loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني، الصفحة : 503

مذكرة المشروع التمهيدي :

تعرض المادة 277 من المشروع لأثر آخر من آثار الالتزام الطبيعي، فتقرر صلاحيته لأن يكون سبباً لالتزام مدنی، عند اعتراف المدين به وقد انقسم الفقه بشأن ماهية هذا الاعتراف، فلم يكن بد من أن يقطع المشروع برأي في هذا الخلاف والحق أن الاعتراف لا ينطوي على تجديد ينقلب من جرائه الالتزام الطبيعي التزاماً مدنياً، بل هو إنشاء الالتزام مدني، يقوم الالتزام الطبيعي منه مقام السبب ( قارن المادة 6 من التقنين اللبناني ) . وما دام الاعتراف بالالتزام الطبيعي لا يعتبر من قبيل التبرعات فهو لا يخضع لأحكامها من حيث الشكل أو الموضوع، شأنه شأن الوفاء من هذا الوجه.

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 277 من المشروع.

فاقترح تحوير لفظي أدق في الدلالة على المعنی ووافقت عليه اللجنة فأصبح النص الآتي: الالتزام الطبيعي إذا اعترف المدين به يصلح سبباً لالتزام مدني.

وأصبح رقم المادة 208 في المشروع النهائي.

المشروع في مجلس النواب

 وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 208.

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة الثانية والعشرين

تليت المادة 208:

أثارت عبارة «إذا اعترف المدين به» شبهة عند بعض حضرات الأعضاء فقد يظن أن المقصود منها أن رد الاعتراف بالالتزام الطبيعي ينقله إلى التزام مدني فنفي معالي السنهوري باشا هذه الشبهة قائلاً : إن هذه المادة قد حسمت خلاف قائماً بين الفقهاء فالبعض يقول إن الاعتراف بالالتزام الطبيعي يعتبر تجديداً له وهذا القول مردود بأن التجديد قد يطعن فيه بأنه بغير سبب والبعض الآخر يقول إن الاعتراف بالالتزام الطبيعي يصلح لأن يكون سبباً للالتزام المدني وقد أخذ المشروع بهذا الرأي الأخير.

وأكد معاليه أن المقصود من النص أن الاعتراف بالالتزام الطبيعي يصلح أن يكون سبباً لالتزام مدني لا أن يكون سبباً لتحويل الالتزام الطبيعي إلى التزام مدنی.

وبعد مناقشة استقر رأي اللجنة - بناء على اقتراح سعادة الرئيس على حذف عبارة «إذا اعترف المدين به» دفعاً للشبهات وعلى أن يثبت في هذا المحضر أن مجرد الاعتراف لا يصح أن يكون وحده سبباً كافياً لتحويل الالتزام من طبیعی إلى مدنی.

وبذلك أصبح نص المادة 208 كما يأتي :

الالتزام الطبيعي يصلح سبباً لالتزام مدني

وقد وافق معالي السنهورى باشا على ذلك.

تقرير اللجنة :

حذفت اللجنة عبارة « إذا اعترف المدين به» من هذه المادة وبهذا أصبح النص:

«الالتزام الطبيعي يصلح سبباً لالتزام مدني» وهو في صيغته هذه لا يجعل من الاعتراف الوسيلة الوحيدة التي ينقلب بها الالتزام الطبيعي مدنياً.

وأصبح رقم المادة 202.

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة.

شرح خبراء القانون

الالتزام المستند لالتزام طبيعى :

الالتزام الطبيعى هو فى الأصل التزام مدنى، ولذلك إذا قام المدين بالوفاء بالتزام طبيعى عن بينة واختبار قاصداً من ذلك الوفاء بالتزام طبيعي فإن هذا الوفاء يكون صحيحاً لا رجعة فيه على نحو ما أوضحناه بالمادة السابقة وقد يرغب المدين فى الوفاء على نحو ما تقدم ولكن تضطره الظروف إلى أرجاء هذا الوفاء مؤكداً للدائن عزمه على القيام به، فيوعده بالوفاء، وحينئذ يصبح الالتزام مدنياً بعد أن كان طبيعياً ويكون للدائن إجبار المدين على الوفاء بموجب هذا الوعد وقد يتضمن الوعد أجلاً للوفاء فيلتزم الدائن به فإن جاء خلوا من الأجل كان الدين حالاً.

وليس لهذا الوعد شكل خاص ويخضع فى إثباته للقواعد العامة المقررة فى الأثبات، ولا يكفى اعتراف المدين بالالتزام الطبيعي فليس من شأن هذا الاعتراف أن يقلب الالتزام الطبيعى إلى التزام مدنى، بل يلزم الوعد المتضمن  قصد المدين على أن يوفى بالتزام طبيعى عن بينة واختبار فإن تخلف فى الوعد هذا القصد بأن صدر الوعد عن غلط أو تدليس أو إكراه فلا يكون من شأنه إنشاء التزام مدنى.

ومتى توافر فى الوعد قصد الوفاء على نحو ما تقدم، نشأ عنه التزام مدنى سببه الالتزام الطبيعى الذى قصد المدين الوفاء به.
ويخضع الوعد بالوفاء لأحكام المعاوضات دون أحكام التبرع على نحو ما أوضحناه بالمادة السابقة .

لا تجوز المقاصة بين التزام طبيعى والتزام مدنى :

لما كان الالتزام الطبيعى لايجوز اجبار المدين على الوفاء به، وكانت المقاصة القانونية ضرب من ضروب الوفاء الجبرى، لذلك لا يجوز للدائن أن يطالب بأعمالها بين التزام طبيعى له فى ذمة مدينة وبين التزام مدني فى ذمته لهذا المدين إذ فى هذه الحالة إذا اجربت المقاصة يكون المدين قد أجبر على الوفاء بالتزامه الطبيعى وهو غير جائز، لأن الوفاء بالالتزام الطبيعى لا يكون إلا إختياراً لا جبراً.

لذلك يجوز للدائن أن يتمسك بالمقاصة القانونية بين التزام مدنى له فى ذمة مدينة وبين التزام طبيعى فى ذمته لهذا المدين ففى هذه الحالة يكون الدائن قصد الوفاء بالتزامه الطبيعى عن طريق المقاصة أما إذا انتفى هذا القصد جاز للدائن أن يطلب إبطال الوفاء للغلط.

ذلك أن الالتزام الذي اكتملت مدة تقادمه، يظل التزاماً مدنياً ولا ينقلب إلى التزام طبيعي إلا إذا تمسك المدين بالتقادم فان طلب الدائن إجراء المقاصة القانونية ولم يتمسك المدين بالتقادم رغم ثبوت حقه فيه اعتبر متنازلاً عن التقادم فيظل التزامه مدنياً ترد عليه المقاصة.

وراجع المادة 366 فى وقع المقاصة رغم التمسك بالتقادم إذا كانت شروطها قد توافرت قبل اكتمال مدة التقادم.

ولما كانت المقاصة القضائية تعتبر وفاء اختيارياً فتكون جائزة بين التزام طبيعى والتزام مدنى.

لا تجوز الكفالة فى الالتزام الطبيعى :

تقضى أحكام الكفالة اجبار المدين على الوفاء بالتزامه إذ يرجع الدائن على الكفيل بالدين ثم يرجع بعد ذلك الكفيل على المدين لاجباره على الوفاء بالدين الذى دفعه للدائن ولذلك لا تجوز كفالة الالتزام الطبيعي إذ لا جبر على الوفاء به . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع، الصفحة/ 157)

الالتزام الطبيعي يصلح سبباً لإنشاء التزام مدني: وكما يجوز الوفاء الاختياري بالالتزام الطبيعي، يجوز كذلك الوعد بالوفاء به، ما دام هذا الوعد قد صدر عن بينه واختيار فإذا كان المدين في التزام طبيعي، بدلاً من أني في بهذا الالتزام وفاء فعلياً، وعد أن يفي به، فإن هذا الوعد يصبح ملزماً له ويكون الالتزام في هذه الحالة التزاماً مدنياً يجبر المدين على الوفاء به . فكأن المدين قد وفى الالتزام الطبيعي بالتزام مدني.

ويجب أيضاً – كما في الوفاء الاختياري - أن يكون المدين قد قصد أن يلتزم وفاء التزاماً مدنياً، فلا يكفي مجرد الاعتراف بوجود التزام طبيعي في ذمته .

علي أنه يجوز أن يكفل الكفيل التزاماً طبيعياً وتكون كفالته تبعية لا التزاماً أصلياً، ولكن التزام الكفيل في هذه الحالة يكون هو أيضاً التزاماً طبيعياً كالتزام المكفول، إذ لا يجوز أن تكون الكفالة بشروط أشد من شروط الدين المكفول ( م 780 مدني ) ويتحقق هذا الفرض فيما إذا كفل الكفيل ناقص الأهلية دون أن يكون عالماً بنقص أهليته، فعند ذلك يجوز للكفيل أن يتمسك بالدفوع التي يتمسك بها المدين الأصلي ( م 782 فقرة أولي مدني )، ومنها الدفع بنقص الأهلية، فينقلب كل من التزام المكفول ناقص الأهلية والتزام الكفيل التزاماً طبيعياً ولا يجبر أحد منهما على الوفاء بالتزامه لكن إذا وفاه مختاراً لم يجز له استرداده . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثاني المجلد/ الثاني)

تنص المادة - كما رأينا- على أن الالتزام الطبيعي يصلح سبباً لالتزام مدني. ويتضح من النص أن مجرد الاعتراف بوجود الالتزام الطبيعي لا أثر له من حيث تحويله إلى التزام مدنی. ولكن قد يرغب المدين في الوفاء به دون أن يكون قادراً على ذلك في الحال، فيقتصر عندئذ على التعهد بالوفاء به، وبصدور هذا التعهد ينشأ التزام مدني في ذمته، يجوز إكراهه على الوفاء به.

غير أن الإقرار الذي يحدث هذا الأثر ليس مجرد الإقرار أو الإخبار بوجود دین طبيعي في الذمة، وإنما هو الإقرار باتجاه الرغبة إلى تعزيز الدين الطبيعي وإزالة ما به من وهن، أو هو تعهد برفع الدين الطبيعي إلى مرتبة الالتزام المدني، ويكون سبب هذا التعهد هو قصد الوفاء بالدين الطبيعي. وبهذا تكفي إرادة المدين وحدها لنشوء هذا التعهد دون حاجة إلى قبول من الدائن، وكذلك الا يكون التعهد تبرعاً بل يكون معاوضة سببها الالتزام الطبيعي.

ويجب أن تكون نية تعزيز الدين الطبيعي واضحة، وإلا فإن الشك يفسر لمصلحة المدين ويحمل الإقرار على أنه مجرد إجبار بوجود الدين الطبيعي.

ولا يعتبر هذا التعهد منشئاً التزاماً جديداً، بل معززاً فقط الدين الطبيعي القائم في ذمة المدين. ولذلك فإنه من جهة لا يلزم لصحته توافق الإرادتين، بل يتم بإرادة المدين وحدها دون حاجة إلى قبول من الدائن، ويترتب على ذلك أنه يجوز لدائني الدائن توقيع الحجز تحت يد المدين بمجرد صدور التعهد منه ولو لم يصدر من الدائن قبول. ومن جهة أخرى لا يعتبر الالتزام المدنی ناشئاً من الإرادة المنفردة للمتعهد وبالتالي لا تعتريه أوجه الضعف التي تلازم الالتزامات التي تنشأ بإرادة واحدة كجواز الرجوع في الوصية. وإنما يعتبر مصدر الالتزام الواقعة الأصلية التي أنشأت الدين الطبيعي.

ولا يعتبر التعهد الجديد - كما ذكرنا سلفاً- إلا معززاً لدين الطبيعي ومزيلاً ما كان به من وهن.

وهو يمكن من هذه الناحية تشبيهه بإجازة العقد القابل للإبطال من حيث أن هذه الإجازة تعزز العقد وتزيل قابليته للإبطال. 

ذكرنا أن آثار الالتزام الطبيعي مرهونة جميعاً بإرادة المدين وحده الأمر الذي يستبعد كل الآثار التي لادخل لإرادة المدين فيها. فالالتزام الطبيعي لا يقهر المدين على تنفيذه. ويترتب على هذا النتائج الآتية :

1- لا يجوز لمن كان دائناً بالتزام طبیعی. ومديناً بالتزام مدني أن يتمسك بالمقاصة القانونية بين الالتزامين. ذلك أن المقاصة نوع من الوفاء القهري غير المباشر، ولا قهر في وفاء الالتزام الطبيعي كما ذكرنا ثم إن من شروط المقاصة أن يكون الدينان متساويين في القوة.

على أنه ليس هناك ما يمنع من أن تقع المقاصة بإرادة المدين بالالتزام الطبيعي نفسه، فله أن يتمسك بها ليسقط التزاماً مدنياً نشأ لصالحه في ذمة الدائن له بالتزام طبیعی، وهذه - كما هو ظاهر- مقاصة اختيارية لا تقع بقوة القانون.

2- لا تجوز كفالة الالتزام الطبيعي كفالة شخصية أو عينية، لأن الكفالة التزام تابع ولا يجوز أن يكون أقوى أثراً من الالتزام الأصيل ولا يصح في هذا الشأن القول بجواز الكفالة قياسا على كفالة التزام ناقص الأهلية التي تجوز بمقتضى المادة 777 مدني التي تجري على أن "من كفل التزام ناقص الأهلية وكانت الكفالة بسبب نقص الأهلية، كان ملزماً بتنفيذ الالتزام إذا لم ينفذه المدين المكفول". ذلك لأن كفالة التزام ناقص الأهلية لها حكمها الخاص، فالتزام الكفيل في هذه الحالة ليس التزاماً تابعاً يستند إلى التزام أصلي، وإنما يلتزم الكفيل بصفة أصلية بسبب نقص أهلية المدين فإذا تمسك ناقص الأهلية بالبطلان كان الكفيل مسئولاً بصفة أصلية عن أداء التزامه، وإذا لم يتمسك ناقص الأهلية بالبطلان كان الكفيل ضامناً له في أداء الالتزام.

وقد كانت هناك مادة في المشروع التمهيدي للقانون المدني برقم (278) تنص على هذا الحكم، ولكنها حذفت الإمكان استخلاص حكمها من النصوص الواردة في المقاصة وفي الكفالة".

ولكن يلاحظ أنه إذا كان المدين هو الذي قدم الكفيل بنفسه إلى الدائن، فإن هذا ينطوي على تعهد ضمني بالوفاء يتحول به الالتزام الطبيعي إلى التزام مدنی، فتصح الكفالة بوصفها كفالة الالتزام مدنی.

3- لا يجوز استعمال الحق في الحبس بقصد حمل المدين على تنفيذ التزام طبیعی، لأن في ذلك إجباراً للمدين على الوفاء بطريق غير مباشر، وهو أمر غير جائز في الالتزام الطبيعي. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/  الثالث، الصفحة/  348)

ولأن اتجاه إرادة المدين إلى الوفاء بالدين الطبيعي يعزز هذا الدين ويزيل ما به من ضعف، ولأن العبرة في ذلك ليست بالوفاء في ذاته بل بما يدل عليه الوفاء من اتجاه إرادة المدين نحو تعزيز الدين الطبيعي وتقويته، يمكن القول أن هذا الاتجاه الإرادي يكفي وحده لإحداث هذا الأثر ولو لم يكن مقروناً بالوفاء، فقد يحدث أن يشعر الملتزم بدین طبیعی برغبة ملحة في وفاء هذا الدين وبالتالي في إزالة أثر ما يعتريه من وهن، ولكن يحول ضيق ذات يده دون تحقيق رغبته هذه من طريق الوفاء بذلك الدين فيكفي أن يقر لدائنه بذلك فيصبح ملزماً إزاءه من طریق هذا الإقرار بدين مدنی يجوز إكراهه على وفائه، ولا يشترط في هذا الإقرار أى شكل خاص .

غير أن الإقرار الذي يحدث هذا الأثر ليس مجرد الإقرار أو الإخبار بوجود دين طبيعي في الذمة، وأنما هو الإقرار باتجاه الرغبة إلى تعزيز الدين الطبيعي وإزالة ما به من وهن، أو هو تعهد برفع الدين الطبيعى إلى مرتبة الالتزام المدني ويكون سبب هذا التعهد هو قصد الوفاء بالدين الطبيعي.

ويجب أن تكون نية تعزيز الدين الطبيعي واضحة، وإلا فإن الشك يفسر لمصلحة المدين ويحمل الإقرار على أنه مجرد اخبار بوجود الدین الطبيعي.

ويعتبر التعهد بوفاء دین طبیعی معاوضة لا تبرعاً، فلا يشترط فيه الشكل المطلوب في التبرعات، أي أنه يجوز إثباته في ورقة عرفية أو في خطاب خاص أو حصوله شفوياً إذا كان موضوعه لا يجاوز نصاب البينة .

ولا يعتبر هذا التعهد منشئاً التزاماً جديداً، بل معززاً فقط الدين الطبيعي القائم في ذمة المدين ولذلك فإنه من جهة لا يلزم لصحته توافق الإرادتين، بل يتم بإرادة المدين وحدها دون حاجة إلى قبول من الدائن، ويترتب على ذلك أن يجوز لدائني الدائن توقيع الحجز تحت يد المدين المذكور بمجرد صدور التعهد منه ولو لم يصدر من الدائن قبول ومن جهة أخرى لا يعتبر الالتزام المدني ناشئاً من الإرادة المنفردة للمتعهد وبالتالي لا تعتريه أوجه الضعف التي تلازم الالتزامات التي تنشأ بإرادة واحدة كجواز الرجوع في الوصية، وإنما يعتبر مصدر الالتزام الواقعة الأصلية التي أنشأت الدين الطبيعي

ولا يعتبر التعهد الجديد إلا معززاً الدين الطبيعي ومزيلاً ما كان به من وهن، وهو يمكن من هذه الناحية تشبيهه بإجازة العقد الباطل من حيث أن هذه الإجازة تعزز العقد وتزيل قابليته للأبطال.

أن المشروع التمهيدي لتنقيح القانون المدني كان ينص صراحة على عدم جواز المقاصة في الدين الطبيعي و عدم جواز كفالته، وأن هذا النص حذف لا مكان استنباط حكمه من المبادئ العامة . فبماذا وأن هذا النص تقضي المبادئ العامة؟

أن المقاصة طريقة لاستيفاء الدائن حقه جبراً عن الدين، وكانت المادة 192/ 256 مدنی قدیم تعرفها بأنها نوع من وفاء الدين يحصل حتماً بدون علم المتعاملين إذا كان كل منهما دائناً ومديناً للآخر وهي بهذا الوصف لا يجوز الالتجاء إليها إلا في الديون التي يمكن إكراه المدين على الوفاء بها . ولأن الالتزام الطبيعي لا يجوز إجبار المدين على تنفيذه، تعين القول بعدم جواز المقاصة بينه وبين دين مدنی . وقد نصت المادة 362 مدني على أنه يشترط في المقاصة أن يكون كل من الدينين خالياً من النزاع، مستحق الأداء، صالحاً للمطالبة به قضاء.

غير أنه يجب أن يلاحظ أن المقصود بامتناع المقاصة بالدين الطبيعي إنما هو المقاصة القانونية التي تقع بناء على طلب الدائن في الدين الطبيعي، لأن هذه المقاصة هي وحدها التي تؤدي الى استيفاء الدين الطبيعي جبراً عن المدين أما المقاصة الاتفاقية أي التي تتم برضا الطرفين، وكذلك المقاصة القانونية إذا تمسك بها المدين في الدين الطبيعي؛ فلا مانع منهما، لأنهما لا جبر فيهما على المدين.

أما الكفالة، فمن مبادئها أن التزام الكفيل لا يجوز أن يكون أشد من التزام المدين وكفالة الدين الطبيعي أما أن يكون المقصود بها أن يلتزم الكفيل التزاماً طبيعياً كالتزام المدين الأصلي، وهذا لا يجدي الدائن فتيلاً، لأنه إنما يطلب الكفالة ليستطيع التنفيذ على الكفيل جبرا إذا لم يستطع الحصول على دينه من المدين الأصلي، وإما أن يكون المقصود بها أن يلتزم الكفيل التزاماً مدنياً، وهذا لا يجوز لأن التزامه يكون في هذه الحالة أشد من التزام المدين، ولأنه إذا أجبر على الوفاء للدائن فإن من حقه الرجوع على المدين، والرجوع غير مستطاع إذا كان التزام المدين التزاماً طبيعياً.

وبناء على ذلك يمكن القول بعدم جواز كفالة الالتزام الطبيعي، وبأنه إذا جاز أن يكفل الشخص التزام ناقص الأهلية بسبب نقص أهليته فإن التزام المتعهد بالكفالة في هذه الحالة لا يكون كفالة بمعنى الكلمة أي أنه لا ينشىء في ذمة المعهد التزاماً تبعياً، وإنما ينشيء في ذمته التزاماً أصلياً كالتزام المتعهد شخصياً بفعل الغير. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 33)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني، الصفحة /  343

الاِمْتِنَاعُ عَنِ الأَْدَاءِ:

33 - مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَكَانَ مُوسِرًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ، فَإِنْ مَاطَلَ وَلَمْ يُؤَدِّ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِالأَْدَاءِ بَعْدَ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ، فَإِنِ امْتَنَعَ حَبَسَهُ لِظُلْمِهِ بِتَأْخِيرِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم : «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»وَالْحَبْسُ عُقُوبَةٌ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَكَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  بَاعَ عَلَى مُعَاذٍ مَالَهُ وَقَضَى دُيُونَهُ». وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله تعالي عنه  بَاعَ مَالَ أُسَيْفِعٍ وَقَسَمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ.

34 - وَإِنْ كَانَ لِلْمَدِينِ مَالٌ وَلَكِنَّهُ لاَ يَفِي بِدُيُونِهِ وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَزِمَ الْقَاضِيَ إِجَابَتُهُمْ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ حَتَّى لاَ يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ، وَيَبِيعُ مَالَهُ إِنِ امْتَنَعَ هُوَ عَنْ بَيْعِهَا، وَيَقْسِمُهَا بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: لاَ يُحْجَرُ عَلَى الْمَدِينِ، لأَِنَّ الْحَجْرَ فِيهِ إِهْدَارٌ لآِدَمِيَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ حَتَّى يَبِيعَ وَيُوَفِّيَ دَيْنَهُ، إِلاَّ إِنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَالدَّيْنُ مِثْلُهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي الدَّيْنَ مِنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لأَِنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْقَاضِي يُعِينُهُ عَلَيْهِ.

35 - وَإِنْ كَانَ الْمَدِينُ مُعْسِرًا وَثَبَتَ ذَلِكَ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَوَجَبَ إِنْظَارُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).

36 - وَالْمَدِينُ الْمُعْسِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكَسُّبُ لِوَفَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى التَّكَسُّبِ وَلاَ عَلَى قَبُولِ الْهَدَايَا وَالصَّدَقَاتِ، لَكِنْ مَا يَجِدُّ لَهُ مِنْ مَالٍ مِنْ كَسْبِهِ فَإِنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ بِهِ.

37 - وَالْغَارِمُ إِنِ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ يُؤَدِّي دَيْنَهُ مِنَ الزَّكَاةِ؛ لأَِنَّهُ مِنْ مَصَارِفِهَا.

38 - هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ، أَمَّا مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ، وَيَجِبُ الأَْدَاءُ مِنْهَا قَبْلَ تَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَأَخْذِ الْوَرَثَةِ نَصِيبَهُمْ؛ لأَِنَّ الدَّيْنَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ؛ وَلأَِنَّ فَرَاغَ ذِمَّتِهِ مِنْ أَهَمِّ حَوَائِجِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «الدَّيْنُ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ»وَأَدَاءُ الْفَرْضِ أَوْلَى مِنَ التَّبَرُّعَاتِ، وَقَدْ قَدَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْقِسْمَةِ فِي قوله تعالى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ).

فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ تَعْجِيلاً لِلْخَيْرِ لِحَدِيثِ: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ».

وَمَا مَرَّ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِدُيُونِ الآْدَمِيِّ. أَمَّا دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ. (ف: 14، 16) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

( مادة 214)

 يصلح الالتزام الطبیعی سبباً لالتزام مدنی .

هذه المادة تطابق المادة ۲۰۲ من التقنين الحالي التي تنص على أن : الالتزام الطبعي يصلح سبباً لالتزام مدنی ، حيث يقتصر الاختلاف على تعديل لفظی •

وتطابق المادة ۲۸۳ من التقنين الكویتی .

والنص المقترح يتناول أثراً آخر من آثار الالتزام الطبيعي، وهو ان هذا الالتزام يصلح سبباً لانشاء التزام مدنی. فاذا وعد المدين بتنفيذ الالتزام الطبيعي كان هذا الوعد التزاماً مدنياً يجبر على تنفيذه .