مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 291
مذكرة المشروع التمهيدي
تناول المشروع فيما تقدم بيان الأحوال التي يتم فيها التعاقد بطريق الإذعان (م 145) وقد قصده إلى التخفيف مما يلازم هذا الضرب من التعاقد من شدة وحرج، بالنسبة للعاقد المذعن فأقام لصالحه استثناءين من أحكام القواعد العامة في تفسير العقود .
فالأصل أن الحاجة إلى التفسير لا تعرض متى كانت عبارة العقد واضحة في مثل هذه الحالة تطبق شروط التعاقد كما أفرغت فيه بيد أن الحكم يختلف فيها يتعلق بما يدرج في عقود الإذعان من الشروط الجائرة فالإلتجاء إلى التفسير يتعين بشأنها، ولو كانت واضحة العبارة بينة السياق فمن واجب القاضي أن يتثبت في هذه الحالة ما إذا كان العاقد المذعن قد تنبه إلى هذه الشروط ، فإذا استوثق من تنبه هذا العاقد إليها كما لو كان العاقد الآخر قد احتاط لجعل تلك الشروط مخطوطة باليد في عقد مطبوع، تحتم عليه إمضاء حكمها رعاية لاستقرار المعاملات إما إذا تبين أن العاقد الذين لم يتنبه إلى الشروط الجائرة فعليه أن يستبعدها وينزل على أحكام القواعد العامة .
في هذا النطاق الضيق يطبق هذا الاستثناء فلا يبلغ الأمر حد استبعاد الشرط الجائر بدعوى أن المذعن قد أكره على قبوله ، متی تنبه إليه هذا العاقد و ارتضاه فالإذعان لايختلط بالإكراه ، بل أن التوحيد بينهما أمر ينبو به ما ينبغي التعامل من أسباب الاستقرار ثم إن ما يولى من حماية إلى العاقد المذعن ينبغي أن يكون محلا لأحكام تشريعية عامة - ما هو الشأن في حالة الاستغلال - أو لتشريعات خاصة ( أنظر فيما يتعلق بالقضاء : استئناف مختلط 11 إبريل سنة 1906 ب 18 ص 188 ، و 7 ديسمبر سنة 1921 ب 34 ص 44، و 20 إبريل سنة 1927 ب 29 ص 405 و 20 يونيه سنة 1928 ب 40 ص 437).
المشروع في لجنة المراجعة
رأت اللجنة أن تنقل الفقرة الأولى من المادة 217 لتكون المادة 214 مكررة في المشروع التمهيدي .
واقترحت أن يعدل هذا النص على الوجه الآتي :
إذا تم العقد بطريق الإذعان وكان قد تضمن شروطاً تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعني الطرف المذعن من تنفيذها وذلك وفقا لما تقتضي به العدالة ، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك .
وأصبح رقم المادة 153 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 153 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الرابعة عشرة
تليت المادة 153 و هذا نصها :
إذا تم العقد بطريق الإذعان وكان قد تضمن شروطاً تعسفياً جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو إن بعض الطرف المذعن من تنفيذها وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك .
فقال عمدة محرم بك إن هذا النص جديد وليس له مقابل في التقنيات الأجنبية وأنه وضع لمصلحة المتعاقد مع شركات الاحتكار وهو يعطي للقاضي سلطة خاصة في تفسير عقود الإذعان لأن شركات الاحتكار في مصر لها وضع خاص بالنسبة للمتعاقدين معها مما استوجب وضع مثل هذا النص .
فقال سعادة الرئيس إن هناك صورة من عقود الإذعان يعتقد أن المادة لا تحلها وضرب لذلك مثلاً بشخص أرسل رسالة تلغرافية إلى عمله يطلب فيها إرسال البضاعة بحراً by traiL ، في صلته الرسالة تقول بارسالها بالقطار by train خط وكان الفرق في التكاليف عشرات آلاف الجنيهات ولما كانت مصلحة التليفونات والتلغرافات تضع شرطا في عقودها بأنها غير مسئولة عن تعويض ما يقع من ضرر بسبب الخطأ في النقل فهل تسأل المصلحة بالتعويض طبقاً للنص أم لا رغم وجود مثل هذا الشرط .
فرد عليه عبده محرم بك أن هذه الفروض تحلها قواعد قانونية أخرى كقواعد انعقاد العقد و قواعد المسئولية .
واقترح سعادة العشاري باشا تعديل المادة بحذف كلمة ، و ذلك ، وإضافة عبارة دون إخلال بحق المذعن في التعويض إن كان له محل ، بعد عبارة ووفقاً لما تقضي به العدالة ، لأنه لا يكفي في مثل تلك العقود أن يعني القاضي الذين من تنفيذها بل يجب تعويضه إن كان لذلك محل .
قرار اللجنة :
وافقت اللجنة بالإجماع على هذا الاقتراح وبذلك يصبح نص المادة كالآتي :
إذا تم العقد بطريق الإذعان وكان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعي الطرف المذعن من تنفيذها وفقاً لما تقضي به العدالة دون إخلال بحق المذعن في التعويض إن كان له محل ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك .
محضر الجلسة الخامسة والأربعين
كانت اللجنة قد أدخلت على هذه المادة تعديلاً بإضافة عبارة ، دون إخلال بحق المذعن في التعويض إن كان له محل ، لتفيد أن حق المذعن لا يقتصر على طلب التعديل أو الإعفاء من الشروط التعسفية بل يتناول التعويض إن كان له محل .
وقد تبين من المناقشة أن القواعد العامة تغني عن الحكم الوارد في العبارة المضافة ولذلك وافقت أغلبية اللجنة على رفع الإضافة واستبدال منها بعبارة و من تنفيذها .
وقد أصر سعادة العشماوي باشا على رأيه وهو أن المادة لا تفيد بصيغتها أن للذهن الحق في التعويض إذا نفذت الشروط التعسفية.
وأصبح رقم المادة 149.
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
1- العبرة فى تكييف العقد والتعرف على حقيقة مرماه وتحديد حقوق الطرفين فيه إنما هي بما حواه من نصوص وبما عناه المتعاقدان دون اعتداد بما أطلقوه عليه من أوصاف متى تبين أن هذه الأوصاف تخالف الحقيقة ، ولمحكمة الموضوع استخلاص هذه النية وما انعقد عليه اتفاقهما مستهدية فى ذلك بحقيقة الواقع والنية المشتركة وطبيعة التعامل والعرف الجاري فى المعاملات وظروف التعاقد وبالطريقة التي يتم بها تنفيذ العقد .
(الطعن رقم 459 لسنة 68 جلسة 2000/05/21 س 51 ع 2 ص 709 ق 130)
2- مؤدى النص فى المادة 149 من القانون المدني أنه إذا تضمن العقد الذي تم بطريق الإذعان شروطاً تعسفية فإن للقاضي أن يعدل هذه الشروط أوأن يعفى الطرف المذعن منها وفقاً لما تقضى به العدالة، ومحكمة الموضوع هى التي تملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسيفاً أم لا. وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه قد انتهى بأسباب سائغة إلى اعتبار الشرط الوارد بالبند الثاني من العقد شرطا تعسفيا رأى الأعفاء منه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن جدل موضوعى غير مقبول.
(الطعن رقم 388 لسنة 57 جلسة 1989/12/12 س 40 ع 3 ص 288 ق 368)
3- لما كان الحكم الإبتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه قد استخلص من العقد المبرم بين الطرفين أن العقد تم بطريق الإذعان وأن الشرط الذي تضمن البند الثاني منه بإعفاء الطاعنة من المسئولية عن تعطيل التليفون هو من قبيل الشروط التعسفية وانتهى إلى إعفاء المطعون عليه بإعتباره الطرف المذعن - منه إعمالاً للمادة 149 من القانون المدني، وإذ كان هذا الإستخلاص من ما يدخل فى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع وقد أقيم على أسباب سائغة ولم يكون محل نعى من الطاعنة فإن ما تثيره حول التمسك بهذا الشرط يكن فى غير محله.
(الطعن رقم 1556 لسنة 56 جلسة 1989/03/26 س 40 ع 1 ص 840 ق 147)
4- من خصائص عقود الإذعان أنها تتعلق بسلع أو مرافق تعتبر من الضرورات بالنسبة إلى المستهلكين أو المنتفعين ، ويكون فيها إحتكار الموجب لهذه السلع والمرافق إحتكاراً قانونياً أو فعلياً أو تكون سيطرته عليها من شأنها أن تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق وأن يكون صدور الإيجاب منه إلى الناس كافة وبشروط واحدة ولمدة غير محددة ، والسلع الضرورية هى التى لاغنى عنها للناس والتى لاتستقيم مصالحهم بدونها بحيث يكونون فى وضع يضطرهم إلى التعاقد بشأنها ولايمكنهم رفض الشروط التى يضعها الموجب ولو كانت جائزة وشديدة . ولما كان ذلك ، وكانت هذه الخصائص لا تتوافر فى التعاقد الذى تم بين الطاعنين والبنك المطعون ضده على التعيين فى وظيفة من الفئة التاسعة ، فإن الحكم المطعون فيه إذ نفى عن هذا التعاقد صفة الإذعان يكون متفقاً مع صحيح القانون ، وما ينعاه الطاعنان على الحكم بعد ذلك من إخلال بقواعد المساواة فهو نعى يقوم على واقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع هو التحقق من توافر شرط المساواة ، ومن ثم فلا يجوز التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض و يكون النعى غير مقبول
(الطعن رقم 749 لسنة 46 جلسة 1982/01/02 س 33 ع 1 ص 50 ق 13)
5- الترخيص بالإستغلال - كإستغلال الملاحات - واحتواء العقد على شروط غير مألوفة فى القانون الخاص يجعل وصف هذا العقد بأنه عقد إداري وصفاً قانونياً صحيحاً، وإذ كان الإستثناء الوارد بالمادة 149 من القانون المدني فى شأن عقود الإذعان خاص بالعقود المدنية، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ فى تطبيق القانون يكون على غير أساس.
(الطعن رقم 521 لسنة 40 جلسة 1978/06/07 س 29 ع 1 ص 1411 ق 273)
6- إذا كان الحكم المطعون فيه قد إعتبر الشركة الطاعنة محتكرة للسيارات التى أعلنت عن إنتاجها والمعدة للإستعمال الخاص دون أن يبين بأسباب سائغة وجه إعتبارها من اللوازم الأولية للجمهور فى هذا المجتمع ، ورتب الحكم على ذلك أن الإعلان الموجه من تلك الشركة يعد إيجاباً بالبيع ملزما لها ، وأن طلب حجز السيارات المقدم من المطعون ضده الأول إلى الشركة الموزعة يعتبر منه قبولاً للإيجاب الصادر من الشركة المنتجة ، وأن العقد الذى تم بناء على ذلك يكون من عقود الإذعان ولايمنع من إنعقاده ما ورد بطلب الحجز من شرط تعسفى أهدرته المحكمة ، وبذلك حجب الحكم نفسه عن بحث ما تمسكت به الشركة الطاعنة من أن ما صدر منها لا يعدو أن يكون دعوة إلى التعاقد وأن طلب حجز السيارة المقدم إلى الشركة الموزعة هو الذى يعتبر إيجاباً و كذلك عن بحث ما إذا كان هذا الإيجاب قد صادفه قبول إنعقد به عقد بيع السيارة موضوع النزاع - فإنه يكون مشوباً بقصور فى التسبيب أدى به إلى الخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 396 لسنة 37 جلسة 1974/03/12 س 25 ع 1 ص 492 ق 80)
7- متى كان ما يقوله الطاعن - من أن الشرط الذى قبل بموجبه بيانات الشركة المطعون ضدها كوسيلة للإثبات هو من قبيل شروط الإذعان - هو دفاع خلت الأوراق مما يدل على سبق التمسك به أمام محكمة الموضوع ، وإذ كانت محكمة الموضوع هى التى تملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفياً ، فإنه لا يجوز للطاعن أن يبدى هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 53 لسنة 32 جلسة 1966/10/18 س 17 ع 1 ص 1543 ق 215)
8- ترخيص مصلحة الجمارك للشركة الطاعنة بتشغيل معمل لإنتاج المشروبات الكحولية تحت نظام الإيداع بشروط معينة تتضمن جميعها إلتزامات على الشركة وحدها، ليس فى حقيقته عقداً بالمعنى القانوني وإنما هو قرار إداري أصدرته مصلحة الجمارك وفقاً لأحكام المرسوم الصادر فى 9 سبتمبر سنة 1934 الخاص برسم الإنتاج على الكحول والذي كان معمولاً به وقت إعطاء هذا الترخيص. ومن ثم فمتى كان الحكم المطعون فيه قد أعمل الآثار القانونية لهذا القرار الإداري الذي يحكم الروابط بين الطرفين وانتهى إلى نتيجة صحيحة موافقة للقانون فلا يعيبه ما ورد فى أسبابه من وصف ذلك القرار الإداري بأنه عقد، ويكون النعي على الحكم إغفاله الرد على ما طلبته الطاعنة من تطبيق قواعد التفسير المنصوص عليها فى المادتين 150، 151 من القانون المدني غير مجد إذ أن مجال تطبيق تلك القواعد هو العقود ولا تنطبق على القرارات الإدارية.
(الطعن رقم 484 لسنة 25 جلسة 1962/01/04 س 13 ع 1 ص 26 ق 3)
9- متى ثبت أن الروابط بين الطرفين يحكمها قرار إداري فإنه لا يجوز التحلل من أحكامه بدعوى أنها جائرة وأن قبول الطاعنة لها تم بطريق الإذعان، إذ أن الإستثناء الوارد بالمادة 149 من القانون المدني فى شأن عقود الإذعان خاص بالعقود المدنية ولا يسري على القرارات الإدارية.
(الطعن رقم 484 لسنة 25 جلسة 1962/01/04 س 13 ع 1 ص 26 ق 3)
10- إذا كان يبين من الإطلاع على الحكم المطعون فيه - أن محكمة الإستئناف - بعد أن بينت ان الحكم الجنائي الذى قضى بإدانة سائق السيارة المؤمن عليه قام على تحميل تلك السيارة أكثر من الحمولة المقررة بطنين وبأنها كانت فى حالة غير صالحة للعمل من حيث فراملها وعجلة قيادتها ، عرضت لما أدلت به شركة التأمين الطاعنة فى دفاعها من أن هاتين الحالتين لا تدخلان فى نطاق التأمين إذ نصت المادة الثانية من وثيقة التأمين على أن التأمين لا يشملهما - ولم تأخذ بهذا الدفاع وأسست وجهة نظرها فى التقرير بمسئولية الطاعنة عن دفع مبلغ التأمين على أن ما إحتوته وثيقة التأمين من شروط مطبوعة - عددت فيها الحوادث والأضرار التى تعفى فيها الطاعنة من المسئولية - يوصل إلى القول بأن الشركة قد إعتبرت نفسها فى الواقع متحللة من دفع التأمين عن الحوادث التى تقع نتيجة مخالفة القوانين و اللوائح عموما - بما يترتب عليه عدم الإعتداد بهذا الشرط وإهداره، فإن هذا الذى أقام الحكم المطعون فيه قضاءه عليه يكون مخالفاً للقانون ذلك إنه وإن كان مؤدى ما انتهى إليه ذلك الحكم هو إعتبار وثيقة التأمين موضوع الخصومة الحالية والتى عقدت فى ظل أحكام القانون المدنى القديم عقد إذعان إلاإنه لايتأدى من ذلك أن يهدر نص المادة الثانية بجميع ما تضمنه من الصور والحالات التى نص فيها على أن التأمين لايشملها - ذلك أن ما يسوغ إبطاله فى هذه الحالة - إنما يقتصر على الشروط التعسفية التى تتناقض مع جوهر العقد بإعتبارها مخالفة للنظام العام ، ولما كان ما ورد بالبندين ثانيا ورابعا من المادة الثانية من العقد من أن التأمين لا يشمل بصفة خاصة ما يقع من الحوادث والأضرار نتيجة لتحميل السيارة بأكثر من حمولتها المقررة رسميا أونتيجة لعدم العناية بها [وهاتان الحالتان هما عماد الحكم الجنائي فى إدانة سائق السيارة المؤمن عليها ] لا يعتبر من الشروط القائمة على التعسف والناقضة لجوهر العقد ولامخالفة فيها للنظام العام بل أن مبناها الرغبة المشروعة فى الحد من نطاق المسئولية بإستبعاد بعض الصور التى يكون من شأنها جعل الخطر أشد إحتمالا ، فإنه يتعين لذلك إعمال مقتضاهما ، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فإنه يكون متعين النقض .
(الطعن رقم 296 لسنة 25 جلسة 1960/04/21 س 11 ع 2 ص 330 ق 50)
11- التمسك بأن قيود البناء الواردة فى عقد البيع الصادر من الشركة المطعون عليها يعتبر من شروط الإذعان التي لا سبيل للمشتري عند توقيعه إلى المناقشة فيها، لا يصح التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام أنه لم يسبق طرحه من قبل أمام محكمة الموضوع .
(الطعن رقم 280 لسنة 25 جلسة 1960/02/25 س 11 ع 1 ص 184 ق 29)
تعديل الشروط التعسفية بعقود الإذعان :
الأصل في إبرام العقود ، أن يكون لكل متعاقد حرية التعبير عن إرادته حتى إذا ما تلاقيت وتطابقت الإرادتان ، انعقد العقد ، ولكن يستثنى من ذلك عقود الإذعان ، فقد نصت المادة 100 على أن القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل منا مناقشة فيها على التفصيل الذي اوضحناه بصددها .
وقد تدخل المشرع ، للحد من تعسف الموجب في عقود الإذعان ، فجعل للقاضي متى كان استخلاصه سائغاً السلطة المطلقة في منع كل تعسف دون رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض فإن خلص إلى توافر التعسف بالنسبة لأحد الشروط قضي بزوال اثرة بمعنى انه ان كانت الدعوى مرفوعة من المحتكر لإلزام المستهلك بتنفيذ شرط معين أو بترتيب الجزاء الوارد بالعقد لمخالفة هذا الشرط ، كان للقاضي متى تمسك المذعن بذلك ، بحث هذا الشرط ، فإن اعتبره شرطاً تعسفاً قضى برفض الدعوى حتى لو تضمن العقد او اتفق الطرفان فيما بعد على اعتبار الشروط نهائية وأنه لا يجوز لأحد الطرفين الطعن فيها أمام القضاء ، إذ يقع مثل هذا الاتفاق باطلاً بطلاناً مطلقاً لمخالفته للنظام العام كما يجوز للطرف المذعن أن يرفع دعوى مبتدأة بطلب إلغاء الشروط التعسفية الواردة بالعقد موضحاً إياها ، وحينئذ يكون للقاضي أما تعديل تلك الشروط بما يكفي لرفع التعسف وإما إلغائها ، مستهدياً في ذلك بقواعد العدالة .
التمسك بالإذعان :
يتحقق الإذعان عندما يتضمن العقد شروطا يتوافر في شأنها التعسف في استعمال الحق ، بأن يفرض أحد المتعاقدين إرادته على المتعاقد الأخر متوخياً من ورائها مصلحته الشخصية البحتة دون اعتداد بمصلحة من يتعاقد معه ، ويضطر الأخير إلى إبرام العقد وهو مذعن لإرادة الموجب الذي لا يقبل مناقشة فيها ، فأذا تم التعاقد ولم يتضمن العقد شرطاً يحول دون المتعاقد المذعن والتمسك بالإذعان ، كان العقد صحيحاً لا مخالفة فيه للنظام العام لعدم تعلق الإذعان بالنظام العام ، ومن ثم لا تتصدى له المحكمة من تلقاء نفسها ويجب التمسك بة ، شأنه شأن كل شرط تعسفي .
اما اذا تضمن العقد شرطاً يمنع المتعاقد المذعن من التمسك بالإذعان ، كان الشرط وحدة باطلاً بطلاناً مطلقاً متعلقاً بالنظام العام ، ولكن لا تتصدى له المحكمة من تلقاء نفسها إلا إذا تمسك المتعاقد المذعن بالإذعان ، إذ في هذه الحالة ، يتعين علي المحكمة التصدي لهذا الدفاع ، فإن تبين لها وجود شرط يمنع من التمسك بالإذعان ، تصدت لذلك من تلقاء نفسها وأبطلت هذا الشرط ونظرت دفاع المتعاقد المذعن .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثالث ، الصفحة : 55)
سلطة القاضي في تعديل الشروط التعسفية أو إعفاء الطرف المذعن في عقود الإذعان من هذه الشروط :
يتضمن نص المادة (149) إحدى الحالات البارزة في التقنين الحالي التي أعطيت تي فيها سلطة تعديل العقد، وهي سلطة تخرج عن حدود مهمته العادية التي تقتصر على التفسير.
فإذا بان للقاضي توافر الشروط التي يلزم توافرها حتى بعد العقد قد انعقد بطريق الإذعان - بالتفصيل الذي أوردناه في شرح المادة (100) مدنی - وأن من بين شروط العقد ما يعد شرطاً تعسفياً، كان له إما أن يعدل الشرط بحيث يزيل ما فيه من تعسف، وإما أن يعفي الطرف المذعن منه إعفاءً تاماً، وليس هناك من حدود لما يراه في هذا الشأن إلا ما تقتضيه العدالة فالعدالة هي الدافع إلى تعديل الشرط أو الإعفاء منه.
وبذلك يصبح هذا الحكم أداة فعالة يستطيع بها القاضي أن يحمي الطرف المذعن من الشروط التعسفية التي يفرضها عليه محتكر قانوني أو فعلی ولا يحول بين الطرف المذعن وبين حقه في طلب حمايته من الشرط التعسفي، سبق علم هذا الطرف بهذا الشرط ومدى تعسفه قبل أن يقدم على إبرام العقد وذلك لمطلق عموم النص، ولأنه لم يكن بوسع الطرف المذعن عدم الانصياع لهذا الشرط إلا بالامتناع عن التعاقد وهو ما يؤدي إلى حرمانه من الحصول على السلعة أو الخدمة رغم كونها ضرورية ومن ثم يتعطل الهدف الذي توخاه المشرع وهو تمكين الجمهور من الحصول على السلع والخدمات الضرورية في ظل حمايته من تعسف المسيطر عليها.
بطلان الاتفاق على عدم تعديل الشروط التعسفية أو الإعفاء منها :
الحق الذي يقرره القانون للطرف المذعن في تعديل الشروط التعسفية التي يتضمنها العقد بما يرفع عنه إجحافها أو في إعفائه من تلك الشروط كلية، يتعلق بالنظام العام، ومن ثم فإن الحق في تعديل الشروط التعسفية أو في الإعفاء منها يثبت للطرف المذعن، ولو اتفق المتعاقدان على غير ذلك ويقع هذا الاتفاق باطلاً وهذا ما نصت عليه المادة 149 في عجزها من أنه: "ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك" .
سلطة القاضي في اعتبار الشرط تعسفياً :
تقدير ما إذا كان الشرط يعد تعسفياً أم لا مسألة وقائع يتبين منها القاضي في ضوء الظروف مدى ما في الشرط من جور وشده ولا معقب لمحكمة النقض على تقديره ما دامت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي أخذ به .
تعديل الشروط التعسفية أو الإعفاء منها لا يجرى دون طلب :
رغم أنه لا يجوز للطرفين الإتفاق على عدم تعديل الشروط التعسفية بالعقد أو الإعفاء منها لتعلق ذلك بالنظام العام كما رأينا، إلا أن إعمال أثر الحماية من الشرط التعسفي لا يتعلق بالنظام العام فلا يجوز للقاضي أن يعمل سلطته في هذا الخصوص إلا بناءً على طلب الطرف المذعن ولكنه متى طلب هذا الطرف حمايته من ذلك الشرط التعسفي، لا يتقيد بذلك الوسيلة المطلوبة، وإنما يكون له اختيار الوسيلة التي يراها أنسب لتحقيق العدالة ورفع التعسف فقد يطلب الطرف المذعن إعفاءه كلية من الشرط الجائر، فيرى القاضي الإبقاء على الشرط مع تعديله على نحو يزول به التعسف .
ويجوز للطرف المذعن أن يطلب من القاضى إعمال تلك الرخصة في أية حالة كانت عليها الدعوى أمام قاضي الموضوع ولكن لا يجوز له أن يطلب إعمالها لأول مرة أمام محكمة النقض، لأن التمسك به يتخالط مع واقع .
تفسير الشك في مصلحة الطرف المذعن :
لم تقتصر حماية القانون للطرف المذعن على تخويل الحق في أن يطلب من القاضي تعديل الشروط التعسفية التي قد يتضمنها العقد بما يرفع إجحافها حسب مقتضيات العدالة، أو يطلب الإعفاء منها كلية وإنما يقرر القانون وسيلة أخرى لحماية الطرف المذعن، وتتمثل هذه الوسيلة في وجوب تفسير الشك - إن وجد - في مصلحة الطرف المذعن وفي هذا تنص الفقرة الثانية من المادة (151) مدنی على أن ومع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير الشك الذي تتضمنه العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن .
انظر في التفصيل شرح المادة 151 .
حماية الطرف المذعن في بعض العقود :
حرص الشارع أيضا في التقنين المدني الجديد على أنه يكفل حماية تشريعية للطرف المذعن فأورد تنظيماً خاصاً للعقود الجديرة بهذا التنظيم، وهي عقد التزام المرافق العامة (م 88 - 673 مدنی) و عقد العمل (م 674 – 698)، وعقد التأمين (م 747 - 771 مدنی)، كما أصدر القانون رقم 12 لسنة 2003 بإصدار قانون العمل والذي سبقته تشريعات أخرى.
عدم تطبيق المادة (149) على العقود الإدارية :
لا تطبق المادة (149) على العقود الإدارية، فهي لها خصائص معينة وتتضمن شروطا غير مألوفة في القانون الخاص. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/553)
وهذا النص في عمومه وشموله أداة قوية في يد القاضي يحمى بها المستهلك من الشروط التعسفية التي تفرضها عليه شركات الاحتكار والقاضي هو الذي يملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفياً ، ولا معقب لمحكمة النقض على تقديره ما دامت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي أخذ به فإذا كشف شرطاً تعسفياً في عقد إذعان ، فله أن يعدله بما يزيل اثر التعسف ، بل له أن يلغيه ويعفى الطرف المذعن منه ، ولم يرسم المشرع له حدوداً في ذلك إلا ما تقتضيه العدالة ولا يجوز للمتعاقدين أن ينزعه من القاضي سلطته هذه بإتفاق خاص على ذلك ، فإن مثل هذا الإتفاق يكون باطلاً لمخالفته للنظام العام ، ولو صح للجأت إليه شركات الاحتكار وجعلته شرطاً مألوفاً في عقودها . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول ، الصفحة/ 299)
وبناء على ذلك جعل القانون نفسه تعديل الشروط التعسفية في عقد الإذعان جوازياً للقاضي، يسترشد في الأخذ به أو عدمه وفي مدى التعديل الذي يجريه بما تقضي به قواعد العدالة وتقدير ما إذا كان الشرط تعسفياً أو غير تعسفي مسألة موضوعية لا يخضع فيها القاضي لرقابة محكمة النقض غير أن ما يسوغ إبطاله في هذه الحالة يقتصر على الشروط التعسفية المناقضة لجوهر العقد باعتبارها مخالفة للنظام العام ولا يجوز للطرفين في عقد الإذعان أن يتفقا على استبعاد سلطة القاضي في تعديل الشروط التعسفية لأن اتفاقهما على ذلك يقع باطلاً بنص القانون وقد أراد المشرع أن يحول بذلك دون أن يدرج الطرف المحتكر في ضمن شروط عقد الإذعان شرطاً يقرر به المذعن إستبعاد سلطة القاضي في تعديل الشروط التعسفية فيعطل بذلك الحماية التي قررها المشرع للطرف المذعن .
ومن ناحية أخرى خص المشرع عقود الإذعان بمزية أخرى خرج بها على القاعدة العامة في تفسير العقود التي تقضي بأن يفسر الشك في مصلحة المدين ( المادة 151 فقرة أولى ) ، إذ رأى أن الطرف القوي في عقود الإذعان قد يكون مديناً ، فلا يجوز له أن يستفيد من غموض الشروط التي أملاها هو وفرضها على الطرق المذعن دون أن يترك له خياراً في شأنها ، فنص في المادة 151 فقرة ثانية على أنه «لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن»، أي أن الشك يجب في عقود الإذعان أن يفسر لمصلحة الطرف المذعن دائناً كان أو مديناً . (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقص، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني الصفحة/ 185)
تتميز عقود الإذعان بثلاثة خصائص أساسية أولها تعلق العقد بسلعة أو مرفق يعتبر ضرورياً للمستهلكين أو المنتفعين وثانيها احتكار الموجب لهذه السلعة أو المرفق احتكاراً قانونياً أو فعلياً وهو ما يتحقق ولو كانت هناك منافسة ضيقة النطاق ، وثالثها توجيه الأيجاب إلى الناس كافة بشروط واحدة غالبا ما تكون في نموذج مطبوع كثير البنود التي لا يتيسر فهمها للرجل المعتاد وتدور أغلبها لصالح الموجب يراجع في ذلك جمال زكی بند 47 - وراجع السنهورى بند 116 وما بعده - الشرقاوي المصادر ص 65 وما بعدها - الصدة بند 92 حتى 96 - حمدي عبد الرحمن ص 477 - البدراوى بند 77 حتى 80 - عبد الحكم فودة بند 239 حتی 240 - حسن جمیعی بند 520 حتى 539 - مرقس في نظرية العقد بندی 63 مکرر و 94 .
وتقدير ما إذا كان الشرط تعسفياً تستقل به محكمة الموضوع دون رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سائغاً .
ولا يسرى النص إلا على العقود المدنية ، فلا يسري على العقود الإدارية وهي العقود التي تكون الإدارة طرفا فيها و تبرمها بقصد تسيير مرفق عام وتحتوي شروطا غير مألوفة .
والسلع محل العقد تعتبر ضرورية متى كانت لا غنى للناس عنها .(التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 967 )
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
(مادة 151):
اذا تم العقد بطريق الاذعان ، وكان قد تضمن شروطا تعسفية ، جاز للقاضي ان يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها ، وذلك وفقا لما تقضى به العدالة . ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك .
هذه المادة تطابق المادة 149 من التقنين الحالي .
و تطابق الفقرة الثانية من المادة 167 من التقنين العراقي .
و تطابق المادة 204 من التقنين الأردنی :
وتتفق في حكمها مع المادة ۸۱ من التقنين الكويتي .
وقد رأينا فيما تقدم أن الفقه الاسلامي لا يتحدث عن عقد الاذعان ، وانما يتناول الفكرة الجوهرية التي يقوم عليها هذا العقد ، وهي ألا يحتكر الشخص سلعة ضرورية فيزيد من سعرها وبيعها للناس بحسب هواه فيرضخ الناس للسعر الذي يفرضه نظرا إلى حاجتهم الشديدة لهذه السلعة
.وقد حمل الفقه الإسلامي على الاحتكار وتناوله في الصور التي كانت مألوفة في عهده . انظر تفصيلا لذلك فيما تقدم تحت المادة 84 من المشروع .
ويتضح من هذا أن الشريعة الاسلامية تؤيد حماية الطرف الضعيف في عقد الاذعان . وبذلك يتفق حكم النص المقترح مع المبادىء المقررة في الشريعة .
( مادة 153)
في العقود المبرمة بالتوقيع على نماذج جاهزة لتوحيد تنظيم علاقات تعاقدية ، فان الشروط المضافة إلى تلك النماذج تتغلب على الشروط الأصلية اذا تنافت معها حتى ولو لم تشطب تلك الشروط المنافية .
هذه المادة مستحدثة
وهي تطابق المادة 151 من التقنين الليبي .
وهي تتناول العقد الذي تعد شروطه مقدما كنموذج يحتذى عند التعاقد في شأن نوع معين من العلاقات التعاقدية ، كما هو الشأن في عقود الاذعان : فاذا أضيفت شروط الى هذا النموذج تنافي انشروط الأصلية كان معنى ذلك أن ارادة المتعاقدين قد اتجهت إلى الشروط المضافة واعرضت عن الشروط الاصلية حتى ولو لم تشطب ه ذه الأخيرة . ولذلك جرى القضاء في عقود التأمين على أن يغلب الشروط المخطوطة على الشروط المطبوعة ، وبذلك أعفى الطرف المنعن من الشرط الذي يتناقض مع آخر يكون اكثر انطباقا على نية المتعاقدين
وبذلك يتفق حكم هذه المادة من المبادىء العامة في الشريعة الإسلامية
التي لا تعتد الا بما اتجهت اليه ارادة المتعاقدين عند التعاقد •
(3) أثر العقد بالنسبة إلى الغير
هذه المادة تطابق المادة 152 من التقنين الحالي .