loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 260

مذكرة المشروع التمهيدي :

اقتبس المشروع أحكام المادة 202 من التقنيات الجرمانية، ومن بينها التقنين الألماني وتقنين الالتزامات السويسري والتقنين البولوني بوجه خاص ( أنظر أيضاً المادتين 327 / 308 من التقنيين التونسي والمراكشي ) وهي تعرض لانتقام العقد عندما يرد البطلان المطلق أو النسي على شق منه فلو فرض أن هية اقترنت بشرط غير مشروع، أو أن بيعاً ورد على عدة أشياء وقع العاقد في غلط جوهري بشأن شيء منها ، في كلتا الحالتين لا يصيب البطلان المطلق أو النفسي من العقد إلا الشق الذي قام به سببه وعلى ذلك يبطل الشرط المقترن بالهبة بطلاناً مطلقاً ، ويبطل البيع فيما يتعلق بالشيء الذي وقع الغلط فيه بطلاناً نسبياً ويظل ما بقي من العقد صحيحاً ، بإعتباره عقداً مستقلاً ، ما لم يقم من يدعي البطلان الدليل على أن الشق الذي بطل بطلاناً مطلقاً أو نسبياً لاينفصل عن جملة التعاقد ( قارن المادة 139 من التقنين الألماني، والمادتين 327 / 308 من التقنيين التونسي والمراكشي وهي تلقي عبء الإثبات على عاتق من يتمسك بصحة ما بقي من أجزاء العقد )

وغني عن البيان أن هذه الأحكام التشريعية ليست إلا مجرد تفسير لإرادة المتعاقدين .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 202 من المشروع.

واقترح إحلال كلمة الإبطال محل كلمة البطلان في موضعين من المادة فوافقت اللجنة على ذلك وأصيح النص النهائي كما يأتي  :

إذا كان العقد في شق منه باطلاً أو قابلاً للإبطال فهذا الشق وحده هو الذي بطل، أما الباقي من العقد فيظل صحيحا باعتباره عقداً مستقلاً إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلاً أو قابلاً للإبطال .

وأصبح رقم المادة 147 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

 وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 147 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة الثانية عشرة

تليت المادة 147 وهذا نصها:

و إذا كان العقد في شق منه باطلاً أو قابلاً للإبطال فهذا الشق وحده هو الذي ببطل أما الباقي من العقد فيظل صحيحاً بإعتباره عقداً منفصلاً إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلاً أو قابلاً للإبطال . 

اعترض سعادة الرئيس على هذا النص قائلاً إنه يحسن أن تحذف العبارة الآتية :

أما الباقي من العقد فيظل صحيحاً بإعتباره عقداً مستقلاً ، من المادة وأن يزاد على آخرها العبارة الآتية، فيبطل العقد كله، لئلا يفهم أن الصحة تسري على العقد وقد وافق على اعتراضه هذا كل من سعادة علوبة باشا وسعادة العشماوي باشا .

 قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على حذف عبارة , أما الباقي من العقد فيظل صحيحاً باعتباره عقداً مستقلاً ، وإضافة عبارة ، فيبطل العقد كله ، إلى آخر المادة تقرير اللجنة حذفت عبارة أما الباقي من العقد فيظل صحيحاً باعتباره عقداً مستقلاً ، لأن هذه العبارة جاءت على سبيل الإيضاح و هي تقرر نتيجة تستخلص في غير عناء من النص نفسه .

وأصبح رقم المادة 143.

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .

الأحكام

1- مفاد نص المادة 143 من القانون المدنى – على ما جرى به قضاء محكمة النقض – أنه إذا لحق البطلان شقاً من عقد ولم يقدم من يدعى بطلان العقد كله الدليل على أن الشق الباطل لا ينفصل عن جملة التعاقد فإن ما بقى من العقد يظل صحيحاً ويقتصر البطلان على الشق الباطل وحده وهو ما يعرف بانتقاص العقد ويستوى فى ذلك أن يكون البطلان الذى لحق بهذا الشق مطلقاً أم نسبياً ويدخل فى نطاق قاعدة انتقاص العقد – تلك – ما يشترط فيه القانون أن يقف عند رقم محدد على أن ينقص ما يزيد على هذا الرقم . لما كان ذلك ، وكان البين من الأوراق أن الورثة المطعون ضدهم ادعوا ببطلان عقود استغلال المصنفات الفنية التى أبرموها ومورثهم مع الشركة الطاعنة لعدم تحديد مدة الاستغلال بها إلا أنهم لم يقدموا الدليل على أن إرادتهم أو إرادة مورثهم قد انصرفت إلى إبرام تلك العقود بقصد تأبيد مدتها وأنهم أو مورثهم ما كانوا يرتضوا إبرامها لو كانت مدتها محددة بما لا يجاوز مدة الحماية القانونية المنصوص عليها فى المادة 20 من قانون حماية حق المؤلف سالف الذكر ومن ثم فإن البطلان لا يصيب من العقد إلا الشق الذى قام به سببه وعلى ذلك يبطل العقد فى شقه الخاص بعدم تحديد مدة الاستغلال بما يدل على أنها مؤبدة ويظل العقد صحيحاً فى حدود المدة المقررة قانوناً لانقضاء حقوق الاستغلال المالى للمصنفات الفنية وهى خمسون عاماً على وفاة المؤلف – مورث المطعون ضدهم أولاً – وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ببطلان عقود الاستغلال المؤرخة 3 /2 /1980 ، 11/ 7 /1982 ، 8 /1984 لعدم تحديد مدتها دون أن يعرض لقصد طرفيها من ذلك فى ضوء الظروف المحيطة بإبرام تلك العقود سيما وأن الشركة الطاعنة تمسكت بتأقيت مدة التعاقد بمدة الحماية القانونية وأن الورثة المطعون ضدهم أعوزهم الدليل على أن الشق الباطل لا ينفصل عن جملة التعاقد فإنه يكون قد شابه القصور المبطل الذى جره إلى مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 11975 لسنة 85 جلسة 2016/12/21)

2- الأصل أن تلتزم المحكمة بالمقدار الذى تلاقت عليه إرادة الطرفين لأن هذا هو ركن العقد الذى تتثبت المحكمة من وجوده وصحته فإذا كانت العين المؤجرة مكاناً قررت له أجرة قانونية فلا يجوز الاتفاق على ما يجاوزها وتعين على المحكمة أن تنتقص من العقد بتعديل مقدار الأجرة إلى الحد الذى رسمه القانون إعمالاً لنصالمادة 143 من القانون المدنى وإذا كان المتعاقدان لم يتفقا على مقدارها أو على كيفية تقديرها أو تعذر إثبات ما اتفقا عليه وجب على المحكمة أن تقدر أجرة المثل عملاً بنص المادة 562 من القانون المدنى .

(الطعن رقم 6985 لسنة 64 جلسة 2003/05/26 س 54 ع 1 ص 868 ق 150)

3- نص المادة 25 من القانون رقم 136 لسنة 1981- يدل-على أن المشرع أراد أن يعالج فى هذا النص القانونى حالات الحظر التى نصت عليه قوانين إيجار الأماكن المختلفة، وللتعرف على قصد المشرع من هذا النص المستحدث يتعين تأصيل حالات البطلان والآثار المترتبة عليه والطريقة التى تعالج بها المشرع حالاته، فالبطلان إما أن يرجع إلى اعتبارات شكلية أو إلى اعتبارات موضوعية ففى الحالة الأولى يكون العقد الذى لا يتوافر ركن الشكل فيه باطلا ولكن بالقدر الذى يتطلبه القانون من الشكل، ولما كان الشكل من صنع القانون فإن القانون هو الذى يعين له الجزاء الكافى فى حالة الإخلال به، أما إذا رجع البطلان إلى اعتبارات موضوعية كما هو الحال فى انعدام أحد أركان العقد الثلاثة الرضا والمحل والسبب فإن هذا البطلان هو الذى يخضع للقواعد العامة وقد عالج المشرع هذا النوع من البطلان بالقواعد المنصوص عليها فى المواد 141،142،143،144 من القانون المدنى وتخلص فى أن العقد الباطل منعدم كأصل ولا ينتج أثرا ولكل ذى مصلحة أن يتمسك به وللمحكمة أن تقضى به فى تلقاء نفسها ولا يزول البطلان بالإجازة وفى حالة البطلان يعاد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل التعاقد وإلا جاز الحكم بالتعويض ويتحول العقد الباطل إلى عقد آخر صحيح إذا توافرت فيه أركان العقد الأخير دون إضافة لأى عنصر جديد إليه إذا تبين المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرامه.

(الطعن رقم 7448 لسنة 63 جلسة 1994/04/14 س 45 ع 1 ص 709 ق 136)

4- لا تناقض فى قضاء الحكم بصحة و نفاذ العقد عن - جزء من الأطيان المبيعة - و إبطاله فيما زاد عن ذلك عملاً بالمادة 143 من القانون المدنى و مقتضاها أنه إذا كان العقد فى شق منه باطلا فهذا الشق وحده هو الذى يبطل إلا إذا تيبن أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذى وقع باطلا و هو ما لم يقيم الدليل عليه باعتباره لا ينفصل عن جملة التعاقد .

(الطعن رقم 110 لسنة 40 جلسة 1976/01/21 س 27 ع 1 ص 257 ق 60)

5- تنص المادة 143 من القانون المدنى على أنه " إذا كان العقد فى شق منه باطلاً أو قابلاً للإبطال ، فهذا الشق وحده هو الذى يبطل ، إلا إذا تبين أن العقد ما كان يتم بغير الشق الذى وقع باطلاً أو قابل للإبطال فيبطل العقد كله " و مفاد ذلك أنه إذا لم يقم من يدعى البطلان الدليل على أن الشق الباطل أو القابل للإبطال لا ينفصل عن جملة التعاقد يظل ما بقى من العقد صحيحاً بإعتباره عقداً مستقلاً و يقتصر البطلان على الشق الباطل وحده ، لما كان ذلك ، و كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعنة إقتصرت فى تمسكها ببطلان عقد الوكالة على مجرد إشتماله على شرط تقدير أجرة الوكالة بنسبة من صافى التركة بعد التصفية على خلاف ما تقضى به المادة 44 من قانون المحاماة رقم 96 لسنة 1957 المنطبق على الواقعة و على شرط جزائى يلزمها بأن تدفع للوكيل مبلغ ... ... ... إذا عزلته فى وقت مناسب فإن بطلان هذين الشرطين أو إحداهما لا يترتب عليه بطلان العقد كله ما دامت هى نفسها لم تقم الدليل على أن الشق الباطل لا ينفصل عن جملة التعاقد و يضحى نعيها ببطلان العقد - فى غير محله .

(الطعن رقم 540 لسنة 42 جلسة 1975/12/31 س 26 ص 1757 ق 328)

6- لا يكفى لإبطال العقد فى شق منه بالتطبيق للمادة 143 من القانون المدنى مع بقائه قائما فى باقى أجزائه ، أن يكون المحل مما يقبل الأنقسام بطبيعته بل يجب أيضا ألا يكون هذا الأنتقاص متعارضا مع قصد المتعاقدين بحيث إذا تبين أن أياً من العاقدين ما كان ليرضى إبرام العقد بغير الشق المعيب فإن البطلان أو الإبطال لابد أن يمتد إلى العقد كله ولا يقتصر على هذا الشق وحده .

(الطعن رقم 404 لسنة 34 جلسة 1968/05/16 س 19 ع 2 ص 954 ق 142)

7- يشترط لتطبيق نظريتى الإنتقاص و التحويل المنصوص عليهما فى المادتين 143 و 144 من القانون المدنى أن يكون العقد فى شق منه أو كله باطلاً أو قابلاً للإبطال . فإذا كان العقد قد علق على شرط لم يتحقق ، فإن مؤدى ذلك هو عدم إعمال حكم المادتين المشار إليهما فى شأنه .

(الطعن رقم 243 لسنة 31 جلسة 1966/06/14 س 17 ع 3 ص 1359 ق 188)

8- مفاد نص المادة السادسة من القانون رقم 121 لسنة 1947 أن الأحكام التى تصدر من دوائر الإيجارات بالمحاكم الإبتدائية بتحديد القيمة الإيجارية طبقاً لتلك المادة لا يترتب عليها سوى بطلان الإتفاق الخاص بالأجرة المسماة فى العقد وردها إلى الحد القانونى دون مساس بشروط العقد الأخرى التى لا مخالفة فيها للقانون فتظل نافذة بين العاقدين منذ نشوء العقد .

(الطعن رقم 65 لسنة 31 جلسة 1966/05/24 س 17 ع 3 ص 1216 ق 167)

شرح خبراء القانون

بطلان شق من العقد :

إذا كان محل العقد غير قابلاً للإنقسام، وبطل شقه منه، شرط أو التزم فإن العقد كله يبطل وقد يتحول لعقد آخر وفقاً للمادة 144 أما إن كان المحل قابلاً للإنقسام وبطل شق من العقد، فإن هذا الشي وحده هو الذي يزول فينتقص من العقد بينما يبقى شق العقد الآخر صحيحاً متى ثبت أن المتعاقدين كانا يقبلان الشق الذي صح وحده دون أن يكون للشق الباطل أثر على قصدهما من التعاقد، أما إن كان المتعاقدان أو أحدهما ما كان يقبل التعاقد بدون الشق الباطل فإن العقد يبطل بأكمله، فأحكام الانتقاص ليست إلا مجرد تفسير لإرادة المتعاقدين .

وتوجب هذه الأحكام المساواة بين المتعاقدين، فإن أبطل حق لأحد المتعاقدين تعين انتقاص التزامات المتعاقد الآخر بقدر الحق الذي أبطل كحالة قرض مبلغ لإمرأة  مقابل معاشرة غير مشروعة، فيترتب على إبطال شرط المعاشرة خفض المبلغ بالقدر المقابل لتلك المعاشرة وراجع بند البطلان في حالة تضمين المحرر أكثر من عقد بالمادة 141.

وإذا كان الشق الباطل تتوفر فيه أركان عقد جديد وفقاً للمادة 144 فإن هذا الشق  يتحول إلى عقد جديد.

ومن تطبيقات النص، الهبة والبيع على نحو ما جاء بالمذكرة الإيضاحية وما يجب أن يقف من التصرفات عند رقم معين، كالإتفاق على سعر فائدة يجاوز 7% والبقاء في حالة الشيوع أكثر من خمس سنوات، أو في ملكية الأسرة أكثر من خمس عشرة سنة وعلى الإبقاء على قسمة مهيأة أكثر من خمس سنوات، وعلى ايجار بما يجاوز الأجرة القانونية وعلى شراء سلعة بما يجاوز سعرها الجبرى، ففي جميع هذه الحالات يطل الاتفاق فيما جاوز الرقم القانوني ويصح بالنسبة للباقين . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/   الثاني  الصفحة/ 661)

انتقاص العقد :

إذا كان العقد الباطل أو القابل للإبطال مكوناً من عدة أجزاء أو من عدة شروط، وكان بعض هذه الأجزاء أو الشروط صحيحاً والبعض الآخر باطلاً فإن النص يأخذ بتجزئة العقد بشروط معينة، فيقتصر البطلان على الجزء الذي تعيب أما الجزء أو الأجزاء الأخرى فتظل صحيحة باعتبارها عقداً مستقلاً .

ويقوم هذا الحكم في جوهره على تفسير لإرادة المتعاقدين، بحيث أنه لو تبين أن تجزئة العقد على هذا النحو تتعارض مع ما قصدت إليه هذه الإرادة فإنه لا يصح انتقاص العقد بمعنى أنه إذا كان الشرط أو الجزء الباطل هو الباعث الدافع للتعاقد فإن العقد يبطل في مجموعة ويكون ذلك إذا ثبت أن الإرادة ما كانت لتنصرف إلى العقد بغير هذا الجزء أو الشرط الذي وقع باطلاً .

ومثال ذلك ما يأتي : -

1- أن يهب رجل امرأته ماله، ويشترط عليها ألا تتزوج من بعده إذا مات مدفوعاً في ذلك بمحض الغيرة فإذا أمكن هنا تجزئه العقد إلى شقين، يقوم أولهما على التبرع بالمال، ويقوم ثانيهما على التزام الزوجة بعدم التزوج ثانية إذا ترملت، صح الشق الأول ، لعدم وجود ما يعيب العقد بالنسبة إليه  وبطل الشق الثاني لمخالفة ما جاء فيه للنظام العام، بسبب تقييده لحرية الزوجة من غير مسوغ يجيزه القانون أما إذا أثبت الزوج أوخلفاؤه من بعده أن العقد كله ما كان ليتم من غير الشق الآخر بأن كان هذا الشق هو الباعث الدافع الذي حث الواهب على إجرائه، بطل كله، حيث يكون العقد هنا قد قام على سبب غير مشروع.

2- أن يشترى شخص بثمن إجمالي واحد عددا من الساعات، معتقداً أنها من الذهب الخالص، ثم يتضح له أنه قد وقع في غلط جوهرى بالنسبة إلى بعض ما اشتراه لكونه من النحاس، فإن أمكن تجزئة العقد إلى شقين يشمل أولهما بيع الساعات التي لم يقع المشتري في الغلط بالنسبة إليها، ويشمل ثانيهما بيع تلك التي داخل المشتري الغلط فيها، انتقص العقد إلى الشق الأول وحده الذي يظل صحيحاً، واقتصر البطلان على الشق الثاني، وذلك ما لم يثبت المشترى أنه ما كان ليبرم الصفقة من غير الساعات التي انصب غلطه عليها.

عبء الإثبات :

المتعاقد الذي يدعى بطلان العقد يقع على عاتقه إثبات أن الشق الباطل أو القابل للإبطال غير منفصل عن جملة التعاقد .

حالات إنقاص العقد الباطل واردة بالقانون :

من أمثلة حالات إنقاص العقد الباطل الواردة بالقانون ما يأتي :

1- إذا اتفق المتعاقدان في عقد القرض على فوائد تزيد على سبعة في المائة وجب تخفيضها إلى سبعة في المائة (م 227 مدنی). "

2- إذا اتفق على البقاء في الشيوع مدة تزيد على خمس سنوات انقضت المدة إلى خمس سنوات (م 846/1 ) .

3- إذا اتفق على إنشاء ملكية الأسرة لمدة تزيد على خمس عشرة سنة أنقصت المدة إلى خمس عشرة سنة ( 852/1 مدني ) .

4-  إذا عقد الحكر لمدة تزيد على ستين سنة اعتبر معقوداً لمدة ستين سنة (م 999 مدني).

5- إذا اتفق في عقد إيجار الأماكن على أجرة تزيد على الحد الجائز بمقتضى القانون رقم 49 لسنة 1977 (المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1981 ) والقوانين السابقة عليه وجب إنقاص الأجرة إلى هذا الحد . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/453)

 

وينطبق هذا النص على القرض بفائدة تجاوز الحد الأقصى للفوائد الاتفاقية ، وعلى ايجار الأطيان الزراعية بأكثر من سبعة أمثال الضريبة وفقاً لقانون الإصلاح الزراعي ، وعلى إيجار الأماكن بأكثر من الحد الأعلى الذي نص عليه قانون إيجار الأماكن ، وعلى شراء السلع المسعرة تسعيراً جبرياً بأكثر من الثمن المعين لها في ذلك التسعير، وعلى الاتفاق على البقاء في الشيوع مدة اكثر من خمس سنوات ، وعلى الإتفاق على قسمة مهايأة لأكثر من خمس سنوات أو على إنشاء ملكية الأسرة لمدة تزيد على خمس عشرة سنة ففي جميع هذه الأمثلة يبطل الإنفاق فيما زاد على الحد القانوني ويصح بالنسبة الى الباقي ولو كان النص الخاص الذي عين ذلك الحد القانوني لم يذكر ذلك ، لأن نص المادة 143 له من صفة العموم ما يجعله ينطبق على جميع الحالات التي تتوافر فيها شروطه.

ويجب على مدعى البطلان أن يثبت أن شق العقد الذي وقع باطلاً لا ينفصل عن جملة التعاقد بحيث أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلاً أو قابلاً للإبطال ، فاذا عجز عن ذلك اقتصر البطلان على هذا الشق وحده ( 66 مكرر).

يشترط لأبطال العقد في ثمق منه بالتطبيق المادة 143 مدنى - مع بقائه قائماً في باقي أجزائه - ألا يتعارض هذا الإنتقاص مع قصد المتعاقدين ، بحيث إذا تبين أن أياً من الإبطال لابد أن يمتد إلى العقد كله ، ولا يقتصر على هذا الشق وحده.

هذه بعض الأموال التي تترتب فيها على العقد الباطل آثاره الأقلية كلها أو بعضها بصفة استثنائية حماية لحسن النية والمراكز الظاهرة ، أو إعمالاً لإرادة المتعاقدين في حدود القانون . (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني   الصفحة/ 453)

يشترط لانتقاص العقد بقصر البطلان على جزء منه دون آخر ألا يتعارض ذلك مع قصد العاقدين بأن يتبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الباطل أو القابل للإبطال كأن يكون هذا الشق هو الشق الرئيسي في العقد ، أو تكون جميع شروط العقد مرتبطة ببعضها بحيث يتعذر فصل أحدها عن الآخر فالعبرة بنية الطرفين دون الإعتداد بقابلية المحل للانقسام يراجع حجازى فى البنود 824  حتى 483 مکرراً - مرقس في نظرية العقد بند 241 - السنهوري بند 305 وما بعده - فتحي عبد الرحيم بند 257 .

ويقع عبء إثبات تعارض الإنتقاص مع قصد العاقدين على عاتق المتمسك بالبطلان . (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003  الصفحة / 886)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة / 57

خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ

التَّعْرِيفُ:

1 - الصَّفْقَةُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ الْمَرَّةِ مِنَ الصَّفْقِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ عَلَى يَدٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى يَدِ آخَرَ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوِ الْبَيْعَةِ. وَكَانَتْ الْعَرَبُ إِذَا وَجَبَ الْبَيْعُ ضَرَبَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَدَهُ عَلَى يَدِ صَاحِبِهِ، فَمِنْ هُنَا اسْتُعْمِلَتِ الصَّفْقَةُ بِمَعْنَى عَقْدِ الْبَيْعِ نَفْسِهِ، يُقَالُ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ، أَيْ بَيْعٌ بَاتٌّ أَوْ بَيْعٌ بِخِيَارٍ. هَذَا عَنِ الصَّفْقَةِ، أَمَّا التَّفْرِيقُ فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّفْسِيرِ اللُّغَوِيِّ لأِنَّ  مَعْنَاهُ - أَوْ مَعَانِيَهُ - كُلَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ مَفْهُومَةٌ وَيَهُمُّنَا مِنْهَا الْمَعْنَى النَّاشِئُ عَنْ إِضَافَةِ لَفْظِ (تَفْرِيقٍ) إِلَى (الصَّفْقَةِ) وَهُوَ مُتَّحِدٌ مَعَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِهَذَا الْمُرَكَّبِ الإْضَافِيِّ  .

وَمَعْنَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الاِصْطِلاَحِ أَنْ لاَ يَتَنَاوَلَ حُكْمُ الْعَقْدِ جَمِيعَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ يَتَنَاوَلَهُ ثُمَّ يَنْحَسِرُ عَنْهُ. فَتَكُونُ الصَّفْقَةُ الْوَاحِدَةُ الْمُجْتَمِعَةُ قَدْ تَفَرَّقَتْ أَوْ تَبَعَّضَتْ أَوْ تَجَزَّأَتْ وَبِكُلِّ هَذِهِ الْمُتَرَادِفَاتِ يُعَبِّرُ الْفُقَهَاءُ فَيُسَمُّونَهُ (تَفَرُّقَ الصَّفْقَةِ) أَوْ (تَبْعِيضَهَا) أَوْ (تَجَزُّؤَهَا).

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - تَعَدُّدُ الصَّفْقَةِ:

2 - التَّفْرِيقُ لاَ يُتَصَوَّرُ إِلاَّ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَمْيِيزُ الصَّفْقَةِ عَنِ الصَّفْقَتَيْنِ يَسْتَبْهِمُ أَحْيَانًا لاَ سِيَّمَا فِي حَالِ الْجَمْعِ بَيْنَ سِلْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، إِذْ لَيْسَ التَّعْوِيلُ عَلَى الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، بَلْ عَلَى حَقِيقَةِ التَّعَدُّدِ بِالاِعْتِبَارِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدِ اعْتَنَى الشَّافِعِيَّةُ بِبَيَانِ ضَابِطِ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ أَوْ تَعَدُّدِهَا  

فَالصَّفْقَةُ تَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ عَلَى شَيْئَيْنِ بِيعَا مَعًا، عِنْدَ الأْخْذِ  مِنَ الْمُبْتَدِئِ بِالْعَقْدِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَكَرَّرَ التَّفْصِيلُ فِي الْقَبُولِ، عَلَى الأْصَحِّ، وَكَذَلِكَ تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْعَاقِدِ مُطْلَقًا، بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا، وَمِثَالُ تَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ قَوْلُ اثْنَيْنِ لِوَاحِدٍ: بِعْنَاكَ هَذَا بِكَذَا - وَالْمَبِيعُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا - فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِيهِمَا، فَهُمَا صَفْقَتَانِ، وَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ مَثَلاً. وَمِثَالُ تَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ لاِثْنَيْنِ: بِعْتُكُمَا هَذَا بِكَذَا. أَوْ يَقُولَ اثْنَانِ لِوَاحِدٍ: اشْتَرَيْنَا مِنْكَ هَذَا بِكَذَا .

فَالتَّفْرِيقُ الْمُسْتَوْجِبُ خِيَارًا هُوَ مَا يَقَعُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ فِي صَفْقَةٍ لَمْ يَتَعَدَّدْ عَاقِدُهَا مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ، وَلاَ فُصِّلَ فِيهَا الثَّمَنُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمُتَعَدِّدِ.

ب - الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ:

3 - الْمُرَادُ بِالْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ: هُوَ جَمْعُ بَيْعَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَتَسْمِيَةُ ذَلِكَ الْعَقْدِ بَيْعَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الثَّمَنِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صُورَتِهَا وَبَيَانُ أَحْكَامِهَا عَلَى أَقْوَالٍ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ).

تَقْسِيمٌ وَأَحْكَامٌ مُوجَزَةٌ:

4 - تَعَرَّضَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ تَوَصُّلاً لِحَالَةِ هَلاَكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَحَسْبُ، حِينَ عَدَّدُوا الْخِيَارَاتِ، فَلَمْ يُفْرِدُوهُ بِاسْمِ الْخِيَارِ بَلْ قَرَنُوا التَّفَرُّقَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ . ثُمَّ اسْتَعْرَضُوا أَحْكَامَ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ فِي رَدِّ الْمَعِيبِ بِاسْتِقْصَاءٍ دُونَ أَنْ يَجْعَلُوا مِنْهُ خِيَارًا، بَلْ رَأَوْهُ عَيْبًا يَلْزَمُ عَنْ رَدِّ بَعْضِ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ وَيَجِبُ حِمَايَةُ الْبَائِعِ مِنْ تَحَمُّلِهِ 

وَلَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ اخْتَلَفُوا بِحَالَةِ الاِسْتِحْقَاقِ وَتَنَاوَلُوا أَحْكَامَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.

وَقَدْ قَسَّمَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ تَعَدُّدَ الصَّفْقَةِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: فِي الاِبْتِدَاءِ، أَوْ فِي الدَّوَامِ، أَوْ فِي اخْتِلاَفِ الأْحْكَامِ. وَالَّذِي فِي الاِبْتِدَاءِ كُلُّهُ ذُو سَبَبٍ شَرْعِيٍّ، وَعَكْسُهُ الَّذِي فِي الدَّوَامِ فَسَبَبُهُ حِسِّيٌّ. وَالتَّقْسِيمُ بِحَسَبِ السَّبَبِ أَلْيَقُ لِقِيَامِ الْخِيَارَاتِ بِطَرِيقَيْنِ، إِرَادِيٍّ وَحُكْمِيٍّ وَلِكَثْرَةٍ تَسْمِيَةِ الْخِيَارَاتِ بِأَسْبَابِهَا. أَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي دَعَوْهُ «الاِخْتِلاَفَ فِي الأْحْكَامِ» وَمَثَّلُوا لَهُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ عَقْدَيْنِ: بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، أَوْ إِجَارَةٍ وَسَلَمٍ، فَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَيْسَ قِسْمًا بِرَأْسِهِ بَلْ هُوَ تَقْسِيمٌ دَاخِلِيٌّ لِلتَّفْرِيقِ فِي الاِبْتِدَاءِ. وَلِذَا لَمْ يُبْرِزْهُ ابْنُ حَجَرٍ كَقِسْمٍ ثَالِثٍ بَلْ أَوْرَدَهُ بِصُورَةِ مَسَائِلَ، وَلَمْ يُدْرِكَ (الشَّرْوَانِيُّ) مُرَادَهُ فَنَبَّهَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى أَنَّهُ ثَالِثُ الأْقْسَامِ  .

ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ صُوَرًا ثَلاَثًا لِلصَّفْقَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَحْدَةِ مُشْتَمَلاَتِهَا وَتَعَدُّدِهَا وَلاَ صِلَةَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِالصُّورَةِ الأْولَى ، الَّتِي هِيَ بَيْعُ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ، أَمَّا الصُّورَتَانِ الأْخْرَيَانِ فَهُمَا:

1 - بَيْعُ الْجَمِيعِ فِيمَا يَمْلِكُ بَعْضَهُ.

2 - بَيْعُ الْمُتَقَوِّمِ مَعَ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ.

وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ أَحْكَامُهُمَا وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، وَلِذَا لُوحِظَ أَحْيَانًا جَمْعُهُمَا تَحْتَ عِنْوَانٍ وَاحِدٍ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَابِلَةِ، يُعَبَّرُ عَنْهُ أَحْيَانًا: (بِاشْتِمَالِ الصَّفْقَةِ عَلَى شَيْئَيْنِ مِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِالإْجْزَاءِ).

وَالْمِثَالاَنِ الْمُهِمَّانِ هُمَا:

أ - بَيْعُ مِلْكِهِ وَمِلْكِ غَيْرِهِ.

ب - بَيْعُ خَلٍّ وَخَمْرٍ، وَنَحْوِهِمَا.

أَمَّا مَا لاَ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَفِيهِ رِوَايَتَانِ لَدَى الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلاَنِ لِلشَّافِعِيِّ، وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ كَمْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي مِنَ الثَّمَنِ إِنْ أَجَازَ الْعَقْدَ، أَصَحُّهُمَا حِصَّةُ الْمَمْلُوكِ فَقَطْ إِذَا وَزَّعَ الْقِيمَتَيْنِ وَأَثْبَتُوا لَهُ الْخِيَارَ إِنْ صَحَّحُوا الْعَقْدَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ بِالصِّحَّةِ فِي مِلْكِهِ، وَالتَّوَقُّفِ فِي الْبَاقِي عَلَى الإْجَازَةِ . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: «وَالْقَوْلُ بِالْفَسَادِ فِي هَذَا الْقِسْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَظْهَرُ. وَالْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ إِذَا جُمِعَتْ مَا يَجُوزُ وَمَا لاَ يَجُوزُ كَالْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ، إِلاَّ أَنَّ الظَّاهِرَ فِيهَا الصِّحَّةُ، لأِنَّ هَا لَيْسَتْ عُقُودَ مُعَاوَضَةٍ، فَلاَ تُوجَدُ جَهَالَةُ الْعِوَضِ فِيهَا» .

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ، إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحَالِ فَلاَ خِيَارَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإْمْسَاكِ. وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ لأِنَّهُ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِقِسْطِهِ.

وَجْهُ انْتِفَاءِ الْخِيَارِ فِي حَالِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، أَمَّا فِي حَالِ الْجَهْلِ فَالسَّبَبُ لِلْخِيَارِ قَائِمٌ «لأِنَّ  الصَّفْقَةَ تَبَعَّضَتْ عَلَيْهِ» .

ثُمَّ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ، أَوِ الإْمْسَاكِ بِلاَ أَرْشٍ، إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّفْرِيقُ يُنْقِصُ الْقِسْمَ الْبَاقِيَ مِنَ الصَّفْقَةِ بِأَنْ تَقِلَّ قِيمَتُهُ بِالْبَيْعِ مُنْفَرِدًا كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ .

وَأَحْيَانًا أُخْرَى بِاشْتِمَالِ الصَّفْقَةِ عَلَى شَيْئَيْنِ مِمَّا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِالأْجْزَاءِ، كَدَابَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ، وَفِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الصِّحَّةُ فِي مِلْكِهِ فَقَطْ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ وَالْفَسَادُ فِيمَا لاَ يَمْلِكُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِي - وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ - عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيهِمَا. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَالأْوْلَى أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا يَمْلِكُهُ .

وَمُسْتَنَدُ فَسَادِ الصَّفْقَةِ كُلِّهَا: أَنَّهَا جَمَعَتْ حَلاَلاً وَحَرَامًا فَغَلَبَ التَّحْرِيمُ، لأِنَّ  الصَّفْقَةَ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهَا فِي جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَطَلَتْ فِي الْكُلِّ.

وَمُسْتَنَدُ الصِّحَّةِ فِي الْجُزْءِ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حُكْمٌ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ،  وَلأِنَّ  جَائِزَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا قَدْ صَدَرَ فِيهِ الْبَيْعُ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ بِشَرْطِهِ فَصَحَّ، وَالْبَيْعُ سَبَبٌ اقْتَضَى الْحُكْمَ فِي مَحَلَّيْنِ وَامْتَنَعَ حُكْمُهُ فِي أَحَدِهِمَا فَيَصِحُّ فِي الآْخَرِ .

مُوجِبُ خِيَارَاتِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ:

5 - يَنْحَصِرُ اسْتِعْمَالُ الْخِيَارِ فِي الإْجَازَةِ وَالْفَسْخِ، فَيُنْظَرُ اخْتِيَارُهُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْفَسْخَ فَلاَ إِشْكَالَ فِي اسْتِرْدَادِهِ الثَّمَنَ كُلَّهُ، أَمَّا إِذَا اخْتَارَ إِمْضَاءَ الْعَقْدِ فِي الْبَاقِي فَكَمْ يَدْفَعُ؟ هَلْ كُلَّ الثَّمَنِ - وَفِيهِ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ - بِنَاءً عَلَى إِلْحَاقِ الطَّارِئِ بِالْمُقَارَنِ.

أَمْ يَلْزَمُهُ قِسْطُ الْبَاقِي مِنَ الثَّمَنِ - وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ وَالأْصَحُّ عِنْدَهُمْ - لأِنَّ  الْعِوَضَ هُنَا قَدْ قَابَلَ الْمَبِيعَيْنِ (أَوْ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ الْوَاحِدِ) مُقَابَلَةً صَحِيحَةً حَالَ الْعَقْدِ وَانْقَسَمَ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا فَلاَ يَتَغَيَّرُ بِهَلاَكِ بَعْضِهِ أَوِ اسْتِحْقَاقِهِ .

وَيَنْشَأُ تَفَرُّقُ الصَّفْقَةِ الْمُسْتَوْجِبُ خِيَارًا - فِي كَثِيرٍ مِنَ الأْحْيَانِ - عَنْ خِيَارِ الْعَيْبِ، وَعِنْدَمَا يُؤْثِرُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ. لَكِنَّ الشَّارِعَ يَمْنَعُ ذَلِكَ تَفَادِيًا لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ.

وَقَدْ فَصَّلَ الْكَاسَانِيُّ الْحَالاَتِ الَّتِي يَنْشَأُ عَنِ الرَّدِّ لِلْمَعِيبِ فِيهَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ حُكْمَهَا جَمِيعَهَا الْمَنْعُ بِاسْتِثْنَاءِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ أَشْيَاءَ حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلاَّ زُفَرَ . -

6 - وَلِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ صُوَرٌ مُخْتَلِفَةٌ، لَكِنَّ طَابَعَ الْخِيَارَاتِ يَبْرُزُ فِي صُورَتَيْنِ، هُمَا: صُورَةُ الاِسْتِحْقَاقِ الْجُزْئِيِّ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (وَفِي حُكْمِهِ: انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِ شَيْئَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ).

وَصُورَةُ الْهَلاَكِ الْجُزْئِيِّ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، (وَمِنْ صُوَرِهِ انْقِطَاعُ بَعْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ مَحِلِّ الأْجَلِ).

أَوَّلاً: خِيَارُ الاِسْتِحْقَاقِ الْجُزْئِيِّ:

7 - الاِسْتِحْقَاقُ (فِي عَقْدِ الْبَيْعِ) هُوَ ظُهُورُ كَوْنِ الْمَبِيعِ حَقًّا وَاجِبًا لِلْغَيْرِ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقٌ كُلِّيٌّ أَوْ جُزْئِيٌّ.

فَالاِسْتِحْقَاقُ الْكُلِّيُّ (وَهُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَبِيعِ كُلِّهِ) يَجْعَلُ الْعَقْدَ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ، وَلاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِظُهُورِ الاِسْتِحْقَاقِ وَلاَ بِالْقَضَاءِ بِهِ، بَلْ يَظَلُّ مَوْقُوفًا إِلَى أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، بِحَيْثُ لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَمَا قُضِيَ لَهُ، أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ يَصِحُّ، عَلَى مَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ .

أَمَّا الاِسْتِحْقَاقُ الْجُزْئِيُّ فَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَى بَعْضِ الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ ظَهَرَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهِ، وَلاَ فَرْقَ فِي كَوْنِ الْمُسْتَحَقِّ هُوَ الْجُزْءُ الْمَقْبُوضُ أَوْ غَيْرُهُ.

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الاِسْتِحْقَاقَ الْجُزْئِيَّ إِمَّا أَنْ يَظْهَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِمَّا بَعْدَهُ: فَإِذَا اسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ - وَالْمُرَادُ قَبْضُ الْكُلِّ، فَلاَ عِبْرَةَ بِقَبْضِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُقْبَضْ - فَحُكْمُ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِذَا لَمْ يُجِزِ الْمُسْتَحِقُّ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهِ، وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ، أَمَّا الْبَاقِي فَلِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ: إِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ. وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ اسْتِحْقَاقُ مَا اسْتَحَقَّ يُوجِبُ الْعَيْبَ فِي الْبَاقِي أَوْ لاَ يُوجِبُ.

وَالْوَجْهُ فِي بُطْلاَنِ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ السِّلْعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ: التَّبَيُّنُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ الْبَائِعِ، وَلَمَّا لَمْ تُوجَدَ الإْجَازَةُ  مِنَ الْمَالِكِ - وَتَلاَهُ اسْتِرْجَاعُ الْمُشْتَرِي لِلثَّمَنِ - انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ.

أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْبَاقِي فَلِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَامِ، وَتَمَامُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ الرِّضَا بِالْقَبْضِ - وَهُوَ لَمْ يَحْصُلْ - فَكَانَ ظُهُورُ الاِسْتِحْقَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُفَرِّقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا فَلَهُ خِيَارُ الرَّدِّ .

وَإِذَا ظَهَرَ الاِسْتِحْقَاقُ الْجُزْئِيُّ بَعْدَ الْقَبْضِ، كَانَ حُكْمُ الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ مُمَاثِلاً لِمَا سَبَقَ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَيَفْتَرِقُ حُكْمُهُ بِحَسَبِ كَوْنِ الْمَبِيعِ يَتَعَيَّبُ بِالاِسْتِحْقَاقِ أَوْ لاَ.

فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ، وَكَانَ شَيْئًا وَاحِدًا حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا، كَالدَّارِ وَالْكَرْمِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهَا، أَوْ كَانَ شَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، كَمِصْرَاعَيِ الْبَابِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَعْضِ يَقْتَضِي الْخِيَارَ فِي الْبَاقِي، لأِنَّ  الاِسْتِحْقَاقَ أَوْجَبَ عَيْبًا فِي الْبَاقِي، هُوَ عَيْبُ الشَّرِكَةِ فِي الأْعْيَانِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى كَالدَّارَيْنِ أَوِ الثَّوْبَيْنِ، أَوْ كَانَ مِنَ الْمَكِيلاَتِ أَوِ الْمَوْزُونَاتِ، كَصُبْرَةِ قَمْحٍ، أَوْ جُمْلَةِ وَزْنِيٍّ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَعْضِ لاَ يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارًا بَلْ يَلْزَمُهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، لأِنَّهُ لاَ ضَرَرَ فِي التَّبْعِيضِ. وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ، دَفْعًا لِضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ .

أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ صُورَتَهَا فِي قَوْلِهِ: «إِنْسَانٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ أَرْضًا مُشْتَمِلَةً عَلَى نَخْلٍ، ثُمَّ تَقَايَلاَ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ بُطْلاَنَ الإْقَالَةِ، وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ بِذَلِكَ بِشَرْطِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ مِنَ الأْرْضِ الْمَذْكُورَةِ مَغْرَسَ نَخْلَةٍ مِنَ النَّخْلِ الْمَذْكُورِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْبَائِعِ حِينَ الْبَيْعِ.

فَهَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ بِهَا، وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ، فَهَلْ يَمْنَعُ خِيَارَهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ الْمَغْرَسُ الْمَذْكُورُ وَإِعْطَائِهَا لَهُ، أَوْ إِعْطَاءِ مُسْتَحِقِّهَا إِيَّاهَا لِلْمُشْتَرِي، أَوْ لاَ؟» وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ بِذَلِكَ، لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.

وَلَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْمَغْرَسِ (غَيْرُ الْبَائِعِ) هِبَتَهُ لِلْمُشْتَرِي لاَ يَسْقُطُ بِذَلِكَ خِيَارُهُ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَمَّا الْخَفِيُّ فَهُوَ مَا إِذَا مَلَكَ الْبَائِعُ ذَلِكَ الْمَغْرَسَ، وَلَمَّا عُلِمَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَهَبَهُ لَهُ - أَوْ أَعْرَض عَنْهُ - فَهَذَا يَتَرَدَّدُ فِيهِ النَّظَرُ. وَعَلَى هَذَا دَلاَلاَتٌ مِنْ نُصُوصِ الْفُقَهَاءِ .

خِيَارُ الْهَلاَكِ الْجُزْئِيِّ:

8 - فِي الْهَلاَكِ الْجُزْئِيِّ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، قَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الإْمْضَاءِ وَالرَّدِّ، لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.

وَهَذَا أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ حَالاَتِ الْهَلاَكِ الْمُتَنَوِّعَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى السَّبَبِ، ثُمَّ تَخْتَلِفُ كَيْفِيَّةُ الإْمْضَاءِ (بَعْدَ اسْتِبْعَادِ حَالَةِ هَلاَكِهِ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ حَيْثُ يَسْتَوِي حُكْمُهَا وَحُكْمُ الْهَلاَكِ الْكُلِّيِّ مِنَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الإْمْضَاءِ وَتَضْمِينِ الْمُتَعَدِّي أَوِ الْفَسْخِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الأَجْنَبِيِّ وَالْبَائِعِ) وَالتَّفَاوُتُ فِي الْحُكْمِ ذُو حَالَتَيْنِ: الْهَلاَكُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ، وَفِيهَا يَسْقُطُ مِنَ الثَّمَنِ قَدْرُ النَّقْصِ، سَوَاءٌ كَانَ نَقْصَ قَدْرٍ، أَوْ نُقْصَانَ وَصْفٍ. وَالْهَلاَكُ بِسَبَبٍ سَمَاوِيٍّ، أَوْ بِفِعْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَيْثُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ. فَمَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، يُطْرَحُ مِنَ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْفَائِتِ إِنْ كَانَ النَّقْصُ فِي الْقَدْرِ. أَمَّا إِنْ كَانَ نُقْصَانَ وَصْفٍ فَلاَ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ «وَالْمُرَادُ بِالْوَصْفِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ بِلاَ ذِكْرٍ كَالأْشْجَارِ وَالْبِنَاءِ فِي الأْرْضِ، وَالأْطْرَافِ فِي الْحَيَوَانِ، وَالْجَوْدَةِ فِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ» .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَلِفَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، قَبْلَ الْقَبْضِ، يُفْسَخُ الْعَقْدُ فِي التَّالِفِ بِلاَ خِلاَفٍ.

أَمَّا فِي الْبَاقِي فَلَهُمْ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْخِلاَفِ فِيمَنْ بَاعَ مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ؛ لأِنَّ  مَا يَحْدُثُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ فِي حَالِ الْعَقْدِ فِي إِبْطَالِ الْعَقْدِ، وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لاَ يَنْفَسِخُ لِعَدَمِ عِلَّتَيِ الْفَسَادِ هُنَاكَ.

فَإِذَا قِيلَ بِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ فِي الْبَاقِي، لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَالأْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ إِلاَّ قِسْطُ الْبَاقِي، لأِنَّ  الْعِوَضَ هُنَا قَابَلَ الْمَبِيعَيْنِ مُقَابَلَةً صَحِيحَةً حَالَ الْعَقْدِ وَانْقَسَمَ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا فَلاَ يَتَغَيَّرُ بِهَلاَكِ بَعْضِهِ.

هَذَا إِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَلِفَ الآْخَرُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَفِي الاِنْفِسَاخِ فِي الْمَقْبُوضِ خِلاَفٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الصُّورَةِ السَّابِقَةِ، وَأَوْلَى بِعَدَمِ الاِنْفِسَاخِ لِتَلَفِهِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. وَإِذَا قِيلَ بِعَدَمِ الاِنْفِسَاخِ، فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا نَعَمْ، وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ إِنْ كَانَ سَلَّمَهُ، وَأَصَحُّهُمَا لاَ، بَلْ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنَ الثَّمَنِ.

وَقَدْ عَلَّلَ الشَّافِعِيَّةُ حَجْبَ الْخِيَارِ عَنِ الْبَائِعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ نَقْصٌ فِيمَا يَخُصُّ مِلْكَهُ.

وَمِمَّا لَهُ حُكْمُ تَلَفِ بَعْضِ الصَّفْقَةِ، مَا لَوْ انْقَطَعَ بَعْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ، وَكَانَ الْبَاقِي مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فَإِذَا قُلْنَا: لَوِ انْقَطَعَ الْجَمِيعُ لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ كَانَ  الْمُسْلِمُ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ فِي الْجَمِيعِ. وَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ فِي الْقَدْرِ الْمُنْقَطِعِ وَالإْجَازَةُ  فِي الْبَاقِي؟ فِيهِ قَوْلاَنِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والثلاثون ، الصفحة /  119

أَسْبَابُ الْفَسَادِ فِي الْمُعَامَلاَتِ:

6 -لاَ يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ كَالصَّلاَةِ بِدُونِ طَهَارَةٍ، أَمْ فِي النِّكَاحِ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، أَمْ فِي عُقُودِ الْمُعَامَلاَتِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ - ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ يَدُلاَّنِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ وَقَعَ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ الأْثَرَ ال الَّذِي رَتَّبَهُ عَلَى الْفِعْلِ الصَّحِيحِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَأَسْبَابُ الْفَسَادِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هِيَ أَسْبَابُ الْبُطْلاَنِ، وَهِيَ تَرْجِعُ إِلَى الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْفِعْلِ، أَوْ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ، أَوْ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنِ الْوَصْفِ الْمُلاَزِمِ لِلْفِعْلِ، أَوْ عَنِ الْوَصْفِ الْمُجَاوِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .

يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: أَسْبَابُ الْفَسَادِ الْعَامَّةُ فِي الْبَيْعِ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: تَحْرِيمُ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَالثَّانِي: الرِّبَا، وَالثَّالِثُ: الْغَرَرُ، وَالرَّابِعُ: الشُّرُوطُ الَّتِي تَئُولُ إِلَى أَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ لِمَجْمُوعِهِمَا .

وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي الْمُعَامَلاَتِ، عَلَى أَسَاسِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَصْلِ الْعَقْدِ وَوَصْفِهِ.

وَأَسْبَابُ الْبُطْلاَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ حُدُوثُ خَلَلٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، بِأَنْ تَخَلَّفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.

أَمَّا أَسْبَابُ الْفَسَادِ، فَهِيَ حُدُوثُ خَلَلٍ فِي وَصْفِ الْعَقْدِ مَعَ سَلاَمَةِ الْمَاهِيَّةِ، فَإِذَا اخْتَلَّ الْوَصْفُ: بِأَنْ دَخَلَ الْمَحَلَّ شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لاَ بَاطِلٌ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْد) وَفِي الْمُلْحَقِ الأْصُولِيٍ.

 

التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا الْجُمْهُورُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ:

7 -الأْصْلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ:

فَالْمَالِكِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ .

وَالشَّافِعِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي عُقُودٍ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: الْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ عِنْدَنَا، وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ: الْحَجَّ وَالْخُلْعَ وَالْكِتَابَةَ وَالْعَارِيَّةَ .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي الْوَكَالَةِ وَالإْجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ .

قَالَ ابْنُ اللَّحَّامِ الْحَنْبَلِيُّ: الْبُطْلاَنُ وَالْفَسَادُ عِنْدَنَا مُتَرَادِفَانِ... ثُمَّ قَالَ: إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَذَكَرَ أَصْحَابُنَا مَسَائِلَ فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً لِلْمَسَائِلِ الَّتِي فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُلْحَقِ الأْصُوليَِ .

 

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَسَادِ مِنْ أَحْكَامٍ:

8- يَتَعَلَّقُ بِالْفَسَادِ أَحْكَامٌ أَوْرَدَهَا الْفُقَهَاءُ فِي صُورَةِ قَوَاعِدَ فِقْهِيَّةٍ أَوْ أَحْكَامٍ لِلْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ، مِنْهَا:

أَوَّلاً - فَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ:

9-هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، وَعَبَّرَ عَنْهَا ابْنُ نُجَيْمٍ بِلَفْظٍ آخَرَ هُوَ: (الْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ) وَوَضَّحُوا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فَقَالُوا: يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا، وَيَجِبُ قَطْعُهَا لِلْحَالِ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ إِلَى وَقْتِ الإْدْرَاكِ  بَطَلَتِ الإْجَارَةُ؛ لأِنَّهُ لاَ تَعَامُلَ فِي إِجَارَةِ الأْشْجَارِ  الْمُجَرَّدَةِ، فَلاَ يَجُوزُ، وَطَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ - وَهِيَ مَا زَادَ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ - وَذَلِكَ لِبَقَاءِ الإْذْنِ.

وَلَوِ اسْتَأْجَرَ الأْرْضَ  إِلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ - أَيْ إِلَى وَقْتِ إِدْرَاكِهِ - فَسَدَتِ الإْجَارَةُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَلَمْ تَطِبِ الزِّيَادَةُ لِفَسَادِ الإْذْنِ بِفَسَادِ الإْجَارَةِ ، وَفَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ، بِخِلاَفِ الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ مَعْدُومٌ شَرْعًا أَصْلاً وَوَصْفًا فَلاَ يَتَضَمَّنُ شَيْئًا، فَكَانَتْ مُبَاشَرَتُهُ عِبَارَةً عَنِ الإْذْنِ.

وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفَاسِدَ لَهُ وُجُودٌ؛ لأِنَّهُ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الأْصْلِ ، فَكَانَ الإْذْنُ  ثَابِتًا فِي ضِمْنِهِ، فَيَفْسُدُ، أَمَّا الْبَاطِلُ فَلاَ وُجُودَ لَهُ أَصْلاً، فَلَمْ يُوجَدْ إِلاَّ الإْذْنُ .

وَفِي حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الإْذْنِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ الإْجَارَةِ  الْبَاطِلَةِ وَبَيْنَهُ فِي ضِمْنِ الإْجَارَةِ  الْفَاسِدَةِ: أَنَّ الإْذْنَ  فِي الإْجَارَةِ  الْبَاطِلَةِ صَارَ أَصْلاً مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ؛ لأِنَّ  الْبَاطِلَ لاَ وُجُودَ لَهُ، وَالْمَعْدُومَ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الإْجَارَةُ الْفَاسِدَةُ، لأِنَّ  الْفَاسِدَ لَيْسَ مَعْدُومًا بِأَصْلِهِ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا، فَإِذَا فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ .

وَالْحُكْمُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَظْهَرُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي يُفَرِّقُونَ فِيهَا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ، كَالْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ، مِثْلِ الشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْوَكَالَةِ، فَهَذِهِ الْعُقُودُ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ لِبَقَاءِ الإْذْنِ.

فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: الْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْمَأْذُونِ صَحَّتْ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ إِذَا أَفْسَدْنَاهَا فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ، صَحَّ لِوُجُودِ الإْذْنِ، وَطَرَدَهُ الإْمَامُ فِي سَائِرِ صُوَرِ الْفَسَادِ .

وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ: الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا نُفُوذَ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالإْذْنِ .

وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا تَصَرَّفَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ لأِنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ بَقِيَ الإْذْنُ ، فَمَلَكَ بِهِ التَّصَرُّفَ .

وَقَوَاعِدُ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تَأْبَى ذَلِكَ .

ثَانِيًا - الْمِلْكُ:

10-التَّصَرُّفُ الْفَاسِدُ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

أَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ كَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ: الْفَاسِدُ لاَ يُمْلَكُ فِيهِ شَيْءٌ، وَيَلْزَمُهُ الرَّدُّ وَمُؤْنَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْبَدَلِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ إِنْ عَلِمَ الْفَسَادَ، وَكَذَا إِنْ جَهِلَ فِي الأْصَحِّ.

وَيُسْتَثْنَى صُورَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ فِيهَا أَكْسَابَهُ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا صَالَحْنَا كَافِرًا بِمَالٍ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ، فَدَخَلَ وَأَقَامَ، فَإِنَّا نَمْلِكُ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ .

وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مِلْكٌ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ، وَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِبَيْعٍ وَلاَ هِبَةٍ وَلاَ عِتْقٍ وَلاَ غَيْرِهِ .

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ الْفَاسِدَ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَهُمْ بِالْقَبْضِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَيَمْلِكُ الْقَابِضُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مِلْكٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، لأِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْفَسْخِ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَلِذَلِكَ فَهُوَ مَضْمُونٌ .

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الأْصْلُ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْلَكُ بِبَيْعٍ جَائِزٍ يُمْلَكُ بِفَاسِدٍ، فَلَوْ شَرَى قِنًّا بِخَمْرٍ - وَهُمَا مُسْلِمَانِ - مَلَكَ الْقِنَّ مُشْتَرِيهِ بِقَبْضِهِ بِإِذْنٍ، وَلاَ يَمْلِكُ الْبَائِعُ الْخَمْرَ .

وَالْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، وَبِهِ يُفْتَى، وَهِيَ مَضْمُونَةٌ .

وَالْمَقْبُوضُ بِالْقِسْمَةِ الْفَاسِدَةِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ وَيَنْفُذُ التَّصَرُّفُ، كَالْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَتَقَرَّرُ الْمِلْكُ فِي الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِالْفَوَاتِ:

يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ: الْبُيُوعُ الْفَاسِدَةُ عِنْدَ مَالِكٍ تَنْقَسِمُ إِلَى مُحَرَّمَةٍ وَإِلَى مَكْرُوهَةٍ: فَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ فَإِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ مَضَتْ بِالْقِيمَةِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهَةُ فَإِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ صَحَّتْ عِنْدَهُ، وَرُبَّمَا صَحَّ عِنْدَهُ بَعْضُ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بِالْقَبْضِ، لِخِفَّةِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ .

ثَالِثًا - الضَّمَانُ:

11 -يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةَ تُرَدُّ إِلَى حُكْمِ صَحِيحِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، فَإِنِ اقْتَضَى التَّصَرُّفُ الصَّحِيحُ الضَّمَانَ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ، وَإِنِ اقْتَضَى عَدَمَ الضَّمَانِ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ .

وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَاعِدَةٌ شَبِيهَةٌ بِمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ: الأْصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا قُبِضَ بِجِهَةِ التَّمَلُّكِ ضُمِنَ، وَكُلَّ مَا قُبِضَ لاَ بِجِهَةِ التَّمَلُّكِ لَمْ يُضْمَنْ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَمَان ف 35، وَمَا بَعْدَهَا).

رَابِعًا - سُقُوطُ الْمُسَمَّى فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ:

12 - الْوَاجِبُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا تَسْمِيَةُ نَحْوِ الأْجْرِ  أَوِ الرِّبْحِ أَوِ الْمَهْرِ، هُوَ الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ، فَإِنَّ الْمُسَمَّى يَسْقُطُ، وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ إِذَا سَقَطَ الْمُسَمَّى  وَمِنْ ذَلِكَ:

أ - الإْجَارَةُ:

13 - إِذَا فَسَدَتِ الإْجَارَةُ وَاسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، أَيْ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَزِيدَ عَنِ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي: (إِجَارَة ف 43 - 44).

ب - الْمُضَارَبَةُ:

14 -الْوَاجِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ هُوَ الرِّبْحُ الْمُسَمَّى لِلْمُضَارِبِ، فَإِذَا فَسَدَتِ الْمُضَارَبَةُ فَلاَ يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ الرِّبْحَ الْمُسَمَّى، لأِنَّهَا  تَسْمِيَةٌ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ إِذَا عَمِلَ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ جَمِيعُهُ لِرَبِّ الْمَالِ، لأِنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ.

وَالْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَرَبِحَتِ الْمُضَارَبَةُ أَمْ لَمْ تَرْبَحْ، لأِنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ، فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَهِيَ الأْجْرَةُ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرَ أَبِي يُوسُفَ - وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ غَيْرَ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ .

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا لِلْمُضَارِبِ قِرَاضَ الْمِثْلِ فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ، وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ فِيمَا عَدَاهَا، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ضَابِطٌ، هُوَ: كُلُّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِرَاضِ مِنْ أَصْلِهَا فَفِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إِنْ شَمَلَهَا الْقِرَاضُ، لَكِنِ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ، فَفِيهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (مُضَارَبَة)

ج - النِّكَاحُ:

15 - الْمَهْرُ يَسْقُطُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ - سَوَاءٌ اتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ أَمْ لاَ - إِذَا حَصَلَ التَّفْرِيقُ قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .

 هَذَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا نِصْفُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، كَمَا إِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَضَاعًا مُحَرِّمًا بِلاَ بَيِّنَةٍ، وَكَذَّبَتْهُ الزَّوْجَةُ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .

وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِالدُّخُولِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» .

فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم لَهَا الْمَهْرَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَعَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَاجِبِ مِنَ الْمَهْرِ، هَلْ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوِ الأْقَلُّ  مِنْهُمَا؟ فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرَ زُفَرَ - لَهَا الأْقَلُّ  مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَمِنَ الْمُسَمَّى.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَهَا الْمُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى كَنِكَاحِ الشِّغَارِ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَهَا الْمُسَمَّى فِي الْفَاسِدِ (وَهُوَ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ) وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْبَاطِلِ (وَهُوَ مَا اتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ) .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (مَهْر - نِكَاح).

خَامِسًا: الْفَسَادُ فِي الأْشْيَاءِ  الْمَادِّيَّةِ:

16 - يَرِدُ الْفَسَادُ فِي الأْشْيَاءِ  الْمَادِّيَّةِ كَعَطَبِ الأْطْعِمَةِ، وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ إِيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، كَمَا فِي الرَّهْنِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْتِقَاطُهَا، أَوْ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُهَا عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ - رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ:

17 -ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ إِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ، كَرُطَبٍ وَعِنَبٍ يَتَجَفَّفَانِ، فَإِنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ وَلَكِنْ رُهِنَ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ لَكِنَّهُ يَحِلُّ قَبْلَ الْفَسَادِ وَلَوِ احْتِمَالاً جَازَ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ وَرُهِنَ بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ بَعْدَ فَسَادِهِ أَوْ مَعَهُ، لَمْ يَجُزْ إِلاَّ إِنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ، وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ رَهْنًا.

وَلَوْ رُهِنَ مَا لاَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ فَحَدَثَ قَبْلَ الأْجَلِ  مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ - كَحِنْطَةٍ ابْتَلَتْ وَتَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا - لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ، بَلْ يُبَاعُ وُجُوبًا وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ إِصْلاَحُهُ بِالتَّجْفِيفِ كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، أَوْ لاَ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ كَالْبِطِّيخِ وَالطَّبِيخِ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ مِمَّا يُجَفَّفُ، فَعَلَى الرَّاهِنِ تَجْفِيفُهُ، لأِنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ حِفْظِهِ وَتَبْقِيَتِهِ، فَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ كَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يُجَفَّفُ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ كَانَ حَالًّا، أَوْ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لاَ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، جُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، سَوَاءٌ شُرِطَ فِي الرَّهْنِ بَيْعُهُ أَوْ أُطْلِقَ، لأِنَّ  الْعُرْفَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، لأِنَّ  الْمَالِكَ لاَ يُعَرِّضُ مِلْكَهُ لِلتَّلَفِ وَالْهَلاَكِ، فَإِذَا تَعَيَّنَ حِفْظُهُ فِي بَيْعِهِ حُمِلَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، كَتَجْفِيفِ مَا يَجِفُّ، وَأَمَّا إِذَا شَرَطَ أَنْ لاَ يُبَاعَ فَلاَ يَصِحُّ، لأِنَّهُ شَرَطَ مَا يَتَضَمَّنُ فَسَادَهُ وَفَوَاتَ الْمَقْصُودِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لاَ يُجَفَّفَ مَا يَجِفُّ.

وَفِي وَجْهٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ أَطْلَقَ لاَ يَصِحُّ.

وَإِذَا شَرَطَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعَهُ، أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ الرَّاهِنُ أَوْ غَيْرُهُ، بَاعَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَجَعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا، وَلاَ يُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ، لأِنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَعْجِيلُ وَفَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ رَهَنَهُ ثِيَابًا يُخَافُ فَسَادُهَا، كَالصُّوفِ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ رَهَنَ ثِيَابًا يُخَافُ فَسَادُهَا كَالصُّوفِ: أَتَى السُّلْطَانَ فَأَمَرَهُ بِبَيْعِهَا .

وَنَقَلَ الْحَصْكَفِيُّ عَنِ الذَّخِيرَةِ: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ ثَمَرَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ خَافَ تَلَفَهَا، لأِنَّ  لَهُ وِلاَيَةَ الْحَبْسِ لاَ الْبَيْعِ، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ إِلَى الْقَاضِي، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُمْكِنُهُ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي أَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِحَالٍ يَفْسُدُ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذَا إِذَا لَمْ يُبِحِ الرَّاهِنُ لَهُ الْبَيْعَ.

وَفِي الْبِيرِيِّ عَنِ الْوَلْوَالِجِيَّةِ: وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَيَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ، قَالَ الْبِيرِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ إِذَا تَدَاعَتْ لِلْخَرَابِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الْمَرْهُونِ إِلاَّ إِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ، فَإِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ جَازَ بَيْعُهُ .

ب - الْتِقَاطُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ:

18 -مَنِ الْتَقَطَ مَا لاَ يَبْقَى وَيَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ، كَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالْفَوَاكِهِ، فَإِنَّهُ يُعَرِّفُهُ إِلَى أَنْ يَخْشَى فَسَادَهُ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ خَوْفًا مِنَ الْفَسَادِ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأْوْلَى  عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: مَنِ الْتَقَطَ شَيْئًا مِمَّا يُسْرِعُ فَسَادُهُ وَلاَ يَبْقَى بِعِلاَجٍ، فَإِنَّ آخِذَهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ: فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ اسْتِقْلاَلاً إِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، وَبِإِذْنِهِ إِنْ وَجَدَهُ وَعَرَّفَ الْمَبِيعَ بَعْدَ بَيْعِهِ لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ فِي الْحَالِ وَأَكَلَهُ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ.

وَإِنْ أَمْكَنَ بَقَاءُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ بِعِلاَجٍ، كَرُطَبٍ يَتَجَفَّفُ، فَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي بَيْعِهِ بِيعَ جَمِيعُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إِنْ وَجَدَهُ، وَإِلاَّ بَاعَهُ اسْتِقْلاَلاً، وَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي تَجْفِيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ لَهُ أَوْ غَيْرُهُ، جَفَّفَهُ، لأِنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ، فَرُوعِيَ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِتَجْفِيفِهِ بِيعَ بَعْضُهُ بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي 

التَّجْفِيفَ لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي، طَلَبًا لِلأْحَظِّ  .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَنِ الْتَقَطَ مَا لاَ يَبْقَى عَامًا وَكَانَ مِمَّا لاَ يَبْقَى بِعِلاَجٍ وَلاَ غَيْرِهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَكْلِهِ وَبَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، فَإِنْ أَكَلَهُ ثَبَتَتِ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ جَازَ، وَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى إِذْنِ الْحَاكِمِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَهُ بَيْعُ الْيَسِيرِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا دَفَعَهُ إِلَى السُّلْطَانِ.

وَإِنْ أَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ حَفِظَ صِفَاتِهِ، ثُمَّ عَرَّفَهُ عَامًا.

وَإِنْ كَانَ مَا الْتَقَطَهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِبْقَاؤُهُ بِالْعِلاَجِ، كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، فَيَنْظُرُ مَا فِيهِ الْحَظُّ لِصَاحِبِهِ: فَإِنْ كَانَ فِي التَّجْفِيفِ جَفَّفَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ ذَلِكَ، وَإِنِ احْتَاجَ التَّجْفِيفُ إِلَى غَرَامَةٍ بَاعَ بَعْضَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ تَعَيَّنَ أَكْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْلُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ فَلَهُ أَكْلُهُ لأِنَّ  الْحَظَّ فِيهِ .

(خامساً) الْمُعَاوَضَاتُ الْفَاسِدَةُ:

38 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الْقَبْضِ نَاقِلاً لِلْمِلْكِيَّةِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ غَيْرَ نَاقِلٍ .

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ كَالْبَاطِلِ، لاَ يَنْعَقِدُ أَصْلاً، وَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بَتَاتًا، سَوَاءٌ قَبَضَ الْعَاقِدُ الْبَدَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ مِلْكِيَّةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَنْتَقِلُ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْفَاسِدِ بِقَبْضِهِ بِرِضَا صَاحِبِهِ، وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ .