مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني، الصفحة : 490
القانون
مذكرة المشروع التمهيدي :
نظرة عامة :
أوجز المشروع إيجازاً بيناً فيما يتعلق بالالتزامات التي تصدر عن نص القانون مباشرة، وقد حداه على ذلك ما هو ملحوظ في ترتيب هذه الإلتزامات وتنظيمها، فكل التزام منها يتكفل ذات النصر المنشيء له بتعيين مضمونه وتحديد مداه، فرجعها جميع أحكام التشريعات الخاصة بها، ومع ذلك، فقد روى أن ينص، استثناءً، على الإلتزام بتقديم شيء، ذلك أن هذا الإلتزام لم يظفر بمكان في سائر نواحی التشريع، ولهذا أفرد له نص خاص، أخذ عن المشروع الفرنسي الإيطالي، ويراعى أن هذا المشروع قد استلهم في هذا الشأن ما ورد من الأحكام في التقنين الألماني والسويسري.
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- كل إلتزام أياً كان مصدره المباشر يرجع إلى القانون، باعتباره المصدر الأخير للالتزامات والحقوق جميعاً، في الالتزامات ما يكون مصدره المباشر تصرف قانوني، أو عمل غير مشروع، أو إثراء بلا سبب، ويرد في مصدره الأخير إلى القانون، ومنها، على نقيض ذلك، ما یكون القانون مصدره المباشر والأخير في آن واحد، ويراعى أن القانون يعتبر في هذه الصورة مصدراً وحيداً يتكفل بإنشاء الإلتزام رأساً، ويتولى تعيين مداه وتحديد مضمونه، وقد ساق التقنين اللبناني في معرض التمثيل للالتزامات التي تصدر عن نص القانون التزامات الجوار، والالتزام بالإنفاق على بعض الأصهار، وقد تقدم أن التزامات الفضول، فيما يتعلق بالمضي في العمل، والعناية المطلوبة، وتقديم الحساب، كلها ينشئها القانون رأساً، وينفرد بذلك دون سائر مصادر الالتزام .
2- وتنشأ الالتزامات المقررة بنص القانون استقلالاً عن إرادة ذوى الشأن فهي لا تقتضى فيهم أهلية ما (المادة 120 من التقنين اللبناني)، ومع هذا فقد يتطلب القانون أهلية خاصة بالنسبة لبعض هذه الالتزامات مراعياً في ذلك أنها لاتترتب بمعزل عن الإرادة، ومن هذا القبيل ما يقع من الالتزامات على عاتق الفضولى، إذ يشترط القانون لترتيبه أن يكون من يتصدى لشأن من شئون الغير تفضلاً أهلاً للتعاقد .
1- علاقة مجلس الشعب بأعضائه رابطة قانونية تحكمها القوانين واللوائح المعمول بها فى هذا الشأن وقواعد إسقاط عضوية أحد أعضاء المجلس وردت مع ضوابطها فى المادة 94 من دستور 1964 الذى تمت إجراءات إسقاط عضوية الطاعن فى ظله _ وفى المادة 42 من القانون 158 لسنة 1963 فى شأن مجلس الأمة كما تضمنت لائحة المجلس إجراءات إسقاط العضوية إعمالاً للمادة 94 من الدستور بما يوجب الالتزام بتلك القواعد ، ويترتب على إخلال المجلس بالالتزام بها _ إذا ما أضير به عضو المجلس _ مسئوليته عن تعويضه مسئولية مدنية مصدرها القانون طبقاً للقواعد العامة وبغير حاجة إلى نص خاص يقرر ذلك .
(الطعن رقم 3189 لسنة 58 جلسة 1997/06/17 س 48 ع 2 ص 903 ق 174)
2- اذ كانت ملكية السندات الاسمية التى تحولت إليها القيمة الكاملة أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت المؤممة قد استقرت أصحابها بموجب القانونين سالفى الإشارة إليهما بما تخوله لهم ملكية هذه السندات من التصرف فيها بالبيع بتداولها فى البورصة أوكوسيلة للوفاء بالتزاماتهم قبل الدولة بقدر قيمتها أوالانتفاع بما تغله من ريع،ومن ثم فإن الواقعة المنشئة للتعويض المستحق لأصحاب الشركات والمنشآت المؤممة هى القانونان رقم 118لسنة1961،72لسنة1963المعمول بهما فى1961/7/20،1963/8/8 على التوالى إذ يعتبر التعويض مقدرا فى صورته النهائية منذ نشوء الحق فيه أصلا.
(الطعن رقم 2393 لسنة 61 جلسة 1996/03/12 س 47 ع 1 ص 451 ق 88)
3- لئن أناط المشرع بإدارة نزع الملكية بمصلحة المساحة إتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لاتمام نزع ملكية العقارات التى تقرر لزومها للمنفعه العامة بما فيها تقدير التعويض لذوى الشأن وأدائه إليهم بعد إقتضائه من الجهة المستفيدة مما يستتبع بالضرورة توجيه المطالبة بالتعويض قبلها إلا أن ذلك كله رهين بإتباع الإجراءات التى يتطلبها القانون رقم 577 لسنة 1954 فيعتبر القانون فى تلك الحالة مصدر التزامها بالتعويض عن نزع ملكية العقار للمنفعة العامة، أما إذا لم تلزم الجهة المستفيدة أحكام ذلك القانون وإجراءاته فإن إستيلائها على العقار جبرا عن صاحبه يكون بمشابة غصب يرتب مسئوليتها ويخول لصاحب العقار الذى وقع عليه الغصب مطالبتها بالتعويض شأنه شأن المضرور فى مقاضاة المسئول عن العمل غير المشروع . لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الهيئة الطاعنة لم تتخذ الإجراءات القانونية التى أوجب القانون إتباعها فى نزع ملكية ما تم استطراقه فى أعمال توسعة وإنشاء طريق مدينة العامرية الجديدة من العقار المملوك لمورث المطعون ضدهم وفقا لما جاء فى الرد على الوجه الأول من الطعن الأول من الطعن مما يعد معه إستيلائها عليه غضبا يرتب مسئوليتها المباشر عن تعويض المالك المذكور عن فقد هذا الجزء من ملكه دون الإدارة سالفة البيان وإذ التوم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد التزم صحيح القانون.
(الطعن رقم 4798 لسنة 61 جلسة 1993/07/28 س 44 ع 2 ص 887 ق 284)
4- المشروع قد ألزم مالك البناء - الذى يرتفع ببيانه عن قدر معين- بتركيب العدد اللازم من المصاعد فنص فى المادة 11 المضافة بقرار وزير الإسكان والمرافق رقم 651 لسنة 1970 إلى اللائحة التنفيذية للقانون الخاص بتنظيم المبانى رقم 45 لسنة 1962والصادر بها قرار وزير الإسكان والمرافق رقم 169 لسنة 1962 على أن " يلزم طالبوا البناء بتركيب العدد اللازم من المصاعد فى المبانى التى لا يقل ارتفاع أرضية أعلى دور فيها عن 14متراً من منسوب الشارع " و إذ ألغى القانون رقم 45 لسنة 1962 بالقانون رقم 106 لسنة 1976 فى شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء وصدرت اللأئحة التنفيذية للقانون الأخير بقرار وزير الإسكان والتعمير رقم 237 لسنة 1977 نصت المادة 49 من هذه اللائحة على أن يلتزم طالبوا البناء بتركيب العدد اللازمة من المصاعد بما يتناسب مع إرتفاع المبنى " وعدد أدواره ووحداته والغرض من استعماله وذلك وفقا للقواعد التى يصدر بها قرار من المحافظ" وأوجب المشروع أيضا على لجان تحديد الأجرة أن تقدر على حدة قيمة المصاعد وتضيف ما تقدره مقابل الانتفاع بها للأجرة السابقة لها تحديدها بنصه فى المادة 2/17 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 49 لسنة 1977 الصادرة بقرار وزير الإسكان والتعمير رقم 99 سنه 1978 على أن " وعلى اللجنة أن تقدر على حدة قيمة المصاعد ......... على أن تضيف ما تقدره مقابل الانتفاع بها للأجرة السابق لها تحديدها." مما يدل على أن المشروع ألزم المؤجر بتركيب المصعد فى البناء المرخص له به أو ينشئه أو الذى يقوم بتعليته بإضافة طوابق إليه متى ارتفع البناء عن قدر معين واعتبر تكاليف إنشاء المصعد من عناصر تقدير الأجرة القانونية تتولى لجنة تحديد الأجرة تقديرها على حدة وإضافة مقابل الانتفاع به لأجرة الوحدات المنتفعة به السابق لها تحديدها وعندئذ تعتبر جزءا من الأجرة القانونية وتخضع لأحكامها. ومن ثم فأن حق المستأجر فى الانتفاع بالمصعد الذى ألزم القانون مالك البناء ارتفاعا معينا هو حق مصدره القانون لا يجوز حرمانه منه متى طلبه باعتباره من التحسينات التى تزيد الانتفاع بالعين المؤجره ولو كان مستأجرا لوحدته قبل تعلية البناء وتركيب المصعد ويلتزم المالك وخلفه العام ( الورثة ) وخلفه الخاص ( المشترى أو اتحاد الملاك ) بتمكينه من الانتفاع بالمصعد ويلتزم المستأجر بأن يؤدى للمالك مقابل انتفاعه بالمصعد بالقدر الذى تحدده لجنة تحديد الأجرة المختصة باعتباره جزءا من الأجره القانونية.
(الطعن رقم 76 لسنة 59 جلسة 1993/06/24 س 44 ع 2 ص 753 ق 261)
5- مفاد نص المادة 82 من قانون المرافعات أنه إذا ظلت الدعوى مشطوبة دون أن يعلن المدعى غيره من الخصوم خلال الستين يوما التالية لقرار الشطب استئناف سيرها فإنها تعتبر بقوة القانون كأن لم تكن متى تمسك بذلك ذوو الشأن وهو ما يعنى زوال الخصومة وزوال أثرها فى قطع التقادم أن يؤثر ذلك فى الحق فى إقامة دعوى جديدة.
(الطعن رقم 2179 لسنة 60 جلسة 1992/06/28 س 43 ع 1 ص 904 ق 187)
6- لما كان منشأ الحق فى تأمين الشيخوخة هو القانون فإنه لا يعتد بقبول هيئة التأمينات الإجتماعية لاشتراكات عامل لا يستفيد من أحكامه ، ولايكسبه هذا القبول حقاً فى التمتع بهذا المعاش ، لما كان ذلك وكان الثابت فى الدعوى وعلى ما سجله الحكم المطعون فيه أن المطعون ضده قد التحق بالعمل بعد تجاوزه سن الستين مما لا يتطلب إشتراكه فى تأمين الشيخوخة لأنه يكون بمثابة تأمين يبدأ لأول مرة بعد بلوغه سن الستين وهو ما لا يجوز ، فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر وأقام قضاءه بأحقية المطعون ضده فى صرف المعاش والفروق المالية على قبول الهيئة الطاعنة لاشتراكه وإفادته من المادتين السادسة من القانون رقم 63 لسنة 1964 ، 163 من القانون رقم 79 لسنة 1975 فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه.
(الطعن رقم 2392 لسنة 54 جلسة 1985/04/22 س 36 ع 1 ص 644 ق 134)
7- الضريبة وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لا ترتكن على رباط عقدى بين مصلحة الضرائب و الممول ، وإنما تحددها القوانين التى تفرضها وليس فى هذه القوانين ولا فى القانون العام ما يحول دون تدارك الخطأ الذى يقع فيها ، فللممول أن يسترد ما دفعه بغير حق و للمصلحة أن تطالب بما هو مستحق زيادة على ما دفع ما لم يكن هذا الحق قد سقط بالتقادم .
(الطعن رقم 288 لسنة 50 جلسة 1984/04/30 س 35 ع 1 ص 1168 ق 223)
8- الحماية التى أسبغها المشرع على المهجرين فى القانون 76 لسنة 69 المعدل بالقانون 48 لسنة 70 قد سلبت من المؤجر حق طلب الإخلاء للتنازل عن الإيجار أو التأجير من الباطن بحيث أضحى و لا خيار أمامه وقد إنقطعت صلته من حيث الواقع بالمستأجر الأصلى إلا قبض الأجرة من المتنازل إليه المهجر لابإعتباره مستأجراً وإنما بإعتباره شاغلاً العين لا إعتداداً بإرادته كمؤجر بل بسند من القانون لا يملك حياله صرفاً ولاعدلاً .
(الطعن رقم 1148 لسنة 53 جلسة 1984/04/18 س 35 ع 1 ص 1045 ق 199)
9- مؤدى نص المادة الثامنة من القانون رقم 111 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 112 لسنة 1976 يدل على أن المشرع فوض السلطة التنفيذية فى شخص وزير المالية فى إخلال الجهات الحكومية و شركات القطاع العام و الهيئات العامة محل المؤسسات الملغاة فى حق إيجار الأماكن دون موافقة المالك خلافاً لما هو مقرر فى القانون ، و رائد المشرع فى ذلك رعاية مصلحة الدولة الإقتصادية ، يؤيد ذلك ، ما جاء بتقرير اللجنة الإقتصادية بمجلس الشعب عن مشروع القانون رقم 112 لسنة 1976 من أن الهدف من هذه الإضافة هو إعطاء الدولة الحق فى تأجير الأماكن التى كانت تشغلها المؤسسات العامة الملغاة للمستثمرين الأجانب الذين يرغبون فى إستثمار أموالهم فى جمهورية مصر العربية و ذلك مساهمة فى دفع سياسة الإنفتاح الإقتصادى التى تقتضى توفير الأماكن المناسبة مما يتطلب إعطاء الدولة حق التأجير دون موافقة المالك ، خاصة ، و أن هناك أزمة شديدة فى إيجار الأماكن لما كان ذلك و كان النص فى المادة 198 من القانون المدنى على أن [ الإلتزامات التى تنشأ مباشرة عن القانون وحده تسرى عليها النصوص القانونية التى أنشأتها فإنه يتعين الرجوع لأحكام القانون رقم 111 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 112 لسنة 1976 فى كل ما يتعلق بإحلال الغير محل المؤسسات الملغاة فى حق إيجار الأماكن التى كانت تشغلها ، و تحديد مدى الإلتزامات الناشئة عن ذلك و تعيين آثارها ، و لما كان النص فى المادة الثامنة سالفة البيان لم يحدد ميعاداً لتصفية المؤسسات الملغاة بل جاء التحديد قاصراً على الفترة التى يتم فيها الإلغاء و مدته ستة أشهر من تاريخ العمل بالقانون رقم 111 لسنة 1975 و من ثم يجوز لوزير المالية إحلال الغير فى حق الإيجار للمؤسسات الملغاة بإعتبار أن التصرف فى حق الإيجار مصدره القانون ذاته ، و لم يستلزم هذا النص القانونى للتصرف فى حق الإيجار أن يعتبر المكان المؤجر متجراً فى حكم القانون إذ جاء النص صريحاً فى إلغاء المؤسسات التى لا تباشر نشاطاً بذاتها كما لا يشترط الجهة التى يؤدى إليها الحق فى الإيجار ممارسة الأعمال التجارية فقد جاء النص صريحاً فى إجازة إحلال جهات الحكومة والهيئات العامة وشركات القطاع العام .
(الطعن رقم 691 لسنة 48 جلسة 1983/05/26 س 34 ع 2 ص 1315 ق 259)
10- القانون - و ليس العمل غير المشروع - هو مصدر الإلتزام بالتعويض عند الإستيلاء على العقار دون إتباع الإجراءات القانونية لنزع الملكية للمنفعة العامة ولا ينال من ذلك أن هذه المحكمة قد وصفت هذا الإستيلاء فى بعض أحكامها بأنه يعتبر بمثابة غصب إذ أن ذلك كان بصدد تحديد الوقت الذى تقدر فيه قيمة العقار لبيان مقدار التعويض الذى يستحقه مالكه و إقامة الإعتبارات التى تبرر تقدير قيمته وقت رفع الدعوى لا وقت الإستيلاء عليه ، أو فى مقام تبرير أحقية مالك العقار المستولى عليه - بهذه الصورة - فى المطالبة بريعه من تاريخ الإستيلاء و حتى صدور مرسوم نزع الملكية أو الحكم نهائياً بقيمته بناء على طلب صاحبه ، أو فى مقام صدور قرار إدارى بالإستيلاء صدر من شخص لاسلطة له مطلقاً فى إصداره ومشوباً بمخالفة صارخة للقانون بما يجرده عن صفته الإدارية و يغدو معه الإستيلاء على هذا النحو غصباً و إعتداء مادياً .
(الطعن رقم 631 لسنة 43 جلسة 1977/04/27 س 28 ع 1 ص 1067 ق 183)
11- إذ كان الثابت أن المطعون عليه كان يشغل وقت الحادث وظيفة سائق لدى الطاعنة - هيئة النقل العام لمدينة الأسكندرية - و كانت علاقة الموظف بالدولة وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - علاقة تنظيمية تحكمها القوانين و اللوائح الصادرة بشأنها وهى التى تحدد حقوق وواجبات كل وظيفة بصرف النظر عن شاغلها ، و إذ بين المشرع حقوق الموظفين ثم حدد واجباتهم والأعمال المحرمة عليهم فى الفصل السادس من الباب الأول من القانون رقم 210 لسنة 1951 وكانت المادة 82 مكرر المضافة إلى أحكام هذا الفصل بالقانون رقم 73 لسنة 1957 المعمول به من تاريخ نشره فى 1957/4/4 قبل حصول إتلاف السيارة قد حرمت على الموظف فى الفقرة الرابعة منها مخالفة لائحة المخازن و المشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء فى 1948/6/6 وكانت المادة 45 من هذه اللائحة و التى قررت من قبل العمل بالمادة 4 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 ، و محاكمة من يخالفها تأديبياً قد نصت على أن أمناء المخازن وجميع أرباب العهد مسئولون شخصياً عن الأصناف التى فى عهدتهم و عن حفظها و الإعتناء بها و عن صحة وزنها و عددها و مقاسها و نوعها وعن نظافتها و صيانتها من كل ما من شأنه أن يعرضها للتلف أو الفقد ، و لا تخلى مسئوليتهم إلا إذا ثبت للمصلحة أن ذلك قد نشأ عن أسباب قهرية أو ظروف خارجة عن إرادتهم و لم يكن فى الإمكان التحوط لها " ، كما نصت الفقرة الثانية من المادة 349 منها على أن " الأصناف التى تفقد أو تتلف بسبب سرقة أو حريق أو أى حادث آخر كان فى الإمكان منعه فيسأل عنها من كانت فى عهدته تلك الأصناف حين حصول السرقة أو التلف " . لما كان ذلك فإن مسئولية أمناء المخازن وجميع أرباب العهد عما فى عهدتهم ، لا تنسب إلى العمل غير المشروع بل تنسب إلى القانون الذى أنشأها .
(الطعن رقم 42 لسنة 40 جلسة 1977/04/19 س 28 ع 1 ص 982 ق 168)
12- مفاد نص المادتنين 16 ، 20 من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال أن المشرع ألزم الولى أن يحرر قائمة بما يكون للقاصر من مال أوما يؤول إليه و أن يودع قلم كتاب المحكمة التى يقع بدائرتها موطنه فى مدى شهرين من تاريخ الولاية أو من تاريخ أيلولة المال إلى الصغير وذلك إيتغاء الحد من أعمال الأحكام المقررة فى شأن موت الولى مجهلاً . فطالما قيد القانون من حرية الولى فى التصرف وشرط إذن المحكمة لإتمام العديد من التصرفات فإن ذلك يستلزم بداهة أن تكون أموال القاصر معلومة لدى المحكمة ، وهو إلتزام فرضه القانون على الولى من تلقاء نفسه دون توقف على تكليف بذلك من النيابة أو المحكمة . وتكفلت المادة ببيان الجزاء عن عدم القيام بهذا التكليف فأجازت إعتبار عدم تقديم القائمة أو التأخير فى تقديمها بمثابة تعريض مال القاصر للخطر وأقامت قرينة غير قاطعة يكون للمحكمة كامل السلطان فى تقديرها ، بحيث إذا رتبت أثرها و قدرت الأخذ بها بمناسبة ملابسات التخلف أو التأخير كان لها أن تعتبر ذلك الفصل من الولى تعريضا لمال القاصر للخطر و يكون لها بالتالى سلب ولايته أو الحد منها
(الطعن رقم 31 لسنة 44 جلسة 1976/12/08 س 27 ع 2 ص 1721 ق 317)
13- التقادم الثلاثى المنصوص عليه فى المادة 172 من القانون المدنى هو تقادم إستثنائى خاص بدعوى التعويض عن الضرر الناشئ عن العمل غير المشروع فلا يسرى على الإلتزامات التى تنشأ من القانون مباشرة ، وإنما يخضع تقادمها لقواعد التقادم العادى المنصوص عليه فى المادة 374 من ذلك القانون ما لم يوجد نص خاص يقتضى بتقادم آخر.
(الطعن رقم 89 لسنة 38 جلسة 1973/12/11 س 24 ع 3 ص 1243 ق 216)
14- علاقة الموظف بالدولة هى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - علاقة قانونية تحكمها القوانين واللوائح المعمول بها بشأن الوظيفة ، وثمة قواعد أساسية عامة تحكم واجبات الموظف ، و تقوم على وجوب أدائه العمل المنوط به بدقة و عناية الرجل الحريص المتبصر . وهذه القواعد الأساسية قد ترد فى القوانين مع ضوابطها . وقد يخلو منها القانون دون أن يؤثر ذلك فى وجوب التزام الموظف بها . ويعتبر مصدر إلتزام الموظف بتلك القواعد هو القانون مباشرة فيسأل الموظف عن إخلاله بهذا الإلتزام وقد قنن المشرع هذه القواعد فى القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة فحدد فى الفصل السادس منه واجبات الموظفين والأعمال المحرمة عليهم .
(الطعن رقم 178 لسنة 36 جلسة 1971/04/20 س 22 ع 2 ص 495 ق 76)
كل التزام مصدره القانون .
الالتزامات مصدرها القانون، لأن القانون هو الذي جعلها تنشأ من مصادرها، وحدد أركانها، وبين أحكامها .
ولكن هذه الالتزامات لها مصدر مباشر، هو الذي رتب عليه القانون إنشائها، فقد جعل القانون الالتزام ينشأ من مصادر مباشرة ثلاثة :
(1) تطابق إرادتين : فكل اتفاق بين المدين والدائن على إنشاء التزام، في الحدود التي بينها القانون، ينشئ هذا الالتزام، يكون مصدره المباشر هو العقد، والقانون مصدره غير المباشر .
(2) عمل غير مشروع يلحق ضرراً بالغير : فكل خطأ يصدر من شخص، ويلحق ضرراً بشخص آخر، يلزم من ارتكب الخطأ بتعويض الضرر، ويكون المصدر المباشر للإلتزام بالتعويض هو العمل غير المشروع، القانون مصدره غير المباشر.
(3) إثره دون سبب : فكل إثراء إصابة شخص نتيجة مباشرة لافتقار شخص آخر، ولم يكن للإثراء مصدر قانوني يستند إليه، يلزم المثري بتعويض المفتقر، والمصدر المباشر للالتزام بالتعويض هنا هو الإثراء دون سبب، والقانون مصدره غير المباشر .
" يلاحظ في هذه المصادر المباشرة للالتزام - العقد والعمل غير المشروع والإثراء دون سبب - أن القانون اختار عملاً قانونياً، هو العقد، وعملين ماديين، هما العمل غير المشروع والإثراء دون سبب وجعل هذه الأعمال الثلاثة مصادر عامة للالتزام.
دون تمييز بين حالة وحالة، فالعقد مصدر عام للالتزام، سواء كان العقد بيعاً أو هبة أو قرضاً أو إيجاراً أو عارية أو وكالة أو غير ذلك من العقود المسماة، وسواء كان العقد مسمى أو غير مسمى، وأياً كان الالتزام الذي ينشأ من عقد معين ولم يخص القانون حالة دون حالة في جعله العقد مصدراً للالتزام، والعمل غير المشروع مصدر عام للالتزام يستوي في ذلك أن يكون هذا العمل حادثاً من حوادث النقل، أو حادثاً من حوادث العمل، أو خطأ في أعمال المهنة، أو عملاً يخل بالشرف والاعتبار، أو منافسة غير مشروعة، أو تعسفاً في استعمال الحق، أو غير ذلك من الأعمال غير المشروعة، ولم يجعل القانون العمل غير المشروع مصدراً للالتزام في حالات دون أخرى، بل جعله مصدراً عاماً يتناول جميع هذه الحالات، و الإثراء دون سبب مصدر عام للالتزام، لا فرق في ذلك بين إثراء إيجابي وإثراء سلبي، ولا بين افتقار إيجابي وافتقار سلبي، ولا بين قيمة مادية وقيمة معنوية، ولا تمييز بين القاعدة العامة وتطبيقاتها الخاصة من دفع غير مستحق وعمل الفضولي، ولم يقصر القانون الإثراء دون سبب كمصدر للالتزام على حالة من هذه الحالات دون حالة، بل عممه عليها جميعاً، وجعله فيها كلها مصدراً للالتزام .
وإلى جانب هذه المصادر المباشرة يختار القانون حالات خاصة، ويرتب في كل حالة منها التزاماً، يستند حقاً إلى عمل قانوني أو إلى عمل مادي، ولكن يستند إليه لا كمصدر عام ينشئ الالتزام في هذه الحالة وفي غيرها من الحالات وحدها دون غيرها، وهنا إذا قيل إن العمل القانوني أو العمل المادي هو مصدر الالتزام في هذه الحالة الخاصة كان هناك شيء من التجوز، فالواقع أن القانون ذاته هو المصدر المباشر لهذا الالتزام، إذ أنشأه، لا عن طريق نص عام بل بنص خاص عين هذه الحالة بالذات، وحدد نطاقها، ورسم مداها، ورتب عليها حكمها، فالنص القانوني – لا العمل القانوني ولا العمل المادي – هو المصدر المباشر للالتزام.
فعل القانون ذلك في بعض الوقائع المادية وفي بعض الأعمال القانونية، فعين حالات خاصة، بعضها يستند إلى واقعة مادية وبعضها يستند إلى عمل قانوني، وأنشأ في هذه الحالات التزامات قانونية هو مصدرها المباشر، أما الحالات الخاصة التي تستند إلى واقعة مادية، منها التزامات الأسرة والتزامات الجوار والتزامات الفضولي والتزام حائز الشيء بعرضه إذا كان محلاً للنزاع وأما الحالات الخاصة التي تستند إلى عمل قانوني، فهذه كلها تستند إلى الإدارة المنفردة، كالإيجاب الملزم والوعود بجائزة.
النص هو الذي ينشأ الالتزام القانوني
هل هناك سياسة تشريعية توخاها القانون في إنشاء الالتزامات القانونية :
رأينا أن المصدر المباشر للالتزامات القانونية هو القانون ذاته، فلا توجد وسيلة إلى معرفة الالتزامات القانونية وتحديدها إلا الرجوع إلى النصوص القانونية، فأينما نجد نصاً ينشئ التزاماً، فثم التزام قانوني، وقد يبدو أن الالتزامات القانونية، وقد وكل أمر إنشائها إلى النصوص، تخلقها هذه النصوص تحكماً، دون أن تكون هناك في إنشائها سياسة مرسومة، فحيث يستحسن المشرع إنشاء التزام قانوني، أنشأ هذا الالتزام بنص تشريعي، وهذا هو الظاهر، ولكن الواقع من الأمر أن المشرع يخضع في إنشاء الالتزامات القانونية، كما يخضع في إنشاء سائر العلاقات القانونية، إلى سنن طبيعية يطيعها عن شعور أو عن غير شعور .
ونبين كيف يخضع المشرع لهذه السنن الطبيعية في إنشاء الالتزامات القانونية .
الالتزامات القانونية التي تستند إلى الوقائع المادية
الالتزامات السلبية : بديهي أن الإنسان يلتزم بإرادته في الحدود التي يسمح بها القانون، فالالتزام الإداري لا عناء في تبريره، وحيث يوجد التزام يقوم على الإدارة، فالقانون هو الذي أوجده .
والقانون في إنشائه للالتزامات غير الإدارية يدخل في حسابه اعتبارات أدبية واجتماعية، ولكنه لا يستطيع أن ينقاد لهذه الاعتبارات وحدها، بل يجب عليه أن يراعي اعتبارات أخرى في الصياغة القانونية، أهمها أنه لا يستطيع أن يصوغ التزاماً مبهماً غير محدد، أياً كانت المبررات الأدبية والاجتماعية لإنشائه، فهو لا يستطيع أن ينشئ التزاماً إيجابياً يفرض على كل شخص أن يساعد غيره أو أن يغيثه عند الحاجة، مثل هذا الالتزام غير المحدد مقضي عليه أن يبقى في دائرة الآداب والاجتماع، ويتناول القانون في رفق بعض نواحيه، فيبرر منها ما يتمكن من تحديده، يصوغه التزامات قانونية، فينتقل بذلك من عالم الأخلاق والاجتماع إلى عالم القانون.
وأول ما استطاع القانون أن يفعل ذلك كان في الالتزامات السلبية، لأنها أسهل تحديداً وأخف عبئاً وأظهر حاجة، فأوجد التزامين قانونيين أخذ بهما الناس كافة، قال في الأول منهما : لا تضر بالغير دون حق، فوجد العمل غير المشروع مصدراً عاماً للالتزام، وقال في الثاني : لا تثر على حساب الغير دون سبب، فوجد الإثراء دون سبب مصدراً عاماً آخر .
وهنا وقف القانون، ولم يستطع أن يخطو خطوة ثالثة ليضع قاعدة عامة كالقاعدتين الأوليين، ذلك أنه كان يقرر في هاتين القاعدتين التزامات سلبية، فإذا هو خرج من المنطقة السلبية إلى المنطقة الإيجابية، ومن النهي عن الإضرار والإثراء إلى الأمر بالمعاونة والمساعدة، فثم العسر والتحكم، إذ تختلط الحدود، وتنبهم الضوابط .
الالتزامات الإيجابية : على أن القانون لم يسعه أن يقف عند هذه الحدود السلبية، بل تقد إلى المنطقة الإيجابية ولكن في كثير من الأناة، وإذا كان قد استطاع كما قدمنا أن يقول في عبارة عامة : لا تضر بالغير، ولا تثر على حساب الغير، فإنه لم يستطع أن يقول : ساعد الغير، في عبارة لها ذات العموم والشمول، قال : ساعد الغير، ولكن في مواطن معينة رسم حدودها وأحكم ضوابطها .
فبدأ بمن ساعد الغير فعلاً من تلقاء نفسه - الفضولي - وقال له عليك أن تمضى في عملك ما دمت قد بدأته، وعليك أن تبذل فيه عناية محمودة، وعليك أن تقدم عنه حساباً، هذه هي الالتزامات القانونية التي ترتبها النصوص في ذمة الفضولي، ومصدرها القانون كما سبق أن قررنا، ثم سار خطوة أوسع، وأوجب مساعدة الغير ابتداءً، ولكنه لم يستطيع أن يرسم في ذلك التزامات محدودة إلا في نطاق محدود الأسرة وأفرادها يتصل بعضهم ببعض أوثق الاتصال، ونطاق الجيران والصلة فيما بينهم قائمة موطدة، ونطاق أصحاب المهنة، ونطاق الجمعيات والنقابات، بل نظر في حالات نادرة إلى الأمة كجماعة واحدة وأوجب على أفرادها التزامات قانونية نحو المجموع أي نحو الدولة .
أما في نطاق الأسرة، فقد أنشأ التزامات قانونية مختلفة، من ذلك التزامات الزوجية، والالتزامات ما بين الأبوين والأبناء، والالتزامات المتعلقة بالولاية والوصاية والقوامة، والالتزام بالنفقة، وغير ذلك من التزامات الأسرة، وكلها تقوم على التضامن الواجب فيما بين أفرادها .
أما في نطاق الجوار، فهناك التزامات سلبية، كوجوب الإمتناع عن إحداث مضار فاحشة للجيران، وعدم الإطلال على الجار من مسافة معينة وهناك التزامات إيجابية، كالتزام الجار نحو جاره في الشرب والمجرى والمسيل والمرور، وكالالتزامات التي تنشأ بسبب ملكية الطبقات في المبنى الواحد.
وفي نطاق المهنة، أوجد القانون في ذمة رب العمل التزامات نحو عمالة في تعويضهم عن مخاطر العمل، وأوجد في ذمة أصحاب المهنة الواحدة التزامات نحو عملائهم فيحتفظون بأسرار المهنة ويبادرون إلى إسعاف من يحتاج إلى معونتهم، وينخرطون في سلك هيئة واحدة .
وفي نطاق الجمعيات والنقابات، أنشأ التزامات مختلفة في ذمة أعضاء هذه الجمعيات والنقابات تقوم على التعاون فيما بينهم .
ونظر القانون إلى الأمة كجماعة واحدة، فأنشأ التزامات في ذمة أفرادها نحو الدولة، أهمها الالتزام بدفع الضرائب.
والقانون في كل ما قدمناه يتوخى سياسة واحدة : لا ينشئ التزاماً قانونياً إلا وهو يقوم على التضامن الإجتماعي، ثم يكون هذا الالتزام محدد المعالم، معروف المدى، منضبط الحدود، وقد ترك التعميم إلى التخصيص مد جاوز النطاق السلبي إلى النطاق الإيجابي، فانتقل من الالتزامات العامة التي يكون مصدرها المباشر واقعة مادية، إلى التزامات قانونية محددة تقوم مباشرة على نصوص قانونية خاصة.
الالتزامات القانونية التي تستند إلى الإدارة المنفردة
هل تستطيع الإرادة المنفردة أن تفشي التزاماً : رأينا فيما تقدم أن العقد، وهو تطابق إرادتين، يعتبر مصدراً عاماً للالتزام، فيما هي قيمة الإدارة المنفردة، وهل تستطيع أن تنشئ التزاماً؟ وإذا كانت تنشئ الالتزام، فهل هي كالعقد مصدر عام للالتزام، أو أن القانون يقتصر على الاستناد إليها لإنشاء التزامات قانونية محدودة بمقتضى نصوص قانونية خاصة ؟
لاشك في أن الإرادة المنفردة، وهي عمل قانوني صادر من جانب واحد، تنتج آثاراً قانونياً مختلفة فقد تكون سبباً لكسب الحقوق العينية كالوصية، وسبباً لسقوطها كالنزول عن حق ارتفاق أو حق رهن، وقد تثبت حقاً شخصياً ناشئاً عن عقد قابل للإبطال كالإجازة، وقد تجعل عقداً يسري على الغير كالإقرار، وقد تنهى رابطة عقدية كعزل الوكيل أو نزوله عن الوكالة، أما بالنسبة إلى إنشاء الحق الشخصي (الالتزام) أو إسقاطه، فالإرادة المنفردة في القانون المدني الجديد تسقط الحق الشخصي بالإبراء (م 371)، وبقي أن نعرف هل هي أيضاً تنشئ الحق الشخصي ؟ وقبل أن نعالج هذه المسألة في القانون المدني الجديد، نستعرض فيها نظريتين متعارضتين.
فالنظرية الفرنسية تذهب إلى أن الالتزام الذي يتولد عن عمل قانوني لا يكون مصدره إلا عقداً أي توافق إرادتين، أما الإرادة المنفردة فلا تولد التزاماً، وهذه قاعدة ورثها القانون الفرنسي من تقاليد القانون الروماني والقانون الفرنسي القديم، وأصبحت من القواعد المتفق عليها فقهاً وقضاءً في فرنسا وفي مصر في عهد القانون القديم ولكن نظرية المانية ذهبت إلى أن الإرادة المنفردة تنشئ التزاماً، وعلى رأس القائلين بهذه النظرية من الفقهاء الألماني سيجل، فقد ذهب إلى أن تقاليد القانون الحرماني تساعد على الاعتراف بتوليد الإرادة المنفردة للالتزام، فمن يتعاقد إنما يلتزم بالإرادة الصادرة منه لا بتوافق هذه الإرادة مع إرادة المتعاقد الآخر، ورتب على ذلك أن الإيجاب وحده ملزم، فلا يستطيع من صدر منه الإيجاب أن يعدل عنه، وقد انتصر لهذه النظرية غير سيجل من الفقهاء الألمان كثيرون وساير الفقهاء الألمان بعض الفقهاء الفرنسيين .
ويستند أنصار النظرية الألمانية إلى الحجج الآتية :
(1) القول بضرورة توافق إرادتين لإنشاء التزام يسد الباب دون ضروب من التعامل يجب أن يتسع لها صدر القانون، فلا يمكن بغير الإرادة المنفردة أن نفسر كيف يستطيع شخص لها صدر القانون، فلا يمكن بغير الإرادة المنفردة أن نفسر كيف يستطيع شخص أن يلزم نفسه بعرض يقدمه للجمهور، أي لغير شخص معين وقد يكون الدائن غير موجود في الحال ولكنه سيوجد في المستقبل، أو يكون موجوداً ولكن حال بينه وبين القبول حائل بأن مات قبل صدور القبول منه أو فقد أهليته، ففي كل هذه الفروض، وهي فروض تقع كثيراً في العمل، لا يمكن القول بوجود الإلتزام في ذمة المدين إذا حتماً توافق الإرادتين، فالقول بجواز إنشاء الإرادة المنفردة للالتزام يرفع هذا الحرج .
(2) من الصعب أن تتوافق إرادتان توافقاً تاماً، ولا يمكن التثبت من توافقهما إلا إذا تحاصرنا في لحظة واحدة، وهذا مستحيل في التعاقد بالمراسلة، بل هو أيضاً مستحيل حتى إذا وجد المتعاقدان في مجلس واحد، فإن أحد المتعاقدين لا بد أن يسبق الآخر في إظهار إرادته وهذا هو الإيجاب، ثم يتلوه الآخر فيظهر القبول، فالإيجاب والقبول يتعاقبان، فإذا أردنا التأكيد من أنهما يتعاصران فيتوافقان، فلا بد من أن نفرض أن من صدر منه الإيجاب قد ثبت على إيجابه حتى اقترن بالإيجاب القبول، وهذا محض فرض نأخذ به كما نأخذ بإرادة مفروضة تزعم أنها هي الإرادة الباطنة، والأولي أن نتجنب هذه الفروض وان نواجه الحقيقة كما هي، فالملتزم بالعقد إنما يلتزم بإرادته هو لا يتوافق مع إرادة الدائن، فهو يوجد حقاً في ذمته لشخص آخر بمجرد إعلان إرادته، ورضاء الآخر بهذا الحق هو مجرد انضمام تطلبناه حتى لا يكسب الدائن حقاً دون إرادته، وقد لا تتوافق الإرادتان ومع ذلك يوجد العقد كما إذا عدل الموجب عن إيجابه وكان الطرف الآخر قد صدر منه القبول قبل أن يعلم بعدول الطرف الأول.
(3) ثم أنه ليس في المنطق القانوني ما يمنع من أن يلتزم الشخص بإرادته، فالإنسان حر في أن يقيد نفسه في الدائرة التي يسمح بها القانون، بل أن سلطان الإرادة هنا أشد نفاذاً منه في نظرية توافق الإرادتين، إذ الإرادة المنفردة تصبح قادرة وحدها على إيجاد الالتزام، وهذا أقصى ما يصل إليه سلطانها، أما القول بوجوب توافق الإرادتين فبقية من بقايا الأشكال الغابرة التي كانت تحد من سلطان الإرادة، فقديماً كانت الإرادة لا توجد أثراً قانونياً إلا إذا اقترنت بأشكال معقدة، فقديماً كانت الإرادة لا توجد أثراً قانونياً إلا إذا اقترنت بأشكال معقدة، ثم اندثرت هذه الأشكال حتى لم يبق منها اليوم إلا النادر، وأصبحت الإرادة هي التي توجد الأثر القانوني الذي تتجه إليه، فالواجب أن نصل في هذا التطور إلى غايته المنطقية، وان نقول بأن للإرادة السلطان حتى لو لم تقترن بها إرادة أخرى، على أننا نتطلب رضاء الدائن حتى لا يكسب حقاً بالرغم منه، ولكن هذا الرضاء لا يوجد الالتزام، بل إن الالتزام ينشأ بمجرد صدور إرادة المدين .
ويعترض أنصار النظرية الفرنسية على النظرية الألمانية بما يأتي :
(1) أن نظرية الإرادة المنفردة غير قائمة على أساس صحيح، لأنه إذا أمكن فهم أن المدين يلتزم بإرادته المنفردة، فلا يمكن أن يفهم كيف أن الدائن يصبح دائناً دون إرادته، فإذا قيل أن المدين يلتزم لغير دائن، فما معنى هذا الالتزام وما قيمته ؟ وإذا قيل أنه لا بد من إرادة الدائن حتى يصبح دائناً، فهذا هو توافق الإرادتين ومنه ينشأ العقد.
(2) يقضى المنطق ذاته بعدم التسليم بنظرية الإرادة المنفردة، فإنه إذا قيل إن للإرادة المنفردة هذا السلطان، وإن في مكنتها أن تولد التزاماً، وجب القول أيضاً إنها تستطيع أن تقضي هذا الالتزام، وما تستطيع الإرادة وحدها أن تستطيع وحدها أن تحله، وبهذا يصبح التزام من التزم بإرادته المنفردة معلقاً على محض إرادته، فيكون التزاماً منحلاً .
(3) على أن نظرية الإرادة المنفردة مبنية على فروض غير صحيحة، فهي تفترض دائماً أن أحد المتعاقدين وزن الأمر قبل التعاقد، وبت فيه بقرار نهائي، وأعلن طفرة عن إرادته، ولم يكن أمام الطرف الآخر إلا أن يقبل أو يرفض مع أن الأمر غير ذلك فالذي يقع في العمل عادة أن المتعاقدين يتفاوضان، وما يزالان في أخذ ورد لا يستقل أحدهما بالأمر دون الآخر، وكل إرادة تؤثر في الأخرى وتعدل من اتجاهها، حتى تتوافق الإرادتان، وعند ذلك يتم العقد، ومن هذا نرى أن إرادة الطرف الآخر ليست مجرد إقرار لإرادة الطرف الأول، بل كثيراً ما تؤثر فيها ويتفاعلان حتى ينتج من تفاعلهما إرادة متحدة هي العقد، فكلتا الإرادتين اشتركت في تكوين الالتزام، ولم تستقل إحداهما بذلك كما يزعم أنصار نظرية الإرادة المنفردة .
والآن بعد أن استعرضنا حجج الفريقين، نفق قليلاً لتقدير مبلغ في نظرية الإرادة المنفردة من صحة، ونبدأ بملاحظة أن الاعتراضات التي يتقدم بها خصوم النظرية لا تصل من الخطر إلى حد أن تدك قواعدها، أما أن الدين لا يوجد دون دائن، فقد قدمنا أن النظرية المادية تنظر إلى الالتزام كقيمة مالية أكثر منه رابطة شخصية، ويترتب على هذا النظر أنه يمكن تصور دين دون دائن ما دام المدين موجوداً وقت نشوء الدين وما دام الدائن يوجد وقت تنفيذ الدين ولو لم يوجد قبل ذلك، أما القول بأنه إذا صح للإرادة المنفردة أن تنشئ التزاماً صح لها أيضاً أن تقضيه، فهذا خلط بين أثر في العالم النفسي وأثرها في الروابط الاجتماعية، فإن الإرادة إذا أعلنت وعلم بها الغير فاطمأن إليها، ولدت ثقة مشروعة يستطيع الناس الاعتماد عليها، فوجب إحترام هذه الحالة التي أوجدتها الإرادة المنفردة إذا عقدت التزاماً وحدها قد لا يستطيع وحدها أن تحله إذا حال دون ذلك وجوب استقرار التعامل، يبقى الاعتراض الثالث، وهو أن العقد وليد مفاوضات تتفاعل فيها الإرادتان وتؤثر إحداهما في الأخرى، وهذا صحيح من الناحية النفسية أيضاً، أما من الناحية الاجتماعية فمن الممكن أن نميز مرحلة تنتهي عندها هذه المفاوضات ويدخل الإيجاب في دورة النهائي ويصبح إيجاباً باتاً ولا شك في أن هذا الإيجاب البات قد أثرت فيه عوامل مختلفة قبل أن يصبح كذلك، ومن أهم هذه العوامل إرادة الطرف الآخر، ولكن لا شك أيضاً في أنه بعد أن أصبح إيجاباً باتاً صار منسوباً لإدارة من صدر منه ما دام قد ارتضاه في النهاية، وعند ذلك يتحقق أن يكون أحد الطرفين قد تقدم بإرادة نهائية ليس للطرف الآخر إلا إقرارها، هذا إلى أن هناك أحوالاً كثيرة تقع في العمل، يتقدم فيها أحد الطرفين بإيجاب بات لا تسبقه مفاوضات ومن ذلك ما يجري في عقود الإذعان.
فنحن لا نرى فيما تقدم من الاعتراضات على النظرية الألمانية ما يصلح لهدمها، ولكننا مع ذلك لا نعتقد أن الفرق كبير من الناحية العملية بين النظريتين الألمانية والفرنسية، ذلك أن الأساس المنطقي للنظرية الألمانية هو أن الإرادة قادرة على إلزام صاحبها ما دام يلتزم في دائرة القانون، ولا حاجة أن تقترن إرادة الدائن بإرادة المدين حتى ينشأ الالتزام، ونحن لا نرى لماذا لا يكون هذا صحيحاً من الناحية المنطقية فحسب، بل من الناحية القانونية أيضاً، وما دام القانون قد وصل في تطوره إلى أن يجعل للإرادة سلطاناً في إيجاد الآثار القانونية، فلماذا يقف سلطان الإرادة دون إنشاء الالتزامات ! يستطيع المدين إذن أن يلتزم بإرادته المنفردة، ولكنه يستطيع أيضاً، وطبقاً لسلطان الإرادة ذاته، أن يتحلل من التزامه بإرادة المنفردة ما دامت هذه الإرادة لم تولد ثقة مشروعة، فالالتزام الذي يعقده المدين بإرادته التزام محلول وإلى هنا لا يوجد فرق كبير بين النظريتين الألمانية والفرنسية، فالنظرية الأولي ترى المدين قد أوجد التزاماً بإرادته المنفردة ولكنه التزام ينحل عنه في أي وقت شاء، والنظرية الثانية ترى المدين لم يوجد بإرادته المنفردة أي التزام، ولا يوجد فرق عملي كبير بين التزام غير موجود والتزام موجود ولكن يمكن التحلل منه، بقى أن النظرية الألمانية لا تسمح للملتزم بإرادته المنفردة أن يتحلل من التزامه إذا ولدت إرادته ثقة مشروعة لا يجوز الإخلال بها، وهذا لا يتحقق إلا إذا فرضنا أن إرادة المدين قد ولدت عند شخص معين، هو الدائن، ثقة مشروعة جعلته يطمئن إلى العمل بمقتضى هذه الإرادة، فإذا تحقق هذا الفرض، وألزمت النظرية الألمانية المدين بإرادته المنفردة، جاز للنظرية الفرنسية أن تقول بالتزام المدين أيضاً، ولكن لا بإرادته المنفردة، بل بتوافق إرادته مع الإرادة الضمنية للدائن وهي إرادة تستخلص من اطمئنانه لإرادة المدين والنزول على مقتضاها في تصرفه وسواء كان سبب التزام المدين في هذه الحالة هي إرادته المنفردة كما يقول الألمان، أو العقد كما يقول الفرنسيون، فالنتيجة العملية واحدة، إذ المدين ملتزم التزاماً لا رجوع فيه في كلا القولين .
على أننا مهما قربنا ما بين النظريتين، فإنه لا يفوتنا أن الأساس الذي بنى عليه كل مهما لا يزال مختلفاً، وهذا الاختلاف في الأساس قد يؤدى إلى نتائج ذات نتائج ذات بال، ويكفي أن نشير هنا إلى أنه في الفرض الأخير الذي عالجناه، إذا قلنا مع الألمان بالتزام المدين بإرادته المنفردة، كان التزامه موجوداً منذ صدور هذه الإرادة، أما إذا قلنا مع الفرنسيين إن المدين يلتزم بتوافق إرادته مع إرادة الدائن، لم يوجد الالتزام إلا عند توافق الإرادتين، أي عند صدور الإدارة الضمنية من الدائن، ثم إن التمشي مع النظرية الألمانية يجعلنا نحذف العقد من بين مصادر الالتزام، ونحل الإرادة المنفردة محله، أما النظرية الفرنسية فلا تفسح مجالاً للإرادة المنفردة بين هذه المصادر، وتجعل العقد وحده هو العمل القانوني الذي ينشئ التزاماً .
ومهما يكن من أمر فإن القانون الألماني ذاته لم يجعل الإرادة المنفردة مصدراً عاماً للالتزام، بل أخذ بها على سبيل الاستثناء في حالات محددة على سبيل الحصر بمقتضى نصوص قانونية خاصة، أما المشروع الفرنسي الإيطالي فقد جعل من الإرادة المنفردة، إلى جانب العقد، مصدراً عاماً للالتزام، وسنرى الآن أن القانون المصري الجديد نهج منهج القانون الألماني، فلم يجعل الإرادة المنفردة مصدراً للالتزام إلا في حالات محدودة وردت بها نصوص خاصة .
النص هو الذي يعين أركان الالتزام القانوني ويبين أحكامه
القاعدة العامة
أركان الالتزام القانوني : رأينا أن النص هو الذي ينشئ الالتزام القانوني، ويعتبر مصدراً مباشراً له، والنص كذلك هو الذي يعين أركانه هذا الالتزام، وقد استعرضنا طائفة من الالتزامات القانونية فيما تقدم، فالرجوع إلى النص، في كل التزام قانوني منها على حدة، هو الذي يبين مدى هذا الالتزام والأركان التي يقوم عليها .
ويمكن القول بوجه عام إن الالتزامات القانونية، كسائر الالتزامات، تكون إما التزاماً بإعطاء، أو التزاماً بعمل، أو التزاماً بالامتناع عن عمل مثل الالتزام القانوني بالاعطاء الالتزام بالنفقة والالتزام بدفع الضرائب، والالتزام بتعويض العامل عن مخاطر العمل، ومثل الالتزام القانوني بالعمل التزام الولي أن يدير أموال القاصر، والتزام الجار أن يشترك في وضع حد لملكة الملتصق بملك جاره، ومثل الالتزام القانوني بالامتناع عن عمل التزام الجار ألا يهدم الحائط الذي يستر به جاره دون عذر قوى، والتزامه ألا يحدث ضرراً فاحشاً للجيران .
والالتزام القانوني، كسائر الالتزامات، رابطة ما بين دائن ومدين، وتقوم هذه الرابطة على محل مستوف لشرائطه، ولما كان القانون في الالتزام القانوني المبني على واقعة مادية هو الذي يعين هذا المحل على النحو الذي بيناه، إعطاء كان أو عملاً أو امتناعاً عن عمل، فإن المحل لا بد أن يكون قد استوفى الشرائط الواجبة، فلا صعوبة يمكن أن تثار من هذه الناحية .
والسبب لا يكون ركناً في الالتزام القانوني إلا إذا استند إلى الإرادة المنفردة، فقد رأينا أن السبب يتصل بالإرادة، ويترتب على ذلك أن الالتزام القانوني الذي يقوم على إرادة منفردة، كالإيجاب الملزم والوعد بجائزة، يجب أن يكون مبنياً على سبب مشروع، وإلا كانت الإرادة باطلة لا تنتج أثراً، وكذلك المحل في الالتزام القانوني المبني على الإرادة المنفردة تعينه هذه الإرادة، فيجب في تعيينه أن يكون مستوفياً لشرائطه على النحو الذي قدمناه عند الكلام في المحل .
والأهلية إنما يجب توافرها في الالتزام القانوني المبني على الإرادة المنفردة أما الالتزام القانوني المبني على واقعة مادية فلا تشترط فيه أية أهلية إلا إذا نص القانون على ذلك، وقد كان هذا الحكم منصوصاً عليه في الفقرة الثانية من المادة 272 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : " ولا تشترط أية أهلية في هذه الالتزامات (القانونية المبينة على وقائع مادية)، ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك "، فحذف هذا النص في لجنة المراجعة لعدم الحاجة إليه، فهو مفهوم من مقتضى تطبيق القواعد العامة ومن الأمثلة على التزام قانوني مبني على واقعة مادية يشترط النص فيه أهلية خاصة التزامات الفضولي، فقد رأينا أن الفقرة الأولي من المادة 196 تنص على أنه " إذا لم تتوافر في الفضولي أهلية التعاقد، فلا يكون مسئولاً عن إرادته إلا بالقدر الذي أثرى به، ما لم تكن مسئوليته ناشئة عن عمل غير مشروع "، وكذلك ورثة الفضولي عندما أوجب القانون عليهم أن يخطروا رب العمل بموت مورثهم وأن يتخذوا من التدبيرات ما تقتضيه الحال لصالح رب العمل، اشترط النص (م 194 فقرة 2 وم 717 فقرة 2 ) لقيام الالتزامات أن تتوافر فيهم الأهلية، وتشترط المادة 16 من قانون المحاكم الحسبية في الوصي أن يكون ذا أهلية كاملة .
أحكام الالتزام القانوني : وكذلك النص هو الذي يبين أحكام الالتزام القانوني، فيرجع في كل التزام إلى النص الذي أنشأه لمعرفة هذه الأحكام .
ويمكن القول بوجه عام إن الالتزام القانوني، كسائر الالتزامات، ينفذ عيناً إذا كان هذا ممكناً، وإلا انتهي إلى تعويض بقدر طبقاً للقواعد العامة وقد تبين طبيعة الالتزام القانوني شيئاً من أحكامه وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية في هذا المعنى بأن طبيعة دين النفقة تجعله خاصاً بشخص من ترتب في ذمته هذا الدين، ومن ثم تكون وفاة المحكوم عليه مسقطة لحكم النفقة، بحيث لا يبقى لهذا الحكم من الأثر على تركته إلا بمقدار المستحق من النفقة الذي كان واجب الأداء قبل الوفاة. .
تطبيقات مختلفة : ونأتي ببعض تطبيقات على ما قدمناه من أن النص هو الذي يعين أركانه الالتزام القانوني ويتكفل ببيان أحكامه . ويحسن قبل ذلك أن نبين أنه ليس من الضروري أن يكون النص موجوداً في القانون المدني، فالقوانين المالية وقوانين الأحوال الشخصية وقانون المرافعات وغير ذلك من القوانين المختلفة قد تتضمن نصوصاً تنشئ التزامات قانونية، وتتكفل هذه النصوص بتعيين أركانه الالتزام وبيان أحكامه.
فمن الالتزامات القانونية التزامات الفضولي، وقد سبق أن فصلناها راجعين فيها إلى النصوص المدنية التي أنشأها، ورأينا كيف أن هذه النصوص هي التي تعين أركان الالتزام وتبين أحكامه .
ومن الالتزامات القانونية الالتزام بدفع الضرائب، وهذا الالتزام يرجع في تعيين أركانه وبيان أحكامه إلى القوانين المالية الخاصة بالضرائب على العقار والمنقول وكسب العمل والإبرام العام وغير ذلك من الضرائب المختلفة .
ومن الالتزامات القانونية التزامات الأسرة، ويدخل فيها واجبات كل من الزوجين والعلاقة ما بين الوالدين والأولاد والنفقة بمختلف أنواعها والتزامات الأولياء والأوصياء والقوام، وهذه كلها يرجع في تعيين أركانها وفي بيان أحكامها إلى قوانين الأحوال الشخصية، وبخاصة إلى الشريعة الإسلامية، ثم إلى قانون المحاكم الحبيسة.
ومن الالتزامات القانونية التزامات الحوار، ويرجع فيها إلى نصوص القانون المدني في الكثرة الغالبة من الأحوال، وهذه النصوص تفرض على الجيران التزامات كثيرة متنوعة، منها إزالة مضار الجوار إذا جاوزت الحد المألوف، ومنها الالتزامات الناشئة عن الحائط المشترك والحائط الملاصق، ومنها الالتزامات الناشئة عن الشيوع في الملك.
وكان المشروع التمهيدي للقانون الجديد يتضمن نصاً ينشئ التزاماً قانونياً في ذمة كل من حاز شيئاً أو أحرزه، بأن يعرض هذا الشيء على من يدعى حقاً متعلقاً به، متى كان فحص الشيء ضرورياً للبت في الحق المدعى به من حيث وجوده ومداه، ولكن لجنة المراجعة حذفت هذا النص لأنه أدخل في باب المرافعات .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الأول، المجلد : الثاني، الصفحة : 1770)
الأحكام التي تخضع لها الالتزامات التى مصدرها القانون :
القانون هو مصدر مباشر لبعض الالتزامات ومن ثم لا سبيل إلى تحديد هذه الالتزامات القانونية إلا بنص فالنص القانوني وحده هو الذى ينشىء هذه الالتزامات وهو مصدرها الوحيد وهو الذى يتكفل بتعيين أركان الالتزام القانوني وبيان احكامه ومثلها التزام الفضولي بدفع الضرائب والتزامات الأسرة والجوار والوعد بجائزة والنفقة وإلزام خاسر الدعوى مصاريفها والتزام أمين العهدة بعدم اختلاسها والتزام الجهة نازعة الملكية للمنفعة العامة على نحو ما أوضحناه ببند المسئولية عن نزع الملكية دون إتباع الإجراءات بالمادة 163 .
فالالتزام بالنفقة رتبه القانون على واقعة القرابة والتزامات الجوار رتبها القانون على واقعة الجوار، والتزام دفع الضرائب رتبه القانون على واقعة تحقيق أرباح .... وهكذا .
والالتزامات التي مصدرها القانون، تتحدد آثارها بنص القانون ذاته، فإن لم يحدد النص هذه الآثار يتعين تطبيق القواعد العامة فالالتزام الذي مصدره القانون إن لم يحدد القانون مدة تقادمه فإنه يتقادم بخمس عشرة سنة دون اعتداد بالتقادم الخاص بالمصادر الأخرى للالتزامات.
وإذا رفعت دعوى استناداً لالتزام مصدره القانون تعين الفصل فيها على هدى ما تضمنه النص من أحكام وشروط وتتولى المحكمة تفسيره وفقاً لقواعد التفسير التي أوضحناها بالجزء الأول.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الرابع، الصفحة : 145)
القانون مصدر مباشر للالتزام في حالات خاصة :
يعتبر القانون مصدراً غير مباشر لجميع الالتزامات، فالالتزامات الناشئة عن العقد أو عن الإرادة المنفردة، أو عن العمل غير المشروع، أو عن الإثراء بلا سبب، مصدرها القانون، لأن القانون هو الذي جعلها تنشأ عن هذه المصادر، فالقانون مصدر غير مباشر لها، لأنه هو الذي جعلها تنشأ مباشرة عن هذه المصادر الأربعة.
ولكن في بعض الأحوال ينشأ الالتزام عن القانون مباشرة، بحيث لا يكون له مصدر آخر غير حكم القانون الذي أنشأه، وفي هذه الحالة فإنه يسري على هذا الالتزام النص القانوني الذي ينشئه.
ورغم ما توحي إليه صياغة المادة 198 من أن مصدر الالتزام القانوني هو دائماً التشريع، فإنه ينبغي مع ذلك أخذ معنى القانون بحسب المفهوم الواسع لهذا الاصطلاح فكل مصدر من مصادر القانون يصلح أن يكون مصدراً مباشراً للالتزام، فبجانب التشريع وهو المصدر الرسمي الأول للقانون، فإن العرف قادر على إنشاء الالتزامات القانونية، مثال ذلك العرف الموجود في بعض الأقاليم والذي يوجب على من تلقى هدية في مناسبة معينة أن يرد مثلها في مثل المناسبة التي تلقاها فيها.
ومن الأمثلة على الالتزامات الناشئة عن القانون مباشرة، الالتزامات الموجودة في نطاق الأسرة، كالتزامات كل من الزوجين في مواجهة الزوج الآخر.
والالتزام بالنفقة فيما بين الزوجين وفيما بين الأقارب.
ومن الأمثلة على ذلك أيضا الالتزامات الناشئة بين الجيران بسبب الجوار، كتلك التي تنشأ بسبب الحائط المشترك والحائط الملاصق أو بسبب ملكية الطبقات في المبنى الواحد، أو بسبب الشيوع في الملك.
ومن أهم الأمثلة على الالتزامات القانونية، الالتزام بدفع الضرائب، وهو التزام في مواجهة الدولة تمكيناً لها من القيام بوظائفها في خدمة المجتمع.
ومن الأمثلة على الالتزامات القانونية التزامات الفضولي، أما التزامات رب العمل فهى ناشئة عن الفضالة، أو عن الإثراء بلا سبب.
ونظراً لأن الالتزام ينشأ عن القانون مباشرة، فلا يتصور البحث في شروط صحته فهو لا تتصور بالنسبة له عيوب الإرادة، ولا يؤثر فيه نقص أهلية المدين، ولا تثور بشأنه مشكلة السبب، أو مشكلة المحل، ويكفي للقول بوجود الالتزام التحقق من وجوده طبقاً لمصادر القانون المختلفة.
أما آثار هذا الالتزام فإن القانون هو الذي يحددها، وهذه الآثار لاتخرج على النظرية العامة في الالتزام، وبصفة خاصة فإن هذا الالتزام يتحلل كغيره من الالتزامات إلى عنصرين : عنصر المديونية وعنصر المسؤولية، ومقتضى ذلك أن على المدين أن يبادر إلى تنفيذ التزامه طوعاً، وإلا فإنه يجبرعلى تنفيذه قهراً والتنفيذ الجبري إما أن يكون تنفيذاً عينياً، أو تنفيذاً بطريق التعويض .
وكان المشروع التمهيدي للقانون المدني يتضمن التزاماً نص عليه في المادة 273 في الفصل المعقود للقانون كمصدر للالتزام، وهو الالتزام على كل من حاز شيئاً أو أحرزه، بأن يقدم هذا الشئ لمن يدعي حقاً متعلقاً به، متى كان فحص الشيء ضرورياً للبث في الحق المدعى به، لكن لجنة المراجعة حذفت هذا النص لأنه أدخل في باب المرافعات .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الثالث، الصفحة : 333)
الالتزامات التي تنشأ من القانون مباشرة تسري عليها النصوص القانونية التي أنشأتها.
الالتزام بالتعويض عند الاستيلاء على العقار دون اتباع الإجراءات القانونية.
الالتزامات الناشئة عن العلاقة التنظيمية التي بين الدولة والهيئات العامة وبين موظفيها.
علاقة مجلس الشعب بأعضائه.
الالتزام بالضريبة مصدرها المباشر هو نص القانون.
الحق في تأمين الشيخوخة .
التعويض المستحق لأصحاب الشركات و المنشآت المؤممة .
حق المستفيدين من امتداد عقد الإيجار إليهم في حالة وفاة المستأجر .
الحماية التي أسبغها المشرع على المهجرين في مواجهة المؤجر.
حق المستأجر في الانتفاع بالمصعد الذي ألزم المشرع المالك بتركيبه عند مجاوزة ارتفاع المبنى قدراً معيناً.
والتزامات النواب عن عديمي أو ناقصي الأهلية مصدرها القانون.
والالتزامات التي تنشأ من القانون مباشرة تخضع للتقادم المسقط الطويل العادي دون التقادم الثلاثي الخاص بالعمل غير المشروع، وذلك ما لم ينص القانون على مدة تقادم خاصة .(التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 1737 )