مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثاني، الصفحة : 506
التنفيذ العيني
المذكرة الإيضاحية :
نظرة عامة :
التنفيذ العيني : الأصل أن للدائن المطالبة بتنفيذ الالتزام عیناً وللمدين عرض القيام بذلك ما بقي هذا التنفيذ ممكناً ولم يستثن المشروع من هذه القاعدة إلا حالة واحدة، استمد حكمها من التقنين الألماني، فإذا لم يكن التنفيذ العينى میسوراً، إلا ببذل نفقات لا تناسب مع ما ينجي من ضرر من جراء التخلف عن الوفاء عيناه اقتصر حق الدائن، استثناء، على اقتضاء التعويض ( المادة 209 من المشروع).
ويراعى أن حكم القاعدة العامة تتفاوت تفاصيله عند التطبيق باختلاف أقسام الالتزامات :
(1) فيلاحظ أولا أن الالتزام بنقل حق عینی متنی ورد على شيء معين بذاته منقولاً كان أو عقاراً، يتم تنفيذه عيناً وتنتقل الملكية بمجرد نشوئه، في غير إخلال بالقواعد الخاصة بالتسجيل فيما يتعلق بالعقارات، فإذا كان محل هذا الإلتزام شيئاً معيناً بنوعه لحسب، فلا يحصل التنفيذ العيني فور الوقت، بل يتراخى لعدم تعيين المحل فإن لم يقر المدين بالوفاء اختباراً جاز للدائن نفسه أن يحصل على شيء من النوع ذاته على نفقة المدين بعد إعذاره ( المادة 211 من المشروع).
على أن الالتزام بنقل حق عيني يتفرع عليه التزام آخر : هو الالتزام بتسليم الشيء والمحافظة عليه حتى يتم التسليم، ويعتبر هذا الالتزام الأخير التزاماً بالقيام بعمل، يتمثل في المحافظة والتسليم، وهو فرع يقتضيه بالضرورة الالتزام بنقل الحق، العين ومن واجب المدين أن يبذل في تنفيذ الإلتزام بالمحافظة والتسليم عناية الرجل المعتاد، كما سيأتي بيان ذلك.
فإذا هلك الشئ بخطأ الدين فعليه تقع تبعته، بيد أن هناك صورة أخرى : وهي صور الملاك بعد الإعذار لسبب لا يد للمدين فيه، فالإعذار بذاته يسجل على الدين تخلفه، وهذا التخلف يكون بمنزلة الخطأ، وإن كانت آثاره أخف وقرا، ولهذا يتحمل المدين تبعة الهلاك فحسب، ولا يلزم بالتعويض، بل وتسقط عنه هذه التبعة إذا تبين أن الشيء، كان يهلك عند الدائن لو أنه سلم إليه، ما لم يكن الدين قد مرق هذا الشيء من الدائن (المادة 213 من المشروع).
(ب) ويلاحظ من ناحية أخرى أنه ينبغي التفريق في الالتزام بعمل بين الإلتزام بالمحافظة على شيء أو بالقيام بإدارته، أو بتوخي الحيطة في التنفيذ، وبين الالتزام ما عدا ذلك من صور العمل، فيجوز للدائن في الحالة الأولى أن يطلب تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً على نفقة الدين، متى كان هذا التنفيذ ممكناً، فإن تبين أن قيام المدين بتنفيذ الالتزام بنفسه ضرورة لا معدى عنها، فللدائن أن يرفض الوفاء من غير هذا المدين، ولا يكون للدائن، في هذه الحالة، إلا سبيل الغرامات التهديدية لحل المدين على تنفيذ الإلتزام بنفسه، فإذا بقي المدين مصرة على امتناعه، فليس للدائن إلا أنه يقتصر على المطالبة بالتعويض ( المادتان 214، 215 من المشروع )، وقد يقوم حكم القاضي مقام التنفيذ العيني ( المادة 212 من المشروع ) كما هو الشأن في عقد بيع لم يصدق على إمضاء البائع فيه .
إما إذا كان المطلوب من المدين أن يحافظ على شيء، أو أن يتولى إدارته، أو أن يتوخى الحيطة في تنفيذ التزامه، فيتحقق منه الوفاء عيناً متى بذل فيما يتولى من أعمال الحفظ والإدارة وما إليها من أعمال التنفيذ، بوجه عام، ما يبذل الشخص المعتاد من عناية، ويراعى أن معيار العناية الواجبة معيار عام مجرد، بيد أن هذا المعيار يصبح خاصاً معيناً ويلتزم المدين بأن يذل في الوقام من العناية ما يبذله في شئونه الخاصة، متى تبين من الظروف أن المتعاقدين قصدا ذلك، وهو ما يغلب وقوعه في عارية الاستعمال وفي الوديعة غير المأجورة، في العارية ينتفع المستعير بالشيء دون مقابل، فيفترض أنه ارتضى أن يبذل في المحافظة على هذا الشيء ما يبذل في شؤونه الخاصة من عناية، دون أن يقصر في ذلك عن مدى ما يبذل الشخص المعتاد وفي الوديعة، حيث يتبرع المودع لديه بأداء خدمة المودع، يفترض أن الأول لم يرتض أن يبذل في المحافظة على ما استودع إلا ما يبذل من العناية في شؤون نفسه، دون أن يتجاوز في ذلك ما يبذل الرجل المعتاد ( المادة 217 من المشروع) وعلى نقيض ما تقدم إذا أقام الدين الدليل على أن حادثة لا يد له فيه، قد حال بينه وبين الوفاء، انقضى التزامه، لا بطريق الوفاء، ولكن باستحالة التنفيذ.
(ج) أما الالتزام بالامتناع عن عمل فيتم تنفيذه معيناً، متى كان ذلك ممكناً، بإزالة ما جد على خلاف مقتضى التعهد، على نفقة المدين ( المادة 218 من المشروع)، وتعرض بصدد هذا الالتزام تلك الحالة الاستثنائية التي لا يكون التنفيذ العيني فيها میسوراً إلا ببذل نفقات فادحة، تستتبع إرهاق المدين ( الفقرة الثانية من المادة 209 من المشروع)، فمن ذلك مثلاً إقامة المدين بناءً عظيماً، خلافاً لتعهده بعدم البناء، فليس الدائن في هذا الفرض إلا المطالبة بالتعويض، دون أن يكون له أن يتشبث بالهدم، إذا كان يصيب المدين من جرائه ضرر لا يتناسب مع ما يحيق بالدائن من وراء الإبقاء على البناء .
نظام الغرامات التهديدية : من المعلوم أن القضاء المصري كثيراً ما عانى في سبيل التماس سند من التشريع لنظام الغرامات التهديدية، وإزاء ذلك عمد المشروع إلى إقرار هذا النظام إقراراً تشريعياً، اختصه بمواد ثلاث، ليست في حقيقتها إلا تقنيناً لما انتهى إليه القضاء في هذا الشأن ( المواد 219 - 221 من المشروع ) ويقصد من إعمال نظام الغرامات التهديدية إلى حمل المدين على الوفاء عيناً بالتزام يمتنع تنفيذه بغیر تدخله شخصية، فإذا امتنع المدين عن الوفاء بمثل هذا الالتزام، حكم القاضي عليه بغرامة تهديدية ليثنيه عن عناده، وعلى أن يعيد النظر في حكمه عند ما يستبين ما استقر عليه رأى المدين، ويعتد القاضي في تقدير التعويض النهائي بما يكون من أمر ممانعة المدين في التنفيذ تعنتاً وعناداً من غير مقتض.
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- إذا كان تنفيذاً لالتزام بدخل في حدود الإمكان فمن حق الدائن أن يستأدیه، ومن حق المدين أن يعرض القيام به، وليس يجوز العدول عن هذا التنفيذ إلى طريق التعويض إلا بتراضي المتعاقدين، ذلك أن التعويض لا ينزل من التنفيذ العيني منزلة التزام تخييري، أو التزام بدلي، فهو ليس موكولاً للتخيير، لأن رخصة العدول عن الوفاء عينة إلى الوفاء بمقابل غير ثابتة لأي من المتعاقدين، سواء في ذلك الدائن أو المدين، فمن واجب الأول أن يعرض الوفاة عيناً ومن واجب الثاني قبول هذا الوفاء . وهو ليس بالبديل لأن المدين لا يملك عرض العوض النقدي، ما بقي الوفاء العيني ممكناً .
2- بقى بعد ذلك تحديد فكرة إمكان التنفيذ، فمتى يسوغ القول بأن تنفيذ الإلتزام عيناً بدخل في حدود الإمكان، ولا سيما فيما يتعلق بميعاد التنفيذ ؟ إذا لم يحدد ميعاد التنفيذ جاز الوفاء عيناً، ما دامت الظروف تسمح به دون أن يخل ذلك بداهة يحتی الدائن فيما يجب له من تعويض عن التأخير، وجه التقنين الألماني للدائن وسيلة لقطع الشك باليقين، في مثل هذه الحالة، فيبيح له أن يحدد للمدين میعاداً مناسباً للوفاء عيناً، وأن يشفع هذا التحديد بإبلاغه أنه لن يقبل منه وفاءه بعد انقضاء هذا الميعاد (انظر المادة 250 من التقنين الألماني ).
وليس ثمة ما يمنع القضاء من العمل بهذا الحكم، دون حاجة إلى الاستناد إلى نص تشريعي خاص، أما إذا حدد ميعاد للتنفيذ، فالمفروض أن الوفاء العيني يمتنع بعد انقضاء هذا الميعاد، إلا أن يقيم ذو الشأن الدليل على عكس ذلك .
3- وقد استثنى المشروع حالة واحدة من حكم قاعدة عدم جواز العدول إلى طريق التعويض، ما بقي التنفيذ العینی ممكناً، مقتدياً في ذلك بالتقنين الألماني، فأباح للمدين أن يعمد إلى التعويض النقدي، إذا كان يصيبه من وراء التنفيذ العيني ضرر فادح، لا يتناسب مع ما يعيق بالدائن من جراء التخلف عن الوفاء عيناً، وفي هذه الحالة لا يسوغ للدائن أن يطالب بالتنفيذ العين، بل يقتصر حقه على المطالبة بأداء التعويض الواجب له، وقد تقدمت الإشارة إلى تطبيق هام من تطبيقات هذا الاستثناء، يعرض عند إقامة المبالغ بناءً خلافاً لما يفرضه عليه التزام، أو ارتفاق بعدم البناء، وهو أمر كثير الوقوع في مصر، فمن واجب القاضي في هذا المقام أن يوازن بين مصالح ذوي الشأن، وأن يتحامي تحميل المدين تضحيات جسام درءاً لضرر طفيف .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 279 من المشروع.
فاقترح إدخال تحورات لفظية طفيفة وافقت اللجنة عليها، وأصبح النص النهائي ما يأتي :
1- يجبر المدين بعد إعذاره طبقاً للمادتين 297، 298 على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً متى كان ذلك ممكناً.
2 - على أنه إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدي إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسماً .
وقدمت تحت رقم 209 في المشروع النهائي بعد استبدال رقی 226، 227 برقم 297، 298 .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 209 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الثانية والعشرين
تليت المادة 209 :
فقال سعادة الرئيس إن هذه المادة مقتبسة من التقنين الجرماني ومن أحكام القضاء المصري، كما قال معالي السنهوري باشا، وتتضمن الفقرة الثانية منها فكرة جديدة هي استثناء من القاعدة العامة في وجوب الوفاء من طريق التنفيذ العيني وهذا الاستثناء يعرض عند إقامة المالك بناءً خلافاً لما يفرضه عليه التزام سابق أو ارتفاق بعدم البناء وهذا أمر كثير الوقوع في مصر، فمن واجب القاضي في هذا المقام عند المطالبة بالتنفيذ العيني أن يوازن بين مصالح ذوى الشأن وأن يتفادى تحميل المدين تضحيات جسام درءاً لضرر طفيف .
ونوه سعادة العشماوي بأن إدارة القضايا في كثير من مخالفات التنظيم كانت تطبق هذا الحكم و تقضي بعدم تنفيذ حكم المخالفة للمصلحة العامة ولا يفهم من هذا أن النص يجيز للقاضي الجنائي الحكم بالغرامة دون الإزالة لأن الإزالة عقوبة فمقتضى تطبيق النص هو المعاملات المدنية .
وقد أزال هذا القول الشبهة التي قامت عند سعادة علوبة باشا من أن القاضي الجنائي قد يحكم بالغرامة دون الإزالة بسبب المصلحة العامة .
واقترح سعادة الرئيس وصف الإرهاق المشار إليه في الفقرة الثانية فقال معالي السنهوري باشا إن المراد بالإرهاق العنى الشديد ولا لزوم للوصف لأن الأمر متروك لتقدير القاضي .
قرار اللجنة :
وافقت اللجنة على المادة وأصبح رقمها 203.
محضر الجلسة السابعة والستين
اعترض الدكتور حامد زكي على المادة 2/203 قائلاً إن حكمها جديد على التشريع القائم ولا يمكن القضاء أن يسير على ذلك بالأسلحة التي تحت يده هذا وأن المادة تحيل إلى مادة أخرى فهي معيبة من ناحية الفن التشريعي وقد أجاب على هذين الاعتراضين معالي السنهوري باشا قائلاً إن هذا الحكم مأخوذ ما استقر عليه القضاء فإنه بالرغم من عدم وجود هذا النص قد أخذ به وسار عليه وفي سبيل ذلك خرج على نصوص التشريع.
فالمشروع لم يأت بجديد بل قنن ما سار عليه القضاء، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن المادة ليست معيبة لأن الإحالة إلى مواد أخرى موجودة في أحدث التشريعات .
قرار اللجنة :
لم تر اللجنة الأخذ بهذه الملاحظات للأسباب التي أبداها معالي السنهوري باشا .
مناقشات المجلس:
وافق المجلس على المادة أقرتها اللجنة.
1- عملاً بالمادة 203 من القانون المدنى فإن المدين يجبر على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً ، إلا إذا كان ذلك غير ممكن أو فيه إرهاق له . ويقصد بالإرهاق وعلى ما ورد بمحضر الأعمال التحضيرية للتقنين المدنى العنت الشديد. فلا يكفى فى ذلك مجرد العسر وارتفاع الكلفة . خاصة إذا ما كان ناشئاً عن سعى المدين بسوء نية لعرقلة التنفيذ العينى . وتقدير ذلك كله يدخل فى سلطة محكمة الموضوع ، ما دامت أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفى لحمله .
(الطعن رقم 17637 لسنة 75 جلسة 2013/04/23)
2- إن استيلاء الحكومة على العقار جبراً عن صاحبه دون اتخاذ الإجراءات القانونية التى يوجبها قانون نزع الملكية يعد بمثابة غصب ليس من شأنه أن ينقل الملكية للغاصب إلا إذا اختار صاحب العقار أن يطالب بالتعويض متنازلاً عن حقه فى استرداد ملكه أواستحال رده إليه أوكان فى رده إرهاق للمدين أو أن يلحق بالدائن ضرراً جسيماً عملاً بنص المادة 203 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 6304 لسنة 64 جلسة 2004/12/27 س 55 ع 1 ص 841 ق 155)
3- إذ نص فى القرار بالقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن الحراسة فى الفقرة الأولى من المادة الأولى على انه "تعتبر كأن لم تكن الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين و عائلاتهم وورثتهم استنادا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شان حالة الطوارئ وتتم إزالة الآثار المترتبة على ذلك على الوجه المبين فى هذا القانون "، ونص فى مادته الثانية على انه" ترد عينا إلى الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم وورثتهم الذين شملتهم تدابير فرض الحراسة المشار إليها فى المادة الأولى من هذا القانون جميع أموالهم وممتلكاتهم، وذلك ما لم يكن قد تم بيعها ولو بعقود ابتدائية قبل العمل بالقانون ورقم 69 لسنة 1974 بإصدار قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة أو ربطت عليها أقساط تمليك وسلمت إلى صغار المزارعين فعلا بهذه الصفة ولو لم يصدر بتوزيعها قرار من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي قبل العمل بهذا القانون، ففي هذه الحالات يعوضون عنها على الوجه التالي: (أ) ...... "ثم أصدرت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 21/06/1986 حكمها فى القضيتين 139، 140 لسنة 5 ق دستورية ... وحكمها فى القضية 142 لسنة 5 ق دستورية ونشرا فى الجريدة الرسمية بتاريخ 03/07/1986 وجاء فى منطوق كل منها على النحو الآتي " حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بالقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة فيما نصت عليه من: "و ذلك ما لم يكن قد تم بيعها و لو بعقود ابتدائية قبل العمل بالقانون رقم 69 لسنة 1974 بإصدار قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة أو ربطت عليها أقساط تمليك وسلمت على صغار المزارعين فعلا بهذه الصفة ولو لم يصدر بتوزيعها قرار من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي قبل العمل بالقانون المذكور، ففي هذه الحالات يعرضون عنها على الوجه الآتي: (أ) بالنسبة للأطيان الزراعية يقدر التعويض بواقع سبعين مثلا لضريبة الأطيان الأصلية المفروضة عليها حاليا (ب) بالنسبة للعقارات الأخرى يقدر التعويض بقيمة الثمن الوارد بعقد البيع (ج) بالنسبة للأموال الأخرى يقدر التعويض عنها بقيمة الثمن الذي بيعت به (د) يزداد التعويض المنصوص عليه فى البنود أ، ب، ج بمقدار النصف. (ه) فى جميع الحالات المتقدمة يضاف على التعويض المستحق وفقا للبنود السابقة ريع استثماري بواقع 7% سنويا على ما لم يؤد من هذا التعويض وذلك اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم 69 لسنة 1974 المشار إليه حتى تمام السداد ..... ويجوز بقرار من وزير المالية أداء قيمة التعويض على أقساط لمدة لا تجاوز ثلاث سنوات " وإذ حدد حكم المحكمة الدستورية العليا فى منطوقه بحصر اللفظ العبارات التي حكم بعدم دستوريتها وأصبحت عبارة نص المادة الثانية من القرار بالقانون رقم 141 لسنة 1981 مقصورة على العبارة الآتية "ترد عينا إلى الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم وورثتهم الذين شملتهم تدابير فرض الحراسة المشار إليها فى المادة الأولى من هذه القانون جميع أموالهم و ممتلكاتهم ".فإنه يتعين الالتزام بأحكام بيع ملك الغير عند الفصل فى نزاع يتعلق بنفاذ عقود بيع الأعيان المفروضة عليها الحراسة بمقتضى القانون رقم 162 لسنة 1958، بحيث يكون الأصل هو رد المال عينا إلا إذا استحال التنفيذ العيني، أو كان مرهقا للمدين ، وذلك إعمالا لنصي المادتين 203، 215 من القانون المدني.
(الطعن رقم 1228 لسنة 67 جلسة 2001/06/24 س 49 ع 1 ص 11 ( هيئة عامة ) )
4- إن الحكم بعدم دستورية نص المادة الثانية من القرار بالقانون رقم 141 لسنة 1981 قد أزال من النص العبارات التي تستبدل التعويض بالرد العيني فان رد المال عينا إلى من فرضت عليه الحراسة يكون وجوبيا إلا إذا استحال الرد أو كان مرهقا للمشترى حائز العقار وهو ما تستقل بتقديره محكمة الموضوع.
(الطعن رقم 1228 لسنة 67 جلسة 2001/06/24 س 49 ع 1 ص 11 ( هيئة عامة ) )
5- طلب التنفيذ العينى والتنفيذ بطريق التعويض قسيمان يتقاسمان تنفيذ التزام المدين ويتكافآن فورا بحيث يجوز الجمع بينهما إذ ان تنفيذ الالتزام إما أن يكون تنفيذا عينيا فيقوم المدين بأداء عين ما التزم به أو تنفيذا عن طريق التعويض فى حالة استحالة التنفيذ العينى او إذا كان ينطوى على إرهاق للمدين وهو ما نصت عليه المادة 203 من القانون المدنى.
(الطعن رقم 2971 لسنة 60 جلسة 1994/04/07 س 45 ع 1 ص 663 ق 126)
6- النص فى المادتين 565 / 1 , 569 / 2 من القانون المدنى على حق المستأجر فى إنقاص الأجرة أو فسخ عقد الايجار إذا ما نقص انتفاعه بالعين المؤجرة نتيجة التعرض الحاصل له من المؤجر أو فى حالة الهلاك الجزئى ، بيد أن ذلك لا يحول من أن يطلب المستأجر إعادة الحال إلى ما كانت عليه إذا ما أصبح ذلك ممكناً ، إلا إذا أصبح تنفيذ التزام الدين عيناً مرهقاً له إذ يجوز فى هذه الحالة أن يقتصر على دفع تعويض نقدى إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً تطبيقا لأحكام المادة 203 من القانون المدنى.
(الطعن رقم 1845 لسنة 55 جلسة 1993/06/10 س 44 ع 2 ص 599 ق 234)
7- مفاد النص فى المادتين 147 / 1 ، 203 / 2 من القانون المدني - يدل على أن الأصل أن العقد شريعة المتعاقدين يجب احترامه وأن للدائن طلب تنفيذ التزام مدينه عيناً وله أن يعرض القيام به على نفقه المدين على أن يكون التنفيذ من أيهما بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية وما يقتضيه العرف فإذا عدل عن التنفيذ العيني إلى التنفيذ بطريق التعويض فيشترط أن ينطوي التنفيذ على إرهاق المدين وهو يعنى العنت الشديد أوالخسارة الفادحة ولا يكفى فيه مجرد العسر والضيق والكلفه وعلى ألا يلحق الدائن من وراء ذلك ضرر جسيم ، على أنه لا يجوز النظر عند بحث الإرهاق الذي قد يصيب المدين أوالضرر الجسيم الذي قد يلحق الدائن إلى أساس شخصي لا يتعدى الملاءة المادية بل يجب أن يتناول البحث ما يتعلق بإقتصاديات المشروع وعائده باعتباره مشروعاً استثمارياً يستهدف الربح فى ذاته وقد استقر الفقه والقضاء على أنه يتعين أن تناسب التزامات المؤجر مع الأجرة والا كان فى الزامه بتنفيذ الاجارة عيناً إرهاق وعنت يوجب إعمال الفقرة الثانية من المادة 203 من القانون المدني.
(الطعن رقم 1886 لسنة 54 جلسة 1991/05/09 س 42 ع 1 ص 1048 ق 168)
8- الهلاك القانوني يلحق بالهلاك المادي الذي يؤدى إلى انفساخ عقد الايجار مثل نزع الملكية للمنفعة العامة أو الاستيلاء على العين المؤجرة إذ يبقى فى حالة الهلاك القانوني الكيان المادي للعين المؤجرة إلا أنه يتعذر على المستأجر الانتفاع بها ويقاس على تلك الحالة إذا ما أصبح الانتفاع بالعين المؤجرة مستحيلاً فيجب الحاقه بهلاك الشيء نفسه ويكون مبرراً لانفساخ العقد إذ أن الحرمان الكلى من الانتفاع بالعين المؤجرة ولو لم يكن هناك هلاك مادي يستحيل معه تنفيذ العقد ويترتب عليه انحلال الرابطة العقدية فلا جدوى من بقاء العقد. لما كان ذلك وإذ التزم المستأنفون بتسليم العين المؤجرة وملحقاتها فى حالة تصلح معها للعرض السينمائي لكي تفي بما أعدت له من المنفعة وفقاً لما تم عليه الاتفاق المؤرخ 20 / 8 / 1971 والذي جاء به أن مدة التعاقد لا تبدأ إلا بتسليم العين المؤجرة صالحة للغرض ولا يلتزم المستأجران - المستأنف ضدهما - بسداد الأجرة إلا إذا تم هذا التسليم. و لما كان هذا التسليم مؤجل إلى أن يتم اعداد العين صالحة للاستعمال وقد أصبح هذا التنفيذ العيني مرهقاً للمؤجرين وانتهت المحكمة إلى الزامهم بالتنفيذ بطريق التعويض وهذا القضاء منها لا يعنى البتة أن العين المؤجرة أصبحت معدة للعرض السينمائي . ومن ثم لا تبدأ مدة العقد ولا ينفذ التزام المستأجرين بسداد الأجرة وهو يعنى بطريق اللزوم عدم الانتفاع كلية بالعين المؤجرة لعدم اعدادها للاستغلال المتفق عليه وهذه الاستحالة الحكمية تعادل الهلاك المادي وتسرى عليها أحكامه خاصة و قد تمسك المستأنف ضدهما - المستأجران - فى جميع مراحل التقاضي بتنفيذ العقد وفقاً لشروطه ومن ثم فإن طلب المستأنفين - المؤجرين - انفساخ العقد يكون له ما يبرره يؤيد ذلك ما جاء بتقرير الخبير السابق بأن العين المؤجرة أصبحت فى يد المستأجرين خربه لاخلالهما بصيانة العين المؤجرة فى فترة استلامها لتنفيذ حكم التمكين المستعجل، ولا يحول دون انفساخ العقد تقاعس المستأنفين عن التنفيذ العيني بعد أن قضت المحكمة بالزامهم بالتنفيذ بطريق التعويض النقدي وفقاً لأحكام المادة 203 / 2 من القانون المدني.
(الطعن رقم 1886 لسنة 54 جلسة 1991/05/09 س 42 ع 1 ص 1048 ق 168)
9- لئن كانت المادة 203 / 1 من القانون المدني أوجبت حصول الإعذار عند المطالبة بالتنفيذ العيني إلا أن الإعذار ليس شرطاً لقبول الدعوى وإنما هو شرط للحكم بالتنفيذ العيني ، وكان الإعذار هو وضع المدين فى حالة المتأخر فى تنفيذ التزامه ويكون ذلك بإنذاره بورقة رسمية من أوراق المحضرين أو ما يقوم مقامه وتعتبر المطالبة القضائية ذاتها إعذاراً .
(الطعن رقم 1414 لسنة 53 جلسة 1991/02/20 س 42 ع 1 ص 523 ق 86)
10- الأصل أن الدائن لا يكون له الجمع بين التنفيذ العينى والتنفيذ بطريق التعويض إلا أنه إذا تأخر المدين فى تنفيذ إلتزامه عيناً فإن ذلك الأصل لا يخل بداهة بحق الدائن فيما يجب له من تعويض عما يلحقه من أضرار بسبب هذا التأخير إذ لا يكون عندئذ قد جمع بين تنفيذ الإلتزام عيناً وتنفيذه بطريق التعويض عن فترة التأخير ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فقضى برفض طلب التعويض عن الأضرار التى لحقت الطاعن من جراء التأخير فى التنفيذ العينى تأسيساً على مطلق القول بأن التنفيذ العينى لا يلجأ معه للتنفيذ بطريق التعويض فإنه يكون قد خالف القانون و أخطأ فى تطبيقه .
(الطعن رقم 1780 لسنة 53 جلسة 1990/01/23 س 41 ع 1 ص 233 ق 46)
11- النص فى المادة 1/203 من القانون المدنى على أن " يجبر المدين بعد إعذاره .... على تنفيذ إلتزامه عيناً متى كان ذلك ممكناً ..... " و فى المادة 215 منه على أنه " إذا إستحال على المدين أن ينفذ الإلتزام عيناً حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بإلتزامه ........" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة على أن الأصل هو تنفيذ الإلتزام تنفيذاً عينياً متى كان ذلك ممكناً ولايصار إلى التنفيذ بطريق التعويض إلا إذا إستحال التنفيذ العينى بخطأ المدين أوكان هذا التنفيذ مرهقاً له دون أن يكون العدول عنه ضاراً بالدائن ضرراً جسيماً ، فإذا لجأ الدائن إلى طلب التعويض وعرض المدين القيام بتنفيذ إلتزامه عيناً - وكان ذلك ممكناً وجاداً - إنتفى منذ هذا التاريخ موجب التعويض عن عدم التنفيذ سواء قبل الدائن ذلك التنفيذ أو لم يقبله وكان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر فى قضائه إذ البين من الأوراق أن الجهتين المطعون ضدهما عرضتا بمذكرتهما المقدمة لجلسة ... أن تقوما بتنفيذ إلتزامهما عيناً و هو ما لا يعد طلباً جديداً فى الإستئناف وقد خلت الأوراق مما يدل على عدم جدية هذا العرض ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن التنفيذ العينى ممكن ، وهو ما لا يتغير أثره برفض الطاعن هذا التنفيذ .
(الطعن رقم 1780 لسنة 53 جلسة 1990/01/23 س 41 ع 1 ص 233 ق 46)
12- تقضى المادة 934 من القانون المدنى بأنه فى المواد العقارية لا تنتقل الملكية ولا الحقوق العينية الأخرى سواء أكان ذلك فيما بين المتعاقدين أم كان فى حق الغير إلا إذا روعيت الأحكام المبينة فى قانون تنظيم الشهر العقارى وأن هذا القانون هو الذى يبين التصرفات والأحكام والسندات التى يجب شهرها سواء أكانت ناقلة للملكية أم غير ناقلة ويقرر الأحكام المتعلقة بهذا الشهر ، وتوجب المادة التاسعة من القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقارى أن تشهر بطريق التسجيل جميع التصرفات التى من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية الأصلية أو نقله أو تغييره أو زواله ، وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشىء من ذلك ويدخل فى هذه التصرفات الوقف والوصية ، ولما كانت الملكية لا تنتقل إلى الموصى له إلا بالتسجيل ، و كانت الوصية غير المسجلة بمجرد وفاة الموصى ترتب و طبقاً للمادتين الرابعة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 ، 37 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 فى ذمة الورثة بإعتبارهم ممثلين للتركة إلتزامات شخصية منها الإلتزام بإتخاذ الإجراءات الضرورية لنقل ملكية العقار أو الحق العينى إلى الموصى له عن طريق التسجيل وفقاً للقانون ، ومن ثم تكون للموصى له الذى قبل الوصية و لم يردها أن يطالب بتنفيذ الإلتزامات الشخصية المترتبة عليها قبل الورثة ، فإذا إمتنعوا عن ذلك كان له أن يلجأ إلى القضاء للحصول على حكم بصحة ونفاذ الوصية يكون من شأنه بعد تسجيله أن ينقل الملكية إليه تطبيقاً للمادتين 1/203 ، 210 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 35 لسنة 47 جلسة 1987/03/17 س 38 ع 1 ص 399 ق 90)
13- عقد الإيجار كما عرفته المادة 558 من القانون المدنى هو عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الإنتفاع بشئ معين مدة معينة لقاء أجر معلوم وكان مؤدى نص المادتين 203 ، 215 من القانون المدنى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الأصل هو تنفيذ الإلتزام عيناً ولا يصار إلى عوضه أى التنفيذ بطريق التعويض إلا إذا إستحال التنفيذ العينى كما أنه يشترط أن يكون التنفيذ العينى ممكناً وإلا يكون فى تنفيذه إرهاق للمدين ، وأن يكون محل الإلتزام معيناً أوقابلاً .
(الطعن رقم 666 لسنة 53 جلسة 1984/05/30 س 35 ع 1 ص 1511 ق 289)
14- النص فى المواد 827 ، 828 ، 559 ، 701 من القانون المدنى يدل على أن حق تأجير المال الشائع باعتباره من أعمال الادارة كما يكون للشركاء مجتمعين ، يصح أن يكون لأصحاب الأغلبية و تعتبر الأغلبية فى هذه الحالة نائبة عن أصحاب الأقلية نيابة قانونية فى المال الشائع و لكن لا تنفذ هذه الاجازة فى حق الأقلية إلا لمدة ثلاث سنوات ، فاذا عقدت الأغلبية إجازة لمدة تجاوز ذلك كان للأقلية أن تطالب بانقاص المدة بالنسبة إليها إلى هذا الحد ، إذ تعتبر الأغلبية فيما جاوز اعمال الادارة المصرح لها بأدائها متعدية على حقوقي الأقلية التى يحقق لها إزاء ذلك المطالبة بتعويض الضرر الناجم عن هذا التعدى و ذلك بطريق التنفيذ العينى ما دام ممكناً بإنهاء عقد الإيجار المنصب على نصيبهم بعد انتهاء مدة السنوات الثلاث آنفة الذكر دون أن يغير من ذلك حسن نية المستأجر باعتقاده أن المؤجر له هو صاحب الحق فى تأجير العين ما دام أنه لم يقع من صاحب الأغلبية ما يضفى على ذلك من المظاهر ما يوحى إلى المستأجر بأنه هو صاحب الحق فى التأجير إذ بوقوع ذلك من صاحب الأقلية يكون مخطئاً فلا يحق له الافادة من خطئه فى مواجهة المستأجر .
(الطعن رقم 306 لسنة 46 جلسة 1980/05/31 س 31 ع 2 ص 1628 ق 304)
15- الغير المتعامل مع الوكيل يعتبر أجنبياً عن تلك العلاقة بين الوكيل والموكل - مما يوجب عليه فى الأصل أن يتحقق من صفة من يتعامل معه بالنيابة عن الأصيل ومن إنصراف أثر التعامل تبعاً لذلك إلى هذا الأخير . إلا أنه قد يغنيه عن ذلك أن يقع من الأصيل ما ينبىء فى ظاهر الأمر عن إنصراف إرادته إلى إنابته لسواه فى التعامل بإسمه كأن يقوم مظهر خارجى منسوب إليه يكون من شأنه أن يوهم الغير ويجعله معذوراً فى إعتقاده بأن ثمة وكالة قائمة بينهما ، إذ يكون من حق الغير حسن النية فى هذه الحالة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يتمسك بإنصراف أثر التعامل - الذى أبرمه مع من إعتقد بحق أنه وكيل - إلى الأصيل لا على أساس وكالة حقيقية قائمة بينهما - وهى غير موجودة فى الواقع بل على أساس الوكالة الظاهرة ذلك لأن ما ينسب إلى الأصيل فى هذا الصدد يشكل فى جانبه صورة من صور الخطأ الذى من شأنه أن يخدع الغير حسن النية فى نيابة المتعامل معه عن ذلك الأصيل ويحمله على التعاقد معه بهذه الصفة وهو ما يستوجب من ثم إلزام الأصيل بالتعويض عن هذا الخطأ من جانبه ، ولما كان الأصل فى التعويض أن يكون عينياً . كلما كان ممكناً . فإن سبيله فى هذه الحالة يكون بجعل التصرف الذى أجراه الغير حسن النية نافذاً فى حق الأصيل - وإذ كان ذلك وكان مؤداه إنه يترتب على قيام الوكالة الظاهرة وما يترتب على قيام الوكالة الحقيقية من آثار فيما بين الموكل و الغير ، بحيث ينصرف - إلى الموكل - أثر - التصرف الذى عقده وكيله الظاهر مع الغير .
(الطعن رقم 878 لسنة 46 جلسة 1979/12/29 س 30 ع 3 ص 412 ق 416)
16- مؤدى النص فى المادتين 1/203 و 215 من القانون المدنى - وعلى ما بين من المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد أن الأصل هو تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا ولا يصار إلى عوضه أى التنفيذ بطريق التعويض إلا إذا استحال التنفيذ العينى ، فإذا لجأ الدائن إلى طلب التعويض وعرض المدين القيام بتنفيذ التزامه عينا - متى كان ذلك ممكنا - فلا يجوز للدائن أن يرفض هذا العرض لأن التعويض ليس التزاما تخييريا أو التزاما بدليا بجانب التنفيذ العينى ، لما كان ذلك ، وكان المطعون ضدهم قد قصروا دعواهم على طلب التعويض ، وكان البين من الأوراق أن الطاعن عرض عليهم تنفيذ التزامه عينا بأن أبدى استعداده لتسليم المنقولات المتنازع عليها على ما هو ثابت بمحضر جلسات الاستئناف وبالمذكرتين المقدمتين لجلستى 1975/3/11 ، 1979/1/28 . فرفض المطعون ضدهم هذا العرض ، كما طلب إثباتا لجديته ندب خبير لمطابقة المنقولات التى أبدى استعداده لتسليمها على المنقولات المثبتة بالشكوى والموضحة بصحيفة الدعوى مما كان معه على محكمة الاستئناف أن تعمل موجب هذا العرض ولو لم يطلب المطعون ضدهم التنفيذ العينى أو أصروا على طلب التعويض غير أن الحكم المطعون فيه التفت عن دفاع الطاعن فى هذا الخصوص ولم يعن ببحثه مع أنه دفاع جوهرى قد يتغير به وجه الرأى فى الدعوى لو ثبت إمكان التنفيذ العينى ، وإذ قضى الحكم بالتعويض دون الاعتداد بما أبداه الطاعن من استعداد لرد المنقولات عينا ودون ثبوت ضياعها أو انتفاء جدية الاستعداد لتسليمها فإنه يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 364 لسنة 46 جلسة 1979/06/20 س 30 ع 2 ص 703 ق 318)
17- أنه وإن كان الأصل أن للدائن طلب تنفيذ إلتزام مدينة عيناً ، وكان يرد على هذا الأصل إستثناء من حق القاضى اعماله تقضى به الفقرة الثانية من المادة 203 من القانون المدنى أساسه إلا يكون هذا التنفيذ مرهقاً للمدين فيجوز فى هذه الحالة أن يقتصر على دفع تعويض نقدى متى كان ذلك لايلحق بالدائن ضرراً جسيماً ، إلا أنه لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه لم يتضمن مايفيد أن الطاعن الأول دفع الدعوى بأن تنفيذ الوعد بالإيجار عيناً ينطوى على رهق له وأبدى إستعداده للتنفيذ بمقابل ، وكان الطاعنان لم يقدما ما يدل على تمسكهما بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع ، وهو أمر يخالطه عناصرواقعية ويقتضى تحقيق إعتبارات موضوعية ، فإنه لايجوز لهما أثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ، ويكون النعى غير مقبول .
(الطعن رقم 565 لسنة 43 جلسة 1977/03/30 س 28 ع 1 ص 865 ق 151)
18- متى كان البين من تقريرات الحكم المطعون فيه أنه بعد أن خلص إلى أن التغيير الذى أحدثه الطاعن بالطابق الثالث وهو جزء من العين المؤجرة يعد تغييراً جوهرياً فى طبيعته و كيانه الأصلى ، وأنه يعتبر بهذه المثابة تعريضاً مادياً من جانب المؤجر فى معنى المادة 1/571 من القانون المدنى ، وأن ما طلبه المطعون عليه الأول - المستأجر - من تنفيذ عينى يتمثل فى صحة عقد الإيجار المبرم بينه وبين الطاعن وتمكينه من الإنتفاع بالعين المؤجرة كجزاء على الإخلال بضمان المؤجر يقتضى إعادة الحال إلى أصله وينطوى على رهق للمؤجر ويلحق به خسارة جسيمة تزيد على الفائدة التى يجنيها المستأجر ، فلم يحكم بالتنفيذ العينى و إقتصر على أن يقضى للمستأجر بإنقاص الأجرة ، فإن هذا الذى قرره الحكم هو حق للقاضى منصوص عليه صراحة فى الفقرة الثانية من المادة 203 من القانون المدنى التى تنص " على أنه إذا كان فى التنفيذ العينى إرهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدى إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً " و يكون القضاء بإنقاص الأجرة فى هذا الصدد كبديل للتعويض النقدى المنصوص عليه فى تلك المادة . لما كان ذلك ، وكان التعويض المشار إليه فيها ليس إلتزاماً تخييرياً أوبدلياً بجانب التنفيذ العينى بل محلهما واحد هوعين ما إلتزم به المؤجر من تنفيذ عينى ، فإن طلب المطعون عليه الأول التنفيذ العينى بتمكينه من شقة الطابق الثالث يفترض معه ضمناً طلبه التعويض حال تعذر التنفيذ ، ولا يعد القضاء له فى هذه الحالة بإنقاص الأجرة قضاء بما لم يطلبه الخصوم .
(الطعن رقم 8 لسنة 40 جلسة 1975/12/03 س 26 ص 1537 ق 288)
19- لئن كان الأصل أن للدائن المطالبة بتنفيذ إلتزام مدينه عيناً إلا أنه يرد على هذا الأصل إستثناء تقضى به المادة 2/203 من القانون المدنى أساسه ألا يكون هذا التنفيذ مرهقاً للمدين إذ يجوز فى هذه الحالة أن يقتصر على دفع تعويض نقدى إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً فاذا كان الحكم قد أقام قضاءه على أن تنفيذ المؤجرة إلتزامها بتركيب المصعد ليس من شأنه ارهاقها لآنه سوف يعود عليها بالفائدة بإضافته إلى ملكها والإنتفاع بأجرته الشهرية المتفق عليها وكان هذا القول من الحكم لا يؤدى إلى إنتفاء الإرهاق عن المؤجرة "الطاعنة" إذ يشترط لذلك ألا يكون من شأن تنفيذ هذا الإلتزام على حساب الطاعنة بذل نفقات باهظة لا تتناسب مع ما ينجم من ضرر للمطعون عليه "المستأجر" من جراء التخلف عن تنفيذه ، وإذ لم يحدد الحكم نوع المصعد المناسب للمبنى والثمن الذى سيتكلفه وما يستتبع ذلك من تحديد نفقات تركيبه وما إذا كان هذا الثمن يتناسب مع قيمة المبنى فقد حجب نفسه عن بحث مدى الإرهاق الذى يصيب الطاعنة بتركيب المصعد لمقارنته بالضرر الذى يلحق المطعون عليه من عدم تركيبه مما يعيب الحكم مخالفة القانون والقصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 307 لسنة 31 جلسة 1966/02/01 س 17 ع 1 ص 221 ق 29)
20- إن مؤدى نصوص المواد 199 ، 203 ، 210 من القانون المدنى تدل على أن اجبار المدين على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً لا يعني فى الفكر القانوني تشريعاً وفقهاً وقضاء- قهر المدين أو اجباره قسراً على التنفيذ لما فى ذلك من المساس بكرامة المدين وحجر على حريته تأباه الشرائع كافة التي تجعل حق الدائن مقصوراً فى أموال المدين وتنأى به عن التعرض لشخصه .
(الطعن رقم 1412 لسنة 75 جلسة 2014/06/16)
21- طلب التنفيذ العينى والتنفيذ بطريق التعويض قسيمان يتقاسمان تنفيذ التزام المدين و يتكافآن قدرا بحيث يجوز الجمع بينهما إذا تم التنفيذ العينى متأخرا ، فإذا كانت الدعوى قد رفعت أمام محكمة أول درجة بطلب رد أسهم أو قيمتها فإن الطلب على هذه الصورة ينطوى على طلب التنفيذ العينى والتنفيذ بطريق التعويض ومن ثم فليس هناك ما يمنع المدعى حينما يتراخى التنفيذ العينى بحيث يصيبه بالضرر من أن يطلب تعويضاً عن هذا الضرروعلى ذلك فلا يكون طلب هذا التعويض عن هبوط قيمة الأسهم طلبا جديدا فى الاستئناف لإندراجه فى عموم الطلبات التى كانت مطروحة أمام محكمة أول درجة
(الطعن رقم 106 لسنة 28 جلسة 1963/03/28 س 14 ع 1 ص 413 ق 64)
22- العدول عن التنفيذ العينى إلى التعويض النقدى رخصه لقاضى الموضوع يجب لإستعمالها عدة شروط من أهمها ألا يكون هذا التنفيذ مرهقاً للمدين وبشرط ألا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً ، وتقدير مدى الإرهاق الذى سيصيب المدين نتيجة تنفيذ إلتزامه عيناً هو مما يدخل فى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع .
(الطعن رقم 1313 لسنة 52 جلسة 1988/06/05 س 39 ع 2 ص 1016 ق 166)
23- يجب على المؤجر وفقاً لنص المادة 571 من القانون المدنى أن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول دون إنتفاع المستأجر بالعين المؤجره ولا يجوز له أن يحدث بالعين أوبملحقاتها أى تغيير يخل بهذا الإنتفاع ، فإذا أخل المؤجر بهذا الإلتزام جاز للمستأجرأن يطلب التنفيذ العينى بمنع التعرض أوفسخ للعقد أوإنقاص الأجرة مع التعويض فى جميع الأحوال إن كان له مقتض وإنه وإن كان الأصل أن للدائن طلب تنفيذ إلتزام مدينة عيناً وكان يرد على هذا الأصل إستثناء من حق القاضى إعماله تقضى به الفقرة الثانية من المادة 203 من القانون من القانون المدنى أساسه ألا يكون هذا التنفيذ مرهقاً للمدين فيجوز فى هذه الحالة أن يقتصر على دفع تعويض نقدى متى كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً .
(الطعن رقم 1313 لسنة 52 جلسة 1988/06/05 س 39 ع 2 ص 1016 ق 166)
شروط التنفيذ العيني :
يجب حتى تقضي المحكمة بإجابة الدائن الى طلب تنفيذ الالتزام تنفيذآً عينياً أن تتوفر الشروط الآتية :
1- أن يكون التنفيذ العيني ممكناً، ويرجع إمكان التنفيذ الى طبيعة الالتزام ذاته وما إذا كانت توجد وسيلة يجبر المدين بمقتضاها على تنفيذ التزامه، فإن كانت طبيعة الالتزام تسمح بتنفيذ الالتزام وتوفرت الوسيلة الى ذلك كان التنفيذ العيني ممكناً، كما فى الالتزام بنقل حق عيني وفقاً للمادتين 204، 205 وفى الالتزام الذى يقوم فيه حكم القاضي مقام التنفيذ كما فى الحكم بصحة التعاقد وفقاً للمادة 210.
أما إن كان تنفيذ الالتزام يتطلب التدخل الشخصى من المدين ولكنه يمتنع بعد اعذاره - ويكفى اعذاراً إعلان صحيفة الدعوى - فإن التنفيذ العينى يكون غير ممكن ويغلب أن يكون ذلك بصدد عقد مقاولة يتطلب تنفيذه تدخل شخصى من المدين كما فى العقود التى تبرم مع رسام على رسم لوحة أو مع مهندس لعمل تصميم أو مع ممثل أو مع مطرب أو مع طبيب او مع محام وأن لجأ القاضى - بناءً على طلب الدائن - الى الغرامة التهديدية و أصر المدين على امتناعه فلا يكون امام القاضى حينئذ إلا أن يعدل عن التنفيذ العيني من تلقاء نفسه ويلجأ الى الحكم بالتعويض ويفصل في هذا الحكم أيضاً في أمر الغرامة التهديدية على هدى المادة 203 .
فإذا أصبح التنفيذ العينى مستحيلاً، امتنع القضاء به، فإن رجعت الاستحالة الى خطأ المدين التزم بالتعويض، مثال ذلك الإتفاق مع مطرب على إحياء حفلة في يوم محدد مشاركة مع غيره فيتخلف عن الغناء فى هذا اليوم أما إن لم يحدد يوم معين أو تحدد ولكن كان يمكن إرجاء التنفيذ ليوم آخر ظل التنفيذ العينى ممكناً مع احتفاظ الدائن بحقه فى الرجوع على المدين بتعويض عن هذا التأخير، وللدائن وحده الحق في المطالبة بالتنفيذ العيني بعد الموعد المحدد له، أما المدين فليس له أن يعرض التنفيذ العينى بعد الموعد المحدد كما يجوز للدائن أن يعذر المدين بأنه لن يقبل التنفيذ العينى بعد تاريخ يحدده فيمتنع على المدين أن يعرض التنفيذ العينى بعد انقضائه اما ان رجعت الاستحالة لسبب أجنبي فإن محل الالتزام يصبح مستحيلاً باستحالة تنفيذه ومن ثم ينقضى التزام المدين وتنتفى مسئوليته فلا يستحق الدائن تعويضاً، مثال ذلك وإذا قطعت يد الرسام في حادث فإن تنفيذ التزامه عيناً يصبح مستحيلاً فلا يسأل عن تعويض ولا محل فى هذا الصدد للتفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية .
2- أن يتمسك الطرفان أو أحدهما بالتنفيذ العينى، فإن تمسك الدائن بالتنفيذ العينى، وكان ممكناً قضى له به وأجبر المدين عليه أى يجبر على أداء عين ما التزم به، كذلك إذا عرض المدين التنفيذ العينى تعين قبوله دون أن يكون للدائن العدول عنه إلى التعويض أما إذا سكت الطرفان عن طلب التنفيذ العيني، بأن اقتصر الدائن على المطالبة بالتعويض ولم يتقدم المدين بعرض التنفيذ العيني لالتزامه فإنه يتعين فى هذه الحالة القضاء بالتعويض على أساس الاتفاق الضمنى بين الدائن والمدين على ذلك إذ أن الدائن إذا طلب التنفيذ العينى وتبين للمحكمة تعذر ذلك منها قضاء بما لم يطلبه المدعي إذ أن طلب التنفيذ العينى يتضمن ضمناً طلب التعويض فى حالة تعذر التنفيذ العيني، والتعويض بديل عن التنفيذ العينى وكلاهما محل واحد للالتزام ومن ثم لا تكون بصدد التزام تخييري أو التزام بدلي راجع فيما يلى بند التنفيذ العيني والتنفيذ بطريق التعويض.
ويترتب على ذلك أن الضمانات التى كانت تكفل الالتزام فى التنفيذ العينى تبقى لتكفل التعويض النقدى .
3- يجب الا يكون فى التنفيذ العيني إرهاق للمدين، فإن توفر هذا الإرهاق فيجب ألا يكون فى العدول عن التنفيذ العينى ضرر جسيم يلحق بالدائن، والمراد بالإرهاق العنت الشديد فلا يكفى العسر أو الضيق ويترك ذلك لتقدير القاضى، على أنه إذا ترتب على عدم التنفيذ عيناً ضرر جسيم بالدائن وهو ضرر غير عادي قد يصيب الإنسان في ماله أو في صحته فالجار الذى يخالف قيود البناء الاتفاقية ويقيم بناءً يحجب به الشمس تماماً عن مسكن جاره، يؤدى الى الاضرار بهذا الجار ضرراً جسيماً ففى هذه الحالة يتعين الرجوع للأصل وهو التنفيذ العينى مهما كان فيه من إرهاق للمدين .
فإن انتفى الضرر الجسيم بالنسبة للدائن وتحقق الإرهاق بالنسبة للمدين تعين على القاضي ولو من تلقاء نفسه أن يقضي بالتعويض بدلاً من التنفيذ العيني ولا يكون التعويض هنا التزاماً بدلياً بجانب التنفيذ العينى إنما قسيماً له فى تنفيذ التزام المدين على نحو ما أوضحناه فيما يلى .
4- يجب إعذار المدين وان كانت صحيفة الدعوى تعتبر إعذاراً بمجرد إعلانها متضمنه التنفيذ العيني للالتزام إلا أن للإعذار السابق على المطالبة القضائية فائدة فقد يتقدم المدين بالتنفيذ العينى ومن ثم لا يتحمل الدائن الا مصاريف الاعذار أما أن قام دعواه وتقدم المدين بالتنفيذ العينى فان الدائن فى هذه الحالة يتحمل مصاريف دعواه باعتبار أن إعلان المدين بصحيفتها يمثل اعذاراً له بالوفاء وقد وفى .
الأصل أن يقوم المدين بتنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً، فإن كان بائعاً التزم بتسليم المبيع في الميعاد المتفق عليه بالحالة التى تم الاتفاق عليها فإذا أخل بهذا الالتزام، وكان التنفيذ العيني ممكناً أجبر عليه باستصدار المشتري حكماً بالزام البائع بالتسليم إذ فى هذه الحالة يمكن التنفيذ العينى أما إذا إستحال ذلك، كما لو كان البائع قد تصرف في المبيع مرة اخرى وقام المشتري بتسجيل عقد البيع إن كان المبيع عقاراً أو تسلم المبيع إن كان منقولاً وتوافر لديه وقت الإستلام حسن النية، فإنه يتملك العقار بالتسجيل والمنقول بالحيازة المقترنة بحسن النية مما لا يجوز معه تنفيذ التزام البائع قبل المشترى الأول تنفيذاً عينياً ولايبقى للأخير إلا التنفيذ بطريق التعويض .
ولما كان التنفيذ العيني والتنفيذ بطريق التعويض قسيمان يتقاسمان تنفيذ التزام المدين، ومن ثم يجوز الجمع بينهما بأن يطلب الدائن التنفيذ العيني أو التنفيذ بطريق التعويض إذا امتنع التنفيذ العينى، وحينئذ تقضى المحكمة بالتنفيذ بطريق التعويض إذا تعذر التنفيذ العينى لى سبب وإذا قضت فى هذه الحالة بالتنفيذ العينى ولكنه تراخي بما قد يؤدى إلى الإضرار بالدائن وكان المدين قد استأنف الحكم، جاز للدائن أن يطلب أمام محكمة الإستئناف التنفيذ بطريق التعويض، إذ لا يعتبر هذا الطلب طلباً جديداً لسبق طرحه على محكمة أول درجة .
ولما كان طلب التنفيذ العيني ينطوي ضمناً على طلب بالتنفيذ بطريق التعويض، مما يجوز معه للمحكمة ومن تلقاء نفسها أن تقضي بالتعويض بدلاً من التنفيذ العينى إذا أصبح هذا التنفيذ مرهقاً للمدين أو مستحيلاً، ولا تكون بذلك قد قضت بما لم يطلب الخصوم.
وليس في ذلك ما يناقض أن التنفيذ العينى، والتنفيذ بطريق التعويض قسيمان لأن طلب التعويض لا يكون مندرجاً في طلب التنفيذ العيني إلا عندما يتبين للمحكمة إستحالة هذا التنفيذ قبل الحكم، أو أنه مرهق للمدين، وإذ فى هذه الحالة تتوافر عناصر الرخصة التى تستند إليها المحكمة للقضاء بالتعويض دون التنفيذ العينى، ومتى اقترن طلب التنفيذ العينى بطلب التنفيذ بطريق التعويض، وقضت محكمة الدرجة الأولى بالتنفيذ العيني، فإنها تستنفد بهذا القضاء ولايتها ولا يعتبر التنفيذ بطريق التعويض فى هذه الحالة طلباً احتياطياً طرح على هذه المحكمة مع طلب التنفيذ العيني وإنما يكون الطلبان بمثابة طلب واحد، ومن ثم يجوز للدائن أن يطلب أمام المحكمة الاستئنافية أن تقضي بالتنفيذ بطريق التعويض بدلاً من التنفيذ العينى المقضى به ابتدائياً، وحينئذ تقضى له بذلك دون أن تعيد الدعوى لمحكمة الدرجة الأولى للفصل فى طلب التعويض، إذ أن هذه المحكمة قد استنفدت ولايتها، وأن مناط الاعادة أن تكون محكمة الدرجة الأولى قد قضت فى الطلب الأصلى دون الطلب الاحتياطى ورأت المحكمة الاستئنافية إلغاء الحكم الصادر فى الطلب الأصلى وبذلك يكون الطلب الاحتياطى مازال معلقاً أمام محكمة الدرجة الأولى، وهو ما ينتفي بالنسبة لطلب التعويض إذ لا يعتبر طلباً احتياطياً وإنما طلباً أصلياً يقتسم مع طلب التنفيذ العينى تنفيذ التزام المدين راجع نقض 28 / 3 / 1965 فيما تقدم .
إذا رجع الدائن على المدين بالتنفيذ العينى، وكان في ذلك إرهاق للمدين، فإن التعويض الذي يقضي به يكون مستحقاً للدائن من تاريخ الحكم النهائي، إذ يخضع التعويض فى هذه الحالة لتقدير القضاء، ولاتستحق فوائد عنه إلا من هذا التاريخ بشرط أن يكون الدائن قد طلبها، فاذا استحال الرد على من تسلم غير المستحق، التزم بالتعويض والفوائد من اليوم الذي أصبح فيه سيئ النية، إما بتحرير محضر ضده أو رفع دعوى عملاً بالمادة 185.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الرابع، الصفحة : 159)
ويستخلص من النص المتقدم أن هناك شروطاً أربعة لاقتضاء التنفيذ العينى :
(أولاً) أن يكون التنفيذ العينى ممكناً .
(ثانياً) أن يطلبه الدائن أو يتقدم به المدين .
(ثالثاً) ألا يكون فيه إرهاق للمدين، أو يكون فيه إرهاق ولكن العدول عنه يلحق بالدائن ضرراً جسيماً .
(رابعاً) أن يعذر المدين .
الشرط الأول - أن يكون التنفيذ العينى ممكناً : فإذا أصبح هذا التنفيذ مستحيلاً، سواء رجعت الاستحالة إلى سبب أجنبى أن كانت بخطأ المدين، لم تعد هناك جدوى من المطالبة بالتنفيذ العينى، ورجع الدائن بالتعويض إذا كانت الاستحالة بخطأ المدين، أو انقضى الالتزام دون تعويض إذا رجعت الاستحالة إلى سبب أجنبى، مثل ذلك هلاك الشيء محل الالتزام، أو صيرورة العمل الذى التزم به المدين مستحيلاً .
ويعتبر التنفيذ العيني غير ممكن إذا كان إجراؤه يقتضي تدخل المدين الشخصى ويأبى المدين أن يقوم بتنفيذ التزامه، ويتحقق ذلك على وجه خاص فى عمل الرسام والممثل والفنان بوجه عام وفى كل عمل فنى كعمل الطبيب وعمل المهندس، فإذا لم يلجأ القاضى إلى طريق التهديد المالى، أو لجأ إليه ولم ينتج، لم يبق إلا اعتبار التنفيذ العينى غير ممكن، ولا مناص إذن من مجاوزته والالتجاء إلى طريق التعويض .
أما فى الالتزام بنقل حق عينى (م 204 مدني)، وفى الالتزام بعمل تسمح طبيعته أن يقوم حكم القاضى فيه مقام التنفيذ كتنفيذ وعد بالبيع م 210 مدني فالتنفيذ العيني ممكن بحكم القانون أو بحكم القاضى، وفى الالتزام بالامتناع عن عمل، إذا أخل به المدين وأقدم على العمل، أصبح التنفيذ العينى مستحيلاً، ولكن التعويض العيني – بإزالة ما وقع مخالفاً للالتزام (م 212 مدني) - قد يكون ممكناً، وقد يضاف غليه تعويض نقدى عن الضرر الذى حدث بفعل المدين .
فإمكان التنفيذ العيني يرجع إذن إلى طبيعة الالتزام ومداه والوسائل المادية اللازمة لهذا التنفيذ .
الشرط الثانى – أن يطلب الدائن التنفيذ العينى أو يتقدم به المدين :
إذا طلب الدائن التنفيذ العينى، وكان ممكناً، فليس للمدين أن يمتنع عن ذلك مقتصراً على التقدم بتعويض، بل يجبر على التنفيذ العينى أى على أداء عين ما التزم به، وكذلك إذا تقدم المدين بالتنفيذ العينى - ويكون فى هذه الحالة ممكناً بطبيعة الحال - فليس للدائن أن يرفضه ويطلب التعويض مكانه .
فإذا لم يطلب الدائن التنفيذ العينى - حتى إذا كان ممكناً - واقتصر على طلب التعويض، ولم يعرض المدين من جهته أن يقوم بتنفيذه التزامه عيناً، فإن يستعاض عن التنفيذ العيني بالتعويض .
أما إذا أصبح التنفيذ العينى مستحيلاً بغير خطأ المدين، فقد انقضى الالتزام، لأن محله أصبح مستحيلاً بإستحالة التنفيذ العيني، ولأنه لا محل للتعويض النقدي لانتفاء المسئولية.
الشرط الثالث - ألا يكون فى التنفيذ العينى إرهاق للمدين، أو يكون فيه إرهاق ولكن العدول عنه يلحق بالدائن ضرراً جسيماً : وقد يكون التنفيذ العينى ممكناً، ومع ذلك يعدل عنه المدين بإرادته وحده، ويقتصر على دفع تعويض نقدى، على أن يتوافر لذلك شرطان :
(أولاً) أن يكون فى التنفيذ العينى إرهاق للمدين، والإرهاق ينطوى على معنى العنت الشديد، ولا يكفى فيه مجرد العسر والكلفة والضيق، بل يجب أن يكون التنفيذ العينى من شأنه أن يلحق بالمدين خسارة جسيمة فادحة، ويترك التقدير فى ذلك للقاضي، وشرط الإرهاق هذا تطبيق من تطبيقات نظرية الضرورة، وقد رأينا تطبيقات مماثلة فى عقود الإذعان وفى الظروف الطارئة وفي مواطن أخرى كثيرة . .
(ثانياً) ألا يلحق الدائن من جراء العدول عن التنفيذ العينى إلى التعويض ضرر جسيم، فلا يكفي إذن أن يكون فى التنفيذ العينى إرهاب للمدين، بل يجب أيضاً ألا يصاب الدائن بضرر جسيم من جراء عدم التنفيذ العيني والاقتصار على التعويض، والتوازن هنا مطلوب بين المصالح المتعارضة .
الشرط الرابع – إعذار المدين : وإعذار المدين واجب فى التنفيذ العينى إذا كان المقصود أن يكون هذا التنفيذ قهرياً بطريق الإجبار (م 203 فقرة أولى مدنى)، أما إذا كان التنفيذ العينى يتحقق بحكم القانون، أو قام به المدين مختاراً غير مجبر، فظاهر أنه لا حاجة إلى الإعذار فى هاتين الحالتين.
وأكثر ما يكون الإعذار فى المطالبة بالتعويض النقدي، ولكنه يكون أيضاً واجباً حتى لو كان المطلوب هو التنفيذ العيني، فإذا لم يقم الدائن بإعذار المدين قبل مطالبته قضائياً بالتنفيذ العيني، جاز للمدين، حتى بعد المطالبة القضائية، أن يتقدم للدائن بالتنفيذ العيني، فيخسر الدائن فى هذه الحالة مصروفات التقاضي، ولا يصح كذلك أن يطالب الدائن المدين بتعويض عن تأخره فى تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً، لأنه لم يعذره قبل المطالبة القضائية، على أن المطالبة القضائية ذاتها تعتبر إعذاراً، فيجب على المدين أن يبادر إلى تنفيذ التزامه بمجرد أن توجه له المطالبة القضائية، وإلا كان مسئولاً عن تأخره.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثاني المجلد : الثاني، الصفحة : 992)
إجبار المدين على التنفيذ العيني :
يجب حتى تقضى المحكمة بإجابة الدائن إلى طلب تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً أن تتوافر الشروط الآتية :
الشرط الأول : أن يكون التنفيذ العين ممكناً :
يشترط للتنفيذ العيني، أن يكون التنفيذ العيني ممكناً، وقد يرجع إمكان التنفيذ إلى طبيعة الالتزام في ذاته، وما إذا كانت توجد وسيلة يجبر المدين بمقتضاها على تنفيذ التزامه، فإن كانت طبيعة الالتزام تسمح بتنفيذ الالتزام وتوفرت الوسيلة إلى ذلك كان التنفيذ العيني ممكناً، كما فی الالتزام بنقل حق عيني وفقاً للمادتين 204، 200 مدنی وفي الالتزام الذي يقوم فيه حكم القاضي مقام التنفيذ كما في الحكم بصحة التعاقد وفقاً للمادة 210 مدنی.
ويعتبر التنفيذ العيني غير ممكن إذا كان إجراؤه يقتضي تدخل المدين الشخصي ويأبى المدين أن يقوم بتنفيذ التزامه، ويتحقق ذلك على وجه خاص في عمل الرسام والممثل والفنان بوجه عام، وفي كل عمل فني كعمل الطبيب وعمل المهندس فإذا لم يلجأ القاضى إلى طريق التهديد المالي، أو لجأ إليه ولم ينتج، لم يبق إلا اعتبار التنفيذ العيني غير ممكن، ولا مناص إذن من مجاوزته والالتجاء إلى طريق التعويض.
وقد ترجع استحالة التنفيذ إلى فعل المدين، ففي الالتزام بنقل ملكية شيء أو بإنشاء حق عيني يصبح التنفيذ مستحيلاً إذا أهلك المدين الشيئ أو نقل ملكيته إلى شخص آخر.
وقد ترجع استحالة التنفيذ إلى سبب أجنبي لا يد للمدين فيه، وفي هذه الحالة فإن الالتزام ينقضي ويمتنع بالتالي الرجوع على المدين بالتعويض (م 373 مدنی).
وقد تكون الاستحالة راجعة إلى ميعاد تنفيذ الالتزام، ذلك أن الالتزام قد لا يكون في تنفيذه جدوى إذا جاوز التنفيذ ميعاداً معيناً، كممثل تخلف عن التمثيل في الميعاد المحدد، وكإدارة معرض لم تقدم لأحد العارضين مكاناً للعرض التزمت بتقديمه حتى انقضت أيام العرض.
فإذا فات الميعاد الذي يجري فيه تنفيذ الالتزام أصبح التنفيذ العيني غير ممكن حكماً ولا مناص إذن من الاقتصار على طلب التعويض.
والتنفيذ العينى للالتزام بدفع مبلغ من النقود يعتبر ممكناً دائماً، ولا يعتبر التنفيذ العيني لهذا الالتزام مستحيلاً لمجرد كون المدين معسراً ولذلك لا يتصور في هذا النوع من الالتزام إلا التنفيذ العيني.
ولا يتصور فيه التعويض عن عدم التنفيذ، ولكن من الجائز فقط التعويض عن التأخر في التنفيذ.
الشرط الثاني : ألا يكون التنفيذ العيني مرهقاً :
قد يكون التنفيذ العيني ممكناً، ولكن في تحقيقه وفي جبر المدين على الوفاء به إرهاقاً له، ففي هذه الحالة يجوز للمدين أن يطلب إلى القاضي أن يستبدل بالتنفيذ العيني، التنفيذ عن طريق التعويض، إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً.
وهذا الحكم الوارد في نص المادة (203) هو تطبيق لمبدأ عدم جواز التعسف في استعمال الحق، وقد كان القضاء المصري يأخذ به تأسيساً على هذا المبدأ، والواقع أن نص المادة ليس إلا تطبيقاً خاصاً للمادة (5 / ب) منه التي تنص على أنه : "يكون استعمال الحق غير مشروع، إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها ".
فالدائن من حقه أن يطالب بالتنفيذ العيني، ولكن إذا كان في ذلك إرهاق للمدين فإن المطالبة تكون تعسفاً من الدائن في استعمال حقه ويكون الأولى به أن يكتفي بالتنفيذ بمقابل.
والمراد بالإرهاق العنت الشديد فلا يكفي العسر أو الضيق، بحيث يترتب على إجبار المدين على التنفيذ عيناً ضرر فادح لا يتناسب مع ما يحيق الدائن من جراء التخلف عن الوفاء عيناً، ويترك تقرير ذلك لقاضي الموضوع.
غير أنه يشترط ألا يكون في العدول عن هذا التنفيذ ولو كان مرهقاً، ضرر جسيم للدائن، لأن الأخير يكون الأولى بالرعاية لانعدام التعسف من جانبه فی هذه الحالة، و لمحكمة الموضوع سلطة التقدير والموازنة بين مصالح الدائن ومصالح المدين، فالعدول إلى التعويض النقدي هو رخصة القاضي الموضوع، يلجأ إليها كلما رأى في التنفيذ العيني إرهاقاً للمدين، ولكن متى رأى أن ما يحيق بالدائن من أضرار يفوق الإرهاق الذي سيصيبه من جراء التنفيذ العيني، كان له إعمال الحق الأصلي للدائن و الحكم بالتنفيذ العيني.
مثل ذلك أن يلتزم المدين بعدم البناء في مساحة معينة تجاور ملك الدائن، ثم يخرق التزامه فيقيم بناءً شاهقاً يترتب عليه حرمان الدائن من منظر جميل.
ففي هذه الحالة يحق للدائن أن يطالب بالتعويض لأن هدم البناء يصيب المدین بضرر فادح لا يتناسب مع حرمان الدائن من هذا المنظر .
ولعل من التطبيقات التشريعية لذلك ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 925 مدني من أنه : "... إلا أنه إذا كانت المنشآت قد بلغت حداً من الجسامة يرهق صاحب الأرض أن يؤدي ما هو مستحق عنها، كان له أن يطلب تمليك الأرض لمن أقام المنشآت بنظر تعويض عادل " فمع أن ملكية الأرض تشمل ملكية ما فوقها وما تحتها، إلا أنه إذا كان من بني على أرض ليست مملوكة له كان يعتقد بحسن نية أن له الحق في إقامة هذا البناء، فعندئذ لا يكون لصاحب الأرض أن يطالب الباني بإزالة ما أقام، وإنما يخير بين أن يدفع له أقل القيمتين : قيمة المواد وأجرة العمل أو قيمة ما زاد في ثمن الأرض بسبب البناء، فإذا كان في ذلك إرهاق لمالك الأرض، كان له أن يطلب تمليك الأرض لمن أقام هذه المنشآت مقابل تعويض عادل.
الشرط الثالث : ألا يكون في التنفيذ العيني جبراً على المدين مساس بحريته الشخصية :
قد لا يكون التنفيذ العيني مستحيلاً، ولا يكون فيه إرهاق للمدين ومع ذلك يمتنع عن المدين تنفيذ التزامه، فإذا كان في إجباره على تنفيذ التزامه عیناً مساس بحريته الشخصية، فلا يكون التنفيذ العيني ممكناً، وعندئذ يمتنع التنفيذ العينى الجبري ويقتصر الدائن على التعويض النقدي ذلك أن في جبر المدين على القيام بالعمل مصادرة لحريته، فضلاً عن أن القهر غیر منتج في هذه الحالة، ومثال ذلك أن يتعهد ممثل أو مغني بالعمل في فرقة مسرحية أو غنائية، فإذا امتنع هذا أو ذاك عن تنفيذ التزامه عيناً، فلا يجوز إجباره على ذلك.
غير أنه إذا كان لا يجوز في هذه الحالة قهر المدين بطريق مباشر على الوفاء، إلا أنه يجوز - في سبيل حثه على الوفاء بنفسه - أن تستعمل ضده وسيلة تهديدية على أمواله، هذه الوسيلة هي الغرامة التهديدية، فتحكم المحكمة بإلزامه بدفع مبلغ معين عن كل مدة زمنية يتأخر فيها عن الوفاء غير أنه إذا لم تجد هذه الوسيلة فلا مناص من الاكتفاء بالحكم عليه بالتعويض النقدي كما سنرى.
الشرط الرابع :
إعذار المدين :
(أنظر شرح المادتين 219، 220). (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الثالث، الصفحة : 352)
إذا كان تنفيذ الالتزام يدخل في حدود الإمكان فمن حق الدائن أن يستأديه ومن حق المدين أن يعرض القيام به وليس يجوز العدول عن هذا التنفيذ الى طريق التعويض الا بتراضي المتعاقدين ذلك أن التعويض لا ينزل من التنفيذ العيني منزلة التزام تخييري أو التزام بدلي بقى بعد ذلك تحديد فكرة إمكان التنفيذ فمتى يسوغ القول بان تنفيذ الالتزام عيناً يدخل في حدود الإمكان ولا سيما فيما يتعلق بميعاد التنفيذ إذا لم يحدد ميعاداً للتنفيذ جاز الوفاء عيناً ما دامت الظروف تسمح به دون ان يخل ذلك بداهة بحق الدائن فيما يجب له من تعويض عن التأخير أما اذا حدد ميعاد التنفيذ فالمفروض أو الوفاء العيني يمتنع بعد انقضاء هذا الميعاد إلا أن يقيم ذوى الشأن الدليل على عكس ذلك، وقد استثنى المشروع حالة واحدة فأباح للمدين أن يعمد إلى التعويض النقدي اذا كان يصيبه من وراء التنفيذ العيني ضرر فادح لا يتناسب مع ما يحيق بالدائن من جراء التخلف عن الوفاء عيناً فمن واجب القاضي في هذا المقام أن يوازن بين مصالح ذوى الشأن وأن يتحاشى تحميل المدين تضحيات جسام درء الضرر طفيف وقد قال أحد أعضاء لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ولا يفهم من هذا أن النص يجيز للقاضي الجنائي الحكم بالغرامة دون الإزالة لأن الإزالة عقوبة فمقتضي تطبيق النص هو المعاملات المدنية .(التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2015، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء : الأول، الصفحة : 1116)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس ، الصفحة / 157
آثار الالْتزام:
آثار الالْتزام هي: ما تترتّب عليْه، وهي الْمقْصد الأْصْليّ للالْتزام. وتخْتلف آثار الالْتزام تبعًا لاخْتلاف التّصرّفات الْملْزمة واخْتلاف الْملْتزم به، ومنْ ذلك:
(1) ثبوت الْملْك:
29 - يثْبت ملْك الْعيْن أو الْمنْفعة أو الانْتفاع أو الْعوض وانْتقاله للْملْتزم له في التّصرّفات الّتي تقْتضي ذلك متى اسْتوْفتْ أرْكانها وشرائطها، مثْل الْبيْع والإْجارة والصّلْح والْقسْمة، ومع ملاحظة الْقبْض فيما يشْترط فيه الْقبْض عنْد منْ يقول به . وهذا باتّفاقٍ.
حقّ الْحبْس:
30 - يعْتبر الْحبْس منْ آثار الالْتزام. فالْبائع له حقّ حبْس الْمبيع، حتّى يسْتوْفي الثّمن الّذي الْتزم به الْمشْتري، إلاّ أنْ يكون الثّمن مؤجّلاً.
والْمؤجّر له حقّ حبْس الْمنافع إلى أنْ يسْتلم الأْجْرة الْمعجّلة. وللصّانع حقّ حبْس الْعيْن بعْد الْفراغ من الْعمل إذا كان لعمله أثرٌ في الْعيْن، كالْقصّار والصّبّاغ والنّجّار والْحدّاد.
والْمرْتهن له حقّ حبْس الْمرْهون حتّى يؤدّي الرّاهن ما عليْه. يقول ابْن رشْدٍ: حقّ الْمرْتهن في الرّهْن أنْ يمْسكه حتّى يؤدّي الرّاهن ما عليْه، والرّهْن عنْد الْجمْهور يتعلّق بجمْلة الْحقّ الْمرْهون فيه وببعْضه، أعْني أنّه إذا رهنه في عددٍ ما، فأدّى منْه بعْضه، فإنّ الرّهْن بأسْره يبْقى بعْد بيد الْمرْتهن حتّى يسْتوْفي حقّه. وقال قوْمٌ: بلْ يبْقى من الرّهْن بيد الْمرْتهن بقدْر ما يبْقى من الْحقّ، وحجّة الْجمْهور أنّه محْبوسٌ بحقٍّ، فوجب أنْ يكون محْبوسًا بكلّ جزْءٍ منْه، أصْله (أي الْمقيس عليْه) حبْس التّركة على الْورثة حتّى يؤدّوا الدّيْن الّذي على الْميّت. وحجّة الْفريق الثّاني أنّ جميعه محْبوسٌ بجميعه، فوجب أنْ يكون أبْعاضه محْبوسةً بأبْعاضه، أصْله الْكفالة .
ومنْ ذلك حبْس الْمدين بما عليْه من الدّيْن، إذا كان قادرًا على أداء ديْنه وماطل في الأْداء، وطلب صاحب الدّيْن حبْسه من الْقاضي، وللْغريم كذلك منْعه من السّفر، لأنّ له حقّ الْمطالبة بحبْسه.
التّسْليم والرّدّ:
31 - يعْتبر التّسْليم منْ آثار الالْتزام فيما يلْتزم الإْنْسان بتسْليمه.
فالْبائع ملْتزمٌ بتسْليم الْمبيع للْمشْتري، والْمؤجّر ملْتزمٌ بتسْليم الْعيْن وما يتْبعها للْمسْتأْجر بحيْث تكون مهيّأةً للانْتفاع بها، والْمشْتري والْمسْتأْجر ملْتزمان بتسْليم الْعوض، وأجير الْوحْد (الأْجير الْخاصّ) ملْتزمٌ بتسْليم نفْسه، والْكفيل ملْتزمٌ بتسْليم ما الْتزم به، والزّوْج ملْتزمٌ بتسْليم الصّداق، والزّوْجة ملْتزمةٌ بتسْليم الْبضْع، والْواهب ملْتزمٌ بتسْليم الْموْهوب عنْد منْ يرى وجوب الْهبة، وربّ الْمال في السّلم والْمضاربة مطالبٌ بتسْليم رأْس الْمال.
وهكذا كلّ من الْتزم بتسْليم شيْءٍ وجب عليْه الْقيام بالتّسْليم.
ومثْل ذلك ردّ الأْمانات والْمضْمونات، سواءٌ أكان الرّدّ واجبًا ابْتداءً أمْ بعْد الطّلب، وذلك كالْمودع والْمسْتعار والْمسْتأْجر والْقرْض والْمغْصوب والْمسْروق واللّقطة إذا جاء صاحبها، وما عنْد الْوكيل والشّريك والْمضارب إذا فسخ الْمالك وهكذا.
مع اعْتبار أنّ التّسْليم في كلّ شيْءٍ بحسبه، قدْ يكون بالإْقْباض، وقدْ يكون بالتّخْلية والتّمْكين من الْملْتزم به.
(4) ثبوت حقّ التّصرّف:
يثْبت للْملْتزم له حقّ التّصرّف في الْملْتزم به بامْتلاكه، لكنْ يخْتلف نوْع التّصرّف باخْتلاف نوْع الْملْكيّة في الْملْتزم به، وذلك كما يأْتي:
32 - أ - إذا كان الْملْتزم به تمْليكًا للْعيْن أوْ للدّيْن، فإنّه يثْبت للْمالك حقّ التّصرّف فيه بكلّ أنْواع التّصرّف منْ بيْعٍ وهبةٍ ووصيّةٍ وعتْقٍ وأكْلٍ ونحْو ذلك، لأنّه أصْبح ملْكه، فله ولاية التّصرّف فيه.
وهذا إذا كان بعْد الْقبْض بلا خلافٍ، أمّا قبْل الْقبْض فإنّ الْفقهاء يخْتلفون فيما يجوز التّصرّف فيه قبْل الْقبْض وما لا يجوز.
وبالْجمْلة فإنّه لا يصحّ عنْد الْحنفيّة والشّافعيّة، وفي روايةٍ عن الإْمام أحْمد التّصرّف في الأْعْيان الْممْلوكة في عقود الْمعاوضات قبْل قبْضها، إلاّ الْعقار فيجوز بيْعه قبْل قبْضه عنْد أبي حنيفة وأبي يوسف خلافًا لمحمّدٍ. ودليل منْع التّصرّف قبْل الْقبْض قوْل النّبيّ صلى الله عليه وسلم لحكيم بْن حزامٍ: « لا تبعْ ما لمْ تقْبضْه » ولأنّ فيه غرر انْفساخ الْعقْد على اعْتبار الْهلاك.
وعنْد الْمالكيّة، والْمذْهب عنْد الْحنابلة: أنّه يجوز التّصرّف قبْل الْقبْض إلاّ في الطّعام، فلا يجوز التّصرّف فيه قبْل قبْضه، لقوْل النّبيّ صلى الله عليه وسلم: « من ابْتاع طعامًا فلا يبعْه حتّى يسْتوْفيه»
وأمّا الدّيون:
فعنْد الْحنفيّة يجوز التّصرّف فيها قبْل الْقبْض إلاّ في الصّرْف والسّلم:
أمّا الصّرْف فلأنّ كلّ واحدٍ منْ بدلي الصّرْف مبيعٌ منْ وجْهٍ وثمنٌ منْ وجْهٍ. فمنْ حيْث هو ثمنٌ يجوز التّصرّف فيه قبْل الْقبْض، ومنْ حيْث هو مبيعٌ لا يجوز، فغلب جانب الْحرْمة احْتياطًا.
وأمّا السّلم فلأنّ الْمسْلم فيه مبيعٌ بالنّصّ، والاسْتبْدال بالْمبيع الْمنْقول قبْل الْقبْض لا يجوز. وكذلك يجوز تصرّف الْمقْرض في الْقرْض قبْل الْقبْض عنْدهمْ، وذكر الطّحاويّ: أنّه لا يجوز.
وعنْد الْمالكيّة يجوز التّصرّف في الدّيون قبْل الْقبْض فيما سوى الصّرْف والسّلم، فإنّ الإْمام مالكًا منع بيْع الْمسْلم فيه قبْل قبْضه في موْضعيْن:
أحدهما: إذا كان الْمسْلم فيه طعامًا، وذلك بناءً على مذْهبه في أنّ الّذي يشْترط في صحّة بيْعه الْقبْض هو الطّعام، على ما جاء عليْه النّصّ في الْحديث.
والثّاني: إذا لمْ يكن الْمسْلم فيه طعامًا فأخذ عوضه الْمسْلم (صاحب الثّمن) ما لا يجوز أنْ يسْلم فيه رأْس ماله، مثْل أنْ يكون الْمسْلم فيه عرضًا والثّمن عرضًا مخالفًا له، فيأْخذ الْمسْلم من الْمسْلم إليْه إذا حان الأْجل شيْئًا منْ جنْس ذلك الْعرض الّذي هو الثّمن، وذلك أنّ هذا يدْخله إمّا سلفٌ وزيادةٌ، إنْ كان الْعرض الْمأْخوذ أكْثر منْ رأْس مال السّلم، وإمّا ضمانٌ وسلفٌ إنْ كان مثْله أوْ أقلّ .
وعنْد الشّافعيّة إنْ كان الْملْك على الدّيون مسْتقرًّا، كغرامة الْمتْلف وبدل الْقرْض جاز بيْعه ممّنْ عليْه قبْل الْقبْض، لأنّ ملْكه مسْتقرٌّ عليْه، وهو الأْظْهر في بيْعه منْ غيْره. وإنْ كان الدّيْن غيْر مسْتقرٍّ فإنْ كان مسْلمًا فيه لمْ يجزْ، وإنْ كان ثمنًا في بيْعٍ ففيه قوْلان.
وعنْد الْحنابلة: كلّ عوضٍ ملك بعقْدٍ ينْفسخ بهلاكه قبْل الْقبْض لمْ يجز التّصرّف فيه قبْل قبْضه، كالأْجْرة وبدل الصّلْح إذا كانا من الْمكيل أو الْموْزون أو الْمعْدود، وما لا ينْفسخ الْعقْد بهلاكه جاز التّصرّف فيه قبْل قبْضه، كعوض الْخلْع وأرْش الْجناية وقيمة الْمتْلف.
أمّا ما يثْبت فيه الْملْك منْ غيْر عوضٍ، كالْوصيّة والْهبة والصّدقة، فإنّه يجوز في الْجمْلة التّصرّف فيه قبْل قبْضه عنْد الْجمْهور.
33 - ب - وإذا كان الْملْتزم به تمْليكًا للْمنْفعة، فإنّه يثْبت لمالك الْمنْفعة حقّ التّصرّف في الْحدود الْمأْذون فيها، وتمْليك الْمنْفعة لغيْره كما في الإْجارة والْوصيّة بالْمنْفعة والإْعارة وهذا عنْد الْمالكيّة وفي الإْجارة عنْد جميع الْمذاهب، وفي غيْرها اخْتلافهمْ، والْقاعدة عنْد الْحنفيّة: أنّ الْمنافع الّتي تمْلك ببدلٍ يجوز تمْليكها ببدلٍ كالإْجارة، والّتي تمْلك بغيْر عوضٍ لا يجوز تمْليكها بعوضٍ. فالْمسْتعير يمْلك الإْعارة ولا يمْلك الإْجارة .
34 - ج - وإذا كان الْملْتزم به حقّ الانْتفاع فقطْ، فإنّ حقّ التّصرّف يقْتصر على انْتفاع الْملْتزم له بنفْسه فقطْ، كما في الْعاريّة عنْد الشّافعيّة، وفي وجْهٍ عنْد الْحنابلة، وكالإْباحة للطّعام في الضّيافات .
35 - د - وإذا كان الْملْتزم به إذْنًا في التّصرّف، فإنّه يثْبت للْمأْذون له حقّ التّصرّف الْمطْلق إذا كان الإْذْن مطْلقًا، وإلاّ اقْتصر التّصرّف على ما أذن به، وذلك كما في الْوكالة والْمضاربة.
وفي كلّ ذلك تفْصيلٌ ينْظر في مواضعه.
منْع حقّ التّصرّف:
36 - قدْ ينْشأ منْ بعْض الالْتزامات منْع حقّ التّصرّف، ومنْ أمْثلة ذلك:
الرّهْن، فلا يصحّ تصرّف الرّاهن في الْمرْهون ببيْعٍ أوْ غيْره، لأنّ الْمرْتهن أخذ الْعيْن بحقّه في الرّهْن، وهو التّوثّق باسْتيفاء ديْنه وقبض الْمرْهون. فالْمرْتهن بالنّسْبة إلى الرّهْن كغرماء الْمفْلس الْمحْجور عليْه.
(6) صيانة الأْنْفس والأْمْوال:
37 - الأْصْل أنّ الْمسْلم ملْتزمٌ بحكْم إسْلامه بالْمحافظة على دماء الْمسْلمين وأمْوالهمْ وأعْراضهمْ لقوْل النّبيّ صلى الله عليه وسلم في خطْبته يوْم النّحْر: « إنّ دماءكمْ وأمْوالكمْ حرامٌ كحرْمة يوْمكمْ هذا، في شهْركمْ هذا، في بلدكمْ هذا » .
أمّا بالنّسْبة لغيْر الْمسْلمين، فإنّ ممّا يصون دماءهمْ وأمْوالهم - الْتزام الْمسْلمين بذلك بسبب الْعقود الّتي تتمّ معهمْ، كعقْد الأْمان الْمؤقّت أو الدّائم. إذْ ثمرة الأْمان حرْمة قتْلهمْ واسْترْقاقهمْ وأخْذ أمْوالهمْ، ما داموا ملْتزمين بموجب عقْد الأْمان أوْ عقْد الذّمّة .
ومنْ صيانة الأْمْوال: الالْتزام بحفْظ الْوديعة بجعْلها في مكانٍ أمينٍ. وقدْ يجب الالْتزام بذلك حرْصًا على الأْمْوال، ولذلك يقول الْفقهاء: إنْ لمْ يكنْ منْ يصْلح لأخْذ الْوديعة غيْره وخاف إنْ لمْ يقْبلْ أنْ تهْلك - تعيّن عليْه قبولها، لأنّ حرْمة الْمال كحرْمة النّفْس، لما روى ابْن مسْعودٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « حرْمة مال الْمؤْمن كحرْمة دمه » . ولوْ خاف على دمه لوجب عليْه حفْظه، فكذلك إذا خاف على ماله .
ومنْ ذلك أخْذ اللّقطة واللّقيط، إذْ يجب الأْخْذ إذا خيف الضّياع، لأنّ حفْظ مال الْغيْر واجبٌ، قال ابْن رشْدٍ: يلْزم أنْ يؤْخذ اللّقيط ولا يتْرك، لأنّه إنْ ترك ضاع وهلك، لا خلاف بيْن أهْل الْعلْم في هذا، وإنّما اخْتلفوا في لقطة الْمال، وهذا الاخْتلاف إنّما هو إذا كانتْ بيْن قوْمٍ مأْمونين والإْمام عدْلٌ. أمّا إذا كانتْ بيْن قوْمٍ غيْر مأْمونين فأخْذها واجبٌ قوْلاً واحدًا .
ومنْ ذلك الالْتزام بالْولاية الشّرْعيّة لحفْظ مال الصّغير والْيتيم والسّفيه .
(7) الضّمان:
38 - الضّمان أثرٌ منْ آثار الالْتزام، وهو يكون بإتْلاف مال الْغيْر أو الاعْتداء عليْه بالْغصْب أو السّرقة أوْ بالتّعدّي في الاسْتعْمال الْمأْذون فيه في الْمسْتعار والْمسْتأْجر أوْ بالتّفْريط وترْك الْحفْظ كما في الْوديعة.
يقول الْكاسانيّ: تتغيّر صفة الْمسْتأْجر من الأْمانة إلى الضّمان بأشْياء منْها: ترْك الْحفْظ، لأنّ الأْجير لمّا قبض الْمسْتأْجر فقدْ الْتزم حفْظه، وترْك الْحفْظ الْملْتزم سببٌ لوجوب الضّمان، كالْمودع إذا ترك الْحفْظ حتّى ضاعت الْوديعة.
وكذلك يضْمن بالإْتْلاف والإْفْساد إذا كان الأْجير متعدّيًا فيه، إذ الاسْتعْمال الْمأْذون فيه مقيّدٌ بشرْط السّلامة .
ويقول السّيوطيّ: أسْباب الضّمان أرْبعةٌ:
الأْوّل: الْعقْد، ومنْ أمْثلته ضمان الْمبيع، والثّمن الْمعيّن قبْل الْقبْض، والْمسْلم فيه، والْمأْجور.
والثّاني: الْيد، مؤْتمنةً كانتْ كالْوديعة والشّركة والْوكالة والْمقارضة إذا حصل التّعدّي، أوْ غيْر مؤْتمنةٍ كالْغصْب والسّوْم والْعاريّة والشّراء فاسدًا.
والثّالث: الإْتْلاف للنّفْس أو الْمال.
والرّابع: الْحيْلولة .
ويقول ابْن رشْدٍ: الْموجب للضّمان إمّا الْمباشرة لأخْذ الْمال الْمغْصوب أوْ لإتْلافه، وإمّا الْمباشرة للسّبب الْمتْلف، وإمّا إثْبات الْيد عليْه .
وفي الْقواعد لابْن رجبٍ: أسْباب الضّمان ثلاثةٌ: عقْدٌ، ويدٌ، وإتْلافٌ . وفي كلّ ذلك خلافٌ وتفْصيلاتٌ وتفْريعاتٌ تنْظر في مواضعها.
حكْم الْوفاء بالالْتزام وما يتعلّق به:
39 - الأْصْل في الالْتزام أنّه يجب الْوفاء به امْتثالاً لقوله تعالى (يا أيّها الّذين آمنوا أوْفوا بالْعقود)
والْمراد بالْعقود كما يقول الْفقهاء: ما عقده الْمرْء على نفْسه منْ بيْعٍ وشراءٍ وإجارةٍ وكراءٍ ومناكحةٍ وطلاقٍ ومزارعةٍ ومصالحةٍ وتمْليكٍ وتخْييرٍ وعتْقٍ وتدْبيرٍ، وكذلك الْعهود والذّمم الّتي نعْقدها لأهْل الْحرْب وأهْل الذّمّة والْخوارج، وما عقده الإْنْسان على نفْسه للّه تعالى من الطّاعات كالْحجّ والصّيام والاعْتكاف والنّذْر والْيمين وما أشْبه ذلك، فيلْزم الْوفاء بها.
وقوْل النّبيّ صلى الله عليه وسلم « الْمسْلمون على شروطهمْ » عامٌّ في إيجاب الْوفاء بجميع ما يشْرطه الإْنْسان على نفْسه، ما لمْ تقمْ دلالةٌ تخصّصه .
لكنّ هذا الْحكْم ليْس عامًّا في كلّ الالْتزامات، وذلك لتنوّع الالْتزامات بحسب اللّزوم وعدمه، وبيان ذلك فيما يأْتي:
(1) الالْتزامات الّتي يجب الْوفاء بها:
40 - أ - الالْتزامات الّتي تنْشأ بسبب الْعقود اللاّزمة بيْن الطّرفيْن، كالْبيْع والإْجارة والصّلْح وعقود الذّمّة، فهذه الالْتزامات متى تمّتْ صحيحةً لازمةً وجب الْوفاء بها ما لمْ يحْدثْ ما يقْتضي الْفسْخ، كالْهلاك والاسْتحْقاق والرّدّ بالْعيْب، وهذا شاملٌ للأْعْيان الْواجب تسْليمها، وللدّيون الّتي تكون في الذّمم كبدل الْقرْض وثمن الْمبيع والأْجْرة في الإْجارة أو الّتي تنْشأ نتيجة إنْفاذ مال الْغيْر على خلافٍ وتفْصيلٍ.
ب - الالْتزامات الّتي تنْشأ نتيجة التّعدّي بالْغصْب أو السّرقة أو الإْتْلاف أو التّفْريط.
ج - الأْمانات الّتي تكون عنْد الْملْتزم، سواءٌ أكانتْ بموجب عقْدٍ كالْوديعة، أمْ لمْ تكنْ كاللّقطة وكمنْ أطارت الرّيح ثوْبًا إلى داره.
د - نذْر الْقربات، وهو ما يلْتزم به الإْنْسان منْ قرباتٍ بدنيّةٍ أوْ ماليّةٍ طاعةً وتقرّبًا إلى اللّه سبْحانه وتعالى.
هـ - الالْتزامات التّكْليفيّة الشّرْعيّة، ومنْها النّفقات الْواجبة.
فهذه الالْتزامات لا خلاف في وجوب الْوفاء بها، منْجزةً إنْ كانتْ كذلك، وبعْد تحقّق الشّرْط الْمشْروع إنْ كانتْ معلّقةً، وعنْد دخول الْوقْت إنْ كانتْ مضافةً، وسواءٌ أكان الْوفاء لا يجب إلاّ بعْد الطّلب أمْ يجب بدونه.
ويتحقّق الْوفاء بالأْداء والتّسْليم أو الْقيام بالْعمل أو الإْبْراء أو الْمقاصّة وهكذا. ودليل الْوجوب الآْية السّابقة، وكذلك قوله تعالى وأوْفوا بعهْد اللّه إذا عاهدْتمْقوله تعالى ولْيوفوا نذورهم وقوله تعالى فلْيؤدّ الّذي اؤْتمن أمانته.
والتّخلّف عن الْوفاء بغيْر عذْرٍ يسْتوْجب الْعقوبة
الدّنْيويّة والأْخْرويّة، إذ الْعقوبة واجبةٌ لقوْل النّبيّ صلى الله عليه وسلم« ليّ الْواجد يحلّ عرْضه وعقوبته » فعقوبته حبْسه، وعرْضه أنْ يحلّ الْقوْل في عرْضه بالإْغْلاظ. وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: « مطْل الْغنيّ ظلْمٌ » .
ولذلك يجْبر الْممْتنع عن الْوفاء بالضّرْب أو الْحبْس أو الْحجْر ومنْع التّصرّف في الْمال، أوْ بيْع مال الْملْتزم والْوفاء منْه. إلاّ إذا كان الْملْتزم معْسرًا فيجب إنْظاره لقوله تعالى (وإنْ كان ذو عسْرةٍ فنظرةٌ إلى ميْسرةٍ) .
41 - وما سبق إنّما هو في الْجمْلة، إذْ للْفقهاء في ذلك تفْصيلاتٌ وتفْريعاتٌ، ومنْ ذلك مثلاً:
اخْتلافهمْ في الإْجْبار على الْوفاء بالنّذْر الْمشْروع عنْد الامْتناع، فعنْد الْمالكيّة يقْضى بالنّذْر الْمطْلق إذا كان لمعيّنٍ، وإنْ كان لغيْر معيّنٍ يؤْمر بالْوفاء ولا يقْضى به على الْمشْهور، وقيل يقْضى به، وفيه الْخلاف أيْضًا عنْد الشّافعيّة. ومنْ ذلك أنّ أبا حنيفة لا يجيز الْحجْر في الدّيْن، لأنّ في الْحجْر إهْدار آدميّة الْمدين، بلْ لا يجيز للْحاكم التّصرّف في ماله، وإنّما يجْبره على بيْعه لوفاء ديْنه . وهكذا.
وينْظر تفْصيل ذلك في مواضعه.
2 - الْتزاماتٌ يسْتحبّ الْوفاء بها ولا يجب:
42 - أ - الالْتزامات الّتي تنْشأ منْ عقود التّبرّعات كالْقرْض والْهبة والْعاريّة والْوصيّة.
ب - الالْتزام النّاشئ بالْوعْد، فهذه الالْتزامات يسْتحبّ الْوفاء بها، لأنّها من الْمعْروف الّذي ندب إليْه الشّارع، يقول اللّه تعالى: (وتعاونوا على الْبرّ والتّقْوى) ويقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم « منْ نفّس عنْ مسْلمٍ كرْبةٍ منْ كرب الدّنْيا نفّس اللّه عنْه كرْبةً منْ كرب يوْم الْقيامة » ويقول: « تهادوا تحابّوا » .
لكنْ لا يجب الْوفاء بها، ففي الْوصيّة يجوز بالاتّفاق الرّجوع فيها ما دام الْموصي حيًّا.
وفي الْعاريّة والْقرْض يجوز الرّجوع بطلب الْمسْتعار وبدل الْقرْض في الْحال بعْد الْقبْض، وهذا عنْد غيْر الْمالكيّة، بلْ قال الْجمْهور: إنّ الْمقْرض إذا أجّل الْقرْض لا يلْزمه التّأْجيل، لأنّه لوْ لزم فيه الأْجل لمْ يبْق تبرّعًا.
أمّا الْمالكيّة فإنّ الْعاريّة والْقرْض إذا كانا مؤجّليْن فذلك لازمٌ إلى أنْ ينْقضي الأْجل، وإنْ كانا مطْلقيْن لزم الْبقاء فتْرةً ينْتفع بمثْله فيها، واسْتندوا إلى ما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه « ذكر رجلاً سأل بعْض بني إسْرائيل أنْ يسْلفه ألْف دينارٍ فدفعها إليْه إلى أجلٍ مسمًّى » . وقال ابْن عمر وعطاءٌ: إذا أجّله في الْقرْض جاز.
ويجوز الرّجوع في الْهبة قبْل الْقبْض عنْد الْجمْهور، فإذا تمّ الْقبْض فلا رجوع عنْد الشّافعيّة والْحنابلة إلاّ فيما وهب الْوالد لولده، وعنْد الْحنفيّة يجوز الرّجوع إنْ كانتْ لأجْنبيٍّ.
أمّا الْمالكيّة فلا رجوع عنْدهمْ في الْهبة قبْل الْقبْض وبعْده في الْجمْلة، إلاّ فيما يهبه الْوالد لولده.
وينْظر تفْصيل ذلك في مواضعه.
43 - والْوعْد كذلك يسْتحبّ الْوفاء به باتّفاقٍ.
يقول الْقرافيّ: منْ أدب الْعبْد مع ربّه إذا وعد ربّه بشيْءٍ لا يخْلفه إيّاه، لا سيّما إذا الْتزمه وصمّم عليْه، فأدب الْعبْد مع اللّه سبْحانه وتعالى بحسْن الْوفاء وتلقّي هذه الالْتزامات بالْقبول.
لكنّ الْوفاء به ليْس بواجبٍ في الْجمْلة، ففي الْبدائع: الْوعْد لا شيْء فيه وليْس بلازمٍ، وفي منْتهى الإْرادات: لا يلْزم الْوفاء بالْوعْد نصًّا، وفي نهاية الْمحْتاج: لوْ قال: أؤدّي الْمال أوْ أحْضر الشّخْص، فهو وعْدٌ لا يلْزم الْوفاء به، لأنّ الصّيغة غيْر مشْعرةٍ بالالْتزام.
إلاّ أنّه إذا كانتْ هناك حاجةٌ تسْتدْعي الْوفاء بالْوعْد فإنّه يجب الْوفاء به. فقدْ نقل ابْن عابدين عنْ جامع الْفصوليْن: لوْ ذكر الْبيْع بلا شرْطٍ، ثمّ ذكر الشّرْط على وجْه الْعدة، جاز الْبيْع ولزم الْوفاء بالْوعْد، إذ الْمواعيد قدْ تكون لازمةً فيجْعل لازمًا لحاجة النّاس.
والْمشْهور عنْد الْمالكيّة أنّ الْوعْد يلْزم ويقْضى به إذا دخل الْموْعود بسبب الْوعْد في شيْءٍ، قال سحْنونٌ: الّذي يلْزم من الْوعْد إذا قال: اهْدمْ دارك وأنا أسْلفك ما تبْني به، أو اخْرجْ إلى الْحجّ أو اشْتر سلْعةً أوْ تزوّجْ وأنا أسْلفك، لأنّك أدْخلْته بوعْدك في ذلك، أمّا مجرّد الْوعْد فلا يلْزم الْوفاء به، بل الْوفاء به منْ مكارم الأْخْلاق.
وقال الْقلْيوبيّ: قوْلهم الْوعْد لا يجب الْوفاء به مشْكلٌ، لمخالفته ظاهر الآْيات والسّنّة، ولأنّ خلْفه كذبٌ، وهو منْ خصال الْمنافقين .
الْتزاماتٌ يجوز الْوفاء بها ولا يجب:
44 - أ - الالْتزامات الّتي تنْشأ نتيجة الْعقود الْجائزة بيْن الطّرفيْن، كالْوكالة والشّركة والْقراض، فهذه يجوز لكلٍّ من الطّرفيْن فسْخها وعدم الالْتزام بمقْتضاها، هذا مع مراعاة ما يشْترطه بعْض الْفقهاء حين الْفسْخ منْ نضوض رأْس الْمال في الْمضاربة، وكتعلّق حقّ الْغيْر بالْوكالة .
- نَذْرُ الْمُبَاحِ: يَقُولُ الْقُرْطُبِيُّ: نَذْرُ الْمُبَاحِ لاَ يَلْزَمُ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الأْمَّةِ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: نَذْرُ الْمُبَاحِ، كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَطَلاَقِ الْمَرْأَةِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ، فَهَذَا يَتَخَيَّرُ فِيهِ النَّاذِرُ بَيْنَ فِعْلِهِ فَيَبَرُّ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
الْتِزَامَاتٌ يَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهَا:
45 - الاِلْتِزَامُ بِمَا لاَ يَلْزَمُ لاَ يَجِبُ فِيهِ الْوَفَاءُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الْوَفَاءُ حَرَامًا، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْتِزَامًا بِمَعْصِيَةٍ. وَمِنْ ذَلِكَ:
أ - نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ حَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ، فَمَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ أَقْتُلَ فُلاَنًا، فَإِنَّ هَذَا الاِلْتِزَامَ حَرَامٌ فِي ذَاتِهِ، وَأَيْضًا يَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : « مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلاَ يَعْصِهِ » وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلاَفٌ (ر: نَذْر - كَفَّارَة).
ب - وَكَذَلِكَ الْيَمِينُ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ، فَمَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ، فَقَدْ عَصَى بِيَمِينِهِ. وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ وَالْكَفَّارَةُ . (ر: كَفَّارَة - أَيْمَان).
ج - الاِلْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ، كَقَوْلِهِ: إِنْ قَتَلْتُ فُلاَنًا أَوْ شَرِبْتُ الْخَمْرَ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُ حَرَامٌ يَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهِ .
د - مَا كَانَ الاِلْتِزَامُ فِيهِ بِإِسْقَاطِ حَقِّ اللَّهِ أَوْ حَقِّ غَيْرِ الْمُلْتَزَمِ، فَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ حَقِّ اللَّهِ كَدَعْوَى حَدٍّ، وَلاَ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَادَّعَتْ عَلَيْهِ صَبِيًّا فِي يَدِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْهَا وَجَحَدَ الرَّجُلُ، فَصَالَحَتْ عَنِ النَّسَبِ عَلَى شَيْءٍ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، لأِنَّ النَّسَبَ حَقُّ الصَّبِيِّ .
وَلَوْ بَاعَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ مُؤَجَّلاً لَمْ يَصِحَّ، لأِنَّ الْقَبْضَ فِي الصَّرْفِ لِحَقِّ اللَّهِ.
هـ - الشُّرُوطُ الْبَاطِلَةُ لاَ يَجُوزُ الاِلْتِزَامُ بِهَا وَمِنْ ذَلِكَ:
46 - مَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَحَمَّلَ بِالْوَلَدِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَشَرَطَ عَلَيْهَا أَلاَّ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ (مُدَّةَ الرَّضَاعِ) أَيْ أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهَا تَرْكَ النِّكَاحِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، فَلاَ اخْتِلاَفَ أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِهِ، لأِنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِيهِ تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ . وَالْخُلْعُ صَحِيحٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَقُولُهُ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَنْ بَاعَ حَائِطَهُ (حَدِيقَتَهُ) وَشَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّ الْجَائِحَةَ لاَ تُوضَعُ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَلاَ يَلْتَزِمُ بِهِ الْمُشْتَرِي .
وَفِي الْبَدَائِعِ لِلْكَاسَانِيِّ: لَوْ وَهَبَ دَارًا عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لِفُلاَنٍ، أَوْ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ شَهْرٍ جَازَتِ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ. وَهِيَ شُرُوطٌ تُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَتَبْطُلُ وَيَبْقَى الْعَقْدُ عَلَى الصِّحَّةِ، بِخِلاَفِ الْبَيْعِ .
وَفِي الْمُهَذَّبِ: لَوْ شَرَطَ فِي الْقَرْضِ شَرْطًا فَاسِدًا بَطَلَ الشَّرْطُ، وَفِي الْقَرْضِ وَجْهَانِ . وَالأْمْثِلَةُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرَةٌ. (ر: بَيْع - اشْتِرَاط).
وَفِي حَالَةِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ يُسْتَثْنَى حَالَةُ الضَّرُورَةِ أَوِ الْحَاجَةِ. جَاءَ فِي جَوَاهِرِ الإْكْلِيلِ: يَجُوزُ لِلإْمَامِ مُهَادَنَةُ الْحَرْبِيِّينَ لِمَصْلَحَةٍ، إِنْ خَلَتِ الْمُهَادَنَةُ عَنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ، كَأَنْ كَانَتْ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ لَهُمْ فَلاَ يَجُوزُ، لقوله تعالي : (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأْعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إِلاَّ لِضَرُورَةِ التَّخَلُّصِ مِنْهُمْ خَوْفَ اسْتِيلاَئِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيَجُوزُ دَفْعُ الْمَالِ لَهُمْ، وَقَدْ شَاوَرَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الإْعْطَاءُ جَائِزًا عِنْدَ الضَّرُورَةِ مَا شَاوَرَ فِيهِ .
وَفِي الأْشْبَاهِ لاِبْنِ نُجَيْمٍ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَنْثُورِ لِلزَّرْكَشِيِّ: مَا حَرُمَ أَخْذُهُ حَرُمَ إِعْطَاؤُهُ، كَالرِّبَا وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَالرِّشْوَةِ لِلْحَاكِمِ إِذَا بَذَلَهَا لِيَحْكُمَ لَهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، إِلاَّ فِي مَسَائِلَ فِي الرِّشْوَةِ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ لِفَكِّ أَسِيرٍ أَوْ لِمَنْ يَخَافُ
هَجْوَهُ . وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ إِعْطَاءَ الرِّبَا لِلضَّرُورَةِ فَيَأْثَمَ الْمُقْرِضُ دُونَ الْمُقْتَرِضِ.
الأْوْصَافُ الْمُغَيِّرَةُ لآِثَارِ الاِلْتِزَامِ:
إِذَا تَمَّتِ التَّصَرُّفَاتُ الْمُلْزِمَةُ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الاِلْتِزَامِ مُسْتَوْفِيَةً أَرْكَانَهَا وَشَرَائِطَهَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا آثَارُهَا وَوَجَبَ تَنْفِيذُ الاِلْتِزَامِ.
لَكِنْ قَدْ يَتَّصِلُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْضُ الأْوْصَافِ الَّتِي تُغَيِّرُ مِنْ آثَارِ الاِلْتِزَامِ، فَتُوقِفُهُ أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا آخَرَ أَوْ تُبْطِلُهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أَوَّلاً: الْخِيَارَاتُ:
47 - مِنَ الْخِيَارَاتِ مَا يَتَّصِلُ بِالتَّصَرُّفِ، فَيَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ وَيَتَأَخَّرُ تَنْفِيذُ الاِلْتِزَامِ إِلَى أَنْ يُبَتَّ فِيهَا، فَيَتَبَيَّنَ مَا يَنْفُذُ وَمَا لاَ يَنْفُذُ. وَالْخِيَارَاتُ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنَّا نَكْتَفِي بِالْخِيَارَاتِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَهِيَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ.
يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: مِنَ الْخِيَارَاتِ مَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ، وَهُمَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ، وَمِنْهُ مَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَمِنْهُ مَا يَمْنَعُ لُزُومَهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ.
وَيَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: شَرَائِطُ لُزُومِ الْبَيْعِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ وَنَفَاذِهِ وَصِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا مِنْ خِيَارَاتٍ أَرْبَعَةٍ: خِيَارِ الشَّرْطِ، وَالتَّعْيِينِ وَالرُّؤْيَةِ، وَالْعَيْبِ. فَلاَ يَلْزَمُ مَعَ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ، إِذْ لاَ بُدَّ لِلُّزُومِ مِنَ الرِّضَا لقوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) .
وَفِي الْمَوْضُوعُ تَفْصِيلاَتٌ كَثِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَدْخُلُهَا الْخِيَارَاتُ وَالتَّصَرُّفَاتُ الَّتِي لاَ تَدْخُلُهَا، وَبِالنِّسْبَةِ لِمَا هُوَ عِنْدَ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، فَخِيَارُ التَّعْيِينِ مَثَلاً لاَ يَأْخُذُ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْقِيَاسِ. وَكَذَلِكَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَلِغَيْرِهِمْ تَفْصِيلٌ فِيهِ .
(ر: خِيَار)
ثانيًا: الشّروط:
48 - الشّرْط قدْ يكون تعْليقيًّا، وقدْ يكون تقْييديًّا: فالشّرْط التّعْليقيّ: هو ربْط وجود الشّيْء بوجود غيْره، أيْ أنّ الْملْتزم يعلّق تنْفيذ الْتزامه على وجود ما شرطه. وبذلك يكون أثر الشّرْط التّعْليقيّ في الالْتزام هو توقّف تنْفيذ الالْتزام حتّى يحْصل الشّرْط، فعنْد الْمالكيّة مثلاً إذا قال لشخْصٍ: إنْ بنيْت بيْتك، أوْ إنْ تزوّجْت فلك كذا فهو لازمٌ، إذا وقع الْمعلّق عليْه.
وهذا طبْعًا في التّصرّفات الّتي تقْبل التّعْليق، كالإْسْقاطات والإْطْلاقات والالْتزام بالْقرب بالنّذْر. أمّا التّصرّفات الّتي لا تقْبل التّعْليق كالْبيْع والنّكاح، فإنّ التّعْليق يمْنع الانْعقاد لعدم صحّة
التّصرّفات حينئذٍ. (ر: شرْط - تعْليق).
وأمّا الشّرْط التّقْييديّ فهو ما جزم فيه بالأْصْل وشرط فيه أمْرًا آخر.
وأمّا أثره في الالْتزام، فإنْ كان صحيحًا، فما كان منْه ملائمًا للتّصرّف، كمنْ يبيع ويشْترط على الْمشْتري أنْ يعْطيه بالثّمن رهْنًا أوْ كفيلاً... أوْ كان جرى به التّعامل بيْن النّاس كمنْ يشْتري جرابًا على أنْ يخْرزه له الْبائع... فإنّه ينْشئ الْتزامًا زائدًا على الالْتزام الأْصْليّ، كما هو واضحٌ من الأْمْثلة ويجب الْوفاء به.
أمّا إنْ كان مؤكّدًا لمقْتضى التّصرّف، كاشْتراط التّسْليم في الْبيْع مثلاً، فلا أثر له في الالْتزام، إذ الشّرْط هنا تأْكيدٌ وبيانٌ لمقْتضى الالْتزام.
وإنْ كان الشّرْط فاسدًا، فإنْ كان لا يقْتضيه التّصرّف وليْس ملائمًا له ولا جرى به التّعامل بيْن النّاس وفيه منْفعةٌ لها صاحبٌ يطالب بها، كمنْ يبيع الدّار على أنْ يسْكنها الْبائع شهْرًا، أو الثّوْب على أنْ يلْبسه أسْبوعًا، فإنّ هذا الشّرْط فاسدٌ ويفْسد معه التّصرّف، وبالتّالي يفْسد الالْتزام الأْصْليّ للتّصرّف حيْث قدْ فسد مصْدره.
وهذا عنْد الْحنفيّة، وهو يجْري في عقود الْمبادلات الْماليّة فقطْ، خلافًا للتّبرّعات كالْهبة حيْث يفْسد الشّرْط ويبْقى التّصرّف في الالْتزام به كما هو، ويصْبح الشّرْط لا أثر له في الالْتزام.
وأمّا عنْد الشّافعيّة فإنّ مثْل هذا الشّرْط يفْسد، ويفْسد معه التّصرّف، ويجْرون هذا في كلّ التّصرّفات.
أمّا الْمالكيّة، فإنّ الشّرْط الّذي يفْسد التّصرّف عنْدهمْ، فهو ما كان منافيًا لمقْتضى الْعقْد، أوْ كان مخلًّا بالثّمن. وقريبٌ منْ هذا مذْهب الْحنابلة. إذْ هو عنْدهمْ: ما كان منافيًا لمقْتضى الْعقْد، أوْ كان الْعقْد يشْتمل على شرْطه.
أمّا ما كان فيه منْفعةٌ لأحدٍ، فإنّه غيْر فاسدٍ عنْدهمْ إذا كانت الْمنْفعة معْلومةً. فمنْ يبيع الدّار ويشْترط سكْناها شهْرًا مثلاً فشرْطه صحيحٌ ويجب الْوفاء به. واسْتدلّوا بحديث جابرٍ أنّه « باع النّبيّ صلى الله عليه وسلم جملاً، واشْترط ظهْره إلى الْمدينة أيْ ركوبه »، وفي لفْظٍ قال: « بعْته واسْتثْنيْت حمْلانه إلى أهْلي ».
على أنّ الْجمْهور ومعهمْ أبو حنيفة متّفقون على أنّ منْ باع عبْدًا واشْترط أنْ يعْتقه الْمشْتري فهو شرْطٌ صحيحٌ يجب الْوفاء به، لتشوّف الشّارع للْحرّيّة، بلْ إنّ من الْفقهاء منْ قال: يجْبر الْمشْتري على ذلك.
وأمّا إنْ كان الشّرْط بغيْر ما ذكر، فإنّه يفْسد هو ويبْقى التّصرّف صحيحًا فيجب الْوفاء به .
الأْجل:
49 - الأْجل هو الْمدّة الْمتّفق عليْها الْمسْتقْبلة الْمحقّقة الْوقوع. والالْتزام قدْ يكون مؤجّلاً إذا كان الأْجل أجل توْقيتٍ، فإنّه يجْعل تنْفيذ الالْتزام مسْتمرًّا
طوال الْمدّة الْمحدّدة حتّى تنْتهي، فمنْ أجّر دارًا لمدّة شهْرٍ أصْبح منْ حقّ الْمسْتأْجر الانْتفاع بالدّار في هذه الْمدّة ولا يجوز للْملْتزم - وهو الْمؤجّر - أنْ يطالبه بتسْليم الدّار قبْل انْتهاء الأْجل الْمضْروب.
وإذا كان أجل إضافةٍ، فإنّ تنْفيذ الالْتزام لا يبْدأ إلاّ عنْد حلول الأْجل، فالدّيْن الْمؤجّل إلى رمضان يمْنع الدّائن من الْمطالبة قبْل دخول رمضان. فإذا حلّ الأْجل وجب على الْملْتزم بالدّيْن الْوفاء، وصار منْ حقّ الدّائن الْمطالبة بديْنه .
والتّصرّفات تخْتلف بالنّسْبة للأْجل توْقيتًا أوْ إضافةً، فمنْها ما هو مؤقّتٌ أوْ مضافٌ بطبيعته، كالإْجارة والْمساقاة والْوصيّة، ومنْها ما هو منْجزٌ ولا يقْبل التّأْقيت بحالٍ كالصّرْف والنّكاح، وإذا دخلهما التّأْقيت بطلا، ويكون أثر التّأْقيت هنا بطْلان الأْجل.
وأمّا الْعقْد فيبْطل في الصّرْف إجْماعًا. وفي النّكاح عنْد الأْكْثرين .
ومنْها ما يكون الأْصْل فيه التّنْجيز كالثّمن في الْبيْع لكنْ يجوز تأْجيله إرْفاقًا فيتغيّر أثر الالْتزام من التّسْليم الْفوْريّ إلى تأْخيره إلى الأْجل الْمحدّد.
على أنّ التّصرّفات الّتي تقْبل التّأْجيل يشْترط فيها في الْجمْلة: أنْ يكون الأْجل معْلومًا، إذْ في الْجهالة غررٌ يؤدّي إلى النّزاع، وألاّ يعْتاض عن الأْجل، إذ الاعْتياض عنْه يؤدّي إلى الرّبا.
ويكون الأْثر حينئذٍ بطْلان الشّرْط.
وهذا في الْجمْلة كما ذكرْنا، إذْ من التّصرّفات ما يكون الأْجل فيه مجْهولاً بطبيعته، كالْجعالة والْوصيّة، ويلْحق بهما الْوكالة والْقراض والإْذْن في التّجارة إذا لمْ يحدّدْ للْعمل مدّةً. كذلك التّبرّعات عنْد الْمالكيّة تجوز إلى أجلٍ مجْهولٍ .
انْقضاء الالْتزام:
56 - الأْصْل أنّ الالْتزام ينْقضي بوفاء الْملْتزم وتنْفيذه ما الْتزم به منْ تسْليم عيْنٍ أوْ ديْنٍ، كتسْليم الْمبيع للْمشْتري، والثّمن للْبائع، والْمأْجور للْمسْتأْجر، والأْجْرة للْمؤجّر والْموْهوب للْمتّهب وبدل الْقرْض للْمقْرض وهكذا.
وينْقضي الالْتزام أيْضًا بالْقيام بالْعمل الْملْتزم به في إجارةٍ أو اسْتصْناعٍ أوْ مساقاةٍ أوْ وكالةٍ أوْ مضاربةٍ، وبانْقضاء الْمدّة في التّصرّف الْمقيّد بالزّمن كالإْجارة الْمحدّدة.
57 - وقدْ ينْقضي الالْتزام بغيْر هذا، ومنْ أمْثلة ذلك:
(1) إبْراء الدّائن للْمدين .
2 - الْفسْخ أو الْعزْل في الْعقود الْجائزة كالْوكالة والشّركة والْقراض والْوديعة، إلاّ إذا اقْتضى فسْخها ضررًا على الطّرف الآْخر.
يقول السّيوطيّ: الشّركة والْوكالة والْعاريّة والْوديعة والْقراض كلّها تنْفسخ بالْعزْل من الْمتعاقديْن أوْ أحدهما .
وفي الْمنْثور للزّرْكشيّ: الْعقود الْجائزة إذا اقْتضى فسْخها ضررًا على الطّرف الآْخر امْتنع وصارتْ لازمةً. ولهذا قال النّوويّ: للْوصيّ عزْل نفْسه إلاّ أنْ يتعيّن عليْه أوْ يغْلب على ظنّه تلف الْمال باسْتيلاء ظالمٍ.
ويجْري مثْله في الشّريك والْمقارض، وقدْ قالوا في الْعامل إذا فسخ الْقراض: عليْه التّقاضي والاسْتيفاء، لأنّ الدّيْن ملْكٌ ناقصٌ، وقدْ أخذه منْه كاملاً، فلْيردّه كما أخذه، وظاهر كلامهمْ أنّه لا ينْعزل حتّى ينضّ الْمال .
(3) الرّجوع في التّبرّعات قبْل الْقبْض كالْوصيّة والْهبة، وبعْد الْقبْض في الْعاريّة والْقرْض عنْد غيْر الْمالكيّة .
(4) الْمقاصّة في الدّيون .
(5) انْعدام الأْهْليّة في الْعقود الْجائزة كالْجنون والْموْت .
(6) الْفلس أوْ مرض الْموْت في التّبرّعات قبْل الْقبْض.
(7) عدم إمْكان التّنْفيذ، كهلاك الْمبيع قبْل الْقبْض.
يقول الْكاسانيّ: هلاك الْمبيع قبْل الْقبْض، إنْ هلك كلّه قبْل الْقبْض بآفةٍ سماويّةٍ انْفسخ الْبيْع، لأنّه لوْ بقي أوْجب مطالبة الْمشْتري بالثّمن، وإذا طالبه بالثّمن فهو يطالبه بتسْليم الْمبيع، وأنّه عاجزٌ عن التّسْليم فتمْتنع الْمطالبة أصْلاً، فلمْ يكنْ في
بقاء الْبيْع فائدةٌ فينْفسخ، وكذلك إذا هلك بفعْل الْمبيع بأنْ كان حيوانًا فقتل نفْسه، وكذا إذا هلك بفعْل الْبائع يبْطل الْبيْع ويسْقط الثّمن عن الْمشْتري عنْدنا.
وإنْ هلك بفعْل الْمشْتري لا ينْفسخ الْبيْع وعليْه الثّمن، لأنّه بالإْتْلاف صار قابضًا .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت
الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 308
الْحَبْسُ لِلدَّيْنِ :
مَشْرُوعِيَّةُ حَبْسِ الْمَدِينِ :
79 - الْمَدِينُ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا مُعْسِرٌ، وَإِمَّا مُوسِرٌ: فَالْمَدِينُ الَّذِي ثَبَتَ إِعْسَارُهُ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ لِلآْيَةِ: ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).
وَالْمَدِينُ الْمُوسِرُ يُعَاقَبُ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ الْحَالِّ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ».
وَلِلْعُلَمَاءِ قَوْلاَنِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ:
الْقَوْلُ الأْوَّلُ: يُقْصَدُ بِالْعُقُوبَةِ فِي الْحَدِيثِ الْحَبْسُ، وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَسَوَّارٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ.
وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُمَا؛ لأِنَّ الْحُقُوقَ لاَ تُخَلَّصُ فِي هَذِهِ الأْزْمِنَةِ غَالِبًا إِلاَّ بِهِ وَبِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: الْعُقُوبَةُ فِي الْحَدِيثِ هِيَ الْمُلاَزَمَةُ، حَيْثُ يَذْهَبُ الدَّائِنُ مَعَ الْمَدِينِ أَنَّى ذَهَبَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَذَكَرُوا أَنَّ الْمَدِينَ لاَ يُحْبَسُ، لأِنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم لَمْ يَحْبِسْ بِالدَّيْنِ، وَلَمْ يَحْبِسْ بَعْدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، بَلْ كَانُوا يَبِيعُونَ عَلَى الْمَدِينِ مَالَهُ.
مَا يُحْبَسُ بِهِ الْمَدِين:
80 - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الدَّيْنَ إِلَى أَقْسَامٍ: مَا كَانَ بِالْتِزَامٍ بِعَقْدٍ كَالْكَفَالَةِ وَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ، وَمَا كَانَ بِغَيْرِ الْتِزَامٍ إِلاَّ أَنَّهُ لاَزِمٌ، كَنَفَقَةِ الأْقَارِبِ وَبَدَلِ الْمُتْلَفِ، وَمَا كَانَ عَنْ عِوَضٍ مَالِيٍّ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ. وَلَهُمْ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ فِيمَا يُحْبَسُ بِهِ الْمَدِينُ وَمَا لاَ يُحْبَسُ بِهِ.
وَذَكَرُوا أَنَّ أَقَلَّ مِقْدَارٍ يُحْبَسُ بِهِ الْمَدِينُ الْمُمَاطِلُ فِي دَيْنِ آدَمِيٍّ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ. أَمَّا الدُّيُونُ الَّتِي لِلَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ فَلاَ حَبْسَ فِيهَا عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ.
الْمَدِينُ الَّذِي يُحْبَس:
81 - تُحْبَسُ الْمَرْأَةُ بِالدَّيْنِ إِنْ طَلَبَ غَرِيمُهَا ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ زَوْجَةً أَمْ أَجْنَبِيَّةً. وَاتَّجَهَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُخَدَّرَةَ (الَّتِي تَلْزَمُ بَيْتَهَا وَلاَ تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ) لاَ تُحْبَسُ فِي الدَّيْنِ، بَلْ يُسْتَوْثَقُ عَلَيْهَا وَيُوَكَّلُ بِهَا.
وَيُحْبَسُ الزَّوْجُ بِدَيْنِ زَوْجَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا. وَيُحْبَسُ الْقَرِيبُ بِدَيْنِ أَقْرِبَائِهِ، حَتَّى الْوَلَدُ يُحْبَسُ بِدَيْنِ وَالِدَيْهِ لاَ الْعَكْسُ. وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ؛ لأِنَّ مُوجِبَ الْحَبْسِ لاَ يَخْتَلِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالأْنُوثَةِ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الصَّبِيَّ لاَ يُحْبَسُ بِالدَّيْنِ بَلْ يُؤَدَّبُ. وَفِي الْقَوْلِ الآْخَرِ لِلْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ يُحْبَسُ بِالدَّيْنِ إِذَا أَذِنَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَظَلَمَ.
وَيُحْبَسُ الْمُسْلِمُ بِدَيْنِ الْكَافِرِ وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا؛ لأِنَّ مَعْنَى الظُّلْمِ مُتَحَقِّقٌ فِي مُمَاطَلَتِهِ.
مُدَّةُ حَبْسِ الْمَدِينِ :
82 - اخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ حَبْسِ الْمَدِينِ، وَالصَّحِيحُ تَفْوِيضُ ذَلِكَ لِلْقَاضِي؛ لأِنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي احْتِمَالِ الْحَبْسِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: هِيَ شَهْرٌ.
وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شَهْرَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ مَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِلَى سِتَّةٍ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُؤَبَّدُ حَبْسُهُ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ إِذَا عَلِمَ يُسْرَهُ. وَلَمْ نَجِدْ نَصًّا لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
الْحَبْسُ لِلتَّفْلِيسِ :
83 - يَشْتَرِكُ الْمُفْلِسُ مَعَ الْمَدِينِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأْحْكَامِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَيَفْتَرِقُ عَنْهُ - بِحَسَبِ مَا ذَكَرُوهُ - فِي أَنَّ الْحَاكِمَ يَتَدَخَّلُ لِشَهْرِ الْمُفْلِسِ بَيْنَ النَّاسِ وَإِعْلاَنِ عَجْزِهِ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ وَجَعْلِ مَالِهِ الْمُتَبَقِّي لِغُرَمَائِهِ.
وَلاَ يُحْبَسُ الْمُعْسِرُ وَلَوْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ ذَلِكَ لقوله تعالي : (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).
وَإِذَا كَانَ الْمُفْلِسُ مَجْهُولَ الْحَالِ لاَ يُعْرَفُ غِنَاهُ أَوْ فَقْرُهُ حُبِسَ بِطَلَبٍ مِنَ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ كَفَالَتِهِ بِوَجْهٍ أَوْ بِمَالٍ حَتَّى تَزُولَ الْجَهَالَةُ. وَقَالُوا: إِذَا أَخْبَرَ بِإِعْسَارِهِ وَاحِدٌ مِنَ الثِّقَاتِ أُخْرِجَ مِنْ حَبْسِهِ.
وَإِذَا حُبِسَ الْمُفْلِسُ الْمَجْهُولُ الْحَالِ وَظَهَرَ أَنَّ لَهُ مَالاً، أَوْ عُرِفَ مَكَانُهُ أُمِرَ بِالْوَفَاءِ. فَإِنْ أَبَى أُبْقِيَ فِي الْحَبْسِ - بِطَلَبِ غَرِيمِهِ - حَتَّى يَبِيعَ مَالَهُ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى عَدَمِ بَيْعِ مَالِهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَقَضَاهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحَبْسِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْحَاكِمُ بَيْنَ حَبْسِهِ لإِجْبَارِهِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ عَلَيْهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّ الْحَاكِمَ لاَ يُجِيبُ الْغُرَمَاءَ إِلَى بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ وَعُرُوضِهِ، خَوْفًا مِنْ أَنْ تَخْسَرَ عَلَيْهِ وَيَتَضَرَّرَ. بَلْ يَقْضِي دَيْنَهُ بِجِنْسِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيُؤَبِّدُ حَبْسَهُ لِحَدِيثِ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ».
وَإِذَا قَامَتِ الْقَرَائِنُ أَوِ الْبَيِّنَةُ عَلَى وُجُودِ مَالٍ لِلْمَدِينِ الْمُفْلِسِ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ حُبِسَ حَتَّى يُظْهِرَهُ إِنْ طَلَبَ غَرِيمُهُ ذَلِكَ. وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِلْحَدِيثِ الآْنِفِ ذِكْرُهُ.
حَبْسُ الْمُفْلِسِ بِطَلَبِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ :
84 - إِنْ طَلَبَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ حَبْسَ الْمُفْلِسِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُهُ وَأَبَى بَعْضُهُمْ حُبِسَ وَلَوْ لِوَاحِدٍ، فَإِنْ أَرَادَ الَّذِينَ لَمْ يَحْبِسُوا مُحَاصَّةَ الْحَابِسِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ الْمَحْبُوسِ فَلَهُمْ ذَلِكَ. وَلَهُمْ أَيْضًا إِبْقَاءُ حِصَصِهِمْ فِي يَدِ الْمُفْلِسِ الْمَحْبُوسِ. وَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ الْحَابِسِ إِلاَّ حِصَّتُهُ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت
الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والثلاوثون ، الصفحة / 115
مَطْلُ الْمَدِينِ الْمُعْسِرِ الَّذِي لاَ يَجِدُ وَفَاءً لِدَيْنِهِ
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ وَيُتْرَكُ يَطْلُبُ الرِّزْقَ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَالْوَفَاءُ لِدَائِنِيهِ، وَلاَ تَحِلُّ مُطَالَبَتُهُ وَلاَ مُلاَزَمَتُهُ وَلاَ مُضَايَقَتُهُ، لأِنَّ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ أَوَجَبَ إِنْ ظَارُهُ إِلَى وَقْتِ الْمَيْسَرَةِ فَقَالَ: ) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لأِنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالدَّيْنِ إِنَّ مَا تَجِبُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الأْدَاءِ، فَإِذَا ثَبَتَ الإْعْسَارُ فَلاَ سَبِيلَ إِلَى الْمُطَالَبَةِ، وَلاَ إِلَى الْحَبْسِ بِالدَّيْنِ، لأِنَّ الْخِطَابَ مُرْتَفِعٌ عَنْهُ إِلَى أَنْ يُوسِرَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ جَازَتْ مُؤَاخَذَتُهُ لَكَانَ ظَالِمًا، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَيْسَ بِظَالِمِ لِعَجْزِهِ بَلْ إِنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ قَالَ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمِدْيَانُ غَنِيًّا، فَمَطْلُهُ عَدْلٌ، وَيَنْقَلِبُ الْحَالُ عَلَى الْغَرِيمِ، فَتَكُونُ مُطَالَبَتُهُ ظُلْمًا لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).
وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ مُلاَزَمَةَ الدَّائِنِ لِمَدِينِهِ الْمُعْسِرِ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِ الإِنْ ظَارَ بِالنَّصِّ .
وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصْطَفَى صلي الله عليه وسلم فَضْلَ إِنْ ظَارِ الْمُعْسِرِ وَثَوَابَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ».
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَدِينِ الْمُعْسِرِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْقَدْرُ الَّذِي اسْتُحِقَّ عَلَيْهِ حَاضِرًا عِنْدَهُ، لَكِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِالتَّكَسُّبِ مَثَلاً، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ لاَ؟
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: أَطْلَقَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا.
وَفَصَّلَ آخَرُونَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الدَّيْنِ يَجِبُ بِسَبَبِ يَعْصِي بِهِ فَيَجِبُ، وَإِلاَّ فَلاَ .
كَمَا اخْتَلَفُوا فِي هَلْ يُجْبَرُ الْمَدِينُ الْمُعْدِمُ عَلَى إِجَارَةِ نَفْسِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ مِنْ أُجْرَتِهِ إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْعَمَلِ أَمْ لاَ؟
مَطْلُ الْمَدِينِ الْغَنِيِّ الَّذِي مَنَعَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْوَفَاءِ
7 - مَطْلُ الْمَدِينِ الْغَنِيِّ الَّذِي مَنَعَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْوَفَاءِ، كَغَيْبَةِ مَالِهِ وَعَدَم وُجُودِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقْتَ الْوَفَاءِ بِغَيْرِ تَعَمُّدِهِ فَلاَ يَكُونُ مَطْلُهُ حَرَامًا، وَذَلِكَ لأِنَّ الْمَطْلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: تَأْخِيرُ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ مَعْذُورٌ.
ثَالِثًا: مَطْلُ الْمَدِينِ الْمُوسِرِ بِلاَ عُذْرٍ
8 - مَطْلُ الْمَدِينِ الْمُوسِرِ الْقَادِرِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِلاَ عُذْرٍ وَذَلِكَ بَعْدَ مُطَالَبَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَإِنَّهُ حَرَامٌ شَرْعًا، وَمِنْ كَبَائِرِ الإْثْمِ، وَمِنَ الظُّلْمِ الْمُوجِبِ لِلْعُقُوبَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى الْوَفَاءِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْمَعْنَى أَنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ، وَأَطْلَقَ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ مِنَ الْمَطْلِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ إِذَا كَانَ وَاجِدًا لِجِنْسِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِ سَاعَةٍ يُمْكِنُهُ فِيهَا الأْدَاءُ وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَإِذَا كَانَ غَنِيًّا فَمَطَلَ بِمَا قَدِ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَقَدْ ظَلَمَ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»، وَمَعْنَى «يُحِلُّ عِرْضَهُ» أَيْ يُبِيحُ أَنْ يَذْكُرَهُ الدَّائِنُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْمَطْلِ وَسُوءِ الْمُعَامَلَةِ .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَلاَ نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ، أَنَّهُ يُعَاقَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ .
وَالْعُقُوبَةُ الزَّاجِرَةُ هِيَ عُقُوبَةٌ تَعْزِيرِيَّةٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ شَرْعًا، الْمَقْصُودُ مِنْهَا حَمْلُهُ عَلَى الْوَفَاءِ وَإِلْجَاؤُهُ إِلَى دَفْعِ الْحَقِّ إِلَى صَاحِبِهِ دُونَ تَأْخِيرٍ.
أَمَّا قَبْلَ الطَّلَبِ، فَقَدْ وَقَعَ الْخِلاَفُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: هَلْ يَجِبُ الأْدَاءُ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ، حَتَّى يُعَدَّ مَطْلاً بِالْبَاطِلِ قَبْلَهُ؟ وَحَكَى ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَمَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ إِلَى تَرْجِيحِ عَدَمِ الْوُجُوبِ قَبْلَ الطَّلَبِ، لأِنَّ لَفْظَ «الْمَطْلِ» فِي الْحَدِيثِ يُشْعِرُ بِتَقْدِيمِ الطَّلَبِ وَتَوَقُّفِ الْحُكْمِ بِظُلْمِ الْمُمَاطِلِ عَلَيْهِ .
وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَطْلَ يَثْبُتُ بِالتَّأْجِيلِ وَالْمُدَافَعَةِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ .
حَمْلُ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ عَلَى الْوَفَاءِ
نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى طُرُقٍ تُتَّبَعُ لِحَمْلِ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ عَلَى الْوَفَاءِ، مِنْهَا:
أ - قَضَاءُ الْحَاكِمِ دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ جَبْرًا:
9 - إِذَا كَانَ لِلْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ مَالٌ مِنْ جَنْسِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَسْتَوْفِيهِ جَبْرًا عَنْهُ، وَيَدْفَعُهُ لِلدَّائِنِ إِنْ صَافًا لَهُ، جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ إِذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَهُ مَالٌ فَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، بِأَنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَالدَّيْنُ دَرَاهِمُ، فَالْقَاضِي يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ دَرَاهِمِهِ بِلاَ خِلاَفٍ .
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ الْحَبْسُ فِي الْحَقِّ إِذَا تَمَكَّنَ الْحَاكِمُ مِنِ اسْتِيفَائِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الدَّيْنِ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَالَهُ أَخَذْنَا مِنْهُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَلاَ يَجُوزُ لَنَا حَبْسُهُ .
ب - مَنْعُهُ مِنْ فُضُولِ مَا يَحِلُّ لَهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ:
10 - قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ وَامْتَنَعَ، وَرَأَى الْحَاكِمُ مَنْعَهُ مِنْ فُضُولِ الأْكْلِ وَالنِّكَاحِ فَلَهُ ذَلِكَ، إِذِ التَّعْزِيرُ لاَ يَخْتَصُّ بِنَوْعِ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّ مَا يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي نَوْعِهِ وَقَدْرِهِ، إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ .
ج - تَغْرِيمُهُ نَفَقَاتِ الشِّكَايَةِ وَرَفْعِ الدَّعْوَى
11 - قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَنْ عَلَيْهِ مَالٌ، وَلَمْ يُوَفِّهِ حَتَّى شَكَا رَبُّ الْمَالِ، وَغَرِمَ عَلَيْهِ مَالاً، وَكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ، وَمَطَلَ حَتَّى أَحْوَجَ مَالِكَهُ إِلَى الشَّكْوَى، فَمَا غَرِمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَهُوَ عَلَى الظَّالِمِ الْمُمَاطِلِ، إِذَا كَانَ غُرْمُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ .
د - إِسْقَاطُ عَدَالَتِهِ وَرَدُّ شَهَادَتِهِ:
12 - حَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ أَصْبَغَ وَسَحْنُونٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِرِدِّ شَهَادَةِ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ مُطْلَقًا، إِذَا كَانَ غَنِيًّا مُقْتَدِرًا لأِنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم سَمَّاهُ ظَالِمًا فِي قَوْلِهِ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»، وَنَقَلَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مُقْتَرِفَ ذَلِكَ يُفَسَّقُ .
وَلَكِنْ هَلْ يَثْبُتُ فِسْقُهُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمَطْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَمْ لاَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَصِيرُ عَادَةً؟
قَالَ النَّوَوِيُّ: مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا اشْتِرَاطُ التَّكْرَارِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُهُ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنْ مَنَعَ الْحَقَّ بَعْدَ طَلَبِهِ، وَابَتْعَاءُ الْعُذْرِ عَنْ أَدَائِهِ كَالْغَصْبِ، وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ، وَتَسْمِيَتُهُ فِي الْحَدِيثِ ظُلْمًا يُشْعِرُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً، وَالْكَبِيرَةُ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْرَارُ، نَعَمْ لاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ عُذْرِهِ .
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قِيلَ: يَفْسُقُ بِمَرَّةٍ، وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَقِيلَ: إِذَا تَكَرَّرَ، وَهُوَ الأْوْلَى .
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَفْسُقُ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ الْقُدْرَةِ قَبْلَ الطَّلَبِ أَمْ لاَ؟ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ حَدِيثُ الْبَابِ التَّوَقُّفُ عَلَى الطَّلَبِ، لأِنَّ الْمَطْلَ يُشْعِرُ بِهِ .
هـ - تَمْكِينُ الدَّائِنِ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ لِلدَّيْنِ:
13 - نَصَّ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ، عَلَى أَنَّ مِنْ حَقِّ الدَّائِنِ عِنْدَ مَطْلِ الْمَدِينِ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَيَسْتَرِدُّ الْبَدَلَ الَّذِي دَفَعَهُ، وَقَدْ جَعَلَ لَهُ هَذَا الْخِيَارَ فِي الْفَسْخِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إِزَالَةِ الضَّرَرِ اللاَّحِقِ بِهِ نَتِيجَةَ مَطْلِ الْمَدِينِ وَمُخَاصَمَتِهِ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ حَامِلاً لِلْمَدِينِ الْمُقْتَدِرِ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْوَفَاءِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوِ امْتَنَعَ - أَيِ الْمُشْتَرِي - مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ مَعَ يَسَارِهِ فَلاَ فَسْخَ فِي الأْصَحِّ ، لأِنَّ التَّوَصُّلَ إِلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ مُمْكِنٌ .
و - حَبْسُ الْمَدِينِ
14 - نَصَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَدِينَ الْمُوسِرَ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ مَطْلاً وَظُلْمًا، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِالْحَبْسِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حَبْسٌ ف 79 وَمَا بَعْدَهَا).
وَنَقَلَ ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمِّدٍ فِي الْمَحْبُوسِ بِالدَّيْنِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لاَ مَالَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَلَهُ مَالٌ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى، فَيُؤْمَرُ رَبُّ الدَّيْنِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ السِّجْنِ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلاً بِنَفْسِهِ عَلَى قَدْرِ هَذِهِ الْمَسَافَةِ، وَيُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ وَيَبِيعَ مَالَهُ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ، فَإِنْ أُخْرِجَ مِنَ السِّجْنِ، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، أُعِيدَ حَبْسُهُ .
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَنْ حُبِسَ بِدَيْنِ، وَلَهُ رَهْنٌ لاَ وَفَاءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَجَبَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ إِمْهَالُهُ حَتَّى يَبِيعَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيْعِهِ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، وَجَبَ إِخْرَاجُهُ لِيَبِيعَهُ، وَيَضْمَنُ عَلَيْهِ، أَوْ يَمْشِي مَعَهُ الدَّائِنُ أَوْ وَكِيلُهُ .
ز - ضَرْبُ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ
15 - قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: لاَ نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ، أَنَّهُ يُعَاقَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ، وَنَصُّوا عَلَى عُقُوبَتِهِ بِالضَّرْبِ ثُمَّ قَالَ مُعَلِّقًا عَلَى حَدِيثِ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» وَالْعُقُوبَةُ لاَ تَخْتَصُّ بِالْحَبْسِ، بَلْ هِيَ فِي الضَّرْبِ أَظْهَرُ مِنْهَا فِي الْحَبْسِ .
وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْخَرَشِيِّ: إِنَّ مَعْلُومَ الْمَلاَءَةِ إِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ بِالنَّاضِّ الَّذِي عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤَخِّرُهُ، وَيَضْرِبُهُ بِاجْتِهَادِهِ إِلَى أَنْ يَدْفَعَ، وَلَوْ أَدَّى إِلَى إِتْلاَفِ نَفْسِهِ، وَلأِنَّهُ مُلِدٌّ .
ح - بَيْعُ الْحَاكِمِ مَالَ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ جَبْرًا
16 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَبِيعُ مَالَ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ جَبْرًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.
غَيْرَ أَنَّ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفًا فِي تَأْخِيرِهِ عَنِ الْحَبْسِ، أَوِ اللُّجُوءِ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَبْسِ الْمَدِينِ، أَوْ تَرْكِ الْخِيَارِ لِلْحَاكِمِ فِي اللُّجُوءِ إِلَيْهِ عِنْدَ الاِقْتِضَاءِ عَلَى أَقْوَالٍ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ إِذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ - وَلَهُ مَالٌ - فَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ جَنْسِ الدَّيْنِ، بِأَنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَالدَّيْنُ دَرَاهِمَ، فَالْقَاضِي يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ دَرَاهِمِهِ بِلاَ خِلاَفٍ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ خِلاَفِ جَنْسِ دَيْنِهِ، بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ وَمَالُهُ عُرُوضًا أَوْ عَقَارًا أَوْ دَنَانِيرَ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يَبِيعُ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ، وَفِي بَيْعِ الدَّنَانِيرِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَدِيمُ حَبْسُهُ إِلَى أَنْ يَبِيعَ بِنَفْسِهِ وَيَقْضِيَ الدَّيْنَ، وَعِنْدَ مُحَمِّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ يَبِيعُ الْقَاضِي دَنَانِيرَهُ وَعُرُوضَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي الْعَقَارِ رِوَايَتَانِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَعِنْدَهُمَا فِي رِوَايَةٍ: يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَدِينَ إِنِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الدَّيْنِ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَالَهُ، أَخَذْنَا مِنْهُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَلاَ يَجُوزُ لَنَا حَبْسُهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا ظَفِرْنَا بِمَالِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ شَيْءٌ يُبَاعُ لَهُ فِي الدَّيْنِ - كَانَ رَهْنًا أَمْ لاَ - فَعَلْنَا ذَلِكَ، وَلاَ نَحْبِسُهُ، لأِنَّ فِي حَبْسِهِ اسْتِمْرَارَ ظُلْمِهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَأَمَّا الَّذِي لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ إِذَا طَلَبَ، فَإِذَا امْتَنَعَ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَقَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالأْصْحَابُ: إِذَا امْتَنَعَ الْمَدِينُ الْمُوسِرُ الْمُمَاطِلُ مِنَ الْوَفَاءِ، فَالْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ بَاعَ مَالَهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَإِنْ شَاءَ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِهِ وَعَزَّرَهُ بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَبَى مَدِينٌ لَهُ مَالٌ يَفِي بِدَيْنِهِ الْحَالِّ الْوَفَاءِ، حَبَسَهُ الْحَاكِمُ، وَلَيْسَ لَهُ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْحَبْسِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُهُ، أَوْ يَبْرَأَ مِنْ غَرِيمِهِ بِوَفَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ أَوْ حَوَالَةٍ، أَوْ يَرْضَى الْغَرِيمُ بِإِخْرَاجِهِ مِنَ الْحَبْسِ، لأِنَّ حَبْسَهُ حَقٌّ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ الْمَدِينُ عَلَى الْحَبْسِ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَقَضَى دَيْنَهُ .
__________________________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة ۲۱۸)
1- يجبر المدين ، بعد اعذاره ، على تنفيذ التزامه تنفيداً عينياً متى كان ذلك ممكناً.
۲- على أنه اذا كان في التنفيد العيني ارهاق للمدین، جاز للقاضي بناء على طلب المدين أن يقصر حق الدائن على اقتضاء تعويض اذا كان ذلك لا يلحق به ضرراً جسيماً .
هذه المادة تقابل المادة ۲۰۲ من التقنين الحالي التي تنص على ما يأتي :
۱۰ - يجبر المدين بعد اعذاره طبقا للمادتين ۲۱۹ و ۲۲۰ على تنفيذ التزامه تنفيذا عينيا متى كان ذلك ممكنا .
۲- على أنه اذا كان في التنفيذ العینی ارهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدی ، اذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرر جسيما
وقد ادخل على هذه المادة التعديلان الإتيان :
أولا - العدول عما يقضي به النص الحالي حيث يجعل من حق المدين نفسه أن يعمد الى التعويض النقدي اذا كان في التنفيذ العینی ارهاق له، وفي هذه الحالة لا يسوغ للدائن أن يطلب التنفيذ العینی بل يتتصر حقه على المطالبة بأداء التعويض الواجب له ، ويكون دور القاضي حينئذ أن يوازن بين مصالح ذوي الشأن ، بينما رؤي في النص المقترح جعل الأمر من أوله إلى آخره للقاضي بناء على طلب المدين . وبذلك یکسون الحكم أقرب إلى قواعد الفقه الاسلامي . اذ أن طلب المدين في هذه الحالة يستهدف رفع مظلمة وولاية رفع المظالم إلى القاضي ، وعلى كل فالنتيجة العملية النهائية واحدة وهي أن القول الفصل للقاضي
ثانيا - استبدال لفظ و تعویض و بعبارة و تعويض نقدی ،، لأن الأمر في ذلك مرده إلى القاضي ، ولأنه لا يشترط في التعويض أن يكون نقديا •
والمادة المقترحة تطابق المادة 284 من التقنين الكويتي و تطابق المادة 355 من التقنين الأردني فيما عدا أن هذه الأخيرة تنص على « عوض نقدی ، بدلا من « تعویض ،۰
و تقابل المادة 246 من التقنين العراقي ، وهي مطابقة لنص المصري الحالي فيما عدا أنها لا تشير إلى الأعذار .
ويستند النص المقترح الى ما يقرره الفقه الإسلامي من قواعد تقضي بأنه «اذا بطل الأمل يصار إلى البدل ، (م 53 من المجلة ) وبان « المشقة تجلب التيسير » (م ۱۷ من المجلة )، وبأنه «لاضرر ولا ضرار ، (م ۱۹ من المجلة )، وبأن « الضرر يزال ، (م ۲۰ من المجلة )، وبأن « الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ، (م ۲۷ من المجلة ) ، و بأن « الضرر يدفع بقدر الامكان (م ۲۱ من المجلة ).
مجلة الأحكام العدلية
مادة (53) إذا بطل الأصل
إذا بطل الأصل يصار إلى البدل.
مادة (17) المشقة تجلب التيسير
المشقة تجلب التيسير، يعني أن الصعوبة تصير سبباً للتسهيل ويلزم التوسيع في وقت المضايقة، يتفرع على هذا الأصل كثير من الأحكام الفقهية كالقرض والحوالة والحجر وغير ذلك وما جوزه الفقهاء من الرخص والتخفيفات في الأحكام الشرعية مستنبط من هذه القاعدة.
مادة (19) الضرر
لا ضرر ولا ضرار.
مادة (20) الضرر يزال
الضرر يزال.
مادة (21) الضرورات
الضرورات تبيح المحظورات.
مادة (27) إزالة الضرر الأشد
الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.