loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 157

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- يفترض الفسخ وجود عقد ملزم للجانبين ، يتخلف فيه أحد العاقدين عن الوفاء بالتزامه فيطلب الآخر فسخه ، ليقال بذلك من تنفيذ ما التزم به ويقع الفسخ بناء على حكم يقضى به أو بتراضي العاقدين ، أو بحكم القانون. وبذلك يكون الفسخ قضائياً ، أو اتفاقياً أو قانونياً على حسب الأحوال .

2- في حالة الفسخ القضائي يتخلف أحد العاقدين عن الوفاء بالتزامه ، رغم أن الوفاء لا يزال ممكناً، ويكون العاقد الآخر بالخيار : بين المطالبة بتنفيذ العقد ، وبين طلب الفسخ ، على أن يكون قد أعذر الدين من قبل فإذا اختار الدائن تنفيذه العقد وطلبه ، وهو يدخل في حدود الإمكان ، كما هو حكم الفرض، تعين أن يستجيب القاضي لهذا الطلب ، وجاز له أن يحكم بالتعويض ، إذا اقتضى الحال ذلك أما إذا اختار الفسخ ، فلا يجبر القاضي على إجابته إليه ، بل يجوز له أن ينظر المدين إلى میسره إذا طلب النظرة ، مع إلزامه بالتعويض عند الإقتضاء ، بل ويجوز له أن يقضي بذلك من تلقاء نفسه وله كذلك ، ولو كان التنفيذ جزئياً ، أن يقتصر على تعويض الدائن عما تخلف المدن عن تنفيذه ، إذا كان ما تم تنفيذه هو الجزء الأهم في الإلتزام على أن للقاضي أن يجيب الدائن إلى طلبه ، ويقضي بفسخ العقد، مع إلزام المدين بالتعويض دائماً ، إن كان ثمة محل لذلك ولا يكون التعاقد ذاته ، في حالة الفسخ ، أساساً للإلتزام بالتعويض ، إذ هو ينعدم انعداماً يستند أثره بفعل الفسخ وإنما يكون مصدر الإلزام ، في هذه الحالة ، خطأ المدين أو تقصيره على أن القاضي لا يحكم بالفسخ إلا بتوافر شروط ثلاثة : أولها أن يظل تنفيذ العقد ممكناً، والثاني أن يطلب الدائن فسخ العقد ، دون تنفيذه ، والثالث أن يبقى المدين على تخلفه ، فيكون من ذاك مبرر للقضاء بالفسخ، فإذا اجتمعت هذه الشروط تحقق بذلك ما ينسب إلى الدين من خطأ أو تقصير .

3 - أما الفسخ الاتفاق ، فيفترض اتفاق المتعاقدين على وقوع الفسخ بحكم القانون دون حاجة إلى حكم قضائي ، عند التخلف عن الوفاء ، ويفضي مثل هذا الإنفاق إلى حرمان المتعاقد من ضيافتي : (1) العقد يفسخ حتماً دون أن يكون لهذا العاقد ، بل ولا القاضي ، خيار بين الفسخ والتنفيذ وإنما يبقي الخيار للدائن بداهة فيكون له أن يرغب عن الفسخ ويصر على التنفيذ. (ب) ويقع الفسخ بحكم الإتفاق دون حاجة للتقاضي، على أن ذلك لا يقبل الدائن من ضرورة الترافع إلى القضاء، عند منازعة المدين في واقعة تنفيذ العقد، بيد أن مهمة القاضي تقتصر، في هذه الحالة على التثبت من هذه الواقعة ، فإذا تحققت لديه صحتها أيق على العقد، وإلا قضى بالفسخ على أن حرمان المدين من هاتين الضمانتين لا يسقط عنه ضانة أخرى ، تتمثل في ضرورة الإعذار ، ما لم يتفق المتعاقدان صراحة على عدم لزوم هذا الإجراء أيضاً .

4 - يتي بعد ذلك أمر الفسخ القانوني وهو يقع عند انقضاء الالتزام على أثر استحالة تنفيذه فإن قضاء هذا الإلتزام يستبعد انقضاء الإلتزام المقابل له لتخلف سببه ولهذه العلة ينفسخ العقد من تلقاء نفسه أو بحكم القانون بغير حاجة إلى التقاضي بل وبغير أعذار ، متى وضحت استحالة التنفيذ وضوحاً كافياً على أن الترافع إلى القضاء قد يكون ضرورياً، عند منازعة الدائن أو المدين في وقوع الفسخ بيد أن موقف القاضي في هذه الحالة يقتصر على الاستيثاق من أن التنفيذ قد أصبح مستحيلاً، فإذا تحقق من ذلك يثبت وقوع الفسخ بحكم القانون ، ثم يقضي بالتعويض أو رفض القضاء به ، تبعاً لما إذا كانت هذه الإستحالة راجعة إلى خطأ المدين أو تقصيره أو إلى سبب أجنبي لا يد له فيه .

5 - ويترتب على الفسخ ، قضائيا كان أو اتفافياً أو قانونياً ، إنعدام العقد إنعداماً يستند أثر، فيعتبر كأن لم يكن وهذا يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كان عليها قبل العقد فيرد كل منهما ما تسلم بمقتضى هذا العقد ، بعد أن تم فسخه وإذا أصبح الرد مستحيلاً وجب التعويض على الملازم ، وفقاً للأحكام الخاصة بدفع غير المستحق ومع ذلك فقد استثني المشروع من حكم هذه القاعدة صورة خاصة تعرض في فسخ العقود الناقلة لملكية العقارات فنص على أن هذا الفسخ لا يضر بالغير حسن النية ، إذا كان قد تلق من المتعاقد ، الذي آلت إليه ملكية العقار بمقتضى العقد المفسوخ ، حقاً على هذا العقار ، قبل تسجيل صحيفة دعوى الفسخ ( أنظر المادة 375 من المشروع )، ومؤدى هذا أن يظل حق الغير قائماً ، ويرد العقار مثقلاً به ، رغم فسخ العقد الناقل للساكية ، وغنى عن البيان، أن هذا الإستثناء يكفل قسطاً معقولاً من الحماية للغير حسن النية ، ويهيئ بذلك للتعامل ما يخلق به من أسباب الاستقرار .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 218 من المشروع .

فاقرتها اللجنة على أصلها مع تعديلات لفظية وأصبح النص النهائي كما يأتي :

1- في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يوفي أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتض .

2 - ويجوز للقاضي أن يمنح الدين أجلا إذا اقتضت الظروف ذلك كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان مالم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الإلتزام في جملته وأصبح رقم المادة 161 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

 وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 161 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة الخامسة عشرة انتقلت اللجنة إلى مناقشة المواد 161 وما بعدها الخاصة بـ إنحلال العقد فاعترض على العنوان وقيل إنه لا يتفق مع أحكام هذه المواد وبعد مناقشة اتفق على أن يتقدم حضرة مندوب وزارة العدل بصيغة جديدة للعنوان تتفق والأحكام الواردة في تلك المواد .

ثم تليت المادة 161 :

فقال الدكتور بغدادی إن الأحكام الواردة في هذه المادة لم تجاوز القواعد التقليدية وهي من ناحية إعذار المتخلف عن الوفاء تطابق المادة 120 من القانون الحالي وطريقة الإعذار مبينة في المادة 326 من مشروع القانون المعروض .

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة بالإجماع على هذه المادة .

وأصبح رقمها 157.

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة دون تعديل .

الأحكام

1- النص في المادة 157 من القانون المدني على أنه ( 1- في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوفِ أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتضَ. 2- ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلًا إذا اقتضت الظروف ذلك ، كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوفِ به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته. ) يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أنه ولئن كان للبائع أن يطلب فسخ عقد البيع إذا لم يقم المشتري بتنفيذ التزامه بالوفاء بباقي الثمن عملًا بنص المادة 157 / 1 من القانون المدني، إلا أنه متى كان العقد لا يحوي شرطًا صريحًا فاسخًا فإن المحكمة لا تلتزم في هذه الحالة بإجابته إلى طلبه بل إن الأمر في ذلك مرجعه إلى تقديرها، وكان للمشتري أن يتوقى الفسخ بالوفاء بباقي الثمن ولو بعد انقضاء الأجل المحدد في العقد بل وبعد رفع الدعوى بالفسخ وإلى ما قبل صدور الحكم النهائي فيها بفسخ عقده، ويكون هذا الوفاء مانعًا من إجابة طلب الفسخ، وأن قيام الملتزم بإيداع ما إلتزم به خزانة المحكمة بعد عرضه على صاحب الحق إنما هو وسيلة قررها القانون للوفاء بالالتزام .

( الطعن رقم 16709 لسنة 91 ق - جلسة 27 / 9 / 2022 )

2- إذ كان لمحكمة الموضوع – عملاً بالقاعدة العامة المنصوص عليها فى الفقرة الثانية من المادة 157 من القانون المدنى – سلطة الحكم برفض الدعوى بفسخ عقد البيع للتأخير فى سداد باقى الثمن وملحقاته على سند من أنه قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام فى جملته ، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون حكمها مبنياً على أسباب واضحة جلية تنم عن تحصيل المحكمة فهم الواقع فى الدعوى بما له سند من الأوراق والبيانات المقدمة لها ، وأن الحقيقة التى استخلصتها واقتنعت بها قام عليها دليلها الذى يتطلبه القانون ، ومن شأنه أن يؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها قضاؤها ، وهو ما لا يتحقق إلا ببيان الثمن المستحق على المشترى وملحقاته إن وجدت ، وما سدده منه ، وما بقى فى ذمته ونسبته إلى الالتزام فى جملته توصلاً لإجراء تقدير واعٍ حصيف لمدى أهمية ذلك الباقى بالنسبة إلى الالتزام فى جملته وفقاً لما تمليه طبائع الأمور وقواعد العدالة ، وبيان الدليل الذى أقامت عليه قضاءها فى كل ذلك من واقع مستندات الدعوى على نحو مفصل ، وأن تفصل فى كل نزاع بين الخصوم حول تلك الأمور بحكم يحسم كل خصومة بينهم على كلمة سواء وقول محكم حتى يمكن مراقبة صحة تطبيقه للقانون فى هذا الشأن .

(الطعن رقم 3366 لسنة 64 جلسة 2004/05/25 س 55 ع 1 ص 560 ق 103)

3- الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو حكم من القضاء عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه يترتب عليه الفسخ حتماً بمجرد تحقق الشرط الفاسخ الصريح الوارد فى العقد إذ يقع هذا الفسخ الاتفاقى بمجرد إعلان الدائن رغبته فى ذلك دون حاجة إلى تنبيه أو رفع دعوى بالفسخ أوصدور حكم به ، فإذا ما لجأ الدائن إلى القضاء فإن حكمه يكون مقرراً للفسخ بعد التحقق من توافر شروط الفسخ الاتفاقى ووجوب إعماله ولا يستطيع المدين أن يتفادى الفسخ بسداد المستحق عليه بعد تحقق الشرط الفاسخ الصريح إذ ليس من شأن هذا السداد أن يعيد العقد بعد انفساخه . ولما كان ذلك ، وكانت قاعدة الفسخ المتقدمة الواردة فى المادتين 157 و 158 من القانون المدنى غير آمرة وتسرى على العقود الملزمة للجانبين ومنها عقود الإيجار التى تخضع لأحكام القانون المدنى ، فإنه يتعين أن تكون صيغة هذا الاتفاق صريحة الدلالة على وقوع الفسخ حتماً عند تحققه وألا يكون الدائن قد أسقط حقه فى التمسك به .

(الطعن رقم 2090 لسنة 73 جلسة 2004/05/05 س 55 ع 1 ص 492 ق 89)

4- الأصل طبقا للقواعد العامة فى القانون المدني المستأجر ملتزم بألا يحدث تغييرا ضارا فى العين المؤجرة بدون إذن من المالك، وقد نصت المادة 580/2 من القانون المدني على أنه "إذا خالف المستأجر هذا الالتزام جاز إلزامه بإعادة العين إلى الحالة التي كانت عليها وبالتعويض إن كان له مقتضى" وجاء هذا النص تطبيقا للقواعد العامة فيجوز للمؤجر أن يطلب التنفيذ العيني، وإعادة العين إلى أصلها، أو فسخ الإيجار مع التعويض فى الحالتين إن كان له مقتضى.

(الطعن رقم 4622 لسنة 63 جلسة 2001/06/06 س 52 ع 2 ص 826 ق 165)

5- لما كانت الهيئة الطاعنة قد أقامت دعواها بطلب طرد المطعون ضدها من الأرض الفضاء انتفاعها وتسليمها خالية، وهو ما يتضمن بالضرورة وبطريق اللزوم فسخ العقد بينهما تأسيسا على قيامها ببناء مبان خرسانية عليها بما يغير من معالمها ويتنافى مع طبيعة العين، وما أجرت من أجله ويضر بالطاعنة، فإن الحكم المطعون فيه - الذي أيد الحكم الابتدائي لأسبابه - إذ رفض الدعوى على سند من خلو الأوراق من ثمة تعليمات تحظر على المطعون ضدها البناء - وهو ما لا يواجه دفاع الطاعنة ولا يصلح ردا عليه، باعتبار إنه ما لم يتفق العاقدان على ما يخالف القواعد العامة آنفة البيان، فإنها تكون ملزمة لهم ويتعين على القاضي إعمالها - الأمر الذي يعيب الحكم بالقصور فى التسبيب الذي جره إلى الخطأ فى تطبيق القانون.

(الطعن رقم 4622 لسنة 63 جلسة 2001/06/06 س 52 ع 2 ص 826 ق 165)

6- الممارسة أداة من أدوات القانون العام فى الإسناد والتعاقد ، ويترتب عليها إلتزامات متبادلة على كاهل طرفيها ومن ثم يكون من حق أياً من أطرافها المطالبة بفسخ العلاقة المترتبة عليها وفقاً لما هو مقرر بأحكام المادة 157 من القانون المدني ، وإذ خلص قضاء محكمة الدرجة الأولى المؤيد بالحكم المطعون فيه إلى فسخ العلاقة بين الشركة الطاعنة والمطعون ضدها بعد أن استخلص من أدلة النزاع أن الطاعنة أخلت بإلتزاماتها فيها ، فإنه لا يكون قد اخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 1618 لسنة 64 جلسة 2000/11/20 س 51 ع 2 ص 1021 ق 194)

7- لئن كان مجرد السكوت عن استعمال الحق فى طلب الفسخ فترة من الزمن رغم العلم بقيام موجبه لا يعتبر نزولاً عن الحق ، إلا أنه إذا اتخذ صاحب الحق مع سكوته موقفاً لا تدع ظروف الحال شكاً فى دلالته على قصد النزول ، كان هذا تعبيراً ضمنياً عن إرادة النزول عن الحق عملاً بالمادة 90 من القانون المدني .

(الطعن رقم 691 لسنة 68 جلسة 2000/11/08 س 51 ع 2 ص 975 ق 186)

8- الشرط الفاسخ لا يقتصى الفسخ حتماً بمجرد حصول الإخلال بالإلتزام إلا إذا كانت صيغته صريحة دالة على وجوب الفسخ حتماً عند تحققه . و إذا كانت عبارة الشرط الواردة فى عقد البيع أنه " إذا لم يدفع باقى الثمن فى المدة المحددة به يعتبر البيع لأغياً " فإن هذا الشرط لا يعدو أن يكون ترديداً للشرط الفاسخ الضمنى المقرر بحكم القانون فى العقود الملزمة للجانبين ، و لما كانت محكمة الموضوع قد رأت فى حدود سلطتها التقديرية إلا تقضى بالفسخ إستناداً إلى الشرط الفاسخ الضمنى الوارد بالعقد لما تبينته من أن الباقى من الثمن بعد إستنزال قيمة العجز فى المبيع قليل الأهمية بالنسبة إلى الإلتزام فى جملته فإنها لا تكون قد خالفت القانون .

(الطعن رقم 491 لسنة 37 جلسة 2000/01/09 س 24 ع 1 ص 49 ق 10)

9- إذا كان الشرط الفاسخ - جزاء عدم وفاء المشتري بالثمن فى الميعاد المتفق عليه لا يتحقق إلا إذا كان التخلف عن الوفاء بغير حق، فإن كان للمشترى الدفع بحقه فى حبس ما لم يعجل من الثمن، وجب على المحكمة التجاوز عن شرط الفسخ الإتفاقي، ولا يبقى سوى التمسك بالفسخ القضائي طبقا لنص المادة 157 من القانون المدني.

(الطعن رقم 4695 لسنة 68 جلسة 1999/11/30 س 50 ع 2 ص 1197 ق 234)

10- لئن كان للبائع أن يطلب فسخ عقد البيع إذا لم يقم المشتري بتنفيذ التزامه بوفاء باقي الثمن عملاً بنص المادة 157/1 من القانون المدني إلا أن للمشتري أن يتوقى الفسخ بالوفاء بباقي الثمن قبل صدور الحكم النهائي بفسخ عقده فإن قبل البائع سداد باقي الثمن يمتنع قانوناً الحكم بفسخ البيع.

(الطعن رقم 4609 لسنة 61 جلسة 1999/07/05 س 50 ع 2 ص 982 ق 193)

11- إذ كان المشرع لم يورد بياناً لمبررات التأخير فى الوفاء بالأجرة ، بل عمم الحكم ليفسح المجال أمام المحاكم لتعمل حكم هذا النص مع ما يقتضيه العقد وما جرى عليه نص الفقرة الثانية للمادة 157 من القانون المدنى _ بشأن فسخ العقود عامة _ من أنه " (2) ويجوز للقاضى أن يمنح للمدين أجلاً إذا اقتضت الظروف ذلك ، كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام فى جملته " وهو ما لازمه أن كل حادث استثنائى لم يكن فى وسع المستأجر دفعه أو توقعه قد ترتب على حدوثه أن أصبح وفاء المستأجر بالأجرة فى ميعاد استحقاقها مرهقاً حتى لو لم يصبح الوفاء فى الميعاد مستحيلاً فإن هذا الحادث يصلح مبرراً للتأخير باعتبار هذا النص وذاك بعض تطبيقات نظرية الظروف الطارئة المنصوص عليها فى المادة 2/147 من القانون المدنى وحاصلها أن الطارئ غير المتوقع من شأنه أن ينقص الالتزامات إلى الحد المعقول دون اشتراط أن يصبح تنفيذ الالتزام مستحيلاً .

(الطعن رقم 6698 لسنة 63 جلسة 1997/12/22 س 48 ع 2 ص 1502 ق 280)

12- إذ كان الأصل أن يتضمن المحرر عقد واحد إلا انه لا مانع قانوناً من أن يتضمن المحرر لأكثر من عقد وفى هذه الحالة الأخيرة لا مانع من أن يطلب المؤجر فسخ أحد تلك العقود دون الأخرى متى توافرت لدعواه الشروط التى يتطلبها القانون ولا مجال فى تلك الحالة لتطبيق حكم المادة1/147 من التقنين المدنى الحالى التى تحظر الفسخ الجزئى للعقد إلا باتفاق طرفيه أو لسبب يقره القانون.

(الطعن رقم 4901 لسنة 64 جلسة 1995/04/06 س 46 ع 1 ص 604 ق 121)

13- إذا كان الأصل فى العقود - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن تكون لازمة بمعنى عدم إمكان انفراد أحد المتعاقدين بفسخ العقد دون رضاء المتعاقد الآخر، وإلا انه ليس ثمة ما يمنع من الاتفاق بينهما صراحة أو ضمناً على رفع على رفع العقد والتقايل منه وليس هناك ما يحول بين احدهما وبين طلب فسخه أو انفساخه إذا لم يوف المتعاقد الآخر بالتزامه أو إذا أصبح تنفيذ هذا الالتزام مستحيلاً طبقاً لنصوص المواد من 157 إلى 160 من القانون المدنى مما مؤداه أن الحق فى طلب حل الرابطة العقدية وفقاً لهذه النصوص باعتبارها مكملة لإدارة المتعاقدين ثابت لكل متعاقد بنص القانون ويعتبر العقد متضمناً له ولو خلا من أشترطه ولا يجوز حرمانه منه أو الحد من نطاقه إلا باتفاقه إلا صريح، وعقد القسمة شانه فى ذلك شأن سائر العقود التبادلية .

(الطعن رقم 2381 لسنة 60 جلسة 1995/04/05 س 46 ع 1 ص 581 ق 116)

14- ليس فى القانون ما يوجب على المشترى سبق إعذار البائع أو إثبات إمتناعه عن المثول أمام الشهر العقارى لتوقيع عقد البيع النهائى قبل رفع الدعوى قبله بطلب صحة ونفاذ هذا التعاقد .

(الطعن رقم 70 لسنة 60 جلسة 1994/09/28 س 45 ع 2 ص 1249 ق 236)

15- تقدير مدى الجد فى الطلب الذى يقدمه الخصوم بغيه إعادة الدعوى إلى المرافعة هو من الأمور التى تستقل بها محكمة الموضوع إلا أن ذلك مشروط بأن تكون المحكمة قد مكنت الخصوم من إبداء دفاعهم وراعت القواعد الأساسية التى تكفل عدالة التقاضى ، ولما كان البين من الأوراق أن محكمة الإستئناف قررت بالجلسة الأولى حجز الدعوى للحكم ورخصت لمن يشاء من الطرفين تقديم مذكرات خلال أجل معين قام الطاعن خلاله بعرض الأقساط المتأخرة على المطعون ضده قانوناً فقبلها ، وقدم الطاعن طلبا لإعادة الدعوى للمرافعة تمسك فيه بانقضاء إلتزامه بالوفاء وأرفق به محضر العرض والتسليم، وإلا أن المحكمة لم تعرض لهذا الطلب أو الدفاع الثابت به ثم قضت بتأييد حكم أول درجه بفسخ العقد ، فإنها بذلك تكون قد صادرت حق الطاعن فى إبداء دفاعه على ضوء ما تم من الوفاء بالأقساط المتأخرة قبل الحكم فى الدعوى، كما يعد إخلالا بحق الدفاع وخروجا على القواعد الأساسية التى تكفل عدالة التقاضى فضلاً عن القصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 1068 لسنة 60 جلسة 1994/07/12 س 45 ع 2 ص 1197 ق 226)

16- لما كان الثابت بالأوراق أن اليمين التى حلفها المطعون ضده أمام محكمة أول درجه كانت بالصيغة الآتية " أحلف بالله العظيم بأننى لم أتقاضى أجرة من المدعى عليها عن الشقة بالدور الأول فوق الأرضى بالعقار المملوك لى عن الفترة من أول يناير سنه 1982 حتى أول أغسطس سنه 1985 " وهى يمين وإن قطع حلفها بعدم وفاة الطاعنة بأجرة العين مثار النزاع عن المدة المبينة فيها، إلا أنها لا تؤدى حتما إلى القضاء بالإخلاء، وإذ يظل للطاعنة رغم ثبوت عدم وفائها بالأجرة على الوجه التقدم أن تتوقى حكم الإخلاء إذا ما بادرت إلى الوفاء بما استحق عليها منها وبكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية حتى إقفال باب المرافعة فى الدعوى، ولو أمام محكمة الاستئناف ومن ثم فإن الحكم الابتدائى الذى قضى بالإخلاء لهذا السبب يكون جائزاً استئنافه طالما تغيت الطاعنة أن تتدارك أمام محكمة الاستئناف ما فاتها أمام محكمة الدرجة الأولى، وإذ لم يلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم جواز الاستئناف رغم تمسك الطاعنة فى صحيفته بحقها فى توقى الإخلاء بسداد الأجرة المستحقة وما تكبده المطعون ضده من مصاريف ونفقات، ودون أن يمحص ما قدمته تأييدا لهذا الدفاع من إنذارات عرض ومحاضر إيداع مما قد يتغير به وجه الرأى فى جواز الاستئناف فإنه فضلاً عن مخالفته للقانون وخطئه فى تطبيقه ، يكون قد عاره قصور فى التسبيب.

(الطعن رقم 232 لسنة 60 جلسة 1994/05/30 س 45 ع 1 ص 934 ق 178)

17- إذ كان العقد موضوع التداعى قد خلا من تحديد مكان سداد باقى الثمن وكان الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بعدم تحقق الشرط الصريح الفاسخ تأسيسا على أن المطعون ضده لم يسع إليه فى موطنه لمطالبته بباقى الثمن، وخلت الأوراق مما يفيد ذلك، وهو منه دفاع من شأنه - إن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإن الحكم المطعون فيه إذ التفت عن تحقيق هذا الدفاع وأقام قضاءه على تحقق الشرط الصريح الفاسخ يكون فضلاً عن قصوره قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 3244 لسنة 59 جلسة 1994/01/13 س 45 ع 1 ص 151 ق 32)


18- أن الأصل فى تنفيذ الالتزام عملاً بمقتضى المادتين 347/2 , 456 من القانون المدنى ، أن يكون دفع الدين فى محل المدين ، إلا إذا أُتفق على خلاف ذلك  فإن النص فى عقد البيع ، على الشرط الصريح الفاسخ ، عند تخلف المشترى عن سداد باقى الثمن أوقسط منه فى ميعاده مع عدم اشتراط أن يكون الوفاء فى موطن البائع، لا يعفى الأخير من السعى إلى موطن المشترى ، لاقتضاء القسط أوما بقى من الثمن عند حلول أجله ، فإذا قام بذلك وامتنع المشترى عن السداد بدون حق ، اعتبر متخلفاً عن الوفاء وتحقق فسخ العقد بموجب الشرط ، أما إذا أبى البائع السعى إلى موطن المشترى عند حلول الأجل بغية تحقق الشرط عُدَّ ذلك بمثابة رفض لاستيفاء الثمن أومــا حـــل منه دون مـــبرر فلا يرتب الشرط أثره فى هـذه الحالة .

(الطعن رقم 3244 لسنة 59 جلسة 1994/01/13 س 45 ع 1 ص 151 ق 32)

19-  الإعذار شرع لمصلحة المدين وله أن يتنازل عنه ، وكان البين من الأوراق أن الشركة المطعون ضدها لم تتمسك فى دفاعها بأن الطاعن لم يعذرها بتنفيذ التزامها وإذ تصدت المحكمة من تلقاء نفسها لذلك وانتهت إلى رفض الدعوى لعدم إعذار الشركة ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.

(الطعن رقم 877 لسنة 58 جلسة 1993/06/29 س 44 ع 2 ص 789 ق 267)

20- الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو حكم من القضاء عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه يترتب عليه الفسخ حتما بمجرد تحقق الشرط دون حاجة لرفع دعوى بالفسخ إذ يقع هذا الفسخ الاتفاقى بمجرد إعلان الدائن رغبته فى ذلك دون حاجة إلى رفع دعوى بالفسخ أو صدور حكم به، فإذا ما لجأ الدائن إلى القضاء فإن حكمه يكون مقررا للفسخ ولا يملك معه القاضى إمهال المدين لتنفيذ التزامه ولا يستطيع المدين أن يتفادى الفسخ بسداد المستحق عليه بعد إقامة دعوى الفسخ غذ ليس من شأن هذا السداد أن يعيد العقد بعد انفساخه إلا أنه يتعين ان تكون صيغة هذا الاتفاق صريحة الدلالة على وقوع الفسخ عند تحققه بلا حاجة إلى تنبيه أو إنذار ، لما كان ذلك وكانت قاعدة الفسخ المتقدمة والواردة فى المادتين 157 , 158 من القنون المدنى غير آمرة تسرى على العقود الملزمة للجانبين ومنها عقود الإيجار التى تخضع لأحكام القانون المدنى ويخرج عن نطاق تطبيقها قوانين الإيجارات الإستثنائية.

(الطعن رقم 3294 لسنة 58 جلسة 1993/05/13 س 44 ع 2 ص 395 ق 203)

21- إن المادة 65 من قانون العمل الصادر برقم 137 لسنة 1981 بما تضمنه من حكم مستحدث جرى به نصها على أنه ". . . " فإنه مع ذلك لا يغل يد صاحب العمل عن إستعمال حقه فى فسخ عقد العمل وفصل العامل بإرادته المنفردة إذا إرتكب خطأ جسيماً طبقاً لما تقضى به المادة 61 من ذات القانون، إذ أنه ما زال فى مكنته الإختيار بين عرض أمر فصل العامل على اللجنة المشار إليها قبل توقيع الجزاء التأديبي عليه بالفصل أو إغفال العرض عليها وفسخ عقد العمل وفصل العامل إذا توافر المبرر المشار إليه فى المادة 61 آنفة البيان وذلك إعمالاً لصفته المدنية التي تسمح له عند اخلال العامل بالتزاماته أن ينهى عقد عمله بإرادته المنفردة طبقاً للمواد 157، 694، 695 من القانون المدني. آية ذلك أن النص الذي كان مقدماً فى الاقتراح بمشروع قانون العمل الجديد والذي كان يحرم صاحب العمل من فرصة الاختيار بين نظام التأديب ونظام الفسخ المدني حسبما يتفق مع مصالحه حيث كان يقضى ذلك النص المقترح بعدم جواز لجوء صاحب العمل إلى إنهاء علاقة العمل فى إطار الرابطة المدنية العقدية لنفس الأسباب التي كان من أجلها قد طلب تأديب العامل بالفصل، هذا النص لم يظهر فى القانون القائم الأمر الذي ينبئ عن إنصراف نية المشرع عنه .

(الطعن رقم 159 لسنة 57 جلسة 1991/05/09 س 42 ع 1 ص 1043 ق 167)

 22- الشرط الفاسخ المقرر جزاء عدم وفاء المشترى بالثمن فى الميعاد المتفق عليه لا يتحقق إلا إذا كان التخلف عن الوفاء بغير حق ، فإذا كان للمشترى الدفع بعدم التنفيذ فى حالة توافر شروطه ، وجب على المحكمة التجاوز عن شرط الفسخ الإتفاقى ولا يبقى للبائع سوى التمسك بالفسخ القضائي طبقاً لنص المادة 157 من القانون المدنى وكانت الطاعنة قد تمسكت أمام محكمة أول درجة بوجود عجز فى مساحة أرض التداعى ، وقدمت كشف تحديد مساحى تدليلاً على دفاعها وهو فى حقيقته دفع بعدم التنفيذ ، ومن ثم فإن هذا الدفاع يعتبر مطروحاً على محكمة الإستئناف ترتيباً على الأثر الناقل للإستئناف ، وإذ لم يثبت أنها تنازلت عنه صراحة أو ضمناً ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على تحقق الشرط الفاسخ الصريح و أغفل الرد على هذا الدفاع الذى لو صح لتغير به وجه الرأى فى الدعوى ، فإنه يكون معيباً بالقصور والخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 1231 لسنة 58 جلسة 1990/03/20 س 41 ع 1 ص 799 ق 133)

 23- المادة 824 من القانون المدني وإن نصت على بطلان التصرف المخالف للشرط المانع من التصرف ولم تتعرض للعقد الأصلي الوارد فيه هذا الشرط إلاأن ذلك لا يمنع المتعاقد الذي اشترط هذا الشرط من طلب فسخ ذلك العقد استناداً إلى الأحكام العامة المقررة للفسخ فى العقود الملزمة للجانبين متى كان شرط المنع من التصرف من الشروط الأساسية للتعاقد والتي بدونها ما كان يتم، إذ تكون مخالفة المتعاقد الآخر له فى هذه الحالة إخلالاً منه بأحد التزاماته الجوهرية مما يجيز للمتعاقد معه طلب فسخ العقد طبقاً للمادة 157/1 من القانون المدني التي تعتبر من النصوص المكملة لإرادة المتعاقدين ولهذا فإن هذا الحق يكون ثابتاً لكل منهما بنص القانون ويعتبر العقد متضمناً له ولو خلا من اشتراطه، ولا يجوز حرمان المتعاقدين من هذا الحق أوالحد من نطاقه إلا باتفاق صريح.

(الطعن رقم 2903 لسنة 57 جلسة 1989/11/16 س 40 ع 3 ص 118 ق 336)

24- إذا كانت المادة 24 من القانون رقم 49 لسنة 1977 قد أجازت فى فقرتها الثالثة للمستأجر إثبات واقعة التأجير وجميع شروط العقد بكافة طرق الإثبات ولم تلزم بتوجيه إنذار إلى المؤجر قبل رفع الدعوى للمطالبة بإثبات تلك الواقعة خروجاً على القواعد العامة المنصوص عليها فى المادة 157 من القانون المدني والتي توجب على الدائن إعذار المدين قبل مطالبته بتنفيذ العقد أو بفسخه، وكان طلب المطعون ضده تسليمه الوحدتين المؤجرتين إليه وتمكينه من الإنتفاع بها هما طلبين تابعين لطلبه الأصلي بإثبات علاقته الإيجارية لهاتين الوحدتين فإنه لا يكون ملزماً بإعذار الطاعنة قبل رفع دعواه بهذه الطلبات - أو إذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم سبقها بإنذار فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.

(الطعن رقم 1831 لسنة 52 جلسة 1989/04/30 س 40 ع 2 ص 229 ق 198)

25- إعذار المدين هو وضعه قانوناً فى حالة المتأخر فى تنفيذ إلتزامه ، والأصل فى هذا الإعذار أن يكون بورقة رسمية من أوراق المحضرين يبين الدائن فيها أنه طلب من المدين تنفيذ الإلتزام . ومن ثم فلا يعد إعذاراً - إعلانه بصحيفة دعوى التعويض لإخلال المدين بتنفيذ إلتزام من إلتزاماته إلا إذا إشتملت صحيفتها على تكليفه بالوفاء بهذا الإلتزام ، وتقدير إشتمال هذه الصحيفة على هذا التكليف من المسائل الموضوعية التى تخضع لسلطة قاضى الموضوع فى أن يأخذ بالتفسير الذى يراه المقصود من العبارات الواردة بالصحيفة دون رقابة من محكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة تكفى لحمله .

(الطعن رقم 592 لسنة 55 جلسة 1989/01/26 س 40 ع 1 ص 295 ق 60)

26- الفسخ هو حل للرابطة العقدية بسبب إخلال أحد طرفي العقد الملزم للجانبين بإلتزام ناشئ عنه والأصل فيه ألا يقع بحكم القاضي - على نحو ما نصت عليه المادة 157 من القانون المدني - وهو ما يستلزم إعذار المدين بوضعه قانوناً موضوع المتأخر فى تنفيذ إلتزامه، وكان الشارع لم يصرح بأن يجعل من الإخلال بالإلتزام أو توجيه الإعذار من شروط قبول دعوى الفسخ بل يكفى تحققها أثناء نظر الدعوى باعتبار أن الإخلال بالإلتزام هو مناط الحكم بالفسخ وأن الإعذار هوشرط إيقاعه ولا محل للإعذار متى صرح المتعاقد بعدم تنفيذه إلتزامه، فإذا كان المشترى قد عرض ثمناً أقل مما هو ملزم بسداده وصمم على ذلك لحين الفصل فى الدعوى، أو لم يقرن العرض بالإيداع - فلا تكون هناك حاجة للحكم بالفسخ، إلى ضرورة التنبيه على المشترى بوفاء الثمن المستحق .

(الطعن رقم 537 لسنة 56 جلسة 1989/01/18 س 40 ع 1 ص 201 ق 43)

27- النص فى العقد على أنه إذا تأخر الطرف الثانى فى دفع القيمة الإيجارية يحق للطرف الأول فسخ هذا العقد وتصبح حيازة الثانى للعين بلا سند قانونى وبغير حاجة إلى تنبيه بالسداد لا تؤدى إلى فسخ العقد حتماً ومن تلقاء نفسه فور تراخى المستأجر فى الوفاء بالأجرة فى مواعيدها ، إذ جاءت قاصرة على مجرد منح المؤجر حق فسخ العقد و هو ذات الحق المقرر له فى القانون فى العقود الملزمة للجانبين ، أى أنها لا تعدو أن تكون ترديداً للشرط الفاسخ الضمنى المنصوص عليه فى المادة 157 من القانون المدنى ،ولا يغير من ذلك ما ورد بعبارة الشرط من أن حيازة المستأجر تصبح بلا سند قانوني إذ أن ذلك أثر محقق لوقوع الفسخ إتفاقاً أو قضاء فلا تنصرف لأحدهما دون الآخر ، كما أن تقرير حق المؤجر فى الفسخ دون تنبيه ليس إلا مجرد إعفاء من الأعذار دون إعفاء من اللجؤ إلى القضاء فى طلب الفسخ بحكم منشىء له ، وهو أمر بدوره جائز فى حالتى الفسخ الإتفاقى أو القضائي.

(الطعن رقم 1952 لسنة 54 جلسة 1985/10/30 س 36 ع 2 ص 963 ق 199)

28- لما كان الطاعنون قد طلبوا فسخ العقد إعمالاً لحقهم المقرر بمقتضى نص المادة 157 من القانون المدنى فإنه يتعين لإجابة طلب الفسخ فى هذه الحالة أن يظل الطرف الآخر متخلفاً عن الوفاء بإلتزامه حتى صدور الحكم النهائى و له أن يتوقى صدور هذا الحكم بتنفيذ إلتزامه إلى ما قبل صدوره .

(الطعن رقم 1954 لسنة 50 جلسة 1984/05/22 س 35 ع 1 ص 1390 ق 268)

29- فسخ العقد يخضع لتقدير قاضى الموضوع يحكم به أو يمنح المدين إجلاً للوفاء بإلتزامه ، و لئن كان الوفاء بالإلتزام فى غضون هذا الأجل مانعاً من جواز الحكم بالفسخ فإن إنقضاء الأجل دون الوفاء بالإلتزام لا يوجب الحكم بالفسخ حتماً إلا بنص فى القانون - ولا يوجد هذا النص فى قواعد الفسخ الوارده بالمادة 157 من القانون المدنى - كما أن المشرع حذف من مواد البيع نص المادة 610 من المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الذى كان يوجب الفسخ دون إنذار المشترى إلى أجل آخر إذا لم يدفع الثمن قبل إنقضاء الأجل - تاركاً ذلك لحكم القواعد العامة فى فسخ العقود الملزمة للجانبين ، والمستفاد من هذه القواعد أن الأجل الذى يجوز للقاضى أن يمنحه للمدين وفقاً للفقرة الثانية من المادة 157 من القانون المدنى قد ورد على سبيل الإستثناء من الحق فى طلب الفسخ المقرر للدائن بالفقرة الأولى من النص السالف ، وأن منح الأجل فى ذاته لا يتضمن إعمال الشرط الفاسخ فى حالة إنقضاء الأجل الممنوح دون الوفاء بل يبقى العقد رغم ذلك قائماً و يظل الوفاء بالإلتزام ممكناً بعد إنقضاء الأجل و حتى صدور الحكم النهائى و لا يتعين على قاضى الموضوع أن يحكم بالفسخ فى هذه الحالة .

(الطعن رقم 1954 لسنة 50 جلسة 1984/05/22 س 35 ع 1 ص 1390 ق 268)

30- إقامة الحكم المطعون فيه قضاءه بالفسخ على ما أورده فى مدوناته من أنه .... بما مفاده أن محكمة الموضوع قد رأت فى عبارات البند الرابع من عقد الإيجار بما لا يخرج عما تحتمل ، إلتزام الطاعنة بنزع الإعلانات من أماكنها مع بداية سدادها الأجرة بواقع الربع و إستخلصت إخلال الطاعنة بهذا الإلتزام لقيامها بسداد ربع القيمة وتقاعسها فى ذات الوقت عن رفع اللوحات الإعلانية بما يعطى للمؤجر طلب فسخ عقد الإيجار تطبيقاً للمادة 157 من القانون المدنى وإذ كان هذا الإستخلاص سائغاً له أصله الثابت بالأوراق و يؤدى إلى النتيجة التى إنتهى إليها الحكم و يكفى لحمل قضائه . . . فإن النعى لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام هذه المحكمة .

(الطعن رقم 744 لسنة 49 جلسة 1984/04/16 س 35 ع 1 ص 995 ق 188)

31- إذا كان البين من الأوراق أن البند السابع من عقد إيجار عين النزاع يجرى على أن " المستأجر غير مأذون بأن يحدث إحداثاً بالمحل مثل هدم أوبناء أوتغيير تفاصيل أو تقسيم الأود أو فتح شبابيك و أبواب بدون إذن كتابى من المالك و إن أجرى شيئاً من ذلك فيكون ملزماً بترجيح المحلات لحالتها الأصلية ويدفع قيمة المصاريف و الأضرار والمالك يكون له الحق أن ينتفع بالتحسينات والإصلاحات الناشئة عن تلك الاحداثات أوبجانب منها بدون ملزومية عليه بدفع قيمتها أو بدفع مبلغ عنها مهما كان " وكان ظاهر هذا البند يعتبر أن نية المتعاقدين قد إنصرفت إلى تحديد الجزاء على مخالفته بإعادة الحال إلى أصلها بمصروفات على عاتق المستأجر أو الإبقاء على هذه التعديلات أو بعضها دون تحميل المؤجر نفقاتها و كان الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد عمد إلى تطبيق المادة 23/ج من القانون رقم 52 لسنة 1969 التى تجيز للمؤجر طلب فسخ العقد و إخلاء المكان المؤجر إذا إستعمله المستأجر بطريقة تنافى شروط الإيجار المعقولة أو تضر بمصلحة المالك ، و قضى بالإخلاء تأسيساً على أن الطاعن " المستأجر " أخل بإلتزامه المنصوص عليه فى البند السابع من عقد الإيجار بأن أجرى تغييراً فى العين المؤجر دون أن يبين فى الأسباب مبررات عدوله عن المدلول الظاهر للعقد من عدم توقيع الجزاء بالفسخ فى هذه الحالة رغم أن للمؤجر عند التعاقد أن ينزل عن التمسك بالرخصة التى خولها له المشرع فى كل أو بعض المواضع التى تجيز له طلب فسخ العقد والإخلاء مما عددته تلك المادة.

(الطعن رقم 1476 لسنة 48 جلسة 1983/11/14 س 34 ع 2 ص 1601 ق 313)

 32- إذا كان الحكم قد أقام قضاءه على دعامتين و كانت إحداهما كافية لحمله ، فإن النعى على الأخرى بفرض صحته يكون غير منتج ، لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بفسخ العقد بالنسبة لحصة الطاعن على سند مما إستخلصه سائغاً من أنه قصر فى تنفيذ إلتزامه بسداد الباقى من ثمن حصته فى العقار المبيع ، وهو ما تتوافر به شروط الفسخ القضائي المنصوص عليه بالمادة 157 من القانون المدنى وذلك بالنسبة لحصة المشترى المذكور ، وكان هذا الذى أورده و إنتهى إليه الحكم يتفق وصحيح القانون ومن شأنه أن يؤدى إلى ما إنتهى إليه من تحقق شروط الفسخ القضائي فى حق الطاعن لعدم وفائه للمستحق عليه من ثمن حصته فى العقار المبيع فإن تعييبه فيما إستطرد إليه تزيداً من دعامة أخرى لقضائه بشأن تحقق الفسخ القضائي من تلاقى إرادة الطرفين على الفسخ ... يضحى و أياً كان وجه الرأى فيه غير منتج .

(الطعن رقم 923 لسنة 51 جلسة 1983/05/24 س 34 ع 2 ص 1292 ق 257)

33- إذ كان الثابت بمدونات الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن المطعون ضده قد تمسك بمذكرته بعدم قيام العقد المؤرخ 1962/6/17 لعدم تنفيذ الطاعن لإلتزاماته الواردة به بما يتضمن طلبا بفسخه و كان الحكم قد أقام قضاءه بالتعويض على أساس المسئولية التقصيرية مستبعدا أحكام المسئولية العقدية لما ثبت له من عدم تنفيذ الطاعن لتلك الإلتزامات بما ينطوى على قضاء ضمنى بفسخ هذا العقد فإنه يكون قد إلتزم صحيح القانون .

(الطعن رقم 335 لسنة 49 جلسة 1983/02/03 س 34 ع 1 ص 394 ق 87)

34- طلب مقابل الإنتفاع يعد طلباً قائماً بذاته و مستقلاً عن باقى الآثار الأخرى ومنها فسخ العقد أو إعتباره مفسوخاً فهو غير مرتبط به ولا يترتب عليه ولا يعد بالتالى أثرا من آثاره ومن ثم فلا يسوغ القول بأن طلب أحدهما ينطوى بالضرورة على طلب الآخر كما ينتفى التلازم بينهما فلا يعتبر قيام أولهما متضمناً حتماً قيام الثانى بل يكون للبائع أن يطلب الإنتفاع مع إستمرار سريان العقد ونفاذه .

(الطعن رقم 686 لسنة 49 جلسة 1982/11/30 س 33 ع 2 ص 1099 ق 198)

35- أن المطعون ضده إذ ذهب فى عريضة إستئنافه إلى تعديل طلباته السالفة فى الدعوى الإبتدائية بإضافة طلب الحكم بفسخ عقد البيع الإبتدائى المؤرخ 1973/2/24 إلى طلب إلزام المطعون ضده بمقابل الإنتفاع فإن طلب الفسخ يعد طلباً جديداً يبدى لأول مرة أمام محكمة الإستئناف بما كان يستوجب منها أن تقضى و من تلقاء نفسها بعدم قبوله إعمالاً لنص المادة 235 من قانون المرافعات .

(الطعن رقم 686 لسنة 49 جلسة 1982/11/30 س 33 ع 2 ص 1099 ق 198)

36- شرط الفسخ الصريح و شرطه الضمنى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يختلفان طبيعة وحكماً ، فالشرط الفاسخ الصريح يجب أن تكون صيغته فى العقد صريحة قاطعة فى الدلالة على وقوع الفسخ حتماً ومن تلقاء نفسه بمجرد حصول المخالفة الموجبة له ، وهو لذلك يسلب القاضى كل سلطة تقديرية فى صدد الفسخ ولا يستطيع المدين أن يتفادى الفسخ بأداء إلتزامه أوعرضه بعد إقامة دعوى الفسخ ، أما الشرط الضمنى فلا يستوجب الفسخ حتماً إذ هو خاضع لتقدير القاضى ، وللقاضى أن يمهل المدين حتى بعد رفع دعوى الفسخ عليه ، بل المدين نفسه له أن يتفادى الفسخ بعرض دينه كاملاً قبل أن يصدر ضده حكم نهائى بالفسخ

(الطعن رقم 872 لسنة 51 جلسة 1982/05/13 س 33 ع 1 ص 517 ق 93)

37- الفسخ إذا لم يشترط بنص فى العقد ، فإنه يكون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - طبقاً لنص المادة 157 من القانون المدنى - خاضعاً لتقدير قاضى الموضوع ، يحكم به أو يمنح المدين أجلاً لتنفيذ إلتزامه ، وإن كان الوفاء فى غضون هذا الأجل مانعاً من جواز الحكم بالفسخ فإن إنقضاء الأجل دون وفاء كامل لا يوجب الفسخ حتماً ، إذ لا ينطوى منح الأجل ذاته على حكم الشرط الفاسخ الذى بموجبه يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه وإنما تبقى سلطة قاضى الموضوع التقديرية ، فيظل العقد قائماً ، ويكون الوفاء بالإلتزام لا يزال ممكناً بعد إنقضاء الأجل حتى صدور الحكم النهائى ، ويكون لقاضى الموضوع تقدير ظروف التأخير فى الوفاء . فيقضى بالفسخ أو برفضه .

(الطعن رقم 403 لسنة 48 جلسة 1981/06/02 س 32 ع 2 ص 1683 ق 301)

38- إعطاء المشترى المتأخر فى دفع الثمن أجلاً للوفاء به طبقاً للمادة 2/157 من القانون المدنى هو  وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة  من الرخص التى أطلق فيها الشارع لقاضى الموضوع الخيار فى أن يأخذ منها بأحد وجهى الحكم فى القانون حسبما يراه هو من ظروف كل دعوى بغير معقب عليه ، فلا يلزم بتسبيب قضائه بمنح المشترى نظرة الميسرة أوبرفض هذا الطلب ، مما لا يقبل معه النعى على الحكم المطعون فيه إقراره للمبررات التى أوردها الحكم المستأنف وعول فى قضائه بالمهلة .

(الطعن رقم 403 لسنة 48 جلسة 1981/06/02 س 32 ع 2 ص 1683 ق 301)

39- الفسخ المبنى على الشرط الفاسخ الضمنى طبقاً للمادة 157 من القانون المدنى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يخول المدين أن يتوقى الفسخ بالوفاء بالدين إلى ما قبل صدور الحكم النهائى فى الدعوى ، ما لم يتبين لمحكمة الموضوع أن هذا الوفاء المتأخر مما يضار به الدائن ، فإنه لا عبرة بقدر ما لم يوف به من إلتزام المدين عند نظر الدعوى أمام محكمة أول درجة ، بل العبرة بما يكون عليه الحال عند الحكم النهائى .

(الطعن رقم 403 لسنة 48 جلسة 1981/06/02 س 32 ع 2 ص 1683 ق 301)

40- النص فى الفقرة الأولى من المادة 157 من التقنين المدنى على أن " فى العقود الملزمة للجانبين ، إذ لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه ، جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين ، أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه . . . " والنص فى المادة 159 من ذات القانون على أنه " فى العقود الملزمة للجانبين إذا اتقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له و ينفسخ العقد من تلقاء نفسه . يدل على أن حل الرابطة العقدية جزاء إخلال أحد طرفى العقد الملزم للجانبين بأحد إلتزاماته الناشئة عن العقد هو - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من النصوص المكملة لإدارة المتعاقدين و لهذا فإن هذا الحق يكون ثابتاً لكل منها بنص القانون و يعتبر العقد متضمناً له و لو خلا من إشتراطه و لا يجوز حرمان المتعاقدين من هذا الحق أوالحد من نطاقه إلا باتفاق صريح .

(الطعن رقم 1919 لسنة 49 جلسة 1980/12/22 س 31 ع 2 ص 2082 ق 388)

41- خلف الطاعن عن الوفاء بباقى الثمن بغير حق يجعله مخلاً بإلتزاماته قبل البائع وليس له الحق فى حبس باقى الثمن لأنه توافر لديه علمه بالمبيع وسند ملكية البائع له عند تحرير العقد فضلاً عن أنه تنازل عن حقه فى حبس الثمن بموجب الإتفاق فى العقد ، وإذ كان ما إستخلصته المحكمة فى هذا الخصوص إستخلاصاً سائغاً يؤدى إلى النتيجة التى إنتهى إليها فإن النعى على الحكم المطعون فيه - الذى قضى بفسخ العقد - بهذه الأسباب يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 910 لسنة 45 جلسة 1980/03/25 س 31 ع 1 ص 888 ق 175)

42- النص فى المادة 461 من القانون المدنى على أنه " فى بيع العروض وغيرها من المنقولات إذا إتفق على ميعاد لدفع الثمن وتسلم المبيع يكون البيع مفسوخاً دون حاجة إلى إعذار إن لم يدفع الثمن عند حلول الميعاد إذا إختار البائع ذلك ، وهذا ما لم يوجد إتفاق على غيره " فقد دلت على أن المشرع قد خرج بحكمها على القاعدة العامة القاضية بعدم إمكان فسخ العقود إلا بعد الإعذار وبحكم من القاضى ما لم يوجد إتفاق صريح على الإعفاء من ذلك وإشترط لإعمال هذا النص الإستثنائى أن يكون المبيع من العروض وغيرها من المنقولات و أن يكون كل من البيع و الثمن محدداً كافياً و معلوم للمشترى عند التعاقد ، وأن يتخلف المشترى عن دفع الثمن فى الميعاد المتفق عليه لتسلم المبيع و دفع الثمن ، وأن يختار البائع التمسك بإنفساخ عقد البيع .

(الطعن رقم 46 لسنة 47 جلسة 1979/12/31 س 30 ع 3 ص 423 ق 418)

43- تنص المادة 235 من قانون المرافعات على أنه " لا تقبل الطلبات الجديدة فى الإستئناف و تحكم المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبولها .. وكذلك يجوز مع بقاء موضوع الطلب الأصلى على حالة تغيير سببه والإضافة إليه " لما كان ذلك و كان الثابت فى الأوراق أن المطعون ضده أقام دعواه أمام محكمة أول درجة وقصر طلباته فيها على حكم بصحة و نفاذ عقد البيع و تسليم البيع إلا أنه أضاف إلى هذا الطلب فى صحيفة الإستئناف طلباً إحتياطياً هو الحكم بفسخ العقد ورد ما دفع من عربون ، وكان طلب فسخ العقد ورد العربون يعتبر طلباً جديداً يختلف فى موضوعه و سببه عن الطلب الأصلى وهو صحة العقد و نفاذه ، فإن إبداءه لأول مرة أمام المحكمة الإستئنافية يكون غير مقبول حتى لايفوت على الخصوم بشأنه إحدى درجات التقاضى ، وإذ قبلت المحكمة الإستئنافية هذا الطلب الجديد المطعون ضده إليه ، فإن حكمها يكون قد خالف القانون و أخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 959 لسنة 47 جلسة 1979/03/19 س 30 ع 1 ص 865 ق 159)

44- ثبوت واقعة النزول عن الإجارة دون إذن يحتم على المحكمة أن تقضى بفسخ الايجار و إخلاء المكان دون أن يكون لها سلطة تقديرية ، لأن حق المؤجر فى الاخلاء ينشأ بمجرد وقوع المخالفة فالحكم بالفسخ هنا مطلق تقع نتيجته بمجرد قيام سببه .

(الطعن رقم 674 لسنة 46 جلسة 1979/02/28 س 30 ع 1 ص 647 ق 122)

45- إذ كانت الدعوى قد أقيمت بفسخ عقد البيع موضوع الدعوى تأسيساً على تخلف المطعون ضده عن تنفيذ إلتزامه بدفع الثمن وقضى نهائياً برفضها فى الإستئناف الذى بت فى أمر الباقى من الثمن ورفض طلب الفسخ لوفاء المطعون ضده به فإن هذا القضاء يحوز قوة الأمر المقضى فى شأن طلب الطاعنات الفسخ لتخلف المشترى عن تنفيذ إلتزامه بدفع الثمن ويمنع الخصوم أنفسهم من التنازع فى هذه المسألة بالدعوى الراهنة ولو بأدلة قانونية أوواقعية لم يسبق إثارتها فى الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها و يتعين على الحكم المطعون فيه أن يتقيد فى قضائه بين الخصوم أنفسهم فى شأن تلك المسألة التى قضى فيها الحكم ألأول ولا يغير من ذلك إختلاف الطلبات فى الدعويين وكونها فى الدعوى الماثلة صحة التعاقد و نفاذه و فى الأولى فسخ العقد .

(الطعن رقم 137 لسنة 48 جلسة 1978/12/27 س 29 ع 2 ص 2040 ق 398)

46-  يتعين لإجابة طلب الفسخ أن يظل الطرف الآخر متخلفاً عن الوفاء بإلتزامه حتى صدور الحكم النهائى و له أن يتوقى صدور هذا الحكم بتنفيذ إلتزامه إلى ما قبل صدوره ويستوى فى ذلك أن يكون حسن النية أوسيء النية إذ محل ذلك لا يكون إلا عند النظر فى دعوى التعويض عن التأخير فى تنفيذ الإتزام ولما كان ما تقول به الطاعنات من عدم رد الحكم على ما تمسكن به من أن ضرراً قد أصابهن من جراء تأخير المدين عن تنفيذ إلتزامه محل دعوى التعويض وليس دعوى الفسخ التى أقمنها فلا يعتبر إغفال الحكم المطعون فيه الرد على هذا الدفاع غير الجوهرى قصوراً مبطلاً له .

(الطعن رقم 1382 لسنة 47 جلسة 1978/12/27 س 29 ع 2 ص 2036 ق 397)

47- إذ كان عقد البيع سند الدعوى لا يحوي شرطاً صريحاً فاسخاً فللدائن أن يستعمل خياره فى طلب فسخ العقد طبقاً للمادة 157 من القانون المدني وللمدين توقي الفسخ بالوفاء بإلتزامه إلى ما قبل صدور الحكم النهائي فى الدعوى وهذا الحق يرجع للمشتري حتماً فى حالة نقض الحكم لهذا الوجه من أوجه الطعن. لأن النقض يعيد إلى الخصوم حقوقهم التي كانت لهم قبل صدور الحكم المنقوض فيستطيع المدين أن يتوقى الفسخ بالسداد.

(الطعن رقم 1382 لسنة 47 جلسة 1978/12/27 س 29 ع 2 ص 2036 ق 397)

48- إذ كان الثابت من مذكرة الطاعن المقدمة لمحكمة أول درجة أن مما تمسك به من أوجه دفاع فى الدعوى الفرعية التي أقامتها عليه المطعون عليها الأولى بطلب فسخ عقد البيع - الذي طلب القضاء بصحته ونفاذه فى الدعوى الأصلية - أن البائعة لم تشترط فى ملحق العقد الذي اتفق فيه على الشرط الصريح الفاسخ أن يكون الوفاء بباقي الثمن فى موطنه لتطالبه به فى موعد استحقاقه أوأن تعذره بالوفاء به وإذ خلت الأوراق مما يفيد أنها انتقلت إليه فى موطنه لتطالبه بدفع باقي الثمن أو أنذرته بدفعه وأنه امتنع رغم ذلك عن الوفاء به فإن الشرط الصريح الفاسخ لا يكون قد تحقق، وإذ كانت محكمة الاستئناف قد رأت إلغاء الحكم الابتدائي الذي قضى برفع دعوى الفسخ لمصلحة الطاعن فإنه كان لزاماً عليها أن تفصل فى دفاعه المشار إليه والذي لم يتعرض الحكم الابتدائي لبحثه اكتفاء بما قبله من أوجه دفاع أخرى ما دام لم يثبت نزول الطاعن عنه صراحة أو ضمناً ولا يبين ذلك من مدونات الحكم المطعون فيه، وهي إذ لم تفعل رغم كونه دفاعاً جوهرياً قد يتغير بتحقيقه وجه الرأي فى الحكم فى الدعوى فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور.

(الطعن رقم 154 لسنة 48 جلسة 1978/12/21 س 29 ع 2 ص 1998 ق 388)

49- مؤدى نص المادة 23 من القانون 52 لسنة 1969 فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن التشريع الإستثنائى بعد أن سلب المؤجر الحق الذي تخوله إياه القواعد العامة فى مطالبة المستأجر بإخلاء العين المؤجرة عند انتهاء مدة العقد مقرراً مبدأ إمتداد عقود الإيجار إمتداداً تلقائياً أجاز للمؤجر طلب الإخلاء إذا أخل المستأجر بإلتزاماته المتعلقة بإستعمال العين المؤجرة المشار إليها بالمواد 579، 580، 581 من القانون المدني، ولئن كان المستفاد من هذا النص أن للمؤجر الحق فى طلب إخلاء المستأجر بمجرد استعمال المكان المؤجر استعمالاً ينافي شروط العقد، سواء كان تغييراً مادياً فى العين المؤجرة أو تغييراً معنوياً بتعديل الإستعمال، إلا أن هذا النص جاء خلوا مما يفيد سلطة القاضي التقديرية فى الفسخ ولم يفرض عليه الحكم بالإخلاء إذا توافر سبب من أسبابه التي حددت شروطها فيه وإذ كان مفاد ما تنص عليه المادة 579 من القانون المدني من أن المحظور هو تعديل الإستعمال الذي ينشأ عن ضرر للمؤجر، فإذا إنتفى الضرر أرتفع الحظر. لما كان ذلك وكان الحكم الإبتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأقام قضاءه بالإخلاء على سند من أن مجرد تغيير إستعمال العين المؤجرة يعتبر مخالفاً لشروط الإيجار المعقولة تستوجب الإخلاء دون استلزام توافر ركن الضرر، ولم يمحص مدى تحقق الضرر، فإنه يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون.

(الطعن رقم 570 لسنة 44 جلسة 1978/06/21 س 29 ع 1 ص 1505 ق 290)

50- دعوى الفسخ لا تخضع للتقادم الثلاثى المنصوص عليه فى المادة 187 من القانون المدنى ، ولا تتقادم إلا بخمس عشرة سنة وطالما يكون للدائن المشترى  أن يرفع هذه الدعوى ، فإنه يكون له أن يطالب بالآثار المترتبة على الفسخ ومنها رد الثمن ، إذ لا يكون هذا مستحق الأداء وممكناً المطالبة به إلا بعد تقرير الفسخ .

(الطعن رقم 256 لسنة 43 جلسة 1977/01/11 س 28 ع 1 ص 211 ق 48)

51- الفسخ يرد على الصلح ، كما يرد على سائر العقود الملزمة للجانبين فإذا لم يقم أحد المتصالحين بما أوجبه الصلح فى ذمته من إلتزامات جاز للمتعاقد الآخر أن يطلب الفسخ مع التعويض إذا كان له محل .

(الطعن رقم 448 لسنة 41 جلسة 1975/12/30 س 26 ص 1735 ق 324)

52- حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية قاصرة على منطوق الحكم ، دون أن تلحق الحجية الأسباب التى لم تكن ضرورية للحكم بالبراءة أو بالإدانة . وإذ كان يبين مما أورده الحكم الجنائي أنه أقام قضاءه ببراءة الطاعنة من تهمة تبديد عقد البيع على عدم كفاية الأدلة ، وعلى تشككه فى صحة إسناد التهمة إليها وكانت الأسباب كافية لإقامة حكم البراءة عليها ، فإن الحكم الجنائي لم يكن به حاجة من بعد ذلك ، لأن يعرض لواقعية قيام عقد البيع أو فسخه لأن الفصل فيها لايتوقف عليه الحكم بالإدانة أو بالبراءة ، إذ هى لا تتعلق بأركان جريمة التبديد حتى يسوغ القول بإرتباط القاضى المدنى بما فصل فيه الحكم الجنائي طبقاً للمادة 102 من قانون الإثبات ، و من ثم فإنه لا يكون لهذا الذى أورده الحكم الجنائي بشأن إنفساخ عقد البيع موضوع النزاع حجية أمام المحاكم المدنية .

(الطعن رقم 536 لسنة 41 جلسة 1975/06/25 س 26 ص 1287 ق 245)

53- العقد الإدارى يرد عليه الفسخ برضاء الطرفين شأنه فى ذلك شأن العقد المدنى . و إذا كان ذلك العقد تحكمه أصول القانون الإدارى و هى تقضى بأنه يحق لجهة الإدارة فى حالة عدم التنفيذ أن تصادر التأمين و تفرض على المتعاقد جزاءات مالية دون حاجة للإلتجاء للقضاء للحكم بها و دون أن تلتزم بإثبات أن ضرراً قد أصابها ، إلا أن لجهة الإدارة أن تقدر الظروف التى تم فيها الفسخ فتعفى المتعاقد من تطبيق الجزاءات المنصوص عليها فى العقد كلها أو بعضها بما فى ذلك مصادرة التأمين و توقيع الغرامة .

(الطعن رقم 503 لسنة 40 جلسة 1975/06/03 س 26 ص 1141 ق 219)

54- لئن كان للبائع أن يطلب فسخ العقد إذا لم ينفذ المشتري إلتزامه بوفاء باقي الثمن عملاً بنص المادة 1/157 من القانون المدني، إلا أنه وفقاً للقواعد العامة يسقط حقه فى طلب الفسخ إذا تنازل عنه صراحة أو ضمناً .

(الطعن رقم 286 لسنة 40 جلسة 1975/05/25 س 26 ع 1 ص 1072 ق 204)

55- إذ يدل نص المادة 157 من القانون المدني على أن الفسخ جزاء لعدم قيام المدين بتنفيذ إلتزامه العقدي ، وكان الحكم المطعون فيه قد إنتهى فى أسبابه إلى أن المطعون عليهما - المشتريين - كانا معذورين فى التأخير فى إعداد مشروع العقد النهائي فى الميعاد المحدد لذلك، ثم قضى بفسخ عقد البيع وبرد ما دفعه المشتريان من الثمن دون أن يبين ما إذا كان الطاعنان - البائعان - المقضي ضدهما بالفسخ، قد أخلا بإلتزاماتهما الناشئة عن ذلك العقد إخلالاً يستوجب الفسخ فإنه يكون معيباً بالقصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 286 لسنة 38 جلسة 1975/02/23 س 26 ع 1 ص 457 ق 93)

56- إذ كان الحكم المطعون فيه قد أجاب طرفى التعاقد إلى ما طلباه من فسخ العقد فإنه لا يكون ثمة محل بعد ذلك للتحدث عن شروط إنطباق أحكام المادة 157 من القانون المدنى لأن مجال أعمالها هو حالة الشرط الفاسخ الضمنى أما فى حالة الفسخ الإتفاقى فالعقد يفسخ حتماً دون أن يكون للقاضى خيار بين الفسخ والتنفيذ .

(الطعن رقم 82 لسنة 39 جلسة 1974/11/21 س 25 ع 1 ص 1254 ق 213)

57- لما كان الإقرار إخباراً بأمر وليس إنشاء لحق فلا ترد عليه أحكام الفسخ فإن الحكم المطعون فيه و قد رد على دفاع الطاعنين المؤسس على أن عقد الصلح قد فسخ لعدم تنفيذ ما أبرم من أجله ، بأن ذلك العقد ينطوى على إقرار بملكية المطعون عليه بوصفه شريكاً فى العقار وأن هذا الإقرار لايسقط بعدم تنفيذ عقد الصلح فإن الذى قرره الحكم صحيح فى القانون .

(الطعن رقم 298 لسنة 37 جلسة 1972/12/05 س 23 ع 2 ص 1317 ق 206)

58- إذا لم يشترط الفسخ بنص العقد فإنه يكون خاضعاً لتقدير قاضى الموضوع يحكم به أو يمنح المدين أجلاً للوفاء بالإلتزام و لئن كان الوفاء فى غضون هذا الأجل مانعاً من جواز الحكم بالفسخ فإن إنقضاء الأجل دون وفاء كامل لا يوجب الحكم بالفسخ حتماً إلا بنص فى القانون ، ولا يوجد هذا النص فى قواعد الفسخ الواردة بالمادة 157 من التقنين المدنى ، كما أن المشرع حذف من مواد البيع نص المادة 610 من المشروع التمهيدى الذى كان يوجب الفسخ دون إنذار المشترى إلى أجل آخر إذا لم يدفع الثمن قبل إنقضاء الأجل وهو النص المقابل للمادة 333 مدنى قديم تاركاً ذلك لحكم القواعد العامة فى فسخ العقود الملزمة للجانبين ، والمستفاد من هذه القواعد أن الأجل ورد بالفقرة الثانية من المادة 157 على سبيل الإستثناء من الحق المقرر للدائن بفقرتها الأولى فى طلب الفسخ ولاينطوى منح الأجل فى ذاته على حكم الشرط الفاسخ الذى بموجبه يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه . وإنما يبقى العقد قائماً و الوفاء بالإلتزام لا يزال ممكناً بعد إنقضاء الأجل حتى صدور الحكم النهائى و يكون لقاضى الموضوع تقدير ظروف التأخير فى الوفاء ولا يتعين عليه أن يحكم بالفسخ ويجوز أن يحكم برفضه إذا هو تبين أن الوفاء المتأخر مما لا يضار به الدائن .

(الطعن رقم 349 لسنة 37 جلسة 1972/10/26 س 23 ع 3 ص 1220 ق 192)

59- متى إنتهى الحكم إلى اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه ، فى حين أن الثابت أن العقد لم يتضمن النص على الفسخ بإرادة الدائن ، وإنما نص فقط فى البند الثانى على حلول الأقساط المتفق عليها عند التخلف عن دفع إحداها فى موعده مع إستحقاق فائدة بواقع 4% سنويا من تاريخ التخلف حتى السداد ، ومن ثم فلا يترتب على مخالفة هذا البند سوى فسخ العقد بناء على الشرط الفاسخ الضمنى المفترض فى العقود الملزمة للجانبين . ولما كان شرط الفسخ الصريح وشرطه الضمنى يختلفان طبيعة وحكماً وكان الشرط الضمنى لا يستوجب الفسخ حتما بمجرد حصول الإخلال بالإلتزام ، إذ هو خاضع لتقدير القاضى ، وللقاضى أن يمهل المدين كما أن للمدين أن يتفادى الفسخ إذا قام بتنفيذ الإلتزام قبل صدور الحكم النهائى فإن الحكم المطعون فيه إذ استند فى قضائه باعتبار العقد مفسوخا من تلقاء نفسه إلى ما ورد بالبند الثانى من العقد ، يكون قد خالف الثابت بالأوراق وفسخ أتفاق الطرفين ، مما يعيبه و يستوجب نقضه.

(الطعن رقم 161 لسنة 36 جلسة 1970/11/26 س 21 ع 3 ص 1181 ق 193)

60-  لما كان إعطاء المشترى المتأخر فى دفع الثمن أجلا للوفاء به طبقا للمادة 2/157 من القانون المدنى هو من الرخص التى أطلق الشارع فيها لقاضى الموضوع الخيار فى أن يأخذ منها بأحد وجهى الحكم فى القانون حسبما يراه هو من ظروف كل دعوى بغير معقب عليه ، فإنه لا يقبل النعى على الحكم لقصور أسبابه عن بيان الإعتبارات التى إعتمد عليها فى رفض منح الطاعن أجلا للوفاء بما هو متأخر فى ذمته من الثمن

(الطعن رقم 341 لسنة 35 جلسة 1969/12/23 س 20 ع 3 ص 1296 ق 202)

61- إذا كان قضاء المحكمة بالفسخ قد صدر إعمالا لحكم المادة 157 من القانون المدنى لا إستناداً إلى وجود شرط فاسخ صريح فى العقد فإن هذا القضاء يكون منشئا للفسخ لا مقرر له

(الطعن رقم 366 لسنة 35 جلسة 1969/07/03 س 20 ع 2 ص 1118 ق 172)

62- ما تنص عليها المادة 157 من القانون المدنى من تخويل كل من المتعاقدين فى العقود الملزمة للجانبين الحق فى المطالبة بفسح العقد إذا لم يوف المتعاقد الآخر بإلتزامه ، هو من النصوص المكملة لإرادة المتعاقدين . ولهذا فإن هذا الحق يكون ثابتا لكل منهما بنص القانون ويعتبر العقد متضمنا له ولو خلا من إشتراطه . ولا يجوز حرمان المتعاقدين من هذا الحق أو الحد من نطاقه إلا بإتفاق صريح .

(الطعن رقم 23 لسنة 35 جلسة 1969/02/13 س 20 ع 1 ص 325 ق 52)

63- إذا كانت الطاعنة قد نعت على الحكم المطعون فيه مخالفته مقتضى المادتين 157 و 158 من التقنين المدنى فيما توجبانه من إعذار المدين كشرط لاستحقاق التعويض . فإن نعيها يكون غير منتج ولا مصلحة لها فيه ما دام قد قضى لها بالتعويض فعلا واقتصر طعنها على طلب زيادة مبلغ التعويض المقضى به تبعا لتحديد التاريخ الذى يثبت فيه العجز عن توريد باقى القدر المبيع و يتعين فيه الشراء على حساب المطعون عليه .

(الطعن رقم 189 لسنة 25 جلسة 1959/10/22 س 10 ع 3 ص 590 ق 89)

64-  لئن كان تقدير كفاية أسباب فسخ العقد أوعدم كفايتها وتحديد الجانب المقصر فيه من المتعاقدين فى التزاماته المترتبة عليه أو نفى هذا التقصير عنه هو من أمور الواقع التى تستقل محكمة الموضوع بتقديرها بما لها من سلطة فهم الواقع فى الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة إليها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها إلا أن ذلك رهيناً بأن تكون الأسباب التى قامت عليها قضائها فى هذا الشأن سائغة وتؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها .

(الطعن رقم 5668 لسنة 75 جلسة 2006/05/24 س 57 ص 518 ق 101)

65- المقرر فى قضاء محكمة النقض أن الشرط الفاسخ المقرر جزاء عدم وفاء المشترى بالثمن فى الميعاد المتفق عليه لا يتحقق إلا إذا كان التخلف عن الوفاء بغير حق ، فإن كان للمشترى الدفع بعدم التنفيذ فى حالة توافر شروطه ، وجب على المحكمة التجاوز عن شرط الفسخ الاتفاقى ولا يبقى للبائع سوى التمسك بالفسخ القضائى طبقاً لنص المادة 157 من القانون المدنى .

(الطعن رقم 7255 لسنة 89 ق - جلسة 16/ 1/ 2021)

66- النص في المادة 157 من القانون المدني على أنه (1- في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوفِ أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتضَ. 2- ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلًا إذا اقتضت الظروف ذلك ، كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوفِ به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته. ) يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أنه ولئن كان للبائع أن يطلب فسخ عقد البيع إذا لم يقم المشتري بتنفيذ التزامه بالوفاء بباقي الثمن عملًا بنص المادة 157/1 من القانون المدني، إلا أنه متى كان العقد لا يحوي شرطًا صريحًا فاسخًا فإن المحكمة لا تلتزم في هذه الحالة بإجابته إلى طلبه بل إن الأمر في ذلك مرجعه إلى تقديرها، وكان للمشتري أن يتوقى الفسخ بالوفاء بباقي الثمن ولو بعد انقضاء الأجل المحدد في العقد بل وبعد رفع الدعوى بالفسخ وإلى ما قبل صدور الحكم النهائي فيها بفسخ عقده، ويكون هذا الوفاء مانعًا من إجابة طلب الفسخ، وأن قيام الملتزم بإيداع ما إلتزم به خزانة المحكمة بعد عرضه على صاحب الحق إنما هو وسيلة قررها القانون للوفاء بالالتزام .

(الطعن رقم 16709 لسنة 91 ق - جلسة 27 / 9 / 2022 ) 

شرح خبراء القانون

لا يكون الفسخ إلا في العقود الملزمة للجانبين

 العقود الملزمة للجانبين هي وحدها التي يرد عليها الفسخ بجميع أنواعه ، القضائي والإتفاقي والقانون : أن يكون العقد ملزماً للجانبين هو شرط عام في جميع أنواع الفسخ ، سواء كان الفسخ بحكم القاضي أو بحكم الاتفاق أو بحكم القانون ذلك أن الفسخ ، بأنواعه الثلاثة ، مبنى على فكرة الارتباط ما بين الإلتزامات المتقابلة كما قدمنا وليس يوجد إلا العقود الملزمة للجانبين التي ينشأ عنها إلتزامات متقابلة فهي وحدها التي تتوافر فيها حكمة الفسخ .

وقد قدمنا عند الكلام في تقسيم العقد إلى عقد ملزم للجانبين وعقد ملزم لجانب واحد أن بعض العقود التي كانت تعتبر عقوداً ملزمة لجانب واحد في عهد القانون المدني القديم ، كالقرض ورهن الحيازة ، يرد عليها الفسخ ، وقدمنا أن الفقهاء اختلفت في أمر هذه العقود مذاهب شتى فمنهم من ينكر فيها حق الفسخ ومنهم من يقره ولكن يسميه إسقاطاً لا فسخاً ومنهم من يقره على أنه فسخ ويذهب إلى أن حق الفسخ يكون في العقود الملزمة لجانب واحد وعندنا أن الفسخ جائز في هذه العقود لأنها عقود ملزمة للجانبين حتى في عهد القانون المدني القديم ، وقد سبق لنا بيان ذلك .

أما العقود التي لا يمكن أن تكون إلا ملزمة لجانب واحد ، كالوديعة والكفالة إذا كانتا بغير أجر والهبة إذا كانت بغير عوض ، فقد قدمنا أنه لا يمكن تصور الفسخ فيها ، فإن طرفاً واحداً هو الملتزم ، فإذا لم يقم بتنفيذ إلتزامه لم يكن للطرف الآخر أية مصلحة في طلب الفسخ إذ ليس في ذمته أي إلتزام يتحلل منه بالفسخ ، بل مصلحته هي في أن يطلب تنفيذ العقد .

وكل العقود الملزمة للجانبين برد عليها الفسخ : وإذا كانت العقود الملزمة للجانبين هي وحدها التي يرد عليها الفسخ من جهة أخرى يرد عليها جميعاً وسنرى أن العقد الزمني يرد عليه الفسخ بأثر يختلف عن أثر الفسخ في العقد الفوري .

وقد كان القانون المدني القديم يستثنى عقداً واحداً ملزماً للجانبين يمنع فيه الفسخ هو عقد الإيراد المرتب مدى الحياة، فكانت المادتان 480 / 588 تنصان على أنه "يجوز لصاحب الإيراد في حالة عدم الوفاء أو عدم أداء التأمينات أو إعدامها أو إظهار إفلاس المدين بالإيراد أن يتحصل فقط على بيع أموال هذا المدين وتخصيص مبلغ من أثمانها كاف لأداء المرتبات المتفق عليها" ، فالدائن صاحب الإيراد لا يجوز له أن يطلب فسخ العقد إذا أخل المدين بإلتزامه ، وليس له إلا المطالبة بالتنفيذ العيني ، فيبيع من أموال المدين ما يكفي ربع ثمنه لأداء المرتب المتفق عليه وقد كنا انتقدنا .

وقد كان القانون المدني القديم يستثنى عقداً واحداً ملزماً للجانبين يمنع فيه الفسخ هو عقد الإيراد المرتب مدى الحياة فكانت المادتان 480 / 588 تنصان على أنه " يجوز لصاحب الايراد في حالة عدم الوفاء أو عدم أداء التأمينات أو إعدامها أو إظهار إفلاس المدين بالإيراد أن يتحصل فقط على بيع أموال هذا المدين وتخصيص مبلغ من أثمانها كاف لأداء المرتبات المتفق عليها " فالدائن صاحب الإيراد لا يجوز له أن يطلب فسخ العقد إذا أخل المدين بإلتزامه ، وليس له إلا المطالبة بالتنفيذ العيني ، فيبيع من أموال المدين ما يكفي ربع ثمنه لأداء المرتب المتفق عليه، وقد كنا انتقدنا هذا النص في عهد القانون القديم ، ورأيناه نصاً غريباً يخرج على القواعد العامة دون سبب ظاهر، وقد نقله المشرع المصري عن المشروع الفرنسي  ومن أجل ذلك ورد القانون المدني الجديد قاطعاً في هذه المسألة ، وقد رد عقد الإيراد المرتب مدى الحياة إلى القواعد العامة ، ولم يمنع فيه الفسخ ، فنصت المادة 746 على أنه "وذهب القضاء الفرنسي إلى أن عقد القسمة لا يجوز فيه طلب الفسخ إذا لم يقم أحد المتقاسمين بتنفيذ إلتزامه من الوفاء بمعدل القسمة مثلاً ، وإنما يطالب المتقاسم الذي أخل بإلتزامه أن ينفذ هذا الإلتزام ويريد القضاء الفرنسي من ذلك أن يحافظ على مصلحة بقية المتقاسمين الذين يضرهم نقض القسمة بالفسخ وهذا القضاء أيضاً محل للنظر والأولى أن يترك الأمر لتقدير القاضي ، وهو الذي يغلب المصلحة الراجحة فيقضي بالفسخ أو لا يقضي ، وهذه هي القاعدة العامة في الفسخ فلا محل لإستثناء عقد القسمة منها .

لا يكون الفسخ إلا إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ إلتزامه

عدم التنفيذ يرجع إلى سبب أجنبي : إذا كان عدم التنفيذ يرجع إلى استحالته لسبب أجنبي ، فإن إلتزام المدين ينقضي فينقضي الإلتزام المقابل له ، وينفسخ العقد بحكم القانون وهذا ما سنعرض له بعد قليل .

ومن ذلك نرى أنه إذا أصبح التنفيذ مستحيلاً لسبب أجنبي خرجنا من نطاق الفسخ إلى نطاق الإنفساخ.

عدم التنفيذ يرجع إلى فعل المدين : فيجب إذن أن يكون عدم التنفيذ راجعاً إلى غير السبب الأجنبي ، بأن يكون التنفيذ العيني أصبح مستحيلاً بفعل المدين ، أو لا يزال ممكناً ولكن المدين لم يقم بالتنفيذ ففي هذه الحالة يجوز للدائن أن يطالب بفسخ العقد وقد رأينا أن المسئولية العقدية تتحقق أيضاً في هذا الفرض ، فيكون للدائن الخيار بين المطالبة بالتعويض على أساس المسئولية العقدية أو المطالبة بفسخ العقد بل يجوز أن يتفق المتعاقدان على أن العقد لا يفسخ عند عدم التنفيذ ، وأن يقتصر الدائن على المطالبة بالتعويض على أساس المسئولية العقدية .

عدم التنفيذ الجزئي : وإذا كان عدم التنفيذ جزئياً – ويعتبر في حكم عدم التنفيذ الجزئي أن يكون التنفيذ معيباً – فلا يزال للدائن حق المطالبة بالفسخ والقاضي في استعمال حقه في التقدير ينظر فيما إذا كان الجزء الباقي دون تنفيذ يبرر الحكم بالفسخ ، أو يكفي إعطاء مهلة للمدين لتكملة التنفيذ فإذا رأي القاضي أن عدم التنفيذ خطير بحيث يبرر الفسخ ، بقى عليه أن يرى هل يقصى بفسخ العقد كله أو يقتصر على فسخ جزء منه مع بقاء الجزء الآخر ويقضي بفسخ العقد كله إذا أن إلتزام المدين لا يحتمل التجزئة ، أو كان يتحملها ولكن الجزء الباقي دون تنفيذ هو الجزء الأساسي من الإلتزام . 

لا يكون الفسخ إلا إذا كان الدائن مستعداً للقيام بإلتزامه وقادراً على إعادة الحال إلى أصلها.

وجوب أن يكون الدائن مستعداً للقيام بإلتزامه وأن يكون من الممكن إعادة الشيء إلى أصله : ويجب أيضاً أن يكون الدائن طالب الفسخ مستعداً للقيام بإلتزامه الذي نشأ من العقد الملزم للجانبين فليس من العدل أن يخل هو بإلتزامه ثم يطلب الفسخ لعدم قيام المدين بتنفيذ ما في ذمته من إلتزام .

أما إذا استحال على الدائن تنفيذ إلتزامه لسبب أجنبي ، فإن العقد ينفسخ بحكم القانون انفساخه فيما إذا كانت الإستحالة في جانب المدين .

ولما كان فسخ العقد من شأنه أن يعيد الشيء إلى أصله ، فلا بد للحكم بالفسخ أن يكون الدائن الذي يطلب ذلك قادراً على رد ما أخذ فإذا كان قد تسلم شيئاً بمقتضى العقد وباعه من آخر ، فإلتزامه بالضمان يحرمه من حق المطالبة بالفسخ ، لأنه لا يستطيع أن بنزع الشيء من يد المشترى ليرده إلى من تعاقد معه إذ في هذا إخلال بإلتزام الضمان . 

وسنرى في العقود الزمنية أن الفسخ فيها لا يمس ما سبق تنفيذه من هذه العقود ، فليس من الضروري إذن للمطالبة بفسخها أن يرد ما سبق تنفيذه .

أما إذا كان المدين هو الذي استحال عليه أن يرد الشيء إلى أصله ، فإن ذلك لا يمنع من الفسخ ، ويقضي على المدين في هذه الحالة بالتعويض (م 160) . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول الصفحة/  955)

الفسخ القضائي : 

فسخ العقد ، هو إزالة الآثار التي كان قد رتبها في ذمة المتعاقدين وذلك بانحلال الرابطة العقدية واعتبارها كأن لم تكن، فيزول العقد ويصبح كل متعاقد كما لو لم يسبق له الإرتباط مع المتعاقد الآخر .

والفسخ يكون قضائياً فلا يقع إلا بحكم القاضي النهائي ، وقد يكون اتفاقا عندما يتضمن العقد شرطاً فاسخاً صريحاً وقد يكون قانونياً بالنص عليه في القانون، وقد انتظمت هذة الأنواع المواد 157، 158 ، 159  من القانون المدني .

وتجمع هذه الأنواع فكرة واحدة تتمثل في عدم قيام أحد المتعاقدين بتنفيذ إلتزامه الذي تضمنه العقد الملزم للجانبين ، وحينئذ يجوز للمتعاقد الأخر اللجوء للقضاء متمسكاً بالفسخ القضائي إعمالاً لشرط الفسخ الضمني الذي تتضمنه العقود الملزمة للجانبين ، أو متمسكاً بالشرط الفاسخ الصريح إذا كان العقد قد تضمن هذا الشرط وفقاً لنص المادة 158 من القانون المدني .

ولا يحول تضمين العقد الشرط الفاسخ الضمني او الصريح من طلب تنفيذ العقد تنفيذا عينيا متى كان ذلك ممكناً وإلا استحال التنفيذ العيني إلى التنفيذ بطريق التعويض وهما قسمان تنفيذ إلتزام المدين . 

شروط الفسخ القضائي : 

إذا رفع الدائن الدعوى بطلب فسخ العقد استناداً إلى شروط الفسخ الضمني الذي تتضمنه كافة العقود الملزمة للجانبين فإن القاضي لا يحكم بالفسخ إلا إذا توافرت الشروط التالية :

1 - أن يكون العقد ملزماً للجانبين، إذ تتضمن كافة العقود الملزمة للجانبين شرطاً فاسخاً ضمنياً مؤداه ، أنه يترتب علي عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لإلتزاماته التي تضمنها العقد ، فسخ هذا العقد ، مما يوجب علي القاضي التحقق من وجود إلتزامات متبادلة بين أطراف العقد ، فإن تخلف ذلك فلا يقضي بالفسخ ، كما لو كان العقد ملزماً لجانب واحد ، كعقد الهبة عندما تكون بغير عوض، إذ ينحصر الإلتزام في الوهب وحدة بتسليم الشيء الموهوب، فإن كان بعوض، كان عقدها ملزماً للجانبين، بإلتزام الواهب بتسليم الشيء الموهوب وعدم التعرض للواهب فيه، وإلتزام الموهوب له بأداء العوض، وإن كانت الهبة بغير عوض لا يرد عليها الفسخ ، فإنه يرد عليها الرجوع ، وإن كان للمحكمة تكييف الدعوى علي الوجه الصحيح ، فإنها تلتزم في ذلك بسببها وطلبات الخصوم المقصودة منها غير مقيدة بالوصف الذي يعطي لها، فإذا تبين في الحالة الأخيرة أن السبب في الدعوى هو ذاته السبب الذي يمكن الإستناد إليه في الرجوع ويؤدي إلى ذات الطلبات ، تعين إعتبار الدعوى، دعوى رجوع في الهبة وليست دعوى فسخ لها ، وحينئذ لا يقضي بالرجوع إلا إذا توافرت شروطه . 

ومن العقود الملزمة لجانب واحد، عقد الوديعة بغير أجر ، وعقد الكفالة والوكالة بغير أجر.

2- امتناع أحد المتعاقدين عن تنفيذ إلتزامه، وحينئذ يكون للمتعاقد الأخر أما طلب التنفيذ العيني لهذا الإلتزام إن كان ممكناً أو طلب فسخ العقد، لعدم تنفيذ الإلتزام، سواء كان التنفيذ ممكناً أو أصبح مستحيلاً، إذ ينفسخ العقد في الحالة الأخيرة بقوة القانون مما يجوز معة طلب الفسخ القضائي بحكم منشئ للفسخ .

فإن كان عدم التنفيذ جزئياً ، وكان الجزء الباقي مؤثراً ، جاز للقاضي إذا تبين له من ظروف المدين أنه معذوراً ولم يقصد المماطلة، أن يمنحه مهلة للوفاء ، بقرار بتأجيل نظر الدعوى إلى أجل تراعي فيه تلك الظروف حتى يتمكن من الوفاء، وإذا استؤنف الحكم كان لمحكمة الإستئناف سلطة تقدير ، فلها أن تقضي بالفسخ ولها تأييد الحكم المستأنف وحينئذ تحتسب المهلة من تاريخ صدور الحكم الإستئنافي ، ويتحدد ميعاد استئناف الحكم المطعون علي شرط اعتباراً من تاريخ صدوره أو إعلانة حسب الأحوال .

 ولا ينطوي من الأجل علي حكم الشرط الفاسخ الذي بموجبه يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه، وإنما يبقى العقد قائماً والوفاء بالإلتزام لا يزال ممكناً بعد انقضاء الأجل وحتى صدور حكم نهائي ، وتظل للمحكمة السلطة التقديرية وتقدير ظروف التأخير في الوفاء دون أن تكون ملزمة بالقضاء بالفسخ ويجوز من الأجل بموجب حكم يتضمن اعتبار العقد مفسوخاً إذا لم يقم المشتري بالوفاء خلال هذا الأجل .

فإن كان الجزء الباقي يسيراً قليل الأهمية بالنسبة للإلتزام في جملته، جاز للقاضي رفض دعوى الفسخ ولا يقف عند هذا الحد لما في ذلك من تعديل لنطاق الإلتزام وهو لا يملكه، وإنما يقضي بتنفيذ هذا الجزء بطريق التعويض ومن تلقاء نفسه ، ذلك أن التنفيذ العيني بطريق التعويض يتقاسمان تنفيذ إلتزام المدين، ولا يكون القاضي حينئذ قد حكم بما لم يطلبه الخصوم، إذ للمدين الحق في توقيع الفسخ بتنفيذ إلتزامه، عيناً أو بطريق التعويض.

ولما كانت المهلة التي يمنحها القاضي للمدين وفقاً للفقرة الثانية من المادة 157 من القانون المدني ، تطبيقا لنظرية الميسرة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 346 من ذات القانون ، ومن ثم لا تقتصر المهلة علي حالة عدم الوفاء الجزئي وإنما تمتد أيضاً إلى عدم الوفاء بكل الإلتزام ، بشرط أن لا يلحق الدائن من تأجيل الوفاء ضرر جسيم ، ومنح المهلة او رفض منحها ، من إطلاقات قاضي الموضوع دون معقب عليه، وله منها ولو من تلقاء نفسه، وتظل له سلطة تقديرية للفسخ ولو انقضت دون وفاء.

ويجوز للمدين سواء كان هو البائع أو المشتري تنفيذ إلتزامه إلى ما قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى وبهذا الوفاء يتوقي حكم الفسخ سواء تم أمام المحكمة الإبتدائية أو أمام المحكمة الإستئنافية بعد أن تكون المحكمة الابتدائية قد قضت بالفسخ ، إذا لم تكن المراكز القانونية قد استقرت بصدور حكم نهائي في الدعوى .

3- ألا يرجع عدم القيام بالتنفيذ إلى التمسك بالدفع بعدم التنفيذ او الحق في الحبس إذ يكون الإمتناع حينئذ مستنداً إلى حق يخول صاحبه ان يمتنع عن تنفيذ إلتزامه طالما ان المتعاقد الأخر لم ينفذ إلتزامه المقابل . 

ويجب ألا يكون الدفاع هو الذي بدأ في الإخلال بتنفيذ إلتزامه وإلا كان غير محق في حبس إلتزامه، فالمشتري الذي يلتزم بالوفاء بأقساط الثمن في مواعيد محددة ، لا يجوز له التمسك بالدفع اذا كان قد امتنع عن الوفاء بأحد الأقساط في ميعاده متذرعاً بإمتناع البائع عن تسليم المبيع طالما كان ميعاد التسليم لحق لميعاد القسط الذي أخل المشتري بالوفاء به، إذ يكون البائع قد نشأ له الحق في حبس إلتزامه، وبالتالي في الدفع بعدم التنفيذ . ويكون امتناعه علي التسليم يستند إلى حق ولا يجوز حينئذ للمشتري التمسك بالدفع بعدم تنفيذ إلتزامه. 

 والدفع بعدم التنفيذ - هو تطبيق للحق في الحبس - غير متعلق بالنظام العام ، ومن ثم لا يجوز للمحكمة أن تأخذ به من تلقاء نفسها حتى لو تضمنت مستندات الدعوى الدليل علي توافره أو تضمين الدفاع ما يفيد عدم قيام المتعاقد الآخر بتنفيذ إلتزامه طالما لم يتم التمسك بهذا الدفع علي نحو جازم يقرع سمع المحكمة ، ولما كان الدفع بعدم التنفيذ يتضمن دفاعاً موضوعياً ، فإنه يجوز التمسك به لأول مرة أمام الاستئناف دون حاجة لأن تتضمنه صحيفة الاستئناف ولكن لا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض لما يخالطه من واقع كان يتعين طرحه علي محكمة الاستئناف. 

4 - أن يقوم طالب الفسخ بإعذار المتعاقد الأخر بدعوته إلى تنفيذ إلتزامه ، وهو ما يكفي لتوافر مقومات الإعذار ، ومن ثم فلا يلزم تهديد المدين باتخاذ الإجراءات القضائية ضده وفسخ العقد في حالة عدم التنفيذ ، ولكن إذا تضمن الأعذار ذلك فلا يبطله ، فجوهر الإعذار يتمثل في تكليف المدين بتنفيذ إلتزامه أيا ما كانت الصيغة التي تدل علي ذلك. 

والأصل أن يتم الإعذار بورقة من أوراق الحضرين ، لكن يجوز أن يتم بخطاب مسجل بعلم الوصول إذا تضمن العقد ذلك ، كما لو تبين للمشتري أن العقار المبيع له تم بيعه مرة أخرى وأن المشتري الأخر قام بتسجيل عقده، كما لا ضرورة للأعذار إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بإلتزامه . 

وتقوم صحيفة دعوى الفسخ مقام الأعذار إذا تضمنت عناصر الأعذار سالفة البيان بدعوة المتعاقد الآخر لتنفيذ إلتزامه، فإن لم تتضمنها ، تخلف الأعذار يتعين القضاء بعدم قبول الدعوى وهذا شرط مقرر لمصلحة المدعى عليه، فله وحده التمسك به، أو التنازل عنه صراحة أو ضمناً ولا تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى لتخلف الأعذار، فإن لم يحضر المدعي عليه رغم إعلانه لشخصه أو إعادة إعلانه، فإن المحكمة لا تتناول شرط الأعذار إن كان قد تخلف ، وتكتفي بالشروط الأخرى للقضاء بالفسخ ، وكذلك الحال إذا حضر المدعى عليه ولم يتمسك بتخلف إعذاره ، فإن التمسك  بذلك قضت بعدم قبول الدعوى وهو دفع شكلي ويختلف الأعذار عن إعلان الدعوى في حالة حضور المدعى عليه ، إذ تتحقق الغاية من الإعلان بهذا الحضور و تنعقد الخصومة رغم عدم إجراء الإعلان أو بطلانه، بينما لا تتحقق الغاية من الأعذار بحضور المدعي عليه إذ الغاية منه وضع المدعى عليه موضوع المقصر إذا ما رفعت الدعوى مما كان يخوله الوفاء بإلتزامه قبل رفعها ونفي هذا التقصير . 

ومتى تم تنفيذ العقد فلا موجب للأعذار ، حتى لو رفعت الدعوى استناداً للعقد ، والمقرر أن عقد البيع يتم تنفيذه بالنسبة للبائع بتسليم المبيع ، وبالنسبة للمشتري بالوفاء بكامل الثمن ، ومتى تحقق ذلك فلا موجب للأعذار عند رجوع أحدهما علي الآخر بأي من الدعاوى ، كدعوي الضمان ودعوى البطلان ودعوى أنقاض الثمن لوجود عجز  في المبيع ، ودعوى الملكية سواء كانت دعوى ثبوت الملكية أو دعوى الإستحقاق، ودعوى صحة ونفاذ العقد بإعتبارها من دعاوى الملكية مالا حتى لو تضمنت طلباً بالتسليم ، اذ يقوم حكم القاضي فيها مقام تنفيذ البائع لإلتزامه ، وبالتأشير بالحكم يعتبر المشتري مالكاً منذ تسجيل صحيفتها ، وبالتالي يكون العقد قد تم تنفيذه اعتباراً من تاريخ هذا التسجيل.

 العدول عن الفسخ إلى التنفيذ العيني : 

الفسخ تنفيذ العقد تنفيذاً عينياً وجهان متقابلان يؤثر طلب أحدهما علي الآخر، بحيث إذا رفعت دعوى الفسخ القضائي وعرض المدعي علية التنفيذ العيني لإلتزامه، وجب علي المحكمة ألا تجيب طلب الفسخ ، والمدعي نفسه أن يعدل عن طلب الفسخ الي طلب صحة ونفاذ العقد ، وهو طلب عارض مرتبط بالطلب الأصلي يصح تقديمه من المدعي معدلاً به طلبه الأخير ، إذ جرى نص المادة 157 من القانون المدني بأن للمتعاقد أن يطلب تنفيذ العقد أو فسخه، ويتعين لقبول هذا الطلب العارض أن يكون التنفيذ ممكناً وإلا تعين رفضه والقضاء تبعاً لذلك برفض الدعوى إذ لم يصبح طلب الفسخ مطروحاً علي المحكمة وإنما الذي يطرح هو طلب صحة ونفاذ العقد بإعتباره الطلب الأخير وهو ما تلتزم المحكمة بة دون الطلبات السابقة عليه . 

وإذا أقام المشتري دعوى صحة ونفاذ العقد ، توافرت مقومات الفسخ القضائي، جاز للبائع أن يتقدم بطلب عارض بفسخ العقد باعتبار أن الفسخ القضائي يتطلب صدور حكم به، خلافاً للاستناد للشرط الفاسخ الصريح إذ يتحقق دون حاجة لصدور حكم ولذلك يقدم الفسخ كدفع وليس كطلب عارض ، وللدائن إلى ما قبل صدور الحكم الابتدائي أن يعدل طلباته مرة أخرى إلى صحة ونفاذ العقد. 

توقي الفسخ القضائي : 

تستند دعوى الفسخ القضائي إلى إخلال المتعاقدين بتنفيذ التزاماته التي تضمنها العقد، إخلالاً كلياً أو جزئياً، مهما كان قد الإخلال الجزئي فهو يجيز الفسخ علي نحو ما تقدم وليس للمتعاقد الذي أخل بإلتزامه أن يطلب رفض طلب الفسخ استناداً لتفاهة ما بقي من إلتزامه دون تنفيذ .

وللمدعي عليه في دعوى الفسخ القضائي أن يتوقف الفسخ أمام محكمة الدرجة الأولي بالوفاء إلى ما قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى، وله في سبيل ذلك اللجوء لإجراءات العرض والإيداع أياً ما كان محل إلتزامه ، سواء تعلق بدفع مبلغ من النقود أو تسليم عقار منقول علي نحو ما اوضحناه بخصوص الوفاء بطريق العرض والإيداع ،ومتى تم الوفاء كاملاً غير منقوص حسبما تضمنه العقد من تحديد الإلتزامات محل هذا الوفاء ، وكان التأخير في الوفاء عن موعده لم يكن يضر الدائن، فإن المحكمة لا تجيبه إلى طلب الفسخ ، أما إذا كان يضر به ، فإنها تقضي بالفسخ ، فقد يلتزم الدائن بتوريد بضاعة معينة مباعة إلى إحدى الجهات في تاريخ معين مما جعلة يتعاقد مع البائع له علي تسليمها له في وقت سابق علي اليوم المحدد لقيامه بتوريدها إلى تلك الجهة ،إلا أن المدين لم يقم بتسليمها حتى اليوم المحدد لتوريدها فيكون التسليم اللاحق غير مجد وضار بالدائن إذ يتعذر عليه التصرف في البضاعة مما يوجب القضاء بالفسخ حتماً ولو أبدى المدين استعداده للتسليم او كان قد اتخذ إجراءات العرض والإيداع إذ بالوفاء اللاحق الضار بالدائن لا تبرأ ذمة المدين ولا يكون قد أوفى بإلتزامه، مما يتعين معه علي المحكمة أن تقضي بعدم صحة العرض والإيداع، ويفسخ العقد مع التعويض اذا كان قد طلبة الدائن ، اذا انحصر قضاؤها في هذة الحالة علي الفسخ والتعويض ، ولم يكن طلب صحة العرض والإيداع قد طرح عليها علي وجه جازم ، فإن قضاءها ينطوي ضمناً علي عدم صحة العرض والإيداع .

ولا ينحصر التوقي علي الوفاء امام محكمة الدرجة الأولي فحسب، إنما يجوز للمدين بعد صدور الحكم الابتدائي بالفسخ أن يطعن فيه بالاستئناف ، وإن كان ذلك جائزاً ثم يتوقف الفسخ بالوفاء بالتزامه إلى ما قبل إقفال باب المرافعة في الاستئناف فإن تم الوفاء بعد ذلك وفي خلال فترة حجز الاستئناف للحكم عندما تكون المحكمة لم تصرح بمذكرات أو مستندات أو صرحت وانقضى الأجل المحدد للمستأنف ، وطلب الأخير إعادة الاستئناف للمرافعة لتقديم دليل الوفاء فإن قرار الإعادة الي المرافعة يخضع لمطلق تقدير المحكمة . 

وإذا تعلق الوفاء بمبلغ من النقود كالباقي من الثمن ، وكان من حق المشتري حبسة لإخلال البائع بتنفيذ إلتزامه بالتسليم أو بأعمال التشطيب او كان قد رتب علي العين رهناً بما يتوافر معه التعرض للمشتري، فإن الحق في الحبس يحول دون الوفاء بباقى الثمن وبالتالي من اعتبار المشتري مخلاً بإلتزامه مما يتعين معه رفض دعوى الفسخ، فإن كان المشتري قد طرح علي المحكمة طلباً للحكم له بصحة ونفاذ العقد، سواء كان ذلك بموجب طلب عارض قدم فيها، فإنه يتعين علي المشتري إيداع باقي الثمن - دون عرضه علي البائع - بخزينة المحكمة إيداعاً مشروطاً بعدم صرفه له إلا بعد تنفيذ البائع لإلتزاماته - وحينئذ يتضمن هذا الطلب طلباً ضمنياً بصحة العرض والإيداع ، طالما لم يطلبه المشتري صراحة ، فتنقضي المحكمة برفض دعوى الفسخ و بصحة ونفاذ العقد و يتضمن هذا الحكم قضاءً ضمنياً بصحة العرض والإيداع .

ويسري ما تقدم إذا استند طالب الفسخ الي الشرط الفاسخ الصريح الذي تضمنه العقد إذا ما ثبت للمحكمة تنازله عن هذا الشرط بقبولة الوفاء ببعض الثمن بعد تاريخ استحقاقه، مما يسقط حقه في التمسك بالشرط الفاسخ الصريح ولما كان الساقط لا يعود، فلا يبقى إلا الشرط الفاسخ الضمني مما يجوز معه للمدين توقي الفسخ علي نحو ما تقدم .

توقي الفسخ استئنافياً ولو استند لليمين الحاسمة :

المقرر قانوناً أن اليمين الحاسمة ، تحسم النزاع نهائياً بصدد المسألة التي وردت عليها دون أن تتعداها إلى غيرها ولو كانت مرتبطة بها ،مؤدي ذلك أن المدين إذا واجه اليمين الحاسمة إلى الدائن علي أن الأخير لم يقبض الدين فخلفها ، دل ذلك علي أن ذمة المدين مازالت مشغولة بالدين وقامت علي ذلك قرينة قانونية قاطعة لا يجوز للمدين إثبات ما يخالفها، سواء أمام المحكمة الدرجة الأولي أو أمام المحكمة الاستئنافية، ورتب المشرع علي ذلك عدم جواز استئناف الحكم الصادر بناءً علي اليمين الحاسمة لعدم جدوى الاستئناف.

اما اذا إلتزام المدين دلالة اليمين الحاسمة بإنشغال ذمته بالدين، فلم يقصد بدفاعه أمام محكمة الدرجة الأولي ، ولا بطعنة أمام المحكمة الاستئنافية نفي هذه الدلالة وإنما قصد عدم ترتيب آثارها وفقاً لحق قررها له القانون، فإنه يتعين علي محكمة الدرجة الأولى قبول دفاعه، وعلى المحكمة الاستئنافية قبول استئنافه . 

فإذا كان الأثر المترتب علي عدم وفاء المدين بالتزامه هو فسخ العقد، وكان الفسخ قضائياً، فإن المشرع قرر للمدين الحق في توقي هذا النوع من الفسخ بالوفاء بالدين إلى ما قبل إقفال باب المرافعة أمام محكمة الدرجة الأولي أو أمام المحكمة الاستئنافية، بحيث إذا تم الوفاء بعد حلف اليمين الحاسمة، كان وفاء صحيحاً مبرئاً للذمة التي قام دليل قطعي علي انشغالها، فتقضي محكمة الدرجة الأولى برفض الدعوى، فإن قضت بالفسخ استناداً إلى اليمين الحاسمة رغم الوفاء اللاحق لخلفها، أو لعدم الوفاء بالدين بعد حلفها وطعن المدين بالاستئناف، تعين علي المحكمة الاستئنافية أن تقبل الإستئناف شكلاً وتلغي الحكم وترفض دعوى الفسخ في الحالة الأولي التي تم فيها الوفاء ، وإن تقضي بذلك أيضاً في الحالة الثانية إذا قام المدين بالوفاء قبل إقفال باب المرافعة في الاستئناف ، ويقفل باب المرافعة بحجز الدعوى للحكم دون مذكرات أو بإنقضاء أجلها.

الطلب العارض بصحة العقد في دعوى الفسخ :

إذا رفع الدائن الدعوى بفسخ العقد لإخلال المدين بإلتزامه، فلا يقتصر حق الأخير علي توقي الفسخ إن كان قد تأخر في تنفيذ إلتزامه، وإنما يجوز له أن يقرن هذا التوقي بطلب الحكم بصحة ونفاذ العقد، وذلك بطلب عارض يقدمه في دعوى الفسخ، وحينئذ تجيبة المحكمة إليه بعد أن ترفض القضاء بالفسخ، إذ طالما قام المدين بتوقي الفسخ ، فإن العقد يكون قائماً فيما بين طرفيه بالحالة التي كان عليها قبل رفع دعوى الفسخ ، فإن كان غير مسجل ظل كذلك بحيث إذا امتنع البائع عن تسجيلة في حالة عدم تقديم الطلب العارض ، جاز للمشتري رفع دعوى بصحته ونفاذه بتأشيرة بالحكم النهائي علي هامش تسجيل صحيفة الدعوى تنتقل إليه الملكية، ومن ثم يجوز له اختصاراً للإجراءات، أن يتقدم في دعوي الفسخ بطلب عارض بصحة ونفاذ العقد، وحينئذ يتعين عليه شهر صحيفة هذا الطلب أو صورة رسمية من محضر الجلسة الذي أثبت فيه، وذلك عملاً بالمادة 126 مكرراً من قانون المرافعات ، فإن لم يتم الشهر فلا يقبل الطلب العارض وتقضي المحكمة بذلك من تلقاء نفسها . 

ويسري ما تقدم ، إذا كان العقد متضمناً الشرط الفاسخ الصريح متى تحقق للمحكمة أن الدائن قد تنازل عن هذا الشرط بقبول الوفاء بأحد أقساط الثمن او بعضها بعد ميعاد استحقاقه مما ينبئ عن تنازله الضمني عن الشرط ولا يبقى له إلا الفسخ القضائي، مما يجوز معة للمشتري التمسك بهذا السقوط وبالتالي توقي الفسخ وتقديم طلب عارض بصحة ونفاذ العقد علي نحو ما تقدم ، إذ أن الفسخ القضائي لا يقع إلا بحكم ومن ثم يتعين طلبة بطريق الدعوي الأصلية او بطلب عارض خلافاً للفسخ الإتفاقي فهو يقع فور تحقق موجباً دون حاجة لصدور حكم به وبالتالي فلا يطرح علي المحكمة كطلب عارض وإنما بطريق الدفع الموضوعي، ومن ثم يجوز طرحه على محكمة الاستئناف لأول مرة دون أن يعتبر طلباً جديداً . 

والمقرر أن دعوى فسخ العقد لسبب من أسباب الفسخ، تقتصر فيه وظيفة المحكمة علي بحث هذا السبب وحده، وقضاؤها برفض الدعوى لا يتعدي ذلك إلي القضاء ضمناً بصحة العقد . 

نطاق حجية حكم الفسخ : 

تلتزم المحكمة في دعوى الفسخ بالسبب الذي استند إليه الدائن في طلبه بحيث إذ قضت برفض الدعوى وأصبح الحكم نهائياً، فلا يجوز قوة الأمر المقضي بالنسبة لهذا السبب وحده وفي نطاقه، فإن كان راجعاً إلى عدم الوفاء بقسط معين من أقساط الثمن، فلا تمتد الحجية إلى سبب آخر أو إلى قسط آخر .

كما أن حجية حكم الفسخ لا تتعدى إلى الغير، ولما كان المشتري الذي لم يسجل عقده ، يعتبر ممثلاً في دعوى الفسخ في شخص البائع له، ومن ثم فإذا صدر ضد البائع حكم بفسخ عقده، كانت لهذا الحكم الحجية في مواجهة من باعه هذا المشتري العقار فينسخ البيع عليهما معاً ويلتزمان بإعادة المبيع إلى البائع للمشتري ولا ينال من ذلك  أن يكون من باعه المشتري العقار قد سجل صحيفة دعوى صحة التعاقد قبل صدور حكم الفسخ إذ لا يعتبر أن التسجيل قد تم الا بتسجيل حكم صحة التعاقد أو التأشير به في هامش تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد ، أما إذا كان هذا التسجيل او التأشير قد تم قبل صدور الحكم، أو كان من باعة المشتري العقار قد سجل عقدة قبل صدور حكم الفسخ فإنه منذ هذا الوقت يصبح من طبقة الغير فلا يكون ممثلاً في الحكم الصادر بالفسخ بشرط أن يتوافر لديه حسن النية وقت تلقي الحق في أي وقت تمام التسجيل وذلك عملاً بالمادتين 15، 17 من قانون الشهر العقاري .

ويكون حكم الفسخ منشئاً للمركز القانوني للمتعاقدين وليس مقرراً له فلا يعتبر العقد مفسوخاً إلا من تاريخ صيرورة الحكم نهائياً . 

التنازل عن حكم الفسخ : 

يترتب علي الحكم بفسخ عقد البيع ، انحلال الرابطة العقدية فيعود كل متعاقد إلى ما كان عليه قبل البيع ، فيرد البائع الثمن ويرد المشتري المبيع إن كان قد تسلمه، وينفذ الحكم تنفيذاً جبرياً ويجوز لكل متعاقد حبس المحل الذي تحت يده حتى يسترد المحل الذي تسلمه منه المتعاقد الأخر، ومتى حبس كل متعاقد المحل الذي تحت يده، فلا يسوغ القول بتنازل المحكوم له عن حكم الفسخ إلا إذا وجدت شواهد قاطعة تدل علي هذا التنازل ولا تدع مجالاً للشك في تحققه، وحينئذ يمتنع علي المحكوم له بعد ذلك اللجوء للتنفيذ الجبري للحكم لزوال قوته التنفيذية بالتنازل عنه. 

امتناع الفسخ لعدم سعي البائع لموطن المشتري لقبض الثمن :

اذا لم يتضمن العقد إلتزاماً علي المشتري بالوفاء بباقي الثمن بموطن البائع ولم يكن هناك عرف بذلك ولا يدل تنفيذ العقد علي أن المشتري هو الذي يقوم بالوفاء بما حل من أقساط بموطن البائع، فإن الأخير يجب عليه أن يسعى إلى موطن المشتري لقبض باقي الثمن وإلا فلا يعتبر المشتري قد أخل بالتزامه المتعلق بسداد باقي الثمن وبالتالي لا يتحقق الشرط الفاسخ سواء كان صريحاً أو ضمنياً .

ويثبت الإخلال بإنذار المشتري بميعاد حضور البائع إليه بموطنه وإنقضاء هذا الميعاد دون وفاء . 

الفسخ لا يرد علي عقد باطل ولا علي الإقرار : 

العقد الباطل بطلاناً مطلقاً، هو عقد  معدوم لا يرد عليه الفسخ ، أما العقد القابل للإبطال فهو عقد نافذ طالما لم يتمسك به من تقرر البطلان لصالحه، ويجوز له التنازل عن البطلان صراحة أو ضمناً، ومتي توافر هذا التنازل أصبح العقد صحيحاً منذ إبرامه مما يحول دون طلب إبطاله وإنما يجوز طلب فسخه، ويعتبر طلب الفسخ تنازلاً ضمنياً عن البطلان ، ومن ثم إذا رفض طلب الفسخ امتنع رفع دعوى بالبطلان كما لا يرد الفسخ علي الإقرار بإعتباره تصرفاً من جانب واحد ، ولكن يرد عليه البطلان لغلط أو تدليس أو إكراه .

تقادم دعوى الفسخ : 

يرد التقادم المقسط علي كافة الحقوق ، سواء كانت شخصية أو عينية ، ماعدا الحقوق التي تأبى السقوط بسبب عدم الإستعمال كحق الملكية فهو حق دائم لا يزول بإهماله وعدم إستعماله، ولكنه يكتسب عندما يترك ويضع الغير اليد عليه وينتفع به بنية التملك ، فيصبح هذا الغير أحق به . 

والحقوق الشخصية هي حقوق دائنيه ، تنشئ علاقة بين شخصين ، هما الدائن صاحب الحق والمدين الذي مكنة الدائن من الإنتفاع بهذا الحق وفقاً للشروط التي تم اتفاقهما عليها ، ويرتب هذا الإتفاق التزامات متبادلة فيما بينهما ، فيلتزم كل منهما شخصياً بتنفيذ ما التزم به فإن أخل أحدهما بالتزامه، تعين علي الطرف الأخر الرجوع عليه لإجباره علي تنفيذ ما التزم به إن كان ممكناً أو بطلب الفسخ ، ويتم الرجوع وفقا لحق شخصي تقرر للدائن في ذمة المدين ، فإن كان القانون قد حدد مدة لهذا الرجوع وجب الإلتزام بها وإلا سقط حق الدائن في الرجوع علي مدينه ، اما ان لم يوجد نص في القانون يحدد مدة الرجوع ، فإن مدة السقوط تكون خمس عشرة سنة وهي مدة التقادم الطويل عملاً بالمادة 374 من القانون المدني . 

اما الحقوق العينية ، فهي التي يتقرر بموجبها سلطة لشخص علي عين معينة بالذات تخوله إستعمال العين والإنتفاع بها واستغلالها والتصرف فيها ، فهي علاقة بين شخص وعين ، وليست علاقة بين شخصين .

فعقد الإيجار ينشئ حقوقا والتزامات بين شخصين هما المؤجر والمستأجر، فتتولد عنه حقوق شخصية حتى لو كان محله عقاراً ، وعقد البيع غير مسجل ينشئ حقوقاً والتزامات شخصية بين البائع والمشتري وفقاً لما تضمنه عقد البيع، أما بعد التسجيل ، فينشأ حق عيني للمشتري علي المبيع ، ولكن تظل العلاقة بينهما خاضعة لعقد البيع النهائي ، فإذا أخل أحد المتعاقدين بإلتزاماته، جاز للمتعاقد الأخر طلب الفسخ ، ولما كان القانون لم يحدد مدة لرفع دعوى الفسخ، فإن الحق في رفعها تسقط بإنقضاء خمس عشرة سنة تبدأ من تاريخ توافر السبب المؤدي للفسخ . 

وتحدد طبيعة العين المؤجر القانون الواجب تطبيقه علي المنازعات المتعلقة بها، وتخضع أسباب فسخ عقد الإيجار وإخلاء العين للعقد وللقانون الواجب التطبيق ، وسواء كان هذا القانون هو القانون المدني أو قانون إيجار الأماكن ، فان عقد الايجار يرتب حقوقاً والتزامات شخصية يرد عليها التقادم الطويل ، بحيث إذا تحقق سبب يجيز للمؤجر فسخ عقد الإيجار وإخلاء العين، تعين عليه رفع الدعوى بذلك خلال خمس عشرة سنة من تاريخ تحقق هذا السبب وإلا سقط حقه في رفعها بالتقادم ، يستوي أن يتعلق سبب الفسخ بالتنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن أو الأضرار بسلامة العين أو عدم توافر شروط الجد أو لأي سبب آخر .

والمقرر أن الدفع بالتقادم دفع موضوعي ، يجوز التمسك به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف .

فسخ بيع العروض وغيرها من المنقولات : 

تنص المادة 461 من القانون المدني علي أن في بيع العروض وغيرها من المنقولات إذا اتفق علي ميعاد لدفع لثمن وتسلم المبيع يكون البيع مفسوخاً دون حاجة إلى أعذار إن لم يدفع الثمن عند حلول الميعاد إذا اختار البائع ذلك ما لم يوجد اتفاق علي غيره . 

ومفاد ذلك أنه إذا اتفق البائع مع المشتري علي ميعاد لدفع الثمن وتسليم المبيع فإنه يتعين علي المشتري الوفاء بالثمن وقت تسلمه المبيع وفي مكانه، فإذا أخل المشتري بإلتزامه المتعلق بالوفاء بكامل الثمن نقداً، جاز للبائع أن يمتنع عن تسليمه المبيع مما ينبئ عن انصراف إرادته إلى اعتبار البيع مفسوخاً وهو فسخ يتم بمجرد رغبة البائع فيه دون حاجة لأي إجراء آخر، فلم يتطلب القانون أعذاراً أو استصدار حكم بالفسخ فإذا أراد البائع تنفيذ البيع، فإنه يتمسك بذلك دون أن يسلم المبيع عملاً بحقه في جلسة حتى يوفي المشتري بالتزامه في أجل يحدده له البائع، فإذا حل هذا الميعاد ولم يقم المشتري بالوفاء بالثمن ، جاز للبائع أن يفسخ البيع بإرادته المنفردة ، ويرجع علي المشتري بالتعويض إن كان له مقتضى . 

وينصرف نص المادة 461 إلى الحالة التي يمتنع فيها المشتري عن الوفاء بكامل الثمن ومن ثم فلا ينفسخ البيع من تلقاء نفسه بدون حاجة الي أعذار إذا كان البائع هو الذي أخل بإلتزامه بتسليم المبيع في الموعد المحدد له أو فور إبرام البيع إن لم يتضمن اتفاقاً على ميعاد للوفاء بالثمن وتسليم المبيع ، بحيث إذا أخل البائع بإلتزامه، فلا ينفسخ العقد من تلقاء نفسه وإنما يجب علي المشتري أعذار البائع بتنفيذ إلتزامه ثم رفع دعوى بالفسخ أو بالتنفيذ العيني ، ويكون الفسخ حينئذ قضائياً خاضعاً لتقدير القاضي .

ويخضع إثبات إلتزام كل من البائع والمشتري للقواعد العامة، وفقاً لما إذا كانت المعاملة مدينة او تجارية، سواء بالنسبة لأحد الطرفين أو كليهما . 

الرجوع بالمسؤولية التقصيرية في حالة الفسخ او البطلان : 

في العقود الملزمة للجانبين ، يكون المتعاقد الذي أخل بإلتزامه مسئولاً أمام المتعاقد الآخر مسئولية أساسها العقد ومن ثم تسري احكام المسئولية العقدية طالما تمسك الدائن بشروط العقد وكان العقد قائماً صحيحاً فالدائن الذي يطالب بالتنفيذ العيني للعقد أو بالتعويض لإخلال المدين بإلتزامه إنما يستند إلى أحكام المسئولية العقدية علي نحو ما تضمنته المادة 215 . 

أما إذا طلب المتعاقد فسخ العقد والتعويض  بسبب تعذر أو استحالة تنفيذ العقد عندما يتطلب التنفيذ تدخلاً شخصياً من المدين او كان الحق محل العقد قد خرج عن ملكية المدين ، وحينئذ عندما تقضي المحكمة بالفسخ تكون قد أهدرت العقد فيصبح كأن لم يكن فلا يجوز الاستناد إليه كتصرف قانوني عند القضاء بالتعويض ، ولكن تستند إليه المحكمة بإعتباره واقعة مادية دالة علي التقصير المدين ومن ثم تقضي بالتعويض علي أساس المسئولية التقصيرية وليس علي أساس المسئولية العقدية فتخضع مسئولية المدين بعد صدور حكم نهائي بالفسخ لأحكام المسئولية التقصيرية خاصة ما يتعلق بالتقادم إذا رفعت دعوى التعويض بعد الحكم بالفسخ ، أما إذا طلب الفسخ والتعويض بدعوي واحد فلا يثار للتقادم الثلاثي المنصوص عليه بالمادة 172 .

إذ يترتب علي انحلال العقد ، واعتباره كأن لم يكن فلا يصلح سنداً لرجوع الدائن بموجبه ، وإنما يرجع وفقاً للقواعد العامة ، ففي عقد البيع يصبح المشتري واضعاً يده علي المبيع بغير سند ، ومن ثم يعتبر غاضباً فيلتزم بتعويض المالك عن هذا الغضب ، ومثل ذلك عقد الإيجار ، وتستقل المحكمة بتقدير التعويض، فإن هي ألزمت المستأجر الذي انحل عقدة بتعويض يعادل الأجرة التي كان يتضمنها العقد ، فلا تكون بذلك قد جمعت بين فسخ العقد وتنفيذه، وإنما تكون قد رأت في الأجرة ما يكفي في تعويض الدائن تعويضاً عادلاً ، بعد أن ردت الطلب إلى تكييفه الصحيح وردته الي المسئولية التقصيرية ، ولا تكون بذلك قد غيرت سبب الدعوى وإنما التزمته وفقاً لهذا التكييف الذي كان يجب إقامة الدعوى ابتداء علي أساسه  أما وقد خالفه المدعي ، فلا يكون قد استند إلى السبب الصحيح مما يوجب على المحكمة إدراكه ومن تلقاء نفسها . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثالث           الصفحة/  122)

 

تعريف الفسخ

الفسخ هو حق المتعاقد في العقد الملزم للجانبين، إذا لم يوف المتعاقد الآخر بالتزامه الناشئ عن العقد، في أن يطلب حل الرابطة العقدية كي يتحلل هو من إلتزامه فهو يدخل إلى جانب المسئولية العقدية في نطاق الجزاء الذي يترتب على القوة الملزمة للعقد.

أساس طلب فسخ العقد :

يذهب رأى في الفقه إلى أن أساس فسخ العقد هو نظرية السبب، إذ سبب الإلتزام في العقد الملزم للجانبين هو الإلتزام الذي يقابله.

ومن ثم فإن فكرة السبب هي التي تربط بين الإلتزامين المتقابلين في هذا العقد بحيث إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ إلتزامه حق للمتعاقد الآخر أن يتحلل من إلتزامه بالفسخ.

بينما ذهب رأي ثان إلى أن أساس الفسخ هو فكرة الارتباط ما بين الإلتزامات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين، إذ أن طبيعة هذه العقود تقتضي أن يكون إلتزام أحد المتعاقدين مرتبطاً بالتزامه المتعاقد الآخر فيبدو أمر طبيعياً عادلاً أنه إذا لم يقم أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر أن يوقف هو من جانبه تنفيذ ما في ذمته من إلتزام، وهذا هو الدفع بعدم التنفيذ، أو أن يتحلل نهائياً من هذا الإلتزام، وهذا هو الفسخ .

وذهب رأي ثالث إلى أن أساس الفسخ أنه جزاء يفرضه القانون عن الإخلال بالإلتزام، شأنه في ذلك شأن التعويض وهو جزاء يتسق مع فكرة أن العقد التبادلي يفرض الإلتزامات على عاقديه على سبيل التقابل.

غير أن محكمة النقض ذهبت إلى أن أساس الفسخ، يرجع إلى أن كل عقد ملزم للجانبين يتضمن شرطاً فاسخاً ضمنياً، أي أن طرفيه اتفقا ضمناً على أنه إذا أخل أحدهما بإلتزاماته كان للطرف الآخر أن يطلب الفسخ ولو لم يرد بالعقد شرط صريح على ذلك.

عدم فسخ العقد إلا بحكم

لا يفسخ العقد بناء على الشرط الفاسخ الضمني الذي يتضمنه كل عقد ملزم للجانبين - طبقاً لقضاء محكمة النقض إلا بموجب حكم.

يشترط لإمكان المطالبة بفسخ العقد توافر أربعة شروط هي:

1-أن يكون العقد ملزماً للجانبين.

2- أن يكون أحد المتعاقدين قد تخلف عن تنفيذ إلتزامه.

3- أن يكون المتعاقد الآخر الذي يطلب الفسخ قد نفذ إلتزامه أو مستعداً لتنفيذه.

4- أن يكون المتعاقد الذي يطلب الفسخ قادراً على إعادة الحال إلى ما كانت عليه

ونعرض لهذه الشروط بالتفصيل فيما يلي :

الشرط الأول : 

أن يكون العقد ملزما للجانبين :

لا يكون الفسخ إلا في العقود الملزمة للجانبين، لأنها هي وحدها التي تنشئ إلتزامات متقابلة بحيث يعتبر كل إلتزام فيها سبباً للإلتزام الذي يقابله وعلى هذا الأساس وجدت فكرة الإرتباط بين هذه الإلتزامات فإذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ إلتزامه كان من العدل ومن المعقول أن يتحلل الطرف الأخر من إلتزامه، فالمبرر الذي ينهض بالفسخ لا يتوفر إلا في هذه العقود.

وكل العقود الملزمة للجانبين يرد عليها الفسخ بلا استثناء.

فيرد الفسخ على البيع ولو كان بالمزاد العلني جبرياً كان أو اختيارياً، وعلى المقايضة أو الإيجار والشركة والصلح.

ويسرى الفسخ على العقد الإداري ما دام ملزماً للجانبين .

وإذا تضمن المحرر أكثر من عقد ملزم للجانبين فلا يوجد ما يمنع من أن يطلب المتعاقد فسخ أحد تلك العقود دون العقود الأخرى متى توافرت لدعواه الشروط التي طلبها القانون.

وبالترتيب على ما تقدم لا يرد الفسخ على العقود الملزمة لجانب واحد، كالكفة والوديعة بغير أجر أو الهبة بغير عوض، لأن طرفاً واحداً فيها هو الذي يلتزم، فإذا لم يقم بتنفيذ إلتزامه لا يتصور طلب الفسخ من الطرف الآخر الذي لا يتحمل بأي الترد يؤدي الفسخ إلى تحلله منه، بل المتصور منه هو طلب التنفيذ العينى وليس ط الفسخ .

وكذلك فإن الإقرار لا يرد عليه الفسخ لأن الإقرار إخبار بأمر وليس إنشاء الحق.

الشرط الثاني

أن يكون أحد المتعاقدين قد تخلف عن تنفيذ إلتزامه :

يشترط للفسخ أن يكون أحد المتعاقدين قد تخلف عن تنفيذ إلتزامه، لأن ما دام الفسخ جزاء للعقد فإن ذلك يفترض الخطأ من جانب المتعاقد، ولذلك فهو لا يمكن طلبه إلا حين يمكن أن تقوم هذه المسئولية. وذلك بأن كان التنفيذ العيني ممكناً ولكن المدين امتنع عنه أو كان التنفيذ العين مستحيلاً لسبب يرجع إلى فعل المدين.

أما إذا كان تخلف المدين عن تنفيذ إلتزامه بخطأ منه، إنما يرجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه فإن الإلتزام ينقضي من تلقاء نفسه وينقضي الإلتزام المقابل وينفسخ العقد بقوة القانون فيكون الحكم هو انفساخ العقد وليس فسخه فالفسخ القضائي يختلف عن الانفساخ بحكم القانون في أن عدم التنفيذ راجع إلى خطأ المدين، وليس إلى سبب أجنبي. 

ويجوز طلب الفسخ سواء كان عدم تنفيذ العقد كلياً أو جزئياً أو كان التنفيذ معيباً والقاضي وهو يباشر سلطته التقديرية - كما سنرى - في هذه الحالة إما أن يقتصر على فسخ العقد في الجزء الذي لم ينفذ مع قيام العقد في الجزء الباقي، إلا إذا كان العقد لا يحتمل التجزئة، أو كان الجزء الذي لم ينفذ هو الجزء الأساسي في الإلتزام، ويجب الإمكان طلب الفسخ إعذار المدين عملاً بالمادة 1/ 157 مدني كما سنرى.

ويجب أن يكون التخلف عن الوفاء بغير حق فإن من حق المشتري قانوناً أن يحبس الثمن عن البائع فلا يسرى الشرط الفاسخ ولو كان صريحاً.

الشرط الثالث

أن يكون المتعاقد الذي يطلب الفسخ قد نفذ إلتزامه أو مستعداً لتنفيذه.

يشترط لطلب الفسخ أن يكون المتعاقد الآخر الذي يطلب الفسخ قد نفذ إلتزامه أو مستعدا لتنفيذه على الأقل، لأنه إذا لم يكن كذلك فإنه يكون في حكم الواقع مقصراً ومن ثم لا يكون له أن يطلب جزاء هو أحرى بأن يوقع عليه.

كما أنه إذا كان على هذا المتعاقد واجب بالتعاون مع المدين على تنفيذ الإلتزام ولم يفعل، فلا يجوز له طلب الفسخ .

الشرط الرابع :

 أن يكون طالب الفسخ قادراً على إعادة الحال إلى ما كانت عليه :

يشترط أن يكون طالب الفسخ قادراً على إعادة الحال إلى ما كانت عليه أي إعادته إلى أصله من ناحيته هو لأن الفسخ يترتب عليه اعتبار العقد كأن لم يكن، وبالتالي إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد فإذا كان طالب الفسخ قد تسلم شيئاً من الطرف الآخر وقام بنقله بعد ذلك إلى شخص آخر، فإنه لا يستطيع أن يسترد هذا الشيء من المتصرف إليه لأنه ضامن له والضمان والإسترداد لا يجتمعان، وبالتالي لا يستطيع أن يرد هذا الشيء الذي أخذه ومن ثم فهو لا يجوز له طلب الفسخ بل هو يطلب فقط التنفيذ العينى أو التعويض.

خيار الدائن بين التنفيذ العيني والفسخ

إذا تحققت الشروط اللازمة لطلب الفسخ، فإن طلب الفسخ مع ذلك يمثل رخصة تخول الدائن الذي يحصل الإخلال بالتزامه التحلل من العقد من غير أن يجبر عليه.

وهي رخصة تضاف إلى الحق الأصلي للدائن في التمسك بالعقد والإصرار على تنفيذ إلتزام مدينه وليس بديلاً عنه.

وعلى ذلك يجوز للدائن إذا أخل العاقد الآخر بالتزامه بعد إعذاره أن يطالب بتنفيذ إلتزامه عینا - أو بالتعويض عند استحالة التنفيذ - أو أن يطلب فسخ العقد، فالخيار له في ذلك غير أنه إذا كان التنفيذ العيني مازال ممكناً محققاً غرض الدائن وعرض عليه المدين هذا التنفيذ ولو بعد طلب الفسخ أو لم يعرضه وكان الحكم بإجباره على التنفيذ العين بما لا يعترضه ضرورة قيام المدين بالتنفيذ بشخصه فإنه لا يقضى بالفسخ كذلك لا يحكم بالفسخ، إذا كان الدائن طالب الفسخ قد صدر منه ما يفهم منه تمسكه بالتنفيذ العيني أي اعتباره أن التأخير في التنفيذ لم يفوت غرضه من التعاقد كما إذا تقدم البائع في توزيع المال المدين ففهم منه أن يطلب التنفيذ العيني لدفع الثمن، وكما إذا أجرى المشتري إصلاحات في العين.

وللدائن إذا طالب بالتنفيذ العيني أن يعدل عن هذا الطلب قبل الحكم في الدعوى، ويطلب الفسخ وإذا طالب بالفسخ له أن يعدل عنه إلى طلب التنفيذ العيني، ما لم يكن قد نزل عن أحدهما، ولا يعتبر رفع الدعوى بأحدهما تنازلاً عن الآخر.

غير أنه ليس للدائن أن يجمع بين التنفيذ والفسخ في طلب واحد ولا يجوز للقاضي القضاء بالفسخ من تلقاء نفسه.

من يحق له طلب الفسخ

تثبت رخصة طلب الفسخ للدائن في العقد الملزم للجانبين، وكذلك من يحل محله من الخلف العام أو الخاص أو المحال له أو الموفي مع الحلول، كما يثبت لدائنه بطريق الدعوى غير المباشرة.

وإذا تعدد الدائنون فقد ذهب رأي إلى إجراء أحكام دعوى التنفيذ على دعوى النسخ، وإذ كان يمتنع على أحد الدائنين في الإلتزام القابل للإنقسام المطالبة بالتنفيذ إلا في حدود نصيبه بينما يجوز له أن يطالب بكل الأداء إذا كان الإلتزام غیر قابل للإنقسام فكذلك دعوى الفسخ فهي لا تجوز لأحد الدائنين في الإلتزام القابل للإنقسام في حين تجوز له في الإلتزام غير القابل للإنقسام، في حين ذهب رأي آخر إلى أن مسألة الإنقسام وعدم الإنقسام لا تثور إلا عند الرد ومن ثم جاز لأحد الدائنين طلب الفسخ تى فى حالة عدم قابلية ما يجب رده للإنقسام عن طريق إحلال القيمة محل الشيء يساند هذا الرأي أنه لا محل لقياس دعوى الفسخ على دعوى التنفيذ ومن ثم يجوز كل من الدائنين المطالبة بالفسخ ولو كان محل الإلتزام أو محل الرد غیر قابل للإنقسام.

طلب الفسخ صراحة أو ضمناً :

يطلب الفسخ صراحة، كما يجوز أن يطلب ضمناً.

ومثال الطلب الضمني للفسخ ما يأتي :

أن يطلب المدعى إخلاء العين المؤجرة، إذ ينطوي طلب الإخلاء على الضمنی بفسخ عقد الإيجار.

أن يطلب المشتري إسترداد ما عجله من الثمن وبراءة ذمته من المحرر بالباقي من هذا الثمن بسبب وجود عيب خفي جسيم في المبيع، فإنه يكون طلب ضمناً فسخ العقد .

التمسك في طلب وارد بمذكرة بدعوى عدم قيام العقد لعدم تنفيذ الطرف الآخر لإلتزاماته الناشئة عنه ولكن طلب مقابل الانتفاع لا ينطوي على طلب فسخ العقد أو اعتباره مفسوخاً .

طلب الفسخ يكون بدعوى أو بطلب عارض :

يطلب الفسخ بدعوى بالإجراءات المعتادة كما يجوز طلبه في طلب عارض في دعوى مرفوعة عليه من المتعاقد بطلب تنفيذ الإلتزامات التي يرتبها العقد على عاتقه كما يجوز التمسك بالفسخ كدفاع في الدعوى المرفوعة ضده .

توقي المدين الفسخ ؛

يجوز للمدين توقى القضاء بالفسخ إذا قام بوفاء الإلتزام المترتب في ذمته بموجب العقد إلى ما قبل صدور حكم نهائي بالفسخ .

أي أن التوقي يكون أمام محكمة أول درجة أو أمام محكمة ثاني درجة حتى تاريخ إقفال باب المرافعة في الدعوى أمامها، ويعتبر باب المرافعة مفتوحاً إذا كانت المحكمة قد صرحت للخصوم بتقديم مستندات أو مذكرات خلال أجل حددته فيكون الوفاء خلال هذه الفترة مرتباً أثره في توقي الإخلاء.

غير أن الوفاء بالإلتزام لا ينتج أثره في توقى الفسخ، إلا إذا تم طبقاً للأوصاف وبذات الشروط المتفق عليها، فالتنفيذ المعيب يعتبر في حكم عدم التنفيذ الجزئي.

كما يجب ألا يكون الدائن قد أضر بهذا الوفاء المتأخر وهو مما يخضع لتقدير محكمة الموضوع .

الوفاء يحقق أثره في توقى الفسخ ولوكان المدين قد وجه اليمين الحاسمة إلى الدائن على أنه لم يتقاض الأجرة فخلفها : 

هل يجوز توقى الفسخ بعد تنقض الحكم الصادر بالفسخ ؟

نقض الحكم يقتضي زواله واعتباره كأن لم يكن ويعيد الخصوم إلى مراكزهم الأولى قبل صدور الحكم المنقوض، ومن ثم يجوز للمدين توقى القضاء بالفسخ بالوفاء بالتزامه قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى .

لا يحول دون توقى الفسخ بالوفاء أن يكون المدين سيء النية :

للمدين توقى الفسخ بالوفاء بالإلتزام حتى صدور الحكم النهائي في الدعوى، وفي ذلك أن يكون المدين حسن النية أم سيء النية فلا ينظر إلى ذلك إلا في التعويض عن التأخير في تنفيذ الإلتزام.

إلزام المدين المصاريف إذا توقى الفسخ بالوفاء

إذا توقى المدين المدعى عليه الفسخ بالوفاء بإلتزامه أمام محكمة أول درجة وقضى برفض طلب الفسخ، جاز للمحكمة إلزام المدين مصاريف الدعوى لأنه هو الذي تسبب في رفعها وذلك عملاً بالمادة 185 مرافعات، وإذا حصل التوقي أمام محكمة ثاني درجة، وقضت المحكمة بإلغاء الحكم الصادر بالفسخ و برفض الدعوى، عن الدرجتين عملاً بالمادتين 185 ، 240 مرافعات.

إلزام المدين بالتعويض بعد رفض دعوى الفسخ للتوقيه

إذا قضى برفض دعوى الفسخ لتوقى المدين الفسخ بالوفاء إلى ما قبل صدور الحكم النهائي، فذلك لا يمنع من إلزام المدين بتعويض للدائن عما يكون قد لحقه من أضرار نتيجة التأخير في الوفاء، كأن يكون الوفاء المتأخر قد فوت عليه صفقة رابح التعويض في هذه الحالة المسئولية العقدية، لأنه برفض دعوى الفسخ ويكون أساس يظل العقد قائماً .

نظرة الميسرة :

تنص الفقرة الثانية من المادة على أن: "ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلاً إذا اقتضت الظروف ذلك"، فهذا النص أجاز للقاضي أن يمنح المدين أجلاً للوفاء بالتزامه حتى يتوقف القضاء بالفسخ وهو ما يقال له "نظرة الميسرة".

وهذا الأجل يكون إما بناءً على طلب المدين، أو يمنحه له القاضي من تلقاء نفسه، إذ أن له أن يرفض الفسخ كلياً، ومن يملك الأكثر يملك الأقل.

ويقرر النص أن هذه المهلة تمنح للمدين "إذا اقتضت الظروف ذلك"، ومثل ذلك أن يرى القاضي أن ثمة أملاً في أن يفلح المدين في أداء دينه في وقت ليس بجد بعيد لعل الله يأتيه من بعد عسر يسراً أو يتضح للقاضي أن للمدين عذراً مقبولاً في التأخير في الوفاء بالتزامه خاصة إذا رأى أن الدائن لن يلحقه ضرر يعتد به من جراء هذه المهلة.

ومنح هذه المهلة أو رفض طلبها مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع التقديرية بلا معقب عليه بشأنها.

ويترتب على ما تقدم، أنه إذا قام المدين بالوفاء بإلتزامه خلال المهلة إنه يكون قد توقى الفسخ، فلا يجوز للقاضي أن يحكم بالفسخ وإذا لم يف المدين وفاءً كاملاً بإلتزامه، فإن ذلك لا يوجب الفسخ حتماً، إذ تظل للقاضی سلطته التقديرية في الفسخ - كما سنرى - بل وللمدين الوفاء بعد انقضاء هذه المهلة ويكون هذا الوفاء توقياً لحكم الفسخ.

سلطة القاضي التقديرية في نظرة الميسرة :

منح القاضي المدين مهلة للوفاء بإلتزامه (نظرة الميسرة) بناءً على طلبه أو من تلقاء نفسه، مما يدخل في حدود سلطته التقديرية، بحسب ما يراه من ظروف كل دعوى بغير معقب عليه في ذلك.

جواز صدور قرار المحكمة بنظرة الميسرة غير مسبب هل يجوز للقاضي منح المدين نظرة الميسرة بعد نقض الحكم وإعادته إلى محكمة الاستئناف ؟

يترتب على نقض الحكم زواله وإعتباره كأن لم يكن ويعيد الخصوم إلى مراكزهم الأولى قبل صدور الحكم المنقوض، ومن ثم فلا يوجد ما يحول قانوناً بين القاضي وبين منحه المدين نظرة الميسرة ليقوم بتوقى القضاء بالفسخ.

نظرة الميسرة مما لا يتعلق بالنظام العامة

السلطة التقديرية لقاضي الموضوع في صدد الفسخ - كما سنرى - والتي ضمنها مكان إعطاء المدين أجلاً للوفاء بالإلتزام (نظرة الميسرة) ليست متعلقة بالنظام العام.

ومن ثم يجوز الإتفاق على حرمان القاضي منها، بشرط أن يظهر بوضوح، ومن غير أدنى شك أن إرادة الطرفين قد انصرفت إلى ذلك .

القضاء بالفسخ جوازي للمحكمة

القضاء بالفسخ ليس محتماً على القاضى إذا توافرت شروطه، وإنما هو جوازی له، وله سلطة تقديرية في القضاء به ومما يدعو القاضي إلى عدم القضاء بالفسخ :

1- أن يكون المدين قد نفذ جزءاً من إلتزامه وكان مالم يتم تنفيذه قليل الأهمية بالنسبة إلى الإلتزام في جملته كما إذا كان المشتري قد قعد عن الوفاء بجزء من الثمن، بعد أن كان قد دفع أغلبه أو كان العاقد وفي بكل الإلتزامات الأساسية التي يفرضها العقد عليه ولم يتقاعس إلا عن الوفاء بالتزام ثانوي.

والمعول عليه في إجراء التناسب بين ما وفي به المدين وما لم يوف به هو التزاماته كلها التي يفرضها العقد عليه، وليس فقط واحد منها بعينه.

فقد يتقاعس المدين تقاعساً كاملاً عن الوفاء بإلتزام ثانوى من التزاماته، ومع نت يجوز للقاضي أن يرفض الفسخ، إذا اتضح له وفاء ذلك المدين بإلتزاماته الأساسية وحتى أغلبها ولا يقدح في ذلك أن تكون المادة 2/157 التي جاءت بصدد تخوي القاضى رخصة رفض الفسخ تقول: "إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الإلتزام في جملته" فمؤدی حرفية هذه العبارة أن يجري التناسب بين شطري الإلتزام الواحد، ما نفذ وما لم ينفذ ذلك أن الرأي السابق هو ما يتفق وروح نظام الفسخ .

ويكون للقاضي في هذه الحالة أن يحكم بتنفيذ الجزء الباقی أو بالتعويض عنه .

2- أن يكون الدائن لم يصبه إلا ضرر بسيط من جراء تأخر المدين في تنفيذ إلتزامه.

3- أن يكون الضرر الذي أصاب الدائن إنما نجم عن فعله هو لا عن فعل المدين.

خضوع تقدير مبررات الفسخ لتقدير محكمة الموضوع :

تقدير مبررات الفسيخ، وما إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية من عدمه، مسألة موضوعية يستقل بتقديرها قاضى الموضوع، دون رقابة عليه من محكمة النقض طالما أقام قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله.

القضاء بالفسخ منشئ له :

القضاء بالفسخ تطبيقاً للمادة 157 مدنی منشئ للفسخ وذلك بعكس القضاء بالفسخ استنادا إلى وجود شرط فاسخ صریح فهو مقرر للفسخ.

التنازل عن طلب الفسخ

الرخصة المخولة للدائن في طلب الفسخ لا تتعلق بالنظام العام، ولذلك يجوز للدائن التنازل عنها صراحة أو ضمناً.

ومجادلة الدائن في هذا التنازل لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فيما يستقل به قاضي الموضوع.

تقدير قيمة دعوى الفسخ تقدر قيمة دعوى الفسخ طبقاً للمادة 7 / 37 مرافعات التي تقضي بأنه إذا كانت الدعوى بطلب عقد أو إبطاله أو فسخه تقدر قيمتها بقيمة المتعاقد عليه وبالنسبة لعقود البدل تقدر الدعوى بأكبر البدلين قيمة.

وطبقاً للمادة 8 / 37 التي تقضي بأنه إذا كانت الدعوى بطلب صحة عقد مستمر أو بإبطاله كان التقدير بإعتبار مجموع المقابل النقدي عن مدة العقد كلها.

وإذا كانت بطلب فسخ العقد كان التقدير بإعتبار المقابل النقدي عن المدة الواردة في العقد فإذا كان العقد قد نفذ في جزء منه كان التقدير بإعتبار المدة الباقية....الخ.

وبالترتيب على ذلك إذا كان العقد محل الشرط عقداً من عقود الإيجار الخاضعة لقوانين إيجار الأماكن الاستثنائية، فإن هذا العقد يمتد امتداداً قانونياً تلقائياً بعد انتهاء مدته، وتكون الدعوى بطلب فسخه غير مقدراً القيمة وتعتبر قيمتها زائدة على عشرة آلاف جنيه (م 41 مرافعات)، وبالتالي تصبح من اختصاص المحكمة الابتدائية.

المقصود بالتفاسخ (التقايل) وشروطه :

التفاسخ (التقايل) وهو اتفاق المتعاقدين على إلغاء العقد المبرم بينهما.

والتفاسخ يتم بإيجاب وقبول، صريحين أو ضمنيين  كما هو الحال في العقد الأصلي ولابد في الإرادة الضمنية أن تكون قاطعة في الدلالة على حصوله، فالإتفاق على زوال العقد بعد حصوله لا يفترض ولا يتوسع في تفسير ما يؤدي عليه.

و استخلاص نية المتعاقدين في وقوع التفاسخ الضمني يدخل في سلطة قاضي الموضوع التقديرية طالما يبني على أسباب سائغة.

ويجب التمييز بين حصول التفاسخ في العقد وبين إجراء مجرد التعديل فيه فالتفاسخ لا يكون إلا حيثما يقتضي العقد الجديد إزالة العقد الأول برمته أما إذا لم يكن من شأن العقد الجديد أن يزيل العقد الأول، وأمكن له أن يقوم إلى جانبه وإن غير في بعض أحكامه التي لا تمس أصله وأساسه فإننا لا نكون بصدد تفاسخ على العقد القديم، وإنما بصدد مجرد إجراء تعديل فيه ومثال هذه الحالة التي يتفق في عقد البيع على تسليم المبيع أو دفع الثمن في ميعاد مضروب، ثم يأتي الطرفان ويتفقان في تاريخ لاحق على تغيير هذا الميعاد .

ويلزم لحصول التفاسخ فضلاً عن توافق الإرادتين على إزالة العقد واعتباره كأن لم يكن، أن يكون في مقدور الطرفين التمشى فعلاً وواقعاً مع الغاية التي يستهدفها من التفاسخ، تلك الغاية التي تتمثل في إزالة العقد وما يتبعه من إعادة طرفيه إلى الحالة التي كانا عليها عند إبرامه.

فإذا كانت إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها عند إبرام العقد متعذراً لسبب أو لآخر فإن التفاسخ على هذا العقد يقع باطلاً لإستحالة محله وهذا ما دعاه الفقه الإسلامي إلى أن يشترط لحصول التفاسخ أن يكون المعقود عليه قائماً وموجوداً في يد أحد المتعاقدين فإن هلك أو تلف أو حصل التصرف فيه للغير، ما جاز التفاسخ أو ما سرى في حق الغير على حسب الأحوال فإن هلك أو تلف أو حصل التصرف في بعض المعقود عليه، جاز التفاسخ في الباقي بقدر حصته من المقابل.

وإذا كان قانوننا المدني المصري لم يتضمن مثل هذا الشرط، حيث إنه لم يعرض التنظيم التفاسخ أصلاً، إلا أنه يتعين الأخذ به في ظله، لأنه لا يعدو أن يكون تطبيقاً للقواعد القانونية العامة ففي البيع مثلاً يلزم أن يكون المبيع قائماً وباقياً في يد البائع أو المشتري عند الإتفاق على التفاسخ ولكن لا يمنع من إمكان الإتفاق على التفاسخ أن يتلف بعض المبيع أو أن يحصل التصرف فيه، حيث يقع التفاسخ في الباقي، بقدر حصته من الثمن أما إذا قبض المشتري الثمن وضاع منه فإن ذلك لا يحول دون الإقالة، إذ أن المثليات لا تهلك .

التفاسخ حال رفع دعوى الفسخ

يجوز أن يحصل التفاسخ عن العقد بين المتعاقدين أثناء رفع دعوى الفسخ.

تفاسخ المشتري بعقد عرفي عن البيع ولو كان قد باع المبيع إلى آخر ما دام هو لم يحل إليه حقوقه الناشئة عن عقد شرائه.

الأصل ألا يكون للتفاسخ أثر رجعي :

الأصل ألا يكون للتفاسخ أثر رجعي، فهو عقد جديد ينتج آثاره من وقت حدوثه، إلا أنه يجوز للطرفين أن يتفقا على الأثر الرجعى لزوال العقد.

ويجوز أن يكون الإتفاق على الأثر الرجعي شاملاً كافة الحقوق والإلتزامات المترتبة على العقد الذي تم التفاسخ عنه، أو عن بعض هذه الحقوق والإلتزامات فقط والاتفاق على الأثر الرجعي، كما يكون صريحاً يصح أن يكون ضمنياً يستخلصه قاضي الموضوع من ظروف الدعوى.

عدم مساس الأثر الرجعي للتفاسخ بحقوق الغير

يجب ألا يمس الأثر الرجعي للتفاسخ بحقوق الغير منعاً من الإضرار به.

والمقصود بالغير هنا من اكتسب حقاً عينياً على العقار المبيع قبل تسجيل عقد التفاسخ فإذا كان العقد الأول هو عقد بيع العقار وانتقلت به الملكية إلى المشتري بالتسجيل فإن التفاسخ لا ينتج أثره في حق الغير إلا من وقت تسجيله ويترتب على تسجيله أن تعود الملكية مرة أخرى إلى البائع من وقت التسجيل فإذا كان الغير قد اكتسب حقاً على العقار من المشتري في الفترة ما بين تسجيل البيع وتسجيل التفاسخ فإن هذا الحق يظل نافذاً في حق البائع الذي عادت إليه ملكية الشيء.

كذلك إذا كسب الغير حقاً يتعلق بالشيء الذي ورد عليه العقد الذي حصل عليه التفاسخ بمقتضى عقد من عقود الإدارة، كالإيجار فإن حقه يبقى بالرغم من التفاسخ . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/614)

 

وهذا النص واضح في أنه يتناول حالة امتناع المدين عن التنفيذ مع إمكانه، وفي أنه يخول الدائن الخيار بين طلب التنفيذ وبين الفسخ .

وتنص المادة 215 على أنه « إذا إستحال علي المدين أن ينفذ الإلتزام عيناً حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بإلتزامه مالم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه ، ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ إلتزامه»، وهذا النص يتناول حالة عدم الوفاء حيث يكون الوفاء صار مستحيلاً لغير سبب أجنبي عن المدين وهو وارد في الفصل الخاص بالتنفيذ بطريق التعويض ويفيد حق الدائن في طلب التعويض في هذه الحالة، ومن المعلوم أن التنفيذ بطريق التعويض يقوم مقام التنفيذ العيني فإذا كان الإمتناع عن التنفيذ مع إمكانه يخول الدائن الخيار بين التنفيذ العيني والفسخ وفقاً المادة 157، فان عدم التنفيذ مع استحالته لغير سبب أجنبي عن المدين يخول الدائن الخيار بين التنفيذ بطريق التعويض وبين الفسخ وفقاً للمادة 215، ومما يؤيد ذلك أن هذه المادة لم تقرر نشوء الإلتزام بالتعويض في ذمة المدين بقوة القانون ولم تجعل من ذلك جزاء وحيدا لعدم الوفاء في هذه الحالة، بل قررت أن يحكم على الدين بالتعويض، والحكم لا يكون إلا بناءً على طلب من الدائن، ومن يملك الطلب يملك عدمه ، ولا يعقل أن يتصور الشارع ألا يطلب الدائن تعويضاً عن الأضرار التي تصيبه بسبب عدم وفاء المدين بالتزاماته إلا إذا كان قد خوله من هذا الحق بديلاً ، هو حق طلب الفسخ .

وبناء على ذلك يجوز للدائن طلب، فسخ العقد متى كان المدين لم يوف بالتزاماته لغير سبب أجنبي عنه سواء أكان الوفاء لا يزال ممكناً أم كان قد صار مستحيلاً، ويكون له الخيار بين ذلك وبين التنفيذ العيني في الحالة الأولي وبينه وبين التنفيذ بطريق التعويض في الحالة الثانية .

- شروط طلب الفسخ - وفي هاتين الحالتين إذا اختار الدائن سبيل الفسخ، كان لابد أن تتوافر فيه الشروط الآتية : 

1 - أن يكون العقد ملزماً للجانبين  .

2 - أن يكون الطرف الآخر لم يقم بالتزاماته وأن يعذر لذلك .

3 - أن يكون طالب الفسخ قد نفذ إلتزاماته : أو يكون مستعداً لتنفيذها .

4 - أن يكون طالب الفسخ قادراً - بعد الفسخ - على إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل العقد .

- الشوط الأول : أن يكون العقد ملزماً الجانبين لا يتصور الفسخ إلا في العقود الملزمة للجانبين، لأنه مبني على فكرة عاداة يراد بها أن يسمح للطرف الذي لم يحمل على حقه المقرر له بمقتضى العقد أن يتحلل هو مما التزم به في هذا العقد، وهو من الناحية القانونية مبني على نظرية السبب وفكرة الارتباط بين الإلتزامات المتقابلة وهذه الفكرة تجعل إلتزام المتعاقد الذي لم يحصل على حقه إلتزاماً دون سبب .

أما العقد الملزمة جانباً واحداً فلا يتصور فيها الفسخ ، لأن الدائن الذي يشكو من عدم وفاء المدين بالتزامه لا يكون ملزماً بشيء ولا تكون له أي مصلحة في التحلل من العقد بالإلتجاء إلى الفسخ .

غير أن بعض العقود التي كانت في التقنين الملغي معتبرة عقوداً عينية وملزمة جانباً واحداً كالعاريه والقرض بفائدة والرهن الحيازي كان مسلما بإمكان فسخها بسبب عدم وفاء المدين بالتزامه فإذا أساء المستعير أو الدائن المرتهن استعمال الشيء المسلم إليه ، أو إذا تأخر المقترض عن سداد الفوائد في مواعيدها، كان يجوز للطرف الآخر فسخ العقد واسترجاع ماله من تحت يد من تسلمه وقد اختلف الفقهاء في تعليل الفسخ في هذه العقود، حتى حدا ذلك بعضهم إلى القول بجواز القول في العقود الملزمة جانباً واحداً بصفة عامة، ولكن الواقع أن الفسخ لا يكون إلا في العقود الملزمة لجانبين ، وأنه لم يجز في العقود التي نحن بصددها إلا لأنها ملزمة الجانبين، وبيان ذلك أن المعير والراهن يلتزمان بعدم استرداد الشيء المعار أو المرهون إلا بعد مدة معينة، وهذا الإلتزام يقابل إلتزام المستعير والدائن المرتهن بالمحافظة على الشيء المعار أو المرهون وعدم اساءة إستعماله، فإذا أخل أحدهما بهذا الإلتزام الأخير جاز للطرف الآخر أن يفسخ العقد، ليتحلل بذلك من إلتزامه هو عدم إسترداد هذا الشيء .

واذا كان التقنين الحالي قد غير من طبيعة هذه العقود جعلها عقوداً رضائية تتم بمجرد الرضا ودون حاجة الى تسليم العقود عليه واعتبار هذا التسليم محلاً لإلتزام ينشأ بمجرد التراضي، أي أنه أعتبر هذه العقود ملزمة الجانبين ( راجع ما تقدم في نبذة 45 ونبذة 47 ) ، فإنه لم يفعل سوى اقرار الواقع وإبراز ذلك الإلتزام السلبي الذي كان يوجب على المعير أو المقرض أو الراهن - بعد أن يسلم محل العقد إلى الطرف الآخر - أن يمتنع من استرداده قبل انقضاء العقد.

أما العقود التي لا يمكن أن تكون إلا ملزماً جانباً واحداً كالوديعة والوكالة والكفالة غير المأجورة والهبة بغير عوض، فلا يتصور فيها الفسخ فيما عدا الحالة التي يعتبر فيها الرجوع عن الهبة من قبيل الفسخ .

الشرط الثاني : عدم وفاء أحد الطرفين بالتزاماته واعذاره لذلك - يشترط في طالب الفسخ أن يثبت أن الطرف الآخر لم يف بالتزامه الناشئ من العقد الذي يطلب فسخه، سواء كان عدم الوفاء كلياً أو جزئياً (15 مكرر)، ففي عقد البيع مثلاً اذا طلب البائع  الفسخ تعين عليه أن يثبت أن المشتري لم يوف إلتزامه بدفع الثمن كله أو بعضه أو إلتزامه بتسليم المبيع في الوقت المعين لذلك وإذا طلب المشتري المقيمين كان لابد له أن يثبت أن البائع لم ينقل إليه ملكية المبيع أو صار نقله الملكية إليه مستحيلاً بسبب فعله أو لم يسلمه إياه أو أنه أخل بإلتزامه بضمان التعرض والإستحقاق، فعكر هو حيازة المشتري أو لم يقم بدفع التعرض القانوني الذي حدث له من الغير، أو أن يثبت وجود عيب خفي في المبيع - ويجب أن يبين الحكم الذي يقضي بالفسخ أن المحكوم ضده قد أخل بالتزامه الناشئ من العقد إخلالاً يستوجب الفسخ، وإلا كان معيباً بالقصور في تسبيبه  .

ويقع على طالب الفسخ عبء إثبات عدم وفاء العاقد الآخر بالتزامه الناشئ من العقد، وعلى العاقد الآخر إثبات السبب الأجنبي الذي يزعم أنه قد جعل وفاءه بهذا الإلتزام مستحيلاً .

ويشترط أن يكون عدم وفاء المدين غير راجع إلى سبب أجنبي، لأنه إن كان راجعاً إلى سبب أجنبي فإنه يدخل في الحالة الثانية ويترتب عليه انفساخ العقد بقوة القانون كما سيجئ ولا ينطبق عليه ما نورده في هذا المبحث .

ولا يكفي في غالب الأمر إلى أن يثبت الدائن عدم وفاء المدين بإلتزامه، بل لابد أيضاً من أن يعذره للوفاء إلا إذا كان في إحدى الحالات التي نصت المادة 220 مدني على أنه لا يلزم فيها الأعذار، ومنها حالة ما إذا صرح المدين بعدم رغبته في الوفاء بالتزامه (23 مکرر).

وقد نصت المادة 157 فقرة أولى صراحة على ضرورة إعذار المدين لإمكان الحصول على الفسخ والأعذار بين عادة بإنذار يوجه إلى المدين على يد محضر لتكليفه الوفاء في أجل معين بحيث إذا انقضى الأجل ۔ دون وفاء كان الدائن الحق في طلب التعويض أو الفسخ، ولا يشترط في الإعذار أن يتضمن الإنذار تهديد المدين بالفسخ (24 مكرر)، غير أنه يلاحظ أنه يجوز أن يحصل إعذار المدين في عريضة الدعوى ذاتها، فيعين المدين أجل يقوم فيه بالوفاء ثم يكلف إذا لم يوف في هذا الأجل الحضور أمام المحكمة في جلسة محددة لسماع الحكم بالفسخ، ولكن المبادأة بأعذار المدين قبل رفع دعوى الفخ عليه لها أهمية عملية تظهر في أنها تجعل القاضي أكثر استجابة لطلب الفسخ وتجعله أقرب إلى الحكم على المدين بتعويض فوق الحكم بالفسخ وقد شرع الإنذار لمصلحة المدين، وله أن يتنازل عنه فاذا لم يتمسك أمام محكمة الاستئناف بأن الدائن لم يعذره قبل رفع الدعوى ، فإنه لا يقبل منه إثارة هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض  .

- الشرط الثالث : وفاء طالب الفسخ بالتزاماته - يشترط في طالب الفسخ أن لا يكون وقع منه تقصير أو تأخير في الوفاء بالتزاماتهم فإن لم يكن قد وقاها فعلاً، فليكن على الأقل مستعدا للوفاء بها إذا قام الطرف الآخر بالتزاماته.

فالمشتري المتأخر في دفع الثمن مثلاً لا يجوز له طلب الفسخ لإمتناع البائع عن تسليم المبيع، وإنما يجب عليه أن يبدأ أولاً بدفع الثمن أو على الأقل بابداء استعداده لدفعه قبل أن يعذر البائع لتسليم المبيع لأن تأخره في دفع ما عليه يخول البائع حق الامتناع عن تسليم المبيع أي الحق في الحبس أو حق الدفع بعدم التنفيذ، ومتى كان البائع ممتنعاً عن الوفاء بحق ، فإن امتناعه لا يستتبع الفسخ.

- الشرط الرابع : امکان إعادة الحالة إلى أصلها - ولأن الفسخ يترتب عليه - كما سيجئ - إعادة الحالة إلى أصلها، يشترط فيمن يطلبه - إذا كان حصل على وفاء جزئي - أن يكون قادراً على إعادة الحالة إلى أصلها، وإلا أمتنع عليه الفسخ (27 مكرر).

فإن كان المقاول قد تسلم بعض ما التزم به المتعهد وأدخله في  في البناء، فأنه لا يستطيع الفسخ لعدم إمكان رد الحالة إلى أصلها وإنما يجوز له أن يطالب بالوفاء بباقي الإلتزامات عيناً، أو بتعويض عن عدم الوفاء بها ، وكذلك إذا كان المشتري تسلم بعض المبيع وتصرف فیه بالبيع، أو حوله إلى شيء من نوع آخر كأن فصل القماش ملابس أو الخشب أثاثاً ، ثم امتنع البائع عن تسليم باقي المبيع، لم يجز للمشتري طلب الفسخ لتعذر رد ما تسلمه الى البائع بحالته الأصلية، واقتصر حقه في هذه الحالة على طلب التنفيذ العيني إن كان ذلك ممكناً من طريق الجبر، وإلا فالتنفيذ بمقابل. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني  الصفحة/ 640 )

 

الشرط الفاسخ الضمني الذي افترض القانون توافق الإرادتين عليه في جميع العقود الملزمة للجانبين ( المادة 157 مدنى)، مؤداه أن يخول كلاً من الطرفين في العقد الملزم للجانبين أن يطلب فسخ العقد إذا لم ينفذ الطرف الآخر التزاماته ، وذلك نتيجة للإرتباط القائم في العقد الملزم للجانبين بين التزامات كل طرف والتزامات الطرف الآخر غير أن الفسخ في هذه الحالة لا يقع نتيجة لاتفاق الطرفین صراحة أو ضمناً على انفساخ العقد ، بل نتيجة لنص القانون على ذلك ، الأمر الذي يجعل ما يسمى بالشرط الفاسخ الضمني مختلفاً في أصله وطبيعته وأحكامه عن الشرط الفاسخ الصريح ، وإن إشتركا في أن كلاً منهما يؤدي إلى فسخ العقد ، فالشرط الفاسخ الصريح هو وصف للإلتزام طاريء عليه ويترتب على تحققه انفساخ العقد بإرادة الطرفين التي أضافت الشرط الفاسخ الى الإلتزام وأما الشرط الفاسخ الضمني فهو نتيجة للإرتباط القائم بين الإلتزامات المتبادلة فيما بينها .

ويترتب على هذا الإختلاف في طبيعة الشرط الفاسخ الضمني والشرط الفاسخ الصريح نتائج هامة.

وقد ابرزت محكمة النقض الفرق بين شرط الفسخ الصريح وشرط الفسخ الضمنی، حيث قالت انهما يختلفان طبيعة وحكماً ، فالشرط الفاسخ الضمني لا يستوجب الفسخ حتماً إذ هو خاضع لتقدير القاضي ، وللقاضي أن يميل المدين حتى بعد رفع دعوى الفسخ عليه ، بل للمدين نفسه أن يتفادى النسخ بعرض دينه کاملا قبل أن يصدر ضده حكم نهائي بالفسخ أما الشرط الفاسخ الصريح فهو فيما تقضى به المادة 334 مدنی ( قديم ) موجب للفسخ حتماً، فلا يملك معه القاضي إمهال المشتري المتخلف عن أداء الثمن، ولا يستطيع المشتري أن يتفادى الفسخ بأداء الثمن أو بعرضه بعد اقامة دعوى الفسخ عليه متى كان قد سبقها التنبيه الرسمي إلى الوفاء ، بل قد يكون الشرط الفاسخ الصريح موجباً للفسخ بلا حاجة إلى تنبيه إذا كانت صيغته صريحة في الدلالة على وقوع الفسخ عند تحققه بلا حاجة إلى تنبيه ولا إنذار. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 499)

تمييز الفسخ عن الأسباب الأخرى لزوال العقد : يزول العقد بالإبطال، أو بالإنقضاء أو بالإنحلال فإبطال العقد يرجع الى سبب ملابس لتكوينه يجعله يولد معيباً ومن ثم يبطل بأثر رجعي حسبما أوضحنا في التعليق على المادة 138 ، أما الإنقضاء فان العقد يولد صحيحاً ويتم تنفيذ الإلتزامات الناشئة عنه ومن ثم ينتهي بالإنقضاء ، فالعقد الفوري ولو كان مؤجل التنفيذ ينقضي بتنفيذ ما نشأ عنه من التزامات .. والعقد الزمني ينقضي بإنتهاء مدته ، ولا يثور في شأن الإنقضاء الأثر الرجعي بطبيعة الحال أما الانحلال فهو يرد على عقد صحيح قائم نافذ خلال الفترة ما بين إبرامه وما بين إنقضائه وهو قد يقع باتفاق طرفيه اللاحق على إبرامه علی التحلل من أحكامه وهو ما يعرف بالتقايل أو بالتفاسخ ، كما قد يقع إنحلال العقد عن طريق إنهائه بالإرادة المنفردة في الأحوال التي يخول القانون أحد الطرفين ذلك كالشأن في عقد الوكالة حيث خول القانون لكل من الموكل (مادة 715 ) والوكيل (716) إنهاء الوكالة بتقدير أنه من العقود غير اللازمة.. وأخيراً قد يقع إنحلال العقد عن طريق الفسخ (يراجع السنهوري في البنود 456 حتى 461 - حجازی بند 590- مرقص في المصادر بند 329 وما بعده - حسن الزنون ص 33 وما بعدها - البدراوى بند 384 وما بعده - الصدة بند 360 وما بعده - الشرقاوي بند 88 - حمدي عبد الرحمن ص 594 وما بعدها - مصطفى الجارحي ص 3 وما بعدها) .

تعريف الفسخ بوجه عام : الفسخ صورة من صور المسئولية العقدية ويتمثل في حل الرابطة العقدية جزاء إخلال أحد طرفي العقد الملزم للجانبين بأحد التزاماته الناشئة عن العقد والأصل، ألا يقع إلا بحكم القاضي وهو ما يعرف بالفسخ القضائي - الذي تتعرض له المادة الحالية - وقد يقع بحكم الإتفاق وهو ما يعرف بالفسخ الاتفاقي الذي تتعرض له المادة 158 ، ويتميز كلاهما عن الإنفساخ الذي تتعرض له المادة 159 في أن الأخير يقع بقوة القانون حين يصبح  تنفيذ الإلتزام مستحيلاً بسبب أجنبي لايد للمتعاقد فيه ، أما الفسخ فيكون عند تخلف تنفيذ الإلتزام بسبب تقصير المدين سواء ظل التنفيذ العيني ممكناً ولكن امتنع عنه المدين ، أو أصبح مستحيلاً بسبب خطأ منه ففي هذه الحالة الأخيرة لا ينفسخ العقد من تلقاء نفسه بل يظل قائما بحكم المسئولية العقدية ويكون للدائن أن يطلب على أساسها إما فسخ العقد جزاء إخلال المدين بإلتزامه وإما التنفيذ بطريق التعويض على أساس المسئولية العقدية ( يراجع في ذلك جمال زکی بند 209 - الشرقاوي في المصادر بند - 88 السنهوري بند 488 - البدراوى بند 390 - حمدي عبد الرحمن ص 598 وما بعدها - مرقس بند 332 وما بعده - الصدة بند 368 وما بعده – مصطفى الجارحي ص 12 وما بعدها ).

شروط قيام الحق في الفسخ بوجه عام:

 يشترط لقيام الحق في الفسخ بوجه عام ای سواء كان قضائياً أم اتفاقياً توافر ثلاثة شروط أولها أن يكون العقد الذي يربط الطرفين من العقود الملزمة للجانبين ، وثانيها أن يتخلف أحد الطرفين عن تنفيذ إلتزامه ، وثالثها عدم تقصير طالب الفسخ في تنفيذ إلتزامه ( السنهوري بند 466 - حجازی بند 591 - جمال زکی بند 209 - الشرقاوي بند 88 - البدراوی بند 393 و ما بعده ).

( أ ) فيشترط لإعمال الفسخ أن يكون العقد من العقود الملزمة للجانبين فهو لا يرد على العقود التي لا يمكن أن تكون ملزمة إلا لجانب واحد كالوديعة غير المأجورة والكفالة غير المأجورة و الهبة بغير عوض ، ولكنه يرد على جميع العقود الملزمة للجانبين ولو كانت احتمالية ( جمال زکی بند 211 - السنهوري بند 468 - مرقص بند 337 - الشرقاوي بند 88 - الزينون ص 42 وما بعدها - البدراوى بند 394 - الصدة بند 369 - حمدي عبد الرحمن ص 603 - مصطفى الجارحى ص 17 وما بعدها وراجع فيه خضوع العقد الملزم للجانبين لنظام الفسخ ولو كان على سبيل التبرع أو احتمالياً أو كاشفاً أو مستمراً أو مركباً أو مجموعة عقود مرتبطة بوحدة الغاية والهدف أو نموذجياً أو مبرماً في المرحلة السابقة على التعاقد أو تضمن إلتزاماً طبيعياً أو كان خاضعاً لنظام الشهر العقارى أو كان الإلتزام الوارد فيه إلتزاماً بالإمتناع أو كان من العقود القضائية أو الاتفاقية ، أو كان اتفاقاً على التحكيم أو كان عقداً غير رسمی - وقارن حجازی بند 591 حيث يذهب إلى أن الفسخ لا يرد على عقود المدة وإنما يرد عليها الإنهاء - وحلمى بهجت بدوى في نظرية العقد طبعة 1943 بند 348 حيث يرى أن الفسخ لا يرد على العقود الإحتمالية لأن جانب الحضور فيها يدخل في تقدير الإلتزام ).

ويسرى على العقد الاداري مادام ملزما للجانبين

ويشترط إخلال الطرف المدين بتنفيذ إلتزامه الناشئ عن العقد سواء كان الإخلال كلياً أو جزئياً أو كان التنفيذ معيباً .. و يتعين أن يكون تخلف المدين عن تنفيذه راجعاً إلى تقصيره ، أما اذا كان راجعاً إلى إستعمال حق مشروع له كحقه في الدفع بعدم التنفيذ أو الحبس ، فلا يتحقق موجب قيام حق الطرف الآخر في إيقاع الفسخ ، وكذلك لو كان عدم التنفيذ راجعاً إلى صيرورة هذا التنفيذ مستحيلاً بسبب أجنبي لا يد له فيه انفسخ العقد بقوة القانون وانقضى الإلتزام المقابل ولم يعد هناك محل لإيقاع الفسخ ( السنهوري بند 469 حتى 471 - جمال زکی بند 212 - مرقس بند 388 حجازی بند 591 - الشرقاوی بند 88 - الصدة بند 370 - حمدى عبد الرحمن ص 608 - مصطفى الجارحى ص 80 وما بعدها - البدراوى بند 396 وما بعده - وراجع فيه تطبيقات تتعلق بالإلتزام بالضمان و التنفيذ بمقابل وحوالة الدين وحوالة الحق والالتزامات في المرحلة السابقة على التعاقد ) .

 ويشترط عدم تقصير طالب الفسخ في تنفيذ إلتزامه ، بأن يكون قد نفذه فعلاً أو مستعداً للقيام بتنفيذه . والمقصود بداهة التزاماته التي يكون أجلها قد حل في وقت سابق أو معاصر لوقت حلول أجل إلتزام الطرف الآخر الذي يستند إلى إخلاله به في طلب الفسخ ، إذ بذلك وحده يتحقق في حقه الإخلال الذي يمنعه من طلب الفسخ من جهة وينفي التقصير عن الطرف الآخر الذي يكون له التمسك بالدفع بعدم التنفيذ أو الحبس ... ويضيف البعض اشتراط أن يكون الدائن قادراً على إعادة الحال إلى ما كانت عليه ای قادرا على رد ما أخذ فإن كان قد تصرف فيما أخذه بموجب العقد على نحو يستحيل معه عليه رده امتنع عليه طلب الفسخ (السنهوري بند 472 - الشرقاوى هامش بند 88 - الزينون ص 308 وما بعدها - حجازی بند 591 - الصدة بند 371 - البدراوى بند 399) ولكننا نرى مع جانب آخر أنه لا محل لإضافة هذا الشرط لأن الإلتزام بالرد أمر تال لإيقاع الفسخ نظمه المشرع في المادة 160 كأثر الإيقاع الفسخ وافترض حالة إستحالة الرد فقرر حق ذي الشأن في التعويض (جمال زکی بند 213) .

شروط الفسخ القضائى :

يشترط لإيقاع الفسخ القضائي توافر ثلاثة شروط أولها الأعذار ، وثانيها طلب الفسخ ، وثالثها صدور حكم بالفسخ .

فيشترط الاعذار ما لم يتفق على الإعفاء منه أو تتوافر إحدى حالات الإعفاء المنصوص عليها في المادة 220 والإعذار ليس شرطاً لقبول دعوى الفسخ وإنما هو شرط للحكم بالفسخ ومن ثم يجوز توجيهه إلى ما قبل صدور الحكم النهائي في دعوى الفسخ ويكون الأعذار بإنذار المدين على يد محضر بمطالبته بالتنفيذ ويقوم مقام الإنذار كل ورقة رسمية يدعو فيها الدائن المدين إلى الوفاء ويسجل عليه التأخير في التنفيذ، ويكاد يجمع الفقه على أن إعلان صحيفة الدعوى إلى المدين يقوم مقام الإعذار ، ولكن يشترط في هذه الحالة أن تتضمن الصحيفة تكليف المدين بالوفاء على نحو مستقل عن تكليفه بالحضور أمام المحكمة لسماع الحكم بالفسخ ، إما إذا اقتصرت بيانات الصحيفة على تسجيل تقصير المدين مما يبرر طلب الفسخ وتكليفه بالحضور لسماع الحكم به فإنها في هذه الحالة لا تقوم مقام المقصود بالأعذار وهو تكليف المدين بالوفاء ، أما إذا تضمنت هذا التكليف على النحو السالف فإنها تنتج أثرها في الأعذار ولو لم تنتج أثرها في افتتاح الدعوى لعيب يتعلق ببيانات التكليف بالحضور أو مواعيده وتظل منتجة أثر الأعذار ولو قضی بسقوط الخصومة أو إنقضائها أو ترك الخصومة ولا ضرورة الإعذار إذا كان المدين قد صرح كتابة بعزمه على عدم تنفيذ إلتزامه أو كان هذا التنفيذ قد أصبح غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين بأن كان إلتزاماً سلبياً بالإمتناع عن عمل قام به المدين ، أو كان قد فات الميعاد المناسب الذي تحتم طبيعة الإلتزام أو محله القيام به خلاله. ( يراجع السنهوری بند 573 - حجازی بند – 591 جمال زکی بند 215 - مصطفى الجارحي ص 67 وما بعدها - البدراوى بند 401 - الشرقاوی بند 88 - محمد شتا ص 50 وما بعدها ).

ويشترط طلب الدائن إيقاع الفسخ ويستوي أن يكون الطلب صريحاً أو ضمنياً ولا يكون ذلك إلا برفع دعوى بطلب الفسخ ، أو بطلب لا يقوم الحق فيه إلا بافتراض فسخ العقد ويثبت هذا الحق للدائن أو من يحل محله من الخلف العام أو الخاص أو المحال له أو الموفي مع الحلول ، كما يثبت لدائنه بطريق الدعوى غير المباشرة ( حجازی بند 592 ) وإذا تعدد الدائنون فقد ذهب رأى إلى إجراء أحكام دعوى التنفيذ على دعوى الفسخ ، واذ كان يمتنع على أحد الدائنين في الإلتزام القابل للإنقسام المطالبة بالتنفيذ إلا في حدود نصيبه بينما يجوز له أن يطالب بكل الأداء اذا كان الإلتزام غير قابل للانقسام فكذلك دعوى الفسخ فهي لا تجوز لأحد الدائنين في الإلتزام القابل للإنقسام في حين تجوز له في الإلتزام غير القابل للانقسام ، في حين ذهب رأي آخر ان مسالة الانقسام وعدم الانقسام لا تثور إلا عند الرد ومن ثم يجوز لأحد الدائنين طلب الفسخ كلما كان الرد الجزئي ممكناً ، وهو ما يتيح له طلب الفسخ حتى في حالة عدم قابلية ما يجب رده للإنقسام عن طريق إحلال القيمة محل الشيء ( يراجع في ذلك حجازی بند 593 حيث يرجح الرأي الأول ) ونرى انه لا محل لقياس دعوى الفسخ على دعوى التنفيذ ومن ثم يجوز لكل من الدائنين المطالبة بالفسخ ولو كان محل الإلتزام أو محل الرد غير قابل للإنقسام ( من هذا الرأي الدكتور حسن على الزنون ص 375 وما بعدها ) .

ويشترط صدور حكم بالفسخ ، وهذا أبرز ما يميز الفسخ القضائي عن الفسخ الإتفاقي ، ففي الفسخ القضائي لا يقع الفسخ إلا بحكم القاضي وهو يكون منشئاً للفسخ ، ومن ثم يعتبر طلب الفسخ من إعمال التصرف فإذا رفع الوصی دعوى الفسخ الزم لقبولها استئذان المحكمة (السنهوري بند 474) .

الخيار بين التنفيذ والفسخ :

خيار الدائن : يكون للدائن بعد أن يرفع دعوى الفسخ أن يعدل قبل الحكم الى طلب التنفيذ العيني ، كما أن له إذا رفع دعوى بالتنفيذ العيني آن يعدل إلى طلب الفسخ ما لم يكن قد نزل عن الحق في الفسخ ولا يعتبر مجرد رفعه الدعوى بالتنفيذ العيني والتي عدل فيها الى طلب الفسخ نزولاً عن طلب الفسخ ( السنهوری بند 475 - جمال زکی بند 216 - البداروی بند 401 - مرقس بند 342 - الصدة في المصادر بند 373 - مصطفى الجارحي ص 87 و 88) .

ويسقط حق الدائن في طلب الفسخ بالتنازل عن الحق في الفسخ وقد يكون هذا التنازل صريحاً كما قد يكون ضمنياً. 

خيار المدين : ويملك المدين تجنب القضاء بالفسخ بالوفاء بالتزامه قبل صدور حكم نهائي بالفسخ ما لم يكن هذا الوفاء المتأخر مما يضار به الدائن .

خيار القاضي : للقاضي سلطة تقديرية في إيقاع الفسخ أو منح المدين مهلة للوفاء أو رفض طلب الفسخ في حالة الإخلال الجزئي او التنفيذ المعيب اذا رأى أن الجزء الذي لم ينفذ أو عيب التنفيذ قليل الإهمية ، ويرى البعض أنه لابد من وضع ضابط قانونی تقاس عليه سلطة القاضي ، ويرى أن هذا الضابط يتمثل في استحالة تنفيذ المدين لإلتزامه على نحو يحقق مقصود الدائن من هذا التنفيذ إذ في هذه الحالة يتعين على القاضي الحكم بالفسخ ( الشرقاوي بند 88) ويرى البعض أن هذه الإستحالة تستخلص من إصرار المدين على عدم التنفيذ ( بهجت بدوى فى نظرية العقد طبعة 1943 بند 350 ) .

وسلطة القاضي التقديرية تقتصر على حالة عدم التنفيذ الجزئي أو المعيب أما في حالة عدم التنفيذ الكلى مع إصرار المدين على ذلك فإنه يتعين عليه الإستجابة الى طلب الفسخ ، ويرى البعض قصر سلطة القاضي التقديرية على حالة ما إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية (مصطفى الجارحي ص 96) وعند إستعمال القاضي سلطته التقديرية حيال طلب الفسخ يكون له أن يمنح مهلة للتنفيذ فان انقضى هذا الأجل دون أن يقوم المدين بالتنفيذ بعد العقد منسوخاً ولو لم ينص على ذلك في الحكم ( السنهوري بند 474 - البدراوى بند 401 - الشرقاوي في المصادر هامش ص 432) وله أن يقتصر على تعويض الدائن عن عدم التنفيذ الجزئي إذا كان قليل الأهمية وكان تنفيذ العقد يحتمل التجزئة و تخويل القاضي تلك السلطة التقديرية لا يتعلق بالنظام العام فيجوز الإتفاق على سلبها منه ( الدكتور عبد الفتاح عبد الباقي في العقد بند 319 - مرقس في المصادر هامش بند 342) كما أن تلك السلطة التقديرية لا تكون للقاضي حيال الدعوى المرفوعة بالتنفيذ العيني إذ لا يملك القاضي الحكم فيها بالفسخ ( يراجع في تفصيل ذلك كله السنهوري بند  475- الشرقاوي في المصادر بند 88 - مرقس بند 432 - الصدة في المصادر بند 373 - البدراوى بندی 398 و 401 - مصطفى الجارحي ص 95 وما بعدها ). 

مهلة القاضي للمدين : يملك القاضى امهال المدين للوفاء بدلاً من الحكم بالفسخ ويكاد يجمع الفقه على أنه لا يجوز تكرار المهلة ( السنهوري بند 475 – جمال زكى بند 216 – الشرقاوى بند 88 – البدراوى بند 401 – مصطفى الجارحى ص 105 وقارن حجازى بند 595 حيث يرى أن فوات المهلة دون تنفيذ لا يؤثر فى سلطة القاضي التقديرية ) كما يكاد يجمع الفقه على أن قضاء القاضى بالمهلة ينطوى على قضاء شرطى بالفسخ بمعنى أنه بمجرد فوات المهلة بغير تنفيذ يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه وبقوة قضاء المهلة دون حاجة إلى صدور قضاء جديد بالفسخ ( المراجع السالفة في المواضع ذاتها ) ولكن محكمة النقض وإن أجازت أن يصرح القاضي في قضائه بالمهلة بإعتبار العقد مفسوخاً بفواتها ، إلا أنه إذا لم يصرح بذلك لم يكن قضاؤه بالمهلة منطوياً على الفسخ ويرى البعض العمل في شأن المهلة التي يمنحها القاضي للمدين في دعوى الفسخ بالقيود التي أوردتها المادة 346 في شأن المهلة التي يجوز للقاضي منحها للمدين في دعوى التنفيذ وهي ألا يكون هناك نص يمنع منحها ، ولا يجوز منحها إلا في حالات استثنائية إذا استدعت حالة المدين ذلك وألا يلحق الدائن من جرائها ضرر جسيم ( مصطفى الجارحى ص 105) ويذهب الرأي السائد إلى أن القاضي يجوز له أن يمنح المهلة للمدين ولو لم يطلب الأخير ذلك (قارن مصطفى الجارحى ص 105).

ويجوز إلزام المدين بالتعويض مع رفض دعوى الفسخ بسبب وفاء المدين بعد رفعها ، وذلك عن الأضرار الناجمة عن التأخير في التنفيذ ويكون مبنى التعويض في هذه الحالة هو قواعد المسئولية العقدية ويتحدد بالضرر الناجم عن التأخير في التنفيذ (يراجع نقض  12 / 3 / 1970 طعن 498 لسنة 35 ق – م نقض م – 21 – 425 - المنشور قبل في التعليق على المادة نفسها والأحكام المشار إليها معه).

كما يجوز إلزام المدين بالتعويض مع الحكم بالفسخ ، ويكون أساس التعويض في هذه الحالة هو المسئولية التقصيرية (حجازی بند 597 وراجع فيه الخلاف حول نوع محل التعويض وهل يقتصر على ما أصاب المصلحة السلبية أي الضرر الناجم من جراء إبرام العقد ، ام يمتد إلى المصلحة الايجابية أي الضرر الناجم من عدم تنفيذ العقد وهو يرجح المعيار الأول ) ويلاحظ أنه إذا تضمن العقد تعويضاً اتفاقياً ، فإن هذا الإتفاق يزول بزوال العقد ومن ثم لا يعمل به عند الحكم بالتعويض مع فسخ العقد .(راجع التعليق على المادة 223 ).

تتقادم دعوى الفسخ بالتقادم الطويل أي بمضى خمسة عشر عاماً من وقت عدم التنفيذ بتقدير أنه الوقت الذي قام فيه حق الدائن طالب الفسخ، فإذا كان الإعذار واجباً تحدد وقت علم التنفيذ بتاريخ إعلانه او بفوات المهلة المحددة فيه ولا تتأثر مدة تقادم دعوى الفسخ بدعوى الحق الناشئ عن العقد، كما لا تتغير مدتها في مواجهة الحائز وهو من اكتسب حقاً عينياً على العقار بعد تسجيل دعوى الفسخ (يراجع في تفصيل ذلك حجازی بند 599 مكرر - ويراجع السنهوري بند 476 - البدراوى بند 401 - الصدة بند 373). 

والحكم بالفسخ يعتبر منشئا للفسخ وليس مقرراً له ، ويقوم حجة على تخلف المدين عن تنفيذ إلتزامه ، ولكن يجوز للدائن أن يتنازل عنه وفي هذه الحالة تعود للعقد قوته دون حاجة الى إبرام عقد جديد ولا تتناقض حجيته مع القضاء في دعوى تالية بالرد أو إعادة الحال إلى ما كانت عليه ، كما أن القضاء برفض دعوى الفسخ لا ينطوي على قضاء بصحة العقد ولا يحول دون رفع دعوى تالية بطلب الفسخ لسبب آخر. (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003  الصفحة / 1055)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس  ، الصفحة /  288

أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ اللاَّزِمَةُ فَلاَ يَرِدُ عَلَيْهَا الإْفْسَادُ بَعْدَ نَفَاذِهَا. إِلاَّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْفَسْخُ بِرِضَا الْعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي الإْقَالَةِ، وَفِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِفْسَادُهَا مَتَى شَاءَ، أَمَّا اللاَّزِمَةُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، فَلاَ يَجُوزُ إِفْسَادُهَا مِمَّنْ هِيَ لاَزِمَةٌ فِي حَقِّهِ وَيَجُوزُ لِلآْخَرِ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ.

إِقَالَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الإْقَالَةُ فِي اللُّغَةِ: الرَّفْعُ وَالإْزَالَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ إِذَا رَفَعَهُ مِنْ سُقُوطِهِ.

 وَمِنْهُ الإْقَالَةُ فِي الْبَيْعِ، لأِنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ.

وَهِيَ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: رَفْعُ الْعَقْدِ، وَإِلْغَاءُ حُكْمِهِ وَآثَارِهِ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْبَيْعُ:

2 - تَخْتَلِفُ الإْقَالَةُ عَنِ الْبَيْعِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا: أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الإْقَالَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا فَسْخٌ، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ بَيْعٌ، وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا. وَمِنْهَا أَنَّ الإْقَالَةَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهَا الإْيجَابُ بِلَفْظِ الاِسْتِقْبَالِ كَقَوْلِ أَحَدِهِمَا: أَقِلْنِي، بِخِلاَفِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لاَ يَقَعُ إِلاَّ بِلَفْظِ الْمَاضِي، لأِنَّ لَفْظَةَ الاِسْتِقْبَالِ لِلْمُسَاوَمَةِ حَقِيقَةً، وَالْمُسَاوَمَةُ فِي الْبَيْعِ مُعْتَادَةٌ، فَكَانَتِ اللَّفْظَةُ مَحْمُولَةً عَلَى حَقِيقَتِهَا، فَلَمْ تَقَعْ إِيجَابًا، بِخِلاَفِ الإْقَالَةِ، لأِنَّ الْمُسَاوَمَةَ فِيهَا لَيْسَتْ مُعْتَادَةً، فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ فِيهَا عَلَى الإْيجَابِ.

ب - الْفَسْخُ:

3 - تَخْتَلِفُ الإْقَالَةُ عَنِ الْفَسْخِ فِي أَنَّ الْفَسْخَ هُوَ رَفْعُ جَمِيعِ أَحْكَامِ الْعَقْدِ وَآثَارِهِ وَاعْتِبَارِهِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا الإْقَالَةُ فَقَدِ اعْتَبَرَهَا بَعْضُهُمْ فَسْخًا، وَاعْتَبَرَهَا آخَرُونَ بَيْعًا.

 حُكْمُ الإْقَالَةِ التَّكْلِيفِيِّ:

4 - الإْقَالَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ بِحَسَبِ حَالَةِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَنْدُوبًا إِلَيْهَا إِذَا نَدِمَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّه صلي الله عليه وسلم  فِيمَا يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ». وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الإْقَالَةِ، وَعَلَى أَنَّهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، لِوَعْدِ الْمُقِيلِينَ بِالثَّوَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمُقَالِ مُسْلِمًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ حُكْمًا أَغْلَبِيًّا، وَإِلاَّ فَثَوَابُ الإِقَالَةِ ثَابِتٌ فِي إِقَالَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا...». وَتَكُونُ الإْقَالَةُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَتْ بَعْدَ عَقْدٍ مَكْرُوهٍ أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ، لأِنَّهُ إِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إِلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَوْنًا لَهُمَا عَنِ الْمَحْظُورِ، لأِنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالإْقَالَةِ أَوْ بِالْفَسْخِ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الإْقَالَةُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَ الْبَائِعُ غَارًّا لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْغَبْنُ  بِالْيَسِيرِ هُنَا، لأِنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ يُوجِبُ الرَّدَّ إِنْ غَرَّهُ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ.

رُكْنُ الإْقَالَةِ:

5 - رُكْنُ الإْقَالَةِ الإْيجَابُ وَالْقَبُولُ الدَّالاَّنِ عَلَيْهَا. فَإِذَا وُجِدَ الإْيجَابُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْقَبُولُ مِنَ الآْخَرِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ، وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، نَصًّا بِالْقَوْلِ أَوْ دَلاَلَةً بِالْفِعْلِ. وَيَأْتِي الْقَبُولُ مِنَ الآْخَرِ بَعْدَ الإْيجَابِ، أَوْ تَقَدَّمَ السُّؤَالُ، أَوْ قَبَضَ الآْخَرُ مَا هُوَ لَهُ فِي مَجْلِسِ الإْقَالَةِ أَوْ مَجْلِسِ عِلْمِهَا، لأِنَّ مَجْلِسَ الْعِلْمِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ كَمَجْلِسِ اللَّفْظِ فِي الْحَاضِرِ، فَلاَ يَصِحُّ مِنَ الْحَاضِرِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهَا.

الأْلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الإْقَالَةُ:

6 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الإْقَالَةَ تَنْعَقِدُ صَحِيحَةً بِلَفْظِ الإْقَالَةِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، كَمَا لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْمَاضِي. وَلَكِنَّ الْخِلاَفَ فِي صِيغَةِ اللَّفْظِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَاضِيًا وَالآْخَرُ مُسْتَقْبَلاً. فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهَا تَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ وَالآْخَرُ مَاضٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَقِلْنِي: فَقَالَ، أَقَلْتُكَ، أَوْ قَالَ لَهُ: جِئْتُكَ لِتُقِيلَنِي، فَقَالَ: أَقَلْتُكَ، فَهِيَ تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ كَمَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ.

وَمَعَ أَنَّ الإْقَالَةَ بَيْعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطِ الإْقَالَةَ حُكْمَهُ، لأِنَّ الْمُسَاوَمَةَ لاَ تَجْرِي فِي الإْقَالَةِ، فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى التَّحْقِيقِ بِخِلاَفِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَهُوَ يَقُولُ: إِنَّهَا لاَ تَنْعَقِدُ إِلاَّ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْمَاضِي، لأِنَّهَا كَالْبَيْعِ فَأُعْطِيَتْ بِسَبَبِ الشَّبَهِ حُكْمَ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: أَقَلْتُ، وَالآْخَرُ: قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ، أَوْ هَوَيْتُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَتَنْعَقِدُ بِفَاسَخْتُكَ وَتَارَكْتُ، كَمَا تَصِحُّ بِلَفْظِ «الْمُصَالَحَةِ» وَتَصِحُّ بِلَفْظِ «الْبَيْعِ» وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُعَاطَاةِ، لأِنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى، وَكُلُّ مَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ أَجْزَأَ. خِلاَفًا لِلْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِي أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ لاَ يَصْلُحُ لِلْحَلِّ، وَمَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ لاَ يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ. وَتَنْعَقِدُ الإْقَالَةُ بِالتَّعَاطِي كَالْبَيْعِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَقَلْتُكَ فَرَدَّ إِلَيْهِ الثَّمَنَ، وَتَصِحُّ بِالْكِتَابَةِ وَالإْشَارَةِ مِنَ الأْخْرَسِ. شُرُوطُ الإْقَالَةِ:

7 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإْقَالَةِ مَا يَلِي:

أ - رِضَى الْمُتَقَايِلَيْنِ: لأِنَّهَا رَفْعُ عَقْدٍ لاَزِمٍ، فَلاَ بُدَّ مِنْ رِضَى الطَّرَفَيْنِ.

ب - اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ: لأِنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ مَوْجُودٌ فِيهَا، فَيُشْتَرَطُ لَهَا الْمَجْلِسُ، كَمَا يُشْتَرَطُ لِلْبَيْعِ.

ج - أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ قَابِلاً لِلنَّسْخِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ لاَ يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ فَلاَ تَصِحُّ الإْقَالَةُ.

د - بَقَاءُ الْمَحَلِّ وَقْتَ الإْقَالَةِ، فَإِنْ كَانَ هَالِكًا وَقْتَ الإْقَالَةِ لَمْ تَصِحَّ، فَأَمَّا قِيَامُ الثَّمَنِ وَقْتَ الإْقَالَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ.

هـ - تَقَابُضُ بَدَلَيِ الصَّرْفِ فِي إِقَالَةِ الصَّرْفِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا بَيْعٌ، لأِنَّ قَبْضَ الْبَدَلَيْنِ إِنَّمَا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْحَقُّ لاَ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ. و - أَلاَّ يَكُونَ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ، فَإِنْ كَانَ لَمْ تَصِحَّ إِقَالَتُهُ.

حَقِيقَتُهَا الشَّرْعِيَّةُ:

8 - لِلْفُقَهَاءِ فِي تَكْيِيفِ الإْقَالَةِ اتِّجَاهَاتٌ:

الأْوَّلُ: أَنَّهَا فَسْخٌ يَنْحَلُّ بِهِ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الإْقَالَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّفْعِ، يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ أَقِلْنِي عَثَرَاتِي، أَيِ ارْفَعْهَا، وَالأْصْلُ أَنَّ مَعْنَى التَّصَرُّفِ شَرْعًا مَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً، وَرَفْعُ الْعَقْدِ فَسْخُهُ، وَلأِنَّ الْبَيْعَ وَالإْقَالَةَ اخْتَلَفَا اسْمًا، فَتَخَالَفَا حُكْمًا، فَإِذَا كَانَتْ رَفْعًا لاَ تَكُونُ بَيْعًا، لأِنَّ الْبَيْعَ إِثْبَاتٌ وَالرَّفْعُ نَفْيٌ، وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، فَكَانَتِ الإْقَالَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَسْخًا مَحْضًا، فَتَظْهَرُ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ.

الثَّانِي: أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا بَيْعًا فَإِنَّهَا تَكُونُ فَسْخًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالإْمَامِ مَالِكٍ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنْ تَقَعَ الإْقَالَةُ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَهُوَ أَخْذُ بَدَلٍ وَإِعْطَاءُ بَدَلٍ، وَقَدْ وُجِدَ، فَكَانَتِ الإْقَالَةُ بَيْعًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهَا، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي لاَ لِلأْلْفَاظِ وَالْمَبَانِي.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الإْقَالَةَ تُنْبِئُ عَنِ الْفَسْخِ وَالإْزَالَةِ، فَلاَ تَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرَ نَفْيًا لِلاِشْتِرَاكِ، وَالأْصْلُ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، لأِنَّ فِيهَا نَقْلَ مِلْكٍ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ، فَجُعِلَتْ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ مُحَافَظَةً عَلَى حَقِّهِ مِنَ الإْسْقَاطِ، إِذْ لاَ يَمْلِكُ الْعَاقِدَانِ إِسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِمَا.

آثَارُ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي حَقِيقَةِ الإْقَالَةِ:

يَتَرَتَّبُ عَلَى اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي حَقِيقَةِ الإْقَالَةِ آثَارٌ فِي التَّطْبِيقِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا يَلِي: أَوَّلاً - الإْقَالَةُ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ:

9 - إِذَا تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ الأْوَّلَ، أَوْ سَمَّيَا زِيَادَةً عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، أَوْ سَمَّيَا جِنْسًا آخَرَ سِوَى الْجِنْسِ الأْوَّلِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، أَوْ أَجَّلاَ الثَّمَنَ الأْوَّلَ، فَالإْقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، وَتَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالأْجَلِ وَالْجِنْسِ الآْخَرِ بَاطِلَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الإْقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ مَنْقُولاً أَمْ غَيْرَ مَنْقُولٍ، لأِنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ الأْوَّلِ، وَالْعَقْدُ وَقَعَ بِالثَّمَنِ الأْوَّلِ، فَيَكُونُ فَسْخُهُ بِالثَّمَنِ الأْوَّلِ، وَحُكْمُ الْفَسْخِ لاَ يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَهُ، وَبَيْنَ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَتَبْطُلُ تَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالْجِنْسِ الآْخَرِ وَالأْجَلِ، وَتَبْقَى الإْقَالَةُ صَحِيحَةً، لأِنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الأْشْيَاءِ لاَ تُؤَثِّرُ فِي الإْقَالَةِ وَلأِنَّ الإْقَالَةَ رَفْعُ مَا كَانَ لاَ رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ، حَيْثُ إِنَّ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ.

وَتَكُونُ الإْقَالَةُ أَيْضًا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ الْمُسَمَّى، لاَ بِمَا يُدْفَعُ بَدَلاً عَنْهُ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَدَفَعَ إِلَيْهِ دَرَاهِمَ عِوَضًا عَنْهَا، ثُمَّ تَقَايَلاَ - وَقَدْ رُخِّصَتِ الدَّنَانِيرُ - رَجَعَ بِالدَّنَانِيرِ لاَ بِمَا دَفَعَ، لأِنَّهُ لَمَّا اعْتُبِرَتِ الإْقَالَةُ فَسْخًا، وَالْفَسْخُ يُرَدُّ عَلَى عَيْنِ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، كَانَ اشْتِرَاطُ خِلاَفِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ بَاطِلاً.

ثَانِيًا - الشُّفْعَةُ فِيمَا يُرَدُّ بِالإْقَالَةِ:

10 - يَقْتَضِي الْقِيَاسُ أَلاَّ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِيمَا رُدَّ بِالإْقَالَةِ إِذَا اعْتُبِرَتْ هَذِهِ الإْقَالَةُ فَسْخًا مُطْلَقًا، وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّ الإْقَالَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ، إِلاَّ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهَا فَسْخًا فَتُجْعَلُ بَيْعًا. وَعَنْ زُفَرَ: هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً. أَمَّا سَائِرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، فَإِنَّهَا تُعْطِي الشَّفِيعَ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِيمَا رُدَّ بِالإْقَالَةِ.

فَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّهِمَا، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ تَقَايُلِ الْبَيْعِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَمَنِ اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ، فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، أَوِ اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ بُنِيَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ. وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَكُونُ الإْقَالَةُ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، وَالشَّفِيعُ غَيْرُهُمَا، فَتَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّهِ فَيَسْتَحِقُّ. وَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ تُعَدُّ الإْقَالَةُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، وَلِهَذَا الشَّفِيعِ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ، إِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الأْوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الْحَاصِلِ بِالإْقَالَةِ، أَوْ بِمَعْنًى آخَرَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ: مِنَ الْمُشْتَرِي لأِجْلِ الشِّرَاءِ، أَوْ مِنَ الْبَائِعِ لِشِرَائِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي بِالإْقَالَةِ، حَيْثُ تَكُونُ الإْقَالَةُ بَيْعًا مِنَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ، وَحَيْثُ تَكُونُ فَسْخَ بَيْعٍ فَتُؤْخَذُ مِنَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَلاَ يَتِمُّ فَسْخُهُ إِلاَّ إِنْ رَضِيَ الشَّفِيعُ لأِنَّ الشِّرَاءَ لَهُ.

إِقَالَةُ الْوَكِيلِ:

11 - مَنْ مَلَكَ الْبَيْعَ مَلَكَ الإْقَالَةَ، فَصَحَّتْ إِقَالَةُ الْمُوَكِّلِ بَيْعَ وَكِيلِهِ، وَتَصِحُّ إِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إِذَا تَمَّتْ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. فَإِنْ أَقَالَ بَعْدَ قَبْضِهِ يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ، إِذْ تُعْتَبَرُ الإْقَالَةُ مِنَ الْوَكِيلِ حِينَئِذٍ شِرَاءً لِنَفْسِهِ. وَبِإِقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ الْوَكِيلَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لاَ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي أَصْلاً. وَتَجُوزُ الإْقَالَةُ مِنَ الْوَكِيلِ بِالسَّلَمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَالإْبْرَاءِ، خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ. وَالْمُرَادُ بِإِقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالسَّلَمِ: الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ السَّلَمِ، بِخِلاَفِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَيْنِ.

وَإِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لاَ تَجُوزُ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ بِخِلاَفِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لاَ تَجُوزُ إِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا.

وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي حَقِّ كُلِّ آدَمِيٍّ مِنَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ. وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالإْقَالَةِ عِنْدَهُمُ ابْتِدَاءً، سَوَاءٌ أَقُلْنَا: إِنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمْ بَيْعٌ.

هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مَنْ لَهُ حَقُّ الإْقَالَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ سِوَى الْوَرَثَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ. أَمَّا حُكْمُ الإْقَالَةِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يَتَطَرَّقُوا لَهُ.

وَالْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّ إِقَالَتَهُ لاَ تَصِحُّ.

 مَحَلُّ الإْقَالَةِ:

12 - مَحَلُّ الإْقَالَةِ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ فِي حَقِّ الطَّرَفَيْنِ مِمَّا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ، لأِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لاَ يُمْكِنُ فَسْخُهَا إِلاَّ بِاتِّفَاقِ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الإْقَالَةَ تَصِحُّ فِي الْعُقُودِ الآْتِيَةِ: الْبَيْعِ - الْمُضَارَبَةِ - الشَّرِكَةِ - الإْجَارَةِ - الرَّهْنِ (بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاهِنِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ) - السَّلَمِ - الصُّلْحِ. وَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي لاَ تَصِحُّ فِيهَا الإْقَالَةُ فَهِيَ الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزِمَةِ، كَالإْعَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْجِعَالَةِ، أَوِ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ الَّتِي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ، مِثْلُ الْوَقْفِ وَالنِّكَاحِ حَيْثُ لاَ يَجُوزُ فَسْخُ أَحَدِهِمَا بِالْخِيَارِ.

أَثَرُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الإْقَالَةِ:

13 - إِذَا اعْتَبَرْنَا الإْقَالَةَ فَسْخًا، فَإِنَّهَا لاَ تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ تَكُونُ هَذِهِ الشُّرُوطُ لَغْوًا، وَتَصِحُّ الإْقَالَةُ. فَفِي الإْقَالَةِ فِي الْبَيْعِ، إِذَا شَرَطَ أَكْثَرَ مِمَّا دَفَعَ، فَالإْقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، لِمُتَعَذِّرِ الْفَسْخِ عَلَى الزِّيَادَةِ، وَتُبْطِلُ الشَّرْطَ، لأِنَّهُ يُشْبِهُ الرِّبَا، وَفِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ خَالٍ عَنِ الْعِوَضِ.

وَكَذَا إِذَا شَرَطَ أَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الأْوَّلِ، لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى الأْقَلِّ، لأِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِهِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَالْفَسْخُ عَلَى الأْقَلِّ لَيْسَ كَذَلِكَ، لأِنَّ فِيهِ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَهُوَ مُحَالٌ. وَالنُّقْصَانُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَرَفْعُهُ يَكُونُ مُحَالاً، إِلاَّ أَنْ يَحْدُثَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَتَجُوزُ الإْقَالَةُ بِالأْقَلِّ، لأِنَّ الْحَطَّ يُجْعَلُ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ مِنَ الْعَيْبِ.

وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَرَوْنَ الإْقَالَةَ فَسْخًا، وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الإْقَالَةَ بَيْعٌ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، لأِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، فَإِذَا زَادَ كَانَ قَاصِدًا بِهَذَا ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ، وَإِذَا شَرَطَ الأْقَلَّ فَكَذَلِكَ .

الإْقَالَةُ فِي الصَّرْفِ:

14 - الإْقَالَةُ فِي الصَّرْفِ كَالإْقَالَةِ فِي الْبَيْعِ، أَيْ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ كَمَا فِي ابْتِدَاءِ عَقْدِ الصَّرْفِ.

فَلَوْ تَقَايَلاَ الصَّرْفَ، وَتَقَابَضَا قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ، مَضَتِ الإْقَالَةُ عَلَى الصِّحَّةِ. وَإِنِ افْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَتِ الإْقَالَةُ، سَوَاءٌ اعْتُبِرَتْ بَيْعًا أَمْ فَسْخًا.

فَعَلَى اعْتِبَارِهَا بَيْعًا كَانَتِ الْمُصَارَفَةُ مُبْتَدَأَةً، فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّقَابُضِ يَدًا بِيَدٍ، مَا دَامَتِ الإْقَالَةُ بَيْعًا مُسْتَقِلًّا يُحِلُّهَا مَا يُحِلُّ الْبُيُوعَ، وَيُحَرِّمُهَا مَا يُحَرِّمُ الْبُيُوعَ، فَلاَ تَصْلُحُ الإْقَالَةُ إِذْ حَصَلَ الاِفْتِرَاقُ قَبْلَ الْقَبْضِ.

عَلَى اعْتِبَارِهَا فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، وَاسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ حَقٌّ لِلشَّرْعِ، وَهُوَ هُنَا ثَالِثٌ، فَيُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ. وَهَلاَكُ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ لاَ يُعَدُّ مَانِعًا مِنَ الإْقَالَةِ، لأِنَّهُ فِي الصَّرْفِ لاَ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الإْقَالَةِ، بَلْ رَدُّهُ أَوْ رَدُّ مِثْلِهِ، فَلَمْ تَتَعَلَّقِ الإْقَالَةُ بِعَيْنِهِمَا، فَلاَ تَبْطُلُ بِهَلاَكِهِمَا.

إِقَالَةُ الإْقَالَةِ:

15 - إِقَالَةُ الإْقَالَةِ إِلْغَاءٌ لَهَا وَالْعَوْدَةُ إِلَى أَصْلِ الْعَقْدِ، وَهِيَ تَصِحُّ فِي أَحْوَالٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَوْ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الإْقَالَةَ، ارْتَفَعَتِ الإْقَالَةُ وَعَادَ الْبَيْعُ. وَقَدِ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ إِقَالَةِ الإْقَالَةِ إِقَالَةَ الْمُسْلِمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَإِنَّهَا لاَ تَصِحُّ، لأِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ وَقَدْ سَقَطَ بِالإْقَالَةِ الأْولَى، فَلَوِ انْفَسَخَتْ لَعَادَ الْمُسْلَمُ فِيهِ الَّذِي سَقَطَ، وَالسَّاقِطُ لاَ يَعُودُ.

مَا يُبْطِلُ الإْقَالَةَ:

16 - مِنَ الأْحْوَالِ الَّتِي تَبْطُلُ فِيهَا الإْقَالَةُ بَعْدَ وُجُودِهَا مَا يَأْتِي:

 أ - هَلاَكُ الْمَبِيعِ: فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الإْقَالَةِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَتْ، لأِنَّ مِنْ شَرْطِهَا بَقَاءَ الْمَبِيعِ، لأِنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ وَهُوَ مَحَلُّهُ، بِخِلاَفِ هَلاَكِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الإْقَالَةَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ، وَلِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ بِهَلاَكِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ دُونَ الثَّمَنِ. وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ قِيَمِيًّا، فَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَهَلَكَ بَطَلَتِ الإْقَالَةُ.

وَلَكِنْ لاَ يُرَدُّ عَلَى اشْتَرَطَ قِيَامَ الْمَبِيعِ لِصِحَّةِ الإْقَالَةِ إِقَالَةَ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، لأِنَّهَا صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ أَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَمْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ أَمْ هَالِكًا. لأِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا حَقِيقَةً فَلَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ حَتَّى لاَ يَجُوزُ الاِسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ.

ب - تَغَيُّرُ الْمَبِيعِ: كَأَنْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً، كَمَا لَوْ وَلَدَتِ الدَّابَّةُ بَعْدَ الإْقَالَةِ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَصَبْغِ الثَّوْبِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَبْطُلُ الإْقَالَةُ بِتَغَيُّرِ ذَاتِ الْمَبِيعِ مَهْمَا كَانَ. كَتَغَيُّرِ الدَّابَّةِ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ، بِخِلاَفِ الْحَنَابِلَةِ.

اخْتِلاَفُ الْمُتَقَايِلَيْنِ:

17 - قَدْ يَقَعُ الاِخْتِلاَفُ بَيْنَ الْمُتَقَايِلَيْنِ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، أَوْ عَلَى كَيْفِيَّتِهِ، أَوْ عَلَى الثَّمَنِ، أَوْ عَلَى الإْقَالَةِ مِنْ أَسَاسِهَا.

فَإِنَّهُمَا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ تَحَالَفَا، فَيَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ.

وَيُسْتَثْنَى مِنَ التَّحَالُفِ مَا لَوْ تَقَايَلاَ الْعَقْدَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَلاَ تَحَالُفَ، بَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لأِنَّهُ غَارِمٌ.

وَلَوِ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْتُهُ مِنَ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الأْوَّلِ قَبْلَ نَقْدِهِ وَفَسَدَ الْبَيْعُ بِذَلِكَ، وَقَالَ الْبَائِعُ: بَلْ تَقَايَلْنَاهُ، فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي إِنْكَارِهِ الإْقَالَةَ.

فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنَ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الإْقَالَةَ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس  ، الصفحة /  185

 الْفسْخ:

4 - الْفسْخ لغةً: النّقْض، يقال فسخ الشّيْء يفْسخه فسْخًا فانْفسخ أيْ: نقضه فانْتقض، وتفاسخت الأْقاويل: تناقضتْ، ويطْلق اصْطلاحًا على حلّ ارْتباط الْعقْد والتّصرّف وقلْب كلّ واحدٍ من الْعوضيْن لصاحبه، وهو بهذا يكون فيه معْنى الإْلْغاء والإْبْطال وقدْ يعبّر الْفقهاء في الْمسْألة الْواحدة تارةً بالإْلْغاء والإْبْطال، وتارةً بالْفسْخ. غيْر أنّ الْفسْخ غالبًا ما يكون في الْعقود، ويقلّ في الْعبادات، ومنْه: فسْخ الْحجّ إلى الْعمْرة، وفسْخ نيّة الْفرْض إلى النّفْل، غيْر أنّه يكون في الْعقود قبْل تمامها، وعنْد تمامها بشروطٍ مثْل خيار الشّرْط وخيار الرّؤْية وخيار الْعيْب والإْقالة

الْحكْم الإْجْماليّ:

5 - أجاز الْعلماء إلْغاء التّصرّفات والْعقود غيْر اللاّزمة منْ جانب الْعاقديْن، أمّا في الْعقود اللاّزمة منْ جانبٍ واحدٍ فإنّه يصحّ الإْلْغاء من الْجانب الآْخر غيْر الْملْتزم به كالْوصيّة.

وأمّا في الْعقود والتّصرّفات الْملْزمة فلا يرد عليْها الإْلْغاء بعْد نفاذها إلاّ برضا الْعاقديْن، كما في الإْقالة، أوْ بوجود سببٍ مانعٍ من اسْتمْرار الْعقْد كظهور الرّضاع بيْن الزّوْج والزّوْجة، وقدْ يكون هنا الإْلْغاء بمعْنى الْفسْخ.

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع   ، الصفحة /  24

انْفِسَاخٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الاِنْفِسَاخُ: مَصْدَرُ انْفَسَخَ، وَهُوَ مُطَاوِعُ فَسَخَ، وَمِنْ مَعْنَاهُ: النَّقْضُ وَالزَّوَالُ. يُقَالُ: فَسَخْتُ الشَّيْءَ فَانْفَسَخَ أَيْ: نَقَضْتُهُ فَانْتَقَضَ، وَفَسَخْتُ الْعَقْدَ أَيْ: رَفَعْتُهُ.

وَالاِنْفِسَاخُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ انْحِلاَلُ الْعَقْدِ إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِإِرَادَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ بِإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا.

وَقَدْ يَكُونُ الاِنْفِسَاخُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُطَاوِعٌ لِلْفَسْخِ وَنَتِيجَةٌ لَهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ.

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الإْقَالَةُ:

2 - الإْقَالَةُ فِي اللُّغَةِ، عِبَارَةٌ عَنِ الرَّفْعِ، وَفِي الشَّرْعِ: رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِزَالَتُهُ بِرِضَا الطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِهَا فَسْخًا أَوْ عَقْدًا جَدِيدًا.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِقَالَةٌ).

ب - الاِنْتِهَاءُ:

3 - انْتِهَاءُ الشَّيْءِ: بُلُوغُهُ أَقْصَى مَدَاهُ، وَانْتَهَى الأْمْرُ: بَلَغَ النِّهَايَةَ. وَانْتِهَاءُ الْعَقْدِ: مَعْنَاهُ بُلُوغُهُ نِهَايَتَهُ، وَهَذَا يَكُونُ بِتَمَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالاِسْتِئْجَارِ لأِدَاءِ  عَمَلٍ فَأَتَمَّهُ الأْجِيرُ، أَوِ الْقَضَاءُ مُدَّةَ الْعَقْدِ كَاسْتِئْجَارِ مَسْكَنٍ أَوْ أَرْضٍ لِمُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُقُودِ الْمُسْتَمِرَّةِ كَانْتِهَاءِ عَقْدِ الزَّوَاجِ بِالْمَوْتِ أَوِ الطَّلاَقِ.

وَعَلَى ذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الاِنْفِسَاخِ وَالاِنْتِهَاءِ، أَنَّ الاِنْفِسَاخَ يُسْتَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، وَيَكُونُ فِي عُقُودِ الْمُدَّةِ قَبْلَ نِهَايَتِهَا أَيْضًا، بِخِلاَفِ الاِنْتِهَاءِ، وَبَعْضُهُمْ يَسْتَعْمِلُ الاِنْفِسَاخَ مَكَانَ الاِنْتِهَاءِ وَبِالْعَكْسِ.

ج - الْبُطْلاَنُ:

4 - الْبُطْلاَنُ لُغَةً: فَسَادُ الشَّيْءِ وَزَوَالُهُ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى: النَّقْضِ وَالسُّقُوطِ. وَالْبُطْلاَنُ يَطْرَأُ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ إِذَا وُجِدَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَيُرَادِفُ الْفَسَادَ إِذَا اسْتُعْمِلَ فِي الْعِبَادَاتِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إِلاَّ فِي الْحَجِّ.

أَمَّا فِي الْعُقُودِ فَالْبَاطِلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لاَ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ، بِأَنْ فَقَدَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهِ، أَوْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِيَّةِ أَوِ الضَّمَانِ أَوْ غَيْرِهِمَا.

وَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ الاِنْفِسَاخُ عَن الْبُطْلاَنِ، بِأَنَّ الاِنْفِسَاخَ يَرِدُ عَلَى الْمُعَامَلاَتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ، وَيُعْتَبَرُ الْعَقْدُ قَبْلَ الاِنْفِسَاخِ عَقْدًا مَوْجُودًا ذَا أَثَرٍ شَرْعِيٍّ، بِخِلاَفِ الْبُطْلاَنِ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ الْبَاطِلَ فِي اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ لاَ وُجُودَ لَهُ أَصْلاً، وَكَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَاسِدِ.

د - الْفَسَادُ:

5 - الْفَسَادُ نَقِيضُ الصَّلاَحِ، وَفَسَادُ الْعِبَادَةِ بُطْلاَنُهَا إِلاَّ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْحَجِّ كَمَا سَبَقَ، وَالْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ: مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَيُطْلَقُ الْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ عَلَى كُلِّ تَصَرُّفٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، وَالْفَاسِدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الأْحْكَامِ، فَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ عِنْدَهُمْ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ أَفَادَ الْمِلْكَ، وَلَكِنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ، يَجِبُ فَسْخُ الْعَقْدِ مَا دَامَتِ الْعَيْنُ قَائِمَةً، لِحَقِّ الشَّارِعِ.

وَيُعْتَبَرُ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ عَقْدًا مَوْجُودًا ذَا أَثَرٍ، لَكِنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، يَجِبُ شَرْعًا فَسْخُهُ رَفْعًا لِلْفَسَادِ.

هـ - الْفَسْخُ:

6 - الْفَسْخُ: هُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، وَهَذَا يَكُونُ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا، أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي، فَهُوَ عَمَلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ غَالِبًا، أَوْ فِعْلُ الْحَاكِمِ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ  كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ.

أَمَّا الاِنْفِسَاخُ: فَهُوَ انْحِلاَلُ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، أَوْ نَتِيجَةً لِعَوَامِلَ غَيْرِ اخْتِيَارِيَّةٍ. فَإِذَا كَانَ الاِنْحِلاَلُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ كَانَتِ الْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ عَلاَقَةَ السَّبَبِ بِالْمُسَبَّبِ، كَمَا إِذَا فَسَخَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ عَقْدَ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ مَثَلاً، فَالاِنْفِسَاخُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَتِيجَةُ الْفَسْخِ الَّذِي مَارَسَهُ الْعَاقِدُ اخْتِيَارًا. يَقُولُ الْقَرَافِيُّ: الْفَسْخُ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَالاِنْفِسَاخُ انْقِلاَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَالأْوَّلُ  فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إِذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالثَّانِي صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ، فَالأْوَّلُ  سَبَبٌ شَرْعِيٌّ، وَالثَّانِي حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَهَذَانِ فَرْعَانِ: فَالأْوَّلُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْضُوعَاتِ، وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الأْسْبَابِ  وَالْمُسَبَّبَاتِ.

وَمِثْلُهُ مَا جَاءَ فِي الْمَنْثُورِ لِلزَّرْكَشِيِّ، إِلاَّ أَنَّهُ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدِ الْفَسْخَ بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ؛ لأِنَّ  الْفَسْخَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَذَلِكَ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا كَمَا هُوَ الْحَالُ غَالِبًا.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الاِنْفِسَاخُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، بَلْ نَتِيجَةً لِعَوَامِلَ خَارِجَةٍ عَنْ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ، كَمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مَثَلاً، فَلاَ يُوجَدُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ عَلاَقَةُ السَّبَبِيَّةِ الَّتِي قَرَّرَهَا الْقَرَافِيُّ.

7 - وَمِنَ الأْمْثِلَةِ الَّتِي قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا انْفِسَاخَ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ مَا يَأْتِي:

أ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ، كَمَا إِذَا تَلِفَتِ الدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ، أَوِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ.

ب - لَوْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ الأَْجْرُ لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ، وَتَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ قَالُوا: لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِنَفْسِهِ، بَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ لِلْمُسْتَأْجِرِ.

ج - إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلاَهُمَا فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، كَالْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ.

د - يَنْفَسِخُ عَقْدُ الإْجَارَةِ  بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ، وَكَذَلِكَ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ بِالأْعْذَارِ  عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ.

وَسَوْفَ يَقْتَصِرُ الْكَلاَمُ فِي هَذَا الْبَحْثِ عَلَى الاِنْفِسَاخِ الَّذِي لاَ يَكُونُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ. أَمَّا الاِنْفِسَاخُ الَّذِي هُوَ أَثَرٌ لِلْفَسْخِ فَيُرْجَعُ إِلَيْهِ تَحْتَ عُنْوَانِ (فَسْخٌ).

مَا يَرِدُ عَلَيْهِ الاِنْفِسَاخُ:

8 - مَحَلُّ الاِنْفِسَاخِ الْعَقْدُ لاَ غَيْرُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ سَبَبُهُ الْفَسْخَ أَمْ غَيْرَهُ؛ لأِنَّ هُمْ عَرَّفُوا الاِنْفِسَاخَ بِانْحِلاَلِ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يُتَصَوَّرُ إِلاَّ إِذَا كَانَ هُنَاكَ ارْتِبَاطٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ بِوَاسِطَةِ الْعَقْدِ.

أَمَّا إِذَا أُرِيدَ مِنَ الاِنْفِسَاخِ الْبُطْلاَنُ وَالنَّقْضُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَرِدَ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْ إِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ الْعُهُودُ وَالْوُعُودُ، كَمَا يُسْتَعْمَلُ أَحْيَانًا فِي الْعِبَادَاتِ وَيَرِدُ عَلَى النِّيَّاتِ، كَانْفِسَاخِ نِيَّةِ صَلاَةِ الْفَرْضِ إِلَى النَّفْلِ، وَكَذَلِكَ انْفِسَاخُ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَصَرَفَهُ إِلَى الْعُمْرَةِ يَنْفَسِخُ الْحَجُّ إِلَى الْعُمْرَةِ.

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ، وَيَقْطَعَ أَفْعَالَهُ، وَيَجْعَلَ إِحْرَامَهُ وَأَفْعَالَهُ لِلْعُمْرَةِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْرَامٌ).

أَسْبَابُ الاِنْفِسَاخِ:

9 - الاِنْفِسَاخُ لَهُ أَسْبَابٌ مُخْتَلِفَةٌ: مِنْهَا مَا هُوَ اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ مَا يَأْتِي بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ بِإِرَادَةِ كِلَيْهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَمِنْهَا مَا هُوَ سَمَاوِيٌّ وَهُوَ مَا يَأْتِي بِدُونِ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ أَوِ الْقَاضِي، بَلْ بِعَوَامِلَ خَارِجَةٍ عَنِ الإْرَادَةِ  لاَ يُمْكِنُ اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ مَعَهَا.

يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: مَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ نَوْعَانِ: اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ، فَالاِخْتِيَارِيُّ هُوَ أَنْ يَقُولَ: فَسَخْتُ الْعَقْدَ أَوْ نَقَضْتُهُ وَنَحْوُهُ، وَالضَّرُورِيُّ: أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَثَلاً.

الأْسْبَابُ  الاِخْتِيَارِيَّةُ:

أَوَّلاً: الْفَسْخُ:

10 - الْمُرَادُ بِالْفَسْخِ هُنَا مَا يَرْفَعُ بِهِ حُكْمَ الْعَقْدِ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا، وَهَذَا يَكُونُ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ بِطَبِيعَتِهَا، كَعَقْدَيِ الْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ مَثَلاً، أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ، أَوْ بِسَبَبِ الأْعْذَارِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ بِهَا اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ، أَوْ بِسَبَبِ الْفَسَادِ.

وَيُنْظَرُ حُكْمُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مُصْطَلَحَيْ: (إِقَالَةٌ وَفَسْخٌ).

ثَانِيًا: الإْقَالَةُ:

11 - الإْقَالَةُ رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِزَالَتُهُ بِرِضَى الطَّرَفَيْنِ وَهِيَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ الاِخْتِيَارِيَّةِ، وَتَرِدُ عَلَى الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ، كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ . أَمَّا إِذَا كَانَ الْعَقْدُ غَيْرَ لاَزِمٍ كَالْعَارِيَّةِ، أَوْ لاَزِمًا بِطَبِيعَتِهِ وَلَكِنْ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ فَلاَ حَاجَةَ فِيهِ لِلإِْقَالَةِ؛ لِجَوَازِ فَسْخِهِ بِطَرِيقٍ أُخْرَى، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَيُنْظَرُ الْكَلاَمُ فِيهِ تَحْتَ عُنْوَانِ: (إِقَالَةٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  التاسع   ، الصفحة / 108

اسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ:

25 - الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ، فَالْفَسَادُ مُقْتَرِنٌ بِهِ، وَدَفْعُ الْفَسَادِ

وَاجِبٌ فَيَسْتَحِقُّ فَسْخَهُ، وَلأِنَّ الْفَاسِدَ يُفِيدُ مِلْكًا خَبِيثًا لِمَكَانِ النَّهْيِ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ، إِزَالَةً لِلْخَبَثِ وَدَفْعًا لِلْفَسَادِ. وَلأِنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اشْتِرَاطَ الرِّبَا وَإِدْخَالَ الآْجَالِ الْمَجْهُولَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ وَالزَّجْرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ، وَاسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ يَصْلُحُ زَاجِرًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، لأِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَفْسَخُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا عَلَّلَهُ الْفُقَهَاءُ  .

وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي فَسْخِهِ قَضَاءُ قَاضٍ؛ لأِنَّ الْوَاجِبَ شَرْعًا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَضَاءِ  . وَلَكِنْ لَوْ أَصَرَّا عَلَى إِمْسَاكِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَعَلِمَ بِذَلِكَ الْقَاضِي فَلَهُ فَسْخُهُ جَبْرًا عَلَيْهِمَا، حَقًّا لِلشَّرْعِ  .

شُرُوطُ الْفَسْخِ:

26 - الْفَسْخُ مَشْرُوطٌ بِمَا يَلِي:

أ - أَنْ يَكُونَ بِعِلْمِ الْمُتَعَاقِدِ الآْخَرِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ رِضَاهُ، وَنَقَلَ الْكَاسَانِيُّ عَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ: ثُمَّ نَقَلَ عَنِ الأْسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ، وَأَنَّ الْخِلاَفَ فِيهِ كَالْخِلاَفِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ.

ب - أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا.

ج - أَنْ لاَ يَعْرِضَ لَهُ مَا يَتَعَذَّرُ بِهِ الرَّدُّ  .

مَنْ يَمْلِكُ الْفَسْخَ:

27 - الْفَسْخُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ:

أ - فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْفَسْخُ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَكَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الاِمْتِنَاعِ مِنَ الْقَبُولِ وَالإْيجَابِ ، فَيَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَكِنَّهُ - كَمَا يَقُولُ الزَّيْلَعِيُّ - يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لأِنَّ فِيهِ إِلْزَامَ الْفَسْخِ لَهُ، فَلاَ يَلْزَمُهُ بِدُونِ عِلْمِهِ  .

ب - وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ الْقَبْضِ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ رَاجِعًا إِلَى الْبَدَلَيْنِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِمَا:

(1فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْبَدَلَيْنِ: الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ، يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ الرَّاجِعَ إِلَى الْبَدَلِ رَاجِعٌ إِلَى صُلْبِ الْعَقْدِ، فَلاَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ، لأِنَّهُ لاَ قِوَامَ لِلْعَقْدِ إِلاَّ بِالْبَدَلَيْنِ، فَكَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا، فَيُؤَثِّرُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِعَدَمِ لُزُومِهِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَمِيعًا.

(2وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ غَيْرَ رَاجِعٍ إِلَى الْبَدَلَيْنِ، كَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ زَائِدٍ، كَالْبَيْعِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، أَوْ بِشَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِهِمَا:

فَالأْسْبِيجَابِيُّ قَرَّرَ أَنَّ وِلاَيَةَ الْفَسْخِ لِصَاحِبِ الشَّرْطِ، بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ الَّذِي لاَ يَرْجِعُ إِلَى الْبَدَلِ، لاَ يَكُونُ قَوِيًّا فَيَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْطِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ - وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ خِلاَفًا فِي الْمَسْأَلَةِ:

فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ، لِعَدَمِ اللُّزُومِ، بِسَبَبِ الْفَسَادِ.

وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: الْفَسْخُ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ، لأِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ الْمُفْسِدِ، فَلَوْ فَسَخَهُ الآْخَرُ، لأَبْطَلَ حَقَّهُ عَلَيْهِ، هَذَا لاَ يَجُوزُ  .

طَرِيقُ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

28 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ بِطَرِيقِينَ:

الأْوَّلُ: بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ مَنْ يَمْلِكُ الْفَسْخَ: فَسَخْتُ الْعَقْدَ، أَوْ رَدَدْتُهُ، أَوْ نَقَضْتُهُ، فَيَنْفَسِخُ بِذَلِكَ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَضَاءٍ وَلاَ رِضَا الْبَائِعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ ثَبَتَ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ وَلاَ رِضَاءٍ  .

الثَّانِي: بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُرَدَّ الْمَبِيعُ عَلَى بَائِعِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ، بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إِعَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَوَقَعَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ بَائِعِهِ - حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَالتَّخْلِيَةِ - فَهُوَ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ، وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ  .

مَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْفَسْخِ:

29 - لاَ يَسْقُطُ حَقُّ الْفَسْخِ بِصَرِيحِ الإْبْطَالِ وَالإْسْقَاطِ، بِأَنْ يَقُولَ: أَسْقَطْتُ، أَوْ: أَبْطَلْتُ، أَوْ: أَوْجَبْتُ الْبَيْعَ، أَوْ أَلْزَمْتُهُ؛ لأِنَّ وُجُوبَ الْفَسْخِ ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، دَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَمَا ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا، لاَ يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى إِسْقَاطِهِ مَقْصُودًا، كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ.

لَكِنْ قَدْ يَسْقُطُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، بِأَنْ يَتَصَرَّفَ الْعَبْدُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَقْصُودًا، فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ سُقُوطَ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ.

وَإِذَا بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَتَقَرَّرَ الضَّمَانُ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ لاَ يَلْزَمُ الْبَيْعُ، وَلاَ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ.

وَفِيمَا يَلِي أَهَمُّ صُوَرِ ذَلِكَ.

الصُّورَةُ الأْولَى: التَّصَرُّفُ الْقَوْلِيُّ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا.

30 - أَطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ بِكُلِّ تَصَرُّفٍ يُخْرِجُ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ  . وَهَذَا التَّعْلِيلُ هُوَ الَّذِي أَصَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ جَعَلَ الْمَبِيعَ مَهْرًا، أَوْ بَدَلَ صُلْحٍ، أَوْ بَدَلَ إِجَارَةٍ، وَعَلَّلُوهُ قَائِلِينَ: لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ  .

أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ؛ لأِنَّ الْهِبَةَ لاَ تُفِيدُ الْمِلْكَ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ بِخِلاَفِ الْبَيْعِ.

أَوْ رَهَنَهُ وَسَلَّمَهُ؛ لأِنَّ الرَّهْنَ لاَ يَلْزَمُ بِدُونِ التَّسْلِيمِ.

أَوْ وَقَفَهُ وَقْفًا صَحِيحًا، لأِنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ حِينَ وَقَفَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ  .

أَوْ أَوْصَى بِهِ ثُمَّ مَاتَ، لأِنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ مِلْكِهِ إِلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ.

أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَسَلَّمَهُ أَيْضًا، لأِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ  .

وَكَذَا الْعِتْقُ، فَقَدِ اسْتَثْنَوْهُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ وَتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ  .

31 - فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، يَنْفُذُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، وَيَمْتَنِعُ فَسْخُهُ وَذَلِكَ:

أ - لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ، فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ.

ب - وَلأِنَّهُ تَعَلُّقُ حَقِّ الْعَبْدِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي، وَنَقْضُ الْعَقْدِ الأْوَّلِ   مَا كَانَ إِلاَّ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يُقَدَّمُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى، لِغِنَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَسَعَةِ عَفْوِهِ، وَفَقْرِ الْعَبْدِ دَائِمًا إِلَى رَبِّهِ.

ج - وَلأِنَّ الْعَقْدَ الأْوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لاَ بِوَصْفِهِ، وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، فَلاَ يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ.

د - وَلأِنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ الأْوَّلِ  ؛ لأِنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ - مَعَ الإْذْنِ فِي الْقَبْضِ - تَسْلِيطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ، فَلاَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الاِسْتِرْدَادِ مِنَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَإِلاَّ كَانَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى الْمُنَاقَضَةِ  .

32 - اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ: الإْجَارَةَ. فَقَرَّرُوا أَنَّهَا لاَ تَمْنَعُ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لأِنَّ الإْجَارَةَ تُفْسَخُ بِالأْعْذَارِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ مِنَ الأْعْذَارِ، بَلْ لاَ عُذْرَ أَقْوَى مِنَ الْفَسَادِ، كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ  .

وَلأِنَّهَا - كَمَا يَقُولُ الْمَرْغِينَانِيُّ - تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَيَكُونُ الرَّدُّ امْتِنَاعًا  .

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ مُمَارَسَةِ حَقِّ الْفَسْخِ - كَمَا لَوْ رَجَعَ الْوَاهِبُ بِهِبَتِهِ، أَوْ أَفْتَكَ الرَّاهِنُ رَهْنَهُ - عَادَ الْحَقُّ فِي الْفَسْخِ؛ لأِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَمْ تُوجِبِ الْفَسْخَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ الْكُلِّ.

لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْلِ، لاَ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِذَلِكَ يُبْطِلُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْعَيْنِ، وَيَنْقُلُهُ إِلَى الْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْلِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ، فَلاَ يَعُودُ حَقُّهُ إِلَى الْعَيْنِ وَإِنِ ارْتَفَعَ السَّبَبُ، كَمَا لَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بِسَبَبِ فَقْدِهِ مَثَلاً، ثُمَّ وُجِدَ الْمَغْصُوبُ  .

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الأْفْعَالُ الَّتِي تَرِدُ عَلَى الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا:

33 - وَمِنْهَا الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ، فَلَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي فِي الأْرْضِ الَّتِي اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا بِنَاءً أَوْ غَرَسَ شَجَرًا:

فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَذَلِكَ لأِنَّهُمَا اسْتِهْلاَكٌ عِنْدَهُ، لأِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِمَا الدَّوَامُ، وَقَدْ حَصَلاَ بِتَسْلِيطٍ مِنَ الْبَائِعِ، فَيَنْقَطِعُ بِهِمَا حَقُّ الاِسْتِرْدَادِ، كَالْبَيْعِ.

وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ لاَ يَمْنَعَانِ مِنَ الْفَسْخِ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَنْقُضَهُمَا وَيَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ، وَذَلِكَ لأِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ - مَعَ ضَعْفِهِ - لاَ يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، فَهَذَا أَوْلَى  .

34 - وَمِمَّا يَمْنَعُ الْفَسْخَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ أَوِ النَّقْصُ مِنْهُ.

أ - أَمَّا الزِّيَادَةُ: فَقَدْ قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْمَبِيعِ، غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ قُمَاشًا فَخَاطَهُ، أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ قَمْحًا فَطَحَنَهُ، أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَأَمْثَالِهَا يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ، وَتَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةُ الْمَبِيعِ.

وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَسَمْنِ الْمَبِيعِ، وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَالْوَلَدِ، وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ، فَإِنَّهَا لاَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ  .

ب - وَأَمَّا نَقْصُ الْمَبِيعِ، فَقَدْ قَرَّرُوا أَنَّهُ إِذَا نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، لاَ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ، وَلاَ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ. لَكِنْ إِنْ نَقَصَ وَهُوَ فِي يَدِهِ بِفِعْلِهِ، أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْهُ، وَيُضَمِّنُهُ أَرْشَ النُّقْصَانِ. وَلَوْ نَقَصَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ الْبَائِعِ، اعْتُبِرَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ مُسْتَرِدًّا لَهُ. وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، خُيِّرَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنَ الْجَانِي  .

35 - وَقَدْ وَضَعَ الزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ضَابِطًا لِمَا يَمْتَنِعُ بِهِ مِنَ الأْفْعَالِ  حَقُّ الاِسْتِرْدَادِ وَالْفَسْخِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَتَى فَعَلَ بِالْمَبِيعِ فِعْلاً، يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ، يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الاِسْتِرْدَادِ، كَمَا إِذَا كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا  .

ثَالِثًا (مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ): حُكْمُ الرِّبْحِ فِي الْبَدَلَيْنِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

36 - صَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ يَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ، وَلاَ يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا رَبِحَ فِي الْمَبِيعِ، فَلَوِ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَيْنًا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلاً وَتَقَابَضَا، وَرَبِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا قَبَضَ، يَتَصَدَّقُ الَّذِي قَبَضَ الْعَيْنَ بِالرِّبْحِ، لأِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَتَمَكَّنَ الْخَبَثُ فِيهَا، وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ؛ لأِنَّ النَّقْدَ لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ  .

وَمُفَادُ هَذَا الْفَرْقِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ (أَيْ بَيْعَ عَيْنٍ بِعَيْنٍ) لاَ يَطِيبُ الرِّبْحُ لَهُمَا؛ لأِنَّ كُلًّا مِنَ الْبَدَلَيْنِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ، فَتَمَكَّنَ الْخَبَثُ فِيهِمَا مَعًا  .

رَابِعًا: قَبُولُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِلتَّصْحِيحِ:

37 - الْبَيْعُ الْفَاسِدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ فِيهِ ضَعِيفًا أَوْ قَوِيًّا:

أ - فَإِذَا كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَمْ يُوَقَّتْ، أَوْ وُقِّتَ إِلَى وَقْتٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَكَمَا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ مَثَلاً، فَإِذَا أَسْقَطَ الأْجَلَ  مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَقَبْلَ فَسْخِهِ، جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، وَلَوْ كَانَ إِسْقَاطُ الأْجَلِ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ تَنْقَلِبُ جَائِزَةً بِحَذْفِ الْمُفْسِدِ، فَبَيْعُ جِذْعٍ فِي سَقْفٍ فَاسِدٍ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ وَحِلْيَةٍ فِي سَيْفٍ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إِلاَّ بِضَرَرٍ لاَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ إِنْ قَلَعَهُ وَسَلَّمَهُ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ جَازَ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الاِمْتِنَاعُ. وَبَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، لَكِنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ لِعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ  . وَإِنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ  الْمُشْتَرِي رَهْنًا، وَلَمْ يَكُنِ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا وَلاَ مُسَمًّى، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لَكِنْ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَرَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ عَجَّلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ يَبْطُلُ الأْجَلُ، فَيَجُوزُ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا لِزَوَالِ الْفَسَادِ  .

هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِزُفَرَ حَيْثُ قَالَ: الْبَيْعُ إِذَا انْعَقَدَ عَلَى الْفَسَادِ لاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الاِسْتِحَالَةِ.

ب - أَمَّا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا، بِأَنْ يَكُونَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْبَدَلُ أَوِ الْمُبْدَلُ، فَلاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ اتِّفَاقًا، كَمَا إِذَا بَاعَ عَيْنًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، فَحَطَّ الْخَمْرَ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَهَذَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا  .

خَامِسًا: الضَّمَانُ إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ:

38 - لاَ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا، إِذَا هَلَكَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، ثَبَتَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِرَدِّ مِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا - مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا - وَرَدِّ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا، بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ أَمْ أَقَلَّ مِنْهُ أَمْ مِثْلَهُ.

وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، لأِنَّهُ بِهِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ، فَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي انْعَقَدَ بِهِ سَبَبُ الضَّمَانِ  .

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الإْتْلاَفِ (الْهَلاَكُ)، لأِنَّهُ بِالإْتْلاَفِ يَتَقَرَّرُ الْمِثْلُ أَوِ الْقِيمَةُ

39 - أَمَّا لَوْ نَقَصَ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَالنَّقْصُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

أ - لَوْ نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَخَذَهُ الْبَائِعُ مَعَ تَضْمِينِ الْمُشْتَرِي أَرْشَ النُّقْصَانِ.

ب - وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ، صَارَ بِذَلِكَ مُسْتَرِدًّا لِلْمَبِيعِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَنِ الْبَائِعِ، هَلَكَ عَلَى الْبَائِعِ.

ج - وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، خُيِّرَ الْبَائِعُ:

فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْجَانِي.

وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْجَانِيَ، وَهُوَ لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي  .

سَادِسًا: ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهِ:

40 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، كَمَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ حَتَّى لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ، وَأَعْتَقَهُ فِي الأْيَّامِ  الثَّلاَثَةِ لاَ يَنْفُذُ إِعْتَاقُهُ، وَلَوْلاَ خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ لَنَفَذَ إِعْتَاقُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمُفَادُهُ صِحَّةُ إِعْتَاقِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، لِزَوَالِ الْخِيَارِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَكَمَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا، يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ، وَلِلْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ وَبِغَيْرِ قَضَاءٍ  .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة / 43

الْفَسْخُ لِلتَّوَقُّفِ:

4 - التَّفْرِقَةُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّوَقُّفِ تَكُونُ فِي الْمَنْشَأِ وَالأْحْكَامِ وَالاِنْتِهَاءِ.

فَالْخِيَارُ يَنْشَأُ لِتَعَيُّبِ الإْرَادَةِ  (وَذَلِكَ فِي الْخِيَارِ الْحُكْمِيِّ غَالِبًا) أَوْ لاِتِّجَاهِ إِرَادَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِمَنْعِ لُزُومِ الْعَقْدِ (وَذَلِكَ فِي الْخِيَارَاتِ الإْرَادِيَّةِ) وَكِلاَهُمَا مَرْحَلَةٌ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَصُلُوحِهِ لِسَرَيَانِ آثَارِهِ (النَّفَاذُ). أَمَّا الْمَوْقُوفُ فَهُوَ يَنْشَأُ لِنَقْصِ الأْهْلِيَّةِ  فِي الْعَاقِدِ، أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ. فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَجَالٌ مُغَايِرٌ لِلآْخَرِ، لَيْسَ مُغَايَرَةَا خْتِلاَفٍ فِي السَّبَبِ فَقَطْ، بَلْ مَعَ التَّدَاعِي وَالتَّجَانُسِ بَيْنَ أَسْبَابِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمُنَافَرَتِهَا مَا لِلآْخَرِ.

أَمَّا مِنْ حَيْثُ الطَّبِيعَةُ وَالأْحْكَامُ  فَإِنَّ الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ تَكُونُ آثَارُهُ مُعَلَّقَةً بِسَبَبِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ نَفَاذِهَا، وَهَذَا بِالرَّغْمِ مِنِ انْعِقَادِهِ وَصِحَّتِهِ لأِنَّ  ذَلِكَ الْمَانِعَ مَنَعَ تَمَامَ الْعِلَّةِ.

أَمَّا الْخِيَارُ فَإِنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ قَدْ نَفَذَ وَتَرَتَّبَتْ آثَارُهُ وَلَكِنِ امْتَنَعَ ثُبُوتُهَا بِسَبَبِ الْخِيَارِ، فَأَحْيَانًا يَمْتَنِعُ ابْتِدَاءُ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ، وَذَلِكَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَأَحْيَانًا يَمْتَنِعُ تَمَامُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَأَحْيَانًا يَمْتَنِعُ لُزُومُ الْعَقْدِ بَعْدَ أَنْ سَرَتْ آثَارُهُ، كَخِيَارِ الْعَيْبِ

وَفِي الاِنْقِضَاءِ نَجِدُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ لَمَّا كَانَ غَيْرَ تَامِّ الْعِلَّةِ لَمْ تَتِمَّ الصَّفْقَةُ، فَيَكْفِي فِي نَقْضِهِ مَحْضُ إِرَادَةِ مَنْ لَهُ النَّقْضُ، وَهُوَ لِهَذَا الضَّعْفِ فِيهِ لاَ يَرِدُ فِيهِ إِسْقَاطُ الْخِيَارِ، وَلاَ يَنْتَقِلُ بِالْمِيرَاثِ، بَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ حَقُّ إِجَازَتِهِ، فِي حِينِ يَجُوزُ إِسْقَاطُ الْخِيَارِ - فِي الْجُمْلَةِ - وَيَنْتَقِلُ بِالْمِيرَاثِ وَخَاصَّةً مَا كَانَ مِنْهُ مُتَّصِلاً بِالْعَيْنِ عَلَى اخْتِلاَفٍ فِي الْمَذَاهِبِ، وَيَنْقَضِي الْخِيَارُ بِإِرَادَةِ مَنْ هُوَ لَهُ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى التَّرَاضِي أَوِ التَّقَاضِي إِلاَّ حَيْثُ تَتِمُّ الصَّفْقَةُ بِحُصُولِ الْقَبْضِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ.

د - الْفَسْخُ فِي الإْقَالَةِ:

5 -تُشْبِهُ الإْقَالَةُ الْخِيَارَ مِنْ حَيْثُ تَأْدِيَتُهُمَا - فِي حَالٍ مَا - إِلَى فَسْخِ الْعَقْدِ، وَتُشْبِهُهُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمَا لاَ يَدْخُلاَنِ إِلاَّ عُقُودَ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ اللاَّزِمَةِ الْقَابِلَةِ لِلْفَسْخِ.

وَلَكِنَّ الإْقَالَةَ تُخَالِفُ الْخِيَارَ فِي أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يُمْكِنُهُ فَسْخُ الْعَقْدِ بِمَحْضِ إِرَادَتِهِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا صَاحِبِهِ، بِخِلاَفِ الإْقَالَةِ فَلاَ بُدَّ مِنِ الْتِقَاءِ الإْرَادَتَيْنِ عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ. كَمَا أَنَّ هُنَاكَ فَرْقًا آخَرَ هُوَ أَنَّ الْخِيَارَ يَجْعَلُ الْعَقْدَ غَيْرَ لاَزِمٍ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ لَهُ. وَأَمَّا الإْقَالَةُ  فَلاَ تَكُونُ إِلاَّ حَيْثُ يَكُونُ الْعَقْدُ لاَزِمًا لِلطَّرَفَيْنِ .

حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الْخِيَارِ:

17 - الْغَرَضُ فِي الْخِيَارَاتِ الْحُكْمِيَّةِ: بِالرَّغْمِ مِنْ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهَا هُوَ تَلاَفِي النَّقْصِ الْحَاصِلِ بَعْدَ تَخَلُّفٍ شَرِيطَةَ لُزُومِ الْعَقْدِ. وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَحَقَّقَتْ شَرَائِطُ الاِنْعِقَادِ وَالصِّحَّةِ وَالنَّفَاذِ، أَيْ أَنَّ الْخِيَارَاتِ الْحُكْمِيَّةَ لِتَخْفِيفِ مَغَبَّةِ الإْخْلاَلِ  بِالْعَقْدِ فِي الْبِدَايَةِ لِعَدَمِ الْمَعْلُومِيَّةِ التَّامَّةِ، أَوْ لِدُخُولِ اللَّبْسِ وَالْغَبْنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى الإْضْرَارِ  بِالْعَاقِدِ، أَوْ فِي النِّهَايَةِ كَاخْتِلاَلِ التَّنْفِيذِ.

فَالْغَايَةُ مِنَ الْخِيَارَاتِ الْحُكْمِيَّةِ تَمْحِيصُ الإْرَادَتَيْنِ وَتَنْقِيَةُ عُنْصُرِ التَّرَاضِي مِنَ الشَّوَائِبِ تَوَصُّلاً إِلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْعَاقِدِ. وَمِنْ هُنَا قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْخِيَارَاتِ إِلَى شَطْرَيْنِ: خِيَارَاتِ التَّرَوِّي، وَخِيَارَاتِ النَّقِيصَةِ، وَمُرَادُهُمْ بِخِيَارَاتِ النَّقِيصَةِ الْخِيَارَاتُ الَّتِي تَهْدِفُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْعَاقِدِ فِي حِينِ تَهْدِفُ خِيَارَاتُ التَّرَوِّي إِلَى جَلْبِ النَّفْعِ لَهُ.

أَمَّا الْغَرَضُ مِنَ الْخِيَارَاتِ الإْرَادِيَّةِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ عَنِ الْغَرَضِ مِنَ الْخِيَارِ فِي صَعِيدِ الْخِيَارَاتِ الْحُكْمِيَّةِ. فَفِي الْخِيَارَاتِ الإْرَادِيَّةِ يَكَادُ الْبَاعِثُ عَلَيْهَا يَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا هُوَ مَا دَعَاهُ الْفُقَهَاءُ بِالتَّرَوِّي، أَيِ التَّأَمُّلِ فِي صُلُوحِ الشَّيْءِ لَهُ وَسَدِّ حَاجَتِهِ فِي الشِّرَاءِ، وَذَلِكَ لِلتَّرْفِيهِ عَنِ الْمُتَعَاقِدِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ يَحْرِصُ عَلَيْهَا. وَالتَّرَوِّي سَبِيلُهُ أَمْرَانِ: (الْمَشُورَةُ) لِلْوُصُولِ إِلَى الرَّأْيِ الْحَمِيدِ، أَوِ الاِخْتِبَارُ وَهُوَ تَبَيُّنُ خَبَرِ الشَّيْءِ بِالتَّجْرِبَةِ أَوِ الاِطِّلاَعِ التَّامِّ عَلَى كُنْهِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: «وَالْخِيَارُ يَكُونُ لِوَجْهَيْنِ: لِمَشُورَةٍ وَاخْتِبَارِ الْمَبِيعِ، أَوْ لأِحَدِ الْوَجْهَيْنِ . وَيَقُولُ بَعْدَئِذٍ: الْعِلَّةُ فِي إِجَازَةِ الْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ وَحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى الْمَشُورَةِ فِيهِ، أَوِ الاِخْتِيَارِ» .

عَلَى أَنَّ تَعَدُّدَ الْغَرَضِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَقْصِدَ الْمَشُورَةَ وَالاِخْتِبَارَ مَعًا  وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُشْتَرِي، أَمَّا الْبَائِعُ فَلاَ يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ إِلاَّ كَوْنُ الْغَرَضِ الْمَشُورَةَ، لأِنَّ  الْمُبَادَلَةَ مِنْهُ تَهْدِفُ إِلَى الثَّمَنِ، وَالثَّمَنُ لاَ مَجَالَ لاِخْتِبَارِهِ غَالِبًا، إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُرَاجِعَ الْبَائِعُ مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي كَوْنِ الثَّمَنِ مُتَكَافِئًا مَعَ الْمَبِيعِ فَلاَ غَبْنَ وَلاَ وَكْسَ.

وَالتَّرَوِّي - كَمَا يَقُولُ الْحَطَّابُ - لاَ يَخْتَصُّ بِالْمَبِيعِ فَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا فِي الثَّمَنِ، أَوْ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ .

وَثَمَرَةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِذَا كَانَ الْغَرَضُ مِنَ الْخِيَارِ الاِخْتِبَارَ، فَإِذَا بَيَّنَ الْغَرَضَ مِنَ الْخِيَارِ عُومِلَ حَسْبَ بَيَانِهِ، أَمَّا إِنْ سَكَتَ عَنِ الْبَيَانِ، فَقَدْ قَرَّرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ ذِكْرِ الْغَرَضِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ الْمَشُورَةُ فَهِيَ مُفْتَرَضَةٌ دَائِمًا، إِلاَّ إِذَا صَرَّحَ بِأَنَّ غَرَضَهُ الاِخْتِبَارُ وَاشْتَرَطَ قَبْضَ السِّلْعَةِ. وَنَصُّ كَلاَمِ ابْنِ رُشْدٍ فِي هَذَا:  «اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ. وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ إِنَّمَا يَشْتَرِطُ الْخِيَارَ لِلاِخْتِبَارِ، وَأَرَادَ قَبْضَ السِّلْعَةِ لِيَخْتَبِرَهَا، وَأَبَى الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِهَا إِلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّمَا لَكَ الْمَشُورَةُ إِذَا لَمْ تَشْتَرِطْ قَبْضَ السِّلْعَةِ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ لِلاِخْتِبَارِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ». بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَيْسَتْ مِنَ الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ فِي الْمُشْتَرِي طُولُ مُدَّةِ الْخِيَارِ إِذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَسْخٌ فِي الأْجَلِ لِلْمَشُورَةِ الدَّقِيقَةِ.

وَهُنَاكَ ثَمَرَةٌ عَمَلِيَّةٌ أُخْرَى لِتَحْدِيدِ الْغَرَضِ مِنَ الْخِيَارِ (دُونَ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْمَشُورَةِ أَوِ الاِخْتِبَارِ، أَوِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا) تِلْكَ هِيَ أَنَّ أَمَدَ الْخِيَارِ - وَهُوَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ مَلْحُوظٌ فِيهِ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ - شَدِيدُ الاِرْتِبَاطِ بِالْغَرَضِ مِنَ الْخِيَارِ فَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي إِجَازَةِ الْمَبِيعِ عَلَى الْخِيَارِ حَاجَةَ النَّاسِ إِلَى الْمَشُورَةِ فِيهِ، أَوِ الاِخْتِبَارِ، فَحَدُّهُ قَدْرُ مَا يُخْتَبَرُ فِيهِ الْمَبِيعُ، وَيُرْتَأَى فِيهِ وَيُسْتَشَارُ، عَلَى اخْتِلاَفِ أَجْنَاسِهِ وَإِسْرَاعِ التَّغَيُّرِ إِلَيْهِ وَإِبْطَائِهِ عَنْهُ.. فَأَمَدُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ إِنَّمَا هُوَ بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الاِخْتِبَارِ وَالاِرْتِيَاءِ مَعَ مُرَاعَاةِ إِسْرَاعِ التَّغَيُّرِ إِلَى الْمَبِيعِ وَإِبْطَائِهِ عَنْهُ خِلاَفًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رحمهما الله فِي قَوْلِهِمَا: إِنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْخِيَارُ فِي شَيْءٍ مِنَ الأْشْيَاءِ فَوْقَ ثَلاَثٍ .

الْخِيَارُ سَالِبٌ لِلُّزُومِ:

18 - إِنَّ سَلْبَ الْخِيَارَاتِ لُزُومُ الْعَقْدِ مِنْ بَدَائِهِ الْفِقْهَ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ الْمُصَنِّفِينَ الَّذِينَ قَسَّمُوا الْعَقْدَ إِلَى لاَزِمٍ وَجَائِزٍ عَبَّرُوا عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: لاَزِمٌ، وَمُخَيَّرٌ، أَوْ لاَزِمٌ وَفِيهِ خِيَارٌ .

وَمُفَادُ سَلْبِ الْخِيَارِ لُزُومُ الْعَقْدِ أَنْ يُجْعَلَ الْعَقْدُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى خِيَارٍ مُسْتَوِيًا فِي الصِّفَةِ مَعَ الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ كَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَمَعَ هَذَا لاَ يَعْسُرُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا، لأِنَّ  عَدَمَ اللُّزُومِ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ نَاشِئٌ عَنْ طَبِيعَتِهَا الْخَاصَّةِ، أَمَّا فِي الْخِيَارَاتِ فَعَدَمُ اللُّزُومِ طَارِئٌ بِسَبَبِهَا.

وَهُنَاكَ عِبَارَاتٌ فِقْهِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّفَاوُتِ فِي مَنْزِلَةِ الْخِيَارَاتِ مِنْ حَيْثُ سَلْبُ اللُّزُومِ نَظَرًا إِلَى أَثَرِ الْخِيَارِ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ هُنَا الْعَقْدُ الَّذِي لاَ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْحُكْمُ فِي الأْصْلِ، كَالْبَيْعِ هُوَ عِلَّةٌ لِحُكْمِهِ مِنْ لُزُومِ تَعَاكُسِ الْمِلْكَيْنِ فِي الْبَدَلَيْنِ، وَفِي الْبَيْعِ بِخِيَارٍ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ الْعِلَّةِ (أَيِ الْبَيْعُ) مُقْتَضَاهَا الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ.

وَبِمَا أَنَّ الْمَوَانِعَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي قُوَّةِ الْمَنْعِ، فَمِنْهَا مَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ مِنَ الْبِدَايَةِ فَلاَ يَدَعُهَا تَمْضِي لإِحْدَاثِ  الأْثَرِ، وَمِنْهَا مَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْعِلَّةِ، أَيْ نَفَاذَ الْعَقْدِ، بِتَخَلُّفِ إِحْدَى شَرِيطَتَيِ النَّفَاذِ (الْمِلْكِ أَوِ الْوِلاَيَةِ، وَانْتِفَاءِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) ثُمَّ يَأْتِي دَوْرُ الْخِيَارَاتِ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ مَنْعٌ مُسَلَّطٌ عَلَى (الْحُكْمِ) لاَ (الْعِلَّةِ) فَهِيَ قَدْ كُتِبَ لَهَا الاِنْعِقَادُ وَالنَّفَاذُ كَسَهْمٍ تَوَفَّرَتْ وَسَائِلُ تَسْدِيدِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ دُونَ أَنْ يَحْجِزَهُ شَيْءٌ عَنْ بُلُوغِ الْهَدَفِ «فَخِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ (وَنَفَاذِ) الْعِلَّةِ» إِذْ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ خُرُوجُ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَشَبَّهَهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِاسْتِتَارِ الْمَرْمِيِّ إِلَيْهِ بِتُرْسٍ يَمْنَعُ مِنْ إِصَابَةِ الْغَرَضِ مِنْهُ . وَيَلِيهِ فِي قُوَّةِ الْمَنْعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، لأِنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ (وَهُوَ غَيْرُ تَمَامِ الْعِلَّةِ) وَأَخِيرًا خِيَارُ الْعَيْبِ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ.

وَفَضْلاً عَنِ التَّفَاوُتِ فِي أَثَرِ الْخِيَارِ عَلَى الْعَقْدِ اللاَّزِمِ لِسَلْبِ لُزُومِهِ يُلْحَظُ فَارِقٌ، فِي نَظَرِ الْحَنَفِيَّةِ، بَيْنَ خِيَارِ الْعَيْبِ وَبَيْنَ خِيَارَيِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ فِي وَضْعِهِمَا الشَّرْعِيِّ مِنْ حَيْثُ سَلْبُ اللُّزُومِ بَيْنَ أَنْ يَتَّصِفَ بِالأْصَالَةِ أَوِ الْخُلْفِيَّةِ، لِهَذَا الْفَرْقِ فِي الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْفَسْخِ فِي حَقِّ الْكُلِّ أَوْ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَحَسْبُ.

فَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، لَمَّا أَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ فِيهِمَا «ثَبَتَ أَصْلاً لأِنَّهُمَا يَسْلُبَانِ اللُّزُومَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، فَكَانَ بِالْفَسْخِ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا لَهُ، وَوِلاَيَةُ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ تَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ، وَلِذَا لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ»  

أَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ لِمَا أَنَّ «حَقَّ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ مَا ثَبَتَ (بِاعْتِبَارِهِ) أَصْلاً. لأِنَّ  الصَّفْقَةَ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ بَلْ (ثَبَتَ) بِغَيْرِهِ، وَهُوَ اسْتِدْرَاكُ حَقِّهِ فِي صِفَةِ السَّلاَمَةِ»

خِيَارُ فَوَاتِ الشَّرْطِ

التَّعْرِيفُ:

1 - سَبَقَ تَعْرِيفُ الْخِيَارِ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارٌ) وَكَذَلِكَ سَبَقَ تَعْرِيفُ الشَّرْطِ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارُ الشَّرْطِ) وَفَوَاتُ الشَّرْطِ: هُوَ عَدَمُ تَحْقِيقِ الْغَرَضِ مِنْهُ، وَخِيَارُ فَوَاتِ الشَّرْطِ: هُوَ خِيَارٌ يَثْبُتُ بِفَوَاتِ الْفِعْلِ الْمَشْرُوطِ مِنَ الْعَاقِدِ فَوْقَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

2 - لِهَذَا الْخِيَارِ صِلَةٌ بِأَنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ الأْخْرَى  مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا جَمِيعًا تَسْلُبُ لُزُومَ الْعَقْدِ مَعَ انْفِرَادِ كُلِّ خِيَارٍ بِالإْضَافَةِ  الْمُثْبِتَةِ لَهُ، كَالْعَيْبِ أَوِ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُنْظَرُ مَا يَتَّصِلُ بِكُلِّ خِيَارٍ فِي مُصْطَلَحِهِ.

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِخِيَارِ فَوَاتِ الشَّرْطِ:

3 - مِنَ الْمَبَادِئِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعَاقِدَ إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الْوَفَاءِ بِشَرْطٍ الْتَزَمَ بِهِ لِلْعَاقِدِ الآْخَرِ فِي الْعَقْدِ - وَكَانَ شَرْطًا صَحِيحًا - فَإِنَّ الأْصْلَ  أَنْ يَتَوَصَّلَ الْمُشْتَرِطُ إِلَى تَنْفِيذِهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْقَضَاءِ لِيُوَفِّيَ الْمُتَخَلِّفَ عَنِ الشَّرْطِ جَبْرًا. وَهَذَا فِي شَرْطٍ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَيْهِ، بِخِلاَفِ مَا لاَ يُمْكِنُ إِجْبَارُ الْمُمْتَنِعِ عَلَى فِعْلِهِ. كَالْتِزَامِهِ بِأَنْ يُقَدِّمَ رَهْنًا بِالثَّمَنِ. فَهَاهُنَا يُثْبِتُونَ خِيَارَ فَوَاتِ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانُوا لاَ يُسَمُّونَهُ بِذَلِكَ، بَلْ يُعَبِّرُونَ بِأَنَّ لَهُ حَقَّ فَسْخِ الْعَقْدِ، يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: يُقَالُ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَدْفَعَ الرَّهْنَ - أَوْ قِيمَتَهُ - أَوْ تُؤَدِّيَ الثَّمَنَ (عَاجِلاً) أَوْ يَفْسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ.. وَلَوِ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَالْغَرَضِ.

ثُمَّ نَصَّ عَلَى أَنَّ مِنْهُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ إِعْطَاءِ الْكَفِيلِ، وَلَمْ يُجْعَلْ مِنْهُ شَرْطُ الْحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ أَخَذُوا بِمَبْدَأِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ، أَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ، أَوْ زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ. لَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ صُوَرًا حَكَمُوا بِصِحَّتِهَا، كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الأْجَلِ، أَوِ الرَّهْنِ، أَوِ الْكَفِيلِ - مَعَ الْمَعْلُومِيَّةِ وَالتَّعْيِينِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ - أَوْ بِشَرْطِ الإْشْهَادِ.

فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ الْمُلْتَزِمُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ لَمْ يَرْهَنْ أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلَ الْكَفِيلُ الْمُعَيَّنُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِطِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ.

وَلاَ يُجْبَرُ مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الشَّرْطَ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا شَرَطَ، لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِالْفَسْخِ، كَمَا لاَ يَقُومُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ إِذَا تَلِفَ .

وَنَحْوُ ذَلِكَ لِلْحَنَابِلَةِ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلُ إِنْ وَفَّى الْمُلْتَزِمُ بِالشَّرْطِ لَزِمَ الْعَقْدُ، وَإِنْ أَبَى فَلِلْمُشْتَرِطِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإْمْضَاءِ بِدُونِ مُقَابِلٍ عَنْ تَرْكِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ .

وَالْمَذْهَبُ الْحَنْبَلِيُّ هُوَ أَوْسَعُ الْمَذَاهِبِ عِنَايَةً بِالشُّرُوطِ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الأْصْلَ  فِي الْعُقُودِ رِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَنَتِيجَتُهَا هُوَ مَا أَوْجَبَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالتَّعَاقُدِ . وَقَدِ اعْتَدُّوا بِمَبْدَأِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فِي اعْتِبَارِ الشُّرُوطِ بَعْدَمَا وَسَّعُوا مِنْ مَفْهُومِهِ، عَلَى أَسَاسِ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْعَاقِدِ هِيَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يُوجِبْهَا الْعَقْدُ فَأَبَاحُوا أَكْثَرَ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، عَلَى أَنْ يَكُونَ مِمَّا لاَ يُصَادِمُ نَصًّا شَرْعِيًّا أَوْ أَصْلاً مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يَكُونُ فِي ذَاتِهِ غَيْرَ مُلْزِمٍ شَرْعًا لِلْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ، وَتَكُونُ ثَمَرَةُ صِحَّةِ اشْتِرَاطِهِ تَمْكِينَ الشُّرُوطِ لَهُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ عِنْدَ عَدَمِ وَفَاءِ الْمُشْتَرِطِ .

وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَنَابِلَةُ مَعَ هَذَا خِيَارَ فَوَاتِ الشَّرْطِ فِي عِدَادِ مَا أَوْرَدُوهُ مِنْ خِيَارَاتٍ . إِلاَّ أَنَّ صَاحِبَ «غَايَةِ الْمُنْتَهَى» اسْتَوْجَهَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْخِيَارَاتِ الثَّمَانِيَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (بِاسْتِمْرَارِ) قِسْمًا تَاسِعًا مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ وَهُوَ الْخِيَارُ الَّذِي ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي لِفَقْدِ شَرْطٍ صَحِيحٍ، أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ فَاسِدٍ، سَوَاءٌ كَانَ يُبْطِلُ الْعَقْدَ أَوْ لاَ يُبْطِلُهُ، وَقَدْ أَقَرَّهُ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ الاِسْتِدْرَاكِ، وَإِنْ كَانَتْ فَائِدَتُهُ شَكْلِيَّةً فَالْخِيَارُ كَمَا رَأَيْنَا مُعْتَبَرٌ فِي الْمَرَاجِعِ الْفِقْهِيَّةِ لِلْحَنَابِلَةِ وَإِنْ لَمْ تُبْرِزْهُ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِمَا يُورِدُونَهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ صُوَرِهِ وَقُيُودِهِ .

انْتِقَالُهُ بِالْمَوْتِ:

4 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ الثَّابِتَ لِلْبَائِعِ عِنْدَ عَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ يَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ بِلاَ خِلاَفٍ .

سُقُوطُهُ وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِهِ:

5 - يُطَبَّقُ مَا يَجْرِي فِي خِيَارِ الْعَيْبِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكَلاَمِ عَنْ خِيَارِ فَوَاتِ الْوَصْفِ، (ر: خِيَارُ فَوَاتِ الْوَصْفِ).

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني  والعشرون  ، الصفحة / 135

الرُّجُوعُ بِالإْقَالَةِ:

16 - الإْقَالَةُ - سَوَاءٌ اعْتُبِرَتْ فَسْخًا أَوْ بَيْعًا - تُعْتَبَرُ رُجُوعًا فِي الْعَقْدِ بِرِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَهِيَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْجَائِزَةِ بَلِ الْمَنْدُوبَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ» وَالْقَصْدُ مِنْهَا رَدُّ كُلِّ حَقٍّ إِلَى صَاحِبِهِ، فَفِي الْبَيْعِ مَثَلاً يَعُودُ - بِمُقْتَضَاهَا - الْمَبِيعُ إِلَى الْبَائِعِ، وَالثَّمَنُ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لاَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ أَوْ نَقْصُهُ أَوْ رَدُّ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لأِنَّ  مُقْتَضَى الإْقَالَةِ رَدُّ الأْمْرِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَرُجُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى مَا كَانَ لَهُ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (إِقَالَة) .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثلاثون  ، الصفحة /  239

 

انْتهَاءُ الْعَقْد وَأَسْبَابُهُ :

56 - انْتهَاءُ الْعَقْد إمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتيَاريًّا أَوْ يَكُونَ ضَرُوريًّا وَالأَْوَّلُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ بإرَادَة عَاقدٍ وَاحدٍ أَوْ بإرَادَة كلَيْهمَا، فَإذَا كَانَ بإرَادَة أَحَد الْعَاقدَيْن يُسَمَّى في اصْطلاَح الْفُقَهَاء فَسْخًا، وَإذَا كَانَ برضَا كلاَ الْعَاقدَيْن يُسَمَّى إقَالَةً وَالثَّاني، أَي الانْتهَاءُ الضَّرُوريُّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ في الْعُقُود الْمُؤَقَّتَة، كَالإْجَارَة وَالإْعَارَة وَالْوَكَالَة وَنَحْوهَا، أَوْ يَكُونَ في الْعُقُود الْمُطْلَقَة، كَالرَّهْن وَالنّكَاح وَالْبَيْع وَنَحْوهَا، وَيُسَمَّى الانْتهَاءُ في هَذه الصُّورَة انْفسَاخًا.

وَلكُلّ هَذه الصُّوَر أَسْبَابٌ وَأَحْكَامٌ نُجْملُهَا فيمَا يَلي:

أَوَّلاً - الأْسْبَابُ الاخْتيَاريَّةُ لانْتهَاء الْعَقْد:

أ - الْفَسْخُ:

57 - الْفَسْخُ حَلُّ ارْتبَاط الْعَقْد وَرَفْعُ حُكْمه بالإْرَادَة وَيَكُونُ في الْعُقُود غَيْر اللاَّزمَة بطَبيعَتهَا، كَعَقْد الْوَكَالَة وَالْوَديعَة وَالشَّركَة وَنَحْوهَا اتّفَاقًا، وَكَذَا عَقْدُ الإْعَارَة الْمُطْلَقَة عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء، أَوْ بشَرْط أَنْ لاَ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ عنْدَ الْمَالكيَّة، فَهَذه الْعُقُودُ يُمْكنُ إنْهَاؤُهَا بالْفَسْخ بإرَادَة كُلٍّ منَ الْعَاقدَيْن مَعَ مُرَاعَاة عَدَم الضَّرَر، وَكَذَا الْعُقُودُ اللاَّزمَةُ كَعَقْد الْبَيْع وَالإْجَارَة وَغَيْرهمَا إذَا كَانَ فيهَا خيَارٌ لكُلٍّ منَ الطَّرَفَيْن أَوْ أَحَدهمَا، فَتُفْسَخُ بإرَادَة مَنْ لَهُ الْخيَارُ.

وَيُنْظَرُ تَفْصيلُ ذَلكَ كُلّه في مُصْطَلَح: (فَسْخ).

 ب - الإْقَالَةُ.

58 - الإْقَالَةُ رَفْعُ الْعَقْد وَإلْغَاءُ حُكْمه وَآثَاره بتَرَاضي الطَّرَفَيْن وَمَحَلُّ الإْقَالَة الْعُقُودُ اللاَّزمَةُ منَ الطَّرَفَيْن ممَّا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بالْخيَار؛ لأنَّ  هَذه الْعُقُودَ لاَ يُمْكنُ فَسْخُهَا إلاَّ بإرَادَة الطَّرَفَيْن وَاتّفَاق الْمُتَعَاقدَيْن، وَعَلَى ذَلكَ فَإنَّ الإْقَالَةَ تَصحُّ في عُقُود الْبَيْع وَالْمُضَارَبَة، وَالإْجَارَة وَالرَّهْن (بالنّسْبَة للرَّاهن) وَالسَّلَم وَالصُّلْح وَهيَ عُقُودٌ لاَزمَةٌ.

وَلاَ تَصحُّ الإْقَالَةُ في الْعُقُود غَيْر اللاَّزمَة كَالإْعَارَة وَالْوَصيَّة، وَالْجَعَالَة أَو الْعُقُود اللاَّزمَة الَّتي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بالْخيَار كَالْوَقْف وَالنّكَاح.

وَلشُرُوط الإْقَالَة وَأَثَرهَا في إنْهَاء الْعُقُود يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (إقَالَة ف 7، 12).

ج - انْتهَاءُ الْمُدَّة الْمُعَيَّنَة أَو الْعَمَل الْمُعَيَّن:

59 - تَنْتَهي بَعْضُ الْعُقُود بانْتهَاء مُدَّتهَا الْمُقَرَّرَة لَهَا باتّفَاق الطَّرَفَيْن، أَوْ بانْتهَاء الْعَمَل الَّذي عُقدَ الْعَقْدُ لأجْله.

فَعَقْدُ الإْجَارَة الْمُقَيَّدُ بمُدَّةٍ يَنْتَهي بانْتهَاء الْمُدَّة باتّفَاق الْفُقَهَاء كَالدَّار للسُّكْنَى أَو الأْرْض للزّرَاعَة، إلاَّ إذَا وُجدَ عُذْرٌ يَقْتَضي امْتدَادَ الْمُدَّة، كَأَنْ يَكُونَ في الأْرْض زَرْعٌ لَمْ يُحْصَدْ، أَوْ كَانَتْ سَفينَةٌ في الْبَحْر وَانْقَضَت الْمُدَّةُ قَبْلَ وُصُولهَا إلَى السَّاحل. ر: (إجَارَة ف 60)

كَمَا تَنْقَضي الإْجَارَةُ لعَمَلٍ مُعَيَّنٍ بانْتهَاء الْعَمَل الْمَعْقُود عَلَيْه في إجَارَة الأَْشْخَاص، كَالْحَمَّال وَالْقَصَّار وَالْخَيَّاط إذَا أَنْهَوْا الْعَمَلَ.

وَكَذَلكَ عَقْدُ الْوَكَالَة الْمُقَيَّدَة لإجْرَاء عَمَلٍ مُعَيَّنٍ، فَإنَّهَا تَنْتَهي بانْتهَاء الْعَمَل الْمُفَوَّض للْوَكيل. ر: (وَكَالَة).

ثَانيًا - أَسْبَابُ الْعَقْد الضَّرُوريَّةُ :

أ - هَلاَكُ الْمَعْقُود عَلَيْه.

60 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَلَفَ الْمَعْقُود عَلَيْه سَبَبٌ لانْتهَاء بَعْض الْعُقُود، وَذَلكَ لتَعَذُّر دَوَام الْعَقْد، فَإذَا تَلفَت الدَّابَّةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، أَو انْهَدَمَت الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ للسُّكْنَى انْفَسَخَت الإْجَارَةُ. وَكَذَلكَ إذَا تَلفَت الْعَيْنُ الْمُعَارَةُ أَو الْمُودَعَةُ في عَقْدَي الْعَاريَّة وَالإْيدَاع، أَوْ تَلفَ رَأْسُ الْمَال في عَقْدَي الشَّركَة (شَركَة الأْمْوَال أَو الْمُضَارَبَة) كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في الْمُصْطَلَحَات الْخَاصَّة بكُلّ عَقْدٍ منْ هَذه الْعُقُود.

وَهَذَا السَّبَبُ يُؤَثّرُ في الْعُقُود الْمُسْتَمرَّة الَّتي تَدُومُ آثَارُهَا بدَوَام الْمَحَلّ، أَمَّا مَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فَوْرًا - كَعَقْد الْبَيْع مَثَلاً - فَلاَ يُؤَثّرُ فيه هَلاَكُ الْمَعْقُود عَلَيْه (الْمَبيع) بَعْدَ قَبْض الْبَدَلَيْن.

أَمَّا قَبْلَ قَبْض الْمَبيع، فَقَد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ في أَثَر هَلاَك الْمَبيع في انْفسَاخ الْبَيْع: فَقَالَ الْحَنَفيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ بانْفسَاخه مَعَ تَفْصيلٍ عنْدَهُمْ.

قَالَ الْكَاسَانيُّ في هَلاَك الْمَبيع قَبْلَ الْقَبْض: إنْ هَلَكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْقَبْض بآفَةٍ سَمَاويَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لأنَّهُ لَوْ بَقيَ أَوْجَبَ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَري بالثَّمَن، وَإذَا طَالَبَهُ بالثَّمَن فَهُوَ يُطَالبُهُ بتَسْليم الْمَبيع، وَإنَّهُ عَاجزٌ عَن التَّسْليم، فَتَمْتَنعُ الْمُطَالَبَةُ أَصْلاً، فَلَمْ يَكُنْ في بَقَاء الْبَيْع فَائدَةٌ، فَيَنْفَسخُ، وَكَذَلكَ إذَا هَلَكَ بفعْل الْمَبيع، بأَنْ كَانَ حَيَوَانًا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ بفعْل الْبَائع، وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَن الْمُشْتَري عنْدَنَا، وَإنْ هَلَكَ بفعْل الْمُشْتَري لاَ يَنْفَسخُ الْبَيْعُ وَعَلَيْه الثَّمَنُ؛ لأنَّهُ بالإْتْلاَف صَارَ قَابضًا.

وَقَالَ النَّوَويُّ: الْمَبيعُ قَبْلَ قَبْضه منْ ضَمَان الْبَائع، فَإنْ تَلفَ بآفَةٍ سَمَاويَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَن الْمُشْتَري.

أَمَّا الْمَالكيَّةُ فَقَالُوا: إذَا كَانَ الْمَبيعُ ممَّا فيه حَقُّ تَوْفيَةٍ لمُشْتَريه - وَهُوَ الْمَالُ الْمثْليُّ منْ مَكيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ - يَنْفَسخُ الْعَقْدُ بالتَّلَف وَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائع، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبيعُ مُعَيَّنًا وَعَقَارًا أَوْ منَ الأَْمْوَال الْقيميَّة فَلاَ يَنْفَسخُ الْعَقْدُ بالتَّلَف، وَيَنْتَقلُ الضَّمَانُ إلَى الْمُشْتَري بالْعَقْد الصَّحيح اللاَّزم وَمثْلُهُ عنْدَ الْحَنَابلَة.

ب - وَفَاةُ أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا :

61 - وَفَاةُ أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا لاَ تُؤَثّرُ في الْعُقُود اللاَّزمَة في الْجُمْلَة، مَا عَدَا عَقْدَ الإْجَارَة عنْدَ الْحَنَفيَّة، فَإنَّهُمْ يَقُولُونَ: تَنْفَسخُ الإْجَارَةُ بوَفَاة الْمُؤَجّر أَو الْمُسْتَأْجر؛ لأنَّ  الْمَنَافعَ لَيْسَتْ أَمْوَالاً مَوْجُودَةً حينَ الْعَقْد، وَتَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإذَا أَبْقَيْنَا عَقْدَ الإْجَارَة بَعْدَ الْوَفَاة فَالْمُسْتَأْجرُ أَوْ وَرَثَتُهُ يَنْتَفعَان منَ الْعَيْن الْمُنْتَقلَة ملْكيَّتُهَا بوَفَاة الْمُؤَجّر إلَى الْوَرَثَة، وَالْمَنَافعُ الْمُسْتَحْدَثَةُ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حينَ الْوَفَاة حَتَّى تَنْتَقلَ إلَى وَرَثَة الْمُسْتَأْجر.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء إلَى أَنَّ الْمَوْتَ لاَ يُؤَثّرُ في انْتهَاء عَقْد الإْجَارَة إذَا كَانَتْ مُدَّتُهَا بَاقيَةً؛ لأنَّ  الْمَنَافعَ أَمْوَالٌ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا حينَ الْعَقْد، فَانْتَقَلَتْ إلَى الْمُسْتَأْجر بالْعَقْد.

أَمَّا الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزمَة - كَالْوَكَالَة وَالإْعَارَة وَالْوَديعَة وَنَحْوهَا - فَتَنْفَسخُ في الْجُمْلَة وَتَنْتَهي بوَفَاة أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا؛ لأنَّ هَا عُقُودٌ تَنْفَسخُ بإرَادَة أَحَد الطَّرَفَيْن في حَيَاتهمَا وَتَسْتَمرُّ بإرَادَتهمَا، فَإذَا تُوُفّيَ الْعَاقدُ فَقَدْ بَطَلَتْ إرَادَتُهُ وَانْتَهَتْ رَغْبَتُهُ، فَبَطَلَتْ آثَارُ هَذه الْعُقُود الَّتي كَانَتْ تَسْتَمرُّ باسْتمْرَار إرَادَة الْعَاقدَيْن.

ج - غَصْبُ الْمَعْقُود عَلَيْه :

62 - غَصْبُ مَحَلّ بَعْض الْعُقُود يُوجبُ انْفسَاخَهَا، فَفي عَقْد الإْجَارَة قَالَ الشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ: إنْ غُصبَت الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ فَللْمُسْتَأْجر الْفَسْخُ؛ لأنَّ  فيه تَأْخيرَ حَقّه، فَإنْ فَسَخَ فَالْحُكْمُ فيه كَمَا لَو انْفَسَخَ الْعَقْدُ بتَلَف الْعَيْن، وَإنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَة فَلَهُ الْخيَارُ بَيْنَ الْفَسْخ وَالرُّجُوع بالْمُسَمَّى، وَبَيْنَ الْبَقَاء عَلَى الْعَقْد وَمُطَالَبَة الْغَاصب بأَجْر الْمثْل.

وَقَالَ الْحَنَفيَّةُ: لَوْ غُصبَت الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ منْ يَد الْمُسْتَأْجر سَقَطَ الأَْجْرُ كُلُّهُ فيمَا إذَا غُصبَتْ في جَميع الْمُدَّة، وَإنْ غُصبَتْ في بَعْضهَا سَقَطَ بحسَابهَا، وَذَلكَ لزَوَال التَّمَكُّن منَ الانْتفَاع بالْعَيْن الْمُسْتَأْجَرَة، وَتَنْفَسخُ الإْجَارَةُ بالْغَصْب في الْمَشْهُور عنْدَ الْحَنَفيَّة، خلاَفًا لبَعْضهمْ.

وَأَلْحَقَ الْمَالكيَّةُ الْغَصْبَ بتَعَذُّر الاسْتيفَاء منَ الْمَعْقُود عَلَيْه، فَحَكَمُوا بانْفسَاخ الْعَقْد به، وَصَرَّحُوا بأَنَّ الإْجَارَةَ تَنْفَسخُ بتَعَذُّر مَا يُسْتَوْفَى منْهُ الْمَنْفَعَةُ، وَالتَّعَذُّرُ أَعَمُّ منَ التَّلَف، فَيَشْمَلُ الضَّيَاعَ وَالْمَرَضَ وَالْغَصْبَ وَغَلْقَ الْحَوَانيت قَهْرًا وَغَيْرَ ذَلكَ.

 د - أَسْبَابٌ أُخْرَى يُفْسَخُ بهَا الْعَقْدُ أَوْ يَنْتَهي.

63 - ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاء منْ أَسْبَاب فَسْخ الْعَقْد أَو انْتهَائه الاسْتحْقَاقَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْمَالكيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ أَنَّ الْمَبيعَ إذَا اسْتُحقَّ للْغَيْر بالْبَيّنَة أَوْ بإقْرَار الْمُشْتَري فَإنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسخُ وَيَنْتَهي حُكْمُهُ وَقَالَ الْحَنَفيَّةُ: إنَّ الْحُكْمَ بالاسْتحْقَاق لاَ يُوجبُ فَسْخَ الْعَقْد، بَلْ يُوجبُ تَوَقُّفَهُ عَلَى إجَازَة الْمُسْتَحقّ، فَإنْ أَجَازَ وَإلاَّ يَنْفَسخُ وَيَسْتَردُّ الْمُشْتَري الثَّمَنَ منَ الْبَائع. كَمَا فُصّلَ في مُصْطَلَح: (اسْتحْقَاق ف9 وَمَا بَعْدَهَا).

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والثلاثون ، الصفحة /  131

فَسْخ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْفَسْخُ لُغَةً: يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: النَّقْضُ أَوِ التَّفْرِيقُ، وَالضَّعْفُ فِي الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ، وَالْجَهْلُ، وَالطَّرْحُ، وَإِفْسَادُ الرَّأْيِ، وَمِنَ الْمَجَازِ: انْفَسَخَ الْعَزْمُ وَالْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ: انْتَقَضَ، وَقَدْ فَسَخَهُ: إِذَا نَقَضَهُ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ  أَوْ هُوَ ارْتِفَاعُ حُكْمِ الْعَقْدِ مِنَ الأْصْلِ  كَأَنْ لَمْ يَكُنْ  أَوْ هُوَ: قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ  فَيُسْتَعْمَلُ الْفَسْخُ أَحْيَانًا بِمَعْنَى رَفْعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، كَمَا فِي الْفَسْخِ بِسَبَبِ أَحَدِ الْخِيَارَاتِ، وَيُسْتَعْمَلُ أَيْضًا بِمَعْنَى رَفْعِ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا فِي أَحْوَالِ فَسْخِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ أَوْ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ .

 

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الاِنْفِسَاخُ:

2 - الاِنْفِسَاخُ هُوَ: انْقِلاَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ.

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ: أَنَّ الأْوَّلَ  فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوِ الْحَاكِمِ إِذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالثَّانِي صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ، فَالأْوَّلُ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ وَالثَّانِي حُكْمٌ شَرْعِيٌّ .

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: انْفِسَاخ ف 1، 6)

ب - الْخَلْعُ:

3 - الْخَلْعُ لُغَةً: النَّزْعُ وَالإْزَالَةُ، وَاصْطِلاَحًا: هُوَ إِزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ . فَالْخُلْعُ خَاصٌّ بِحَلِّ الرَّابِطَةِ الزَّوْجِيَّةِ، أَمَّا الْفَسْخُ فَهُوَ أَعَمُّ، وَهُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ مُطْلَقًا، وَالْخُلْعُ يَحْدُثُ بِالتَّرَاضِي، أَمَّا الْفَسْخُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي.

فَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا صِلَةُ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ.

ج - الطَّلاَقُ:

4 - مِنْ مَعَانِي الطَّلاَقِ لُغَةً: رَفْعُ الْقَيْدِ مُطْلَقًا، يُقَالُ: أَطْلَقَ الْفَرَسَ: إِذَا خَلاَّهُ ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ: رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ فِي الْحَالِ أَوِ الْمَآلِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالطَّلاَقِ: أَنَّ الْفَسْخَ مُقَارِبٌ لِلطَّلاَقِ إِلاَّ أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّ الْفَسْخَ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ، أَمَّا الطَّلاَقُ فَلاَ يَنْقُضُ الْعَقْدَ وَلَكِنْ يُنْهِي آثَارَهُ فَقَطْ .

د - الإْبْطَالُ:

5 - الْبَاطِلُ لُغَةً: ضِدُّ الْحَقِّ، وَالإْبْطَالُ اصْطِلاَحًا: هُوَ الْحُكْمُ بِكَوْنِ الْعَقْدِ بَاطِلاً، لاِخْتِلاَلِ رُكْنِهِ أَوْ مَحَلِّهِ، وَالْعَقْدُ الْبَاطِلُ: هُوَ مَا اخْتَلَّ رُكْنُهُ أَوْ مَحَلُّهُ أَوْ مَا لاَ يَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ.

(ر: إِبْطَال ف 1، وَبُطْلاَن ف 1)

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الإْبْطَالِ  وَالْفَسْخِ: أَنَّ الإْبْطَالَ يَحْدُثُ أَثْنَاءَ قِيَامِ التَّصَرُّفِ وَبَعْدَهُ، وَيَحْصُلُ فِي الْعُقُودِ وَالْعِبَادَاتِ، أَمَّا الْفَسْخُ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا فِي الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ، وَيَقِلُّ فِي الْعِبَادَاتِ، وَيَكُونُ فِي الْعُقُودِ قَبْلَ تَمَامِهَا، لأِنَّهُ فَكُّ ارْتِبَاطِ التَّصَرُّفِ.

(ر: إِبْطَال ف 2)

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

6 - الأْصْلُ فِي الْعُقُودِ شَرْعًا اللُّزُومُ  لقوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)  قَالَ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الأْصْلَ  فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ، لأِنَّ  الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنَ الأْعْيَانِ ، وَالأْصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا .

وَقَدْ يَرِدُ الْفَسْخُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ إِمَّا وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا، فَيَجِبُ رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ، كَفَسْخِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لإِزَالَةِ  سَبَبِ الْفَسَادِ، وَاحْتِرَامِ ضَوَابِطِ الشَّرْعِ أَوْ شَرَائِطِهِ الَّتِي قَرَّرَهَا فِي الْعُقُودِ، حِمَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ أَوِ الْخَاصَّةِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَمَنْعًا لِلْمُنَازَعَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَيَجُوزُ الْفَسْخُ إِعْمَالاً لإِرَادَةِ  الْعَاقِدِ، كَالْفَسْخِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، وَالْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي وَالاِتِّفَاقِ كَالإْقَالَةِ، وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْخِيَارَاتِ وَالإْقَالَةِ  وَقَالَ  عليه الصلاة والسلام : (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ).

وَالْفَسْخُ الْقَضَائِيُّ يَكُونُ إِمَّا رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَإِمَّا إِحْقَاقًا لِلْحَقِّ وَرَفْعًا لِلظُّلْمِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِسَبَبِ إِضْرَارِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ، وَإِصْرَارِهِ عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِ مِنْ مُمَارَسَةِ حَقِّهِ فِي الْفَسْخِ، لِوُجُودِ عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ أَوِ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ مَثَلاً، وَحَقُّ الْقَاضِي فِي الْفَسْخِ نَاشِئٌ مِنْ وِلاَيَتِهِ الْعَامَّةِ عَلَى النَّاسِ، أَوْ لأِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رِقَابَةُ تَنْفِيذِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ..

وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَسْخُ إِمَّا شَرْعًا أَوْ قَضَاءً أَوْ بِالرِّضَا.

أَسْبَابُ الْفَسْخِ:

7 - أَسْبَابُ الْفَسْخِ خَمْسَةٌ: إِمَّا الاِتِّفَاقُ أَوِ التَّرَاضِي وَمِنْهُ الإْقَالَةُ، وَإِمَّا الْخِيَارُ، وَإِمَّا عَدَمُ اللُّزُومِ، وَإِمَّا اسْتِحَالَةُ تَنْفِيذِ أَحَدِ الْتِزَامَاتِ الْعَقْدِ الْمُتَقَابِلَةِ، وَإِمَّا الْفَسَادُ.

أ - الْفَسْخُ بِالاِتِّفَاقِ:

8 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِالتَّرَاضِي بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ، وَالإْقَالَةُ نَوْعٌ مِنَ الْفَسْخِ الاِتِّفَاقِيِّ وَتَقْتَضِي رُجُوعَ كُلٍّ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَيَرْجِعُ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُثَمَّنُ لِلْبَائِعِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ .

وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الإْقَالَةَ  فَسْخٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً، لأِنَّ  الإْقَالَةَ  هِيَ الرَّفْعُ وَالإْزَالَةُ، وَلأِنَّ  الْمَبِيعَ عَادَ إِلَى الْبَائِعِ بِلَفْظٍ لاَ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ، فَكَانَ فَسْخًا .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الإْقَالَةَ  بَيْعٌ ثَانٍ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ .

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، سَوَاءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ، لأِنَّهَا  رَفْعٌ لُغَةً وَشَرْعًا، وَرَفْعُ الشَّيْءِ فَسْخُهُ.

وَيَرَى مُحَمَّدٌ: أَنَّ الإْقَالَةَ  فَسْخٌ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا، فَتُجْعَلُ بَيْعًا لِلضَّرُورَةِ، لأِنَّ  الأْصْلَ  فِي الإْقَالَةِ  الْفَسْخُ، لأِنَّهَا  عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الشَّيْءِ لُغَةً وَشَرْعًا .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِقَالَة ف 8)

ب - خِيَارُ الْفَسْخِ:

9 - الْخِيَارُ: هُوَ حَقُّ الْعَاقِدِ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ أَوْ إِمْضَائِهِ لِظُهُورِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ أَوْ بِمُقْتَضَى اتِّفَاقٍ عَقْدِيٍّ، فَيَكُونُ لِلْمُتَعَاقِدِ الْحَقُّ فِي الاِخْتِيَارِ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ إِمْضَائِهِ بِفَسْخِهِ إِنْ كَانَ الأْمْرُ  أَمْرَ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٍ، أَوْ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ إِنْ كَانَ الأْمْرُ  أَمْرَ خِيَارِ التَّعْيِينِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَار ف 1 - 18)

ج - عَدَمُ لُزُومِ الْعَقْدِ أَصْلاً:

10 - يَجُوزُ لأِحَدِ  الْعَاقِدَيْنِ أَوْ لِكِلَيْهِمَا بِحَسَبِ الْعَقْدِ الْمُسَمَّى أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْفَسْخِ، مِثْلُ الْعَارِيَّةُ وَالْقَرْضِ الْوَدِيعَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ، فَكُلُّهَا عُقُودٌ غَيْرُ لاَزِمَةٍ يَجُوزُ فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: عُقُودُ الْمُشَارَكَاتِ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ قَبْلَ الْعِلْمِ كَالْوَكَالَةِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لِلْوَدِيعِ فَسْخُهَا قَبْلَ عِلْمِ الْمُودَعِ بِالْفَسْخِ، وَتَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً .

د - اسْتِحَالَةُ تَنْفِيذِ الاِلْتِزَامِ:

11 - إِذَا اسْتَحَالَ تَنْفِيذُ أَحَدِ الاِلْتِزَامَاتِ الْعَقْدِيَّةِ جَازَ فَسْخُ الْعَقْدِ، لأِنَّ  الاِلْتِزَامَ الْمُقَابِلَ يُصْبِحُ بِلاَ سَبَبٍ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْع ف 64) وَمُصْطَلَحِ (الْتِزَام ف 57) وَمُصْطَلَحِ (إِجَارَة ف 74، 76)

هـ - الْفَسْخُ لِلْفَسَادِ:

12 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمُعَامَلاَتِ لِلْفَسَادِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لإِزَالَةِ  سَبَبِ فَسَادِ الْعَقْدِ كَجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ أَوِ الأْجَلِ  أَوْ وَسَائِلِ التَّوْثِيقِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .

أَنْوَاعُ الْفَسْخِ:

13 - الْفَسْخُ بِإِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ هُوَ إِنْهَاءُ الْعَقْدِ بِاتِّفَاقِهِمَا، إِذْ إِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ يَكُونُ بِالْوَسِيلَةِ الَّتِي عُقِدَ بِهَا الْعَقْدُ، فَكَمَا نَشَأَ الْعَقْدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مُتَطَابِقَيْنِ عَلَى إِنْشَائِهِ، كَذَلِكَ يَزُولُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مُتَوَافِقَيْنِ عَلَى إِلْغَائِهِ، وَقَدْ يَتِمُّ الْفَسْخُ بِإِرَادَةٍ مُنْفَرِدَةٍ كَمَا فِي حَالَةِ الْخِيَارِ .

الْفَسْخُ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ:

14 - إِذَا ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ أَوْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي: رَدَدْتُ، بِغَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى الْقَضَاءِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إِذَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي: رَدَدْتُ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلاَ إِلَى التَّرَاضِي.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلاَ يَنْفَسِخُ إِلاَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي. فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا - وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ بِحُكْمِ الْقَاضِي إِذَا رُفِعَ الأْمْرُ  إِلَيْهِ وَامْتَنَعَ الْعَاقِدَانِ عَنِ الْفَسْخِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بُطْلاَن ف 25) (وَخِيَارُ الْعَيْبِ ف 38، 39) (وَبَيْع ف 59)

الْفَسْخُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ:

15 - يَكُونُ الْفَسْخُ بِسَبَبِ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي الْعَقْدِ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الشَّرْعِ، كَفَسْخِ الزَّوَاجِ عِنْدَ تَبَيُّنِ الرَّضَاعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَفَسْخِ الْبَيْعِ حَالَةَ فَسَادِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالاِنْفِسَاخِ، كَمَا إِذَا كَانَ فِي الْمَبِيعِ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ مُفْضِيَةٌ لِلنِّزَاعِ .

الْفَسْخُ لِلأْعْذَارِ:

16 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ لِلْعُذْرِ إِذَا كَانَ عَقْدَ إِيجَارٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ عَقْدَ بَيْعٍ لِلثِّمَارِ بِسَبَبِ الْجَوَائِحِ .

فَقَدْ أَجَازَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ  دُونَ غَيْرِهِمْ فَسْخَ عَقْدِ الإْجَارَةِ  وَعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِالأْعْذَارِ  الطَّارِئَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْعُذْرُ قَائِمًا بِالْعَاقِدَيْنِ أَمْ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لأِنَّ  الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى الْفَسْخِ عِنْدَ الْعُذْرِ، لأِنَّهُ لَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعُذْرِ، لَلَزِمَ صَاحِبَ الْعُذْرِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ.

أَمَّا الْجُمْهُورُ فَالأْصْلُ  عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْفَسْخِ بِالْعُذْرِ، وَقَدْ يَرَوْنَ الْفَسْخَ فِي أَحْوَالٍ قَلِيلَةٍ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَة ف 64، 69)

الْفَسْخُ لاِسْتِحَالَةِ التَّنْفِيذِ:

17 - إِذَا هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ لِغَيْرِ الْهَلاَكِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ أَمْ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْع ف 59) وَمُصْطَلَحِ (خِيَارُ الْعَيْبِ ف 32 وَمَا بَعْدَهَا)

الْفَسْخُ لِلإْفْلاَسِ وَالإْعْسَارِ وَالْمُمَاطَلَةِ:

18 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا ظَهَرَ مُفْلِسًا فَلِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعُ بِعَيْنِ مَالِهِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْظِرَهُ، عَمَلاً بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» ، وَيَنْطَبِقُ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى الْمُعْسِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَلَوْ بِبَعْضِ الثَّمَنِ.

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلاَ فَسْخَ، وَيَحْجُرُ الْحَاكِمُ الْمَبِيعَ وَبَقِيَّةَ مَالِهِ حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ الْحَالُّ أَوْ بَعْضُهُ بَعِيدًا مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَر، أَوْ غَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي الْمَسَافَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ.

وَيَرَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا كَانَ مُوسِرًا مُمَاطِلاً فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُخَاصَمَةِ، قَالَ فِي الإْنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، إِذْ نَصُّوا أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرِيمُ أَحَقَّ بِأَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ، بَلْ هُوَ فِي ثَمَنِهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ مَنْ بَاعَ شَيْئًا وَوَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ وَلَمْ تَفِ التَّرِكَةُ بِالدَّيْنِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ وَيَرْجِعَ فِي عَيْنِ مَالِهِ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِفْلاَس ف 25، 26)

وَلَيْسَ خِيَارُ الْفَسْخِ مُخْتَصًّا بِعَقْدِ الْبَيْعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ أَيْضًا فِي كُلِّ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالإْجَارَةِ  وَالْقَرْضِ، فَلِلْمُؤَجِّرِ فَسْخُ الإْجَارَةِ  إِذَا أَفْلَسَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ دَفْعِ الأْجْرَةِ ، لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ إِذَا أَفْلَسَ وَكَانَ عَيْنُ مَالِهِ قَائِمًا .

وَأَجَازَ الْجُمْهُورُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِلإْعْسَارِ  أَوِ الْعَجْزِ عَنِ النَّفَقَةِ، وَالْفُرْقَةُ طَلاَقٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَسْخٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَجَوَازُهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الزَّوْجَةِ.

وَلَمْ يُجِزِ الْحَنَفِيَّةُ التَّفْرِيقَ بِسَبَبِ الإْعْسَارِ، لأِنَّ  اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إِنْظَارَ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ فِي قوله تعالي (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) .

فَسْخُ النِّكَاحِ:

19 - التَّفْرِيقُ فِي النِّكَاحِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَسْخًا أَوْ طَلاَقًا.

وَالْفَسْخُ: مِنْهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَمِنْهُ مَا لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ.

أَمَّا الْفَسْخُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ يَكُونُ فِي الأْمُورِ  الآْتِيَةِ:

أ - عَدَمُ الْكَفَاءَةِ.

ب - نُقْصَانُ الْمَهْرِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ.

ج - إِبَاءُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الإْسْلاَمَ  إِذَا أَسْلَمَ الآْخَرُ، لَكِنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبِ إِبَاءِ الزَّوْجَةِ فَسْخٌ بِالاِتِّفَاقِ، أَمَّا الْفُرْقَةُ بِسَبَبِ إِبَاءِ الزَّوْجِ فَهِيَ فَسْخٌ فِي رَأْيِ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، فَلَمْ يَرَيَا تَوَقُّفَهَا عَلَى الْقَضَاءِ، لأِنَّ  الْفُرْقَةَ حِينَئِذٍ طَلاَقٌ فِي رَأْيِهِمَا.

د - خِيَارُ الْبُلُوغِ لأِحَدِ  الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِذَا زَوَّجَهُمَا فِي الصِّغَرِ غَيْرُ الأْبِ  وَالْجَدِّ.

هـ - خِيَارُ الإْفَاقَةِ  مِنَ الْجُنُونِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا زَوَّجَ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْجُنُونِ غَيْرُ الأْبِ  وَالْجَدِّ وَالاِبْنِ.

وَأَمَّا الْفَسْخُ غَيْرُ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى الْقَضَاءِ فَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ فِي الأْمُورِ  التَّالِيَةِ:

أ - فَسَادُ الْعَقْدِ فِي أَصْلِهِ، كَالزَّوَاجِ بِغَيْرِ شُهُودٍ.

ب - طُرُوءُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.

ج - رِدَّةُ الزَّوْجِ فِي رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَإِنِ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ فَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .

الْفَسْخُ لِعَدَمِ إِجَازَةِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ:

20 - عَدَمُ إِجَازَةِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةٌ أَوْ مِلْكٌ وَالَّذِي يَتَوَقَّفُ نَفَاذُ الْعَقْدِ عَلَى رِضَاهُ يُعَدُّ مِنْ أَسْبَابِ انْحِلاَلِ الْعَقْدِ أَوْ فَسْخِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِهِ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْدٌ مَوْقُوف).

الْفَسْخُ بِسَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ:

21 - إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ: فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى بُطْلاَنِ الْبَيْعِ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَخْيِيرِ الْمُشْتَرِي بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِالْفَسْخِ أَوِ التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي حَالَةِ الاِسْتِحْقَاقِ الْجُزْئِيِّ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِحْقَاق ف9، 11).

آثَارُ الْفَسْخِ:

تَظْهَرُ آثَارُ الْفَسْخِ فِي شَيْئَيْنِ: انْتِهَاءُ الْعَقْدِ، وَسَرَيَانُهُ عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ.

أَوَّلاً: انْتِهَاءُ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ:

22 - يَنْتَهِي الْعَقْدُ بِالْفَسْخِ وَيَكُونُ لَهُ آثَار فِيمَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا.

أ - أَثَرُ الْفَسْخِ فِيمَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ:

23 - يَظَلُّ الْعَقْدُ قَائِمًا إِلَى حِينِ الْفَسْخِ وَيُنْتِجُ جَمِيعَ آثَارِهِ، فَإِذَا فُسِخَ الْعَقْدُ انْحَلَّ وَاعْتُبِرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّرَفَيْنِ.

ب - أَثَرُ الْفَسْخِ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ:

24 - إِذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْقَابِلِ لِلْفَسْخِ تَصَرُّفًا يُرَتِّبُ لِلْغَيْرِ حَقًّا فِي الْمِلْكِيَّةِ امْتَنَعَ الْفَسْخُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حِفَاظًا عَلَى ذَلِكَ الْحَقِّ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَبْقَى حَقُّ الْفَسْخِ قَائِمًا وَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا فَاتَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ وَإِلاَّ فَالْفَسْخُ عَلَى حَالِهِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِرْدَاد ف 11).

ثَانِيًا: أَثَرُ الْفَسْخِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ:

25 - بَحَثَ السُّيُوطِيُّ أَثَرَ الْفَسْخِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَاضِي بِعُنْوَانِ: هَلْ يَرْفَعُ الْفَسْخُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ؟ فَقَالَ

أ - فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ: الأْصَحُّ  أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ.

ب - الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّصْرِيَةِ: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ.

ج - تَلَفُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ: الأْصَحُّ  الاِنْفِسَاخُ مِنْ حِينِ التَّلَفِ.

د - الْفَسْخُ بِالتَّحَالُفِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ.

هـ - السَّلَمُ: يَرْجِعُ الْفَسْخُ إِلَى عَيْنِ رَأْسِ الْمَالِ.

و - الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ: مِنْ حِينِهِ.

ز - الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ: مِنْ حِينِهِ قَطْعًا.

ح - فَسْخُ النِّكَاحِ بِأَحَدِ الْعُيُوبِ: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ.

ط - الإْقَالَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَسْخٌ: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ .

وَيُلاَحَظُ أَنَّ أَغْلَبَ حَالاَتِ الْفَسْخِ فِي رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ لَهَا أَثَرٌ رَجْعِيٌّ.

وَذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ خِلاَفًا فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ الْمُسْتَنِدِ إِلَى مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ، هَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ ؟

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ - إِمَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ بِتَرَاضِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ - رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ عَلَى الْمَاضِي، فَتَكُونُ غَلَّةُ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ، وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ بِمَا وَقَعَتْ بِهِ الإْقَالَةُ .

قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ نَقْلاً عَنْ شَيْخِ الإْسْلاَمِ: إِنَّ الْفَسْخَ يَجْعَلُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لاَ فِي مَا مَضَى .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الرابع والثلاثون ، الصفحة / 137

الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْمَفْسُوخِ لِلاِخْتِلاَفِ فِي الثَّمَنِ:

10 - إِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ بِكَذَا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ بِكَذَا وَلاَ بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، تَحَالَفَا وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ إِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا.

فَإِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ.

فَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ الْمَبِيعَ بِالْقِيمَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِثْلِيًّا أَمْ قِيَمِيًّا.

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ الْمِثْلَ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَالْقِيمَةَ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا .

مَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ مَعًا:

11 - مِنَ الْمَضْمُونَاتِ مَا تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَالْمِثْلُ مَعًا، وَذَلِكَ فِي الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ قَتَلَهُ الْحَلاَلُ فِي الْحَرَمِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْقِيمَةِ لِلْمَالِكِ وَبِالْمِثْلِ الصُّورِيِّ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا اسْتَعَارَ صَيْدًا مَمْلُوكًا مِنْ حَلاَلٍ وَتَلِفَ عِنْدَهُ، وَهَذَا إِذَا كَانَ لَهُ مِثْلٌ لقوله تعالي : (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) .

فَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ مِثْلَ لَهُ مِنَ النَّعَمِ كَالْعَصَافِيرِ الْمَمْلُوكَةِ وَجَبَتْ فِيهِ قِيمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، )وَالأْخْرَى  تَجِبُ لِمَالِكِهِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاوثون  ، الصفحة /  61

مُتَارَكَةٌ

التَّعْرِيفُ :

1 - الْمُتَارَكَةُ فِي اللُّغَةِ:

مَصْدَرُ تَارَكَ مِنَ التَّرْكِ وَهُوَ التَّخْلِيَةُ وَالْمُفَارَقَةُ يُقَالُ: تَتَارَكُوا الأْمْرَ  بَيْنَهُمْ أَيْ تَرَكَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ، وَتَارَكَهُ الْبَيْعَ مُتَارَكَةً إِذَا خَلاَّهُ كُلٌّ مِنْهُمْ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: لَمْ يُعَرِّفِ الْفُقَهَاءُ الْمُتَارَكَةَ تَعْرِيفًا وَاضِحًا وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لَفْظَ الْمُتَارَكَةِ بَلِ اسْتَعَاضُوا عَنْهُ بِلَفْظِ الْفَسْخِ  وَلَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ اسْتَعْمَلُوا لَفْظَ الْمُتَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ فِي الْجُمْلَةِ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

الإْبْطَالُ:

2 - الإْبْطَالُ لُغَةً: إِفْسَادُ الشَّيْءِ وَإِزَالَتُهُ حَقًّا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ أَوْ بَاطِلاً . وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ بِالْبُطْلاَنِ سَوَاءٌ وُجِدَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ سَبَبُ الْبُطْلاَنِ أَوْ وُجِدَ وُجُودًا حِسِّيًّا لاَ شَرْعِيًّا وَيَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ بِمَعْنَى الْفَسْخِ وَالإْفْسَادِ  وَالإْزَالَةِ  وَالنَّقْضِ وَالإْسْقَاطِ مَعَ اخْتِلاَفٍ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ .

رُكْنُ الْمُتَارَكَةِ

3 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الأْصْلُ  فِي الْمُتَارَكَةِ أَنْ تَكُونَ بِاللَّفْظِ الْمُعَبَّرِ بِهِ عَنْهَا مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَتَرَكْتُ وَفَسَخْتُ وَنَقَضْتُ، وَتَصِحُّ بِلَفْظِ الطَّلاَقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلاَ يَنْقُصُ بِهَا عَدَدُ الطَّلَقَاتِ عَلَى الزَّوْجِ .

وَيَحِلُّ مَحَلَّ اللَّفْظِ فِي أَغْلَبِ الأْحْوَالِ الْفِعْلُ الْمُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا مِثْلُ رَدِّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا عَلَى بَائِعِهِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ كَإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ فَتَصِحُّ وَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ . هَذَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ عَامَّةً. وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا؟.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْحَنَفِيَّةَ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُتَارَكَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لاَ تَتَحَقَّقُ بَعْدَ الدُّخُولِ إِلاَّ بِالْقَوْلِ كَتَرَكْتُكِ وَخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَقِيلَ: تَكُونُ الْمُتَارَكَةُ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالتَّرْكِ عَلَى قَصْدِ عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَيْهَا، وَقِيلَ: لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِالْقَوْلِ كَحَالِ مَا بَعْدَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا وَمَضَى عَلَى عِدَّتِهَا سُنُونَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ هَذَا إِذَا تَرَكَهَا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَيْهَا فَإِذَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مُتَارَكَةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَخَالَفَ زُفَرُ فِي ذَلِكَ وَعَدَّهَا مُتَارَكَةً أَيْضًا وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ مِنْ تَارِيخِ آخِرِ لِقَاءٍ لَهُ بِهَا .

مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُتَارَكَةِ مِنْ أَحْكَامٍ :

4 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَبِيعٍ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ: كَإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَوَقَعَ فِي يَدِ بَائِعِهِ فَهُوَ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ .

وَقَالُوا: يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَسْخُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لاَ فِي الأْصَحِّ  خُرُوجًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ فَلاَ يُنَافِي وُجُوبَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَتَجِبُ الْعِدَّةُ بَعْدَ الْوَطْءِ لاَ الْخَلْوَةِ لِلطَّلاَقِ لاَ لِلْمَوْتِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ أَوْ مُتَارَكَةِ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمِ الْمَرْأَةُ بِالْمُتَارَكَةِ فِي الأْصَحِّ  .

وَإِذَا تَمَّتِ الْمُتَارَكَةُ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَتَحَقَّقَ رُكْنُهَا انْقَضَتْ كُلُّ آثَارِ الْعَقْدِ الَّذِي وَرَدَتْ عَلَيْهِ لاِنْتِقَاضِهِ بِهَا وَوَجَبَ رَدُّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَعْدَهَا إِلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا قَبْلَ التَّعَاقُدِ مَا أَمْكَنَ فَيَتَرَادَّ الْمُتَعَاقِدَانِ الْبَدَلَيْنِ وَيَتَفَرَّقُ الزَّوْجَانِ وَيَكُونُ كُلُّ لِقَاءٍ لَهُمَا بَعْدَهُ حَرَامًا وَزِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ. فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْ وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ثُمَّ تَمَّتِ الْمُتَارَكَةُ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ قِيمَةِ الْمَبِيعِ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِتَعَذُّرِ رَدِّ عَيْنِهِ كَمَا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ التَّفَرُّقُ إِثْرَ الْمُتَارَكَةِ مَعَ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ إِثْبَاتُ الْمَهْرِ وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ حِفْظًا لِحَقِّ الشَّرْعِ فِي الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ وَحَقِّ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ وَهِيَ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي لاَ تَقْبَلُ الإْلْغَاءَ  .

 

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

مادة (105) : 
 (ا) الإقالة رفع العقد وإزالته ولا خيار فيها ولا شفعة . 
(ب) تترتب آثار الإقالة من حينها لا من أصل العقد المتقایل منه . 
(ج) تصح الإقالة بلفظها وبكل ما أدى معناها . 
إيضاح 
(ا) الإقالة فسخ العقد : وهي عبارة عن الرفع والإزالة يقال : أقال الله عثرتك : أي أزالها ، ورد الأمر إلى ما كان عليه قبل العقد ، ورجوع كل من العاقدين إلى ما كان له ، وهي مشروعة عند الندم الحديث أبي هريرة مرفوعا: (من أقال مسها أقال الله عنه يوم القيامة ولا خيار في الإقالة ، لأنها فسخ ، والفسخ لا يفسخ ، ولا شفعة في الإقالة ، لأن المقضي لها هو البيع ولم يوجد . 
(ب) الفسخ بالإقالة رفع للعقد من حين الفسخ ، لا من أصله . فما حصل من ماء کسب و نماء منفصل فلم مشتری لحديث : ( الخراج بالضمان ) . ويبقى المبيع بعد التقابل أمانة بيد اشتری، ومؤنة رده على البائع ، لرضاه بقائه أمانة بيد المشتري بعد النقابل ، فلا يلزمه مؤنة رده . 
(ج) تصح الإقالة بلفظها ، بأن يقول : أقلتك ، و بلفظ مصالحة ، و بلفظ بيع ، وما يدل على معاطاة ، لأن المقصود المعنى فكل ما يتوصل به إليه أجزأ . 

مادة (106) : 
(ا) تصح الإقالة قبل قبض مطلقا ، وبعد نداء الجمعة وتصح من المضارب والشريك ولو بلا إذن رب المال ، أو الشريك ، ومن المفلس بعد الحجر عليه . 
(ب) لا يلزم لصحة الإقالة أن تتوافر فيها شروط البيع . 
(ج) لا تصح الإقالة مع تلف المبيع ، ولا بزيادة على الثمن أو نقصه ، ولا بغير جنسه، ولا مع موت أحد العاقدين أو غيبته . 
إيضاح 
(ا) تصح الإقالة قبل قبض مبیع مطلقا حتى فيا يحتاج لحق توفية ، لأنها فسخ ، والفسخ لا يعتبر فيه القبض . وتصح بعد نداء الجمعة ، 
کسائر الفسوخ . وتصح من مضارب وشريك ولو بلا أذن رب المال أو الشريك لظهور المصلحة فيها ، لامن وكل في شراء أو في بيع ، لأنه لا يملك الإقالة بغير إذن الموكل لأنه لم يوكله في الفسخ . كما تصح من مفلس بعد حجر عليه لمصلحة . 
(ب) لا يلزم لصحة الإقالة أن تتوافر فيها شروط البيع ، فيصح 
التقايل في آبق وشارد كما لو فسخ فيهما بخيار شرط. 
(ج) لا تصح الإقالة مع تلف مبيع مطلقا لقوات محل الفسخ ، ونصح مع تلف ثمن ، ولا تصح مع زيادة على ثمن معقود به أو مع نقصه، أو بغير جنسه ، لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه ورجوع كل منهما إلى ما كان له ، كما لا تصح مع موت أحد العاقدين أو غيبته .