرأة كما لو كانا زوجين، فيجب المهر كتعويض للمرأة عن الدخول، كما تجب العدة على أثر ذلك الإتصال وثبوت النسب حفظاً للولد من الضياع.

ومن ذلك أيضاً أن إبرام العقد الباطل قد يعتبر في ذاته عملاً غير مشروع، فإذا ترتب على هذا العمل ضرر لحق الطرف الذي لم يأت البطلان من جانبه وجب له التعويض ومن ذلك ما يحدث عند إبطال العقد للتدليس أو إكراه مثلاً إذ يجب التعويض رغم إبطال العقد ويكون التعويض في هذه الحالة أثراً عرضياً ترتب على العقد بإعتباره واقعة مادية، ومن ثم تكون المسئولية تقصيرية وهناك نظرية تعتبر هذه المسئولية عقدية ، وهي نظرية الخطأ عند تكون العقد، وهي نظرية ألمانية وضعها الفقيه الألماني المعروف إيرنج  .

ومن ذلك أن العقد الباطل قد يشتمل على العناصر المكونة لعقد آخر فيكون هذا العقد الآخر أثراً عرضياً للعقد الباطل بوصفه واقعة مادية وحينئذ يتحول العقد الباطل إلى عقد آخر صحيح وهذه هي نظرية تحول العقد .

(انظر شرح المادة 144) .

ثانياً : الآثار الأصلية :

من الآثار الأصلية التي تترتب على العقد الباطل ما يأتي :

1- الشركة التجارية التي تكون باطلة لعدم استيفاء الإجراءات التي يفرضها القانون (م 46 -52 من قانون التجارة القديم)، وهي التي يقال لها الشركة الواقعية.

فإذا قضى ببطلانها فإن حقوق الشركاء فيما يتعلق بالمعاملات التي تمت قبل طلب البطلان يسوى أمرها طبقاً لعقد الشركة الذي حكم ببطلانه ومعنى هذا أن عقد الشركة الباطل ينتج آثاره الأصلية في المدة السابقة على الحكم بالبطلان سواء فيما بين الشركاء أو في تعامل الشركة مع الغير.

2- العقد الصوري صورية مطلقة، فرغم أنه عقد لا وجود له فيما بين المتعاقدين (م245 مدنی) فإنه يعتبر قائماً بالنسبة إلى الغير حسني النية، وهو يشمل دائني المتعاقدين والخلف الخاص، إذ يكون لهؤلاء متى كانوا حسني النية أن يتمسكوا به ( م 244/1 مدني ).

ومعنى هذا أن العقد ينتج آثاره الأصلية بالنسبة إليهم.

3- تطبيقات المبدأ الذي يقول إن الخطأ الشائع يقوم مقام القانون وهذا خطأ يقوم في أذهان الناس بالنسبة إلى مظهر يتوفر لديهم ويعتقدون في صحته على خلاف الحقيقة فيطمئنون إليه ويتعاملون على أساسه، ويتحقق ذلك حينما يظهر شخص يتخذ لنفسه صفة معينة على خلاف الحقيقة ويحسبه الناس كذلك، كالوارث الظاهر والدائن الظاهر والوكيل الظاهر.

يضاف إلى ما تقدم ما سلف ذكره أن الغير الذي کسب بحسن نية حقاً عينياً عقارياً على الشيء الذي ورد عليه العقد الباطل، وقام بشهر هذا الحق قبل تسجيل دعوى البطلان أو التأشير بها، يبقى حقه بالرغم من بطلان عقد من تصرف إليه.

وما تقدم ذكره من أن أعمال الإدارة التي يقوم بها أحد الطرفين في العقد الباطل بالنسبة إلى الشيء الذي حصل عليه بموجب هذا العقد تبقى بالرغم من البطلان . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/439)

ويتبين من ذلك أن العقد الباطل أو القابل للإبطال ، إذا تقرر بطلانه ، يعتبر كأن لم يكن فيما بين المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير ونستعرض كلاً من هاتين الحالتين .

1– فيما بين المتعاقدين

زوال كل أثر للعقد :

إذا تقرر بطلان العقد زال كل أثر له ، وارجع كل شيء إلى أصله و جاز الحكم بتعويض على أساس المسئولية التقصيرية لا المسئولية العقدية .

فإذا كان العقد بيعاً وتقرر بطلانه ، رد المشتري المبيع إلى البائع ، ورد البائع الثمن إلى المشتري ويرد المشتري المبيع بثمراته من وقت المطالبة القضائية إذا كان حسن النية ، وفي مقابل ذلك لا يلتزم البائع بالفوائد عن الثمن الذي يرده إلا من وقت المطالبة القضائية كذلك وهكذا يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد واسترداد كل متعاقد لما أعطاه إنما يكون على أساس استرداد ما دفع دون حق بعد أن تقرر بطلان العقد . 

أما إذا أصبح الإسترداد مستحيلاً بأن هلك المبيع مثلاً في يد المشتري ، حكم القاضي بتعويض معادل ، فالزم المشتري برد قيمة المبيع وقت الهلاك طبقاً لقواعد المسئولية التقصيرية لا على أساس العقد الذي تقرر بطلانه ، وألزم البائع برد الثمن على أساس دفع غير المستحق .

وإذا كان العقد زمنياً كالإيجار وتقرر بطلانه ، فالمنفعة التي استوفاها المستأجر قبل تقرير البطلان يجب أن يعوض عنها وقد يقدر التعويض بمقدار الأجرة ولكنه لأي كون أجرة فلا يكفله حق الإمتياز . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول  الصفحة/ 710)

تكون الإرادة باطلة بطلاناً مطلقاً :

1- اذا صدرت من شخص غير مميز ، أو من شخص مميز ولكنه عديم الأهلية بالنسبة إلى الأثر الذي انصرفت إليه الإرادة.

2- إذا صدرت من شخص أكره عليها إكراها لم يترك له خيره بين القبول وعدمه.

3 - إذا كان الحل معدوماً أو مستحيلاً أو غير معين أو غیر مشروع .

4 - إذا لم يوجد للارادة سبب أو كان سببها غير مشروع.

5 - إذا نص القانون على وجوب صب الإرادة في شكل معين (كما في العقود الرسمية ) ولم يتوافر لها ذلك الشكل .

 خصائص البطلان المطلق - يقع البطلان المطلق من تلقاء نفسه دون حاجة الى استصدار حكم به.

ويجوز لكل من له مصلحة فيه أن يتمسك به .

وإذا عرض العمل القانوني الباطل بطلاناً مطلقاً على المحكمة جاز لها أن تحكم بهذا البطلان من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك به أحد من الخصوم .

والبطلان المطلق لا يزول بالإجازة ، ولكن تسقط دعوى البطلان بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد ، أما الدفع بالبطلان فلا يسقط ( المادة 141 مدنی).

وإذا نفذ المتصرف آثار التصرف الباطل ، جاز له عند كشف البطلان أن يسترد ما نفذه ( المادة 142 فقرة أولى ) .

ويترتب على حكم الأبطال زوال كل أثر للعمل القانوني من وقت انعقاده، ووجوب رد ما يكون قد سلم بناء عليه في (المادة 143 فقرة أولى ). (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الأول  الصفحة/ 888)

ومؤدي ذلك أنه اذا كان العقد الباطل نفذ له أو في جزء منه ، وجب على كل من العاقدين أن يرد إلى الآخر ما حصلة منه بموجب ذلك العقد فإذا كان المشتري قد دفع الثمن كله أو بعضه وجب على البائع أن يرد إليه من قبضه منه ، وإذا كان البائع قد سلم المبيع كله أو بعضه وجب على المشتري أن برد ما تسلمه منه فإن كان لم يسبق له دفع الثمن ، وجب عليه أن يدفع البائع مقابل الانتفاع بالمبيع في الفترة ما بين بتسلمه ورده والراجح أن الرد في هذه الحالة يكون وفقاً القواعد رد غير المستحق ( المواد 181 وما بعدها) .

غير أنه اذا كان لها نفذ غير قابل للرد ، كما في منفعة العين المؤجرة أو أي عمل قام به أحد العاقدين لمصلحة الآخر ، فإنه يستبدل بالرد العينى تعویض يعادله ، فيدفع المستأجر للمؤجر ما يقابل المنفعة التي حصلها ، ويدفع رب العمل إلى العامل تعويضا عما أداه من عمل بموجب العقد الباطل وهذا دون إخلال بالحق في عن الضرر الناشئ من أبطال العقد أنه كلما توافرت شروطه.

ومقتضى ذلك أن ناقص الأهلية متى أبطل العقد الذي أبرمه ، كان له أن يسترد ما نفذه منه ، ولكنه لا يرد إلا ما بقى بين يديه عيناً أو قدر ما أفاد مما لم يبق وتعتبر المبالغ التي وفى بها ناقص الأهلية دیونه للغير والتي اشترى بها أشياء نافعة أنها مبالغ أفاد منها أما ما أنفته في قضاء شهواته ، فلا يعتبر أنه أفاد منه ولا يرده. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقص، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني  الصفحة/ 436)

المقرر وفقاً للمادة 142/ 1 من القانون المدني أنه : "في حالتي إبطال العقد وبطلانه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ... فإذا كان العقد بيعاً على سبيل المثال وتقرر بطلانه رد المشتري المبيع إلى البائع ويرد البائع الثمن إلى المشتري فالعقد القابل للإبطال إذا تقرر بطلانه اعتبر كأن لم يكن و زال كل أثر له فيما بين المتعاقدين و بالنسبة للغير . (التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2015، دار القانون للإصدارات القانونية، الجزء/  الأول الصفحة/ 569)

أثر البطلان بين العاقدين : يترتب على تقرير البطلان أن يعيد كل من الطرفين المال الذي أخذه تنفيذاً للعقد ، كما يلتزم برد الثمار من وقت طلب البطلان ، إلا إذا كان سيئ النية أي يعلم بالبطلان فأنه يلتزم برد كل الثمار التي حصل عليها وهو سيء النية ، ويتم ذلك كله إعمالاً لأحكام رد غير المستحق وفقاً لنص المادة 185 مدني، فإذا استحال الرد العيني كما لو كان ما حصل عليه العاقد منفعة كالحال في الإيجار التزم برد تعويض عادل الشرقاوي بند 50 - السنهوري بند 337- مرقس بند 216 – حجازی بند 489  - الصدة في مصادر الالتزام بند 258 .

والقاصر لا يرد الا ما بقي في يديه أو بقدر ما أفاد مما انفقه ويكون تقدير ذلك على ضوء نوع الفائدة التي حصل عليها من الإتفاق ، فان كان قد وفي به ديناً أو انفقه في حدود الحاجات المعقولة كان مستفيداً مما أنفق ، اما اذا كان قد أنفق تبذيراً أو إتلافها فلا يعتبر كذلك فلا يلتزم بالرد فلا يقصد بالمنفعة مجرد الإعتناء وانما يراد بها أن يكون ناقص الاهلية قد استخدم ما حصل عليه بموجب العقد الباطل في اشباع حاجة حقيقية له أو تحقيق نفع لصالحه الشرقاوي بند 50 - مرقس بند 231 - الصدة بند 260 - السنهوري بند 339 - وراجع التعليق على المادة 168 .

أثر البطلان بالنسبة للدائنين : يكون تقرير البطلان حجة على دائني العاقدين.

أثر البطلان بالنسبة إلى الغير : لا يقتصر الشر البطلان على العاقدين بل يمتد إلى الغير وهو من رتب له أحد العاقدين حقاً عينياً على الشيء الذي آل إليه بموجب العقل الباطل إذ يسري البطلان في حق هذا الأخير كما لو باع المشتري العين التي اشتراها إلى آخر فإن بطلان عقد البيع الأول يسري في حق المشتري الثاني بحيث يستطيع البائع الأصلي استرداد المبيع منه ولكن هذه النتيجة يحد منها نص المادتين 15 و 17 من قانون الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 التي تستلزم للاحتجاج على الخير بالحكم الصادر بالبطلان أن يتم تسجيل الحكم أو صحيفة دعوى البطلان قبل تسجيل سند هذا الغير وكان المشروع التمهيدي للتقنين المدني ينص في المادة 197 منه على أن إبطال العقود الناقلة للملكية لا يضر بالغير حسن النية إذا ترتب له حق على عقار قبل تسجيل الإعلان بالبطلان مجموعة الأعمال التحضيرية الجزء الثانی ص 235 وما بعدها  ، كما يحد من تلك النتيجة أن الغير قد يستفيد من قواعد حيازة العقار بالتقادم المكسب اذ لا يقطعه في حقه سوی مطالبته برد العقار ، كما قد يستفيد من قاعدة حماية حائز المنقول حسن النية ، كما يستفيد من حكم المادة 1034 مدني التي تحمي المرتهن حسن النية من زوال ملكية الراهن كما يحد منها أن يكون الغير قد كسب حقاً على الشيء الذي ورد عليه العقد الباطل بموجب عقد من عقود الإدارة كعقد إيجار إذ تبقى أعمال الإدارة التي يقوم بها أحد طرفي العقد الباطل متی كانت خالية من الغش و ثابتة التاريخ قبل دعوى البطلان ويلاحظ في هذا الصدد نص الفقرة الثانية من المادة 269 الذي آسي من الأثر الرجعي لتحقق الشرط الفاسخ أعمال الإدارة ومن المتفق عليه سريان هذا الحكم على كافة صور إنحلال العقد، كما يحد من تلك النتيجة كذلك إعمال نظرية الأوضاع الظاهرة التي أشرنا إليها في التعليق على المادة 105 يراجع في تفصيل ذلك كله السنهوري بندی 340 و 341 - الشرقاوي بند 50 - مرقس في نظرية العقد بند 240 - الصدة في مصادر الإلتزام بند 263 - حمدي عبد الرحمن ص 400 وما بعدها - البدراوی بند 286 وما بعده .

الالتزام بالرد في حالة عدم المشروعية : كان السائد فضاءً وفقهاً قبل العمل بالتقنين الحالي أنه في حالة تقرير البطلان لعدم مشروعية المحل أو السبب كالحال في الرشوة أو الإتصال الجنسي غير المشروع أو المقامرة أو بيع مخدر او سلاح ممنوع بيعه بغير ترخيص أو بيع سلعة مسعرة بأكثر من السعر المقرر ، فإن الطرف الملوث أي الذي أتت عدم المشروعية من جهته لا يجوز له استرداد ما دفع نفاذاً للعقد (يراجع السنهوري بند 338 والدكتور جميل الشرقاوي في مؤلفه عن البطلان ص 408 و 409 وهامشهما في تفصيل القاعدة وأمثلة عليها من القضاء - مرقس في نظرية العقد بند 238 - فتحي عبد الرحيم ہند 264) وكان المشروع التمهيدي ينص على هذه القاعدة في الفقرة الثانية من المادة 201 منه وإن كان يقتصر تطبيقها على العقود المخالفة للآداب العامة ، ولكن هذا النص حذف في لجنة المراجعة لأنه لا يتفق مع منطق البطلان ، ومن ثم أجمع الفقه على عدم جواز إعمالها والاعتراف لكل من طرفي العقد الباطل باسترداد ما دفعه ولو كان البطلان يرجع إلى عدم المشروعية السنهوري بند 338 - مرقس بند 238 حجازی بند 934 - الشرقاوی بند 50 وإذا كان حذف نص المشروع التمهيدي وما استقر عليه الفقه في ظل التقنين الحالي قد يؤدي إلى نتائج غير مقبولة في بعض الصور فإنه يمكن حرمان الطرف الملوث في هذه الصور عن طريق إبقاء ما أداء للطرف الآخر على سبيل التعويض ( السنهوري في المرجع السابق ) وإذ كان زوال العمل بالقاعدة السالفة على خلاف ما كان يجري عليه القضاء والفقه قبل العمل بالتقنين الحالي فانه يعتبر حكماً مستحدثاً فلا يسري على العقود التي ابرمت قبل نفاذه (السنهورى هامش بند 338) .

ويجوز مع الرد الحكم بالتعويض بأن ما صاحب التصرف الباطل خطأ من أحد طرفيه نتج عنه ضرر ، كما لو كان سبب البطلان آثياً من جهة أحد العاقدين وكان الطرف الآخر يعتقد صحة العقد وبني تعامله على أساس هذا الإعتقاد وقد ذهب البعض إلى اعتبار المسئولية عن التعويض مسئولية عقدية رغم بطلان العقد على أساس القول بنظرية الخطأ عند تكوين العقد وقد كان المشروع التمهيدي ينص على ذلك في المادة 204 منه ولكن النص حذف في لجنة المراجعة ومن ثم استقر الرأي على أن المسئولية عن التعويض في هذه الحالة هي مسئولية تقصيرية بإعتبار العقد الباطل واقعة مادية ومن ثم يقع على عاتق من يطالب بالتعويض إثبات عناصر المسئولية من خطأ وضرر رابطة سببية ، ويتقيد التعويض بما يتقيد به التعويض في المسئولية التقصيرية سواء في الأهلية أو المدى أو الأعذار أو التضامن أو الإعفاء منه السنهوري بند 308 حتى 311 - الشرقاوي بند 50 . (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/  879)

 

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الأول ، الصفحة /   179

إبْطال

1 - الإْبْطال لغةً: إفْساد الشّيْء وإزالته، حقًّا كان ذلك الشّيْء أوْ باطلاً. قال اللّه تعالى , ليحقّ الْحقّ ويبْطل الْباطل- وشرْعًا: الْحكْم على الشّيْء بالْبطْلان، سواءٌ وجد صحيحًا ثمّ طرأ عليْه سبب الْبطْلان، أوْ وجد وجودًا حسّيًّا لا شرْعيًّا. فالأْوّل كما لو انْعقدت الصّلاة صحيحةً ثمّ طرأ عليْها ما يبْطلها، والثّاني كما لوْ عقد على إحْدى الْمحرّمات عليْه على التّأْبيد، كما يسْتفاد منْ عبارات الْفقهاء.

ويأْتي على ألْسنة الْفقهاء بمعْنى الْفسْخ، والإْفْساد، والإْزالة، والنّقْض، والإْسْقاط، لكنّه يخْتلف عنْ هذه الأْلْفاظ منْ بعْض الْوجوه، ويظْهر ذلك عنْد مقارنته بها. والأْصْل في الإْبْطال أنْ يكون من الشّارع، كما يحْدث الإْبْطال ممّنْ قام بالْفعْل أو التّصرّف، وقدْ يقع من الْحاكم في الأْمور الّتي سلّطه عليْها الشّارع.

الأْلْفاظ ذات الصّلة:

أ - الإْبْطال والْفسْخ:

2 - يعبّر الْفقهاء أحْيانًا في الْمسْألة الْواحدة تارةً بالإْبْطال، وتارةً بالْفسْخ، غيْر أنّ الإْبْطال يحْدث أثْناء قيام التّصرّف وبعْده، وكما يحْصل في الْعقود والتّصرّفات يحْدث في الْعبادة.

أمّا الْفسْخ فإنّه يكون غالبًا في الْعقود والتّصرّفات، ويقلّ في الْعبادات، ومنْه فسْخ الْحجّ إلى الْعمْرة، وفسْخ نيّة الْفرْض إلى النّفْل، ويكون في الْعقود قبْل تمامها، لأنّه فكّ ارْتباط الْعقْد أو التّصرّف.

ب - الإْبْطال والإْفْساد:

3 - يأْتي التّفْريق بيْن الإْبْطال والإْفْساد تفْريعًا على التّفْرقة بيْن الْباطل والْفاسد.

ويتّفق الْفقهاء على أنّ الْباطل والْفاسد بمعْنًى واحدٍ في الْعبادات، إن اسْتثْنيْنا الْحجّ عنْد الشّافعيّة والْحنابلة.

وغيْر الْعبادة كذلك غالبًا عنْد الْمالكيّة والشّافعيّة والْحنابلة.

أمّا الْحنفيّة فإنّهمْ يفرّقون في أغْلب الْعقود بيْن الْفاسد والْباطل، فالْباطل ما لا يكون مشْروعًا لا بأصْله ولا بوصْفه، والْفاسد ما يكون مشْروعًا بأصْله دون وصْفه. ولتفْصيل ذلك (ر: بطْلان، فساد.)

ج - الإْبْطال والإْسْقاط:

4 - الإْسْقاط فيه رفْعٌ لحقٍّ ثابتٍ. وفي الإْبْطال منْعٌ لقيام الْحقّ أو الالْتزام.

وقدْ يأْتي كلٌّ من الإْبْطال والإْسْقاط بمعْنًى واحدٍ أحْيانًا في كلام الْفقهاء، كقوْلهمْ: الْوقْف لا يبْطل بالإْبْطال، وقوْلهمْ: أسْقطْت الْخيار أوْ أبْطلْته.

إجازة

التّعْريف:

1 - الإْجازة في اللّغة الإْنْفاذ، يقال: أجاز الشّيْء: إذا أنْفذه.

ولا يخْرج اسْتعْمال الْفقهاء للإْجازة عنْ هذا الْمعْنى اللّغويّ.

هذا وقدْ يطْلق الْفقهاء «الإْجازة» بمعْنى الإْعْطاء كما يطْلقونه على الإْذْن بالإْفْتاء أو التّدْريس.

ويطْلق الْمحدّثون وغيْرهمْ «الإْجازة» بمعْنى الإْذْن بالرّواية، سواءٌ أكانتْ رواية حديثٍ أمْ رواية كتابٍ. وتفْصيل ذلك يأْتي في آخر الْبحْث، والإْجازة بمعْنى الإْنْفاذ لا تكون إلاّ لاحقةً للتّصرّف، بخلاف الإْذْن فلا يكون إلاّ سابقًا عليْه.

وعلى هذا فنقسّم الْبحْث على هذه الأْنْواع الأْرْبعة:

أوّلاً: الإْجازة بمعْنى الإْنْفاذ

أرْكانها:

2 - كلّ إجازةٍ لا بدّ منْ أنْ تتوفّر فيها الأْمور التّالية:

أ - الْمجاز تصرّفه: وهو منْ تولّى التّصرّف بلا ولايةٍ كالْفضوليّ.

ب - الْمجيز: وهو منْ يمْلك التّصرّف سواءٌ أكان أصيلاً أمْ وكيلاً أمْ وليًّا أمْ وصيًّا أمْ قيّمًا أمْ ناظر وقْفٍ.

ج - الْمجاز: وهو التّصرّف.

د - الصّيغة: صيغة الإْجازة أوْ ما يقوم مقامها.

وقد اصْطلح جمْهور الْفقهاء على أنّ هذه الأْمور كلّها أرْكانٌ والْحنفيّة يقْصرون إطْلاق لفْظ الرّكْن على الصّيغة أوْ ما يقوم مقامها.

أ - الْمجاز تصرّفه:

3 - يشْترط في الْمجاز تصرّفه ما يلي:

1 - أنْ يكون ممّنْ ينْعقد به التّصرّف كالْبالغ الْعاقل والصّغير الْمميّز في بعْض تصرّفاته.

أمّا إذا كان الْمباشر غيْر أهْلٍ لعقْد التّصرّف أصْلاً كالْمجْنون والصّغير غيْر الْمميّز فإنّ التّصرّف يقع باطلاً غيْر قابلٍ للإْجازة.

بقاء الْمجاز تصرّفه حيًّا لحين الإْجازة:

4 - لكيْ تكون الإْجازة صحيحةً ومعْتبرةً عنْد الْحنفيّة فلا بدّ منْ صدورها حال حياة الْمباشر، إنْ كانتْ طبيعة التّصرّف ممّا ترْجع حقوقه إلى الْمباشر فيما لوْ حجبتْ عنْه الإْجازة، كالشّراء والاسْتئْجار

أمّا التّصرّفات الّتي يعْتبر فيها الْمباشر سفيرًا ومعبّرًا، ولا تعود حقوق التّصرّف إليْه بحالٍ من الأْحْوال، كالنّكاح فلا تشْترط فيه حياة الْمباشر وقْت الإْجازة، كما لوْ زوّج فضوليٌّ رجلاً بامْرأةٍ، ثمّ مات الْفضوليّ، ثمّ أجاز الرّجل اعْتبرت الإْجازة صحيحةً؛ لأنّ الْوكيل في هذا الْعقْد ما هو إلاّ سفيرٌ ومعبّرٌ، ولا يعود إليْه شيْءٌ منْ حقوق هذا الْعقْد حين إخْلاله بالشّروط الّتي اشْترطها عليْه الْموكّل.

هذا صريح مذْهب الْحنفيّة وهو الْمفْهوم منْ بعْض الْفروع في مذْهب الشّافعيّة، فقدْ قالوا: لوْ باع مال مورّثه على ظنّ أنّه حيٌّ وأنّه فضوليٌّ، فبان ميّتًا حينئذٍ وأنّه ملْك الْعاقد فقوْلان، وقيل: وجْهان مشْهوران، أصحّهما أنّ الْعقْد صحيحٌ لصدوره منْ مالكٍ، والثّاني: الْبطْلان لأنّه في معْنى الْمعلّق بموْته، ولأنّه كالْغائب.

والظّاهر أنّ الْوجْه الأْوّل هنا مبْنيٌّ على الْقوْل بجواز تصرّف الْفضوليّ، فإنّ تصرّفه كان على ظنّ أنّه فضوليٌّ، وإجازته بعْد تحقّق وفاة مورّثه على أنّه مالكٌ فله اعْتباران: كوْنه فضوليًّا وكوْنه مالكًا، وهو حيٌّ في كلْتا الْحالتيْن. وأمّا على الْقوْل بالْبطْلان، وهو الْمعْتمد عنْدهمْ، فلا تنافي. هذا ولمْ نعْثرْ على هذا الشّرْط عنْد الْمالكيّة والْحنابلة.

ب - الْمجيز:

5 - منْ له الإْجازة (الْمجيز) إمّا أنْ يكون واحدًا أوْ أكْثر، فإنْ كان واحدًا فظاهرٌ، وإنْ كان أكْثر فلا بدّ من اتّفاق جميع منْ لهم الإْجازة عليْها حتّى تلْحق التّصرّف إذا كان لكلّ واحدٍ منْهمْ حقّ الإْجازة كاملاً، فإن اخْتلفوا فأجازه الْبعْض وردّه الْبعْض قدّم الرّدّ على الإْجازة، كما لوْ جعل خيار الشّرْط إلى شخْصيْن فأجاز الْبيْع أحدهما وامْتنع عن الإْجازة الآْخر، لمْ تلْحق الإْجازة التّصرّف.

أمّا إنْ كانت الإْجازة قابلةً للتّجْزئة كما إذا تصرّف فضوليٌّ في مالٍ مشْتركٍ، فالإْجازة تنْفذ في حقّ الْمجيز دون شركائه.

6 - ويشْترط في الْمجيز لكيْ تصحّ إجازته أنْ يكون أهْلاً لمباشرة التّصرّف وقْت الإْجازة، فإنْ كان التّصرّف هبةً وجب أنْ تتوفّر فيه أهْليّة التّبرّع، وإنْ كان بيْعًا وجب أنْ تتوفّر فيه أهْليّة التّعاقد وهكذا؛ لأنّ الإْجازة لها حكْم الإْنْشاء، فيجب فيها من الشّروط ما يجب في الإْنْشاء.

7 - ويشْترط الْحنفيّة والْمالكيّة والْحنابلة في قوْلٍ عنْدهمْ والشّافعيّة في التّصرّفات الّتي تتوقّف على الإْجازة كخيار الشّرْط لأجْنبيٍّ عن الْعقْد، أنْ يكون الْمجيز موْجودًا حال وقوع التّصرّف؛ لأنّ كلّ تصرّفٍ يقع ولا مجيز له حين وقوعه يقع باطلاً، والْباطل لا تلْحقه الإْجازة.

فإذا باع الصّغير الْمميّز ثمّ بلغ قبْل إجازة الْوليّ تصرّفه، فأجاز تصرّفه بنفْسه جاز؛ لأنّ له وليًّا يجيزه حال الْعقْد، وإذا زوّج فضوليٌّ إنْسانًا ثمّ وكّل هذا الشّخْص الْفضوليّ في تزْويجه قبْل أنْ يجيز التّصرّف، فأجاز الْفضوليّ بعْد الْوكالة تصرّفه السّابق للْوكالة،

جاز هذا عنْد كلٍّ من الْحنفيّة والْمالكيّة. بخلاف ما إذا طلّق وهو صغيرٌ، ثمّ بلغ فأجاز طلاقه بنفْسه، لمْ يجزْ لأنّ طلاق الصّغير ليْس له مجيزٌ وقْت وقوعه، إذْ ليْس للْوليّ أنْ يطلّق زوْجة الصّغير، ولا أنْ يتصرّف تصرّفًا مضرًّا ضررًا محْضًا بالصّغير - مميّزًا أوْ غيْر مميّزٍ - هذا عنْد الْجمْهور (الْحنفيّة والْمالكيّة والشّافعيّة وقوْلٌ لأحْمد) والْمعْتمد عنْد الْحنابلة وقوع طلاق الصّبيّ الْمميّز الّذي يعْقل الطّلاق وما يترتّب عليْه.

8 - ويشْترط الشّافعيّة أنْ يكون منْ تولّى الإْجازة مالكًا للتّصرّف عنْد الْعقْد، فلوْ باع الْفضوليّ مال الطّفْل، فبلغ الطّفْل، فأجاز ذلك الْبيْع، لمْ ينْفذْ لأنّ الطّفْل لمْ يكنْ يمْلك الْبيْع عنْد الْعقْد. وهذا بناءً على الْقوْل عنْدهمْ بجواز تصرّفات الْفضوليّ.

9 - كما يشْترط في الْمجيز أنْ يكون عالمًا ببقاء محلّ التّصرّف. أمّا علْمه بالتّصرّف الّذي أجازه فظاهرٌ، وأمّا علْمه ببقاء محلّ التّصرّف فقدْ قال في الْهداية: ولوْ أجاز الْمالك في حياته وهو لا يعْلم حال

الْمبيع جاز الْبيْع في قوْل أبي يوسف أوّلاً، وهو قوْل محمّدٍ لأنّ الأْصْل بقاؤه. ثمّ رجع أبو يوسف فقال: لا يصحّ حتّى يعْلم قيامه عنْد الإْجازة؛ لأنّ الشّكّ وقع في شرْط الإْجازة. فلا يثْبت مع الشّكّ وهو ما ذهب إليْه الْمالكيّة أيْضًا. ولمْ نقفْ على نصٍّ في هذا عنْد الشّافعيّة والْحنابلة لأنّ الْمعْتمد عنْدهمْ عدم جواز تصرّفات الْفضوليّ، ولهذا لمْ يتوسّعوا في التّفْريع.

ج - التّصرّف الْمجاز (محلّ الإْجازة)

محلّ الإْجازة إمّا أنْ يكون قوْلاً أوْ فعْلاً

إجازة الأْقْوال:

10 - الإْجازة تلْحق التّصرّفات الْقوْليّة، وعنْدئذٍ يشْترط في تلْك التّصرّفات:

أوّلاً: أنْ يكون قدْ وقع صحيحًا، فالْعقْد غيْر الصّحيح لا تلْحقه الإْجازة كبيْع الْميْتة، فبيْع الْميْتة غيْر منْعقدٍ أصْلاً، فهو غيْر موْجودٍ إلاّ منْ حيْث الصّورة فحسْب، والإْجازة لا تلْحق الْمعْدوم بالْبداهة. ويبْطل الْعقْد الْموْقوف وغيْر اللاّزم بردّ منْ له الإْجازة، فإذا ردّه فقدْ بطل، ولا تلْحقه الإْجازة بعْد ذلك.

ثانيًا: أنْ يكون التّصرّف صحيحًا غيْر نافذٍ - أيْ موْقوفًا - كهبة الْمريض مرض الْموْت فيما زاد على الثّلث وكتصرّف الْفضوليّ عنْد منْ يرى جوازه، وكالْعقود غيْر اللاّزمة كالّتي تنْعقد مع الْخيار.

ثالثًا: أنْ يكون الْمعْقود عليْه قائمًا وقْت الإْجازة، فإنْ فات الْمعْقود عليْه فإنّ الْعقْد لا تلْحقه الإْجازة،

لأنّ الإْجازة تصرّفٌ في الْعقْد، فلا بدّ منْ قيام الْعقْد بقيام الْعاقديْن والْمعْقود عليْه.

إجازة الْعقود الْواردة على محلٍّ واحدٍ:

11 - إذا وردت الإْجازة على أكْثر منْ عقْدٍ واحدٍ على محلٍّ واحدٍ، لحقتْ أحقّ هذه الْعقود بالإْمْضاء.

وقدْ صنّف الْحنفيّة الْعقود والتّصرّفات بحسب أحقّيّتها كما يلي:

الْكتابة والتّدْبير والْعتْق، ثمّ الْبيْع، ثمّ النّكاح، ثمّ الْهبة، ثمّ الإْجارة، ثمّ الرّهْن. فإذا باع فضوليٌّ أمة رجلٍ، وزوّجها فضوليٌّ آخر، أوْ آجرها أوْ رهنها، فأجاز الْمالك تصرّف الْفضوليّين معًا، جاز الْبيْع وبطل غيْره؛ لأنّ الْبيْع أحقّ منْ بقيّة التّصرّفات، فلحقتْ به الإْجازة دون غيْره ولمْ نجدْ هذا عنْد غيْرهمْ.

إجازة الأْفْعال:

الأْفْعال إمّا أنْ تكون أفْعال إيجادٍ أوْ إتْلافٍ.

12 - وفي أفْعال الإْيجاد اتّجاهان: الأْوّل: أنّ الإْجازة لا تلْحقها، وهو ما ذهب

إليْه الإْمام أبو حنيفة.

الثّاني: أنّ الإْجازة تلْحقها، وهو ما ذهب إليْه الإْمام محمّد بْن الْحسن وهو الرّاجح عنْد الْحنفيّة. وبناءً على ذلك فإنّ الْغاصب إذا أعْطى الْمغْصوب لأجْنبيٍّ بأيّ تصرّفٍ فأجاز الْمالك ذلك، فقدْ ذهب أبو حنيفة إلى عدم براءة الْغاصب وأنّه لا يزال ضامنًا إذ الأْصْل عنْده أنّ الإْجازة لا تلْحق الأْفْعال. والْمفْهوم منْ بعْض فروع الْمالكيّة والشّافعيّة، وروايةٌ عنْ أحْمد أنّهمْ يذْهبون مذْهب أبي حنيفة.

وعلّل الْمالكيّة ذلك بأنّ الرّضا بتصرّف الْغاصب لا يجْعل يده يد أمانةٍ. وعلّل الشّافعيّ والْحنابلة لهذه الرّواية بأنّ تصرّفات الْغاصب في الْعيْن الْمغْصوبة حرامٌ، ولا يمْلك أحدٌ إجازة تصرّفٍ حرامٍ. وذهب الإْمام محمّد بْن الْحسن إلى أنّ إجازة الْمالك لتصرّف الْغاصب صحيحةٌ وتبرّئ ذمّته وتسْقط عنْه الضّمان والْقاعدة عنْده أنّ الإْجازة تلْحق الأْفْعال. وهو الرّواية الأْخْرى عنْد الْحنابلة، واخْتلف علماؤهمْ في تخْريج هذه الرّواية عنْ أحْمد.

13 - واتّفقتْ كلمة الْحنفيّة على أنّ الإْجازة لا تلْحق أفْعال الإْتْلاف، فليْس للْوليّ أنْ يهب منْ مال الصّغير؛ لأنّ الْهبة إتْلافٌ، فإنْ فعل ذلك كان ضامنًا، فإنْ بلغ الصّبيّ وأجاز هبته، لمْ تجزْ؛ لأنّ الإْجازة لا تلْحق أفْعال الإْتْلاف.

وهذا هو ما يفْهم منْ كلام الْمالكيّة والشّافعيّة. وأمّا الْحنابلة فقدْ فرّقوا بيْن ما إذا كان الْوليّ أبًا أوْ غيْر أبٍ فإنْ كان أبًا فلا يعْتبر متعدّيًا لأنّ له حقّ تملّك مال ولده، لحديث: «أنْت ومالك لأبيك» وإنْ كان الْوليّ غيْر أبٍ فهمْ مع الْجمْهور. أمّا دليل عدم نفاذ الإْجازة فلأنّ تصرّفات الْوليّ منوطةٌ بمصْلحته، والتّبرّعات إتْلافٌ فتقع باطلةً فلا تلْحقها الإْجازة.

14 - وقدْ وقع خلافٌ في اللّقطة إذا تصدّق بها الْملْتقط، فالْمالكيّة والْحنابلة قالوا: إذا عرّفها سنةً ولمْ يأْت مالكها تملّكها الْملْتقط، وعلى هذا فلوْ تصدّق بها بعْد الْمدّة الْمذْكورة فلا ضمان عليْه لأنّه تصدّق بخالص ماله. ومفْهوم كلامهمْ أنّه لوْ تصدّق بها قبْل هذه الْمدّة أوْ لمْ يعرّفْها يكون ضامنًا إنْ لمْ يجز الْمالك التّصدّق. وسندهمْ في ذلك حديث زيْد بْن خالدٍ أنّ الرّسول صلي الله عليه وسلم  قال في شأْن اللّقطة: «فإنْ لمْ تعْرفْ فاسْتنْفقْها. وفي لفْظٍ: وإلاّ فهي كسبيل مالك. وفي لفْظٍ: ثمّ كلْها. وفي لفْظٍ: فانْتفعْ بها».

أمّا الْحنفيّة فقالوا: إذا تصدّق الْملْتقط باللّقطة، ثمّ جاء صاحبها فأجاز صدقة الْملْتقط طلبًا لثواب اللّه تعالى، جاز بالاتّفاق. قال عمر بْن الْخطّاب لمنْ أتاه مسْتفْسرًا عمّا يتصرّف به في اللّقطة الّتي في يده: ألا أخْبرك بخيْر سبيلها؟ تصدّقْ بها، فإنْ جاء صاحبها فاخْتار الْمال غرمْت له وكان الأْجْر لك، وإن اخْتار الأْجْر كان له، ولك ما نويْت ومفْهوم مذْهب الشّافعيّة أنّ الْملْتقط إذا تصرّف أيّ تصرّفٍ فيها يكون متعدّيًا ويعْتبر ضامنًا. وتفْصيل ذلك في مصْطلح «لقطة».

صيغة الإْجازة:

من اسْتقْراء كلام الْفقهاء نجد أنّ الإْجازة تتحقّق بطرائق متعدّدةٍ. وهي خمْسةٌ في الْجمْلة:

الطّريقة الأْولى: الْقوْل

15 - الأْصْل في الإْجازة أنْ تكون بالْقوْل الْمعبّر عنْها بنحْو قوْل الْمجيز: أجزْت، وأنْفذْت، وأمْضيْت، ورضيت، ونحْو ذلك.

وإذا وقعت الإْجازة بلفْظٍ يمْكن أنْ يعبّر به عنْها كما يمْكن أنْ يعبّر به عنْ غيْرها، فالاحْتكام في ذلك إلى قرائن الأْحْوال. فإن انْعدمتْ قرائن الأْحْوال حمل الْكلام على حقيقته.

وتقوم الْكتابة أو الإْشارة الْمفْهمة مقام الْقوْل عنْد الْعجْز، على تفْصيلٍ موْضعه الصّيغة في الْعقْد.

الطّريقة الثّانية: الْفعْل

16 - فكلّ ما يصحّ أنْ يكون قبولاً من الأْفْعال في الْعقود، يصحّ أنْ يكون إجازةً.

الطّريقة الثّالثة:

17 - مضيّ الْمدّة في التّصرّفات الْموْقوتة: كمضيّ مدّة الْخيار في خيار الشّرْط (ر: خيار الشّرْط)

الطّريقة الرّابعة:

18 - الْقرائن الْقويّة: كتبسّم الْبكْر الْبالغة، وضحكها ضحك سرورٍ وابْتهاجٍ، وسكوتها وقبْضها مهْرها، عنْد إعْلام وليّها إيّاها أنّه زوّجها منْ فلانٍ، فإنّها قرينةٌ قويّةٌ على إجازتها، بخلاف بكائها بصوْتٍ مرْتفعٍ وولْولتها، فهي قرينةٌ على الرّفْض.

ومن الْقرائن الْقويّة السّكوت في موْطن الْحاجة إلى الإْبْطال، كسكوت صاحب الْحاجة عنْد رؤْية حاجته يبيعها صغيره الْمميّز في السّوق وغيْرها.

الطّريقة الْخامسة:

19 - زوال حالةٍ أوْجبتْ عدم نفاذ التّصرّف، كما هو الْحال في تصرّفات الرّجل الْمرْتدّ عن الإْسْلام منْ معاوضاتٍ ماليّةٍ كالْبيْع والإْجارة، أوْ تبرّعاتٍ كالْهبة والْوصيّة والْوقْف، فإنّ الإْمام أبا حنيفة يعْتبر سائر عقود الْمرْتدّ وتصرّفاته الْماليّة موْقوفةً غيْر نافذةٍ، فإنْ زالتْ حالة الرّدّة بعوْدته للإْسْلام نفذتْ تلْك التّصرّفات الْموْقوفة، وإنْ مات أوْ قتل أو الْتحق بدار الْحرْب وقضى الْقاضي باعْتباره ملْتحقًا بها، بطلتْ تلْك الْعقود والتّصرّفات.

20 - وهذه الطّرق الْخمْسة هي صريح مذْهب الْحنفيّة والْمفْهوم منْ مذْهب الْمالكيّة عنْد كلامهمْ عنْ صيغة عقْد الْبيْع. أمّا الشّافعيّة فالأْصْل عنْدهمْ في التّصرّفات الْقوْليّة الْعبارة. وهذا هو الْمعْتمد في الْمذْهب الْجديد. وفي الْمذْهب الْقديم جواز الاعْتماد على الْمعاطاة وما في معْناها، وهو اخْتيار النّوويّ وجماعةٍ، سواءٌ أكان في النّفيس أم الْخسيس واخْتار بعْضهمْ جواز ذلك في الْخسيس فقطْ. وعليْه فتكون الإْجازة عنْدهمْ على الْمعْتمد بالْعبارة دون غيْرها.

وأمّا الْحنابلة فالْمأْخوذ منْ فروعهمْ جواز ذلك في الْجمْلة.

وللْفقهاء في تصرّفات الْمرْتدّ وكوْنها موْقوفةً أوْ نافذةً تفْصيلٌ حاصله أنّها موْقوفةٌ عنْد أبي حنيفة ومالكٍ والْحنابلة ورأْيٍ عنْد الشّافعيّة، فإنْ عاد إلى الإْسْلام نفذتْ تصرّفاته بإجازة الشّارع. والصّاحبان من الْحنفيّة والشّافعيّة في رأْيٍ عنْدهمْ أنّ تصرّفاته نافذةٌ. ومبْنى هذا الْخلاف أنّ منْ قال بنفاذ تصرّفاته قال: إنّه أهْلٌ للتّصرّف وقدْ تصرّف في ملْكه ولمْ يوجدْ سببٌ مزيلٌ للْملْك، وأنّ كلّ ما يسْتحقّه هو الْقتْل. أمّا الْوجْه الآْخر فإنّهمْ يروْن أنّه بالرّدّة صار مهْدر الدّم وماله تبعٌ له، ويتريّث حتّى يسْتبين أمْره.

آثار الإْجازة:

21 - الإْجازة يظْهر أثرها منْ حين إنْشاء التّصرّف. ولذا اشْتهر منْ أقْوال الْفقهاء الإْجازة اللاّحقة كالإْذْن السّابق. ويبْنى على ذلك كثيرٌ من التّطْبيقات الْعمليّة عنْدهمْ، نذْكر منْها:

1 - أنّ الْمجيز يطالب الْمباشر بالثّمن بعْد الإْجازة إنْ كان التّصرّف بيْعًا، ولا يطالب الْمشْتري لأنّ الْمباشر - وهو الْفضوليّ - قدْ صار بالإْجازة وكيلاً.

2 - إذا باع الْفضوليّ ملْك غيْره ثمّ أجاز الْمالك الْبيْع يثْبت الْبيْع والْحطّ سواءٌ علم الْمالك الْحطّ أوْ لمْ يعْلمْ إلاّ أنّه بالْحطّ بعْد الإْجازة يثْبت له الْخيار.

3 - إذا تعدّدتْ التّصرّفات وأجاز الْمالك أحدها أجاز الْعقْد الّذي أجازه خاصّةً، فلوْ باع الْغاصب الْعيْن الْمغْصوبة ثمّ باعها الْمشْتري أوْ أجّرها أوْ رهنها وتداولتْها الأْيْدي فأجاز مالكها أحد هذه الْعقود، جاز الْعقْد الّذي أجازه خاصّةً لتوقّف كلّها على الإْجازة، فإذا أجاز عقْدًا منْها جاز ذلك خاصّةً ولمْ نعْثرْ لغيْر الْحنفيّة على ما يتعلّق بهذا.

رفْض الإْجازة:

22 - يحقّ لمنْ له الإْجازة أنْ يردّ التّصرّف الْمتوقّف عليْها، وإذا ردّه فليْس له أنْ يجيزه بعْد ذلك لأنّه بالرّدّ أصْبح التّصرّف باطلاً.

الرّجوع عن الإْجازة:

23 - إذا أجاز منْ له الإْجازة التّصرّف، فليْس له أنْ يرْجع عن الإْجازة بعْد ذلك، فمنْ سمع أنّ فضوليًّا باع ملْكه فأجاز ولمْ يعْلمْ مقْدار الثّمن، فلمّا علم ردّ الْبيْع، فالْبيْع قدْ لزم، ولا عبْرة لردّه لصيْرورة الْبائع الْمباشر للْبيْع - وهو الْفضوليّ هنا - كالْوكيل.

ثانيًا: الإْجازة بمعْنى الإْعْطاء

24 - الإْجازة بمعْنى الإْعْطاء. وهي بمعْنى الْعطيّة منْ حاكمٍ أوْ ذي شأْنٍ كمكافأةٍ على عملٍ، وبيان ذلك في مصْطلح هبة.

ثالثًا: الإْجازة بمعْنى الإْذْن بالإْفْتاء أو التّدْريس

25 - أمّا الإْجازة بمعْنى الإْفْتاء أو التّدْريس، فلا يحلّ إجازة أحدٍ للإْفْتاء أوْ تدْريس الْعلوم الدّينيّة إلاّ أنْ يكون عالمًا بالْكتاب والسّنّة والآْثار ووجوه الْفقْه واجْتهاد الرّأْي، عدْلاً موْثوقًا به.

رابعًا: الإْجازة بمعْنى الإْذْن في الرّواية

26 - اخْتلف الْعلماء في حكْم رواية الْحديث بالإْجازة والْعمل به، فذهب جماعةٌ إلى الْمنْع وهو إحْدى الرّوايتيْن عن الشّافعيّ، وحكي ذلك عنْ أبي طاهرٍ الدّبّاس منْ أئمّة الْحنفيّة، ولكنّ الّذي اسْتقرّ عليْه الْعمل وقال به جماهير أهْل الْعلْم منْ أهْل الْحديث وغيْرهم الْقوْل بتجْويز الإْجازة وإباحة الرّواية بها، ووجوب الْعمل بالْمرْويّ بها.

27 - وتسْتحْسن الإْجازة برواية الْحديث إذا كان الْمجيز عالمًا بما يجيز، والْمجاز له منْ أهْل الْعلْم؛ لأنّها توسّعٌ وترْخيصٌ يتأهّل له أهْل الْعلْم لمسيس حاجتهمْ إليْها، وبالغ بعْضهمْ في ذلك فجعله شرْطًا فيها، وقدْ حكى ذلك أبو الْعبّاس الْوليد بْن بكْرٍ الْمالكيّ عن الإْمام مالكٍ رحمه الله.

أنْواع الإْجازة بالْكتب:

28 - وكما جرت الْعادة برواية الْحديث بالإْجازة، جرتْ كذلك برواية الْكتب وتدْريسها بها، وهي على أنْواعٍ:

النّوْع الأْوّل: أنْ يجيز إنْسانًا معيّنًا في رواية كتابٍ معيّنٍ، كقوْله: «أجزْت لك رواية كتابي الْفلانيّ».

النّوْع الثّاني: أنْ يجيز لإنْسانٍ معيّنٍ رواية شيْءٍ غيْر معيّنٍ، كقوْله: «أجزْت لك رواية جميع مسْموعاتي».

وجمْهور الْفقهاء والْمحدّثين على تجْويز الرّواية بهذيْن النّوْعيْن، وعلى وجوب الْعمل بما روي بهما بشرْطه، مع الْعلْم أنّ الْخلاف في جواز الْعمل بالنّوْع الثّاني أكْثر بيْن الْعلماء.

النّوْع الثّالث: إجازة غيْر معيّنٍ رواية شيْءٍ معيّنٍ كقوْله: «أجزْت للْمسْلمين رواية كتابي هذا» وهذا النّوْع مسْتحْدثٌ، فإنْ كان مقيّدًا بوصْف حاضرٍ فهو إلى الْجواز أقْرب

ويقول ابْن الصّلاح: «لمْ نر ولمْ نسْمعْ عنْ أحدٍ ممّنْ يقْتدى به أنّه اسْتعْمل هذه الإْجازة».

النّوْع الرّابع: الإْجازة لغيْر معيّنٍ برواية غيْر معيّنٍ، كأنْ يقول: أجزْت لكلّ من اطّلع على أيّ مؤلّفٍ منْ مؤلّفاتي روايته، وهذا النّوْع يراه الْبعْض فاسدًا واسْتظْهر عدم الصّحّة وبذلك أفْتى الْقاضي أبو الطّيّب الطّبريّ، وحكي الْجواز عنْ بعْض الْحنابلة والْمالكيّة.

وهناك أنْواعٌ أخْرى غيْر هذه ذهب الْمحقّقون إلى عدم جواز الْعمل بها.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثالث ، الصفحة /  285

فَسَادُ الْعَقْدِ:

10 - يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَالْعَقْدُ الْبَاطِلُ عِنْدَهُمْ: هُوَ مَا لَمْ يُشْرَعْ بِأَصْلِهِ وَلاَ وَصْفِهِ، وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ: هُوَ مَا شُرِعَ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ. أَمَّا حُكْمُ الاِسْتِرْدَادِ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ فَيَظْهَرُ فِيمَا يَأْتِي:

الْعَقْدُ الْبَاطِلُ لاَ وُجُودَ لَهُ شَرْعًا، وَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ؛ لأِنَّهُ لاَ أَثَرَ لَهُ، وَلاَ يَمْلِكُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَنْ يُجْبِرَ الآْخَرَ عَلَى تَنْفِيذِهِ.

فَفِي الْبَيْعِ يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: لاَ حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ (الْبَاطِلِ) أَصْلاً؛ لأِنَّ الْحُكْمَ لِلْمَوْجُودِ، وَلاَ وُجُودَ لِهَذَا الْبَيْعِ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ؛ لأِنَّ التَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لاَ وُجُودَ لَهُ بِدُونِ الأْهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ شَرْعًا، كَمَا لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ الْحَقِيقِيِّ إِلاَّ مِنْ الأْهْلِ فِي الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ نَحْوُ بَيْعِ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.

وَمَا دَامَ الْعَقْدُ الْبَاطِلُ لاَ وُجُودَ لَهُ شَرْعًا، وَلاَ يُنْتِجُ أَيَّ أَثَرٍ، فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ بِاخْتِيَارِهِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي بِاخْتِيَارِهِ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ، كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَوْ بِالْقَبْضِ، وَلِذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ عِتْقٍ، فَإِنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لاَ يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنِ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ لَمْ يَنْقُلِ الْمِلْكِيَّةَ لِلْمُشْتَرِي، فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَ مَالاً غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ.

11 - أَمَّا الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ، فَلِذَلِكَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فِي الْجُمْلَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، بَلْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ الْفَسْخَ، حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِمَا فِي الْفَسْخِ مِنْ رَفْعِ الْفَسَادِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْفَسْخُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَسْتَلْزِمُ رَدَّ الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَرَدَّ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، هَذَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.

أَمَّا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ؛ لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ، فَتَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا، وَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الاِسْتِرْدَادِ؛ لأِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ، وَالاِسْتِرْدَادُ حَقُّ الشَّرْعِ، وَمَا اجْتَمَعَ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ إِلاَّ غَلَبَ حَقُّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ التَّصَرُّفُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ، أَوْ لاَ يَقْبَلُهُ، إِلاَّ الإْجَارَةَ فَإِنَّهَا لاَ تَقْطَعُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الاِسْتِرْدَادِ؛ لأِنَّ الإْجَارَةَ عَقْدٌ ضَعِيفٌ يُفْسَخُ بِالأْعْذَارِ، وَفَسَادُ الشِّرَاءِ عُذْرٌ، هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.

12 - أَمَّا الْجُمْهُورُ: فَإِنَّهُمْ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَالْعَقْدِ الْبَاطِلِ. فَالْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلاَ يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، أَمْ لَمْ يَتَّصِلْ، وَيَلْزَمُ رَدُّ الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي هَذَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.

أَمَّا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ. فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ، وَمِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي اسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُمْ رَدُّ الْمَبِيعِ الْفَاسِدِ لِرَبِّهِ إِنْ لَمْ يَفُتْ، كَأَنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ يَدِهِ بِبَيْعٍ، أَوْ بُنْيَانٍ، أَوْ غَرْسٍ، فَإِنْ فَاتَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي مَضَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ - وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ - بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَلْ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ، ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ إِنْ كَانَ مُقَوَّمًا حِينَ الْقَبْضِ، وَضَمِنَ مِثْلَ الْمِثْلِيِّ إِذَا بِيعَ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا، وَعَلِمَ كَيْلَهُ أَوْ وَزْنَهُ، وَلَمْ يَتَعَذَّرْ وُجُودُهُ، وَإِلاَّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ.

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع   ، الصفحة /  37

آثَارُ الاِنْفِسَاخِ:

29 - آثَارُ الاِنْفِسَاخِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْعُقُودِ وَاخْتِلاَفِ أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ، وَطَبِيعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ أَمْ طَرَأَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ مِنَ الزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَلاَ تَجْمَعُهَا قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ وَأَحْكَامٌ شَامِلَةٌ؟.

وَمَا أَجْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ بَعْضِ الآْثَارِ فِي أَنْوَاعٍ خَاصَّةٍ مِنَ الْعُقُودِ، لاَ يَخْلُو عَنِ اسْتِثْنَاءَاتٍ حَسَبَ طَبِيعَةِ هَذِهِ الْعُقُودِ وَمَا يُؤَثِّرُ عَلَى انْفِسَاخِهَا مِنْ عَوَامِلَ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ بَعْضِ هَذِهِ الآْثَارِ.

أَوَّلاً: إِعَادَةُ الطَّرَفَيْنِ إِلَى مَا قَبْلَ الْعَقْدِ:

أ - فِي الْعُقُودِ الْفَوْرِيَّةِ:

30 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ أَنَّ الاِنْفِسَاخَ يَجْعَلُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.

وَهَذَا صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ فِي الْعُقُودِ الْفَوْرِيَّةِ (الَّتِي لاَ تَتَعَلَّقُ بِمُدَّةٍ) فَعَقْدُ الْبَيْعِ مَثَلاً إِذَا انْفَسَخَ بِسَبَبِ هَلاَكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنَ الأْصْلِ  وَيَكُونُ كَأَنْ لَمْ يَبِعْهُ أَصْلاً، فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إِذَا سَلَّمَهُ إِيَّاهُ؛ لأِنَّ  الضَّمَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ يَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ كَمَا تَقَدَّمَ.

ب - فِي الْعُقُودِ الْمُسْتَمِرَّةِ:

31 - أَمَّا الاِنْفِسَاخُ فِي الْعُقُودِ الْمُسْتَمِرَّةِ (الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمُدَّةِ) فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا، لاَ مِنْ أَصْلِهِ. فَفِي عَقْدِ الإْجَارَةِ  مَثَلاً، صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ - الأْجِيرَ  الْمُعَيَّنَ وَالدَّابَّةَ الْمُعَيَّنَةَ - إِذَا تَلِفَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ لاَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا مَضَى بِحِسَابِهِ، وَمَا لَمْ يَحْصُلْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي عُقُودِ الْعَارِيَّةِ وَالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ وَنَحْوِهَا، إِذَا انْفَسَخَتْ فَالاِنْفِسَاخُ فِيهَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لاَ مِنْ أَصْلِهِ. وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.

ثَانِيًا: أَثَرُ تَغْيِيرِ الْمَحَلِّ قَبْلَ الاِنْفِسَاخِ:

32 - انْفِسَاخُ الْعَقْدِ يُوجِبُ زَوَالَ أَثَرِ الْعَقْدِ وَرَدَّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إِلَى مَنْ كَانَ لَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ.

فَإِذَا كَانَ قَائِمًا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ يُرَدُّ بِعَيْنِهِ كَالْمَبِيعِ إِذَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ بِسَبَبِ الْفَسَادِ أَوِ الإِْقَالَةِ أَوِ الْخِيَارِ أَوِ الاِسْتِحْقَاقِ وَنَحْوِهَا. فَفِي هَذِهِ الْحَالاَتِ وَأَمْثَالِهَا تُرَدُّ الْعَيْنُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا إِلَى صَاحِبِهَا الأْصْلِ يِّ، وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِنَ الْبَائِعِ. وَكَذَلِكَ إِذَا انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ بِالاِسْتِحْقَاقِ أَوْ بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ، فَتُرَدُّ الْعَيْنُ الْمَأْجُورَةُ إِلَى صَاحِبِهَا، إِذَا كَانَتْ قَائِمَةً وَلَمْ تَتَغَيَّرْ.

وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي عُقُودِ الإْيدَاعِ وَالإْعَارَةِ  وَالرَّهْنِ إِذَا انْفَسَخَتْ تُرَدُّ الْوَدِيعَةُ وَالْمُعَارُ وَالْمَرْهُونُ إِلَى أَصْحَابِهَا بِعَيْنِهَا إِذَا كَانَتْ قَائِمَةً.

33 - أَمَّا لَوْ تَغَيَّرَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِأَنْ زَادَ الْمَبِيعُ مَثَلاً فَالْحُكْمُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ سَبَبِ الاِنْفِسَاخِ، فَفِي انْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْفَسَادِ، إِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ وَالْوَلَدِ، أَوْ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنَ الأْصْلِ ، فَإِنَّ هَذَا لاَ يَمْنَعُ مِنْ رَدِّ أَصْلِ الْمَبِيعِ مَعَ الزِّيَادَةِ إِلَى الْبَائِعِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ).

وَلَوْ حَصَلَ التَّغَيُّرُ بِنُقْصَانِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا يُرَدُّ الْمَبِيعُ مَعَ أَرْشِ النُّقْصَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ، فَإِنَّ التَّغَيُّرَ بِالزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ يُعْتَبَرُ تَفْوِيتًا لِلْمَبِيعِ عِنْدَهُمْ.

34 - وَفِي عَقْدِ الإْجَارَةِ  إِذَا تَغَيَّرَ الْمَأْجُورُ قَبْلَ الاِنْفِسَاخِ ثُمَّ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ، فَإِنْ كَانَ التَّغَيُّرُ بِالنُّقْصَانِ وَبِتَقْصِيرٍ مِنَ الْمُسْتَأْجِرِ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَأْجُورِ مَعَ أَرْشِ النُّقْصَانِ. وَإِنْ كَانَ بِالزِّيَادَةِ كَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فِي الأْرْضِ  وَقَدْ تَمَّتْ مُدَّةُ الإْجَارَةِ ، فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ قَلْعُ الْغَرْسِ وَهَدْمُ الْبِنَاءِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، إِلاَّ إِذَا رَضِيَا بِدَفْعِ قِيمَةِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ تَمَلُّكِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ تَرْكِهِ بِأُجْرَتِهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.

أَمَّا إٍذَا كَانَ التَّغَيُّرُ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِالزِّرَاعَةِ وَانْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَحِينَ وَقْتُ حَصَادِهَا، فَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ إِجْبَارُ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى تَسْلِيمِ الأْرْضِ  الْمُسْتَأْجَرَةِ لَهُ، بَلْ تُتْرَكُ بِيَدِ الْمُسْتَأْجِرِ إِلَى وَقْتِ الْحَصَادِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْعَارِيَّةِ؛ لأِنَّ هُمْ صَرَّحُوا أَنَّهُ (إِذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فَزَرَعَهَا ثُمَّ أَرَادَ صَاحِبُ الأْرْضِ  أَنْ يَأْخُذَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ، بَلْ يُتْرَكُ إِلَى وَقْتِ الْحَصَادِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ). وَلاَ خِلاَفَ فِي أَصْلِ هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَيَّدُوهُ بِأَنْ لاَ يَكُونَ تَأَخُّرُ الزَّرْعِ بِتَقْصِيرِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ. وَالْحَنَابِلَةُ قَيَّدُوهُ بِأَنْ لاَ يَكُونَ ذَلِكَ بِتَفْرِيطِهِمَا.

ثَالِثًا: ضَمَانُ الْخَسَارَةِ النَّاشِئَةِ عَنِ الاِنْفِسَاخِ:

35 - إِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِالتَّلَفِ، كَأَنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ بِيَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَضَمَانُهَا عَلَى الْبَائِعِ أَوِ الْمُؤَجِّرِ؛ لأِنَّ  الْهَالِكَ مِنْ تَبِعَةِ الْمَالِكِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ فِي الإْجَارَةِ ، أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَهُنَاكَ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (بَيْعٌ).

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بِالإْتْلاَفِ وَالتَّعَدِّي فَضَمَانُهَا عَلَى مَنْ أَتْلَفَهَا. فَفِي عَقْدِ الْبَيْعِ مَثَلاً إِتْلاَفُ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ يُعْتَبَرُ قَبْضًا، فَالْمِلْكُ لَهُ وَالضَّمَانُ عَلَيْهِ. وَفِي الإْجَارَةِ  يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ كُلَّ تَلَفٍ أَوْ نَقْصٍ يَطْرَأُ عَلَى الْمَأْجُورِ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ بِهِ.

وَالأْصْلُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَعْدَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ أَمَانَةٌ بِيَدِ الْعَاقِدِ غَيْرِ الْمَالِكِ. فَالْمَبِيعُ وَالْمَأْجُورُ الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْمَرْهُونُ وَنَحْوُهَا عَلَى خِلاَفٍ فِيهَا، كُلُّهَا أَمَانَةٌ بَعْدَ الاِنْفِسَاخِ بِيَدِ الْعَاقِدِ غَيْرِ الْمَالِكِ إِلاَّ إِذَا امْتَنَعَ عَنْ تَسْلِيمِهَا لأِصْحَابِهَا بِدُونِ عُذْرٍ. فَإِذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٍ فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ، وَإِلاَّ فَفِيهِ الضَّمَانُ.

وَالْمُرَادُ بِالضَّمَانِ أَدَاءُ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ فِي الْقِيَمِيَّاتِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَمَانٌ).

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثامن   ، الصفحة / 106

بُطْلاَنٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْبُطْلاَنُ لُغَةً: الضَّيَاعُ وَالْخُسْرَانُ، أَوْ سُقُوطُ الْحُكْمِ. يُقَالُ: بَطَلَ الشَّيْءُ يَبْطُلُ بَطَلاً وَبُطْلاَنًا بِمَعْنَى: ذَهَبَ ضَيَاعًا وَخُسْرَانًا، أَوْ سَقَطَ حُكْمُهُ، وَمِنْ مَعَانِيهِ: الْحُبُوطُ.

وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِلْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ.

فَفِي الْعِبَادَاتِ: الْبُطْلاَنُ: عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ حَتَّى كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ. كَمَا لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ.

وَالْبُطْلاَنُ فِي الْمُعَامَلاَتِ يَخْتَلِفُ فِيهَا تَعْرِيفُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْ تَقَعَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ، وَيَنْشَأُ عَنِ الْبُطْلاَنِ تَخَلُّفُ الأْحْكَامِ  كُلِّهَا عَنِ التَّصَرُّفَاتِ، وَخُرُوجُهَا عَنْ كَوْنِهَا أَسْبَابًا مُفِيدَةً لِتِلْكَ الأْحْكَامِ  الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَبُطْلاَنُ الْمُعَامَلَةِ لاَ يُوَصِّلُ إِلَى الْمَقْصُودِ الدُّنْيَوِيِّ أَصْلاً؛  لأِنَّ  آثَارَهَا لاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا.

وَتَعْرِيفُ الْبُطْلاَنِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ تَعْرِيفُ الْفَسَادِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ: أَنْ تَقَعَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ أَوْ بِوَصْفِهِ أَوْ بِهِمَا.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْفَسَادُ:

2 - الْفَسَادُ: مُرَادِفٌ لِلْبُطْلاَنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) فَكُلٌّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي يُخَالِفُ وُقُوعُهُ الشَّرْعَ، وَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الآْثَارُ، وَلاَ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ.

وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي بَعْضِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ، كَالْحَجِّ وَالْعَارِيَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَالْفَسَادُ يُبَايِنُ الْبُطْلاَنَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَامَلاَتِ، فَالْبُطْلاَنُ عِنْدَهُمْ: مُخَالَفَةُ الْفِعْلِ لِلشَّرْعِ لِخَلَلٍ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ شَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.

أَمَّا الْفَسَادُ فَهُوَ: مُخَالَفَةُ الْفِعْلِ لِلشَّرْعِ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ، وَلَوْ مَعَ مُوَافَقَةِ الشَّرْعِ فِي أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.

ب - الصِّحَّةُ:

3 - الصِّحَّةُ فِي اللُّغَةِ. بِمَعْنَى: السَّلاَمَةِ فَالصَّحِيحُ ضِدُّ الْمَرِيضِ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: وُقُوعُ الْفِعْلِ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ بِاسْتِجْمَاعِ الأْرْكَانِ وَالشُّرُوطِ. وَأَثَرُهُ فِي الْمُعَامَلاَتِ: تَرَتُّبُ ثَمَرَةِ التَّصَرُّفِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ عَلَيْهِ، كَحِلِّ الاِنْتِفَاعِ فِي الْبَيْعِ، وَالاِسْتِمْتَاعِ فِي النِّكَاحِ.

وَأَثَرُهُ فِي الْعِبَادَاتِ هُوَ سُقُوطُ الْقَضَاءِ بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ.

ج - الاِنْعِقَادُ:

4 - الاِنْعِقَادُ: يَشْمَلُ الصِّحَّةَ، وَيَشْمَلُ الْفَسَادَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَهُوَ ارْتِبَاطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ شَرْعًا. أَوْ هُوَ: تَعَلُّقُ كُلٍّ مِنَ الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالآْخَرِ  عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ، يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي مُتَعَلَّقِهِمَا.

فَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ مُنْعَقِدٌ بِأَصْلِهِ، وَلَكِنَّهُ فَاسِدٌ بِوَصْفِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. فَالاِنْعِقَادُ ضِدُّ الْبُطْلاَنِ.

عَدَمُ التَّلاَزُمِ بَيْنَ بُطْلاَنِ التَّصَرُّفِ فِي الدُّنْيَا وَبُطْلاَنِ أَثَرِهِ فِي الآْخِرَةِ:

5 - لاَ تَلاَزُمَ بَيْنَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ أَوْ بُطْلاَنِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ بُطْلاَنِ أَثَرِهِ فِي الآْخِرَةِ، فَقَدْ يَكُونُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ فِي الدُّنْيَا، لاِسْتِكْمَالِهِ الأْرْكَانَ  وَالشُّرُوطَ الْمَطْلُوبَةَ شَرْعًا، لَكِنِ اقْتَرَنَ بِهِ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ مَا يُبْطِلُ ثَمَرَتَهُ فِي الآْخِرَةِ، فَلاَ يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ، بَلْ قَدْ يَلْزَمُهُ الإْثْمُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «إِنَّمَا الأْعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» وَقَدْ يَصِحُّ الْعَمَلُ وَيَسْتَحِقُّ عَامِلُهُ الثَّوَابَ، وَلَكِنْ يُتْبِعُهُ صَاحِبُهُ عَمَلاً يُبْطِلُهُ، فَالْمَنُّ وَالأْذَى يُبْطِلُ أَجْرَ  الصَّدَقَةِ، لقوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأْذَى)  وَقَالَ:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).

6 - وَيُوَضِّحُ الشَّاطِبِيُّ ذَلِكَ فَيَقُولُ: يُرَادُ بِالْبُطْلاَنِ إِطْلاَقَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا نَقُولُ فِي الْعِبَادَاتِ: إِنَّهَا غَيْرُ مُجْزِئَةٍ وَلاَ مُبَرِّئَةٍ لِلذِّمَّةِ وَلاَ مُسْقِطَةٍ لِلْقَضَاءِ، فَهِيَ بَاطِلَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى لِمُخَالَفَتِهَا لِمَا قَصَدَ الشَّارِعُ فِيهَا. وَقَدْ تَكُونُ بَاطِلَةً لِخَلَلٍ فِي بَعْضِ أَرْكَانِهَا أَوْ شُرُوطِهَا، كَكَوْنِهَا نَاقِصَةً رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً.

وَنَقُولُ أَيْضًا فِي الْعَادَاتِ: إِنَّهَا بَاطِلَةٌ، بِمَعْنَى عَدَمِ حُصُولِ فَوَائِدِهَا بِهَا شَرْعًا، مِنْ حُصُولِ إِمْلاَكٍ وَاسْتِبَاحَةِ فُرُوجٍ وَانْتِفَاعٍ بِالْمَطْلُوبِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُرَادَ بِالْبُطْلاَنِ عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الآْخِرَةِ، وَهُوَ الثَّوَابُ. فَتَكُونُ الْعِبَادَةُ بَاطِلَةً بِالإْطْلاَقِ الأْوَّلِ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا جَزَاءٌ؛ لأِنَّ هَا غَيْرُ مُطَابِقَةٍ لِمُقْتَضَى الأْمْرِ بِهَا، كَالْمُتَعَبِّدِ رِئَاءَ النَّاسِ، فَهِيَ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ

وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ، وَقَدْ تَكُونُ صَحِيحَةً بِالإْطْلاَقِ الأْوَّلِ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ أَيْضًا، كَالْمُتَصَدِّقِ بِالصَّدَقَةِ يُتْبِعُهَا بِالْمَنِّ وَالأْذَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأْذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ).

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلإْقْدَامِ عَلَى تَصَرُّفٍ بَاطِلٍ مَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ:

7 - الإْقْدَامُ عَلَى فِعْلٍ بَاطِلٍ - مَعَ الْعِلْمِ بِبُطْلاَنِهِ - حَرَامٌ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ؛ لاِرْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ بِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوعَ؛ لأِنَّ  الْبُطْلاَنَ وَصْفٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ، كَالصَّلاَةِ بِدُونِ طَهَارَةٍ، وَالأْكْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَمْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُعَامَلاَتِ، كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَكَالاِسْتِئْجَارِ عَلَى النَّوْحِ، وَكَرَهْنِ الْخَمْرِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ، وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ، أَمْ كَانَ فِي النِّكَاحِ، كَنِكَاحِ الأْمِّ وَالْبِنْتِ.

وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الْفَاسِدَ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ بَعْضَ الأْحْكَامِ  - كَإِفَادَتِهِ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ مَثَلاً - إِلاَّ أَنَّ الإْقْدَامَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، وَيَجِبُ فَسْخُهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى دَفْعًا لِلْفَسَادِ؛ لأِنَّ  فِعْلَهُ مَعْصِيَةٌ، فَعَلَى الْعَاقِدِ التَّوْبَةُ مِنْهُ بِفَسْخِهِ.

وَيُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الإِْقْدَامِ عَلَى التَّصَرُّفِ الْبَاطِلِ حَالَةُ الضَّرُورَةِ، كَالْمُضْطَرِّ يَشْتَرِي الْمَيْتَةَ.

هَذَا فِيمَنْ يُقْدِمُ عَلَى الْبَاطِلِ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلاَنِهِ.

8 - وَأَمَّا الإْقْدَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ الْبَاطِلِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ، فَهَذَا يَشْمَلُ النَّاسِيَ وَالْجَاهِلَ. وَالأْصْلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَاهِلِ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، فَمَنْ بَاعَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الْبَيْعِ، وَمَنْ آجَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الإْجَارَةِ، وَمَنْ صَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الصَّلاَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ مَا يُرِيدُ الإْقْدَامَ عَلَيْهِ، لقوله تعالي : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)  فَلاَ يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي شَيْءٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَهُ، فَيَكُونُ طَلَبُ الْعِلْمِ وَاجِبًا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ.

وَتَرْكُ التَّعَلُّمِ مَعْصِيَةٌ يُؤَاخَذُ بِهَا.

أَمَّا الْمُؤَاخَذَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّصَرُّفِ الَّذِي وَقَعَ بَاطِلاً مَعَ الْجَهْلِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ: أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ تَسَامَحَ فِي جَهَالاَتٍ فِي الشَّرِيعَةِ، فَعَفَا عَنْ مُرْتَكِبِهَا، وَأَخَذَ بِجَهَالاَتٍ، فَلَمْ يَعْفُ عَنْ مُرْتَكِبِهَا. وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيلِ مُصْطَلَحَ (جَهْلٌ، نِسْيَانٌ).

الإْنْكَارُ عَلَى مَنْ فَعَلَ الْبَاطِلَ:

9 - إِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُتَّفَقًا عَلَى بُطْلاَنِهِ، فَإِنْكَارُهُ وَاجِبٌ عَلَى مُسْلِمٍ. أَمَّا إِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَلاَ إِنْكَارَ فِيهِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الإْنْكَارُ مِنَ الْمُنْكِرِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا اجْتُمِعَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلاَ إِنْكَارَ فِيهِ؛ لأِنَّ  كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أَوِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَلاَ نَعْلَمُهُ، وَلَمْ يَزَلِ الْخِلاَفُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي الْفُرُوعِ، وَلاَ يُنْكِرُ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ أَمْرًا مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا خَالَفَ نَصًّا، أَوْ إِجْمَاعًا قَطْعِيًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ لاَ يَرَى تَحْرِيمَهُ، فَإِنْ كَانَ يَرَاهُ فَالأْصَحُّ الإْنْكَارُ.

وَفِي كُلِّ ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (إِنْكَار، أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، اجْتِهَاد، تَقْلِيد، اخْتِلاَف، إِفْتَاء، رُخْصَة).

الاِخْتِلاَفُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ:

10 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ فِي التَّصَرُّفَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ، كَالصَّلاَةِ مَعَ تَرْكِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، أَوْ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا، أَمْ كَانَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ، كَالْعَقْدِ عَلَى إِحْدَى الْمَحَارِمِ، أَمْ كَانَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالشِّرَاءِ بِالْخَمْرِ، وَالْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا، فَكُلٌّ مِنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ يُوصَفُ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي يَقَعُ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ لَمْ يَعْتَبِرْهُ، وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ أَيَّ أَثَرٍ مِنَ الآْثَارِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْفِعْلِ الصَّحِيحِ.

فَالْجُمْهُورُ يُطْلِقُونَهُمَا، وَيُرِيدُونَ بِهِمَا مَعْنًى وَاحِدًا، وَهُوَ: وُقُوعُ الْفِعْلِ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْخِلاَفُ رَاجِعًا إِلَى فَوَاتِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْفِعْلِ، أَمْ رَاجِعًا إِلَى فَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمْ - عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ - يُوَافِقُونَ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّ الْبُطْلاَنَ وَالْفَسَادَ مُتَرَادِفَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَاتِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَامَلاَتِ، فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ الْجُمْهُورَ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، وَيَجْعَلُونَ لِلْفَسَادِ مَعْنًى يُخَالِفُ مَعْنَى الْبُطْلاَنِ، وَيَقُومُ هَذَا التَّفْرِيقُ عَلَى أَسَاسِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَصْلِ الْعَقْدِ وَوَصْفِهِ.

فَأَصْلُ الْعَقْدِ هُوَ أَرْكَانُهُ وَشَرَائِطُ انْعِقَادِهِ، مِنْ أَهْلِيَّةِ الْعَاقِدِ وَمَحَلِّيَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِمَا، كَالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ... وَهَكَذَا.

أَمَّا وَصْفُ الْعَقْدِ، فَهِيَ شُرُوطُ الصِّحَّةِ، وَهِيَ الْعَنَاصِرُ الْمُكَمِّلَةُ لِلْعَقْدِ، كَخُلُوِّهِ عَنِ الرِّبَا، وَعَنْ شَرْطٍ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَعَنِ الْغَرَرِ وَالضَّرَرِ.

وَعَلَى هَذَا الأْسَاسِ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا حَصَلَ خَلَلٌ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ - بِأَنْ تَخَلَّفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ، أَوْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِهِ - كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلاً، وَلاَ وُجُودَ لَهُ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيُّ أَثَرٍ دُنْيَوِيٍّ؛ لأِنَّ هُ لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ إِلاَّ مِنَ الأْهْلِ فِي الْمَحَلِّ، وَيَكُونُ الْعَقْدُ فَائِتَ الْمَعْنَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ فَحَسْبُ، إِمَّا لاِنْعِدَامِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، أَوْ لاِنْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْمُتَصَرِّفِ كَالْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنَ الْمَجْنُونِ أَوِ الصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يَعْقِلُ.

أَمَّا إِذَا كَانَ أَصْلُ الْعَقْدِ سَالِمًا مِنَ الْخَلَلِ، وَحَصَلَ خَلَلٌ فِي الْوَصْفِ، بِأَنِ اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، أَوْ رِبًا، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ فَاسِدًا لاَ بَاطِلاً، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الآْثَارِ دُونَ بَعْضٍ.

11 - وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الاِخْتِلاَفِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ، يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلاَفِ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ فِي أَثَرِ النَّهْيِ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْعَمَلِ اللاَّزِمَةِ لَهُ، كَالنَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا أَوْ شَرْطٍ فَاسِدٍ.

فَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَقْتَضِي بُطْلاَنَ كُلٍّ مِنَ الْوَصْفِ وَالأْصْلِ، كَأَثَرِ النَّهْيِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ وَحَقِيقَتِهِ، وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِوَصْفٍ لاَزِمٍ لَهُ اسْمَ الْفَاسِدِ أَوِ الْبَاطِلِ، وَلاَ يُرَتِّبُونَ عَلَيْهِ أَيَّ أَثَرٍ مِنَ الآْثَارِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَيْعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الرِّبَا، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، أَوْ نَحْوِ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِلِ عِنْدَهُمْ أَوِ الْفَاسِدِ.

وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَقْتَضِي بُطْلاَنَ الْوَصْفِ فَقَطْ، أَمَّا أَصْلُ الْعَمَلِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ بِخِلاَفِ النَّهْيِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ وَحَقِيقَتِهِ، وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِوَصْفٍ لاَزِمٍ لَهُ اسْمَ الْفَاسِدِ لاَ الْبَاطِلِ، وَيُرَتِّبُونَ عَلَيْهِ بَعْضَ الآْثَارِ دُونَ بَعْضٍ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَيْعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الرِّبَا، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ قَبِيلِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُمْ، لاَ مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِلِ.

12 - وَقَدِ اسْتَدَلَّ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ، أَهَمُّهَا مَا يَأْتِي:

أَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مَتَى خَالَفَ أَمْرَ الشَّارِعِ صَارَ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي نَظَرِهِ، فَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الأْحْكَامُ الَّتِي يَقْصِدُهَا مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمُخَالَفَةُ رَاجِعَةً إِلَى ذَاتِ الْعَمَلِ وَحَقِيقَتِهِ، أَمْ إِلَى وَصْفٍ مِنَ الأْوْصَافِ اللاَّزِمَةِ لَهُ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمُ اسْتَنَدُوا إِلَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ وَضَعَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ أَسْبَابًا لأِحْكَامٍ  تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَإِذَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا لِوَصْفٍ مِنَ الأْوْصَافِ اللاَّزِمَةِ لَهُ، كَانَ النَّهْيُ مُقْتَضِيًا بُطْلاَنَ هَذَا الْوَصْفِ فَقَطْ؛ لأِنَّ  النَّهْيَ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِ، فَيَقْتَصِرُ أَثَرُهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ هَذَا الْوَصْفِ مُخِلًّا بِحَقِيقَةِ التَّصَرُّفِ الْمَوْصُوفِ بِهِ، بَقِيَتْ حَقِيقَتُهُ قَائِمَةً، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُقْتَضَاهُ. فَإِذَا كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بَيْعًا مَثَلاً، وَوُجِدَتْ حَقِيقَتُهُ بِوُجُودِ رُكْنِهِ وَمَحَلِّهِ، ثَبَتَ الْمِلْكُ بِهِ نَظَرًا لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ، وَوَجَبَ فَسْخُهُ نَظَرًا لِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ الْجَانِبَيْنِ، وَإِعْطَاءُ كُلٍّ مِنْهَا حُكْمَهُ اللاَّئِقَ بِهِ. إِلاَّ أَنَّ الْعِبَادَاتِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الاِمْتِثَالَ وَالطَّاعَةَ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ هَذَا إِلاَّ إِذَا لَمْ تَحْصُلْ فِيهَا مُخَالَفَةٌ مَا، لاَ فِي الأْصْلِ وَلاَ فِي الْوَصْفِ، كَانَتْ مُخَالَفَةُ أَمْرِ الشَّارِعِ فِيهَا مُقْتَضِيَةً لِلْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ هَذِهِ الْمُخَالَفَةُ رَاجِعَةً إِلَى ذَاتِ الْعِبَادَةِ، أَمْ إِلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا اللاَّزِمَةِ.

بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَذْكُرَ أَنَّ الْجُمْهُورَ وَإِنْ كَانُوا لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ - عَلَى مَا جَاءَ فِي قَوَاعِدِهِمُ الْعَامَّةِ - إِلاَّ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ وُجُودُ الْخِلاَفِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ نُصُوصِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنَ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ، أَوْ لِلتَّفْرِقَةِ فِي مَسَائِلِ الدَّلِيلِ كَمَا يَقُولُ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهِ.

تَجَزُّؤُ الْبُطْلاَنِ:

13 - الْمُرَادُ بِتَجَزُّؤِ الْبُطْلاَنِ: أَنْ يَشْمَلَ التَّصَرُّفَ عَلَى مَا يَجُوزُ وَمَا لاَ يَجُوزُ، فَيَكُونُ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ بَاطِلاً.

وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا يُسَمَّى بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا يَجُوزُ وَمَا لاَ يَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ.

وَأَهَمُّ الصُّوَرِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْبَيْعِ وَهِيَ.

14 - عَقْدُ الْبَيْعِ إِذَا كَانَ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ بَاطِلاً، كَبَيْعِ الْعَصِيرِ وَالْخَمْرِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمُذَكَّاةِ وَالْمَيْتَةِ، فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ - عَدَا ابْنِ الْقَصَّارِ مِنْهُمْ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ (وَادَّعَى فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ)، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ.

وَذَلِكَ لأِنَّهُ مَتَى بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْبَعْضِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ؛ لأِنَّ  الصَّفْقَةَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ، أَوْ لِتَغْلِيبِ الْحَرَامِ عَلَى الْحَلاَلِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا، أَوْ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ.

 وَالْقَوْلُ الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ - قَالُوا: وَهُوَ الأْظْهَرُ - وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَجْزِئَةُ الصَّفْقَةِ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيمَا يَجُوزُ، وَيَبْطُلُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ  الإْبْطَالَ فِي الْكُلِّ لِبُطْلاَنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِ الْكُلِّ لِصِحَّةِ أَحَدِهِمَا، فَيَبْقَيَانِ عَلَى حُكْمِهِمَا، وَيَصِحُّ فِيمَا يَجُوزُ وَيَبْطُلُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ عُيِّنَ ابْتِدَاءً لِكُلِّ شِقٍّ حِصَّتُهُ مِنَ الثَّمَنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نُعْتَبَرُ الصَّفْقَةُ صَفْقَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، تَجُوزُ فِيهِمَا التَّجْزِئَةُ، فَتَصِحُّ وَاحِدَةٌ، وَتَبْطُلُ الأْخْرَى.

وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ مَوْقُوفًا، كَالْجَمْعِ بَيْنَ مَا يَمْلِكُهُ وَمَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ، وَبَيْعِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِيهِمَا وَيَلْزَمُ فِي مِلْكِهِ، وَيَقِفُ اللاَّزِمُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى إِجَازَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ عَدَا زُفَرَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَاعِدَةِ عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً، وَجَوَازِ ذَلِكَ بَقَاءً. وَعِنْدَ زُفَرَ: يَبْطُلُ الْجَمِيعُ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَالْمَجْمُوعُ لاَ يَتَجَزَّأُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَجْرِي الْخِلاَفُ السَّابِقُ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ فِي الأْصَحِّ.

15 - كَذَلِكَ تَجْرِي التَّجْزِئَةُ فِي النِّكَاحِ، فَلَوْ جُمِعَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَيْنَ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لاَ تَحِلُّ، كَمُسْلِمَةٍ وَوَثَنِيَّةٍ، صَحَّ نِكَاحُ الْحَلاَلِ اتِّفَاقًا، وَبَطَلَ فِي مَنْ لاَ تَحِلُّ.

 أَمَّا لَوْ جُمِعَ بَيْنَ خَمْسٍ، أَوْ بَيْنَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ؛ لأِنَّ  الْمُحَرَّمَ الْجَمْعُ، لاَ إِحْدَاهُنَّ أَوْ إِحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَإِنَّمَا يَجْرِي خِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا لَوْ جُمِعَ بَيْنَ أَمَةٍ وَحُرَّةٍ مَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَبْطُلُ فِيهِمَا، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ صَحَّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الأْمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَالْحُكْمُ فِي سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَامَلاَتِ كَالإْجَارَةِ وَغَيْرِهَا كَالْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ عَقَدَ الْفُقَهَاءُ فَصْلاً لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا مِنْ تَصَرُّفَاتٍ. انْظُرْ (تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ).

بُطْلاَنُ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ بُطْلاَنَ مَا فِي ضِمْنِهِ وَمَا بُنِيَ عَلَيْهِ:

16 - مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الأْشْبَاهِ: إِذَا بَطَلَ الشَّيْءُ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إِذَا بَطَلَ الْمُتَضَمِّنُ (بِالْكَسْرِ) بَطَلَ الْمُتَضَمَّنُ (بِالْفَتْحِ) وَأَوْرَدَ لِذَلِكَ عِدَّةَ أَمْثِلَةٍ مِنْهَا:

أ - لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ دَمِي بِأَلْفٍ، فَقَتَلَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلاَ يُعْتَبَرُ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنَ الإْذْنِ بِقَتْلِهِ.

ب - التَّعَاطِي ضِمْنَ عَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ لاَ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ.

ج - لَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ أَقَرَّ لَهُ ضِمْنَ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَسَدَ الإْبْرَاءُ.

د - لَوْ جَدَّدَ النِّكَاحَ لِمَنْكُوحَتِهِ بِمَهْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لأِنَّ  النِّكَاحَ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ، فَلَمْ يَلْزَمْ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنَ الْمَهْرِ.

إِلاَّ أَنَّ أَغْلَبَ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ تُجْرِي الْقَاعِدَةَ عَلَى الْفَسَادِ لاَ عَلَى الْبُطْلاَنِ؛ لأِنَّ  الْبَاطِلَ مَعْدُومٌ شَرْعًا أَصْلاً وَوَصْفًا، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَتَضَمَّنُ شَيْئًا، أَمَّا الْفَاسِدُ فَهُوَ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الأْصْلِ، فَلَمْ يَكُنْ مَعْدُومًا بِأَصْلِهِ فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمَّنًا، فَإِنْ فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ.

17 - هَذَا وَالْمَذَاهِبُ الأْخْرَى - وَهِيَ الَّتِي لاَ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ - تَسِيرُ عَلَى هَذَا النَّهْجِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا. فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: الْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ، إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْمَأْذُونِ، صَحَّتْ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ إِذَا أَفْسَدْنَاهَا فَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ، صَحَّ لِوُجُودِ الإْذْنِ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مَعَ شَرْطِ عِوَضٍ فَاسِدٍ لِلْوَكِيلِ، فَالإْذْنُ صَحِيحٌ وَالْعِوَضُ فَاسِدٌ.

وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ: الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا نُفُوذَ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا بِالإْذْنِ. ثُمَّ يُفَرِّقُ بَيْنَ الإْذْنِ فِي الْبَيْعِ - وَهُوَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ - وَبَيْنَ الإْذْنِ فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، فَيَقُولُ: الْبَيْعُ وُضِعَ لِنَقْلِ الْمِلْكِ لاَ لِلإْذْنِ، وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ تُسْتَفَادُ مِنَ الْمِلْكِ لاَ مِنَ الإْذْنِ، بِخِلاَفِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلإْذْنِ.

وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا تَصَرَّفَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ؛ لأِنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ بَقِيَ الإْذْنُ، فَمَلَكَ بِهِ التَّصَرُّفَ.

وَقَوَاعِدُ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تَأْبَى ذَلِكَ.

هَذِهِ هِيَ قَاعِدَةُ التَّضَمُّنِ. لَكِنْ هُنَاكَ قَاعِدَةٌ أُخْرَى شَبِيهَةٌ بِهَا، وَهِيَ: إِذَا سَقَطَ الأْصْلُ سَقَطَ الْفَرْعُ، وَمِنْهَا: التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ، وَقَدْ مَثَّلَ الْفُقَهَاءُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ مِنَ الدَّيْنِ، فَكَمَا أَنَّهُ يَبْرَأُ الْمَدِينُ يَبْرَأُ مِنْهُ الْكَفِيلُ أَيْضًا؛ لأِنَّ  الْمَدِينَ فِي الدَّيْنِ أَصْلٌ، وَالْكَفِيلَ فَرْعٌ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  التاسع ، الصفحة /  233

آثَارُ الْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ:

149 - إِنَّ الأْصْلَ  فِي النَّهْيِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ الْبُطْلاَنُ، فَيَجْرِي عَلَى هَذَا الأْصْلِ إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى مَا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَقَطْ، أَمَّا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي الْوَصْفِ اللاَّزِمِ، فَلاَ ضَرُورَةَ لِلْخُرُوجِ عَلَى الأْصْلِ، وَلاَ فِي أَنْ لاَ يَجْرِي النَّهْيُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ الْبُطْلاَنُ؛ لأِنَّ بُطْلاَنَ الْوَصْفِ اللاَّزِمِ يُوجِبُ بُطْلاَنَ الأْصْلِ، بِخِلاَفِ الْمُجَاوِرِ لِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِلاَزِمٍ.

ب - وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الأْصْلُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا صَحِيحًا شَرْعًا، فَيَجْرِي النَّهْيُ عَلَى هَذَا الأْصْلِ، إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ عِنْدَهُمْ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَوْ فِي جُزْئِهِ فَقَطْ، أَمَّا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي وَصْفٍ لاَزِمٍ، فَلاَ ضَرُورَةَ فِي الْخُرُوجِ عَلَى الأْصْلِ، وَلاَ فِي أَنْ لاَ يَجْرِيَ النَّهْيُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ الصِّحَّةُ؛ لأِنَّ صِحَّةَ الأْجْزَاءِ وَالشُّرُوطِ فِيهِ كَافِيَةٌ لِصِحَّةِ الشَّيْءِ، وَتَرْجِيحُ الصِّحَّةِ بِصِحَّةِ الأْجْزَاءِ أَوْلَى مِنْ تَرْجِيحِ الْبُطْلاَنِ بِالْوَصْفِ الْخَارِجِيِّ، وَإِذَا لَمْ تَكُنِ الضَّرُورَةُ قَائِمَةً، يَجْرِي النَّهْيُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَوْجُودًا شَرْعًا، أَيْ صَحِيحًا  .

الْفَرْقُ بَيْنَ الاِصْطِلاَحَاتِ الثَّلاَثَةِ: الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ وَالصِّحَّةِ:

150 - اتَّضَحَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْجُمْهُورَ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَبَيْنَ الْبُطْلاَنِ، خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ.

فَالصِّحَّةُ هُنَا - فِي الْعُقُودِ، وَمِنْهَا الْبَيْعُ - تَقْتَضِي بِأَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ سَبَبًا لِتَرَتُّبِ آثَارِهِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ شَرْعًا، كَالْبَيْعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِلْكِ.

أَمَّا الْبُطْلاَنُ، فَمَعْنَاهُ تَخَلُّفُ الأْحْكَامِ عَنِ الْعُقُودِ، وَخُرُوجُ الْعُقُودِ عَنْ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا مُفِيدَةً لِلأْحْكَامِ.

وَالْفَسَادُ يُرَادِفُ الْبُطْلاَنَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ قِسْمٌ ثَالِثٌ مُغَايِرٌ لِلصَّحِيحِ فَهُوَ: مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ. بِخِلاَفِ الْبَاطِلِ، فَهُوَ مَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ  .

فَيَسْتَوِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَيْعُ الْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَبَيْعُ الأْجِنَّةِ وَالْمَيْتَاتِ فِي الْبُطْلاَنِ: كَبَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ، وَكَبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَبَيْعِ الْعِينَةِ، وَالْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا، وَالْبَيْعِ بِالشَّرْطِ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْبُيُوعِ كُلِّهَا أَيُّ أَثَرٍ لَهَا.

لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ مُفَصِّلِينَ: بِبُطْلاَنِ بَيْعِ الْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ وَالأَْجِنَّةِ وَالْمَيْتَاتِ، لاِنْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالرُّكْنِيَّةِ كَالْجُمْهُورِ، وَهَذَا هُوَ عَدَمُ مَشْرُوعِيَّةِ الأْصْلِ بِتَعْبِيرِهِمْ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَيُّ أَثَرٍ.

وَبِفَسَادِ الْبَاقِيَاتِ، لاَ بِبُطْلاَنِهَا:

أ - فَفِي الْبَيْعِ بِشَرْطٍ مَثَلاً النَّهْيُ رَاجِعٌ لِلشَّرْطِ، فَيَبْقَى أَصْلُ الْعَقْدِ صَحِيحًا، مُفِيدًا لِلْمِلْكِ، لَكِنْ بِصِفَةِ الْفَسَادِ وَالْحُرْمَةِ، فَالشَّرْطُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْبَيْعِ، لاَزِمٌ لَهُ لِكَوْنِهِ مَشْرُوطًا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ  .

ب - وَفِي الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا يَقُولُونَ: إِنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمُبَادَلَةُ الْمَالِيَّةُ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا مَوْجُودَةٌ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا، لَكِنْ لَمْ تُوجَدِ الْمُبَادَلَةُ التَّامَّةُ، فَأَصْلُ الْمُبَادَلَةِ حَاصِلٌ، لاَ وَصْفُهَا، وَهُوَ كَوْنُهَا تَامَّةً  .

وَهَذَا بِخِلاَفِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالأْجِنَّةِ، لأِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَلاَ مُتَقَوَّمَةً، فَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلاً.

وَفِيمَا يَلِي أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ - مِنْ وَجِهَةِ نَظَرِ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ قَرَّرُوهُ - ثُمَّ أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ.

أَوَّلاً: أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

151 - لاَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ الْبَاطِلُ أَصْلاً، وَلَيْسَ لَهُ وُجُودٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَلاَ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَلاَ حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ أَصْلاً؛ لأِنَّ الْحُكْمَ لِلْمَوْجُودِ، وَلاَ وُجُودَ لِهَذَا الْبَيْعِ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ؛ لأِنَّ التَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لاَ وُجُودَ لَهُ بِدُونِ الأْهْلِ يَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ شَرْعًا، إِذْ لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ الْحَقِيقِيِّ إِلاَّ مِنَ الأْهْلِ  فِي الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ نَحْوُ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ وَبَيْعِ الْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ وَكُلِّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.

وَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَفِي ضَمَانِهِ خِلاَفٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

أ - قِيلَ: لاَ يُضْمَنُ، لأِنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْعَقْدَ إِذَا بَطَلَ بَقِيَ مُجَرَّدُ الْقَبْضِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَهُوَ لاَ يُضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الدُّرَرِ.

وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ  .

ب - وَقِيلَ: يَكُونُ مَضْمُونًا، لأِنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ.

وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ، لأِنَّهُ لاَ يَكُونُ أَدْنَى حَالاً مِنَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ.

وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا قَوْلُ الصَّاحِبِينَ. وَفِي الْقُنْيَةِ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ، لِكَوْنِهِ قَبَضَهُ لَنَفْسِهِ فَشَابَهُ الْغَصْبُ، وَفِي الدُّرِّ: قِيلَ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى  . وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ: (الْبَيْعُ الْبَاطِلُ).

ثَانِيًا: أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

152 - يَنْبَنِي عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِدَّةُ آثَارٍ هِيَ: انْتِقَالُ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَعَدَمُ طِيبِ الرِّبْحِ النَّاشِئِ مِنَ الْمَبِيعِ، وَقَبُولُهُ لِلتَّصْحِيحِ، وَضَمَانُ الْمَبِيعِ بِالْهَلاَكِ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهِ. وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ هَذِهِ الآْثَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي مُصْطَلَحِ: (الْبَيْعُ الْفَاسِدُ).

هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

أَمَّا أَحْكَامُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَهِيَ أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ لِعَدَمِ تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَهُمَا، وَانْظُرْ فِي مُصْطَلَحِ: (الْبَيْعُ الْبَاطِلُ).

ثَالِثًا: أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ:

153 - حُكْمُ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ: الْمَنْعُ شَرْعًا وَتَرَتُّبُ الإْثْمِ، وَلَكِنَّهُ مَعَ هَذَا صَحِيحٌ. لأِنَّ النَّهْيَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مُجَاوِرٍ لِلْبَيْعِ، لاَ فِي صُلْبِهِ، وَلاَ فِي شَرَائِطِ صِحَّتِهِ، وَمِثْلُ هَذَا النَّهْيِ لاَ يُوجِبُ الْفَسَادَ، بَلِ الْكَرَاهِيَةَ.

فَالْبَيْعُ عِنْدَ الأْذَانِ لِلْجُمُعَةِ، وَبَيْعُ النَّجْشِ، وَبَيْعُ الإْنْسَانِ  عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَسَوْمُهُ عَلَى سَوْمِهِ، وَنَحْوُهَا بُيُوعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَهِيَ - كَمَا يَقُولُ الْحَصْكَفِيُّ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، لَكِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَيْسَتْ بَاطِلَةً، مَعَ النَّهْيِ عَنْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، إِلاَّ فِي رِوَايَاتٍ عَنِ الإْمَامِ  أَحْمَدَ - رحمه الله  تعالي  - وَذَلِكَ لأِنَّ النَّهْيَ لاَ يَرْجِعُ إِلَى ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلاَ إِلَى شَرَائِطِ الصِّحَّةِ، بَلْ إِلَى مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ  .

154 - وَمِنْ أَهَمِّ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ:

أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.

وَأَنَّهُ يُمْلَكُ فِيهِ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ.

وَأَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الثَّمَنُ، لاَ الْقِيمَةُ.

وَأَنَّهُ لاَ يَجِبُ فَسْخُهُ.

وَقِيلَ: إِنَّ فَسْخَهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، صَوْنًا لَهُمَا عَنِ الْمَحْظُورِ، وَلأِنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ.

وَوَفَّقَ ابْنُ عَابِدِينَ - رحمه الله تعالي  - بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا دِيَانَةً. بِخِلاَفِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّهُمَا إِذَا أَصَرَّا عَلَيْهِ يَفْسَخُهُ الْقَاضِي جَبْرًا عَلَيْهَا، وَوَجَّهَهُ أَنَّ الْبَيْعَ هُنَا صَحِيحٌ، فَلاَ يَلِي الْقَاضِي فَسْخَهُ لِحُصُولِ الْمِلْكِ الصَّحِيحِ  .

لَكِنْ قَرَّرَ ابْنُ جُزَيٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ إِذَا كَانَ النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِمَحْظُورٍ خَارِجٍ عَنْ بَابِ الْبُيُوعِ، كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ، فَهَذَا لاَ يُفْسَخُ، فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ.

وَإِذَا كَانَ النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ، وَلَمْ يُخَلَّ فِيهِ بِشَرْطٍ مُشْتَرَطٍ فِي صِحَّةِ الْبُيُوعِ، كَالْبَيْعِ وَقْتَ الْجُمُعَةِ، وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَتَلَقِّي الْجَلَبِ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ: فَقِيلَ يُفْسَخُ. وَقِيلَ: لاَ يُفْسَخُ، وَقِيلَ: يُفْسَخُ إِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ قَائِمَةً  .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والثلاثون ، الصفحة /  119

أَسْبَابُ الْفَسَادِ فِي الْمُعَامَلاَتِ:

6 -لاَ يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ كَالصَّلاَةِ بِدُونِ طَهَارَةٍ، أَمْ فِي النِّكَاحِ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، أَمْ فِي عُقُودِ الْمُعَامَلاَتِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ - ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ يَدُلاَّنِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ وَقَعَ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ الأْثَرَ ال الَّذِي رَتَّبَهُ عَلَى الْفِعْلِ الصَّحِيحِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَأَسْبَابُ الْفَسَادِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هِيَ أَسْبَابُ الْبُطْلاَنِ، وَهِيَ تَرْجِعُ إِلَى الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْفِعْلِ، أَوْ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ، أَوْ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنِ الْوَصْفِ الْمُلاَزِمِ لِلْفِعْلِ، أَوْ عَنِ الْوَصْفِ الْمُجَاوِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .

يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: أَسْبَابُ الْفَسَادِ الْعَامَّةُ فِي الْبَيْعِ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: تَحْرِيمُ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَالثَّانِي: الرِّبَا، وَالثَّالِثُ: الْغَرَرُ، وَالرَّابِعُ: الشُّرُوطُ الَّتِي تَئُولُ إِلَى أَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ لِمَجْمُوعِهِمَا .

وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي الْمُعَامَلاَتِ، عَلَى أَسَاسِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَصْلِ الْعَقْدِ وَوَصْفِهِ.

وَأَسْبَابُ الْبُطْلاَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ حُدُوثُ خَلَلٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، بِأَنْ تَخَلَّفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.

أَمَّا أَسْبَابُ الْفَسَادِ، فَهِيَ حُدُوثُ خَلَلٍ فِي وَصْفِ الْعَقْدِ مَعَ سَلاَمَةِ الْمَاهِيَّةِ، فَإِذَا اخْتَلَّ الْوَصْفُ: بِأَنْ دَخَلَ الْمَحَلَّ شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لاَ بَاطِلٌ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْد) وَفِي الْمُلْحَقِ الأْصُولِيٍ.

 

التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا الْجُمْهُورُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ:

7 -الأْصْلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ:

فَالْمَالِكِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ .

وَالشَّافِعِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي عُقُودٍ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: الْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ عِنْدَنَا، وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ: الْحَجَّ وَالْخُلْعَ وَالْكِتَابَةَ وَالْعَارِيَّةَ .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي الْوَكَالَةِ وَالإْجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ .

قَالَ ابْنُ اللَّحَّامِ الْحَنْبَلِيُّ: الْبُطْلاَنُ وَالْفَسَادُ عِنْدَنَا مُتَرَادِفَانِ... ثُمَّ قَالَ: إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَذَكَرَ أَصْحَابُنَا مَسَائِلَ فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً لِلْمَسَائِلِ الَّتِي فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُلْحَقِ الأْصُوليَِ .

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَسَادِ مِنْ أَحْكَامٍ:

8- يَتَعَلَّقُ بِالْفَسَادِ أَحْكَامٌ أَوْرَدَهَا الْفُقَهَاءُ فِي صُورَةِ قَوَاعِدَ فِقْهِيَّةٍ أَوْ أَحْكَامٍ لِلْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ، مِنْهَا:

أَوَّلاً - فَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ:

9-هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، وَعَبَّرَ عَنْهَا ابْنُ نُجَيْمٍ بِلَفْظٍ آخَرَ هُوَ: (الْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ) وَوَضَّحُوا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فَقَالُوا: يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا، وَيَجِبُ قَطْعُهَا لِلْحَالِ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ إِلَى وَقْتِ الإْدْرَاكِ  بَطَلَتِ الإْجَارَةُ؛ لأِنَّهُ لاَ تَعَامُلَ فِي إِجَارَةِ الأْشْجَارِ  الْمُجَرَّدَةِ، فَلاَ يَجُوزُ، وَطَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ - وَهِيَ مَا زَادَ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ - وَذَلِكَ لِبَقَاءِ الإْذْنِ.

وَلَوِ اسْتَأْجَرَ الأْرْضَ  إِلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ - أَيْ إِلَى وَقْتِ إِدْرَاكِهِ - فَسَدَتِ الإْجَارَةُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَلَمْ تَطِبِ الزِّيَادَةُ لِفَسَادِ الإْذْنِ بِفَسَادِ الإْجَارَةِ ، وَفَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ، بِخِلاَفِ الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ مَعْدُومٌ شَرْعًا أَصْلاً وَوَصْفًا فَلاَ يَتَضَمَّنُ شَيْئًا، فَكَانَتْ مُبَاشَرَتُهُ عِبَارَةً عَنِ الإْذْنِ.

وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفَاسِدَ لَهُ وُجُودٌ؛ لأِنَّهُ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الأْصْلِ ، فَكَانَ الإْذْنُ  ثَابِتًا فِي ضِمْنِهِ، فَيَفْسُدُ، أَمَّا الْبَاطِلُ فَلاَ وُجُودَ لَهُ أَصْلاً، فَلَمْ يُوجَدْ إِلاَّ الإْذْنُ .

وَفِي حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الإْذْنِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ الإْجَارَةِ  الْبَاطِلَةِ وَبَيْنَهُ فِي ضِمْنِ الإْجَارَةِ  الْفَاسِدَةِ: أَنَّ الإْذْنَ  فِي الإْجَارَةِ  الْبَاطِلَةِ صَارَ أَصْلاً مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ؛ لأِنَّ  الْبَاطِلَ لاَ وُجُودَ لَهُ، وَالْمَعْدُومَ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الإْجَارَةُ الْفَاسِدَةُ، لأِنَّ  الْفَاسِدَ لَيْسَ مَعْدُومًا بِأَصْلِهِ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا، فَإِذَا فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ .

وَالْحُكْمُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَظْهَرُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي يُفَرِّقُونَ فِيهَا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ، كَالْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ، مِثْلِ الشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْوَكَالَةِ، فَهَذِهِ الْعُقُودُ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ لِبَقَاءِ الإْذْنِ.

فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: الْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْمَأْذُونِ صَحَّتْ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ إِذَا أَفْسَدْنَاهَا فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ، صَحَّ لِوُجُودِ الإْذْنِ، وَطَرَدَهُ الإْمَامُ فِي سَائِرِ صُوَرِ الْفَسَادِ .

وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ: الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا نُفُوذَ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالإْذْنِ .

وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا تَصَرَّفَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ لأِنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ بَقِيَ الإْذْنُ ، فَمَلَكَ بِهِ التَّصَرُّفَ .

وَقَوَاعِدُ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تَأْبَى ذَلِكَ .

ثَانِيًا - الْمِلْكُ:

10-التَّصَرُّفُ الْفَاسِدُ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

أَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ كَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ: الْفَاسِدُ لاَ يُمْلَكُ فِيهِ شَيْءٌ، وَيَلْزَمُهُ الرَّدُّ وَمُؤْنَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْبَدَلِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ إِنْ عَلِمَ الْفَسَادَ، وَكَذَا إِنْ جَهِلَ فِي الأْصَحِّ.

وَيُسْتَثْنَى صُورَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ فِيهَا أَكْسَابَهُ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا صَالَحْنَا كَافِرًا بِمَالٍ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ، فَدَخَلَ وَأَقَامَ، فَإِنَّا نَمْلِكُ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ .

وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مِلْكٌ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ، وَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِبَيْعٍ وَلاَ هِبَةٍ وَلاَ عِتْقٍ وَلاَ غَيْرِهِ .

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ الْفَاسِدَ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَهُمْ بِالْقَبْضِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَيَمْلِكُ الْقَابِضُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مِلْكٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، لأِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْفَسْخِ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَلِذَلِكَ فَهُوَ مَضْمُونٌ .

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الأْصْلُ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْلَكُ بِبَيْعٍ جَائِزٍ يُمْلَكُ بِفَاسِدٍ، فَلَوْ شَرَى قِنًّا بِخَمْرٍ - وَهُمَا مُسْلِمَانِ - مَلَكَ الْقِنَّ مُشْتَرِيهِ بِقَبْضِهِ بِإِذْنٍ، وَلاَ يَمْلِكُ الْبَائِعُ الْخَمْرَ .

وَالْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، وَبِهِ يُفْتَى، وَهِيَ مَضْمُونَةٌ .

وَالْمَقْبُوضُ بِالْقِسْمَةِ الْفَاسِدَةِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ وَيَنْفُذُ التَّصَرُّفُ، كَالْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَتَقَرَّرُ الْمِلْكُ فِي الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِالْفَوَاتِ:

يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ: الْبُيُوعُ الْفَاسِدَةُ عِنْدَ مَالِكٍ تَنْقَسِمُ إِلَى مُحَرَّمَةٍ وَإِلَى مَكْرُوهَةٍ: فَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ فَإِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ مَضَتْ بِالْقِيمَةِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهَةُ فَإِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ صَحَّتْ عِنْدَهُ، وَرُبَّمَا صَحَّ عِنْدَهُ بَعْضُ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بِالْقَبْضِ، لِخِفَّةِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ .

ثَالِثًا - الضَّمَانُ:

11 -يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةَ تُرَدُّ إِلَى حُكْمِ صَحِيحِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، فَإِنِ اقْتَضَى التَّصَرُّفُ الصَّحِيحُ الضَّمَانَ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ، وَإِنِ اقْتَضَى عَدَمَ الضَّمَانِ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ .

وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَاعِدَةٌ شَبِيهَةٌ بِمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ: الأْصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا قُبِضَ بِجِهَةِ التَّمَلُّكِ ضُمِنَ، وَكُلَّ مَا قُبِضَ لاَ بِجِهَةِ التَّمَلُّكِ لَمْ يُضْمَنْ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَمَان ف 35، وَمَا بَعْدَهَا).

رَابِعًا - سُقُوطُ الْمُسَمَّى فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ:

12 - الْوَاجِبُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا تَسْمِيَةُ نَحْوِ الأْجْرِ  أَوِ الرِّبْحِ أَوِ الْمَهْرِ، هُوَ الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ، فَإِنَّ الْمُسَمَّى يَسْقُطُ، وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ إِذَا سَقَطَ الْمُسَمَّى  وَمِنْ ذَلِكَ:

أ - الإْجَارَةُ:

13 - إِذَا فَسَدَتِ الإْجَارَةُ وَاسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، أَيْ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَزِيدَ عَنِ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي: (إِجَارَة ف 43 - 44).

ب - الْمُضَارَبَةُ:

14 -الْوَاجِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ هُوَ الرِّبْحُ الْمُسَمَّى لِلْمُضَارِبِ، فَإِذَا فَسَدَتِ الْمُضَارَبَةُ فَلاَ يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ الرِّبْحَ الْمُسَمَّى، لأِنَّهَا  تَسْمِيَةٌ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ إِذَا عَمِلَ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ جَمِيعُهُ لِرَبِّ الْمَالِ، لأِنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ.

وَالْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَرَبِحَتِ الْمُضَارَبَةُ أَمْ لَمْ تَرْبَحْ، لأِنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ، فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَهِيَ الأْجْرَةُ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرَ أَبِي يُوسُفَ - وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ غَيْرَ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ .

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا لِلْمُضَارِبِ قِرَاضَ الْمِثْلِ فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ، وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ فِيمَا عَدَاهَا، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ضَابِطٌ، هُوَ: كُلُّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِرَاضِ مِنْ أَصْلِهَا فَفِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إِنْ شَمَلَهَا الْقِرَاضُ، لَكِنِ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ، فَفِيهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (مُضَارَبَة)

ج - النِّكَاحُ:

15 - الْمَهْرُ يَسْقُطُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ - سَوَاءٌ اتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ أَمْ لاَ - إِذَا حَصَلَ التَّفْرِيقُ قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .

 هَذَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا نِصْفُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، كَمَا إِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَضَاعًا مُحَرِّمًا بِلاَ بَيِّنَةٍ، وَكَذَّبَتْهُ الزَّوْجَةُ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .

وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِالدُّخُولِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» .

فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم لَهَا الْمَهْرَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَعَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَاجِبِ مِنَ الْمَهْرِ، هَلْ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوِ الأْقَلُّ  مِنْهُمَا؟ فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرَ زُفَرَ - لَهَا الأْقَلُّ  مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَمِنَ الْمُسَمَّى.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَهَا الْمُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى كَنِكَاحِ الشِّغَارِ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَهَا الْمُسَمَّى فِي الْفَاسِدِ (وَهُوَ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ) وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْبَاطِلِ (وَهُوَ مَا اتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ) .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (مَهْر - نِكَاح).

خَامِسًا: الْفَسَادُ فِي الأْشْيَاءِ  الْمَادِّيَّةِ:

16 - يَرِدُ الْفَسَادُ فِي الأْشْيَاءِ  الْمَادِّيَّةِ كَعَطَبِ الأْطْعِمَةِ، وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ إِيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، كَمَا فِي الرَّهْنِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْتِقَاطُهَا، أَوْ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُهَا عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ - رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ:

17 -ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ إِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ، كَرُطَبٍ وَعِنَبٍ يَتَجَفَّفَانِ، فَإِنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ وَلَكِنْ رُهِنَ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ لَكِنَّهُ يَحِلُّ قَبْلَ الْفَسَادِ وَلَوِ احْتِمَالاً جَازَ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ وَرُهِنَ بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ بَعْدَ فَسَادِهِ أَوْ مَعَهُ، لَمْ يَجُزْ إِلاَّ إِنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ، وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ رَهْنًا.

وَلَوْ رُهِنَ مَا لاَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ فَحَدَثَ قَبْلَ الأْجَلِ  مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ - كَحِنْطَةٍ ابْتَلَتْ وَتَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا - لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ، بَلْ يُبَاعُ وُجُوبًا وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ إِصْلاَحُهُ بِالتَّجْفِيفِ كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، أَوْ لاَ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ كَالْبِطِّيخِ وَالطَّبِيخِ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ مِمَّا يُجَفَّفُ، فَعَلَى الرَّاهِنِ تَجْفِيفُهُ، لأِنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ حِفْظِهِ وَتَبْقِيَتِهِ، فَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ كَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يُجَفَّفُ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ كَانَ حَالًّا، أَوْ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لاَ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، جُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، سَوَاءٌ شُرِطَ فِي الرَّهْنِ بَيْعُهُ أَوْ أُطْلِقَ، لأِنَّ  الْعُرْفَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، لأِنَّ  الْمَالِكَ لاَ يُعَرِّضُ مِلْكَهُ لِلتَّلَفِ وَالْهَلاَكِ، فَإِذَا تَعَيَّنَ حِفْظُهُ فِي بَيْعِهِ حُمِلَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، كَتَجْفِيفِ مَا يَجِفُّ، وَأَمَّا إِذَا شَرَطَ أَنْ لاَ يُبَاعَ فَلاَ يَصِحُّ، لأِنَّهُ شَرَطَ مَا يَتَضَمَّنُ فَسَادَهُ وَفَوَاتَ الْمَقْصُودِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لاَ يُجَفَّفَ مَا يَجِفُّ.

وَفِي وَجْهٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ أَطْلَقَ لاَ يَصِحُّ.

وَإِذَا شَرَطَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعَهُ، أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ الرَّاهِنُ أَوْ غَيْرُهُ، بَاعَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَجَعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا، وَلاَ يُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ، لأِنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَعْجِيلُ وَفَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ رَهَنَهُ ثِيَابًا يُخَافُ فَسَادُهَا، كَالصُّوفِ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ رَهَنَ ثِيَابًا يُخَافُ فَسَادُهَا كَالصُّوفِ: أَتَى السُّلْطَانَ فَأَمَرَهُ بِبَيْعِهَا .

وَنَقَلَ الْحَصْكَفِيُّ عَنِ الذَّخِيرَةِ: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ ثَمَرَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ خَافَ تَلَفَهَا، لأِنَّ  لَهُ وِلاَيَةَ الْحَبْسِ لاَ الْبَيْعِ، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ إِلَى الْقَاضِي، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُمْكِنُهُ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي أَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِحَالٍ يَفْسُدُ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذَا إِذَا لَمْ يُبِحِ الرَّاهِنُ لَهُ الْبَيْعَ.

وَفِي الْبِيرِيِّ عَنِ الْوَلْوَالِجِيَّةِ: وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَيَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ، قَالَ الْبِيرِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ إِذَا تَدَاعَتْ لِلْخَرَابِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الْمَرْهُونِ إِلاَّ إِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ، فَإِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ جَازَ بَيْعُهُ .

ب - الْتِقَاطُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ:

18 -مَنِ الْتَقَطَ مَا لاَ يَبْقَى وَيَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ، كَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالْفَوَاكِهِ، فَإِنَّهُ يُعَرِّفُهُ إِلَى أَنْ يَخْشَى فَسَادَهُ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ خَوْفًا مِنَ الْفَسَادِ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأْوْلَى  عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: مَنِ الْتَقَطَ شَيْئًا مِمَّا يُسْرِعُ فَسَادُهُ وَلاَ يَبْقَى بِعِلاَجٍ، فَإِنَّ آخِذَهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ: فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ اسْتِقْلاَلاً إِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، وَبِإِذْنِهِ إِنْ وَجَدَهُ وَعَرَّفَ الْمَبِيعَ بَعْدَ بَيْعِهِ لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ فِي الْحَالِ وَأَكَلَهُ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ.

وَإِنْ أَمْكَنَ بَقَاءُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ بِعِلاَجٍ، كَرُطَبٍ يَتَجَفَّفُ، فَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي بَيْعِهِ بِيعَ جَمِيعُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إِنْ وَجَدَهُ، وَإِلاَّ بَاعَهُ اسْتِقْلاَلاً، وَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي تَجْفِيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ لَهُ أَوْ غَيْرُهُ، جَفَّفَهُ، لأِنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ، فَرُوعِيَ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِتَجْفِيفِهِ بِيعَ بَعْضُهُ بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي 

التَّجْفِيفَ لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي، طَلَبًا لِلأْحَظِّ  .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَنِ الْتَقَطَ مَا لاَ يَبْقَى عَامًا وَكَانَ مِمَّا لاَ يَبْقَى بِعِلاَجٍ وَلاَ غَيْرِهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَكْلِهِ وَبَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، فَإِنْ أَكَلَهُ ثَبَتَتِ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ جَازَ، وَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى إِذْنِ الْحَاكِمِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَهُ بَيْعُ الْيَسِيرِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا دَفَعَهُ إِلَى السُّلْطَانِ.

وَإِنْ أَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ حَفِظَ صِفَاتِهِ، ثُمَّ عَرَّفَهُ عَامًا.

وَإِنْ كَانَ مَا الْتَقَطَهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِبْقَاؤُهُ بِالْعِلاَجِ، كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، فَيَنْظُرُ مَا فِيهِ الْحَظُّ لِصَاحِبِهِ: فَإِنْ كَانَ فِي التَّجْفِيفِ جَفَّفَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ ذَلِكَ، وَإِنِ احْتَاجَ التَّجْفِيفُ إِلَى غَرَامَةٍ بَاعَ بَعْضَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ تَعَيَّنَ أَكْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْلُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ فَلَهُ أَكْلُهُ لأِنَّ  الْحَظَّ فِيهِ .

(خامساً) الْمُعَاوَضَاتُ الْفَاسِدَةُ:

38 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الْقَبْضِ نَاقِلاً لِلْمِلْكِيَّةِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ غَيْرَ نَاقِلٍ .

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ كَالْبَاطِلِ، لاَ يَنْعَقِدُ أَصْلاً، وَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بَتَاتًا، سَوَاءٌ قَبَضَ الْعَاقِدُ الْبَدَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ مِلْكِيَّةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَنْتَقِلُ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْفَاسِدِ بِقَبْضِهِ بِرِضَا صَاحِبِهِ، وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ .

________________________________________________________________

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 217)
العقد الصحيح الذي يظهر أثره بانعقاده هو العقد المشروع ذاتاً ووصفاً.
والمراد بمشروعية ذاته ووصفه أن يكون ركنه صادراً من أهله مضافاً إلى محل قابل لحكمه وأن تكون أوصافه صحيحة سالمة من الخلل وأن يكون مقروناً بشرط من الشروط المفسدة للعقد.
(مادة 218)
العقد الفاسد هو ما كان مشروعاً بأصله لا يوصفه أي أنه يكون صحيحاً باعتبار أصله لا خلل في ركنه ولا في محله فاسداً باعتبار بعض أوصافه الخارجة بأن يكون المعقود عليه أو بدله مجهولاً جهالة فاحشة أو يكون العقد خالياً عن الفائدة أو يكون مقروناً بشرط من الشرائط الموجبة لفساد العقد والعقد الفاسد لا يفيد الملك في المعقود عليه إلا بقبضه برضا صاحبه.
(مادة 219)
العقد الباطل هو ما ليس مشروعاً لا أصلاً ولا وصفاً أي ما كان في ركنه أو في محله خلل بأن كان الإيجاب والقبول صادرين ممن ليس أهلاً للعقد أو كان المحل غير قابل لحكم العقد.
وهو لا ينعقد أصلاً ولا يفيد الملك في الأعيان المالية ولو بالقبض.

(مادة 317)
إذا كان خيار التعيين للبائع وهلك أحد الشيئين في يده كان له أن يلزم المشتري بالثاني فإن هلكا معاً بطل العقد.

(مادة 339)
البيع الباطل هو ما أورث خللاً في ركن البيع أو في محله.
والبيع الفاسد هو ما أورث خللاً في غير الركن والمحل (وبعبارة أخرى).
البيع الباطل ما لا يكون مشروعاً أصلاً ولا وصفاً والبيع الفاسد ما كان مشروعاً أصلاً لا وصفاً.