مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 336
المذكرة الإيضاحية :
الإرادة المنفردة
نظرة عامة :
عمد المشروع إلى إيراد أم تطبيق من تطبيقات الإرادة المتفردة ، فعرض الأحكام الوعد بالجائزة إذا وجه إلى الجمهور ، وخالف المشروع الفرنسي الإيطالي بشأنها، فلا يزال هذا المشروع مبنية على الأساس التعاقدي لذاك الوعد، دون أن يشفع ذلك بتعليل شاف ، وليس صحيحاً ، على وجه الإطلاق ، أن يقال إن هذا التكيف التعاقدي يرد إلى ما للوعد من خصيصة تبادلية ، وأن الوعد لا يتم إلا برضاه يصدر من إرادتين ، والمذكرة الإيضاحية للمشروع الفرنسي الإيطالي صفحة 59 فالواقع أنه لايقصد إلى مجرد إستظهار معنى إتمام أحكام الوعد بإشتراك إرادتين ، وهو ما يتحقق في كل الأحوال ، بل الجوهري في هذا الصدد هو إبراز وجه إنفراد الإرادة بترتيب إلتزام الواعد، فهو يلتزم بمشيئته وحدها ، إزاء من يقوم بالعمل المطلوب ولو كان يجهل صدور الوعد .
مذكرة المشروع التمهيدي :
يجب التفريق بصدد هذا الوعد بين ما إذا كان الواعد قد حدد مدة لوعده ، وبين ما إذا كان قد ترك المدة دون تحديد .
ففي الحالة الأولى يلتزم الواعد نهائية بمشيئته وحدها، دون أن يكون له أن يعدل عن وعده ، خلال المدة المحددة ، فإذا انقضت هذه المدة ، ولم يقم أحد بالعمل المطلوب ، تحلل الواعد من وعده ، ولو أنجز هذا العمل فيما بعد أما إذا تم القيام بالعمل المطلوب قبل إنتهاء المدة ، فيصيح من قام به دائناً بالجائزة من فوره ، ولو لم يصدر في ذلك عن رغبة في الحصول عليها ، بل ولو كان جاهلاً بالوعد ، وفي هذا ماينفي عن الوعد بالجائزة صفته العقدية ، فهذه الصفة ليست في رأي المشروع من مستلزماته .
أما في الحالة الثانية ، حيث لا يحدد أجل لأداء العمل المطلوب ، فيلتزم الواعد رغم ذلك بالوعد الصادر من جانبه ولكن ، يكون له أن يعدل عنه ، وفقاً للأوضاع التي صدر بها، بأن يحصل العدول علناً بطريق النشر في الصحف أو اللصق مثلاً ولا تخلو الحال في الفترة التي تمضي بين إعلان الوعد والرجوع فيه من أحد فروض ثلاثة
(أ) فإذا لم يكن قد بدئ في تنفيذ العمل المطلوب تحلل الواعد نهائياً من نتائج وعده .
(ب) وإذا كان قد بدئ في تنفيذ هذا العمل ، دون أن يبلغ مرحلة الإتمام ، الإلتزام الواعد أن يرد إلى من بدأ في هذا التنفيذ ما أنفقه ، على أن لايتجاوز في ذلك قيمة الجائزة الموعود بها ، ولا يعتبر الوعد الذي عدل عند أساسية لهذا الإلتزام ، بل هو يرد في أساسه إلى أحكام المسئولية التقصيرية المقررة في نصوص القانون وتسقط هذه المسئولية في حالتين : أولاهما ، حالة سقوط الدعوى باسترداد ما أنفق بإنقضاء ستة أشهر من يوم إعلان الرجوع في الوعد. والثانية حالة إقامة الواعد الدليل على أن النجاح المنشود لم يكن ليتحقق، لو أن ما بدئ في تنفيذه قد تم ، إذ تنعدم في هذه الحالة ، رابطة السببية بين الضرر الذي أصاب من تحمل النفقات ورجوع الواعد في وعده وكذلك يكون الشأن، في حالة البدء في تنفيذ العمل المطلوب قبل إعلان العدول ، وإتمامه بعد هذا العدول .
(ج) أما إذا كان العمل المطلوب قد تم بأسره قبل إعلان العدول ، فغنى عن البيان أن الجائزة تصبح واجبة الأداء ، بمقتضى الوعد المعقود بمشيئة الواعد وحده .
2 - وليس يبقى ، بعد هذا ، سوی بعض مسائل تفصيلية عرضت لها التقنينات الأجنبية بأحكام تشريعية خاصة، وأغفل المشروع ذكرها ، مكتفية في شأنها بتطبيق المبادئ العامة . فالمادة 659 من التقنين الألماني تنص على أنه إذا نفذ العمل الذي بذلت الجائزة من أجله ، أكثر من شخص واحد كانت الجائزة للأسبق فإذا تعدد المنفذون في وقت واحد كانت الجائزة سوية بينهم ، ( أنظر أيضاً المادة 17من التقنيين التونسى والمراكشي )، وكذلك تنص المادة 660 من التقنين الألماني على أنه إذا تعاون عدة أشخاص في تحقيق النتيجة التي بذلت الجائزة من أجلها ، وجب على الواعد أن يقسم الجائزة بينهم ، على أساس تقدير عادل ، قوامه ما يكون لكل منهم من نصيب في تحقيق هذه النتيجة، ويقضى التقنين البولوني في المادة 106 بطلان الوعد الموجه إلى الجمهور بمنح جائزة لأفضل عمل يقدم في مسابقة ، إذا لم يحدد الإعلان ميعاداً للتقدم في هذه المسابقة ويكون للواعد الحق في تقرير ما إذا كان هناك محل لمنح الجائزة ، ولأي عمل تمنح ، إلا إذا كان قد بين في إعلانه ، طريقة آخر الفصل في نتيجة المسابقة ، ولا يكسب الواعد ملكية العمل الذي استحق الجائزة ، أو حقوق منشئه فيه ، إلا إذا كان قد احتفظ لنفسه بهذا الحق في الإعلان .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 229 من المشروع، وبعد المناقشة رأت اللجنة حذف الفقرة الثالثة اكتفاء بعبارة تضاف في أخر الفقرة الثانية وإدخال بعض التعديلات اللفظية فأصيح النص النهائي ما يأتي :
1 - من وجه للجمهور وعدت بجائزة يعطيها لمن يقوم بعمل معين التزم بإعطاء الجائزة لمن قام بهذا العمل حتى لو قام به دون نظر إلى الوعد بالجائزة.
2 - وإذا لم يحدد الواعد أجلا للقيام بالعمل جاز له الرجوع في وعده بإعلان للجمهور على أن لا يؤثر ذلك في حق من أتم العمل قبل الرجوع في الوعد . فإذا كان قد بدأ العمل دون أن يتمه جهاز الحكم له بتعويض عادل لا يجاوز في أي حال قيمة الجائزة .
وأصبح رقم المادة 166 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل ، تحت رقم 166 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة السادسة عشرة
بدأت اللجنة عملها بتلاوة المادة 166 الخاصة بالإرادة المنفردة .
فاعترض سعادة العشماوي باشا على النص من ناحية لزومه من عدمه لأن المشروع في باب أركان العقد تكلم عن الإرادة المنفردة أو الإيجاب الملزم وقد استبقت اللجنة المواد الخاصة به ولذلك وجب مناقشة هذه المادة مع المواد المذكورة الإتحاد العلة في إيرادها في المشروع وإذا كان الناشئ عقداً جديداً يخضع للقواعد العامة في العقود فلا لزوم له لأن تلك القواعد كفيلة به أما إذا كان النص ينشىء عقداً معيناً يخرج من نطاق تطبيق القواعد العامة كان لزاماً عليناً بحثه على هذا الأساس وذكر سعادته أنه يستفاد من النص أنه لا يخرج عن القواعد العامة لأن الوعد بالجائزة يفيد الإيجاب وقيام الشخص بإتمام العمل المخصص له الجائزة يفيد القبول .
فقال عبده محرم بك إن القواعد العامة حددت مصادر الإلتزام وليس منها الإرادة المنفردة فالقاعدة في العقود هي تطابق الإرادتين وهذا التطابق غير ملحوظ في الوعد بالجائزة فالقواعد العامة للعقود لا تحكم هذه الحالة ولذلك وجب النص .
الوعد الصادر من جانب واحد لا يصبح ملزماً إلا من الوقت الذي يصل فيه إلى علم من وجه إليه شأنه في ذلك شأن كل تعبير عن الإرادة فيجوز العدول عنه بعد صدوره و قبل صدور الوعد ذاته أو في وقت وصوله وفقاً لأحكام القواعد العامة .
بيد أن الوعد الصادر من جانب واحد يمتاز بترتيب حكم دون حاجة إلى القبول وهذا ما يفرقه عن العقود فيكفي للزومه أن يصل إلى علم من وجه إليه وألا يرفضه هذا ولكنه يسقط في حالة الرفض إذ لا يجوز أن يجبر أحد على أن يكسب حقاً على حقه وهو من هذا الوجه يختلف اختلافاً بيناً عن العقد، فالعقد لا يتم إلا بقبول الدائن ووصول هذا القبول إلى علم من صدر الإيجاب عنه ومن الأهمية مكان تبين ما إذا كان يقصد بالتعبير عن الإرادة إلى الإرتباط بوعد من جانب واحد أم إلى مجرد الإيجاب في المعلوم أن الإيجاب وإن كانت له قوة في الإلزام من حيث عدم جواز العدول عنه لابد أن يقترن بالقبول حتى ينشأ الإلتزام الذي يراد ترتيبه .
ومتى تقرر مبدأ الإلتزام بمجرد الوعد تعين سريان أحكام العقود عليه ويترتب على ذلك وجوب توافر أهلية التعاقد في الواعد وخلو إرادته مما يشوب الرضا من عيوب وقيام التزامه على سبب ومحل تتوافر فيهما الشروط اللازمة ويستثنى من هذه الأحكام بداهة ما يتعلق بضرورة توافق الإرادتين ما دامت الإرادة المنفردة هي مصدر الإلتزام .
ويجب التفريق بصدد هذا الوعد بين ما إذا كان الواعد قد حدد مدة لوعده وبين ما إذا كان قد ترك المدة بدون تحديد ففي الحالة الأولى يلتزم الواعد نهائياً بمشيئته وحده دون أن يكون له أن يعدل عن وعده خلال المدة المحددة فإذا انقضت هذه المدة ولم يقم أحد بالعمل المطلوب تحلل الواعد من وعده ولو أنجز هذا العمل فيما بعد أما إذا تم القيام بالعمل المطلوب قبل انتهاء المدة فيصبح من قام به دائناً الجائزة من فوره ولو لم يصدر في ذلك عن رغبة في الحصول عليها بل ولو كان جاهلاً بالوعد وفي هذا ما ينفي عن الوعد بالجائزة صفته العقدية فهذه الصفة ليست في رأی المشروع من مستلزماته .
أما في الحالة الثانية حيث لا يحدد أجل الأداء العمل المطلوب فيلتزم الواعد رغم ذلك بالوعد الصادر من جانبه ولكن يكون له أن يعدل عنه وفقاً للأوضاع التي صدر بها.
ومع ذلك فقد أصر سعادة العشماوي باشا على رأيه من أن الوعد بالجائزة ، عقد غير مسمى تحكمه القواعد العامة للعقود.
ثم تفرعت المناقشة إلى بحث مدلول عبارة و دون النظر إلى الوعد بالجائزة وهل هي لازمة أو غير لازمة وهل يستقيم النص بها فيطبق على العمل الذي يتم قبل إعلان الوعد أولا يطبق فاختلفت الآراء وكان من رأى سعادة العشماوي باشا إنها عبارة غير لازمة والتعميم أفضل بمعنى أنه يجب تعديل النص بحيث يصدق على ماتم قبل إعلان الوعد بالجائزة وما يتم بعد إعلانه لان هناك من الصور ما هو جدير بدخوله في دائرة تطبيق نص المادة مثل جائزة فؤاد الأول لخير عمل على تم في السنوات الخمس السابقة على إعلان تلك الجائزة فبقاء تلك العبارة سيحدث إشكالات كثيرة والواجب ألا ترتب الجائزة على القيام بالعمل بل يستحقها الشخص ما دام قد قام بكل ما يشترطه الواعد لأن العبارة المذكورة تشعر أن العمل يجب أن يحصل بعد الوعد وهو ما يزيد سعادته تحاشيه .
وكان من رأى سعادة الرئيس بقاء تلك العبارة مع تعديل النص بما يفيد التعميم لأن هناك من الأشخاص من يقوم بعمل لذاته دون النظر إلى الجائزة الموضوعة له ولأن الحكمة من قصر النص على المستقبل غير مفهومة .
وكان من رأى جمال الدين أباظة بك بقاء عبارة ، دون النظر إلى الوعد بالجائزة و لأنها لازمة وتقيد النص بما يتم من أعمال بعد إعلان الجائزة فلا يجوز الرجوع بها إلى ما قبل ذلك الإعلان .
أما معالي حلي عيسى باشا فيرى حذف تلك العبارة لأنها تزيد ولا لزوم لها.
وقد أجاب عبده محرم بك على هذه الآراء المختلفة بأن عبارة و دون النظر إلى الوعد بالجائزة عبارة لازمة لأنها أساس تشريع المادة ولأنها تنفي عن الوعد بالجائزة صفة التعاقد إذا تم العمل دون على من قام به بالوعد بالجائزة ، فصفة التعاقد في رأی المشروع لا تلحق به ما دامت الإرادة المنفردة هي مصدر الإلتزام وقد تلا عزته النصوص المقابلة في التشريعات الأجنبية والتي اتخذها المشروع أساساً لوضع نص المادة 166 .
وذكر عزته أيضا أن النص شرع على أساس أن العمل يتم بعد إعلان الوعد الجائزة فكل وعد بجائزة عن عمل تم قبل إعلان الوعد يعتبر وعداً جياً وهو جائز قانوناً وتحكمه القواعد العامة .
وأخيراً وبعد أن قلبت اللجنة أوجه الرأي في الموضوع اقترح سعادة العشماوي باشا أن يكون نص الفقرة الأولى من المادة 166 كما يأتي :
1 - من وجه للجمهور وعدا بجائزة يعطيها عن عمل معين إلتزم بإعطاء الجائزة لمن قام بهذا العمل ولو قام به دون نظر إلى الوعد بالجائزة أو دون علم بها .
قرار اللجنة :
وافقت اللجنة على هذا الإقتراح والقصد من هذا التعديل أن تشمل الفقرة الأولى الصور التي تكون فيها جوائز يعلن عنها للجمهور عن أعمال تمت قبل أو بعد الوعد ولو كان الشخص القائم بالعمل قد قام به دون علم بوجود الجائزة .
ثم انتقلت اللجنة إلى بحث الفقرة الثانية من المادة 166 فشرحها عبده محرم بك فقال إن الفقرة الأولى تطبق إذا كان الواعد قد حدد مدة لوعده أما الفقرة الثانية التي نحن بصددها فتطبق حيث لا يحدد أجل الأداء العمل المطلوب وفي هذه الحالة يلتزم الواعد رغم ذلك بالوعد الصادر من جانبه و لكن يكون له أن يعدل عنه وفقاً للأوضاع التي صدر بها .
واستطرد حضرته فقال إن المشروع قد أغفل بعض مسائل تفصيلية عرضت لها التقنينات الأجنبية مكتفية في شأنها بتطبيق المبادئ العامة ما إذا تعدد المنفذون للعمل فتكون الجائزة للأسبق أو سوية بينهم إذا نفذوا العمل في وقت واحد وما إذا تعاون عدة أشخاص في إتمام العمل الذي بذلت الجائزة من أجله فتقسم الجائزة عليهم على أساس تقدير عادل قوامه ما يكون لكل منهم من نصيب في إتمام العمل المذكور .
فاعترض سعادة الرئيس على هذه الفقرة وقال إنه يجب قصرها على تقرير الرجوع في الوعد في حالة عدم تعيين أجل القيام بالعمل أى تكون كالآتي : وإذا لم يعين الواعد أجلاً للقيام بالعمل جاز له الرجوع في وعده بإعلان الجمهور، لأن الأحكام التالية لهذه العبارة نتيجة لإلتزام الواعد المقرر في الفقرة الأولى من المادة أما عبارة فإذا كان قد بدأ العمل دون أن يتمه جاز الحكم له بتعويض عادل لا يتجاوز في أي حال قيمة الجائزة ، فبقاؤها يثير إشكالات كثيرة وتعقيدات في التطبيق فكل شخص يدعى أنه بعد إعلان الوعد بدأ في القيام بالعمل المطلوب والعدول أضره فإذا أردنا أن نرتب نتائج على العدول عن الوعد فلنقتصر على حالة إتمام العمل بمعنى أن الجائزة لا تستحق إلا عن عمل كامل حتى لا يفتح باب المشاكل لأننا إذا قررنا الجائزة لعمل جزئی فات الغرض من التشجيع على الأعمال النافعة ولقد كنا أمام خوة في القانون بالنسبة لنظرية الوعد بالجائزة ولذلك يجب التدرج فيها حتى لايخبو النشاط وحتى لا يتقاعس الناس عن تقديمهم جوائز لمختلف الفنون ولذلك يقترح سعادته أن نقف بالفقرة إلى كلمة ( للجمهور ).
أما سعادة العشماوي باشا فقد أيد بقاء الفقرة الثانية لضرورتها لجميع الصور ولأنها كما قال رمزی بك تشجع العاملين فإياحة العدول أو إجازة الرجوع في الوعد قبل إتمام العمل من غير تضمين الواعد عما يعوق كل نواحي النشاط .
وذكر عبده محرم بك أنه لكي يثبت الحق في التعويض بعد الرجوع في الوعد يجب أن يثبت أن الأعمال التي قام الشخص بها كان مصيرها النجاح لو تمت وهذا قيد وارد في النصر الفرنسي للمشروع الإيطالي الفرنسي.
وقد تلى هذا النص فيذ معالي حلي عيسى باشا الأخذ به لأنه نص جامع خصوصاً وأنه حدد مدة لسقوط دعوى المطالبة بالجائزة.
وكان من رأى أباظة بك بقاء الفقرة الثانية بتهامها لأنه إذا ردت الحالات الواردة فيها إلى القواعد العامة فإنها لا تحلها فالقاضي هو الذي يقدر تمام العمل وكمه وكيفه .
وما تقدم يتبين أن المناقشة كانت تدور حول نقطتين :
(الأولى) وجوب أو عدم وجوب النص على حالة عدم تمام العمل أو العمل الجزئي .
(الثانية) تحديد مدة لسقوط دعوى المطالبة بالجائزة.
فلما أخذ الرأى على النقطة الأولى وافقت الأغلبية على عدم النص على العمل الجزئي ماعدا أباظة بك فقد رأى بقاء الفقرة على أصلها أي النص على العمل الجزئي .
وأما بالنسبة للنقطة الثانية فقد وافقت اللجنة بالإجماع على إضافة العبارة الآتية :
وتسقط دعوى المطالبة بالجائزة إذا لم ترفع في ظرف ستة أشهر من تاريخ إعلان العدول للجمهور .
وبذلك أصبح نص الفقرة الثانية من المادة 166 كما يأتي :
2 - وإذا لم يعين الواعد أجلاً للقيام بالعمل جاز له الرجوع في وعده بإعلان للجمهور على ألا يؤثر ذلك في حق من أتم العمل قبل الرجوع في الوعد وتسقط دعوى المطالبة بالجائزة إذا لم ترفع في خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان العدول للجمهور .
ثم عاد سعادة الرئيس وأثار نقطة أخرى وهي أنه يجب النص على عدم جواز العدول عن الوعد في حالة تعيين أجل القيام بالعمل المطلوب على أن يكون هذا في الفقرة الأولى من المادة 166 فعل المشرع في الفقرة الثانية منها .
فقال عبده محرم بك أن هذا مستفاد من نص الفقرة الثانية بمفهوم المخالفة وقد أقره حضرات الأعضاء على ذلك .
وبذلك انتهت المناقشة في المادة 166 بالصيغة سالفة الذكر على أنه يجب أن يكون مفهوماً أنه إذا لم يعين الواعد الجائزة فإنها تخضع لتقدير القاضي .
تقرير اللجنة :
أضافت اللجنة إلى الفقرة الأولى عبارة ( أو دون علم بها ) وهذه الإضافة تجعل المعنى أوضح لأن المقصود هو أن يلتزم من يعد بإعطاء الجائزة بما تعهد بأدائه ما دام الطرف الآخر قد قام بالعمل الذي خصصت الجائزة له ولو كان لم يعلم بهذا التعهد وحذفت اللجنة من آخر الفقرة الثانية عبارة , فإذا كان قد بدأ العمل دون أن يتمه جاز الحكم له بتعويض عادل لايجاوز في أي حال قيمة الجائزة ، وقد راعت اللجنة في الحذف أن تترك المسألة القواعد العامة ، فضلاً عن أن نص المشروع يفضي إلى منازعات كثيرة غير عادلة وأضافت حكماً جديداً أفرغته في العبارة الآتية وتسقط دعوى المطالبة بالجائزة إذا لم ترفع خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان العدول للجمهور ، وقد راعت اللجنة في هذه الإضافة أن تقطع السبيل على كل محاولة مصطنعة يراد بها إستغلال الوعد بالجائزة بعد إعلان العدول وحسم المنازعات التي تنشأ بسبب تقادم العهد على الجائزة وصعوبة الإثبات ولذلك جعلت مدة السقوط ستة أشهر .
وأصبح رقم المادة 162.
محضر الجلسة السادسة والستين
قال الدكتور حامد زكي إنه فيما يتعلق بالعقد فإن المشروع أخذ بالإرادة الظاهرة أو المعلنة وهذا يؤدي إلى إخراج المسألة من نقطة موضوعية إلى نقطة قانونية والدليل على ذلك أن المشروع رتب على المادة 89 المادة 92 وأنه كان يفهم أن يكون الإعجاب ملزماً بنص صريح.
فرد عليه معالي السنهورى باشا قائلاً إن المشروع لم يأخذ بالإيجاب الملزم كنظرية عامة وإنما أخذ به ليعطى القضاء سندا في تكييف ما يرد أمامه من منازعات .
فقال الدكتور حامد زكي إنه يرجو أن يثبت في النصوص أن المشروع اقتصر في الأخذ بنظرية الإرادة المنفردة على مسائل معينة ولم يأخذ بها كمصدر عام للإلتزام .
فرد عليه معالي السنهورى باشا قائلاً : إنه لا حاجة لهذا لأن التشريعات التي تأخذ بنظرية الإرادة المنفردة بوجه عام تنص على ذلك في أول الباب وتعرف الإرادة المنفردة ، أما المشروع فلم يأخذ بنظرية الإرادة المنفردة كمصدر للإلتزام إلا في ناحية محدودة بمعنى أنه أورد بعض تطبيقات للإرادة المنفردة .
فانتقل الدكتور حامد زكي إلى اقتراح تقل مادة الوعد بالجائزة تحت مادة الإيجاب .
فرد عبده محرم بك بأن ثمة فرقة جوهرية بين الإنجاب والوعد بالجائزة لأن الإيجاب وحده ليس هو الذي ينشىء الإلتزام الخاص بموضوع ما أوجب به ، بل الذي ينشیء هذا الالتزام هو العقد إذا صدر من الموجه له الإيجاب قبول لهذا الإنجاب وهذا الإلتزام إذا تم في حالة الإرادة المنفردة فتكون هذه الإرادة وحدها هي المنشئة له لا بصفة إيجاب لأن الإلتزام الذي ينشئه الإيجاب وحده في بعض الصور هو البقاء على الإنجاب لا الإلتزام بموضوعه .
وقال معالي السنهورى باشا إن هذا النظر صحيح لأن الوعد بالجائزة لا يعتبر إيجاباً لأن الإيجاب يفيد وجود قبول يقابله ، أما الوعد بالجائزة فهو مجرد إرادة منفردة ألزمت الواعد بما وعد .
قرار اللجنة :
رأت اللجنة أن هذا النظر صحيح وقررت رفض اقتراح الدكتور حامد زكي .
محضر الجلسة السابعة والستين
تمایل حضرة الدكتور حامد زكي عن مدة التزام الواعد بالجائزة فأجاب عبده محرم بك بأن مدد التقادم روعي في تحديدها التفرقة بين الإلتزامات التي يكون مصدرها الإرادة ولو منفردة والالتزامات التي يكون مصدرها غير الإرادة العمل غير المشروع وغيره من باقي المصادر في الحالة الأولى جعلت المدة 15 سنة ولوحظ في التفرقة بين الحالتين أن كل ما يلتزم به الشخص بإرادته يبقى معلقة في عنقه مدة 15 سنة .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .
1- إذ كان مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة 162 من القانون المدنى و المادة 220 من ذات القانون أن الواعد بالجائزة يرتب فى ذمته إلتزاماً بإرادته المنفردة من وقت توجيه هذه الإرادة إلى الجمهور لدائن غير معين يلتزم بإعطائه إياها إذا قام بالعمل المطلوب . و أن إعذار الدائن مدينة لا يكون واجباً إذا أصبح الإلتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين .
(الطعن رقم 497 لسنة 57 جلسة 1990/03/28 س 41 ع 1 ص 890 ق 147)
2- الوعد بالجائزة على ما تشترطه المادة 162 من القانون المدنى ، يقوم أساساً على توافر أركان معينه منها أن توجه الإرادة إلى الجمهور أى الى اشخاص غير معينين فإذا ما وجهت إلى شخص معين خرجت على أن تكون وعداً بجائزه وسرت عليها قواعد الإيجاب فلابد أن يقترن بها القبول وتصبح عقداً لا إرادة منفردة ، وإذ كان الإقرار موضوع النزاع لا يعدوا أن يكون إتفاقاً بين الطاعن وموكليه على قدر الأتعاب المستحقة له فإن شروط المادة 162 سالفه الذكر تكون قد تخلفت و يكون الحكم فيما إنتهى إليه قد صادف صحيح القانون .
(الطعن رقم 482 لسنة 39 جلسة 1977/02/23 س 28 ع 1 ص 511 ق 97)
3- إذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن الوعد بالجائزة قد صدر من المطعون عليها بعد إدلاء الطاعن بمعلوماته وأن هذا الوعد يخضع فى تكييفه للقانون المدني القديم الذي لا يعترف بالإرادة المنفردة باعتبارها منشئة للالتزام وأن ذلك يقتضي الرجوع إلى القواعد العامة لأحكام العقد التي توجب أن يتلاقى الإيجاب والقبول، لما كان ذلك وكان التقنين المدني الملغي لم يورد نصاً يحكم الوعد بالجائزة باعتباره صورة من صور الالتزام الناشئ عن الإرادة المنفردة ولم يكن من الممكن رد الوعد بالجائزة إلا إلى أحكام العقد التي توجب أن يتلاقى القبول مع الإيجاب السابق عليه، فإن الحكم المطعون فيه يكون صحيحاً إذ التزم هذا النظر.
(الطعن رقم 534 لسنة 25 جلسة 1961/03/30 س 12 ع 1 ص 294 ق 42)
الوعدة بجائزة :
وقد أنشأ نص المادة 162 التزاماً قانونياً بناه على الإرادة المنفردة فالنص إذن هو الذي يعين أركان هذا الإلتزام القانوني ، وهو الذي يبين أحكامه .
أركان إلتزام الواعد بالجائزة : ويتبين من النص أن إلتزام الواعد بجائزة يقوم بتوافر الأركان الآتية :
(1) أن تصدر من الواعد إرادة باتة ، وهذه هي الإرادة المنفردة فيجب أن تصل الإرادة مرحلة البتات كما في الإيجاب البات ويجب أيضاً أن يكون الواعد ذا أهلية كاملة للإلتزام بما وعد به ، وأن تخلو إرادته من العيوب فلا يشوبها غلط أو تدليس أو إكراه أو إستغلال ويجب أن تقوم الإرادة على محل مستوف لشرائطه ، وأن تتجه إلى سبب مشروع .
(2) أن توجه الإرادة إلى الجمهور فإذا وجهت إلى شخص معين أو أشخاص معينين ، خرجت عن أن تكون وعداً بجائزة بالمعنى المقصود ، وسرت عليها قواعد الإيجاب فلا بد من أن يقترن بها القبول ، وتصبح عندئذ عقداً لا إرادة منفردة فتوجيه الإرادة إلى الجمهور ، أي إلى أشخاص غير معينين بالذات ، وهو الذي يكسو الوعد بجائزة طابعه الذي يتميز به .
(3) أن يكون توجيه الإرادة للجمهور عن طريق علني ويكون ذلك بطريق من طرق النشر المعروفة ، كالإعلان في الصحف أو توزيع النشرات أو المناداة في الطرقات والمهم هو أن توجه الإرادة للجمهور بطريق علني ، وان تكون العلانية كافية حتى يتيسر لعدد كبير من الناس أن يعلم بهذه الإرادة .
(4) أن تتضمن الإرادة أمرين على الأقل : ( أولاً ) جائزة معينة يلتزم الواعد بإعطائها للفائز بها وقد تكون الجائزة مبلغاً من النقود ، أو شيئاً آخر له قيمة مالية كأسهم أو سندات أو سيارة أو منزل أو كتاب أو دفع نفقات رحلة أو نحو ذلك ولا شئ يمنع من أن تكون الجائزة قيمتها أدبية ، كوسام أو شارة أو كأس أو أية علامة أخرى من علامات التقدير ، ( ثانياً ) شيئاً معيناً يقوم به الفائز حتى يستحق الجائزة ، كالعثور على شيء ضائع أو وضع أفضل تصميم هندسي أو النجاح في امتحان أو الفوز في مسابقة أو الاهتداء إلى دواء أو الكشف عن اختراع أو نحو ذلك ويستوي أن يكون الوعد قد حددت له مدة أو لم تحدد ، ففي الحالتين يلتزم الواعد ، ولكن كل حالة لها حكمها على ما سنرى .
أحكام الإلتزام – الوعد حددت له مدة :
فإذا اجتمعت الأركان المتقدمة الذكر قام إلتزام الواعد وترتب عليه حكمه وهنا يجب التمييز بين ما إذا كان الوعد قد حددت له مدة يجب إنجاز العمل المطلوب في خلالها وما لم تكن هناك مدة محددة .
فإذا كان الواعد قد حدد مدة اشتراط أن يتم العمل في خلالها ، التزم نهائياً بإرادته ، ولم يكن له حق الرجوع فإذا انقضت هذه المدة دون أن يقوم أحد بالعمل المطلوب ، انقضى التزام الواعد بانقضاء مدته ، ولو قام بعد ذلك شخص بهذا العمل ولا يكون الواعد في هذه الحالة مسئولاً نحو هذا الشخص بمقتضى الوعد ، ولكن قد يكون مسئولاً نحوه بمقتضى الإثراء بلا سبب .
أما إذا تم القيام بالعمل المطلوب في خلال المدة المحددة ، أصبح من قام بهذا العمل دائناً للواعد بالجائزة الموعودة ، سواء قام بالعمل عن رغبة في الحصول على الجائزة أو لم تكن عنده هذه الرغبة ، بل سواء كان يعلم بالجائزة وقت قيامه بالعمل أو لم يكن يعلم بها ، وسواء أتم العمل بعد إعلان الجائزة أو قبل إعلانها وهذا هو الذي يجعل الإلتزام بالوعد التزاماً بإرادة منفردة ، فإن الواعد يصبح ملتزماً بإعطاء الجائزة بمجرد أن يتم العمل ، حتى لو كان من قام بالعمل يجهل وجود الجائزة ، أو قام به قبل إعلان الجائزة ، فلا يتصور أن يكون هناك عقد تم بينه وبين الواعد ، ولا يبقى إلا أن يكون الواعد قد التزم بإرادته المنفردة .
الوعد لم تحدد له مدة : أما إذا لم يحدد الواعد مدة يتم العمل في خلالها ، التزم الواعد رغم ذلك بالوعد الصادر منه فإذا قام شخص بالعمل المطلوب في مدة معقولة. استحق الجائزة حتى لو لم يكن يعلم بها ، أو علم ولكنه قام بالعمل دون رغبة فيما ، لأن الواعد إنما يلتزم ، كما قدمنا ، بإرادته المنفردة .
ولكن الواعد ، ما دام لم يحدد مدة لوعده ، يكون له حق الرجوع فيه ويكون الرجوع في الوعد بالعلانية ذاتها التي تم بها الوعد وهنا لا تخلو الحال ، في الفترة ما بين إعلان الوعد والرجوع فيه ، ومن أحد فرضين : فإما إلا يكون أحد قد أتم العمل المطلوب ، وإما أن يكون هناك من أتم هذا العمل .
فإذا لم يكن هناك أحد قد أتم العمل ، تحلل الواعد نهائياً من نتائج وعده بعد أن رجع فيه وهذا صحيح على إطلاقه إذا لم يكن هناك أحد قد بدأ في تنفيذ العمل المطلوب أما إذا كان هناك من بدأ في تنفيذ هذا العمل ولكنه لم يتمه ، فإن له الرجوع على الواعد بتعويض عادل ، هو قيمة ما أصابه من الضرر دون مجاورة لمقدار الجائزة ، ولكن لا بمقتضى الوعد الذي سقط بالرجوع فيه ، بل بمقتضى قواعد المسئولية التقصيرية ويترتب على ذلك أن الرجوع على الواعد في هذه الحالة يتقادم بالمدة التي تتقادم بها المسئولية التقصيرية ، أي بثلاث سنوات من وقت علم الدائن بالضرر الذي أصابه وبالمسئول عنه أو بخمس عشرة سنة من وقت وقوع الضرر.
أما إذا كان العمل المطلوب قد تم قبل رجوع الواعد ، واستحق من قام بالعمل الجائزة كاملة ، ولم يؤثر في حقه رجوع الواعد في وعده . ذلك أنه أتم العمل قبل الرجوع ، أي في وقت كان الوعد فيه قائماً وكان الواعد ملتزماً ، فأصبح دائناً بالجائزة بمجرد أن قام بالعمل ولا يؤثر في حقه هذا أن يكون قد قام بالعمل دون نظر إلى الجائزة أو أن يكون قد قام به وهو لا يعلم بالجائزة أو قبل إعلان الجائزة ، ففي جميع هذه الأحوال يكون الواعد ملتزماً بالجائزة وذلك بمقتضى إرادته المنفردة .
فهناك إذن أحوال ثلاثة يكون الواعد فيها ملتزماً بالجائزة كاملة بمقتضى إرادته المنفردة :
( 1 ) إذا حدد مدة وقام الفائز بالعمل في خلال هذه المدة .
( 2 ) إذا لم يحدد مدة ولم يرجع في وعده وقام الفائز بالعمل .
( 3 ) إذا لم يحدد مدة ورجع في وعده ولكن الفائز قام بالعمل قبل الرجوع، وفي الحالتين الأوليين يتقادم التزام الواعد بخمس عشرة سنة وفقاً للقواعد العامة ، لأنه التزم إرادي ولم يرد في تقادمه نص خاص وفي الحالة الثالثة يسقط إلتزام الواعد إذا لم ترفع دعوى المطالبة بالجائزة في خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان الرجوع وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 162 وقد تقدم ذكرها والظاهر أن هذه المدة الأخيرة هي مدة إسقاط لا مدة تقادم ، فلا يرد عليها الوقف ولا الإنقطاع والسبب في قصر المدة في الحالة الثالثة ، وفي جعلها مدة إسقاط لا مدة تقادم ، هو – كما جاء في تقرير لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ - قطع السبيل على كل محاولة مصطنعة يراد بها إستغلال الوعد بجائزة بعد إعلان العدول ، وحسم المنازعات التي تنشأ بسبب تقادم العهد على الجائزة ، وصعوبة الإثبات ويمكن القول ، من ناحية التكييف القانوني ، إن الواعد بالجائزة رتب في ذمته التزاماً بإرادته المنفردة – من وقت توجيه هذه الإرادة إلى الجمهور - لدائن غير معين أن يعطيه الجائزة إذا هو قام بالعمل المطلوب فيكون الالتزام معلقاً على شرط واقف هو قيام شخص بالعمل المطلوب في المدة المعينة أو في مدة معقولة . فإذا تحقق الشرط أصبح الإلتزام حالاً ، ولا يتقادم إلا بخمس عشرة سنة من وقت تحقيق الشرط ، وهذا في غير الحالة الثالثة التي ورد فيها نص خاص جعل مدة التقادم ستة أشهر .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول المجلد/ الثاني الصفحة/ 1800)
ويتعين حتى يلتزم الواعد بوعده، أن يكون جادة في إعلان إرادته آهلاً لهذا الالتزام وفقا لما تقضى به القواعد العامة، وأن توجه تلك الإرادة إلى الجمهور بطريق علنی بالنشر في الصحف أو بإعلان بوسائل الإعلام إذ أنها لو وجهت الى شخص معين كانت إيجاباً إذا صادفه قبول أبرم عقد كان هو سبب الإلتزام وأن يتضمن الإعلان فرض جائزة معينة، أياً كان نوعها، مقابل العمل الذي يريده الملتزم، تمنح لمن يقوم به، فإن حدد الملتزم ميعاد للعمل، فليس له الرجوع عن وعده قبل إنقضاء هذا الأجل، فإن رجع ولكن العمل تم خلال الأجل، إستحق من قام به الجائزة، كما يستحقها من قام به قبل الإعلان عنها طالما لم يعلم الملتزم بذلك إلا بعد الإعلان .
فإن لم تحدد مدة، تعين القيام بالعمل خلال المدة المعقولة التي يقررها القاضي، ويكون للواعد في حالة عدم تحديد مدة الرجوع في وعده بإعلان يتم بنفس الطريق الذي أعلن به عن الجائزة.
وإذا تعدد المستحقون للجائزة كانت بالسوية بينهم فإن أخل الواعد بإلتزامه كان الرجوع عليه وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية.
ومتى أعلن الملتزم على النحو المتقدم رجوعه عن وعده، تعين على من قام بالعمل قبل العدول رفع دعواه خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان العدول وهذه المدة هي مدة سقوط فلا يسرى عليها وقف أو انقطاع.
أما إذا تحددت مدة وقام شخص خلالها بالعمل، أو إذا لم تحدد مدة ولم يعدل الواعد وقام شخص بالعمل، فإن دعوى المطالبة لا تسقط إلا بإنقضاء خمس عشرة سنة كسائر الإلتزامات ، وهذه المدة هي مدة تقادم فيرد عليها الوقف والانقطاع.
فإن لم يحدد الواعد مقدار الجائزة، قام القاضي بتحديده مسترشدا بقيمة الشئ والجهد الذي بذل للعثور عليه وما أنفق لهذا الغرض، بإعتبار أن الجائزة هي ركن الإلتزام وليس مقدارها ولا يحول عدم التقدير دون إمكانه. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثالث الصفحة/ 268)
دور الإرادة المنفردة في ترتيب الآثار القانونية :
يقصد بالإرادة المنفردة إرادة شخص واحد وهي قادرة في القانون الوضعي على إنشاء آثار قانونية متعددة كإنشاء الأشخاص الاعتبارية والوقف والمؤسسات الخاصة ونقل أو إنشاء الحقوق العينية كما في الوصية، أو إنهاء هذه الحقوق، كالنزول عن ارتفاق أو عن رهن.
وهي قادرة كذلك على تصحيح عقد قابل للإبطال، كما في الإجازة على جعل العقد يسرى في مواجهة من لم يكن طرفا فيه، كإقرار الأصيل لتصرف النائب الذي تجاوز فيه حدود النيابة، وإقرار المالك الحقيقي لبيع ملك الغير، وقادرة أخيرا على إنهاء العقد ذی المدة غير المحددة، وفي بعض الحالات ولو كانت مدته محددة كالوكالة والعارية والوديعة .
أما في دائرة الحقوق الشخصية أو الإلتزامات فإن الإرادة المنفردة قادرة كذلك على إنهاء الإلتزام كما في الإبراء الذي ينزل بمقتضاه الدائن عن حقه في ذمة المدين دون مقابل .
ولم يبق من ثم سوى إنشاء الإلتزام، وهذا ما نعرض له في البند التالي.
هل تستطيع الإرادة المنفردة أن تنشئ الإلتزام ؟
اختلف الرأي في هذه الحالة :
فهناك نظرية فرنسية تذهب إلى أن الإرادة المنفردة غير قادرة على أن تلزم صاحبها، إذ يجب لذلك أن تجتمع بإرادة أخرى فالإلتزام الذي ينشأ من تصرف قانوني، وهو الالتزام الإرادي، لا يكون مصدره إلا العقد وهذا هو الرأي الذي ساد فقهاً وقضاءً في فرنسا وفي مصر في ظل القانون القديم .
ولكن نظرية ألمانية ترى الإرادة المنفردة قادرة على أن تنشئ الإلتزام ويستند أنصارها إلى الحجج الآتية: (1) إذا كانت الإرادة قادرة على أن تلزم عند إجتماعها بإرادة أخرى فإن هذه القدرة لابد أن تتوفر لها عند انفرادها، والواقع أن من يتعاقد يلتزم بالإرادة الصادرة منه لا يتوافق هذه الإرادة مع إرادة المتعاقد الأخر، (2) وتوافق الإرادتين الذي تستند إليه القوة الملزمة للعقد لا يتصور أن يكون تاماً في جميع الحالات فلو يتحقق هذا التوافق يتعين أن يكون هناك تعاصر بين الإرادتين، أي يجب أن تصدر أن في لحظة واحدة وهذا يستحيل في التعاقد بين غائبين بل إنه لا يتحقق كذلك في التعاقد بين حاضرين، حيث تصدر أولا إرادة بالإيجاب ثم تتلوها إرادة أخرى بالقبول إننا نفترض في هذه الحالة وفي تلك أن الموجب بقي على إيجابه إلى أن صدر القبول، وهذا مجرد افتراض. وهناك حالات ينعقد فيها العقد رغم التأكد من أن توافق الإرادتين لم يتم، كما في حالة عدول الموجب وعدم وصول هذا العدول إلا بعد أن علم بالقبول، فيكون افتراض التوافق حينئذ على خلاف الحقيقة فلماذا نفترض كل هذه الفروض، والأولى أن نواجه الحقيقة ونقول إن الشخص يلتزم بإرادته هو لا بتوافق إرادته مع إرادة أخرى فهو ينشئ التزاما في ذمته بإرادته وحدها، ويكون قبول الدائن مجرد إنضمام نتطلبه حتى لا يكسب حقاً دون إرادته. (3) وليس في المنطق القانوني ما يحول دون أن يلتزم شخص بإرادته فالشخص حر في أن يلزم نفسه بإرادته في حدود القانون وليس هذا إلا تقرير لمبدأ سلطان الإرادة، إذ هو أقصى ما يصل إليه هذا السلطان أما تطلب اقتران الإرادتين فهو في حقيقته من بقايا الشكلية القديمة التي يجب أن تتحرر الإرادة منها فقديماً كانت الإرادة لا تنتج أثراً قانونياً إلا إذا اقترنت بأشكال معقدة ثم تطور الموقف فأصبح توافق الإرادتين كافي لإنشاء الإلتزام فيجب بعد هذا أن نسير في التطور إلى نهايته الطبيعية فنكتفي بإرادة واحدة لإنشاء الإلتزام ويصبح رضاء الدائن مطلوباً حتى لا يكسب الحق رغم إرادته، ولكنه ليس هو الذي ينشئ الإلتزام، وإنما تنشئه إرادة المدين وحدها (4) وليس في ذلك ما ينافي العدالة صحيح أنه ليس من العدل أن يصبح الشخص دائناً بإرادته، لأن هذا يؤدي إلى إفقار شخص آخر بدون رضاه ولكن ليس هناك ظلم في أن يصبح الشخص مديناً بإرادته، (5) وفي الحياة العملية صور لا يستطاع قبولها قانوناً إلا من طريق الإرادة المنفردة ، كما في حالة الوعد بجائزة فهذا الوعد يصدر من شخص يلزم نفسه بأمر نحو شخص غير معين قد يصبح دائنا رغم جهله بالوعد وكما في حالة الالتزام نحو شخص يموت أو يفقد أهليته قبل القبول، إذ لا يمكن الإلتزام من طريق العقد في هذه الحالة .
وهناك اتجاه وسط يجعل العقد هو المصدر الإرادي الأول للإلتزام وأن يحتفظ إلى جانبه بالإرادة المنفردة بإعتباره مصدراً استثنائياً أو قانونياً، وذلك في الحالات التي تدعو الحاجة فيها إلى اعتبار هذه الإدارة مصدر للإلتزام .
وهذا الاتجاه هو ما يعتنقه الفقه الحديث في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وهو الذي يأخذ به التقنين الألماني، مع أن ألمانيا مهد نظرية الإرادة المنفردة فلم يعتبر الإرادة المنفردة مصدراً عاماً للإلتزام وإنما جعلها مصدراً استثنائياً (م 305).
موقف التقنين المدني الجديد من الإرادة المنفردة :
سار القانون المدني الجديد سيرة غيره من القوانين الحديثة فاعتبر الإرادة مصدراً للإلتزام في حالات معينة أي جعلها مصدراً استثنائياً للإلتزام، وعقد لها الفصل الثاني إثر انتهائه من الفصل الأول المخصص للعقد.
وكان المشروع التمهيدي للتقنين المدني يجعل الإرادة المنفردة مصدراً عاماً للإلتزام في المادة 228 منه التي تقضي بأن "1- إذا كان الوعد الصادر من جانب واحد مكتوباً وكان لمدة معينة، فإن هذا الوعد يلزم صاحبه من الوقت الذي يصل فيه إلى علم من وجه إليه ما دام هذا لم يرفضه .
2 - وتسرى على هذا الوعد الأحكام الخاصة بالعقود، إلا ما تعلق منها بضرورة وجود إرادتين متطابقتين لإنشاء الإلتزام.
3 - يبقى الإيجاب في العقود خاضعاً للأحكام الخاصة به ويسرى حكم المادة التالية على كل وعد بجائزة يوجه إلى الجمهور" إلا أن هذه المادة حذفت في لجنة المراجعة وجاء في تقريرها تعليلاً لهذا الحذف "واقترح حذفها عدولاً عن وضع قاعدة عامة تجعل الإرادة المنفردة ملزمة واكتفاء بالحالات المنصوص عليها في القانون من أن الإرادة المنفردة تنشىء التزاماً".
وهذا يؤكد أن الشارع وقف عند حد إعتبار الإرادة مصدراً استثنائياً للإلتزام .
الشروط الواجب توافرها في التصرف الذي ينشأ بإرادة منفردة :
الإرادة المنفردة وقد غدت مصدراً للإلتزام، فإنه يسري في هذا الخصوص الأحكام الخاصة بالعقد والتي عرضنا لها في موضعها - وذلك فيما يتعلق بالأهلية وخلو الإرادة مما يعيبها ومن حيث ضرورة قيام الإلتزام على محل وسبب مستجمع للشرائط اللازمة، ولا يستثنى من ذلك إلا ما تعلق بتوافق الإرادتين، وذلك لوجود إرادة واحدة هنا .
الوعد بجائزة الموجه إلى الجمهور :
وهذا هو الإلتزام بالإرادة المنفردة الذي نص عليه القانون المدني في الفصل المعقود للإرادة المنفردة في المادة 162 ونعرض له بالتفصيل فيما يلي .
الوعد بجائزة الموجه إلى الجمهور
تتناول المادة 162 حالة الوعد بجائزة الذي يوجه إلى الجمهور، بجائزة عن عمل معين لمن يقوم بهذا العمل، مثل العثور على شيء ضائع، أو لمن يضع أفضل بحث علمي في موضوع معين، أو لمن يفوز في مسابقة، أو لمن يكشف عن دواء أو مبيد لحشرة كدودة القطن إلى آخره ونعرض لشروط هذا الوعد فيما يلي .
شروط الوعد بجائزة
يشترط لتوافر الوعد بجائزة توافر الشروط الآتية :
1- أن يوجه الوعد إلى الجمهور :
يشترط أن يوجه الوعد إلى الجمهور أي إلى أشخاص غير معينين، أما إذا وجه إلى شخص معين أو أكثر فنكون أمام إيجاب لابد من أن يقترن به قبول، وعندئذ ينعقد عقد هو الذي ينشىء الإلتزام .
أن يكون توجيه الوعد إلى الجمهور عن طريق علني :
كأن يوجه الإعلان عن طريق الصحف أو المجلات أو الإذاعة أو التلفاز، أو بتوزيع نشرات على الجمهور أو بالمناداة في الشوارع والطرق وغير ذلك غير أنه يجب أن تكون العلانية كافية حتى يتيسر العلم لعدد كبير من الناس .
أن يتضمن الوعد أمرين:
(الأول) جائزة معينة يلتزم الواعد إعطاءها لمن يفوز بها، أياً كان محل هذه الجائزة فيستوي أن تكون جائزة مادية في صورة مبلغ من النقود أو أسهم أو سندات أو نفقات رحلة....الخ، أو أن تكون أدبية كوسام أو شارة أو كأس.
(الثاني) شيئاً معيناً يقوم به الفائز حتى يستحق الجائزة وقد ضربنا أمثلة لذلك سلفاً .
أحكام الوعد بجائزة
(أ) الوعد الذي حددت له مدة :
إذا ما حدد الواعد مدة للعمل محل الجائزة أي وقتا يكون المتقدم للجائزة التقدم فيه العمل محل الجائزة سواء كان هذا الموعد صريحاً أو ضمنياً يستخلص من طبيعة الأمر الذي يدور حوله الوعد فإنه يمتنع على الواعد العدول عن الوعد خلال هذه المدة .
فإذا انقضت هذه المدة دون أن يقوم أحد بالعمل الذي رصد له الواعد الجائزة، ينقضى إلتزام الواعد، ولو قام شخص بهذا العمل ولا يكون الواعد في هذه الحالة ولا نحو هذا الشخص بمقتضى الوعد، ولكنه قد يكون مسئولاً نحوه بمقتضى الإثراء بلا سبب.
أما إذا تحقق العمل المطلوب فقد استحق من قام به الجائزة سواء كان يعلم بالجائزة أو لم يعلم، لأن مصدر الجائزة هو الإرادة المنفردة ولأن المقصود هو أن يلتزم من يعد بإعطاء الجائزة بما تعهد بأدائه مادام الطرف الآخر قد قام بالعمل الذي خضعت الجائزة له ولو كان لم يعلم بهذا التعهد .
كما لا يؤثر في استحقاق الجائزة أن يكون قيامه بالعمل بعد الإعلان عنها أو قبله.
(ب) - الوعد الذي لم تحدد له مدة :
إذا كان الواعد لم يحدد مدة معينة ليتم فيها العمل تعين القيام بالعمل خلال المدة المعقولة التي يقدرها القاضي، لأن إلتزام الواعد معلق على شرط واقف هو قيام شخص بالعمل المطلوب في وقت يجدي فيه القيام بهذا العمل ويستوي أن يكون هذا الشخص قد علم بالوعد أو لم يعلم به .
ويكون للواعد أن يرجع في وعده، ولا قيد عليه في ذلك ما دام أن أحداً لم يحقق العمل المطلوب، إلا أنه يجب أن يتم الرجوع بذات العلانية التي تم بها الوعد فإذا كان الإعلان بالجائزة عن طريق التلفاز مثلاً وجب أن يكون الرجوع عن طريق الإعلان بالتلفاز .
وإذا كان الإعلان في صحيفة واسعة الإنتشار، فإنه يجب أن يتم ذلك في صحيفة لها هذه الصفة، فإذا قام الواعد بنشر الرجوع في صحيفة أقل انتشاراً فإنه يكون سيء النية .
وهذا لا يخل بحق من بدأ في تنفيذ العمل في التعويض عن الضرر ويستند هذا التعويض إلى المسئولية التقصيرية ويخضع لتقدير القاضي .
وكان المشروع التمهيدي - كما عدلته لجنة المراجعة - ينص في الفقرة الثانية من المادة على أنه : "فإذا كان قد بدأ العمل دون أن يتمه جاز الحكم بتعويض عادل لا يجاوز في أي حال قيمة الجائزة" - إلا أن هذه العبارات حذفت في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ وجاء بتقريرها " وقد راعت اللجنة في الحذف أن تترك المسألة للقواعد العامة، فضلاً عن أن نص المشروع يفضي إلى منازعات كثيرة غير عادلة" .
متى لا يلزم الإعذار قبل المطالبة بقيمة الجائزة ؟
لا يلزم الإعذار قبل المطالبة بقيمة الجائزة إذا كان تنفيذ الإلتزام بتسليم الجائزة إلى الفائز بها غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين .
سقوط دعوى المطالبة بقيمة الجائزة بالتقادم :
خص الشارع الحالة الواردة بالفقرة الثانية من المادة، وهي التي يرجع فيها الواع عن وعده ويكون هناك من قام بالعمل المطلوب قبل الرجوع بحكم خاص يتعلق بالمدة التي يجب أن ترفع الدعوى خلالها فنص على أنه في هذه الحالة تسقط دعوى المطالبة بالجائزة إذا لم ترفع خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان العدول للجمهور.
وهذه المدة، مدة سقوط لا مدة تقادم، فلا يرد عليها وقف ولا إنقطاع وقد جعلها الشارع كذلك كي يقطع السبيل على كل محاولة مصطنعة يراد بها استغلال الوعد بالجائزة بعد إعلان العدول، ويحسم المنازعات التي تنشأ بسبب تقادم العهد على الجائزة فضلا عن صعوبة الإثبات .
أما فيما عدا هذه الحالة حيث تكون قد حددت مدة ووجد من يستحق الجائزة أو لم تحدد مدة ولم يعدل الواعد ولكن وجد من يستحقها، فإن دعوى المطالبة لا تتقادم إلا بخمس عشرة سنة، شأن كل التزام إرادي لم يرد لتقادمه نص خاص .
مسائل لم تعرض لها المادة :
هناك بعض المسائل التي تثور بصدد الوعد بجائزة للجمهور، لم تعرض لها المادة، ومن ثم فإنه يقضي فيها وفقاً للقواعد العامة، ومثل ذلك :
1 - أن ينفذ العمل الذي بذلت الجائزة من أجله، أكثر من شخص واحد فيكون الجائزة للأسبق.
2 - أن يتعدد المنفذون في وقت واحد فإن الجائزة تكون بالسوية بينهم.
3 - أن يتعاون عدة أشخاص في تحقيق النتيجة التي بذلت الجائزة من أجلها، فإنه يجب على الواعد أن يقسم الجائزة بينهم، على أساس تقدير عادل، قوامه ما يكون لكل منهم من نصيب في تحقيق هذه النتيجة. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/751)
وقد بين هذا النص اللازم توافرها لنشوء الإلتزام بالجائزة - الموعود بها وأحكام هذا الإلتزام .
شروط الإلتزام بالجائزة - يشترط لنشوء الإلتزام بالجائزة وفقاً لنص المادة 162 مدنی :
(1) أن تتجه إرادة الواعد الى إلزام نفسه وأن تكون هذه الإرادة مستكملة جميع شرائط الانعقاد والصحة التي يلزم توافرها في الإرادة في التعاقد ، فيجب أن يكون الواعد مميزاً ومتمتعاً بأهلية الالتزام وأن تكون إرادته سليمة من كل عيب يشوبها كالغلط والتدليس والإكراه ويجب أن يكون محل الإلتزام مشروعاً ، وكذلك السبب الذي من أجله اتجهت الأرادة نحو الإلتزام .
(2) أن يكون محل الإلتزام جائزة معينة يتعهد الواعد بإعطائها لمن يحقق الغرض المقصود بالإلتزام ابتداء من تاريخ إعلان الوعد ويستوي في ذلك أن تكون الجائزة مبلغاً من النقود أو شيئاً قیماً أو شيئاً مثلياً أو خدمة يؤديها الواعد لمن يستحق الجائزة... ولا يلزم أن تكون للجائزة قيمة مالية بل يصح أن تكون قيمتها أدبية بحتة كوسام ، يدل على التقديري... إلخ وإنما لابد في جميع الحالات أن تكون الجائزة شيئاً مما يجوز التعامل فيه أو أمراً مشروعاً ، فلا يجوز أن تكون الجائزة قطعة من الحشيش أو رتبة من الرتب الملغاة .
(3) أن يكون سبب الإلتزام أمراً معيناً يحققه من يستحق الجائزة كالنجاح في مسابقة أو اختراع آلة لغرض - معين أو عزل ميكروب معين أو استنباط علاج لمرض مستعص إلخ ، ولابد أن يكون هذا الأمر مشروعاً ، فلا يصح الوعد بجائزة أن يقتل شخصاً معيناً أو أن يقوم بتهريب شیء ممنوع .
(4) أن توجه هذه الإرادة إلى الجمهور أي الى أشخاص غير معينين ، أن وجهت الى شخص أو أشخاص معينين فلا يسري عليها حكم المادة 162 ولا يترتب عليها نشوء الإلتزام إلا وفقاً للقواعد العامة ، أي باقتران هذه الإرادة يقول من وجهت إليهم .
ويقتضي توجيه الإرادة الى الجمهور أن يكون توجيهها عن طريق علني ، أي بإحدى طرق النشر أو الاذاعة أو التوزيع العام وغيرها التي تتوافر بها العلنية ، لأن هذه الطرق هي وسيلة توجيه الوعد إلى جمهور أي إلى عدد كبير من أشخاص غير معينين.
ويقول زميلنا الأستاذ الدكتور عبد الباقي في ذلك أن علة وجود النشر الجماهيري للوعد تتمثل في أمرين فمن ناحية أوتي تقتضي طبيعة وعندنا ذاتها ذلك النشر عنه ، فمادام هو موجه للجمهور ، فإنه ينبغي أن يتاح له أن يعلم به ؛ ومن ناحية ثانية ، يتمثل النشر الجماهيري للوعد دليلاً على أن مساحبه قد عزم النية عليه زمناً نهائياً ، وأنه لم يكن وليد مجرد فكرة عفوية طارئة آتته في غمرة من حماس آني موقوت .
ومتى توافرت في الوعد بالجائزة هذه الشروط الأربعة ترتب عليه التزام الواعد بما وعد دون حاجة إلى اقتران قبول به ولكنه يكون التزاماً معلقاً على شرط واقف هو إنجاز العمل الذي خصصت له الجائزة والتقديم به في وقت مناسب ويختلف أثر هذا الإلتزام بحسبه ما إذا كان الوعد قد عينت فيه مدة لإنجاز العمل المجاز والتقدم به أو لم تعين مدة أصلاً .
أحكام الإلتزام بالجائزة : (أ) في حالة تعيين مدة الإنجاز العمل المطلوب والتقدم به - إذا عينت في الوعد مدة يجب أن يتم العمل المطلوب في خلالها ، ينشأ الالتزام في ذمة الواعد من وقت الوعد معلقاً على شرط واقف هو إنجاز العمل المطلوب والتقدم به في المدة المحددة ويتقيد الواعد بهذا الإلتزام طوال المدة المحددة فلا يجوز له الرجوع عن وعده ويكون رجوعه قبل انقضاء المدة عديم الأثر ولا يحله من إلتزامه ولكن هذا الإلتزام ينقضي من تلقاء نفسه بمجرد فوات الوقت المحدد دون تقدم أحد بالعمل المطلوب .
فإن تحقق الشرط بأن تم العمل المطلوب والتقدم به في الموعد المضروب حضار الالتزام مستحق الأداء لمن قام بهذا العمل، وتعين بذلك شخص الدائن الذي لم يكن معيناً عن الوعد ، وثبت للأخير حق المطالبة بالجائزة سواء أكان هو قد قام بالعمل المطلوب قصد الحصول عليها أم دون تمتد الى ذلك ، بل سواء أكان يعلم بالوعد بالجائزة وقت قيامه بالعمل إن لم يكن يعلم بها ، وسواء أتم العمل بعد إعلان ذلك الوعد أو قبل إعلانه ، وسواء أحصل من الواعد رجوع عن وعده أو لم يحصل .
وأن تخلف، الشرط بأن انقضت المدة المحددة دون أن يتقدم أحسن بالعمل المطلوب ، انقضى التزام الواعد وأصبح كأن لم يكن ولو تم تقديم العمل المطلوب بعد إنقضاء المدة ، وفي هذه الحالة الأخيرة لا يكون قد قام بالعمل بعد الميعاد مطالبة الواعد بشيء إلا إذا ترتب على العمل الذي قام به إثراء للواعد تتوافر فيه شروط دعوى الإثراء ، فيكون له مطالبة الأخير بمقتضى أحكام الإثراء على حساب الغير .
(ب) في حالة عدم تعيين مدة لإنجاز العمل المطلوب - وإذا لم يعين الواعد مدة يجب التقدم في خلالها بالعمل المطلوب ، فإن ذلك لا يمنع من إلتزامه بوعده إلتزاماً به إلا على شرط ، ويكون الشرط هو التقدم بالعمل المطلوب في مدة معقولة في حدود الوقت الذي يجدی فيه القيام بذلك العمل ، وعند الخلاف على تقدير المدة المعقولة يفصل القاضي في ذلك ، ويكون الحكم كما في الفرض السابق سواء في حالة التقدم بالعمل المطلوب في المدة المعقولة أو في حالة إنقطاع المدة المعقولة دون التقدم بالعمل ، أي أنه في الحالة الأولى تصبح الجائزة مكتسبة أن تقدم بالعمل المطلوب وفي الحالة الثانية ينقضي إلتزام - الواعد .
غير أن التزام الواعد في هذا الغرض يكون إلتزاماً غير محدد المدة ، فيجوز وضع حد له بالرجوع فيه في أي وقت قبل أن يتقدم أحد بالعمل المطلوب ، على أن يكون هذا الرجوع بإعلان آخر يوجه إلى الجمهور .
ويترتب ، على الرجوع تحلل الواعد من وعده ، بحيث إذا تقدم له بعد ذلك أحد بالعمل المطلوب كان هو في حل من إعطائه الجائزة غير أنه إذا ثبت أن من تقدم بالعمل الذي خصصت من أجله الجائز - بعد رجوع الواعد عن وعده - قد بدأ في هذا العمل قبل الرجوع المذكور ، اعتمادا منه على هذا الوعد ، وأنجزه في المدة المعقولة ، خانه بالرغم من عدم إستحقاقه الجائزة يكون له حق في التعويض عما أنفق أو تكبد، وفقاً القواعد المسئولية التقصيرية لأن الرجوع عن الوعد بعد اعتماد الغير عليه وقبل انقضاء المدة المعقولة يعد إخلالاً بالثقة المشروعة يوجب التعويض عما ترتب عليه من ضرر على ألا يجاوز هذا التعويض قيمة الجائزة التي كانت موعودة بأي حال ، لأن التعامل ما كان يطمع في أكثر من هذه القيمة أو أنه أتم العمل وتقدم به قبل الرجوع .
وكذلك إذا كان من بدأ العمل قبل الرجوع في الوعد قد توقف عنه بمجرد علمه بالرجوع ، غير أنه في هذه الحالة الأخيرة يجوز للواعد أن يثبت أن ما بديء فيه من عمل ما كان ليؤدي إلى تحقيق المطلوب في مدة معقولة ، فينفي بذلك توافر علاقة السببية بين الرجوع في الوعد وبين عدم حصول العامل على الجائزة الموعودة .
أما إن تم التقدم بالعمل المطلوب قبل رجوع الواعد عن وعده ، امتنع على الأخير الرجوع ، أو كان رجوعه عديم الأثر ، بمعنى أنه لا يحل الواعد من التزامه ولا يمنع من ثبوت حق من تقدم بالعمل المطلوب في الجائزة الموعودة .
(ج) تقادم التزام الواعد بالجائزة - إذا تحقق الشرط الواقف ، بأن تقدم أحد أفراد الجمهور الواعد، بالعمل الطوعية في الميعاد المحدد أو في ميعاد معقول اذا لم يكن ثمة ميعاد محدد ولم يحصل رجوع من الواعد عن وعده، صار الواعد ملزما باعطاء الجائزة إلى ذلك الشخص ، وثبت للأخير حق في الحصول عليها ، ويعتبر القانون هو المصدر المباشر اذا الالتزام وما يقابله من حق.
ولأن الالتزامات القانونية ينظم آثار ما نص القانون الذي أنشأ هما ولأن نص المادة 162 مدني لم يعرض لتقادم إلتزام الواعد وما يقابله من حق ، فتسري على تقادمهما القاعدة العامة القاضية بتقادم كل حق أو إلتزام بمضي خمس عشرة سنة وجميع القواعد الأخرى المتعلقة بهذا التقادم العام من حيث انقطاعه ووقفه وأثره وضرورة التمسك به ....إلخ .
أما إذا لم يكن الوعد قد اقترن بتحديد مدة وإستعمل الواعد في الرجوع فيه قبل أن يتقدم إليه أحد بالعمل المطلوب ، وكان هناك من بدأ في هذا العمل قبل الرجوع سواء أتمه وتقدم به بعد الرجوع أو لم يتمه أصلاً، وثبت له بسبب ذلك حق في التعويض ما أنفق أو تكبد ، كما تقدم في النبذة السابقة ، فإن هذا الحق يكون مصدر الإخلال بالثقة المشروعة ، أعني العدل الضار غير مشروع ، ويخضع من حيث التقادم إلى أحكام المادة 172 ، فيتقادم بثلاث سنوات من وقت علم العامل برجوع الواعد عن وعده على ألا يجاوز ذلك خمس عشرة سنة من وقت ذلك الرجوع .
بقيت حالة من أتم العمل المطلوب قبل رجوع الواعد في وعده ، وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 162 على أن الرجوع لا يؤثر في حقه في الجائزة، أي أنه يثبت له الحق في الجائزة كما لو كان الرجوع لم يحدث وكان ذلك يستتبع أن هذا الحق لا يتقادم إلا كما يتقادم الحق في الجائزة المترتب على الوعد المعين، المدة أو على الوعد الذي لم يحدث رجوع فيه ، أي بمضي مدة خمس عشرة سنة من وقت التقدم بالعمل المطلوبة ، غير أن العبارة الأخيرة من الفقرة الثانية من المادة 162 نصت بمناسبة الرجوع في الموعد الذي لم يقترن بتحديد مدة على أن (تسقط دعوى المطالبة بالجائزة إذا لم ترفع خلال ستة أشهر من تاريخ اعلانه العدول للجمهور).
الجائز قانوناً بتقصير مدة تقادم الحق في الجائزة من 15 سنة إلى ستة أشهر ، وهذه نتيجة لا يصح إقرارها ، بل الواجب أن لا يتأثر الحق في الجائزة بالرجوع الملاحق لثبوته ، وأن يسوي بينه وبين الحق في الجائزة الذي لا يعقب ثبوته رجوع عن الموعد في جميع أحكامهما بما في ذلك حكم التقادم .
ونعتقد أنه إزاء ذلك التعارض بين العبارتين المذكورتين من الفقرة الثانية من المادة 162 يتعين تغليب أحدهما على الأخرى بعد الإهتداء إلى عامل الترجيح بينهما ولا شك في أن العبارة الأولى التي تقضي بأن لا يؤثر الرجوع عن الموعد في حق من أتم العمل المطلوب قبل حدوثه ترجحها القواعد العامة التي تقضي بأنه متى ثبت مشخص حق بات فلا يجوز لأحد أن يسلبه إياه دون إرادته ، أما العبارة الأخرى التي تقضي بسقوط هذا الحق بمضي ستة أشهر من وقت الرجوع فلا يوجد أي مرجح لها ، ولا أي مبرر ، فضلاً عن أنها فيما نعتقد نتيجة لبنی وقعت فيه لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ في فهم نصوص المشروع الفرنسي الإيطالي حيث اعتقدت أن هذا المشروع قد نص على تقادم الحق في الجائزة بعد رجوع الواعد عن وعده في حين أنه لم ينص على ذلك مطلقاً وإنما نص فقط على سقوط حق من بدأ العمل دون أن يتمه قبل رجوع الواعد في وعده ليس في الجائزة ذاتها بل فقط في استرداد ما أنفق قبل الرجوع في الوعد .
لذلك نري رفع التعارض بين عبارتي الفقرة الثانية المشار إليها بتغليب الأولى منهما على الثانية والقول بأن الرجوع في الوعد بعد تمام العمل لا يؤثر في حق من أتمه في الحصول على الجائزة ، وأنه ليس من شأنه نقص المدة التي يتقادم بها هذا الحق، وهي مدة التقادم العام أي 15 سنة من الموت الذي صارت فيه المطالبة بالحق جائزة. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني الصفحة/ 694)
الإرادة المنفردة كمصدر للإلتزام : ليس من شك في أن الإرادة المنفردة هي تصرف قانوني من جانب واحد وهي بهذه المثابة قادرة على أن تنتج آثاراً قانونية متعددة حيث يرتب عليها القانون هذه الآثار دون توقف على التقائها بقبول مطابق أو وصولها إلى علم من وجهت إليه ، ومن تلك الآثار إنشاء حق عینی كالشأن في الوصية ، أو إنهاء حق عيني كالنزول عن حق أو ارتفاق أو رهن ، أو تصحيح عقد قابل للإبطال كالتعبير عن إجازته ، أو نفاذ عقد غير نافذ کالتعبير عن اقراره او انهاء بعض العقود كالوكالة و العارية و الوديعة أو إتخاذ العديد من الأعمال الإجرائية كالأعذار والتنبيه و غير ذلك من التصرفات والأعمال التي تتم بإرادة منفردة ، و تتميز كلها بأنها تنتج آثارها التي رتبها عليها القانون دون توقف على صدور قبول من أخر أو وصولها إلى علمه ، وبأنها متى صدر التعبير عنها وقعت باتة لا يجوز الرجوع فيها، ولكن الخلاف ثار حول قدرة الإرادة المنفردة على إنشاء الحق الشخصي أو الإلتزام أي حول اعتبارها مصدراً عاماً للحق الشخصي أو الإلتزام وقد اتجه مشروع التقنين المدني في المادة 228 منه على اعتبارها كذلك ولكن هذا النص حذف في لجنة المراجعة إكتفاء بالحالات التي ينص فيها القانون على إنشاء الإلتزام بالإرادة المنفردة ومن هنا ذهب البعض إلى أن الإرادة المنفردة لا تعتبر مصدراً عاماً لإنشاء الإلتزامات وأنه حيث ينص القانون على ذلك يكون القانون هو مصدر الإلتزام مما كان يوجب استبعاد إيرادها ضمن المصادر العامة للإلتزام (السنهوري في مصادر الإلتزام المجلد الثاني بند 907 و 908 - مرقس بند 359) ولكن الرأي السائد يذهب الى ان الإرادة المنفردة وليس القانون هي التي تعتبر مصدراً للإلتزام في الحالات التي يرتب القانون عليها بمجردها أثراً لأن الإلتزامات التي يكون مصدرها القانون مباشرة لا تستند إلا إلى وقائع مادية لا تندرج في ذاتها في نطاق الفعل الضار أو النافع كمصدرين للإلتزام ومع ذلك يرتب عليها القانون آثاراً قانونية بغض النظر عن الإرادة ومن هنا يعتبر القانون في تلك الحالات هو المصدر المباشر للإلتزام ، أما حيث يرتب القانون آثاراً قانونية على مجرد الإرادة المنفردة فان تلك الآثار لا تترتب إلا على هذه الإرادة " (الصدة بند 391 - الشرقاوي بند 94 - جمال زکی بند 230- البدراوى بند 410 - حجازی بند 607 - حمدي عبد الرحمن ص 654 ) ومن تطبيقات الارادة المنفردة كمصدر للإلتزام المادة 93 في شأن الإيجاب الملزم والمادة 70 (الملغاة) في شأن إنشاء المؤسسة الخاصة والمادة 1066 بشأن تطهير المال المرهون والمادة 162 في شأن الوعد بالجائزة (المراجع السالفة نفسها) .
سريان أحكام العقد على التصرف القانوني من جانب واحد : من المقرر أن الأحكام الخاصة بالعقد، تسري كلها على التصرف القانوني من جانب واحد ای الذي يستند الى الإرادة المنفردة عدا ما تعلق منها بوجود إرادتين متطابقتين، لأن الأحكام التي أوردها المشرع لتنظيم العقد تعتبر بمثابة الأحكام العامة في التصرف القانوني ، ومن ثم يجب أن يصدر التصرف من ذي أهلية وعن إرادة غيرة مشوبة بعيب من عيوب الرضا وان يكون له محل وسبب تتوافر فيهما الشروط التي سبق التعرض لها ( يراجع في ذلك جمال زکی بند 231 - السنهوري بند 909 وما بعده - الشرقاوي بند 94 - حجازی بند 608 - الصدة بند 391 - حمدي عبد الرحمن 654 ).
الوعد بالجائزة الموجه الى الجمهور : يشترط في الوعد عدة شروط أولها أن يكون التعبير عن إرادة جادة تتوافر فيها شروط وجود التصرف القانوني وصحته، وثانيها أن يكون التعبير عن هذه الإرادة بطريق علني الى الجمهور كافة فلا يقتصر توجيهه الى شخص معين أو اشخاص معينين وإلا كان ايجاباً ، وثالثها أن يتضمن الإعلان تحديد جائزة معينة سواء كانت مبلغاً أو شيئاً له قيمة مالية أو قيمة معنوية كالكأس أو الوسام، ورابعها أن يتضمن الإعلان تحديد أمر منضبط يقوم به من يستحق الجائزة كالوعد بمنح جائزة لمن يعثر على شيء ضائع ، أو يضع أحسن بحث في موضوع معين ، أو يضع افضل رسم هندسي لمشروع معين فلا تنطبق المادة على الوعد بجائزة لمن تتوافر فيه صفات معينة أو يوجد في وضع معين كأقصر او اقوى رجل في المدينة أو أجمل نسائها أو لأولاد الشهداء ( حجازی بند 612 - جمال زکی بند 232 - الصدة بند 395 - مرقس بند 361 - الشرقاوي بند 94- البدراوى بند 411 )، فإذا توافرت هذه الشروط إلتزام الواعد بالإبقاء على وعده طيلة المدة المحددة لوعده سواء كان التحديد صريحاً أو مستخلصاً من طبيعة الأمر الذي يدور حوله الوعد، فان لم يكن هناك اجل محدد صراحة أو ضمنا جاز له الرجوع بإعلان يوجه إلى الجمهور ويرى البعض عدم مسئولية الواعد في هذه الحالة عن تعويض من قد يكون بدأ في الإعداد للأمر موضوع الجائزة، في حين يرى فريق آخر عدم الإعتداد بالعدول عن الوعد في مواجهة من قام بالأعمال التمهيدية قبل العدول ، في حين يرى فريق ثالث إقرار حق الواعد في العدول مع إلزامه بتعويض هذا الأخير ويكون ذلك على أساس المسئولية التقصيرية ، وهو الرأي السائد .
( حجازی بند 614 مکرراً - السنهوري بند 913 حتى 915- الصدة بند 396 - الشرقاوي بند 96 - مرقس بندی 361 و 362 - حمدي عبد الرحمن ص 655 - البدراوى ص 413 ).
تقادم إلتزام الواعد بالجائزة : يخضع إلتزام الواعد بأداء الجائزة الى من أتم العمل وتقدم إليه به خلال الميعاد وقبل إعلان الواعد عدوله عن وعده ، لأحكام التقدم المنصوص عليه في المادة 374 ومدته خمسة عشر عاماً ، فإذا كان الواعد لم يحدد أجلاً لوعده ثم أعلن عدوله عنه فانه يلتزم بتعويض من كان قد بدأ في العمل قبل الرجوع عما أصابه من ضرر دون مجاوزة مقدار الجائزة ويخضع التزامه للتقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 172 ، كما يلتزم قبل من كان قد أتم العمل قبل الرجوع بقيمة الجائزة ولكن الدعوى التي ترفع بالمطالبة بهذا الإلتزام تسقط بمضى ستة اشهر . ( السنهوري بند 915 وقارن مرقس بند 364 حيث يرى إهدار حكم العبارة الأخيرة من المادة وعدم تقادم دعوى المطالبة بالجائزة في هذه الحالة إلا بمضي مدة التقادم الطويل المنصوص عليه في المادة 374 ). (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 1170)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 72
وَعْد
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَعْدُ فِي اللُّغَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَيُقَالُ: وَعَدْتُهُ خَيْرًا وَوَعَدْتُهُ شَرًّا.
وَالْعِدَةُ: الْوَعْدُ، وَقَالُوا فِي الْخَيْرِ: وَعَدَهُ وَعْدًا وَعِدَةً، وَفِي الشَّرِّ: وَعَدَهُ وَعِيدًا، فَالْمَصْدَرُ فَارِقٌ بَيْنَهُمَا.
وَيُقَالُ: أَنْجَزَ الْوَعْدَ إِنْجَازًا؛ أَيْ أَوْفَى بِهِ، وَنَجَزَ الْوَعْدُ، وَهُوَ نَاجِزٌ: إِذَا حَصَلَ وَتَمَّ، وَوَعَدْتُهُ فَاتَّعَدَ: أَيْ قَبِلَ الْوَعْدَ .
وَالْوَعْدُ فِي الاِصْطِلاَحِ: الإْخْبَارُ بِإِيصَالِ الْخَيْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْعَهْدُ:
2 - الْعَهْدُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ عَهِدَ، يُقَالُ: عَهِدْتُ إِلَيْهِ عَهْدًا، مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَهُوَ الْوَصِيَّةُ وَالأَْمَانُ وَالْمَوْثِقُ وَالذِّمَّةُ، قَالَ أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيُّ: الْعَهْدُ مَا كَانَ مِنَ الْوَعْدِ مَقْرُونًا بِشَرْطٍ، نَحْوَ قَوْلِكَ: إِنْ فَعَلْتَ كَذَا فَعَلْتُ كَذَا، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ فَأَنَا عَلَيْهِ، وَالْعَهْدُ يَقْتَضِي الْوَفَاءَ، وَالْوَعْدُ يَقْتَضِي الإْنْجَازَ. وَيُقَالُ: نَقَضَ الْعَهْدَ، وَأَخْلَفَ الْوَعْدَ.
وَالْعَهْدُ فِي الاِصْطِلاَحِ: حِفْظُ الشَّيْءِ وَمُرَاعَاتُهُ حَالاً بَعْدَ حَالٍ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْمَوْثِقِ الَّذِي تَلْزَمُ مُرَاعَاتُهُ . وَقَالَ الْكَفَوِيُّ: وَالْعَهْدُ الْمَوْثِقُ، وَوَضْعُهُ لِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُرَاعَى وَيُتَعَهَّدَ، كَالْقَوْلِ وَالْقَرَارِ وَالْيَمِينِ وَالْوَصِيَّةِ وَالضَّمَانِ وَالْحِفْظِ وَالزَّمَانِ وَالأْمْرِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَعْدِ وَالْعَهْدِ: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ الْوَفَاءُ بِهِ شَرْعًا.
ب- الْوَأْيُ:
3 - الْوَأْيُ فِي اللُّغَةِ: الْوَعْدُ، يُقَالُ: وَأَيْتُهُ وَأْيًا؛ أَيْ وَعَدْتُهُ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه : «كَانَ لِي عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وَأْيٌ» أَيْ عِدَةٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْوَأْيُ: الْوَعْدُ الَّذِي يُوَثِّقُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَعْزِمُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ .
أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَأْيِ وَالْوَعْدِ، فَقَدْ قَالَ فِيهِ أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيُّ: إِنَّ الْوَعْدَ يَكُونُ مُؤَقَّتًا وَغَيْرَ مُؤَقَّتٍ، فَالْمُؤَقَّتُ كَقَوْلِهِمْ: جَاءَ وَعْدُ رَبِّكَ، وَغَيْرُ الْمُؤَقَّتِ كَقَوْلِهِمْ: إِذَا وَعَدَ زَيْدٌ أَخْلَفَ وَإِذَا وَعَدَ عَمْرٌو وَفَّى. وَالْوَأْيُ: مَا يَكُونُ مِنَ الْوَعْدِ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ، أَلاَ تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: إِذَا وَأَى زَيْدٌ أَخْلَفَ أَوْ وَفَّى. وَلاَ تَقُولُ: جَاءَ وَأْيُ زَيْدٍ، كَمَا تَقُولُ: جَاءَ وَعْدُهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْوَأْيُ: الْعِدَةُ الْمَضْمُونَةُ، وَقِيلَ: الْوَأَيُ الْعِدَةُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ، وَالْعِدَةُ: التَّصْرِيحُ بِالْعَطِيَّةِ .
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَعْدِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْوَعْدِ أَحْكَامٌ، مِنْهَا:
أ- الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ:
4 - الْوَعْدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ بِشَيْءٍ وَاجِبٍ أَوْ بِشَيْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ.
أَمَّا الْوَعْدُ بِشَيْءٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ إِنْجَازُ وَعْدِهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْلاَفُهُ شَرْعًا .
قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَنْ وَعَدَ بِمَا لاَ يَحِلُّ أَوْ عَاهَدَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَنْ وَعَدَ بِزِنًا أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ بِمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ لَيْسَ كُلُّ مَنْ وَعَدَ فَأَخْلَفَ أَوْ عَاهَدَ فَغَدَرَ مَذْمُومًا وَلاَ مَلُومًا وَلاَ عَاصِيًا، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُطِيعًا مُؤَدِّيَ فَرْضٍ .
وَأَمَّا مَنْ وَعَدَ بِشَيْءٍ وَاجِبٍ شَرْعًا، كَأَدَاءِ حَقٍّ ثَابِتٍ أَوْ فِعْلِ أَمْرٍ لاَزِمٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِنْجَازُ ذَلِكَ الْوَعْدِ .
وَأَمَّا مَنْ وَعَدَ بِفِعْلِ شَيْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ إِلَيْهِ، فَيَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يُنْجِزَ وَعْدَهُ، حَيْثُ إِنَّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ مِنْ مَكَارِمِ الأْخْلاَقِ وَخِصَالِ الإْيمَانِ، وَقَدْ أَثْنَى الْمَوْلَى جَلَّ وَعَلاَ عَلَى مَنْ صَدَقَ وَعْدَهُ فَامْتَدَحَ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام بِقَوْلِهِ: ( إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) وَكَفَى بِهِ مَدْحًا، وَبِمَا خَالَفَهُ ذَمًّا.
5 - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ وَاجِبٌ .
وَإِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ذَهَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي ابْنُ الأْشْوَعِ الْكُوفِيُّ الْهَمْدَانِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ اخْتَارَهُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ .
وَحُجَّتُهُمْ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ قوله تعالي : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) .
وَكَذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» .
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ وَاجِبٌ إِلاَّ لِعُذْرٍ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْوَعْدَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلاَّ لِعُذْرٍ .
وَقَالَ أَيْضًا: وَإِذَا وَعَدَ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَفِيَ، فَلاَ يَضُرُّهُ إِنْ قَطَعَ بِهِ عَنِ الْوَفَاءِ قَاطِعٌ كَانَ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْ جِهَةِ فِعْلٍ اقْتَضَى أَلاَّ يَفِيَ لِلْمُوعَدِ بِوَعْدِهِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «إِذَا وَعَدَ الرَّجُلُ وَيَنْوِي أَنْ يَفِيَ بِهِ فَلَمْ يَفِ، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ» .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ دِيَانَةً لاَ قَضَاءً، وَهُوَ رَأْيُ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَلاَ أَقُولُ يَبْقَى دَيْنًا حَتَّى يُقْضَى مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِنَّمَا أَقُولُ: يَجِبُ الْوَفَاءُ تَحْقِيقًا لِلصِّدْقِ وَعَدَمِ الإْخْلاَفِ .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ مُسْتَحَبٌّ، فَلَوْ تَرَكَهُ فَاتَهُ الْفَضْلُ وَارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ شَدِيدَةً، وَلَكِنْ لاَ يَأْثَمُ. وَهُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ .
قَالَ النَّوَوِيُّ: الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُسْتَحَبٌّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا، وَيُكْرَهُ إِخْلاَفُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَدَلاَئِلُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعْلُومَةٌ وَلاِتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَوْعُودَ لاَ يُضَارِبُ بِمَا وُعِدَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ .
وَقَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ ابْنُ مُفْلِحٍ: لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، نَصَّ عَلَيْهِ الإْمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لأِنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَنَصَّ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ عَلَى أَنَّ الْوَعْدَ بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ مُبَاحٌ، فَإِنَّ الأْوْلَى الْوَفَاءُ بِهِ مَعَ الإْمْكَانِ .
الْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ الْمُجَرَّدِ غَيْرُ وَاجِبٍ، أَمَّا الْوَعْدُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لاَزِمًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، حَيْثُ نَقَلَ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنِ الْقُنْيَةِ: لاَ يَلْزَمُ الْوَعْدُ إِلاَّ إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ: أَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَاءِ صُوَرِ التَّعْلِيقِ تَكُونُ لاَزِمَةً . وَنَصَّتِ الْمَادَّةُ (84) مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: الْمَوَاعِيدُ بِصُوَرِ التَّعَالِيقِ تَكُونُ لاَزِمَةً.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لآِخَرَ: ادْفَعْ دَيْنِي مِنْ مَالِكَ، فَوَعَدَهُ الرَّجُلُ بِذَلِكَ، ثُمَّ امْتَنَعَ عَنِ الأْدَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يُلْزَمُ الْوَاعِدُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ، أَمَّا قَوْلُ رَجُلٍ لآِخَرَ: بِعْ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلاَنٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِكَ ثَمَنَهُ فَأَنَا أُعْطِيهِ لَكَ، فَلَمْ يُعْطِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، لَزِمَ الْمُوَاعِدَ أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى وَعْدِهِ .
وَأَسَاسُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الإْنْسَانَ إِذَا أَنْبَأَ غَيْرَهُ بِأَنَّهُ سَيَفْعَلُ أَمْرًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَرْغُوبًا لَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الأْمْرُ غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْوَعْدِ؛ لأِنَّ الْوَعْدَ لاَ يُغَيِّرُ الأْمُورَ الاِخْتِيَارِيَّةَ إِلَى الْوُجُوبِ وَاللُّزُومِ. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَوَاعِيدُ مُفْرَغَةً فِي قَالَبِ التَّعْلِيقِ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُ لِقُوَّةِ الاِرْتِبَاطِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ حُصُولَ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ مَوْقُوفٌ عَلَى حُصُولِ شَرْطِهِ، وَذَلِكَ يُكْسِبُ الْوَعْدَ قُوَّةً، كَقُوَّةِ الاِرْتِبَاطِ بَيْنَ الْعِلِّيَّةِ وَالْمَعْلُولِيَّةِ، فَيَكُونُ لاَزِمًا .
عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ إِنَّمَا اعْتَبَرُوا الْوُعُودَ بِصُوَرِ التَّعَالِيقِ لاَزِمَةً إِذَا كَانَ الْوَعْدُ مِمَّا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ شَرْعًا حَسَبَ قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِمْ، حَيْثُ إِنَّهُمْ أَجَازُوا تَعْلِيقَ الإْطْلاَقَاتِ وَالْوَلاَيَاتِ بِالشَّرْطِ الْمُلاَئِمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَجَازُوا تَعْلِيقَ الإْسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ بِالْمُلاَئِمِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشُّرُوطِ، أَمَّا التَّمْلِيكَاتُ وَكَذَا التَّقْيِيدَاتُ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ عِنْدَهُمْ .
وَالنَّافُونَ لِوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ حَمَلُوا الْمَحْظُورَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَمَقَتَ فَاعِلَهُ فِي قوله تعالي : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) عَلَى مَنْ وَعَدَ وَفِي ضَمِيرِهِ أَلاَّ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ بِهِ، أَوْ عَلَى الإْنْسَانِ الَّذِي يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا لاَ يَفْعَلُهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» فَقَالُوا بِأَنَّ ذَمَّ الإْخْلاَفِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ الْكَذِبَ الْمَذْمُومَ إِنْ عَزَمَ عَلَى الإْخْلاَفِ حَالَ الْوَعْدِ، لاَ إِنْ طَرَأَ لَهُ .
قَالَ الإْمَامُ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا يَنْزِلُ عَلَى مَنْ وَعَدَ وَهُوَ عَلَى عَزْمِ الْخُلْفِ أَوْ تَرْكِ الْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَأَمَّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْوَفَاءِ فَعَنَّ لَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ مِنَ الْوَفَاءِ، لَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ مَا هُوَ صُورَةُ النِّفَاقِ .
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ حَرَامٌ إِذَا وَعَدَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ لاَ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ، أَمَّا إِذَا وَعَدَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ فَلَمْ يَفِ، فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ .
الْقَوْلُ السَّادِسُ: إِنَّ الْوَعْدَ إِذَا كَانَ مُرْتَبِطًا بِسَبَبٍ وَدَخَلَ الْمَوْعُودُ فِي السَّبَبِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْعَقْدِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُبَاشِرِ الْمَوْعُودُ السَّبَبَ فَلاَ شَيْءَ عَلَى الْوَاعِدِ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا وَعَدَهُ أَنْ يُسْلِفَهُ ثَمَنَ دَارٍ يُرِيدُ شِرَاءَهَا فَاشْتَرَاهَا الْمَوْعُودُ حَقِيقَةً، أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ مَبْلَغَ الْمَهْرِ فِي الزَّوَاجِ، فَتَزَوَّجَ اعْتِمَادًا عَلَى هَذَا الْوَعْدِ... فَفِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَأَمْثَالِهِمَا يُلْزَمُ الْوَاعِدُ قَضَاءً بِإِنْجَازِ وَعْدِهِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يُبَاشِرِ الْمَوْعُودُ السَّبَبَ، فَلاَ يُلْزَمُ الْوَاعِدُ بِشَيْءٍ.
وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ وَالرَّاجِحُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَعَزَاهُ الْقَرَافِيُّ إِلَى مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَسُحْنُونٍ .
الْقَوْلُ السَّابِعُ: أَمَّا إِذَا كَانَ الْوَعْدُ مُرْتَبِطًا بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ يَجِبَ الْوَفَاءُ بِهِ قَضَاءً، سَوَاءٌ دَخَلَ الْمَوْعُودُ فِي السَّبَبِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَبِطًا بِسَبَبٍ فَلاَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ: فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لآِخَرَ: أَعِدُكَ بِأَنْ أُعِيرَكَ بَقَرِي وَمِحْرَاثِي لِحِرَاثَةِ أَرْضِكَ، أَوْ أُرِيدُ أَنْ أُقْرِضَكَ كَذَا لِتَتَزَوَّجَ. أَوْ قَالَ الطَّالِبُ لِغَيْرِهِ: أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ أَوْ أَنْ أَقْضِيَ دَيْنِي أَوْ أَنْ أَتَزَوَّجَ، فَأَقْرِضْنِي مَبْلَغَ كَذَا. فَوَعَدَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ عَنْ وَعْدِهِ قَبْلَ أَنْ يُبَاشِرَ الْمَوْعُودُ السَّبَبَ الَّذِي ذَكَرَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ زَوَاجٍ أَوْ وَفَاءِ دَيْنٍ أَوْ حِرَاثَةِ أَرْضٍ... فَإِنَّ الْوَاعِدَ يَكُونُ مُلْزَمًا بِالْوَفَاءِ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالتَّنْفِيذِ جَبْرًا إِنِ امْتَنَعَ.. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعِدَةُ غَيْرَ مُرْتَبِطَةٍ بِسَبَبٍ، كَمَا إِذَا قُلْتَ لآِخَرَ: أَسْلِفْنِي كَذَا، وَلَمْ تَذْكُرْ سَبَبًا، أَوْ أَعِرْنِي دَابَّتَكَ أَوْ بَقَرَتَكَ، وَلَمْ تَذْكُرْ سَفَرًا وَلاَ حَاجَةً، فَقَالَ: نَعَمْ. أَوْ قَالَ الْوَاعِدُ مِنْ نَفْسِهِ: أَنَا أُسْلِفُكَ كَذَا أَوْ أَهَبُ لَكَ كَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، فَلاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهُوَ قُوْلٌ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ .
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ الَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيُّ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ عِدَةً لاَ تُدْخِلُ مَنْ وَعَدَ بِهَا فِي شَيْءٍ، فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُفَسَّرَةً أَوْ مُبْهَمَةً.
- فَإِنْ كَانَتْ مُفَسَّرَةً: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَعِرْنِي دَابَّتَكَ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا. فَيَقُولُ: أَنَا أُعِيرُكَ غَدًا، أَوْ يَقُولُ: عَلَيَّ دَيْنٌ فَأَسْلِفْنِي مِائَةَ دِينَارٍ أَقْضِهِ، فَيَقُولُ: أَنَا أُسْلِفُكَ.
فَهَذَا قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُحْكَمُ بِإِنْجَازِ مَا وَعَدَ بِهِ، كَالَّذِي يُدْخِلُ الإْنْسَانَ فِي عَقْدٍ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى خِلاَفِ هَذَا؛ لأِنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ بِوَعْدِهِ فِي شَيْءٍ يَضْطَرُّهُ إِلَى مَا وَعَدَ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ مُبْهَمَةً: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَسْلِفْنِي مِائَةَ دِينَارٍ، وَلاَ يَذْكُرُ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا، أَوْ يَقُولَ: أَعِرْنِي دَابَّتَكَ أَرْكَبْهَا، وَلاَ يَذْكُرُ لَهُ مَوْضِعًا وَلاَ حَاجَةً. فَهَذَا قَالَ أَصْبَغُ: لاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا.
فَإِذَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الأْولَى: إِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْعِدَةِ إِذَا كَانَ الأْمْرُ أَدْخَلَهُ فِيهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: انْكِحْ وَأَنَا أُسْلِفُكَ مَا تُصْدِقُهَا. فَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ الْوَعْدِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ وُعِدَ، فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَمْ لاَ؟ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ، أَلْزَمَهُ ذَلِكَ بِالْوَعْدِ .
الاِسْتِثْنَاءُ فِي الْوَعْدِ:
6 - نَصَّ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْوَاعِدِ أَنْ يَسْتَنْثِيَ فِي وَعْدِهِ بِقَوْلِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ لقوله تعالي : ( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) وَلأِنَّ الْوَاعِدَ لاَ يَدْرِي هَلْ يَقَعُ مِنْهُ الْوَفَاءُ أَمْ لاَ، فَإِذَا اسْتَثْنَى وَعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ الإْلَهِيَّةِ خَرَجَ عَنْ صُورَةِ الْكَذِبِ فِي حَالِ التَّعَذُّرِ.
غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الاِسْتِثْنَاءِ فِي الْوَعْدِ:
- فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ الأْوْلَى.
- وَقَالَ الْجَصَّاصُ: إِنْ لَمْ يَقْرِنْهُ بِالاِسْتِثْنَاءِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ.
- وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ الْوَعْدُ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ.
الْمُوَاعَدَةُ:
7 - الْمُوَاعَدَةُ: مُفَاعَلَةٌ مِنْ وَاعَدَ. وَقَدْ عَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنْ يَعِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ؛ لأِنَّهَا مُفَاعَلَةٌ لاَ تَكُونُ إِلاَّ مِنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ وَعَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ فَهَذِهِ الْعِدَةُ.
وَقَدْ تَنَاوَلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُوَاعَدَةَ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا، وَذَكَرُوا بَعْضًا مِنْ أَحْكَامِهَا، وَذَلِكَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - الْمُوَاعَدَةُ عَلَى مَا لاَ يَصِحُّ حَالاً:
8 - قَالَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ مِنْ أُصُولِ مَالِكٍ مَنْعَ الْمُوَاعَدَةِ فِيمَا لاَ يَصِحُّ وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ. وَمِنْ ثَمَّ مَنَعَ مَالِكٌ الْمُوَاعَدَةَ عَلَى النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ، وَالْمُوَاعَدَةَ عَلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَعَلَى الْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَعَلَى بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَجَاءَ فِي قَوَاعِدِ الْوَنْشَرِيسِيِّ: الأْصْلُ مَنْعُ الْمُوَاعَدَةِ بِمَا لاَ يَصِحُّ وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ حِمَايَةً . بِمَعْنَى أَنَّ الْمُوَاعَدَةَ عَلَى عَقْدٍ مَحْظُورٍ-بِالنَّظَرِ لِمَا تَؤُولُ إِلَيْهِ- كَالْوَسِيلَةِ لِلْغَايَةِ الْمَمْنُوعَةِ، فَتُحْمَى الْمَقَاصِدُ الَّتِي حَظَرَهَا الشَّرْعُ مِنْ أَنْ تُنْتَهَكَ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ الَّتِي تُفْضِي إِلَيْهَا.
ب - الْمُوَاعَدَةُ عَلَى عَقْدِ الصَّرْفِ
9 - أَمَّا الْمُوَاعَدَةُ عَلَى الصَّرْفِ فَفِيهَا ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَهُمْ:
أَحَدُهَا الْجَوَازُ.
وَثَانِيهَا الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَثَالِثُهَا الْكَرَاهَةُ، وَشُهِرَتْ أَيْضًا نَظَرًا لِجَوَازِ الصَّرْفِ فِي الْحَالِ، وَشُبِّهَتْ بِعَقْدٍ فِيهِ تَأْخِيرٌ .
وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ: وَأَمَّا الْمُوَاعَدَةُ عَلَى الصَّرْفِ فَتُكْرَهُ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَتَمَّ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُوَاعَدَةِ، لَمْ يُفْسَخْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يُفْسَخُ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَجْهَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُوَاعَدَةِ عَلَى الصَّرْفِ فِي حُكْمٍ -حَيْثُ قِيلَ بِجَوَازِهَا وَبِكَرَاهَتِهَا إِلَى جَانِبِ الْقَوْلِ بِمَنْعِهَا- وَبَيْنَ الْمُوَاعَدَةِ عَلَى النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَعَلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَنَحْوِهِمَا، فَقَالَ: وَإِنَّمَا مُنِعَتْ فِيهِمَا؛ لأِنَّ إِبْرَامَ الْعَقْدِ مُحَرَّمٌ فِيهِمَا، فَجُعِلَتِ الْمُوَاعَدَةُ حَرِيمًا لَهُ، وَلَيْسَ إِبْرَامُ الْعَقْدِ فِي الصَّرْفِ بِمُحَرَّمٍ، فَتُجْعَلُ الْمُوَاعَدَةُ حَرِيمًا لَهُ .
وَتَعَرَّضَ الإْمَامُ الشَّافِعِيُّ لِلْمُوَاعَدَةِ فِي الصَّرْفِ فَقَالَ: إِذَا تَوَاعَدَ الرَّجُلاَنِ الصَّرْفَ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلاَنِ الْفِضَّةَ ثُمَّ يُقِرَّانِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَتَبَايَعَاهَا وَيَصْنَعَا بِهَا مَا شَاءَا.
_________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
(ماده 168)
1- من وجه للجمهور وعداً بجائزة يعطيها عن عمل معين التزم باعطاء الجائزة لمن قام بهذا العمل ، ولو قام به دون نظر الى الوعد بالجائزة أو دون علم بها .
۲- واذا لم يعين الواعد أجلا للقيام بالعمل ، جاز له الرجوع في وعده باعلان يوجهه للجمهور . على الا يؤثر ذلك في حق من قام بالعمل قبل الرجوع في الوعد • ولا تسمع دعوى المطالبة بالجائزة اذا لم ترفع في خلال ستة أشهر من تاريخ اعلانه العدول للجمهور•
هذه المادة تطابق المادة 162 من التقني الحالي ، مع استبدال عبارة . ولا تسمع ، بعبارة « وتسقط في الفقرة الثانية
وتقابل المادة 185 من التقنين العراقي .
و تقابل المادة 255 من التقنين الأردني •
و تقابلها المواد ۲۲۱ - 226 من مشروع التقنين الكويتي •
وتتضمن المادة المقترحة تطبيقا للالتزام بارادة منفردة ، حيث يلتزم من بوجه الى الجمهور وعدا بجائزة عن عمل معين بارادته المنفردة .
ويتفق هذا التطبيق مع ما هو مقرر في الفقه الاسلامي من التزام الواعد بوعده ( عبد الرزاق السنهوری ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج۱ ص 45).
( ماده 167)
١- لا تلزم الارادة المنفردة صاحبها الا في الأحوال التي ينص فيها القانون على ذلك .
۲- وتسري على الإرادة المنفردة احكام العقد ، الا اذا كانت هذه الأحكام تتعلق بوجود ارادتين متطابقتين لانشاء الالتزام أو كانت تتعارض مع نص القانون .
هذه المادة مستحدثة .
وكان النص المقترح في المشروع التمهيدي ، وهو المادة ۲۲۸، للتقنين الحالي يجري على النحو الآتي :
۱۰ - اذا كان الوعد الصادر من جانب واحد مكتوبا و كان لمدة معينة فأن هذا الوعد يلزم صاحبه من الوقت الذي يصل فيه الى علم من وجه اليه ، مادام هذا لم يرفضه .
٢- وتسرى على هذا الوعد الأحكام الخامية بالعقود الا ما يتعلق منها بضرورة وجود ارادتين متطابقتين لانشاء الالتزام .
٣- يبقى الايجاب في العقود خاضعا للأحكام الخاصة به ویسری حكم المادة التالية على كل وعد بجائزة موجه الى الجمهور ، . .
وهذا النص الذي ورد في المشروع التمهيدي للتقنين الحالي كان يجعل من الارادة المنفردة مصدرا للالتزام بوجه عام ، ثم حنف في لجنة المراجعة عدو لا عن وضع قاعدة عامة تجعل الارادة المنفردة ملزمة واكتفاء بالحالات المنصوص عليها في القانون من أن الإرادة المنفردة تنشىء التزاما . و قد ترتب على هذا الحدف ان اصبح النص الوحيد الموجود في الفصل الخاص بالارادة المنفردة هو نص الوعد بجائزة الوجه الى الجمهور المادة 162 من التقنين الحالي. وعلى اثر ذلك وحد خلاف في الفقه . فذهبا ، اي الى انه بعد حلف النص المقترح لم تعد الإرادة المنفردة مصدر الالتزام واصبحت الالتزامات الناشئة عنها تقوم اقتضى نصوص قانونية خاصة بحيث صار نص القانون هو المصدر المباشر لهذه الالتزامات • بینما دھبرای آخرالی اعتبار الارادة المنفردة مصدرا استثنائيا للالتزام ، لان الالتزامات التي يكون القانون مصدرا مباشرالها لا تستند الا الى وقائع مادية ، اما الالتزامات التي تنشئها الارادة المنفردة مصدرها المباشر هو هذه الارادة . وهذا هو الراي الذي يعتنقه الفقه الحديث في المانيا وايطاليا و فرنسا ويقول به أغلب الفقه في مصر ، كما هو مسلك التشريعات الحديثة :
فالتقنين الألماني ينص في المادة 305 على أن « انشاء الالتزام بمقتضى تصرف بانوني لا يكون الا بمقد ا عدا الأحوال التي تنص نبها القانون على خلاف ذلك •
والتقنين الايطالي ينص في المادة ۱۹۸۷ على أن « الوعد المنفرد بالقيام باداء لا يكون له أثر ملزم في غير الأحوال التي نص عليها القانون ، .
والتقنين العراقي ينص في المادة 184 على ما يأتي : 1 - لا تلزم الارادة المنفردة صاحبها الا في الأحوال التي ينص فيها القانون على ذلك .
2 - ويسرى عليها مايسري على العقد من احكام الا ما يتعلق منها بوجود ارادتين متطابقتين لانشاء الالتزام ،•
والتقنين الليبي ينص في المادة 65 على ما يأتي :
1- اذا نص القانون على أن تكون الارادة المنفردة مصدرا للالتزام سرى عليها ما بسري على العقد من احکام ، الا اذا كانت هذه الأحكام يقتضيها تعدد الأرادة أو كانت تتعارض مع نص القانون •
٢- وتسری بوجه عام احكام العقد على الارادة المنفردة باعتبارها تصرفا قانونيا يرتب آثارة اخرى غير انشاء الالتزام ، .
ويلاحظ أن هذا النص الوارد في التقنين الليبی متاثر بالرای الفقهي ، التى أشير اليه والتي يذهب الى ان نص القانون هو المصدر المباشر للالتزامات التي تكون الارادة المنفردة مصدرا لها بمقتضى النص .
والتقنين الأردني : ينم في المواد من 250 الی 253 علی ما يأتي :
م 250 : بحوث أن تم التصرف بالارادة المنفردة للمتصه ن دون توقف على القبول مالم يكن فيه الزام النير بشي، وذلك طبقا لا يقفی به القانون .
م : 251 ( ۱ - تسري على التصرف الانفرادی الأحكام الخاصة بالعقود الا ما تلق منها بضرورة وجود ارادتين متطابقتين لنشوء العقد .
وذلك ما لم ينص القانون على غير ذلك ،"
۲ - ويبقى الايجاب في العقد خاضعا للأحكام الخاصة به .
م 252 : اذا استوفی التصرف الانفرادی رکنه وشروطه فلا يجوز المتصرف الرجوع فيه مالم ينص القانون على غير ذاك .
م 253: 1- اذا كان التصرف الانفرادی تملیکا فلا يثبت حكمه للمتصرف اليه الا بقبوله .
٢- واذا كان اسقاطا فيه معنى التمليك أو كان ابراء من دین فیثبت حكمه للمتصرف اليه ولكن برند برده في المجلس .
3- اذا كان اسقاطا محضا نشست حكمه ولا برد بالرد .
4- كل ذلك ما لم ينهي القانون على خلافه •
والتقنين الكويتي في المادة ۲۲۰ على ما يأتي :
1- التصرف القانوني الصادر بالارادة المتفردة لا ينشىء التزاما ولا يعدل في التزام قائم ولا ينهيه ، الا في الأحوال الخاصة التي ينص عليها القانون .
٢- فان قضى القانون بنشوء الالتزام أو بتعديله أو بانقضائه بمقتضی التصرف الصادر بالارادة المنفردة ، سرى على هذا التصرف ماسری على العقد بوجه عام من أحكام القانون ، الا ما كان منها متعارضا مع قيام التصرف على الارادة الواحدة وعلى الأخص ما تعلق بتوافق ارادتی طرفى العقد .
والفقه الاسلامي يعترف الارادة المنفردة بالقدرة على انشاء الالتزام و ميز في هذا الصدد بين الالتزام والرعد والنشر ، ولكنه يختلف في مدى التقيد بتصرف من هذه التصرفات ( أنظر البدائع ج 5 ص ۸۱ وما بعدها وج 6 ص 115 - 214 وانظر عبدالرزاق السنهوري ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج۱ ص 41 - 46).
وفي ضوء كل ماتقدم فان النص المقترح يقف بالارادة المنفردة عند عن كونها مصدرا استثنائيا للالتزام ، فلا تعتبر كذلك الا في الحالات التي يتم فيها القانون على الالتزام بالإرادة المنفردة .