loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 119

المشروع التمهيدي .

لامقابل لها.

المشروع في لجنة المراجعة

 اقترح إضافة هذه المادة إلى المشروع النهائي بالنص الآتي  :

المجنون والمعتوه وذو الغفلة والسفيه تحجر عليهم المحكمة وفقاً للقواعد و طبقا الإجراءات المقررة في القانون .. وأصبح رقم المادة 116 في المشروع النهائی .

المشروع في مجلس النواب

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 116 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة السادسة

تليت المادة 116 وهذا نصها  :

والمجنون والمعتوه وذو الغفلة والسفيه تحجر عليهم المحكمة وفقاً للقواعد وطبقاً الاجراءات المقررة في القانون .

قرار اللجنة :

 وافقت اللجنة بالإجماع على هذه المادة مع حذف كلمة طبقاً .

واصبح رقمها 113 .

محضر الجلسة الخامسة والستين

يراجع بشأنها ما جاء بملاحظات سعادة العشماوي باشا بمحضر هذه الجلسة ص 118 تعليقاً على المادة 112  .

ویری سعادته تعديل المادة 113 على الوجه الآتي  :

مادة 113 - المجنون والمعتوه وذو الغفلة والسفيه تحجر عليهم المحكمة وفقاً للقواعد والاجراءات المقررة في القانون ولا يرفع الحجر إلا بحكم.

وإذا كان الشخص بسبب عاهة فيه أو مرض يخشى على ماله من انفراده بالتصرف فيه جاز للمحكمة أن تعين له مساعدة قضائية يشير عليه ويعاونه في التصرفات التي تعينها .

وقد قصد بالتعديل إلى أن رفع الحجر لا يكون إلا بحكم استكمالاً لحكم هذه المادة ليكن الاستغناء عن نص المادة 43 المقابل له في قانون المحاكم الحسبية وذلك تمشية مع اتجاه إدماج الأحكام الموضوعية الحسية في القانون المدني ، والغرض من إضافة الفقرة الثانية هو مواجهة الحكم الموضوعي للمساعدة القضائية إذ نص المشروع على التصرفات التي تصدر من المساعد قضائية دون أن يقرر حكم هذه المساعدة موضوعية.

قرار اللجنة :

رأت اللجنة أن تكون صيغة المادة 113 كما يأتي  :

المجنون والمعتوه وذو الغفلة والسفيه تحجر عليهم المحكمة وترفع الحجر عنهم وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في القانون.

وإضافة الفقرة المقترح إضافتها للمادة 113 إلى المادة 117 .

ملحق تقرير اللجنة :

اقترح في المادة 113 إضافة عبارة وترفع الحجر عنهم ، يعد عبارة و تحجر المحكمة علهم، لاستظهار معنى أن الحجر لايرفع إلا بحكم وقد نص قانون المحاكم الحسية صراحة على ذلك - وقد وافقت اللجنة على الأخذ بهذا الاقتراح حتى تكون القواعد الموضوعية الخاصة بالحجر كاملة في التقنين المدني .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأحكام

1- النص فى المادة 65 من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 على أنه " يحكم بالحجر على البائع للجنون أو للسلفة أو للغفلة، ولا يرفع الحجر إلا بحكم_" يدل على أن المشروع ذهب إلى أن توقيع الحجر ورفعه لا يكون إلا بمقتضى حكم، خلافا لما تواضع عليه فقهاء الشرع الإسلامى من أن الحجر يكون بقيام موجبة، ورفعة يكون بزوال هذا الموجب دون حاجة إلى صدور حكم به، مما مؤداه أن نشوء الحالة القانونية المترتبة على توقيع الحجر أو رفعة يتوقف على صدور الحكم بهما لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن " مبنى الالتماس صدور حكم بتوقيع حكم بتوقيع الحجر على المحكوم ضده وتعيين الملتمس قيما عليه لفقدانه الأهلية إلى ما قبل بدء الخصومة القضائية فى الدعاوى الثلاثة الملتمس إعادة النظر فيها وان فقدان المحكوم ضده أهليته لم يكن إلا بالحكم الصادر فى الدعوى 219/ب لسنة 1979 كلى أحوال شخصية القاهرة واعتبارا من تاريخ صدوره فى 1979/12/5 طالما لم يحدد الحكم تاريخا معينا لفقدانه أهليته " . ولما كان الثابت من الأوراق ومن الرجوع إلى الحكم الصادر من محكمة القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية بتاريخ 1979/12/15 المودعة صورته الرسمية - أنه قضى بتوقيع الحجر على"_.." لإصابته بالعته أخذا بتقرير الطبيب المنتدب لفحص حالته وأنه لم يحدد فى منطوقة أو بأسبابه التى أقام عليها ميقاتا معينا أرجع فيه قيام عارض الأهلية بالمحجور عليه ولم يرد حالة العته التى اعترته إلى تاريخ بعينه إلى تاريخ بعينة من التواريخ العديدة التى رددها الطبيب وأوردها فى تقريره بشأن مرضه، فإن هذا الحكم لا يكون قد قطع بقيام حالة العته لدى هذا الشخص فى تاريخ سابق على قضائه بتوقيع الحجر عليه ومن ثم فلا يعد فاقدا لأهليته إلا من وقت صدوره، هذا إلى أنه فيما يتعلق بحالة الإنسان وأهليته فيعتبر من الأحكام المنشئة التى لا تنسحب آثارها على الوقائع السابقة عليه.

(الطعن رقم 1909 لسنة 51 جلسة 1992/02/23 س 43 ع 1 ص 365 ق 79)

2- طلب الحجر لعارض من عوارض الأهلية يستهدف مصلحة خاصة و مصالح عامة ترجع كلها إلى حفظ مال من لا يستطيع المحافظة على ماله فهو بهذه المثابة طلب شخصى لصيق بإنسان على قيد الحياة و هو المطلوب الحجر عليه أو تستدعى حالته تدابير معينة لحمايته من نفسه و من الغير و ذلك بغرض القوامه عليه و إخضاعه لإشراف محكمة الولاية على المال بإجراءات توجه إلى شخص المطلوب الحجر عليه و لذلك ناطت المادة 969 من قانون المرافعات بالنيابة العامة رعاية مصالحه و التحفظ على أمواله و الإشراف على إدارتها ... لما كان ذلك فإن الحكم الذى يصدر فى دعوى الحجر من محكمة الولاية على المال تكون له حجية مطلقة قبل الكافة .

(الطعن رقم 2051 لسنة 51 جلسة 1983/06/30 س 34 ع 2 ص 1527 ق 297)

3- العتة آفة تصيب العقل فتعيبه و تنقص من كماله ، و المرجع فى ذلك و على ما أوردته المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 الخاص بأحكام الولاية على المال - هو خبرة المختصين فى الآفات العقلية و شواهد الحال إذ كان ذلك و كان ما يعنى محكمة الولاية على المال و هى بسبيل بحث طلب الحجز هو التحقق من قيام عارض من عوارض الأهلية يستوجبه ، و فى نسبة العتة إلى شخص بعينه تنحصر مهمتها فى تمحيص مدى تأثير هذا المرض على أهليته بما لا يمكنه معه من أن يستبين وجه المصلحة فيما يبرمه من تصرفات و فى إدارته لأمواله و فى فهمه للمسائل المالية الخاصة به ، و هى فى هذا الشأن لها مطلق الحرية فى تقدير قيام حالة العته بإعتبارها تتعلق بفهم الواقع فى الدعوى فلا تخضع فى قضائها هذا لرقابة محكمة النقض متى كان إستخلاصها سائغاً .

(الطعن رقم 23 لسنة 44 جلسة 1977/01/05 س 28 ع 1 ص 189 ق 45)

4- إذ كان الحجر للعته لا يقصد منه توقيع عقوبة على من إعتراه هذا العارض من عوارض الأهلية ، و إنما يستهدف المشرع حماية أمواله بأن يدرأ عنه ما قد تؤدى إليه حالته فيصبح عيالاً على المجتمع و من ثم فليس بلازم أن يعلق توقيع الحجر على ثبوت حصول تصرفات للطاعن تدل على فساد التدبير طالما تحقق بموجب الحجر بقيام حالة العته لديه .

(الطعن رقم 23 لسنة 44 جلسة 1977/01/05 س 28 ع 1 ص 189 ق 45)

5- مؤدى نصوص المواد 47 من القانون المدنى و 47 و 78 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال و 970 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات المضاف بالولاية على المال مجتمعة أنه إذا مات المطلوب الحجر عليه قبل صدور حكم فى الطلب المقدم فإنه ينتهى الحق فيه و تزول ولاية محكمة الحجر بنظره لهلاك الشخص المراد إخضاعه للحجر و القوامة تبعاً لإستحالة أن يقضى بعد الموت بقيد ينصب على شخص المطلوب الحجر عليه و بالتحفظ على ماله . يؤيد هذا النظر أن المشرع بموجب المادة 78 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 السابقة الإشارة أجرى الأحكام المقررة فى شأن الوصاية على القصر على القوامة ، و قصد بذلك - و على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية - أن القواعد الخاصة بالوصاية تسرى على القوامة بالقدر إلى تتلائم فى حدود أحكامها مع طبيعتها ، مما مفاده أنه إذا توفى المطلوب الحجر عليه فقد طلب الحجر محله و موضوعه و إستحال قانوناً أن تمضى المحكمة فى نظره ، و أكد المشرع هذا المعنى فى المادة 970 من قانون المرافعات الآنفة الذكر بإستبعاده إتباع الإجراءات و الأحكام الخاصة بالولاية على المال و منها توقيع الحجر و رفعه و تعيين القامة و مراجعة أعمالهم و حساباتهم إذا إنتهت الولاية على المال فيما عدا حالتى الفصل فى الحساب السابق تقديمه للمحكمة و تسليم الأموال لورثة ناقصى الأهلية أو عديميها إعتباراً بأن الولاية مشروطة بقيام موجبها فإذا إنعدم الموجب زالت الولاية و أوردت المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات تعليقاً على تلك المادة " و أوردت المادة 970 من قاعدة عامة فى مدى تطبيق أحكام هذا الباب من حيث الزمن على أنه إذا إنتهت الولاية القضائية على المال لأى سبب من أسباب إنتهائها كعودة الأب إلى ولايته أو زوال سبب عدم الأهلية أو وفاة عديم الأهلية أو عودة الغائب أو ثبوت موته ، لا نتبع الإجراءات المذكورة إلا فى تسليم الأموال من النائب عن عديم الأهلية أو وكيلى الغائب و فى الفصل فى الحساب المقدم للمحكمة فعلاً أما ما عدا ذلك من المسائل و لو إتصل بإدارة الأموال فتتبع فى الدعوى به الإجراءات العادية و يخضع لقواعد الإختصاص العامة " مما مؤداه أنه يستحيل على المحكمة أن تأمر بتعيين قيم على شخص ليس على قيد الحياة لتنافر ذلك مع طبيعة الحجر ذاته ، أو أن تعهد إليه بتسليم أمواله أو تولى إدارتها و حفظها لأن الموت لا يبقى له على مال بعد أن إنتقل بمجرد الوفاة و بقوة القانون للوارث أو للموصى له فينقضى بالتالى الطالب المقدم بالحجر و يصبح بسبب الموت غير ذى موضوع . و لا يحول دون الحكم بإنتهاء طلب الحجر سبق تسجيله لأن الحكمة فى تسجيل هذا الطلب وفق المادة 1026 من قانون المرافعات - و على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية - هى حماية الغير ممن يتعاقد مع المطلوب الحجر عليه ، و لم يجعل التسليم وجوبياً بل ترك التقدير لقاضى الأمور الوقتية متى تحقق من جدية الطلب خشية إساءة إستعماله مع ما يترتب عليه من آثار خطيرة فى سير أعمال من قدم ضده طلب الحجر ، الأمر الذى لا تستلزم إستمرار محكمة الولاية على المال فى نظر طلب الحجر بعد وفاة المطلوب الحجر عليه .

(الطعن رقم 13 لسنة 45 جلسة 1976/06/16 س 27 ع 1 ص 1370 ق 260)

6- طلب الحجر يستهدف مصلحة خاصة و مصالح عامة ترجع كلها إلى حفظ مال من لا يستطيع المحافظة على ماله ، و هو بهذه المثابة طلب شخصى لصيق بإنسان موجود على قيد الحياة هو المطلوب الحجر عليه تستدعى حالته إتخاذ تدابير معينة لحمايته من نفسه و من الغير بفرض القوامة عليه و إخضاعه لإشراف محكمة الولاية على المال ، يوجه إلى شخص المطلوب الحجر عليه و لا يجوز توجيهه إلى خلفه العام ، و لذلك ناطت المادة 969 من قانون المرافعات بالنيابة العامة وحدها رعاية مصالحه و التحفظ على أمواله و الإشراف على إدارتها ، و خولت لها فى هذا السبيل سلطة التحقيق من حالة المطلوب الحجر عليه و قيام أسباب الحجر التى حددها القانون و إقتراح التدابير التى ترى إتخاذها للمحافظة على أمواله .

(الطعن رقم 13 لسنة 45 جلسة 1976/06/16 س 27 ع 1 ص 1370 ق 260)

7- متى كان الحكم المطعون فيه قد أشار فى أسبابه الواقعية إلى عقد البيع المشار إليه بسبب النعى بما يفيد أنه أحاط بهذه الواقعة و لم يجد فيها مبرراً لتوقيع الحجر بسببها بعد أن أورد أن تصرفات المطعون عليه الأول و من بينها هذا البيع مبررة و لا خروج فيها على مألوف العرف أو مقتضى العقل و الشرع ، و متى كانت المحكمة قد بينت الحقيقة التى إقتنعت بها و أقامت قضاءها على أسباب تكفى لحمل الحكم فى تكون بعد ملزمة أن تتبع جميع حجج الخصوم و أوجه دفاعهم و أن ترد على كل منها إستقلالاً لأن قيام الحقيقة التى إستخلصتها فيه الرد الضمنى المسقط لكل حجة تخالفها .

(الطعن رقم 20 لسنة 40 جلسة 1975/05/14 س 26 ع 1 ص 1002 ق 192)

8- لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه إذا قضى بتوقيع الحجر على الطاعن قد إكتفى بسرد التصرفات الصادرة منه ، حسبما أوردها المطعون عليه فى طلب الحجر و ساق عبارة مجملة دون أن يناقش هذه التصرفات و يبين الوقائع التى تنبىء عن إنفاق المال و إتلافه على غير ما يقتضيه العقل و الشرع ، و عن الغبن الذى لحق الطاعن من هذه التصرفات . و إستدل الحكم فى قضائه بتوقيع الحجر على ما جاء بأقوال الطاعن فى التحقيقات دون أن يورد هذه الأقوال و يكشف عن دلالتها على السفه و الغفلة ، و كان الطاعن قد تمسك فى دفاعه أمام محكمة الإستئناف بأن القدر الذى باعه إلى ... ... مرهون و أن البيع لم يشمل ... ... و أنه أخذ على المشترى ورقة ضد بهذا المعنى ، قدم صورة منها ضمن مستنداته ، غير أن الحكم التفت عن تحقيق هذا الدفاع الجوهرى و لم يتناوله بأى رد  لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور .

(الطعن رقم 31 لسنة 40 جلسة 1974/03/27 س 25 ع 1 ص 593 ق 95)

9- الطبيب ليس هو الذى يعطى الوصف القانونى للحالة المرضية التى يشاهدها , بل الشأن فى ذلك للقاضى الذى يملك أن يقيم قضاءه ببطلان العقود لعته المتصرف على ما يطمئن إليه من شهادة الشهود والقرائن , ولو كانت مخالفة لرأى الطبيب , إذ للقاضى مطلق الحق فى تقدير ما يدلى به الخبراء من اراء .

(الطعن رقم 53 لسنة 38 جلسة 1974/01/01 س 25 ع 1 ص 92 ق 18)

10- تنص المادة رقم 68 من قانون الولاية على المال الصادر بالمرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 على أن تكون القوامة للإبن البالغ ثم للأب ثم للجد ثم لمن تختاره المحكمة ، و تقضى المادة 69 من هذا القانون بأنه يشترط فى القيم ما يشترط فى الوصى وفقاً لما نصت عليه المادة 27 ، و يتعين تطبيقا للفقرة الأولى من هذه المادة الأخيرة أن يكون القيم عدلاً كفؤاً ذا أهلية كاملة . و المفهوم من إصطلاح الكفاية بشأن القيم - و على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون بالنسبة للوصى - هو أن يكون أهلا للقيام على شئون المحجور عليه ، و تجيز الفقرة السابعة من المادة 27 سالفة الذكر إسناد القوامة إلى من يوجد بينه و بين المحجور عليه نزاع قضائى ، إذا إتضح أن النزاع ليس من شأنه أن يعرض مصالحه للخطر ، و توافرت فى هذا المرشح سائر أسباب الصلاحية .

(الطعن رقم 17 لسنة 38 جلسة 1972/03/22 س 23 ع 1 ص 462 ق 73)

11- القضاء بصحة التصرفات السابقة على الحكم الصادر بتوقيع الحجر للعتة لا يعتبر إخلالا بحجيته ، إذ أن الحكم لم يقطع بقيام حالة العته لدى المورث وقت حصول التعاقد ، فضلاً عن تعلقه بحالة الإنسان و أهليته ، فيعتبر من الأحكام المنشئة التى لا تنسحب آثارها على الوقائع السابقة عليه 

(الطعن رقم 363 لسنة 36 جلسة 1971/04/22 س 22 ع 2 ص 540 ق 84)

12- إنه و إن كانت المادة 980 من قانون المرافعات المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 1951 و السارية وقت رفع الدعوى . و التى حلت محل المادة 64 من القانون رقم 99 لسنة 1947 تضع على عاتق مديرى المستشفيات و المصحات و الأطباء المعالجين إبلاغ النيابة العامة عن حالات فقد الأهلية الناشئة عن عاهة عقلية ، إلا أن المشرع - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لم يقصد بتلك المادة إلتزام طريق معين لإثبات قيام حالة العته ، و إنما إستهدف فيها مجرد إجراءات تنظيمية واجبة الإتباع قبل توقيع الحجر ، و رتب على مخالفتها جزاء جنائياً نص عليه فى المادة 982 من ذات القانون . و إذا كان الحكم المطعون فيه قد استند إلى الشهادة الطبية باعتبارها ورقة صادرة من أحد الفنيين ، و مؤيدة بما جرى على لسان الشهود من أن المورثة قد امتدت بها الحياة حتى تجاوزت التسعين من عمرها ، و أنها كانت مصابة بعته شيخوخى - و كان من حق المحكمة أن تعتد على هذا الأساس بهذه الشهادة ما دامت قد إطمأنت إليها بما لها من سلطة تامة فى تقدير الدليل ، فإن ما يثيره الطاعنون من عدم صحة هذه الشهادة أو إهدار قيمتها لعدم اتخاذ الإجراءات المشار إليها لا ينطوى على فساد فى الاستدلال .

(الطعن رقم 270 لسنة 36 جلسة 1971/01/19 س 22 ع 1 ص 71 ق 14)

13- تلتزم محكمة الأحوال الشخصية عند الفصل فى طلب الحجر بالتحقق من قيام الحالة الموجبة له فى ذات المحجور عليه ، فإن هى دللت على قيام تلك الحالة بالتصرفات الصادرة منه ، فإنها لا تكون قد فصلت فى أمر صحتها أو بطلانها ، لأن ذلك لم يكن مطروحا عليها و لا اختصاص لها به ، و إنما تكون قد اتخذت من تلك التصرفات دليلا على قيام موجب الحجر بالمحجور عليه ، و هو لا يجوز حجيته فى دعوى بطلان التصرف . و إذ كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر أن الوصف الذى أضفاه حكم الحجر على تصرف المحجور عليه ، بأنه ابتزاز مما يحوز قوة الأمر المقضى و رتب على ذلك الحكم بإبطال التصرف فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 278 لسنة 36 جلسة 1971/01/21 س 22 ع 1 ص 108 ق 19)

14- السفه هو تبذير المال وإتلافه فيما لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضاً صحيحاً . وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى بتوقيع الحجر على الطاعنة مستنداً فى ذلك إلى " أن تصرفاتها ينطبق عليها المدلول القانونى والشرعى للسفه ذلك فضلاً عن إسرافها فى إنفاق كل ما إستوفته من مبالغ التعويض التى قدرها المساعد القضائي لها بمبلغ ثلاثة آلف جنيه ومن مبالغ الإيراد الناتج من أكثر من ثلاثين فداناً رغم ضآلة مطالبها إذ لا تحتاج إلا للمأكل والملبس والمسكن وهى بمفردها لم تنجب ذرية وليس لديها من تجب عليها نفقته ثم تتمادى فى الإسراف وسوء التصرف فتنزل عن كل أطيانها الزراعية بطريق الهبة لأحد أولاد أختها مؤثرة إياه على بقية إخوته ولو تم ذلك لتجردت من أملاكها وأصبحت لا تجد من الايراد السنوى ما يكفى لنفقتها وتوفير حاجتها الضرورية ولم تكتف بما إستحوز عليه من إيراداتها بمقتضى التوكيل العام الصادر له منها مدة خمس عشرة سنة كاملة ، وكل أولئك يدل دلالة لا ريب فيها على ان الطاعنة قد وصلت فى سوء التقدير والتصرف فى المال إلى الحد الذى يبرر وصمها بالسفه ويسوغ بالتالى توقيع الحجر عليها " ، وهذه التقريرات من الحكم إنما تكشف عن أوضاع جارية ومتعارفة قوامها التراحم والتضامن الإجتماعى ، ومما يحض عليه التشريع الإسلامى ، وبالتالى فهى لا تنطوى على خفة من جانب الطاعنة وليس فيها ما ينبىء عن إنفاقها المال وإتلافه على غير ما يقتضيه العقل والشرع ولا يتحقق بها مقتضاه ، فانه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 31 لسنة 33 جلسة 1966/02/02 س 17 ع 1 ص 237 ق 31)

15- الغفلة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي ضعف بعض الملكات الضابطة فى النفس ترد على حسن الإدارة والتقدير ويترتب على قيامها بالشخص أن يغبن فى معاملاته مع الغير. وإذن فمتى كانت التصرفات التي أخذ الحكم المطعون فيه الطاعنة بها إنما ترددت بينها وبين ولديها يحدو الطاعنة فيها طابع الأمومة بما جبلت عليه من العطف والرعاية تبعاً لما تستشعره هى تلقاءهما من أحاسيس الرضا والغضب دون أن يكون فى تباين هذه التصرفات معهما أو مع أي منهما مظهر من مظاهر الاضطراب أو دليل على الانقياد وعدم الإدراك، وكان البيع الصادر من الطاعنة لأحد ولديها قد بررته هى - على ما ورد فى الحكم المطعون فيه بأن ابنها المتصرف إليه قد أدى عنها جميع الديون التي خلفها لها ابنها الآخر وقت وكالته، فإن قيام هذا الاعتبار لدى الطاعنة من شأنه أن يدفع عن هذا التصرف شبهة الاستئثار أو التسلط عليها مما ينأى به عن مجال الغفلة سواء كان الثمن المقدر للمبيع أقل من قيمته الحقيقية أو كان البيع قد حصل تبرعاً من الطاعنة لولدها المذكور طالما أنها لم تصدر فى هذا التصرف إلا عن مصلحة تراها هي جديرة بالاعتبار، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد استند فى قضائه بتوقيع الحجر على الطاعنة للغفلة على أساس مخالف للقانون مما يستوجب نقضه.

(الطعن رقم 4 لسنة 27 جلسة 1959/01/29 س 10 ع 1 ص 113 ق 16)

16- قيام المصلحة فى الطعن بالنقض أو عدم قيامها إنما يرجع فيه إلى وقت صدور الحكم المطعون فيه و ما يلابس الدعوى إذ ذاك من ظروف ووقائع يثبتها الحكم و تكون تحت نظره و عليها يرتكز قضاؤه بحيث يقتصر بحث الطعن فيه فى مختلف و جوهه القانونية على هذا النطاق . فإذا كان المطلوب الحجر عليه على قيد الحياة يوم صدور الحكم المطعون فيه فإن وفاته بعد ذلك لا يكون لها تأثير على تحقق مصلحة طالب الحجر و توافرها فى الطعن على ذلك الحكم .

(الطعن رقم 5 لسنة 27 جلسة 1958/05/15 س 9 ع 1 ص 501 ق 60)

17- إن وفاة أحد طرفى الخصومة بعد أن تكون الدعوى قد تهيأت للحكم فى موضوعها لا يمنع على ما تقضى به المادة 295 مرافعات من الحكم فى موضوعها على موجب الأقوال و الطلبات الختامية . و تعتبر الدعوى مهيأة للحكم أمام محكمة النقض على مقتضى المادتين 296 و 441 مرافعات بعد استيفاء جميع إجراءات الدعوى من إيداع المذكرات و تبادلها بين الطرفين . فإذا كان المطلوب الحجر عليه قد توفى بعد تمام ذلك أمام محكمة النقض فلا تأثير لوفاته فى نظر الطعن فى الحكم الصادر برفض طلب الحجر .

(الطعن رقم 5 لسنة 27 جلسة 1958/05/15 س 9 ع 1 ص 501 ق 60)

18- السفه و الغفلة بوجه عام يشتركان فى معنى واحد هو ضعف بعض الملكات الضابطة فى النفس إلا أن الصفة المميزة للسفه هى أنها تعترى الإنسان فتحمله على تبذير المال و انفاقه على خلاف مقتضى العقل و الشرع . أما الغفلة فانها تعتبر صورة من صور ضعف بعض الملكات النفسية ترد على حسن الإدارة و التقدير . فإذا كان الحكم إذ قضى بتأييد قرار رفض طلب الحجر لهذين السببين قد أقام قضاءه على ما استخلصه هو و الحكم الابتدائى بالأسباب السائغة التى أوردها من أن تصرفات المطلوب الحجر عليه إلى ولده و أحفاده لها ما يبررها و تدل على تقدير و إدراك لما تصرف فيه و لا تنبىء عن سفه أو غفلة فإن ذلك الحكم لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون أو تأويله .

(الطعن رقم 5 لسنة 27 جلسة 1958/05/15 س 9 ع 1 ص 501 ق 60)

19- المحكمة ليست ملزمة بإجابة طلب طالب الحجر ندب طبيب آخر لتوقيع الكشف الطبى على المطلوب الحجر عليه و الاطلاع على التقارير الطبية السابقة و إبداء رأيه فيها متى كونت اقتناعها فى الدعوى من واقع الأوراق المقدمة فيها و بذا لايكون فى رفض الحكم لهذا الطلب إخلال بحق له فى الدفاع .

(الطعن رقم 5 لسنة 27 جلسة 1958/05/15 س 9 ع 1 ص 501 ق 60)

20- متى كان القرار المنعى ببطلانه صادرا فى مادة حجر من محكمة ابتدائية فان عدم إيداع أسبابه فى ظرف الخمسة عشر يوما المنصوص عليها فى المادة 1018 مرافعات لا يترتب عليه بطلان ذلك القرار . ذلك لأن المشرع قد رأى فى هذا الخصوص عدم الأخذ بحكم المادة 2/346 مرافعات الخاص ببطلان الأحكام إذا لم تودع مسوداتها فى المواعيد المحددة لذلك ولم يرد بالمادة 1018 نص على جزاء البطلان مماثل للنص الوارد فى المادة 346 سابقة الذكر .

(الطعن رقم 5 لسنة 27 جلسة 1958/05/15 س 9 ع 1 ص 501 ق 60)

21- متى كان الحجر مؤسسا على عته الشخص المطلوب توقيع الحجر عليه وعلى السفه لتصرفه فى بعض أملاكه وإنفاق ثمنها على غير مقتضى العقل و الشرع ، و كان الحكم المطعون فيه بعد أن نفى عنه حالة العته اكتفى فى الرد على حالة السفه باستعراض تصرفه فى أمواله وتقريره أن هذا لا يعتبر موجبا لقيام السفه واغفل بحث ما تمسك به طالب الحجر من إنفاق ثمن ما تصرف فيه على غير مقتضى العقل والشرع ومن ثم فإن هذا الحكم يكون قد أغفل بحث دفاع جوهرى قد يتغير به وجه الرأى فى الدعوى ويكون بذلك قد شابه قصور مبطل له

(الطعن رقم 9 لسنة 25 جلسة 1955/11/10 س 6 ع 4 ص 1485 ق 201)

22- بيان تاريخ بدء قيام حالة الغفلة ليس ركنا من أركان الحكم بالحجر للغفلة و ليس بواجب على المحكمة قبل القضاء بالحجر أن تتقصى بدء قيام هذا السبب بل يكفى أن يتوافر قبل الحكم الدليل على قيامه .

(الطعن رقم 5 لسنة 24 جلسة 1954/12/23 س 6 ع 1 ص 386 ق 49)

شرح خبراء القانون

عوارض الأهلية :

الجنون، هو اضطراب في العقل يفقد التمييز وبالتالي الأهلية، ويجب لاعتبار المجنون فاقد الأهلية أن يصدر حكم من محكمة الأحوال الشخصية بالحجر عليه، وتنصب له قيمة ما لم يكن قد بلغ الحادية والعشرين مجنونة أو حكم قبل ذلك بإستمرار الولاية أو الوصاية عليه، فتستمر الولاية أو الوصاية ، ويسري على القيم ما يسري على الوصي، فله أن يباشر أعمال الإغتناء وأعمال الإدارة وحده، ويستأذن المحكمة في أعمال التصرف وليس له مباشرة أعمال التبرع والعته، خلل يصيب العقل ولا يكون المصاب به في حالة اضطراب كالمجنون ولكن يعامل المعتوه كالمجنون من جميع الوجوه والسفه، هو نقص في التمييز في دائرة التصرفات المالية، فلا يعدم الأهلية إنما ينقصها وذو الغفلة، هو من پغبن في تصرفاته لسلامة نيته .

إجراءات الحجر :

يرفع طلب الحجر إلى المحكمة الابتدائية الكائن بدائرتها موطن المطلوب الحجر عليه، وذلك بعريضة تودع قلم الكتاب تشمل فضلاً عن البيانات المقررة بالمادة التاسعة من قانون المرافعات المتعلقة بأوراق المحضرين، بياناً كافياً لموضوع الطلب والأسباب التي يستند إليها وأن تشفع بالمستندات التي تؤيده إن وجدت، فإن كان الطلب مقدماً من النيابة العامة قدم معه التحقيقات التي أجرتها «أنظر المواد 869 و973 970 مرافعات» .

ويحدد رئيس دائرة الأحوال الشخصية جلسة لنظر الطلب أمام دائرته ويعين الأشخاص الذين يدعون إليها، ويعلن قلم الكتاب ورقة التكليف بالحضور ويجب أن تشتمل الورقة على ملخص الطلب «870 مرافعات»، وتنظر المحكمة في الطلب منعقدة في غرفة المشورة بحضور أحد أعضاء النيابة العامة وتصدر حكمها علناً «م 871» ويتبع ذلك عند نظر المعارضة أو الاستئناف.

وللطالب إن لم يحضر المطلوب الحجر عليه، الذي بلغ رشيدة، رغم إعلانه أن يعذره فيكون الحكم الصادر بعد ذلك معتبرة حضورية "م 871 مکرر"، ويجوز استئناف الحكم خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ النطق بالحكم إن كان حضورية أو من تاريخ إعلانه إن كان معتبرة حضورية، ويرفع الاستئناف بتقرير في قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم - فلا يرفع بعريضة تعلن للخصم الآخر وإلا كان - باطلاً – ويحدد رئيس دائرة الاستئناف جلسة لنظره ويعين الأشخاص الذين يدعون إليها ويعلن قلم الكتاب ورقة التكليف بالحضور مشتملة على ملخص التقرير.

وكان ميعاد الطعن بالنقض ثمانية عشر يوماً ثم أصبح ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم بموجب القانون رقم 43 لسنة 1965 ويقتصر الطعن بالنقض على المسائل اللصيقة بالحجر دون غيرها. (أنظر نقض 2/11/1977 بالمادة 114) .

 ومتى أصبحت الدعوى مهيأة للحكم، فلا يمنع من الحكم فيها وفاة أحد طرفيها  "م 131 مرافعات " .

 ولا يلزم القضاء في دعوى إبطال التصرف، أن تكون دعوى الحجر قد رفعت، إذ يجوز الحكم بإبطال التصرف متى استخلصت المحكمة من الأدلة المقدمة إليها توافر العته أو الجنون أو السفه أو الغفلة وقت التصرف المراد إبطاله، فلا يتوقف ذلك على سبق صدور قرار بالحجر. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/  الثاني  الصفحة/ 469)

المقصود بالحجر:

الحجر بمعناه القانوني هو منع الشخص من التصرف في ماله وإدارته لآفة في عقله أو لضعف في ملكاته النفسية.

وقد أوجبت المادة توقيع الحجر على المجنون والمعتوه والسفيه وذي الغفلة.

والحجر على هؤلاء يستهدف مصلحة خاصة ومصالح عامة ترجع كلها إلى حفظ مال من لا يستطيع المحافظة على ماله، وذلك بتعيين قيم يدير ماله تحت إشراف محكمة الأسرة.

ضرورة وجود مال للمطلوب الحجر عليه :

الهدف من توقيع الحجر هو المحافظة على مال عديم الأهلية "المجنون والمعتوه" أو ناقص الأهلية "السفيه وذي الغفلة" فحيث لا يوجد مال للشخص المطلوب الحجر عليه فلا محل لتوقيع الحجر عليه لانتفاء العلة الداعية إليه.

وكانت المادة 986 مرافعات (الملغاة) تقضي بعدم تعيين قيم على المحجور عليه إذا لم يتجاوز مال الشخص المطلوب حمايته خمسين جنيها أو مائة جنيه في حالة التعدد إلا إذا دعت الضرورة لذلك ويكتفي بتسليم المال لمن يقوم على شئونه. فإذا جاوزت قيمة المال هذا القدر فيما بعد اتخذت الإجراءات المذكورة.

أما المادة 35 من القانون رقم (1) لسنة 2000 اقتنص على أنه : "لا يلزم اتباع الإجراءات المنصوص عليها في المادتين السابقتين إذا لم يتجاوز مال المطلوب حمايته ثلاثة الاف جنيه، تتعدد بتعددهم، وفي هذه الحالة تسلم النيابة العامة المال إلى من يقوم على شئونه ما لم تر النيابة العامة اتباع الإجراءات المشار إليها بالضوابط والأوضاع المقررة بهاتين المادتين".

وليس ضمن الإجراءات الواردة بالمادتين 33، 34 المشار إليهما تعيين قيم على المحجور عليه ومن ثم فإنه يجب الآن تعيين قيم على المحجور عليه أيا كان مقدار ماله.

 - توقيع الحجر ورفعه يكون بحكم :

تنص المادة على أن المجنون والمعتوه وذو الغفلة والسفيه تحجر عليهم المحكمة وترفع الحجر عنهم.

وتنص المادة 65 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 على أن يحكم بالحجر على البالغ للجنون أو العته أو للسفه أو الغفلة ولا يرفع الحجر إلا بحكم.

والمستفاد من هذين النصين أن الحجر وكذلك رفع الحجر لا يكون إلا بحكم من المحكمة المختصة باعتباره حالة قانونية حادثة تنشأ على خلاف الأصل.

وهذا على خلاف ما هو مقرر في الفقه الإسلامي من أن الحجر يكون بقيام موجبه، ورفعه يكون بزوال هذا الموجب دون صدور حكم بذلك.

تقديم طلب الحجر:

 يقدم طلب الحجر إلى النيابة العامة (نيابة شئون الأسرة) أو إلى المحكمة المختصة.

وتنص المادة الرابعة من قرار النائب العام رقم 1569 لسنة 2004 بشأن تحديد اختصاصات نيابة شئون الأسرة باختصاص النيابات الجزئية لشئون الأسرة - كل في  دائرة اختصاص محكمة الأسرة بمباشرة التحقيق في مواد الحجر عدا ما ترى النيابة الكلية لشئون الأسرة الاختصاص به.

وفي حالة تقديم طلب الحجر إلى المحكمة المختصة يجب أن يشتمل الطلب المرفوع على البيانات التي يتطلبها قانون المرافعات فى صحيفة الدعوى وأن يرفق به المستندات المؤيدة له، وعلى المحكمة أن تحيله إلى النيابة العامة لإبداء ملاحظاتها عليه كتابة خلال ميعاد تحدده لذلك... الخ.

(م 36 من القانون رقم (1) لسنة 2000).

والغالب الأعم في التطبيق العملي أن يقدم طلب الحجر إلى النيابة العامة، وتعزز المادة 32 من القانون رقم (1) لسنة 2000 هذا الإتجاه بنصها على أن: "تقيد النيابة العامة طلبات الحجر والمساعدة القضائية".

وحتى يتيسر للنيابة العامة اتخاذ إجراءات توقيع الحجر، نصت المادة 27 من القانون المذكور على أنه: "على الأقارب الذين كانوا يقيمون مع المتوفى فى معيشة واحدة أو أكبر الراشدين من الورثة إبلاغ النيابة العامة بواقعة وفاة شخص غائب أو عديم أهلية أو ناقصها أو حمل مستكن، او وفاة الولي أو الوصي أو القيم أو الوكيل عن الغائب خلال ثلاثة أيام من تاريخ حصول الوفاة... إلخ".

كما نصت المادة 28 على أنه : "على الأطباء المعالجين ومديري المستشفيات والمصحات على حسب الأحوال إبلاغ النيابة العامة عن حالات فقد الأهلية الناشئة عن عاهة عقلية بمجرد ثبوت ذلك لديهم.

وعلى المختصين بالسلطات الإدارية إبلاغ النيابة العامة متى تبين لهم أثناء تأدية عملهم حالة من حالات فقد الأهلية على النحو المشار إليه بالفقرة السابعة .

وقد رصدت المادة (30) من القانون عقوبة على مخالفة أحكام المادتين سالفتي الذكر هي الغرامة التي لا تقل عن خمسين جنيهاً ولا تجاوز مائة جنيه، فإذا كان عدم التبليغ بقصد الإضرار بعديم الأهلية أو ناقصها أو الغائب أو غيرهم من ذوي الشأن تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين".

وقد نصت المادة (36) على أن: "يرفع الطلب إلى المحكمة المختصة من النيابة العامة أو ذوي الشأن".

وعبارة "ذوى الشأن" تشمل كل من يهمه أمر المطلوب الحجر عليه أو يعود عليه الضرر ببقائه غير محجور عليه، ومثل ذلك الأقارب مهما كانت درجات الإرث والأصهار والدائنين.

ويلاحظ أن تنازل طالب الحجر عن طلبه لا يمنع المحكمة من مواصلة نظر الطلب فهي غير مقيدة بهذا التنازل، كما أنه من ناحية أخرى يتعلق للنيابة حق بهذا الطلب وتباشره طبقاً لوظيفتها طبقا للمادة 26 من القانون سالف الذكر التي تجرى شي أن: "تتولى النيابة العامة رعاية مصالح عديمي الأهلية وناقصيها والغائبين والتحفظ على أموالهم والإشراف على إدارتها وفقاً لأحكام هذا القانون.... إلخ".

المحكمة المختصة بتوقيع الحجر :

تختص نوعيا بتوقيع الحجر محكمة الأسرة دون غيرها ( م3 من القانون رقم 10 لسنة 2004 بإنشاء محاكم الأسرة).

وتختص محلياً المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المطلوب الحجر عليه فإذا لم يكن موطن في مصر ينعقد الاختصاص للمحكمة الكائن في دائرتها موطن الطالب او التى يوجد في دائرتها مال للشخص المطلوب حمايته (م15 من القانون المذكور).

وإذا توفي المطلوب الحجر عليه أثناء نظر طلب الحجر، أدى ذلك إلى زوال ولاية المحكمة وتعين عليها أن تحكم بانتهاء الطلب.

غير أن محكمة النقض ذهب إلى أن وفاة المطلوب الحجر عليه بعد أن تهيأت الدعوى للحكم أمام محكمة النقض لا تأثير لها ويجب الحكم في الدعوى.

اثبات الجنون والعته :

الغالب في إثبات الجنون أو العته، هو الإستعانة بالطبيب الشرعي لفحص حالة المطلوب الحجر عليه.

غير أن هذه المأمورية يتعين أن تكون بقرار من المحكمة، فلا تملك النيابة إذا رأت بعد ما تجريه من تحقيقات ضرورة إبداء خبير فنى لرأيه انتداب الطبيب الشرعي یان حالة المطلوب الحجر عليه العقلية، وإنما ترفع الأمر إلى المحكمة مشفوعاً برأيها هذا على أن رأى الطبيب الشرعي غير ملزم للمحكمة، إذ هو مجرد خبير في الدعوى.

ويلاحظ في هذا الشأن ما تقضى به المادة 20 من القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية من إلزام مدير المستشفى أن يبلغ النيابة عن حجز كل مريض في مدى يومين من تاريخ دخوله المستشفى لتتخذ الوسائل اللازمة لحفظ أمواله وعلى النيابة تتبع قرار مجلس المراقبة بشأن حالة المريض.

وللنيابة أو المحكمة مناقشة المطلوب الحجر عليه لاستبانة حالته العقلية ومدى إلمامه بالمعلومات العامة البسيطة التي يعرفها كل شخص وكذلك العمليات الحسابية البسيطة.

إثبات السفه والغفلة .

تثبت السفه والغفلة من التحقيقات التي تجريها النيابة أو المحكمة، والتي تهدف إلى الوقوف على حالة المطلوب الحجر عليه.

 ولا يستدعي الأمر هنا توقيع الكشف الطبي على المطلوب الحجر عليه.

ويتعين القول بقيام السفه إذا ثبت تبذير المطلوب الحجر عليه المال على خلاف مقتضى العقل والشرع.

ومثال ذلك أن ينفق الشخص أمواله ويفنيها في أمر تافه غير منتج بسبب شذوذ في طباعه أو أن يبدد الشخص في فترة وجيزة ميراث والده بحيث لا يظهر له أثر  حتى لو ادعى أنه إنما باع هذا الميراث ليدفع عن نفسه دیوناً اقترضها في حياة والده لأن الاستدانة الهائلة التي تستغرق قيمة تركة كبيرة قبل أن تكون له أية ثروة هي عين السبب الذي يقتضي الحجر على صاحبه.

وكذلك استدانة الشخص مالاً طائلاً لا يتناسب مع إيراده يعد دليلاً على التبذير المحقق لمعنى السفه.

 كما يجب القول بقيام الغفلة من ضعف بعض الملكات النفسية المطلوب الحجر عليه.

ويستدل عليها بإقبال الشخص على التصرفات دون أن يهتدي إلى الرابح منها أو بقبوله فاحش الغبن في تصرفاته عادة أو بأيسر الانخداع على نحو يهدد بخطر الضياع فضابط الغفلة هو الغبن الذي يلحق بالشخص من جراء تصرفاته المالية التي يجريها إذا كان ذلك الغبن راجعاً إلى ضعف في ملكات حسن الإدارة وسلامة التقدير.

 -تعيين قيم على المحجور عليه :

تنص المادة 65 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1952 على أن: "يحكم بالحجر على البالغ للجنون أو العته أو للسفه أو الغفلة ولا يرفع الحجر إلا بحكم وتقيم المحكمة على من يحجر عليه قيما لإدارة أمواله وفقاً للأحكام المقررة في القانون ومن ثم فإنه يجب تعيين قيم الإدارة أموال المحجور عليه.

وتكون القوامة للإبن البالغ ثم للأب ثم للجد ثم لمن تختاره المحكمة (م 68 من المرسوم بقانون).

وقد راعي الشارع صلة هؤلاء بالمحجور عليه وما يغلب فيهم من العناية بمصالحه وقد قيد النص على هذا النحو سلطة المحكمة في اختيار القيم إذ عليها أن تبدأ بالابن.

ولفظ الإبن يشمل الإبنة أيضاً، وإذا تعدد الأبناء يفضل أصلحهم فإن تساوت صلاحيتهم يختار الأكفأ من بينهم في مباشرة شئون القوامة أو من يرشحه أغلبيتهم.

فإذا لم يوجد ابن أو وجد ولم تتوافر فيه شروط الصلاحية عهدت المحكمة بالقوامة إلى الأب، فإن لم تتوافر فيه الشروط المطلوبة عهدت بها إلى الجد، والمقصود هو الجد الصحيح وفي حالة عدم وجود الجد أو عدم صلاحيته تعهد بالقوامة إلى من تختاره ويرى البعض أنه يحسن في هذا المجال الاعتداد باختيار المحجور عليه الشخص القيم إذا ما توافرت فيمن يختاره شروط الصلاحية للقوامة.

- الشروط الواجب توافرها في القيمة

تنص المادة 69 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 على أن: "يشترط في تیم ما يشترط في الوصي وفقاً للمادة 27 ومع ذلك لا يحول قيام أحد السببين المنصوص عليهما في البند 1، 4 من المادة المذكورة دون تعيين الإبن أو الأب أو الجد إذا رأت المحكمة مصلحة في ذلك والمادة (27) التي أحالت إليها المادة (69) تشترط في الوصي توافر الشروط الآتية :

الشرط الأول:

أن يكون عدلاً.

الشرط الثاني :

أن يكون كفؤاً والمقصود بالكفاية أن يكون آهلاً للقيام بشئون القاصر (أو المحجور عليه).

الشرط الثالث :

أن يكون ذا أهلية كاملة.

وشرط كمال الأهلية يمنع من أن يعين قيماً من لم يبلغ الحادية والعشرين أو بلغها وتقرر استمرار الوصاية عليه بل بلوغه هذا السن أو المحجور عليه وذلك لنقض أهليتهم.

وتلك هي القاعدة العامة في صلاحية الوصي (أو القيم) للوصاية (أو القوامة) إلا أن المادة أوردت بعد ذلك تطبيقات لهذه القاعدة كلها على سبيل المثال، وهي في مجموعها قرائن قاطعة تحول دون تولى الشخص الوصاية (أو القوامة) فنصت على أنه: "ولا يجوز بوجه خاص أن يعين وصياً" :

1- من حكم عليه في جريمة من الجرائم المخلة بالآداب أو الماسة بالشرف أو النزاهة ومع ذلك إذا انقضت على تنفيذ العقوبة مدة تزيد على خمس سنوات جاز عند الضرورة التجاوز عن هذا الشرط .

إلا أن المادة (69) نصت على أن ذلك لا يحول دون تعيين الإبن أو الأب أو الجد فيما إذا رأت المحكمة مصلحة في ذلك فقد روى تخويل المحكمة هذه الرخصة لتباشرها في ضوء ما يتبين من ظروف القيم فقد ترى أن الإبن أو الأب أو الجد أولى عن غيره بالقوامة رغم سبق صدور حكم من الأحكام المشار إليها، وقد ترى غير ذلك، وترجع الفصل هو ظروف كل حالة بخصوصها .

2- من حكم عليه لجريمة كانت تقتضي قانوناً سلب ولايته على نفس القاصر لو أنه كان في ولايته.

وهذه الجرائم نص عليها في المرسوم بقانون رقم 118 لسنة 1952 بتقرير حالات سلب الولاية على النفس وهي :

أ)- جريمة الإغتصاب أو هتك العرض أو جريمة مما نص عليه القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة إذا وقعت الجريمة على أحد من تشملهم الولاية .

ب) الحكم عليه لجناية وقعت على نفس أحد من تشملهم الولاية أو حكم عليه الجناية وقعت من هؤلاء.

ج) الحكم أكثر من مرة لجريمة مما نص عليه في القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة (م2 من القانون).

وهناك بعض الجرائم التي يكون سلب الولاية على القاصر فيها جوازياً وهي:

(أ) إذا حكم على الولى بالسجن المؤبد أو السجن المشدد.

(ب) إذا حكم على الولى لجريمة اغتصاب أو هتك عرض أو لجريمة مما نص عليه القانون رقم (10) لسنة 1961 بشأن مكافحة الدعارة.

(ج) إذا حكم على الولي أكثر من مرة لجريمة تعريض الأطفال للخطر أو الحبس بغير وجه حق أو لإعتداء جسيم متى وقعت الجريمة على أحد من تشمله الولاية.

(د) إذا حكم بإيداع أحد المشمولين بالولاية داراً من دور الاستصلاح (إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية) طبقاً للقانون رقم 12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل .

(هـ) إذا عرض الولى للخطر صحة أحد من تشملهم الولاية أو سلامته أو أخلاقه أو تربيته بسبب سوء المعاملة أو سوء القدوة نتيجة الاشتهار بفساد السيرة أو الإدمان على الشراب أو المخدرات أو بسبب عدم العناية أو التوجيه ولا يشترط في هذه الحالة أن يصدر ضد الولي حكم بسبب تلك الأفعال.

3- من كان مشهورا بسوء السيرة أو من لم يكن له وسيلة مشروعة للتعايش.

وعدم اتخاذ وسيلة مشروعة للتعيش يجعل الشخص متشرداً ويخضع للعقوبة المنصوص عليها بالمواد 1، 2، 3 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 (المعدل) بشأن المتشردين والمشتبه فيهم .

4- المحكوم بإفلاسه إلى أن يحكم برد اعتباره.

وقد نصت المادة (69) من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 على أن هذا السبب لا يحول دون تعيين الإبن أو الأب أو الجد فيما إذا رأت المحكمة مصلحة في ذلك على نحو ما نصت بالنسبة للسبب الثاني.

5- من سبق أن سلبت ولايته أو عزل من الوصاية على قاصر آخر.

ذلك أن الشخص إما أن يكون صالحاً للوصاية أو غير صالح، فإذا كان القضاء قد حكم بسلب ولاية المرشح للوصاية أو عزله من الوصاية على قاصر آخر فلا يقبل بعد ذلك إقامته وصياً فمن لا يصلح للوصاية على قاصر لا يصلح الوصاية على قاصر آخر.

على أن الحكم بالحد من الولاية أو وقف الوصي أو قبول تنحى ولى عن الولاية أو قبول استقالة وصي كل ذلك لا يمنع من إقامته وصياً بعد ذلك على قاصر.

6- من قرر الأب قبل وفاته حرمانه من التعيين متى بني هذا الحرمان على أسباب قوية ترى المحكمة بعد تحقيقها أنها تبرر ذلك ويثبت الحرمان بورقة رسمية أو عرفية مصدق على إمضاء الأب فيها أو مكتوبة بخطه وموقعة بإمضائه.

7- من كان بينه هو أو أحد أصوله أو فروعه أو زوجه وبين القاصر نزاع قضائي أو كان بينه وبين القاصر أو عائلته عداوة إذا كان يخشى من ذلك كله على مصلحته.

فإن كان لا يخشى من وجود النزاع القضائي أو العداوة على مصلحة القاصر (أو القيم) فإن ذلك لا يمنع من الوصاية (أو القوامة).

وعلة الحرمان في هذه الحالة هي الإشفاق من تعريض مصلحة القاصر (أو القيم) للخطر بسبب تعارضها مع مصالح من يرشح للوصاية (أو القوامة) أو بسبب التثبت من أن قيام العداوة لا يؤمن معه رعاية هذه المصلحة فإن اتضح مثلاً أن النزاع القضائي ليس من شأنه أن يعرض مصالح القاصر (أو القيم) للخطر وتوافرت فيمن يرشح للوصاية (أو القوامة) سائر أسباب الصلاحية جاز تعيينه وصياً مع تنصيب وصى آخر للخصومة .

الشرط الرابع

أن يكون الوصي من طائفة القاصر فإن لم يكن فمن أهل مذهبه وإلا فمن أهل دينه.

واشتراط أن يكون الوصي من طائفة القاصر فإن لم يكن فمن أهل مذهبه وإلا فمن أهل دينه إنما يجد تطبيقه بالنسبة إلى الطائفة والمذهب بالنسبة لغير المسلمين، وبالنسبة للدين إلى كافة الأديان. فإذا كان القاصر قبطياً كاثوليكياً فيتعين أن يكون الوصي (أو القيم) من طائفة القاصر "الأقباط الكاثوليك" فإن لم يوجد فمن أهل مذهبه (الكاثوليكية) فإن لم يوجد فمن أهل دينه وهو المسيحية.

وإذا كان الوصي (أو المحجور عليه) مسيحياً فلا يجوز أن يكون الوصي أو القيم) من ديانة أخرى وكذلك بالنسبة لسائر الأديان السماوية.

وهذه الشروط يجب أن تتوافر في الوصي (أو القيم) وقت تعيينه وأثناء وصايته (أو قوامته) بمعنى أنه إذا قام به سبب من أسباب عدم الصلاحية يحكم بعزله حتى لو كان هذا السبب قائماً وقت تعيينه . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/171)

 

السفه و الغفلة يشتركان بوجه عام في معنى واحد هو ضعف بعض الملكات الضابطة في النفس إلا أن الصفة المميزة للسفه هي أنها تعتري الإنسان فتحمله على تبذير المال و إنفاقه على خلاف مقتضى العقل والشرع أما الغفلة فانها تعتبر صورة من صور ضعف بعض الملكات النفسية تزد على حسن الإدارة و التقدير . (التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2014، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء/ الأول صفحة 440 )

 الحجر لا يوقع إلا بحكم ، وإذا توفى المطلوب الحجر عليه قبل صدور حكم بذلك انقضى الطلب وزالت ولاية المحكمة بنظره وامتنع صدور حكم بالحجر .

سلطة محكمة الموضوع في تقدير قيام عارض من عوارض الاهلية : يتعين في تقديرنا التفرقة في هذا الصدد بين تقدير الحالة الواقعية وبين إعطاء هذه الحالة وصفها القانوني فتقدير الحالة الواقعية مسألة واقع تستقل بتقديرها محكمة الموضوع دون أن تتقيد في ذلك بأراء الأطباء والخبراء والخصوم ودون أن تخضع فيه لرقابة محكمة النقض ما دام استخلاصها سائغاً وله سند من الثابت بالأوراق، أما اعطاء هذه الحالة الواقعية وصفها القانوني وما إذا كانت تكشف عن قيام عارض من عوارض الاهلية ، ونوع هذا العارض وما اذا كان يعتبر جنوناً أو عتهاً أو سفهاً أو غفلاً، فهو مسألة قانون لا تتقيد فيه المحكمة برأي الأطباء أو الخبراء أو الخصوم ولكنها تخضع فيه لرقابة محكمة النقض إذ ليس من شك في اختلاف المقصود قانونا بكل من عوارض الأهلية واختلاف الأثر القانوني على قيام كل منها ، إذ أن الجنون والعتة سبب لفقد الأهلية بينما السفه والغفلة يقتصر أثرها على نقص الاهلية ، كما أن حكم التصرف السابق على تسجيل طلب الحجر للجنون والعته، يختلف عن حكم التصرف السابق على تسجيل طلب الحجر للسفه أو الغفلة الأمر الذي يقطع بأن تكييف الحالة الواقعية التي تستخلصها محكمة الموضوع، وما إذا كانت يقوم بها عارض من عوارض الأهلية وتحديد نوع هذا العارض هو من مسائل القانون التي تخضع فيها محكمة الموضوع لرقابة محكمة النقض .

ولا نرى تعارضاً بين ما سلف وبين ما ورد في بعض أحكام محكمة النقض التي نستوردها من إطلاق القول بأن تقدير قيام عارض من عوارض الأهلية واعطائه وصفة القانوني هي مما تستقل به محكمة الموضوع ، إذ واضح من تلك الأحكام آن محل النعي فيها كان مخالفة المحكمة لرأي الأطباء أو الخبراء في تقدير قيام الحالة الواقعية من ناحية أو في وصف هذه الحالة من جهة اخرى، ولا شبهة في عدم تقيد محكمة الموضوع في الامرين جميعاً برأي الأطباء أو الخبراء أو الخصوم ، وهو ما لا صلة له بما إنتهينا إليه من أن إعطاء الوصف القانوني للحالة الواقعية التي تستخلصها محكمة الموضوع وإن كانت لا تتقيد فيه برأي الأطباء أو الخبراء أو الخصوم إلا أنها تخضع فيه لرقابة محكمة النقض .

و لا تتقيد محكمة الموضوع في تقدير قيام حالة الجنون أو العته برأي الاطباء ولا تلتزم بندب خبير لفحص الحالة العقلية.

والعته آفة تصيب العقل فتعيبه وتنقص من كماله ولا يلزم لتوقيع الحجر بسببه ثبوت حصول تصرفات تدل على فساد التدبير، وتستقل المحكمة بتقدير قيامة.

ويستدل على السفه من كيفية إنفاق المال دون الوقوف عند سلامة التصرف الذي تحصل بموجبه على هذا المال .

والأصل أن يستدل على الغفلة من كيفية التصرف إلا أنه يجوز الاستدلال عليها من مناقشة المحكمة لذى الغفلة .

تصرف الشخص في كل أو بعض ماله بعوض أو بغير عوض لا يعني بذاته قيام حالة السفه أو الغفلة .

سلطة المحكمة في تقدير قيام السفه والغفلة  .

إمكان القضاء ببطلان التصرف لعدم صحة الرضا ولضعف الإرادة ولو لم يقم  في  المتصرف  جنون أو عته أو سفه أو غفلة . (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003  الصفحة / 704 )

الفقة الإسلامي

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الأول ، الصفحة /  96

الآْفة

لغةً: الْعاهة، وهي الْعرض الْمفْسد لما أصابه . والْفقهاء يسْتعْملون الآْفة بنفْس الْمعْنى، إلاّ أنّهمْ غالبًا ما يقيّدونها بكوْنها سماويّةً، وهي ما لا صنْع لآدميٍّ فيها. 

ويذْكر الْفقهاء أيْضًا أنّ الْجائحة هي الآْفة الّتي تصيب الثّمر أو النّبات، ولا دخْل لآدميٍّ فيها وكثيرًا ما يذْكرون الأْلْفاظ الدّالّة على أثر الآْفة منْ تلفٍ وهلاكٍ، ويفرّقون في الْحكْم بيْن ما هو سماويٌّ وبيْن غيْره.

والأْصوليّون يذْكرون الآْفة أثْناء الْكلام على عوارض الأْهْليّة.

ويقسّمون الْعوارض إلى سماويّةٍ، وهي ما كانتْ منْ قبل اللّه تعالى بلا اخْتيارٍ للْعبْد فيها، كالْجنون والْعته، وإلى مكْتسبةٍ، وهي ما يكون لاخْتيار الْعبْد في حصولها مدْخلٌ، كالْجهْل والسّفه.

والآْفة قدْ تكون عامّةً، كالْحرّ والْبرْد الشّديديْن، وقدْ تكون خاصّةً، كالْجنون.

الْحكْم الإْجْماليّ:

2 - يخْتلف الْحكْم الْوضْعيّ الْمترتّب على ما تحْدثه الآْفة باخْتلاف الْمقْصود ممّا أصابتْه، وباخْتلاف ما تحْدثه منْ ضررٍ.

فللآْفة عنْد الْفقهاء أثرٌ في ثبوت الْخيار وفي الأْرْش والْفسْخ والرّدّ والْبطْلان، وفي تأْخير الْقصاص عنْد الْخوْف منْ ضرر الآْفة، وفي إسْقاط الزّكاة وأجْر الأْجير. فمنْ إسْقاطها الزّكاة مثلاً تلف الثّمار بآفةٍ بعْد وجوب الزّكاة فيها، ومنْ إسْقاطها الْحدّ أنْ يجنّ الْجاني قبْل إقامة الْحدّ عليْه.

وعلى الْجمْلة فهي قدْ تسْقط الضّمان، وتؤثّر في الْعبادات إسْقاطًا أوْ تخْفيفًا.

مواطن الْبحْث:

3 - يأْتي في كلام الْفقهاء ذكْر الآْفة وما يرادفها لبيان الْحكْم الْمترتّب على أثر ما تحْدثه، في مسائل متعدّدة الْمواطن مفصّلةٍ فيها الأْحْكام بالنّسْبة لكلّ مسْألةٍ. ومنْ ذلك: الْبيْع والإْجارة والرّهْن والْوديعة والْعاريّة والْمساقاة والْغصْب والنّكاح والزّكاة وغيْر ذلك. ويأْتي ذكْرها عنْد الأْصوليّين في مبْحث الأْهْليّة.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس  ، الصفحة /  36

الإْشْهَادُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْحَجْرِ:

16 - لِلْفُقَهَاءِ فِي الإْشْهَادِ عَلَى الْحَجْرِ رَأْيَانِ: أَحَدُهُمَا: الْوُجُوبُ، وَهُوَ قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَدِينِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الإْشْهَادُ  لأِنَّ الْحَجْرَ حُكْمٌ مِنَ الْقَاضِي وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ، وَرُبَّمَا يَقَعُ فِيهِ التَّجَاحُدُ فَيَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتِهِ، وَيَأْخُذُ السَّفِيهُ حُكْمَ الْمَدِينِ فِي الْحَجْرِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ يَرَى الْحَجْرَ عَلَى مَنْ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ ضَرَرٌ عَامٌّ، كَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ.

وَوُجُوبُ الإْشْهَادِ هُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوَاعِدِ الْمَالِكِيَّةِ، وَفُرُوعِهِمْ. جَاءَ فِي الْحَطَّابِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلَدِهِ أَتَى الإْمَامَ لِيَحْجُرَ عَلَيْهِ، وَيُشْهِرُ ذَلِكَ فِي الْمَجَامِعِ وَالأْسْوَاقِ، وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ وَلأِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَوَجَبَ الإْشْهَادُ  عَلَيْهِ. وَوُجُوبُ الإْشْهَادِ وَجْهٌ مَحْكِيٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرِي عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَجْرِ السَّفِيهِ، وَوَصَفُوهُ بِأَنَّهُ شَاذٌّ. الثَّانِي: اسْتِحْبَابُ الإْشْهَادِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَجْرُ لِمَصْلَحَةِ الإْنْسَانِ نَفْسِهِ أَمْ بِسَبَبِ الدَّيْنِ. وَالْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي يُشْهِدُ.

الإْشْهَادُ  عَلَى فَكِّ الْحَجْرِ:

17 - الصَّبِيُّ إِذَا بَلَغَ رَشِيدًا، وَكَانَ وَلِيُّهُ هُوَ الأْبُ فَلاَ يَحْتَاجُ فِي فَكِّ الْحَجْرِ إِلَى إِشْهَادٍ. لأِنَّهُ وَلِيُّهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ. أَمَّا إِذَا بَلَغَ سَفِيهًا فَالْحَجْرُ عَلَيْهِ وَفَكُّهُ عَنْهُ مِنَ الْقَاضِي، وَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ إِشْهَادٍ أَمَّا إِذَا كَانَ الْقَائِمُ عَلَيْهِ الْوَصِيَّ الْمُخْتَارَ أَوِ الْوَصِيَّ مِنَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ فِي فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ إِلَى الإْشْهَادِ وَالإْشْهَارِ، لأِنَّ وِلاَيَتَهُمَا مُسْتَمَدَّةٌ مِنَ الْقَاضِي.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثامن   ، الصفحة / 75 

بِرْسَامٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْبِرْسَامُ لُغَةً، وَاصْطِلاَحًا: عِلَّةٌ عَقْلِيَّةٌ يَنْشَأُ عَنْهَا الْهَذَيَانُ، شَبِيهَةٌ بِالْجُنُونِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْعَتَهُ:

2 - الْعَتَهُ لُغَةً: نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ أَوْ وَهَنٍ. وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ: آفَةٌ تُوجِبُ خَلَلاً فِي الْعَقْلِ، فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ مُخْتَلِطَ الْعَقْلِ، فَيُشْبِهُ بَعْضُ كَلاَمِهِ كَلاَمَ الْعُقَلاَءِ، وَبَعْضُهُ كَلاَمَ الْمَجَانِينِ، وَتَجْرِي عَلَى الْمَعْتُوهِ أَحْكَامٌ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ. وَأَمَّا الْمُبَرْسَمُ فَإِنَّهُ تَجْرِي عَلَيْهِ فِي حَالِ نَوْبَاتِهِ أَحْكَامُ الْجُنُونِ.

ب - الْجُنُونُ:

3 - الْجُنُونُ كَمَا عَرَّفَهُ الشُّرُنْبُلاَلِيُّ: مَرَضٌ يُزِيلُ الْعَقْلَ وَيَزِيدُ الْقُوَى. وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ مِمَّا يُسْقِطُ التَّكْلِيفَ وَيُبْطِلُ أَهْلِيَّةَ الأْدَاءِ.

الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

4 - لِلْمُبَرْسَمِ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ، فَعُقُودُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَالِ إِصَابَتِهِ بِالْبِرْسَامِ، وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَتَصَرُّفَاتُهُ الْقَوْلِيَّةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا، مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْمَجْنُونِ.

أَمَّا تَصَرُّفَاتُهُ الْفِعْلِيَّةُ فِي وَقْتِ إِصَابَتِهِ فَإِنَّهُ لاَ إِثْمَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلَكِنْ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ إِتْلاَفُ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي مَالِهِ، وَعَلَيْهِ دِيَتُهُ، أَوْ قِيمَةُ التَّعْوِيضِ مِنْ مَالِهِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس عشر ، الصفحة / 99

جُنُونٌ

التَّعْرِيف:

1 - الْجُنُونُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ جُنَّ الرَّجُلُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، فَهُوَ مَجْنُونٌ: أَيْ زَالَ عَقْلُهُ أَوْ فَسَدَ، أَوْ دَخَلَتْهُ الْجِنُّ، وَجَنَّ الشَّيْءَ عَلَيْهِ: سَتَرَهُ.

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَقَدْ عَرَّفَهُ الْفُقَهَاءُ وَالأْصُولِيُّونَ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا:

أَنَّهُ اخْتِلاَلُ الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ جَرَيَانَ الأْفْعَالِ وَالأْقْوَالِ عَلَى نَهْجِهِ إِلاَّ نَادِرًا.

وَقِيلَ: الْجُنُونُ اخْتِلاَلُ الْقُوَّةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الأْشْيَاءِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ الْمُدْرِكَةِ لِلْعَوَاقِبِ بِأَنْ لاَ تَظْهَرَ آثَارُهَا، وَأَنْ تَتَعَطَّلَ أَفْعَالُهَا.

وَعَرَّفَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ بِأَنَّهُ: اخْتِلاَلُ الْقُوَّةِ الَّتِي بِهَا إِدْرَاكُ الْكُلِّيَّاتِ

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - الدَّهَش:

2 - الدَّهَشُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ دَهِشَ، يُقَالُ دَهِشَ الرَّجُلُ أَيْ تَحَيَّرَ، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ ذَهْلٍ أَوْ وَلَهٍ، وَدُهِشَ أَيْضًا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فَهُوَ مَدْهُوشٌ. وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَهُمْ يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْمُتَحَيِّرِ وَعَلَى ذَاهِبِ الْعَقْلِ، وَقَدْ جَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ الْمَدْهُوشَ الَّذِي ذَهَبَ عَقْلُهُ دَاخِلاً فِي الْمَجْنُونِ.

ب - الْعَتَه:

3 - الْعَتَهُ فِي اللُّغَةِ: نُقْصَانُ الْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ أَوْ دَهَشٍ. وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالأْصُولِيِّينَ آفَةٌ تُوجِبُ خَلَلاً فِي الْعَقْلِ فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ مُخْتَلِطَ الْكَلاَمِ، فَيُشْبِهُ بَعْضُ كَلاَمِهِ كَلاَمَ الْعُقَلاَءِ، وَبَعْضُهُ كَلاَمَ الْمَجَانِينِ، وَكَذَا سَائِرُ أُمُورِهِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُنُونِ وَالْعَتَهِ، أَنَّ الْمَعْتُوهَ قَلِيلُ الْفَهْمِ مُخْتَلِطُ الْكَلاَمِ، فَاسِدُ التَّدْبِيرِ، لَكِنْ لاَ يَضْرِبُ وَلاَ يَشْتُمُ بِخِلاَفِ الْمَجْنُونِ.

وَصَرَّحَ الأْصُولِيُّونَ بِأَنَّ حُكْمَ الْمَعْتُوهِ حُكْمُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، إِلاَّ أَنَّ الدَّبُوسِيَّ قَالَ: تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتُ احْتِيَاطًا، وَقَالَ صَدْرُ الإْسْلاَمِ: إِنَّ الْعَتَهَ نَوْعُ جُنُونٍ فَيَمْنَعُ أَدَاءَ الْحُقُوقِ جَمِيعًا.

ج - السَّفَه:

4 - السَّفَهُ لُغَةً: نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ، وَأَصْلُهُ الْخِفَّةُ وَالتَّحَرُّكُ، يُقَالُ: تَسَفَّهَتِ الرِّيَاحُ الثَّوْبَ: إِذَا اسْتَخَفَّتْهُ، وَحَرَّكَتْهُ، وَمِنْهُ زِمَامٌ سَفِيهٌ أَيْ خَفِيفٌ.

وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: خِفَّةٌ تَبْعَثُ الإْنْسَانَ عَلَى الْعَمَلِ فِي مَالِهِ بِخِلاَفِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ مَعَ قِيَامِ الْعَقْلِ حَقِيقَةً. قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: فَالسَّفَهُ لاَ يُوجِبُ خَلَلاً، وَلاَ يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ.

وَقِيلَ السَّفَهُ صِفَةٌ لاَ يَكُونُ الشَّخْصُ مَعَهَا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ كَأَنْ يَبْلُغَ مُبَذِّرًا يُضَيِّعُ الْمَالَ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ الْجَائِزِ، وَأَمَّا عُرْفًا: فَهُوَ بَذَاءَةُ اللِّسَانِ وَالنُّطْقُ بِمَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ.

وَفِي جَوَاهِرِ الإْكْلِيلِ: السَّفِيهُ: الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِي لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ فَهُوَ خِلاَفُ الرَّشِيدِ.

د - السُّكْر:

5 - اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ السُّكْرِ:

فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: السُّكْرُ نَشْوَةٌ تُزِيلُ الْعَقْلَ، فَلاَ يَعْرِفُ السَّمَاءَ مِنَ الأْرْضِ، وَلاَ الرَّجُلَ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّ تَعْرِيفَ السُّكْرِ بِمَا مَرَّ إِنَّمَا هُوَ فِي السُّكْرِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ، وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ فِي غَيْرِ وُجُوبِ الْحَدِّ فَهُوَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ كُلِّهِمْ: اخْتِلاَطُ الْكَلاَمِ وَالْهَذَيَانُ. وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا تَعْرِيفُ الشَّافِعِيِّ لِلسَّكْرَانِ: بِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَلَطَ كَلاَمُهُ الْمَنْظُومُ، وَانْكَشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ.

وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ، فَإِذَا انْتَهَى تَغَيُّرُهُ إِلَى حَالَةٍ يَقَعُ عَلَيْهِ فِيهَا عَادَةً اسْمُ السَّكْرَانِ، فَهُوَ الْمُرَادُ بِالسَّكْرَانِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الأْقْرَبُ.

وَقِيلَ: السُّكْرُ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلإْنْسَانِ مِنِ امْتِلاَءِ دِمَاغِهِ مِنَ الأْبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ مِنَ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ، فَيَتَعَطَّلُ مَعَهُ الْعَقْلُ الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الأْمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ.

هـ - الصَّرْع:

6 - الصَّرْعُ لُغَةً: عِلَّةٌ تَمْنَعُ الدِّمَاغَ مِنْ فِعْلِهِ مَنْعًا غَيْرَ تَامٍّ، فَتَتَشَنَّجُ الأْعْضَاءُ.

أَقْسَامُ الْجُنُونِ :

7 - جَاءَ فِي كَشْفِ الأْسْرَارِ: الْجُنُونُ يَكُونُ أَصْلِيًّا إِذَا كَانَ لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ وَطُبِعَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَمْ يَصْلُحْ لِقَبُولِ مَا أُعِدَّ لِقَبُولِهِ مِنَ الْعَقْلِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِمَّا لاَ يُرْجَى زَوَالُهُ.

وَيَكُونُ عَارِضًا: إِذَا زَالَ الاِعْتِدَالُ الْحَاصِلُ لِلدِّمَاغِ خِلْقَةً إِلَى رُطُوبَةٍ مُفْرِطَةٍ، أَوْ يُبُوسَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ، وَهَذَا النَّوْعُ مِمَّا يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْعِلاَجِ بِمَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الأْدْوِيَةِ. وَالْجُنُونُ الأْصْلِيُّ لاَ يُفَارِقُ الْعَارِضَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأْحْكَامِ .

8 - وَيَنْقَسِمُ الْجُنُونُ أَيْضًا إِلَى مُطْبِقٍ وَغَيْرِ مُطْبِقٍ:

وَالْمُرَادُ بِالْمُطْبِقِ الْمُلاَزِمُ الْمُمْتَدُّ. وَالاِمْتِدَادُ لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ عَامٌّ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْعِبَادَاتِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ قَدْرَ الاِمْتِدَادِ الْمُسْقِطِ فِي الصَّلَوَاتِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبِصَيْرُورَتِهَا سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَفِي الصَّوْمِ بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَفِي الزَّكَاةِ بِاسْتِغْرَاقِ الْحَوْلِ كُلِّهِ فِي الأْصَحِّ، وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.

فَالْجُنُونُ إِنْ كَانَ مُمْتَدًّا سَقَطَ مَعَهُ وُجُوبُ الْعِبَادَاتِ فَلاَ تُشْغَلُ بِهَا ذِمَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَدٍّ وَهُوَ طَارِئٌ لَمْ يَمْنَعِ التَّكْلِيفَ وَلاَ يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ؛ لأِنَّ  الْوُجُوبَ بِالذِّمَّةِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ، وَلِذَلِكَ يَرِثُ وَيَمْلِكُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَدٍّ، وَكَانَ أَصْلِيًّا فَحُكْمُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حُكْمُ الْمُمْتَدِّ؛ لأِنَّهُ نَاطَ الإْسْقَاطَ بِالْكُلِّ مِنَ الاِمْتِدَادِ وَالأْصَالَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّارِئِ فَيُنَاطُ الإْسْقَاطُ بِالاِمْتِدَادِ.

أَثَرُ الْجُنُونِ فِي الأْهْلِيَّةِ :

9 - الْجُنُونُ مِنْ عَوَارِضِ أَهْلِيَّةِ الأْدَاءِ وَهُوَ يُزِيلُهَا مِنْ أَصْلِهَا، فَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ آثَارُهَا الشَّرْعِيَّةُ؛ لأِنَّ  أَسَاسَ أَهْلِيَّةِ الأْدَاءِ فِي الإْنْسَانِ التَّمْيِيزُ وَالْعَقْلُ، وَالْمَجْنُونُ عَدِيمُ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ.

وَلاَ يُؤَثِّرُ الْجُنُونُ فِي أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ؛ لأِنَّ هَا ثَابِتَةٌ لِكُلِّ إِنْسَانٍ، فَكُلُّ إِنْسَانٍ أَيًّا كَانَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ؛ لأِنَّ  أَهْلِيَّتَهُ لِلْوُجُوبِ هِيَ حَيَاتُهُ الإْنْسَانِيَّةُ.

وَمَا وَجَبَ عَلَى الْمَجْنُونِ بِمُقْتَضَى أَهْلِيَّتِهِ لِلْوُجُوبِ مِنْ وَاجِبَاتٍ مَالِيَّةٍ يُؤَدِّيهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ.

فَإِذَا جَنَى عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ يُؤَاخَذُ مَالِيًّا لاَ بَدَنِيًّا، فَفِي الْقَتْلِ يَضْمَنُ دِيَةَ الْقَتِيلِ وَلاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه : «عَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ» وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي الْمُلْحَقِ الأْصُولِيِّ.

أَثَرُ الْجُنُونِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ :

15 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجُنُونَ كَالإْغْمَاءِ وَالنَّوْمِ، بَلْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمَا فِي فَوَاتِ الاِخْتِيَارِ وَتَبْطُلُ عِبَارَاتُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالنَّائِمِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ، كَالطَّلاَقِ، وَالإْسْلاَمِ، وَالرِّدَّةِ، وَالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهَا مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ، فَبُطْلاَنُهَا بِالْجُنُونِ أَوْلَى؛ لأِنَّ  الْمَجْنُونَ عَدِيمُ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ وَالأْهْلِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ»

وَمِثْلُ ذَلِكَ كُلُّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ.

أَثَرُ الْجُنُونِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ :

16 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ يَصْدُرُ فِي حَالِ الْجُنُونِ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَالْمَجْنُونُ لاَ تَصِحُّ عُقُودُهُ لِرُجْحَانِ جَانِبِ الضَّرَرِ نَظَرًا إِلَى سَفَهِهِ، وَقِلَّةِ مُبَالاَتِهِ، وَعَدَمِ قَصْدِهِ الْمَصَالِحَ.

أَثَرُ الْجُنُونِ فِي التَّبَرُّعَاتِ :

17 - سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةَ لاَ تَصِحُّ مِنَ الْمَجْنُونِ؛ لأِنَّ  بِالْجُنُونِ تُسْلَبُ الْوِلاَيَاتُ، وَاعْتِبَارُ الأْقْوَالِ، فَلاَ تَصِحُّ هِبَتُهُ وَلاَ صَدَقَتُهُ، وَلاَ وَقْفُهُ، وَلاَ وَصِيَّتُهُ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ؛ لأِنَّ  التَّصَرُّفَاتِ يُشْتَرَطُ فِيهَا كَمَالُ الْعَقْلِ، وَالْمَجْنُونُ مَسْلُوبُ الْعَقْلِ أَوْ مُخْتَلُّهُ، وَعَدِيمُ التَّمْيِيزِ وَالأْهْلِيَّةِ، وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ.

أَثَرُ الْجُنُونِ فِي الْوِلاَيَةِ :

18 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْجُنُونَ يُزِيلُ الْوِلاَيَةَ؛ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ؛ وَلأِنَّ  الْوِلاَيَةَ إِنَّمَا ثَبَتَتْ نَظَرًا لِلْمُولَى عَلَيْهِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ لاَ يُمْكِنُهُ النَّظَرُ،وَأَيْضًا الْمَجْنُونُ لاَ يَلِي نَفْسَهُ، فَلاَ يَلِي غَيْرَهُ بِالأْوْلَى.

الْوَصِيَّة:

24 - لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنَ الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. أَمَّا إِذَا أَوْصَى الْعَاقِلُ ثُمَّ جُنَّ فَقَدْ قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ؛ لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ جَائِزٌ (أَيْ غَيْرُ لاَزِمٍ) كَالْوَكَالَةِ فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الإْنْشَاءِ كَالْوَكَالَةِ، فَتُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، وَنَصَّ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ ثُمَّ جُنَّ، فَإِنْ أَطْبَقَ الْجُنُونُ حَتَّى بَلَغَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بَطَلَتْ وَإِلاَّ فَلاَ.

وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَبْطُلُ بِجُنُونِ الْمُوصِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ. فَقَدْ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنَ الْمَجْنُونِ إِلاَّ حَالَ إِفَاقَتِهِ.

وَفِي قَوَاعِدِ الأْحْكَامِ : إِذَا جُنَّ الْمُوجِبُ بَيْنَ الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ بَطَلَ إِيجَابُهُ بِخِلاَفِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا لاَ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَالأْوْلَى أَنْ لاَ تَبْطُلَ بِمَا دُونَهُ.

وَفِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ مَنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانًا وَوَصَّى فِي إِفَاقَتِهِ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ.

هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوصِي.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَصِيِّ فَالأْصْلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً؛ لأِنَّ  الْمَجْنُونَ لاَ يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي شُؤُونِ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الأْوْلَى. فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ، تَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي الْوَقْتِ الْمُعْتَبَرِ لِتَوَافُرِ الْعَقْلِ فِيهِ، وَذَلِكَ عَلَى الاِتِّجَاهَاتِ التَّالِيَةِ:

أ - يُعْتَبَرُ اشْتِرَاطُ تَوَافُرِ الْعَقْلِ عِنْدَ الإْيصَاءِ مِنَ الْمُوصِي وَعِنْدَ مَوْتِهِ دُونَ اعْتِبَارِ مَا بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ أَوْصَى إِلَى الْعَاقِلِ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ فَجُنَّ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ ثُمَّ عَادَ فَكَانَ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي عَاقِلاً صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِ؛ لأِنَّ  الشَّرْطَ مَوْجُودٌ حَالَ الْعَقْدِ وَحَالَ الْمَوْتِ فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ لَمْ تَتَغَيَّرْ حَالُهُ؛ وَلأِنَّ  حَالَ الْعَقْدِ حَالُ الإْيجَابِ، وَحَالَ الْمَوْتِ حَالُ التَّصَرُّفِ فَاعْتُبِرَ فِيهِمَا. وَهَذَا هُوَ الأْصْلُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

ب - يُعْتَبَرُ اشْتِرَاطُ الْعَقْلِ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ عِنْدَ الإْيصَاءِ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى وَقْتِ الْمَوْتِ أَيِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ جُنَّ الْمُوصِي بَعْدَ الإْيصَاءِ إِلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ؛ لأِنَّ  كُلَّ وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ فِيهِ التَّصَرُّفَ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي فَاعْتُبِرَتِ الشُّرُوطُ فِي الْجَمِيعِ، وَبِهَذَا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَاحْتِمَالٌ لِلْحَنَابِلَةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي.

ج - يُعْتَبَرُ اشْتِرَاطُ الْعَقْلِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَقَطْ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى إِلَى مَجْنُونٍ فَأَفَاقَ قَبْلَ وَفَاةِ الْمُوصِي صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ؛ لأِنَّ  التَّصَرُّفَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَاعْتُبِرَتِ الشُّرُوطُ عِنْدَهُ كَمَا تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الشُّهُودِ عِنْدَ الأْدَاءِ، أَوِ الْحُكْمِ دُونَ التَّحَمُّلِ، وَهَذَا هُوَ الأْصَحُّ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ شَرْحِ مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.

وَإِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى الْوَصِيِّ بَعْدَ انْتِقَالِ الْوِصَايَةِ إِلَيْهِ بِمَوْتِ الْمُوصِي انْعَزَلَ عَنِ الْوِصَايَةِ فَإِذَا أَفَاقَ فَلاَ تَعُودُ الْوِصَايَةُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ يَنْعَزِلُ الْوَصِيُّ بِالْجُنُونِ وَلاَ تَعُودُ الْوِلاَيَةُ بَعْدَ الإْفَاقَةِ إِلاَّ بِتَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ. وَفِي الْمُغْنِي وَكَشَّافِ الْقِنَاعِ: إِنْ زَالَتِ الْوِصَايَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَانْعَزَلَ ثُمَّ عَادَتِ الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ لَمْ تَعُدْ وِصَايَتُهُ؛ لأِنَّ هَا زَالَتْ فَلاَ تَعُودُ إِلاَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ: إِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ قَالَ الْمُوصِي مَثَلاً: إِنِ انْعَزَلْتَ لِفَقْدِ صِفَةٍ ثُمَّ عُدْتَ إِلَيْهَا فَأَنْتَ وَصِيِّي.

لَكِنْ فِي مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ وَشَرْحِهِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَقَدْ جَاءَ فِيهِ: إِنْ عَادَ الْوَصِيُّ إِلَى حَالِهِ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ عَادَ إِلَى عَمَلِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا يُفِيدُ بَقَاءَهُ إِنْ لَمْ يُعْزَلْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْخَانِيَّةِ: لَوْ جُنَّ الْوَصِيُّ مُطْبِقًا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَفَاقَ فَهُوَ عَلَى وِصَايَتِهِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَنْعَزِلُ الْوَصِيُّ بِالْجُنُونِ وَيُقِيمُ الْحَاكِمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ.

الْوَكَالَة:

28 - طُرُوءُ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ عَقْدَ الْوَكَالَةِ؛ لأِنَّ  الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ (غَيْرُ لاَزِمٍ) فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الإْنْشَاءِ، وَالْوَكَالَةُ تَعْتَمِدُ الْعَقْلَ فِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ، فَإِذَا انْتَفَى الْعَقْلُ انْتَفَتْ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ لاِنْتِفَاءِ مَا تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ: إِذَا كَانَتِ الْوَكَالَةُ لاَزِمَةً بِحَيْثُ لاَ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَ الْوَكِيلِ كَالْعَدْلِ إِذَا سُلِّطَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ، وَكَانَ التَّسْلِيطُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا؛ لأِنَّ  الْوَكَالَةَ مَتَى كَانَتْ لاَزِمَةً بِحَيْثُ لاَ يَقْدِرُ الْمُوَكِّلُ عَلَى عَزْلِ الْوَكِيلِ لاَ يَكُونُ لِبَقَاءِ الْوَكَالَةِ حُكْمُ الإْنْشَاءِ، وَكَانَ الْوَكِيلُ فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ، وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ثُمَّ جُنَّ الْمُمَلَّكُ فَإِنَّهُ لاَ يَبْطُلُ مِلْكُهُ كَمَا لَوْ مَلَكَ عَيْنًا فَكَذَا إِذَا مَلَكَ التَّصَرُّفَ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلاَتٌ تُنْظَرُ فِي: (وَكَالَةٌ).

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا: إِذَا أَفَاقَ الْمُوَكِّلُ بَعْدَ جُنُونِهِ تَعُودُ الْوَكَالَةُ، وَلاَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ بِإِفَاقَةِ الْوَكِيلِ بَعْدَ جُنُونِهِ؛ لأِنَّ  الْجُنُونَ مُبْطِلٌ لِلأْهْلِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ إِلاَّ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ بِإِفَاقَةِ أَحَدِهِمَا، فَقَدْ جَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِخُرُوجِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِجُنُونٍ وَإِنْ زَالَ عَنْ قُرْبٍ؛ لأِنَّهُ لَوْ قَارَنَ مَنْعَ الاِنْعِقَادِ، فَإِذَا طَرَأَ قَطَعَهُ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ الدُّسُوقِيُّ: لاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِجُنُونِهِ أَوْ جُنُونِ مُوَكِّلِهِ، إِلاَّ أَنْ يَطُولَ جُنُونُ الْمُوَكِّلِ جِدًّا، فَيَنْظُرُ لَهُ الْحَاكِمُ.

وَفِي مِنَحِ الْجَلِيلِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ نَقْلاً عَنِ الْمَازِرِيِّ: جُنُونُ الْوَكِيلِ لاَ يُوجِبُ عَزْلَهُ إِنْ بَرَأَ، فَكَذَا جُنُونُ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ.

وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلاَتٌ كَثِيرَةٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَكَالَةٌ).

وَالْكَلاَمُ فِي الْوَكَالَةِ يُعْتَبَرُ مِثَالاً لِلْعُقُودِ الْجَائِزَةِ كَالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْجَعَالَةِ، وَغَيْرِهَا، وَهِيَ تَبْطُلُ بِجُنُونِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِجُنُونِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ جُنُونًا مُطْبِقًا، فَالشَّرِكَةُ قَائِمَةٌ إِلَى أَنْ يَتِمَّ إِطْبَاقُ الْجُنُونِ فَتَنْفَسِخُ، فَإِذَا عَمِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمُوا عَلَى بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ قَالُوا: وَكَذَلِكَ كُلُّ عَقْدٍ جَائِزٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ كَشَرِكَةٍ، وَمُضَارَبَةٍ، وَجَعَالَةٍ، يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ مِنْ أَحَدِهِمَا.

وَتُنْظَرُ التَّفْصِيلاَتُ فِي أَبْوَابِهَا.

و - طُرُوءُ الْجُنُونِ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ :

أ - فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ :

29 - خِيَارُ الْمَجْلِسِ يَجْعَلُ الْعَقْدَ غَيْرَ لاَزِمٍ إِلَى أَنْ يَتِمَّ التَّفَرُّقُ مِنَ الْمَجْلِسِ أَوْ يَتِمَّ التَّخَايُرُ، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَإِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوِ التَّخَايُرِ، فَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ انْتِقَالُ الْخِيَارِ إِلَى الْوَلِيِّ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَالْمُوَكَّلِ عِنْدَ مَوْتِ الْوَكِيلِ، وَإِلَى السَّيِّدِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ، أَوِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ أَنَّ الْخِيَارَ يَسْقُطُ؛ لأِنَّ  مُفَارَقَةَ الْعَقْلِ لَيْسَتْ أَوْلَى مِنْ مُفَارَقَةِ الْمَكَانِ.

وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، كَمَا فِي الإْنْصَافِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ الْجُنُونَ الطَّارِئَ لاَ يَقْطَعُ الْخِيَارَ، وَالْمَجْنُونُ عَلَى خِيَارِهِ إِذَا أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ، وَلاَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِوَلِيِّهِ؛ لأِنَّ  الرَّغْبَةَ فِي الْمَبِيعِ وَعَدَمِهِ، لاَ تُعْلَمُ إِلاَّ مِنْ جِهَتِهِ. وَقِيلَ: وَلِيُّهُ أَيْضًا يَلِيهِ فِي حَالِ جُنُونِهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

وَيَتَوَجَّهُ كَمَا فِي مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى، أَنَّ انْتِقَالَ الْخِيَارِ إِلَى الْوَلِيِّ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ، لِلْيَأْسِ مِنْ إِفَاقَتِهِ، قَالَ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ.

ب - فِي خِيَارِ الشَّرْطِ :

30 - فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ، وَيَقُومُ وَلِيُّهُ أَوِ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ، فَيَفْعَلُ مَا فِيهِ الْحَظُّ مِنَ الْفَسْخِ أَوِ الإْجَازَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلنَّوَوِيِّ: إِذَا جُنَّ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَأَقَامَ الْقَاضِي قَيِّمًا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْخِيَارِ، فَفَسَخَ الْقَيِّمُ أَوْ أَجَازَ، فَأَفَاقَ الْعَاقِدُ وَادَّعَى أَنَّ الْغِبْطَةَ خِلاَفُ مَا فَعَلَهُ الْقَيِّمُ، قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ: يَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ وَجَدَ الأْمْرَ كَمَا يَقُولُ الْمُفِيقُ مَكَّنَهُ مِنَ الْفَسْخِ وَالإْجَازَةِ، وَنَقَضَ فِعْلَ الْقَيِّمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَاهُ الْمُفِيقُ ظَاهِرًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَيِّمِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لأِنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فَعَلَهُ، إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ الْمُفِيقُ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ.

وَقَدْ فَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ فِي طُرُوءِ الْجُنُونِ عَلَى أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، قَالُوا: إِذَا جُنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لاَ يُفِيقُ أَوْ يُفِيقُ بَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ يَضُرُّ الاِنْتِظَارُ إِلَيْهِ بِالْعَاقِدِ الآْخَرِ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ يَنْظُرُ لَهُ فِي الأْصْلَحِ مِنْ إِمْضَاءٍ أَوْ رَدٍّ.

أَمَّا إِنْ كَانَ يُفِيقُ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا بِقُرْبٍ، بِحَيْثُ لاَ يَضُرُّ الصَّبْرُ إِلَيْهِ عَلَى الآْخَرِ فَإِنَّهُ تُنْتَظَرُ إِفَاقَتُهُ وَلاَ يَنْظُرُ السُّلْطَانُ.

وَلَوْ لَمْ يَنْظُرِ السُّلْطَانُ حَتَّى مَضَى يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ مِنْ أَيَّامِ الْخِيَارِ فَزَالَ الْجُنُونُ احْتَسَبَ مَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَلَوْ لَمْ يَنْظُرِ السُّلْطَانُ حَتَّى أَفَاقَ بَعْدَ أَمَدِ الْخِيَارِ لاَ يُسْتَأْنَفُ لَهُ أَجَلٌ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمَبِيعُ لاَزِمٌ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ.

وَإِذَا نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي الأْصْلَحِ مِنَ الإْمْضَاءِ أَوِ الرَّدِّ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ فَلاَ يُعْتَبَرُ اخْتِيَارُهُ بَلْ مَا نَظَرَهُ السُّلْطَانُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ.

وَاعْتَبَرَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى مَا جَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ أَنَّ الْجُنُونَ الطَّارِئَ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ هُوَ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي يَنْفُذُ بِهَا الْبَيْعُ إِذَا مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وَهُوَ عَلَى جُنُونِهِ.

وَلَوْ أَفَاقَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَقَدْ حُكِيَ عَنِ الطَّوَاوِيسِيِّ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ عَلَى خِيَارِهِ.

وَقَالَ الإْسْبِيجَابِيُّ وَشَمْسُ الأْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الأْصَحُّ أَنَّهُ عَلَى خِيَارِهِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْمَأْذُونِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْجُنُونَ لاَ يُسْقِطُ الْخِيَارَ.

طُرُوءُ الْجُنُونِ عَلَى الْمُوجِبِ قَبْلَ الْقَبُولِ :

31 - تَحَدَّثَ الْفُقَهَاءُ عَمَّا لَوْ طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى الْمُوجِبِ فِي الْعَقْدِ قَبْلَ قَبُولِ الطَّرَفِ الآْخَرِ. قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ جُنَّ الْمُوجِبُ بَيْنَ الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ بَطَلَ إِيجَابُهُ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ أَوْجَبَ النِّكَاحَ ثُمَّ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ بَطَلَ حُكْمُ الإْيجَابِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ بِالْقَبُولِ بَعْدَهُ.

وَتُنْظَرُ تَفْصِيلاَتُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع عشر ، الصفحة / 84

حَجْرٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْحَجْرُ لُغَةً الْمَنْعُ. يُقَالُ: حَجَرَ عَلَيْهِ حَجْرًا مَنَعَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ . وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حَجَرًا لأِنَّهُ  مُنِعَ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ. وَقِيلَ: الْحَطِيمُ جِدَارُ الْحَجَرِ، وَالْحَجَرُ مَا حَوَاهُ الْجُدُرُ. وَسُمِّيَ الْعَقْلُ حِجْرًا لأِنَّهُ  يَمْنَعُ مِنَ الْقَبَائِحِ، قَالَ تَعَالَى : ( هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)  أَيْ لِذِي عَقْلٍ .

وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ فِي الاِصْطِلاَحِ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ:

فَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ الْمَنْعُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَنْعُ قَدْ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ وَعَلَى الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ لِمَصْلَحَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَعَلَى الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْ مَالِهِ وَغَيْرِهَا، أَمْ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمَجْنُونِ، وَالصَّغِيرِ، وَالسَّفِيهِ .

وَعَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ مَنْعٌ مِنْ نَفَاذِ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ - لاَ فِعْلِيٍّ - فَإِنَّ عَقْدَ الْمَحْجُورِ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا فَلاَ يَنْفُذُ إِلاَّ بِإِجَازَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الإِْجَازَةِ.

وَإِنَّمَا كَانَ الْحَجْرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ لأِنَّ  تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ هِيَ الَّتِي يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ فِيهَا بِالْمَنْعِ مِنْ نَفَاذِهَا. أَمَّا التَّصَرُّفُ الْفِعْلِيُّ فَلاَ يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ فِيهِ، لأِنَّ  الْفِعْلَ بَعْدَ وُقُوعِهِ لاَ يُمْكِنُ رَدُّهُ، فَلاَ يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ عَنْهُ .

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مَا مُفَادُهُ: الْحَجْرُ عَلَى مَرَاتِبَ: أَقْوَى، وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بِعَدَمِ انْعِقَادِهِ (الْبُطْلاَنُ) كَتَصَرُّفِ الْمَجْنُونِ. وَمُتَوَسِّطٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ وَصْفِهِ وَهُوَ النَّفَاذُ كَتَصَرُّفِ الْمُمَيِّزِ. وَضَعِيفٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ وَصْفِ وَصْفِهِ، وَهُوَ كَوْنُ النَّفَاذِ حَالًّا مِثْلُ تَأْخِيرِ نَفَاذِ الإْقْرَارِ  مِنَ لْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِلإِْفْلاَسِ إِلَى مَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَقَدْ أَدْخَلَ فِي التَّعْرِيفِ الْمَنْعَ عَنِ الْفِعْلِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ، فَإِنَّهُ إِنْ جُعِلَ الْحَجْرُ هُوَ الْمَنْعَ مِنْ ثُبُوتِ

حُكْمِ التَّصَرُّفِ، فَمَا وَجْهُ تَقْيِيدِهِ بِالْقَوْلِيِّ وَنَفْيِ الْفِعْلِيِّ مَعَ أَنَّ لِكُلٍّ حُكْمًا ؟ وَأَمَّا مَا عَلَّلَ بِهِ (صَاحِبُ الدُّرِّ) مِنْ قَوْلِهِ: لأِنَّ  الْفِعْلَ بَعْدَ وُقُوعِهِ لاَ يُمْكِنُ رَدُّهُ، نَقُولُ: الْكَلاَمُ فِي مَنْعِ حُكْمِهِ لاَ مَنْعِ ذَاتِهِ، وَمِثْلُهُ: الْقَوْلُ، لاَ يُمْكِنُ رَدُّهُ بِذَاتِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ بَلْ رَدُّ حُكْمِهِ .

وَعَرَّفَ الْمَالِكِيَّةُ الْحَجْرَ بِأَنَّهُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ مَنْعَ مَوْصُوفِهَا مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيمَا زَادَ عَلَى قُوَّتِهِ، أَوْ مِنْ نُفُوذِ تَبَرُّعِهِ بِزَائِدٍ عَلَى ثُلُثِ مَالِهِ.

فَدَخَلَ بِالثَّانِي حَجْرُ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ، وَدَخَلَ بِالأْوَّلِ حَجْرُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُفْلِسِ وَالرَّقِيقِ فَيُمْنَعُونَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْقُوتِ وَلَوْ كَانَ التَّصَرُّفُ غَيْرَ تَبَرُّعٍ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ فَلاَ يُمْنَعَانِ مِنَ التَّصَرُّفِ إِذَا كَانَ غَيْرَ تَبَرُّعٍ أَوْ كَانَ تَبَرُّعًا وَكَانَ بِثُلُثِ مَالِهِمَا، وَأَمَّا تَبَرُّعُهُمَا بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ فَيُمْنَعَانِ مِنْهُ .

مَشْرُوعِيَّةُ الْحَجْرِ:

2 - ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الْحَجْرِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا)  

وَقَوْلُهُ: ) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) .

وَقَوْلُهُ: ) فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) .

فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ السَّفِيهَ بِالْمُبَذِّرِ، وَالضَّعِيفَ بِالصَّبِيِّ وَالْكَبِيرِ الْمُخْتَلِّ، وَاَلَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ بِالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلاَءِ يَنُوبُ عَنْهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ .

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ  رضي الله عنه  «أَنَّ النَّبِيَّ  صلي الله عليه وسلم  حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ  رضي الله عنه  مَالَهُ وَبَاعَهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ»  وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه  حَجَرَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ  رضي الله عنه  بِسَبَبِ تَبْذِيرِهِ

حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الْحَجْرِ:

3 - قَرَّرَ الشَّارِعُ الْحَجْرَ عَلَى مَنْ يُصَابُ بِخَلَلٍ فِي عَقْلِهِ كَجُنُونٍ وَعَتَهٍ حَتَّى تَكُونَ الأْمْوَالُ مَصُونَةً مِنَ الأْيْدِي الَّتِي تَسْلُبُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَالْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ. وَتَكُونَ مَصُونَةً أَيْضًا مِنْ سُوءِ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ.

وَقَرَّرَ الْحَجْرَ أَيْضًا عَلَى مَنْ يَسْتَرْسِلُونَ فِي غَلْوَاءِ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ وَالْخَلاَعَةِ وَيُبَدِّدُونَ أَمْوَالَهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ صَوْنًا لأِمْوَالِهِمْ، وَحِرْصًا عَلَى أَرْزَاقِ أَوْلاَدِهِمْ، وَمَنْ يَعُولُونَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ وَبَعْدَ مَمَاتِهِمْ.

كَمَا شَمِلَ الْحَجْرُ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِلإْفْتَاءِ وَهُوَ جَاهِلٌ لاَ يَعْلَمُ حَقِيقَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَيَضِلُّ وَيُضِلُّ وَتُصْبِحُ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَاءِ فُتْيَاهُ، وَكَذَا يُحْجَرُ عَلَى الطَّبِيبِ الْجَاهِلِ الَّذِي يُدَاوِي الأْمَّةَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ فَنِّ الطِّبِّ، فَتَرُوحُ أَرْوَاحٌ طَاهِرَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ لِجَهْلِهِ، وَيَنْتِجُ مِنْ ذَلِكَ بَلاَءٌ عَظِيمٌ وَخَطْبٌ جَسِيمٌ. وَكَذَا يُحْجَرُ عَلَى الْمُكَارِي الْمُفْلِسِ، لأِنَّهُ  يُتْلِفُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ .

أَسْبَابُ الْحَجْرِ:

4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصِّغَرَ وَالْجُنُونَ وَالرِّقَّ أَسْبَابٌ لِلْحَجْرِ.

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ السَّفَهَ وَالْمَرَضَ الْمُتَّصِلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابٌ لِلْحَجْرِ أَيْضًا.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَجْرِ عَلَى الزَّوْجَةِ - فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ - وَفِي الْحَجْرِ عَلَى الْمُرْتَدِّ لِمُصْلِحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي غَيْرِهِمَا عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِيمَا بَعْدُ .

تَقْسِيمُ الْحَجْرِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ:

5 - يَنْقَسِمُ الْحَجْرُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ إِلَى قِسْمَيْنِ:

أ - قِسْمٍ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (غَالِبًا)، وَذَلِكَ كَحَجْرِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ وَالْمُبَذِّرِ وَغَيْرِهِمْ - عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ - فَالْحَجْرُ فِي هَذَا الْقِسْمِ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ هَؤُلاَءِ حِفْظًا لأَِمْوَالِهِمْ مِنَ الضَّيَاعِ.

ب - قِسْمٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ (غَالِبًا)، وَذَلِكَ كَحَجْرِ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ (الدَّائِنِينَ)، وَحَجْرِ الرَّاهِنِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، وَكَحَجْرِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ التَّرِكَةِ حَيْثُ لاَ دَيْنَ، وَحَجْرِ الرَّقِيقِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ .

الْحَجْرُ عَلَى الصَّغِيرِ:

6 - يَبْدَأُ الصِّغَرُ مِنْ حِينِ الْوِلاَدَةِ إِلَى مَرْحَلَةِ الْبُلُوغِ، وَلِمَعْرِفَةِ مَتَى يَتِمُّ الْبُلُوغُ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (بُلُوغٌ).

وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ حَتَّى يَبْلُغَ ثُمَّ يَسْتَمِرَّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَرْشُدَ.

لقوله تعالي : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)  وَذَلِكَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ لِقُصُورِ إِدْرَاكِهِ.

وَيَنْتَهِي الْحَجْرُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ لقوله تعالي : ) فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) أَيْ: أَبْصَرْتُمْ وَعَلِمْتُمْ مِنْهُمْ حِفْظًا لأِمْوَالِهِمْ وَصَلاَحِهِمْ فِي تَدْبِيرِهِمْ. وَلاَ يَنْتَهِي الْحَجْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّبِيِّ وَلاَ يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ قَبْلَ وُجُودِ الأْمْرَيْنِ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ وَلَوْ صَارَ شَيْخًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لأِبِي حَنِيفَةَ كَمَا سَيَأْتِي.

الْبُلُوغُ: الْبُلُوغُ انْتِهَاءُ فَتْرَةِ الصِّغَرِ وَالدُّخُولُ فِي حَدِّ الْكِبَرِ وَلَهُ أَمَارَاتٌ طَبِيعِيَّةٌ إِنْ تَحَقَّقَتْ حُكِمَ بِهِ وَإِلاَّ فَيُرْجَعُ لِلسِّنِّ عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (بُلُوغٌ).

ب - الرُّشْدُ:

الرُّشْدُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) هُوَ الصَّلاَحُ فِي الْمَالِ فَقَطْ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلآْيَةِ السَّابِقَةِ.

وَمَنْ كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ رُشْدٌ، وَلأِنَّ  الْعَدَالَةَ لاَ تُعْتَبَرُ فِي الرُّشْدِ فِي الدَّوَامِ. فَلاَ تُعْتَبَرُ فِي الاِبْتِدَاءِ كَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَلأِنَّ  هَذَا مُصْلِحٌ لِمَالِهِ فَأَشْبَهَ الْعَدْلَ، يُحَقِّقُهُ: أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَ لِحِفْظِ مَالِهِ عَلَيْهِ، فَالْمُؤَثِّرُ فِيهِ مَا أَثَّرَ فِي تَضْيِيعِ الْمَالِ أَوْ حِفْظِهِ.

وَلَوْ كَانَ الرُّشْدُ صَلاَحَ الدِّينِ فَالْحَجْرُ عَلَى الْكَافِرِ أَوْلَى مِنَ الْحَجْرِ عَلَى الْفَاسِقِ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ الْفَاسِقُ يُنْفِقُ أَمْوَالَهُ فِي الْمَعَاصِي كَشِرَاءِ الْخَمْرِ وَآلاَتِ اللَّهْوِ أَوْ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْفَسَادِ فَهُوَ غَيْرُ رَشِيدٍ لِتَبْذِيرِهِ لِمَالِهِ وَتَضْيِيعِهِ إِيَّاهُ فِي غَيْرِ فَائِدَةٍ عَلَى الْخِلاَفِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْكَذِبِ وَمَنْعِ الزَّكَاةِ وَإِضَاعَةِ الصَّلاَةِ مَعَ حِفْظِهِ لِمَالِهِ دُفِعَ مَالُهُ إِلَيْهِ، لأِنَّ  الْمَقْصُودَ بِالْحَجْرِ حِفْظُ الْمَالِ، وَمَالُهُ مَحْفُوظٌ بِدُونِ الْحَجْرِ، وَلِذَلِكَ لَوْ طَرَأَ الْفِسْقُ عَلَيْهِ بَعْدَ دَفْعِ مَالِهِ إِلَيْهِ لَمْ يُنْزَعْ .

وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الرُّشْدَ الصَّلاَحُ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ جَمِيعًا.

 وَالآْيَةُ عِنْدَهُمْ عَامَّةٌ لأِنَّ  كَلِمَةَ «رُشْدًا» نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ الْمَالَ وَالدِّينَ، فَالرَّشِيدُ هُوَ مَنْ لاَ يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ، وَلاَ يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ، أَوْ رَمْيِهِ فِي بَحْرٍ، أَوْ إِنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ .

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ «رُشْدًا» فِي الآْيَةِ فَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: صَلاَحًا فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَالثَّوْرِيُّ: صَلاَحًا فِي الْعَقْلِ وَحِفْظُ الْمَالِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْخُذُ بِلِحْيَتِهِ وَمَا بَلَغَ رُشْدَهُ. فَلاَ يُدْفَعُ إِلَى الْيَتِيمِ مَالُهُ وَلَوْ صَارَ شَيْخًا حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدُهُ.

وَهَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ: لاَ يُعْطَى الْيَتِيمُ وَإِنْ بَلَغَ مِائَةَ سَنَةٍ حَتَّى يُعْلَمَ مِنْهُ إِصْلاَحُ مَالِهِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: رُشْدًا يَعْنِي فِي الْعَقْلِ خَاصَّةً.

وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الرُّشْدَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَعَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرْشُدْ بَعْدَ بُلُوغِ الْحُلُمِ وَإِنْ شَاخَ لاَ يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهُ .

أَثَرُ الْحَجْرِ عَلَى تَصَرُّفَاتِ الصَّغِيرِ:

7 - سَبَقَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رَشِيدًا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ فِي حُكْمِ تَصَرُّفَاتِهِ، هَلْ تَقَعُ صَحِيحَةً غَيْرَ نَافِذَةٍ أَمْ تَقَعُ فَاسِدَةً ؟

وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ طَلاَقُ الصَّبِيِّ وَلاَ إِقْرَارُهُ وَلاَ عِتْقُهُ وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا، وَإِذَا عَقَدَ الصَّبِيُّ عَقْدًا فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ صَحَّ الْعَقْدُ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.

وَكَذَا إِذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَجَبَتِ الأْجْرَةُ اسْتِحْسَانًا.

وَإِذَا عَقَدَ الصَّبِيُّ عَقْدًا يَدُورُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ وَكَانَ يَعْقِلُهُ (أَيْ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ لَهُ)، فَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ صَحَّ، وَإِذَا رَدَّهُ بَطَلَ الْعَقْدُ. هَذَا إِذَا لَمْ يَتَضَمَّنِ الْعَقْدُ غَبْنًا فَاحِشًا وَإِلاَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لاَ يَعْقِلُهُ فَقَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ.

وَإِذَا أَتْلَفَ الصَّبِيُّ - سَوَاءٌ عَقَلَ أَمْ لاَ - شَيْئًا مُتَقَوِّمًا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ ضَمِنَهُ، إِذْ لاَ حَجْرَ فِي التَّصَرُّفِ الْفِعْلِيِّ، وَتَضْمِينُهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّكْلِيفِ فَيَضْمَنُ الصَّبِيُّ مَا أَتْلَفَهُ مِنَ الْمَالِ لِلْحَالِ، وَإِذَا قَتَلَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إِلاَّ فِي مَسَائِلَ لاَ يَضْمَنُ فِيهَا لأِنَّهُ  مُسَلَّطٌ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ: كَمَا إِذَا أَتْلَفَ مَا اقْتَرَضَهُ، وَمَا أُودِعَ عِنْدَهُ بِلاَ إِذْنِ وَلِيِّهِ، وَكَذَا إِذَا أَتْلَفَ مَا أُعِيرَ لَهُ وَمَا بِيعَ مِنْهُ بِلاَ إِذْنٍ .

 وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ رَشِيدًا، وَزِيدَ فِي الأُْنْثَى دُخُولُ الزَّوْجِ بِهَا، وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلاَحِ حَالِهَا.

وَلَوْ تَصَرَّفَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ بِمُعَاوَضَةٍ بِلاَ إِذْنِ وَلِيِّهِ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَهِبَةِ الثَّوَابِ (الْهِبَةُ بِعِوَضٍ) فَلِلْوَلِيِّ رَدُّ هَذَا التَّصَرُّفِ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ تَعَيَّنَ عَلَى الْوَلِيِّ رَدُّهُ كَإِقْرَارٍ بِدَيْنٍ.

وَلِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ رَدُّ تَصَرُّفِ نَفْسِهِ قَبْلَ رُشْدِهِ إِنْ رَشَدَ حَيْثُ تَرَكَهُ وَلِيُّهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِتَصَرُّفِهِ أَوْ لِسَهْوِهِ أَوْ لِلإْعْرَاضِ عَنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ.

وَلَوْ حَنِثَ بَعْدَ رُشْدِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ حَالَ صِغَرِهِ: أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ كَذَا فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ، فَفَعَلَهُ بَعْدَ رُشْدِهِ فَلَهُ رَدُّهُ فَلاَ يَلْزَمُهُ طَلاَقٌ وَلاَ عِتْقٌ، وَلَهُ إِمْضَاؤُهُ. وَلاَ يُحْجَرُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِضَرُورَةِ الْعَيْشِ كَدِرْهَمٍ مَثَلاً، وَلاَ يُرَدُّ فِعْلُهُ فِيهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ.

وَيَضْمَنُ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ مَا أَفْسَدَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فِي الذِّمَّةِ، فَتُؤْخَذُ قِيمَةُ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ إِنْ كَانَ، وَإِلاَّ أُتْبِعَ بِهَا فِي ذِمَّتِهِ إِلَى وُجُودِ مَالٍ، هَذَا إِذَا لَمْ يُؤْتَمَنِ الصَّبِيُّ عَلَى مَا أَتْلَفَهُ، فَإِنِ اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لأِنَّ  مَنِ ائْتَمَنَهُ قَدْ سَلَّطَهُ عَلَى إِتْلاَفِهِ، وَلأِنَّهُ  لَوْ ضَمِنَ الْمَحْجُورُ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْحَجْرِ. وَاسْتَثْنَى ابْنُ عَرَفَةَ: الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَزِدْ عَنْ شَهْرٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لأِنَّهُ  كَالْعَجْمَاءِ. وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ إِذَا لَمْ يَخْلِطْ فِيهَا، فَإِنْ خَلَطَ بِأَنْ تَنَاقَضَ فِيهَا أَوْ أَوْصَى بِغَيْرِ قُرْبَةٍ لَمْ تَصِحَّ.

وَإِنَّ الزَّوْجَةَ الْحُرَّةَ الرَّشِيدَةَ يُحْجَرُ عَلَيْهَا لِزَوْجِهَا فِي تَصَرُّفٍ زَائِدٍ عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا وَتَبَرُّعُهَا مَاضٍ حَتَّى يُرَدَّ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إِلَى الْبُلُوغِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مُمَيِّزًا أَمْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ.

وَالصِّبَا يَسْلُبُ الْوِلاَيَةَ وَالْعِبَارَةُ فِي الْمُعَامَلَةِ كَالْبَيْعِ، وَفِي الدَّيْنِ كَالإْسْلاَمِ، إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ مِنْ عِبَادَةٍ مِنْ مُمَيِّزٍ، لَكِنَّهُ يُثَابُ عَلَى الْفَرِيضَةِ أَقَلُّ مِنْ ثَوَابِ الْبَالِغِ عَلَى النَّافِلَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ عَدَمُ خِطَابِهِ بِهَا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لاَ ثَوَابَ أَصْلاً لِعَدَمِ خِطَابِهِ بِالْعِبَادَةِ، لَكِنَّهُ أُثِيبَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْعِبَادَةِ، فَلاَ يَتْرُكُهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَاسْتُثْنِيَ كَذَلِكَ مِنَ الْمُمَيِّزِ الإِذْنُ فِي دُخُولِ الدَّارِ، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا إِيصَالُ هَدِيَّةٍ مِنْ مُمَيِّزٍ مَأْمُونٍ أَيْ لَمْ يُجَرَّبْ عَلَيْهِ كَذِبٌ.

وَلِلصَّبِيِّ تَمَلُّكُ الْمُبَاحَاتِ وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرَاتِ وَيُثَابُ عَلَيْهَا كَالْمُكَلَّفِ، وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي تَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ إِذَا عُيِّنَ لَهُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ .

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُغْنِي  وَالْحُكْمُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَالْحُكْمِ فِي السَّفِيهِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا فِيمَا أَتْلَفَاهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِمَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَوْ غَصَبَاهُ فَتَلِفَ فِي أَيْدِيهِمَا، وَانْتِفَاءُ الضَّمَانِ عَنْهُمَا فِيمَا حَصَلَ فِي أَيْدِيهِمَا بِاخْتِيَارِ صَاحِبِهِ وَتَسْلِيطِهِ كَالثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ وَالاِسْتِدَانَةِ، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمَا فِيمَا تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِمَا، وَإِنْ أَتْلَفَاهُ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ.

مَتَى يُدْفَعُ الْمَالُ إِلَى الصَّغِيرِ:

8 - إِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ رَشِيدًا أَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ ثُمَّ رَشَدَ دُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ وَفُكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، لقوله تعالي : (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)  وَلِقَوْلِهِ  صلي الله عليه وسلم : «لاَ يُتْمَ بَعْدَ احْتِلاَمٍ» . وَلاَ يُحْتَاجُ فِي هَذَا إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، لأِنَّ  الْحَجْرَ عَلَيْهِ ثَبَتَ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ فَيَزُولُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمَذْهَبِ - وَالْحَنَابِلَةُ).

وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ يَفْتَقِرُ إِلَى الْحَاكِمِ، لأِنَّ  الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الصَّغِيرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى:

فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَهُوَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ بِبُلُوغِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ سَفَهٌ أَوْ يَحْجُرْهُ أَبُوهُ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ قَدْ مَاتَ وَعَلَيْهِ وَصِيٌّ فَلاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ إِلاَّ بِالتَّرْشِيدِ. فَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ مِنَ الأْبِ (وَهُوَ الْوَصِيُّ الْمُخْتَارُ) فَلَهُ أَنْ يُرَشِّدَهُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ مُقَدَّمًا مِنْ قَاضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرْشِيدُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ الْقَاضِي.

وَقَالَ الدَّرْدِيرُ: إِنَّ الْحَجْرَ عَلَى الصَّبِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَالِهِ يَكُونُ لِبُلُوغِهِ مَعَ صَيْرُورَتِهِ حَافِظًا لِمَالِهِ بَعْدَهُ فَقَطْ إِنْ كَانَ ذَا أَبٍ أَوْ مَعَ فَكِّ الْوَصِيِّ وَالْمُقَدَّمُ (الْوَصِيُّ الْمُعَيَّنُ مِنَ الْقَاضِي) إِنْ كَانَ ذَا وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ فَذُو الأْبِ بِمُجَرَّدِ صَيْرُورَتِهِ حَافِظًا لِلْمَالِ بَعْدَ بُلُوغِهِ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَفُكَّهُ أَبُوهُ عَنْهُ، قَالَ ابْن عَاشِرٍ: يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا حَجَرَ الأَْبُ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ عِنْوَانُ الْبُلُوغِ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ  حَافِظًا لِلْمَالِ إِلاَّ لِفَكِّ الأَْبِ.

وَأَمَّا فَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْوَصِيِّ فَيَحْتَاجُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْعُدُولِ: اشْهَدُوا أَنِّي فَكَكْتُ الْحَجْرَ عَنْ فُلاَنٍ وَأَطْلَقْتُ لَهُ التَّصَرُّفَ لِمَا قَامَ عِنْدِي مِنْ رُشْدِهِ وَحُسْنِ تَصَرُّفِهِ، فَتَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْفَكِّ لاَزِمٌ لاَ يُرَدُّ. وَلاَ يَحْتَاجُ لإِِذْنِ الْحَاكِمِ فِي الْفَكِّ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَبْلُغَ وَلاَ يَكُونَ لَهُ أَبٌ وَلاَ وَصِيٌّ، وَهُوَ الْمُهْمَلُ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرُّشْدِ إِلاَّ إِنْ تَبَيَّنَ سَفَهُهُ.

وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى فَهِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهَا: إِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَبٍ فَإِنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ تَبْقَى فِي حِجْرِهِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَيَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَتَبْقَى مُدَّةً بَعْدَ الدُّخُولِ.

وَاخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ عَامٍ إِلَى سَبْعَةِ أَعْوَامٍ.

وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا حُسْنُ تَصَرُّفِهَا فِي الْمَالِ وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ بِذَلِكَ.

الثَّانِي: إِنْ كَانَتْ ذَاتَ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ لاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهَا إِلاَّ بِهَذِهِ الأَْرْبَعَةِ (وَهِيَ بُلُوغُهَا، وَالدُّخُولُ بِهَا، وَبَقَاؤُهَا مُدَّةً بَعْدَ الدُّخُولِ، وَثُبُوتُ حُسْنِ التَّصَرُّفِ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ) وَفَكَّ الْوَصِيُّ أَوِ الْمُقَدَّمُ. فَإِنْ لَمْ يَفُكَّا الْحَجْرَ عَنْهَا بِتَرْشِيدِهَا كَانَ تَصَرُّفُهَا مَرْدُودًا وَلَوْ عَنَسَتْ أَوْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَطَالَتْ إِقَامَتُهَا عِنْدَهُ .

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ إِنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ (أَيْ قَبْلَ بُلُوغِهِ هَذِهِ السِّنَّ مَعَ إِينَاسِ الرُّشْدِ) وَيُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ مَتَى بَلَغَ الْمُدَّةَ وَلَوْ كَانَ مُفْسِدًا لقوله تعالي : (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) وَالْمُرَادُ بِالْيَتِيمِ هُنَا مَنْ بَلَغَ، وَسُمِّيَ فِي الآْيَةِ يَتِيمًا لِقُرْبِهِ مِنَ الْبُلُوغِ، وَلأِنَّهُ  فِي أَوَّلِ أَحْوَالِ الْبُلُوغِ قَدْ لاَ يُفَارِقُهُ السَّفَهُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا فَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، لأِنَّهُ  حَالُ كَمَالِ لُبِّهِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ  رضي الله عنه  أَنَّهُ قَالَ: يَنْتَهِي لُبُّ الرَّجُلِ إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَقَالَ أَهْلُ الطَّبَائِعِ (الأْطِبَّاءُ): مَنْ بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَ رُشْدَهُ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ سِنًّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ فِيهَا جَدًّا، لأِنَّ  أَدْنَى مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا الْغُلاَمُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ الْوَلَدُ يَبْلُغُ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا، حَتَّى لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ مُبَذِّرًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ مَالُهُ، لأِنَّ  هَذَا لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا فَلاَ يُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ الْمَالِ، وَلأِنَّ  مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّأْدِيبِ عُقُوبَةٌ عَلَيْهِ، وَالاِشْتِغَالُ ذعِنْدَ رَجَاءِ التَّأَدُّبِ، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ فَقَدِ انْقَطَعَ رَجَاءُ التَّأَدُّبِ فَلاَ مَعْنَى لِمَنْعِ الْمَالِ بَعْدَهُ .

الْحَجْرُ عَلَى الْمَجْنُونِ:

9 - الْجُنُونُ هُوَ اخْتِلاَلُ الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ جَرَيَانَ الأَْفْعَالِ وَالأَْقْوَالِ عَلَى نَهْجِهِ إِلاَّ نَادِرًا .

وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْبِقًا أَوْ مُتَقَطِّعًا .

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَجْنُونِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا أَمْ طَارِئًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَوِيًّا أَمْ ضَعِيفًا، وَالْقَوِيُّ: الْمُطْبِقُ، وَالضَّعِيفُ: غَيْرُهُ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجُنُونَ مِنْ عَوَارِضِ الأَْهْلِيَّةِ فَهُوَ يُزِيلُ أَهْلِيَّةَ الأَْدَاءِ إِنْ كَانَ مُطْبِقًا، فَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ آثَارُهَا الشَّرْعِيَّةُ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْجُنُونُ مُتَقَطِّعًا فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ التَّكْلِيفَ فِي حَالِ الإِْفَاقَةِ وَلاَ يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ كَمَا يَلِي:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ.

قَالَ الْحَصْكَفِيُّ: وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ وَالدُّرَرِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا الْمِعْرَاجُ حَيْثُ فَسَّرَ الْمَغْلُوبَ بِاَلَّذِي لاَ يَعْقِلُ أَصْلاً. ثُمَّ قَالَ: وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنِ الْمَجْنُونِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ كَتَصَرُّفِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْتُوهُ.

وَجَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنَّهُ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ عَابِدِينَ حَيْثُ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ (الْحَصْكَفِيِّ صَاحِبِ الدُّرِّ) أَنْ يَقُولَ: فَحُكْمُهُ كَعَاقِلٍ أَيْ: فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِيَظْهَرَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَغْلُوبِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ غَيْرُ الْمَغْلُوبِ كَمُمَيِّزٍ لاَ يَصِحُّ طَلاَقُهُ وَلاَ إِعْتَاقُهُ كَالْمَغْلُوبِ.

وَإِذَا أَتْلَفَ الْمَجْنُونُ شَيْئًا مُقَوَّمًا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ ضَمِنَهُ إِذْ لاَ حَجْرَ فِي التَّصَرُّفِ الْفِعْلِيِّ .

 وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ إِلاَّ إِذَا أَتْلَفَ شَيْئًا فَفِي مَالِهِ، وَالدِّيَةُ إِنْ بَلَغَتِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ كَالْمَالِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ بِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلاَيَاتُ الثَّابِتَةُ بِالشَّرْعِ كَوِلاَيَةِ النِّكَاحِ، أَوِ التَّفْوِيضِ كَالإْيصَاءِ وَالْقَضَاءِ لأِنَّهُ  إِذَا لَمْ يَلِ أَمْرَ نَفْسِهِ فَأَمْرُ غَيْرِهِ أَوْلَى.

وَلاَ تُعْتَبَرُ عِبَارَةُ الْمَجْنُونِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ لَهُ أَمْ عَلَيْهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَالإْسْلاَمِ وَالْمُعَامَلاَتِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ.

وَأَمَّا أَفْعَالُهُ فَمِنْهَا مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ كَإِحْبَالِهِ وَإِتْلاَفِهِ مَالَ غَيْرِهِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ بِوَطْئِهِ، وَتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى إِرْضَاعِهِ وَالْتِقَاطِهِ وَاحْتِطَابِهِ وَاصْطِيَادِهِ، وَعَمْدُهُ عَمْدٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْ: حَيْثُ كَانَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ .

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ سَبَقَ كَلاَمُهُمْ عَلَى الْمَجْنُونِ فِي الْكَلاَمِ عَلَى الصَّبِيِّ.

وَيَرْتَفِعُ حَجْرُ الْمَجْنُونِ بِالإْفَاقَةِ مِنَ الْجُنُونِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى فَكٍّ فَتُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُ وَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ (ر: جُنُونٌ).

الْحَجْرُ عَلَى الْمَعْتُوهِ:

10 - اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي تَفْسِيرِ الْمَعْتُوهِ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ: هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلاَمِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَضْرِبُ وَلاَ يَشْتِمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ.

وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ تَفْسِيرًا لِلْعَتَهِ فِي الاِصْطِلاَحِ.

وَالْمَعْتُوهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْعَاقِلِ.

أَمَّا إِذَا أَفَاقَ فَإِنَّهُ كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ .

وَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ تَعَرُّضًا لِحُكْمِ تَصَرُّفَاتِ الْمَعْتُوهِ.

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (عَتَهٌ).

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ إِذَا كَانَ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَهُوَ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ.

وَذَهَبَ السُّبْكِيُّ وَالأْذْرَعِيُّ إِلَى أَنَّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ فَمَجْنُونٌ وَإِلاَّ فَهُوَ مُكَلَّفٌ .

وَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَعَرُّضًا لِلْمَسْأَلَةِ.

 

الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ:

أ - السَّفَهُ:

11 - السَّفَهُ لُغَةً: هُوَ نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ، وَأَصْلُهُ الْخِفَّةُ، وَسَفِهَ الْحَقَّ جَهِلَهُ، وَسَفَّهْتُهُ تَسْفِيهًا: نَسَبْتُهُ إِلَى السَّفَهِ، أَوْ قُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ سَفِيهٌ.

وَهُوَ سَفِيهٌ، وَالأْنْثَى سَفِيهَةٌ، وَالْجَمْعُ سُفَهَاءُ .

وَأَمَّا اصْطِلاَحًا فَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِهِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ السَّفَهَ هُوَ تَبْذِيرُ الْمَالِ وَتَضْيِيعُهُ عَلَى خِلاَفِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَوِ الْعَقْلِ، كَالتَّبْذِيرِ وَالإْسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ، وَأَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَاتٍ لاَ لِغَرَضٍ، أَوْ لِغَرَضٍ لاَ يَعُدُّهُ الْعُقَلاَءُ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ غَرَضًا، كَدَفْعِ الْمَالِ إِلَى الْمُغَنِّينَ وَاللَّعَّابِينَ وَشِرَاءِ الْحَمَامِ الطَّيَّارِ بِثَمَنٍ غَالٍ، وَالْغَبْنِ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ غَيْرِ مَحْمَدَةٍ (أَوْ غَرَضٍ صَحِيحٍ).

وَأَصْلُ الْمُسَامَحَاتِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْبِرِّ وَالإْحْسَانِ مَشْرُوعٌ إِلاَّ أَنَّ الإْسْرَافَ حَرَامٌ كَالإْسْرَافِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلِذَا كَانَ مِنَ السَّفَهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَبْذِيرُ الْمَالِ وَتَضْيِيعُهُ وَلَوْ فِي الْخَيْرِ كَأَنْ يَصْرِفَهُ كُلَّهُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ السَّفَهَ هُوَ التَّبْذِيرُ (أَيْ: صَرْفُ الْمَالِ فِي غَيْرِ مَا يُرَادُ لَهُ شَرْعًا) بِصَرْفِ الْمَالِ فِي مَعْصِيَةٍ كَخَمْرٍ وَقِمَارٍ، أَوْ بِصَرْفِهِ فِي مُعَامَلَةٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ (خَارِجٍ عَنِ الْعَادَةِ) بِلاَ مَصْلَحَةٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَأْنُهُ مِنْ غَيْرِ مُبَالاَةٍ، أَوْ صَرْفُهُ فِي شَهَوَاتٍ نَفْسَانِيَّةٍ عَلَى خِلاَفِ عَادَةِ مِثْلِهِ فِي مَأْكَلِهِ وَمُشْرَبِهِ وَمَلْبُوسِهِ وَمَرْكُوبِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

أَوْ بِإِتْلاَفِهِ هَدَرًا كَأَنْ يَطْرَحَهُ عَلَى الأْرْضِ أَوْ يَرْمِيَهُ فِي بَحْرٍ أَوْ مِرْحَاضٍ، كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنَ السُّفَهَاءِ يَطْرَحُونَ الأْطْعِمَةَ وَالأْشْرِبَةَ فِيمَا ذُكِرَ وَلاَ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا .

وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبَ الْمَاوَرْدِيُّ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ التَّبْذِيرِ وَالسَّرَفِ، فَقَالَ: التَّبْذِيرُ: الْجَهْلُ بِمَوَاقِعِ الْحُقُوقِ، وَالسَّرَفُ: الْجَهْلُ بِمَقَادِيرِ الْحُقُوقِ. وَكَلاَمُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي تَرَادُفَهُمَا.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ السَّفِيهَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الَّذِي يُضَيِّعُ مَالَهُ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهَا إِذَا كَانَ جَاهِلاً بِهَا - أَمَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْمُعَامَلَةِ فَأَعْطَى أَكْثَر مِنْ ثَمَنِهَا فَإِنَّ الزَّائِدَ صَدَقَةٌ خَفِيَّةٌ مَحْمُودَةٌ، أَيْ إِنْ كَانَ التَّعَامُلُ مَعَ مُحْتَاجٍ وَإِلاَّ فَهِبَةٌ.

وَمِنَ السَّفَهِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَرْمِيَ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً فِي بَحْرٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ يُنْفِقَ أَمْوَالَهُ فِي مُحَرَّمٍ.

وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ صَرْفَ الْمَالِ فِي الصَّدَقَةِ وَوُجُوهِ الْخَيْرِ، وَالْمَطَاعِمِ وَالْمُلاَبِسِ الَّتِي لاَ تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ. أَمَّا فِي الأْولَى وَهُوَ الصَّرْفُ فِي الصَّدَقَةِ وَوُجُوهِ الْخَيْرِ فَلأِنَّ  لَهُ فِي الصَّرْفِ فِي الْخَيْرِ عِوَضًا، وَهُوَ الثَّوَابُ، فَإِنَّهُ لاَ سَرَفَ فِي الْخَيْرِ كَمَا لاَ خَيْرَ فِي السَّرَفِ. وَحَقِيقَةُ السَّرَفِ: مَا لاَ يُكْسِبُ حَمْدًا فِي الْعَاجِلِ وَلاَ أَجْرًا فِي الآْجِلِ.

وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يَكُونُ مُبَذِّرًا إِنْ بَلَغَ مُفْرِطًا فِي الإْنْفَاقِ. فَإِنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُقْتَصِدًا فَلاَ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ الصَّرْفُ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمُلاَبِسِ فَلأِنَّ  الْمَالَ يُتَّخَذُ لِيُنْتَفَعَ بِهِ وَيُلْتَذَّ بِهِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ فِي هَذَا النَّوْعِ يَكُونُ تَبْذِيرًا عَادَةً.  

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ السَّفِيهَ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ الْمُبَذِّرُ لَهُ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الأْمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ يَرَوْنَ الْحَجْرَ عَلَى كُلِّ مُضَيِّعٍ لِمَالِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا .

ب - حُكْمُ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ:

12 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إِذَا فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ لِرُشْدِهِ وَبُلُوغِهِ وَدُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ ثُمَّ عَادَ إِلَى السَّفَهِ أُعِيدَ عَلَيْهِ الْحَجْرُ، وَبِهَذَا قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالأْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ.

وَاسْتَدَلُّوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ) وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا) وقوله تعالي : ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) .

فَقَدْ نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الدَّفْعِ إِلَيْهِ مَا دَامَ سَفِيهًا، وَأَمَرَنَا بِالدَّفْعِ إِنْ وُجِدَ مِنْهُ الرُّشْدُ، إِذْ لاَ يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَلأِنَّ  مَنْعَ مَالِهِ لِعِلَّةِ السَّفَهِ فَيَبْقَى الْمَنْعُ مَا بَقِيَتِ الْعِلَّةُ، صَغِيرًا كَانَ السَّفِيهُ أَوْ كَبِيرًا.

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : «خُذُوا عَلَى يَدِ سُفَهَائِكُمْ».  

وَأَوْرَدَ ابْنُ قُدَامَةَ مَا رَوَاهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ ابْتَاعَ بَيْعًا، فَقَالَ عَلِيٌّ  رضي الله عنه : لآَتِيَنَّ عُثْمَانَ لِيَحْجُرَ عَلَيْكَ، فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ، فَقَالَ: قَدِ ابْتَعْتُ بَيْعًا وَإِنَّ عَلِيًّا يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ فَيَسْأَلَهُ الْحَجْرَ عَلَيَّ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُكَ فِي الْبَيْعِ.

فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ قَدِ ابْتَاعَ بَيْعَ كَذَا فَاحْجُرْ عَلَيْهِ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ فِي الْبَيْعِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: كَيْفَ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرُ ؟

ثُمَّ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذِهِ قِصَّةٌ يَشْتَهِرُ مِثْلُهَا وَلَمْ يُخَالِفْهَا أَحَدٌ فِي عَصْرِهِمْ فَتَكُونُ إِجْمَاعًا حِينَئِذٍ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ هَذَا سَفِيهٌ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا فَإِنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي اقْتَضَتِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَ سَفِيهًا سَفَهُهُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَلأِنَّ  السَّفَهَ لَوْ قَارَنَ الْبُلُوغَ مَنَعَ دَفْعَ مَالِهِ إِلَيْهِ، فَإِذَا حَدَثَ أَوْجَبَ انْتِزَاعَ الْمَالِ كَالْجُنُونِ، وَفِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ صِيَانَةٌ لِمَالِهِ وَوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ.

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُبْتَدَأُ الْحَجْرُ عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ بِسَبَبِ السَّفَهِ لِمَا سَبَقَ.

الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ:

13 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ إِلَى أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ حُكْمٍ حَاكِمٍ، كَمَا أَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ أَيْضًا، لأِنَّ  الْحَجْرَ إِذَا كَانَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لاَ يَزُولُ إِلاَّ بِهِ، وَلأِنَّ  الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ وَاجْتِهَادٍ فِي مَعْرِفَتِهِ وَزَوَالِ تَبْذِيرِهِ فَكَانَ كَابْتِدَاءِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ.

وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ السَّفِيهَ لاَ يَحْتَاجُ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ إِلَى قَضَاءِ الْقَاضِي لأِنَّ  فَسَادَهُ فِي مَالِهِ يَحْجُرُهُ وَصَلاَحُهُ فِيهِ يُطْلِقُهُ. وَإِنَّ عِلَّةَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ السَّفَهُ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَالِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ.

وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلاَفِ فِيمَا لَوْ بَاعَ السَّفِيهُ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ .

تَصَرُّفَاتُ السَّفِيهِ:

14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَ السَّفِيهِ فِي مَالِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّصَرُّفَاتِ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مُصْطَلَحِ (سَفَهٌ، وَوِلاَيَةٌ).

الْحَجْرُ عَلَى ذِي الْغَفْلَةِ:

15 - ذُو الْغَفْلَةِ هُوَ مَنْ يُغْبَنُ فِي الْبُيُوعِ لِسَلاَمَةِ قَلْبِهِ وَلاَ يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ.

وَيَخْتَلِفُ عَنِ السَّفِيهِ بِأَنَّ السَّفِيهَ مُفْسِدٌ لِمَالِهِ وَمُتَابِعٌ لِهَوَاهُ، أَمَّا ذُو الْغَفْلَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ لِمَالِهِ وَلاَ يَقْصِدُ الْفَسَادَ.

وَلَمْ نَجِدْ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَا الْغَفْلَةِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ سِوَى الصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ أَدْرَجَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْوَصْفَ فِي السَّفَهِ وَالتَّبْذِيرِ.

فَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَجْرَ يَثْبُتُ عَلَى ذِي الْغَفْلَةِ كَالسَّفِيهِ أَيْ: مِنْ حِينِ قَضَاءِ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمِنْ حِينِ ظُهُورِ أَمَارَاتِ الْغَفْلَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى هَذَا فَيَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَبِزَوَالِ الْغَفْلَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ شُرِعَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ وَنَظَرًا لَهُ، فَقَدْ «طَلَبَ أَهْلُ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ مِنَ النَّبِيِّ  صلي الله عليه وسلم  أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ، فَأَقَرَّهُمُ النَّبِيُّ  صلي الله عليه وسلم  عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ»، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْحَجْرُ مَشْرُوعًا عَلَى ذِي الْغَفْلَةِ لأَنْكَرَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ  صلي الله عليه وسلم  طَلَبَهُمْ. وَذَلِكَ فِيمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ «أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ  صلي الله عليه وسلم  كَانَ يَبْتَاعُ وَفِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، فَأَتَى أَهْلُهُ نَبِيَّ اللَّهِ  صلي الله عليه وسلم  فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: احْجُرْ عَلَى فُلاَنٍ، فَإِنَّهُ يَبْتَاعُ وَفِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ  صلي الله عليه وسلم  فَنَهَاهُ عَنِ الْبَيْعِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي لاَ أَصْبِرُ عَنِ الْبَيْعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلي الله عليه وسلم  إِنْ كُنْت غَيْرَ تَارِكٍ الْبَيْعَ فَقُلْ: هَاءَ وَهَاءَ وَلاَ خِلاَبَةَ.  

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُحْجَرُ عَلَى الْغَافِلِ بِسَبَبِ غَفْلَتِهِ، وَالنَّبِيُّ  صلي الله عليه وسلم  لَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى طَلَبِهِمْ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: قُلْ: لاَ خِلاَبَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ. وَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ مَشْرُوعًا لأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ .

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس والعشرون ، الصفحة / 47

سَفَه

التَّعْرِيفُ:

1 - السَّفَهُ وَالسَّفَاهُ وَالسَّفَاهَةُ: ضِدُّ الْحِلْمِ، وَهِيَ مَصَادِرُ سَفِهَ يَسْفَهُ، مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَهُوَ نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ أَصْلُهُ الْخِفَّةُ وَالْحَرَكَةُ.

يُقَالُ: تَسَفَّهَتِ الرِّيحُ الشَّجَرَ؛ أَيْ مَالَتْ بِهِ، وَسَفُهَ بِالضَّمِّ، وَسَفِهَ بِالْكَسْرِ؛ أَيْ صَارَ سَفِيهًا، وَالْجَمْعُ سُفَهَاءُ وَسُفَّهٌ وَسِفَاهٌ.

وَالْمُؤَنَّثُ مِنْهُ سَفِيهَةٌ، وَالْجَمْعُ سَفَائِهُ .

وَاصْطِلاَحًا: هُوَ التَّبْذِيرُ فِي الْمَالِ وَالإْسْرَافُ فِيهِ وَلاَ أَثَرَ لِلْفِسْقِ وَالْعَدَالَةِ فِيهِ.

وَيُقَابِلُهُ الرُّشْدُ: وَهُوَ إِصْلاَحُ الْمَالِ وَتَنْمِيَتُهُ وَعَدَمُ تَبْذِيرِهِ.

وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ (أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَمَالِكٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَالْمَرْجُوحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالسُّدِّيِّ، وَالضَّحَّاكِ).

وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ: التَّبْذِيرُ فِي الْمَالِ وَالْفَسَادُ فِيهِ وَفِي الدِّينِ مَعًا. وَهُوَ قَوْلٌ لأِحْمَدَ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْحَجْرُ:

2 - هُوَ مَصْدَرُ قَوْلِكَ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي يَحْجُرُ حَجْرًا: إِذَا مَنَعَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ. وَالسَّفَهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ .

ب - الْعَتَهُ:

3 - الْعَتَهُ نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ أَوْ دَهَشٍ، وَالْمَعْتُوهُ: النَّاقِصُ الْعَقْلِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّفَهِ أَنَّ الْعَتَهَ عِبَارَةٌ عَنْ آفَةٍ نَاشِئَةٍ عَنِ الذَّاتِ تُوجِبُ خَلَلاً فِي الْعَقْلِ فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ مُخْتَلِطَ الْعَقْلِ فَيُشْبِهُ بَعْضُ كَلاَمِهِ كَلاَمَ الْعُقَلاَءِ، وَبَعْضُهُ كَلاَمَ الْمَجَانِينِ بِخِلاَفِ السَّفَهِ فَإِنَّهُ خِفَّةٌ تَعْرِضُ لِلإْنْسَانِ وَلَيْسَتِ السَّفَهَ فِي ذَاتِهِ .

ج - الرُّشْدُ:

4 - الرُّشْدُ: الصَّلاَحُ فِي الْمَالِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الصَّلاَحُ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ جَمِيعًا، فَهُوَ ضِدُّ السَّفَهِ. (ر: رُشْد).

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَهِ:

أَوَّلاً: أَحْوَالُ السَّفَهِ:

4 م - لِلسَّفَهِ حَالَتَانِ:

الأْولَى: اسْتِمْرَارُ السَّفَهِ بَعْدَ بُلُوغِ الإْنْسَانِ  أَوْ إِفَاقَتِهِ مِنَ الْجُنُونِ.

الثَّانِيَةُ: طُرُوءُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ.

أَمَّا الأْولَى: فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى اسْتِمْرَارِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ بِمَنْعِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، إِذِ الْحَجْرُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَهُمَا مُبَذِّرَانِ 

لِمَالِهِمَا اسْتَمَرَّ الْحَجْرُ عَلَيْهِمَا وَمُنِعَا مِنَ التَّصَرُّفِ .

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لاَ يَحْجُرُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ إِلاَّ أَنَّهُ يَمْنَعُ وَلِيَّهُ مِنْ دَفْعِ مَالِهِ إِلَيْهِ، وَلاَ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمَالِهِ بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَلاَ يَدْفَعُ إِلَيْهِ مَالَهُ إِلاَّ أَنْ يَبْلُغَ عُمْرُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَهَا دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ سَفِهَ أَوْ رَشَدَ .

اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ  الْقَائِلُونَ بِالْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ بِالسَّفَهِ الْمُسْتَمِرِّ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ وَإِفَاقَةِ الْمَجْنُونِ، أَوِ الَّذِي حَصَلَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَإِفَاقَتِهِ رَشِيدًا، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْآنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَلِ بِهَا - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِدَفْعِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعَ إِينَاسِ الرُّشْدِ، لاَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ.

وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَلاَتُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا) .

وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَلِ بِهَا أَنَّ اللَّهَ يَنْهَى عَنْ إِيتَاءِ الْمَالِ السُّفَهَاءَ وَلَمْ يُرَخِّصْ لِلأْوْلِيَاءِ إِلاَّ بِرِزْقِهِمْ مِنْهَا أَكْلاً وَلُبْسًا. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِضَافَةَ الْمَالِ إِلَى الأْوْلِيَاءِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَالَ الْوَلِيِّ بَلْ مَالَ السَّفِيهِ:

قوله تعالي: ) وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ)  لأِنَّهُ لاَ يُرْزَقُ وَلاَ يُكْسَى إِلاَّ مِنْ مَالِهِ.

وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَلِ بِهَا أَنَّهُ جَعَلَ عِبَارَةَ السَّفِيهِ كَعِبَارَةِ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ التَّعْبِيرَ وَجَعَلَ عِبَارَةَ وَلِيِّهِ تَقُومُ مَقَامَ عِبَارَتِهِ وَأَوْجَبَ الْوِلاَيَةَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ هِيَ أَمَارَاتُ الْحَجْرِ.

كَمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» . وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَلِ بِهِ: أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَهُنَا يَدُلُّ النَّهْيُ عَلَى وُجُوبِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَالِ، وَإِبْقَاؤُهُ بِيَدِ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ لَهُ مُخَالِفٌ لِلأْمْرِ، فَيَجِبُ حَجْرُهُ عَنْهُ.

وَبِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «خُذُوا عَلَى يَدِ سُفَهَائِكُمْ» .

وَبِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: ابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْعًا فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لآَتِيَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه  فَلأْحْجُرَنَّ عَلَيْكَ، فَأَعْلَمَ ذَلِكَ ابْنُ جَعْفَرٍ لِلزُّبَيْرِ فَقَالَ: أَنَا شَرِيكُكَ فِي بَيْعِكَ، فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ رضي الله عنهما فَقَالَ: احْجُرْ عَلَى هَذَا، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرُ؟ .

وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَلِ بِهِ: أَنَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ إِنْكَارٌ لِلْحَجْرِ، بَلْ عَلِيٌّ طَلَبَهُ وَالآْخَرُونَ لَمْ يُنْكِرُوهُ فَاحْتَالَ الزُّبَيْرُ بِحِيلَةِ الشَّرِكَةِ حَتَّى لاَ يُعَدَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ مَغْبُونًا فِي ذَلِكَ.

وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الْمَقُولَةِ: أَنَّهُ مُبَذِّرٌ فِي مَالِهِ فَيَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ بَلْ أَوْلَى،  لأِنَّ الصَّبِيَّ إِنَّمَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِتَوَهُّمِ التَّبْذِيرِ مِنْهُ، وَقَدْ تَحَقَّقَ التَّبْذِيرُ وَالإْسْرَافُ هُنَا، فَلأَنْ  يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْلَى .

وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي عَدَمِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَكِنْ لاَ يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَامِسَةَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا) .

وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَلِ بِهَا - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى الْوَلِيَّ عَنِ الإْسْرَافِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مَخَافَةَ أَنْ يَكْبَرَ فَلاَ يَبْقَى لَهُ عَلَيْهِ وِلاَيَةٌ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى زَوَالِ وِلاَيَتِهِ عَنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ يَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَى زَوَالِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْكِبَرِ؛  لأِنَّ الْوِلاَيَةَ عَلَيْهِ لِلْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا تَنْعَدِمُ الْحَاجَةُ إِذَا صَارَ هُوَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ .

وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ «حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ الأْنْصَارِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لآِفَةٍ أَصَابَتْ رَأْسَهُ فَسَأَلَ أَهْلُهُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي لاَ أَصْبِرُ عَنِ الْبَيْعِ. فَقَالَ عليه الصلاة والسلامإِذَا بِعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ، وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ» .

وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَلِ بِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ طَلَبِ أَهْلِهِ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ مَشْرُوعًا عَلَى مَنْ يُغْبَنُ لَحَجَرَ عَلَيْهِ.

وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الْمَعْقُولِ بِأَنَّ السَّفِيهَ حُرٌّ مُخَاطَبٌ فَيَكُونُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ كَالرَّشِيدِ، وَهَذَا  لأِنَّ وُجُودَ التَّصَرُّفِ حَقِيقَةً يَكُونُ بِوُجُودِ رُكْنِهِ، وَوُجُودُهُ شَرْعًا يَكُونُ بِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَحُلُولِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي تَصَرُّفِ السَّفِيهِ فِي مَالِهِ .

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَهِيَ أَنْ يَبْلُغَ الصَّبِيُّ أَوْ يُفِيقَ الْمَجْنُونُ رَشِيدَيْنِ، ثُمَّ يَطْرَأَ السَّفَهُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَلْ يُحْجَرُ عَلَيْهِمَا؟.

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

( 1 ) فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى لُزُومِ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ الطَّارِئِ، وَكَذَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الأْمُورِ  الَّتِي يُبْطِلُهَا الْهَزْلُ لاَ الأْمُورُ الَّتِي لاَ يُبْطِلُهَا الْهَزْلُ؛  لأِنَّ السَّفِيهَ عِنْدَهُمَا فِي مَعْنَى الْهَازِلِ يَخْرُجُ كَلاَمُهُ عَنْ نَهْجِ كَلاَمِ الْعُقَلاَءِ لاِتِّبَاعِ الْهَوَى وَمُكَابَرَةِ الْعَقْلِ لاَ لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ، فَكَذَلِكَ السَّفِيهَ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِالْحَجْرِ بِالسَّفَهِ الطَّارِئِ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَشُرَيْحٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالأْوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

(2) وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ رَأْيُ زُفَرَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ .

هَلْ يُشْتَرَطُ حُكْمُ قَاضٍ بِالْحَجْرِ لِتَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ عَلَيْهِ؟.

5 - السَّفَهُ - كَمَا تَقَدَّمَ - عَلَى نَوْعَيْنِ:

(1سَفَهٌ يَعْقُبُ الصِّبَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْلُغَ سَفِيهًا.

(2وَسَفَهٌ يَطْرَأُ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ رَشِيدًا.

فَالأْوَّلُ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي افْتِقَارِهِ إِلَى قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى رَأْيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى قَضَاءِ قَاضٍ؛  لأِنَّ الْحَجْرَ سَيَدُومُ، وَذَلِكَ  لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ دَفْعَ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ عَلَى إِينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُمْ فَهُمْ مَحْجُورُونَ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِمْ بِقَضَاءٍ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.

وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ.

وَثَانِيهِمَا: افْتِقَارُهُ إِلَى قَضَاءِ قَاضٍ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَرَأْيُ أَبِي يُوسُفَ.

وَلِذَلِكَ أَجَازَ مَالِكٌ تَصَرُّفَاتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالسَّفِيهِ الْمُهْمَلِ؛  لأِنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّظَرِ وَالضَّرَرِ، فَفِي إِبْقَاءِ الْمِلْكِ لَهُ نَظَرٌ، وَفِي إِهْدَارِ قَوْلِهِ ضَرَرٌ، وَبِمِثْلِ هَذَا لاَ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ مِنْهُ إِلاَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي .

وَأَمَّا الثَّانِي: فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: لاَ يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ قَضَاءِ قَاضٍ بِذَلِكَ؛ لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «خُذُوا عَلَى يَدِ سُفَهَائِكُمْ» .

وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي الأْثَرِ الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ: «لآَتِيَنَّ عُثْمَانَ لِيَحْجُرَ عَلَيْكَ».

وَ لأِنَّ التَّبْذِيرَ يَخْتَلِفُ فَيَحْتَاجُ إِلَى الاِجْتِهَادِ وَإِذَا افْتَقَرَ السَّبَبُ إِلَى الاِجْتِهَادِ لَمْ يَثْبُتْ إِلاَّ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ.

وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مَا عَدَا مُحَمَّدَ بْنَ الْقَاسِمِ .

وَلاَ يَحْجُرُ عَلَيْهِ إِلاَّ الْحَاكِمُ، فَإِذَا أَرَادَ الْوَالِدُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلَدِهِ أَتَى الإْمَامَ لِيَحْجُرَ عَلَيْهِ .

الرَّأْيُ الثَّانِي: لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى قَضَاءِ قَاضٍ،  لأِنَّهُ يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُبَذِّرًا، كَمَا أَنَّ إِصْلاَحَهُ لِمَالِهِ يُطْلِقُهُ مِنَ الْحَجْرِ نَظَرًا لِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَزَوَالِهِ فَأَشْبَهَ الْمَجْنُونَ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمَرْجُوحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ .

الرَّأْيُ الثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ زَالَ عَنْهُ الْحَجْرُ بِرُشْدِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِلاَ حُكْمِ حَاكِمٍ ثُمَّ سَفِهَ عَادَ بِلاَ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَإِنْ زَالَ عَنْهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَلاَ بُدَّ مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعَوْدَتِهِ، وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ لِلْحَنَابِلَةِ.

وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَمَا رُفِعَ بِقَضَاءٍ فَلاَ يَعُودُ إِلاَّ بِقَضَاءٍ .

إِشْهَادُ الْقَاضِي عَلَى حَجْرِهِ أَوْ إِعْلاَنُهُ:

6 - ذَهَبَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قَضَاءِ قَاضٍ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حَجْرِهِ وَأَنْ يُظْهِرَ ذَلِكَ وَيُعْلِنَهُ وَيُشْهِرَهُ فِي الأْسْوَاقِ وَالْجَامِعِ؛ لِيَعْلَمَ النَّاسُ بِحَالِهِ، وَلِيَتَجَنَّبُوا مُعَامَلَتَهُ وَيُعْلِمَهُمْ أَنَّ مَنْ عَامَلَهُ فَقَدْ ضَيَّعَ مَالَهُ.

وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي النِّدَاءَ بِذَلِكَ جَعَلَ مَنْ يُنَادِي بِالنَّاسِ بِحَجْرِهِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ .

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلاَفِ فِي اشْتِرَاطِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي وَعَدَمِهِ مَا يَلِي:

إِذَا عَامَلَ السَّفِيهَ شَخْصٌ - عَلِمَ بِسَفَهِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ - بِشِرَاءٍ أَوْ إِقْرَاضٍ ثُمَّ تَلِفَ الشَّيْءُ الْمُشْتَرَى أَوْ ضَاعَ حَقُّ الْمُقْرِضِ، فَهَلْ يَضْمَنُ هُوَ أَوِ الضَّمَانُ عَلَى الشَّخْصِ الْمُتَعَامِلِ مَعَهُ؟

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مَرْدُودٌ وَلَوْ حَسُنَ تَصَرُّفُهُ، مَا لَمْ يَحْصُلِ الْفَكُّ عَنْهُ.

وَإِنْ تَعَامَلَ مَعَهُ أَحَدٌ وَهُوَ يَجْهَلُ فَأَفْعَالُهُ لاَ تُرَدُّ بِاتِّفَاقِ فُقَهَائِهِمْ.

وَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مُهْمَلاً لاَ وَلِيَّ لَهُ: فَتَصَرُّفُهُ مَاضٍ وَلاَزِمٌ، فَلاَ يُرَدُّ، وَلَوْ كَانَ بِدُونِ عِوَضٍ كَعِتْقٍ،  لأِنَّ عِلَّةَ الرَّدِّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَكُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ.

أَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ قَالَ: لاَ يَمْضِي؛  لأِنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لِلْحَجْرِ الْقَضَاءُ، وَعَلَى مَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهِ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ مُقَدَّمٍ الرَّدُّ، وَكَذَا لَهُ هُوَ الرَّدُّ بَعْدَ الرُّشْدِ.

أَمَّا بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ - فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ وَلَوْ حَسُنَ تَصَرُّفُهُ مَا لَمْ يَحْصُلِ الْفَكُّ عَنْهُ مِنْ وَصِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ مُقَدَّمٍ، وَهَذَا أَيْضًا عِنْدَ مَالِكٍ وَجُلِّ أَصْحَابِهِ؛ لِوُجُودِ عِلَّةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ - وَهُوَ السَّفَهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِذَا رَشَدَ فَتَصَرُّفُهُ مَاضٍ قَبْلَ الْفَكِّ؛  لأِنَّ الْعِلَّةَ مُجَرَّدُ السَّفَهِ وَقَدْ زَالَ بِرُشْدِهِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ  عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَكُونُ مَحْجُورًا إِلاَّ بَعْدَ قَضَاءِ قَاضٍ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ أَقْرَضَهُ شَخْصٌ مَالاً - بَعْدَ الْحَجْرِ - أَوْ بَاعَ مِنْهُ مَتَاعًا لَمْ يَمْلِكْهُ؛  لأِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الرُّشْدِ، فَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ بَاقِيَةً رُدَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً لَمْ يَضْمَنْهَا. عَلِمَ بِحَالِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلاَ يَضْمَنُ قَبْلَ فَكِّ الْحَجْرِ وَلاَ بَعْدَهُ  لأِنَّهُ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِحَالِهِ فَقَدْ تَعَامَلَ مَعَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَأَنَّ مَالَهُ سَيَضِيعُ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَقَدْ فَرَّطَ حِينَ تَرَكَ اسْتِظْهَارَ أَمْرِهِ وَدَخَلَ فِي مُعَامَلَتِهِ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَعَدَمُ ضَمَانِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، هُوَ إِجْمَاعُ الشَّافِعِيَّةِ.

7 - وَهَلْ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ بَاطِنًا؛ أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؟

اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

الْوَجْهُ الأْوَّلُ: يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ، وَبِهِ قَالَ الصَّيْدَلاَنِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الأْمِّ؛ وَذَلِكَ  لأِنَّ الْحَجْرَ لاَ يُبِيحُ لَهُ مَالَ غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: لاَ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَالنَّوَوِيِّ.

وَالتَّفْصِيلُ السَّابِقُ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا قَبَضَ السَّفِيهُ الْمَالَ مِنْ رَشِيدٍ بِإِذْنِهِ وَتَلِفَ الْمَقْبُوضُ قَبْلَ مُطَالَبَةِ صَاحِبِهِ بِهِ.

أَمَّا لَوْ قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ رَشِيدٍ أَوْ مِنْ رَشِيدٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ تَلِفَ بَعْدَ مُطَالَبَتِهِ صَاحِبَهُ بِهِ فَإِنَّ السَّفِيهَ يَضْمَنُ دُونَ خِلاَفٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ مَنْ عَامَلَ السَّفِيهَ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي وَأَتْلَفَ السَّفِيهُ الْمَالَ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ عَامَلَهُ عَلِمَ بِالْحَجْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ - كَمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ - وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمُعَامِلُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَيْهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ السَّفِيهُ هُوَ الَّذِي تَسَلَّطَ عَلَيْهِ دُونَ إِذْنِ صَاحِبِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ إِنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ  لأِنَّهُ لاَ تَفْرِيطَ مِنْ مَالِكِهِ .

نَقْضُ قَرَارِ الْقَاضِي بِالْحَجْرِ بِقَرَارِ قَاضٍ آخَرَ:

7 م - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا حَجَرَ قَاضٍ عَلَى سَفِيهٍ، ثُمَّ رُفِعَ الْقَرَارُ إِلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَطْلَقَ حَجْرَهُ وَأَجَازَ مَا كَانَ بَاعَهُ أَوِ اشْتَرَاهُ أَوْ تَصَرَّفَ بِهِ حَالَةَ الْحَجْرِ وَلَمْ يَرَ حَجْرَ الأْوَّلِ شَيْئًا جَازَ إِطْلاَقُهُ وَإِبْطَالُ حَجْرِهِ.

 لأِنَّهُ لَوْ تَحَوَّلَ رَأْيُ الأْوَّلِ فَأَطْلَقَ عَنْهُ الْحَجْرَ جَازَ فَكَذَلِكَ الثَّانِي:

وَذَلِكَ  لأِنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ.

ثُمَّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً مِنَ الْقَاضِي؛  لأِنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَدْعِي مَقْضِيًّا لَهُ وَمَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا مِنْهُ، وَقَدْ رَأَى الآْخَرُ النَّظَرَ لَهُ فِي إِطْلاَقِهِ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ مِنْهُ .

فَكُّ الْحَجْرِ عَنِ السَّفِيهِ:

8 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمُ الصَّاحِبَانِ الْقَائِلُونَ بِالْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ يَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ يُفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ إِلاَّ بَعْدَ إِينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ لاَ يُحْجَرُ عَلَى الْبَالِغِ إِلاَّ أَنَّهُ يُمْنَعُ الْوَلِيُّ مِنْ دَفْعِ مَالِهِ إِلَيْهِ إِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَامًا مِنْ عُمْرِهِ، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ دَفَعَ إِلَيْهِ أَمْوَالَهُ رَشَدَ أَمْ لَمْ يَرْشُدْ.

وَاسْتَدَلَّ: بِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ فَلاَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِالرَّشِيدِ.

وَبِأَنَّ فِي الْحَجْرِ سَلْبَ وِلاَيَتِهِ وَإِهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ، وَهُوَ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنَ التَّبْذِيرِ.

فَلاَ يُحْتَمَلُ الضَّرَرُ الأْعْلَى  لِدَفْعِ الأْدْنَى؛ وَ لأِنَّ الْغَالِبَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ إِينَاسُ الرُّشْدِ،  لأِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَدًّا فِيهَا وَلِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه إِنَّهُ يَنْتَهِي لُبُّ الرَّجُلِ إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً . وَقَدْ فُسِّرَ الأْشُدُّ بِذَلِكَ فِي قوله تعالي: ) حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) .

 مَنْ يَفُكُّ حَجْرَ السَّفِيهِ:

9 - السَّفَهُ - كَمَا تَقَدَّمَ - نَوْعَانِ: نَوْعٌ اسْتَمَرَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَآخَرُ طَرَأَ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا.

أَمَّا إِذَا كَانَ قَدِ اسْتَمَرَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ: فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زَوَالِ الْحَجْرِ عَنْهُ عَلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ:

أَحَدُهَا: إِنَّهُ يَزُولُ بَعْدَ زَوَالِ السَّفَهِ وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، أَوْ فَكِّ وَلِيٍّ، أَوْ إِذْنِ زَوْجٍ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلُ مَنْ لاَ يَرَى لُزُومَ حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ.

وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ بِدُونِ حُكْمِ حَاكِمٍ فَيَزُولُ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ كَالْحَجَرِ عَلَى الْمَجْنُونِ .

وَثَانِيهَا: لاَ بُدَّ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ فِي زَوَالِهِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ؛  لأِنَّ الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ.

وَعُلِّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَلاَ يُفَكُّ إِلاَّ بِقَرَارٍ مِنْهُ.

وَثَالِثُهَا: إِنْ كَانَ وَلِيُّهُ الْوَصِيَّ أَوْ مُقَدَّمَ الْقَاضِي فَلاَ يَحْتَاجُ فَكُّهُمَا الْحَجْرَ عَنْهُ إِلَى إِذْنِ الْقَاضِي بَلْ هُمَا يَفُكَّانِهِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ الأْبُ فَإِنَّهُ يَفُكُّ عَنْهُ بِرُشْدِهِ، إِلاَّ إِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الرُّشْدِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .

وَإِنْ طَرَأَ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَذْهَبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ لِفَكِّهِ قَضَاءُ قَاضٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَجَمِيعُ مَنْ يُشْتَرَطُ لِحَجْرِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ.

وَعَلَّلُوا ذَلِكَ: بِأَنَّهُ ثَبَتَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَلاَ يَزُولُ إِلاَّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ .

وَثَانِيهِمَا: لاَ يُشْتَرَطُ قَضَاءُ الْقَاضِي لِزَوَالِهِ بَلْ يَكْفِي انْتِفَاءُ السَّفَهِ عَنْهُ لاِعْتِبَارِهِ رَشِيدًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ،  لأِنَّهُ حَجْرٌ سَبَبُهُ السَّفَهُ وَقَدْ زَالَ كَالصِّغَرِ وَالْجُنُونِ .

ادِّعَاءُ الرُّشْدِ أَوِ السَّفَهِ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ:

10 - إِذَا ادَّعَى الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَنَّهُ قَدْ رَشَدَ وَأَقَامَ الْوَلِيُّ أَوِ الْوَصِيُّ بَيِّنَةً أُخْرَى بِا لسَّفَهِ أَوْ بِاسْتِمْرَارِهِ.

فَإِنْ ذَكَرَتِ الْبَيِّنَتَانِ التَّارِيخَ وَاخْتَلَفَ أُخِذَ بِذَاتِ التَّارِيخِ الْمُتَأَخِّرِ.

وَإِنْ جَاءَتَا مُقَيَّدَتَيْنِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَاسْتَوَتَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ السَّفَهِ.

وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ؛  لأِنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ - وَهُوَ اسْتِصْحَابُ الأْصْلِ. إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِقَبُولِ شَهَادَةِ السَّفَهِ وَالرُّشْدِ بَيَانُ سَبَبِهِمَا؛ إِذْ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ بَعْضَ الصَّرْفِ هُوَ نَوْعٌ مِنَ السَّرَفِ - كَأَنْ يَأْكُلَ وَيَلْبَسَ الأْشْيَاءَ النَّفِيسَةَ اللاَّئِقَةَ بِأَمْثَالِهِ - وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَرَفٍ، وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ إِصْلاَحَ نَوْعٍ مِنَ التَّصَرُّفِ هُوَ رُشْدٌ، لِذَلِكَ لاَ بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ السَّفَهِ وَالرُّشْدِ.

أَمَّا إِذَا جَاءَتْ مُطْلَقَةً عَنِ التَّوْقِيتِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الرُّشْدِ .

الْوِلاَيَةُ عَلَى مَالِ السَّفِيهِ:

11 - تَقَدَّمَ أَنَّ السَّفَهَ قِسْمَانِ: مُسْتَمِرٌّ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَطَارِئٌ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا.

(1فَإِنْ كَانَ الأْوَّلُ: فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الأْوْلَى بِالْوِلاَيَةِ الأْبُ ثُمَّ وَصِيُّهُ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ لَمْ يُوصِ الأْبُ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُقِيمَ أَمِينًا فِي النَّظَرِ فِي أَقْوَالِهِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ.

ثُمَّ بَعْدَ وَصِيِّ الأْبِ الْحَاكِمُ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ لَمْ يُوجَدِ الْحَاكِمُ فَأَمِينٌ يَقُومُ بِهِ .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الأْبُ، ثُمَّ وَصِيُّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ، ثُمَّ الْجَدُّ الصَّحِيحُ وَإِنْ عَلاَ، ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّهُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الأْوْلَى  الأْبُ ثُمَّ الْجَدُّ؛  لأِنَّهُمَا أَشْفَقُ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانُ .

وَقَدِ اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْوِلاَيَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلسُّلْطَانِ أَوْ لِلْقَاضِي فَقَطْ؛  لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُعِيدُ عَلَيْهِ الْحَجْرَ وَيَفُكُّهُ، إِذْ وِلاَيَةُ الأْبِ وَنَحْوِهِ قَدْ زَالَتْ فَيَنْظُرُ لَهُ مَنْ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ.

أَمَّا الرَّأْيُ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالاِسْتِحْسَانُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - فَالأْوْلَى  بِذَلِكَ هُوَ مَنْ ذُكِرَ فِي السَّفَهِ الاِسْتِمْرَارِيِّ .

(2وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ إِطْلاَقِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ السَّفَهِ الاِسْتِمْرَارِيِّ وَالطَّارِئِ فِي الْوِلاَيَةِ، فَالأْحَقُّ الأْبُ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْحَاكِمُ .

وَلاَ وِلاَيَةَ لِلأْمِّ إِلاَّ عَلَى قَوْلِ الأْثْرَمِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: حَيْثُ تَجُوزُ وِلاَيَةُ الأْمِّ إِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيٌّ.

كَمَا لاَ وِلاَيَةَ لِلْجَدِّ وَالْعَصَبَاتِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَتَعْلِيلُ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ لِلْجَدِّ وَالْعَصَبَاتِ وِلاَيَةً عَلَى الْمَالِ دُونَ النِّكَاحِ: أَنَّ الْمَالَ مَحَلُّ الْخِيَانَةِ، وَغَيْرُ الأْبِ وَوَصِيِّهِ وَالْقَاضِي قَاصِرٌ عَنْهَا غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْمَالِ.

وَشُرُوطُ الْوَلِيِّ وَوَاجِبَاتُهُ وَمَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ أَوْ لاَ يَجُوزُ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (وِلاَيَة).

أَثَرُ السَّفَهِ فِي الأْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ:

19 - قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: السَّفِيهُ مِثْلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ إِلاَّ فِي الطَّلاَقِ وَاسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ وَنَفْيِهِ وَالْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ، وَالإْقْرَارِ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ .

نَفَقَةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ:

25 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُنْفَقُ عَلَى السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَكَذَا يُنْفَقُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ وَلِيُّهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ  لأِنَّ النَّفَقَةَ مِنْ حَوَائِجِهِ وَ لأِنَّهَا حَقُّ أَقْرِبَائِهِ عَلَيْهِ، وَالسَّفَهُ لاَ يُبْطِلُ حَقَّ اللَّهِ وَلاَ حَقَّ النَّاسِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والثلاثون ، الصفحة / 260

غَفْلَة

التَّعْرِيفُ

1 - الْغَفْلَةُ فِي اللُّغَةِ غَيْبَةُ الشَّيْءِ عَنْ بَالِ الإْنْسَانِ وَعَدَمُ تَذَكُّرِهِ لَهُ، وَرَجُلٌ مُغَفَّلٌ عَلَى لَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنَ التَّغْفِيلِ، وَهُوَ الَّذِي لاَ فِطْنَةَ لَهُ .

وَالْغَفْلَةُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ ضِدُّ الْفَطَانَةِ، وَذُو الْغَفْلَةِ (الْمُغَفَّلُ) هُوَ مَنِ اخْتَلَّ ضَبْطُهُ وَحِفْظُهُ، وَلاَ يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ، فَيُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِسَلاَمَةِ قَلْبِهِ، وَعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ الْقُوَّةَ الْمُنَبِّهَةَ مَعَ وُجُودِهَا .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - السَّفَهُ:

2 - السَّفَهُ: خِفَّةٌ تَبْعَثُ الإْنْسَانَ عَلَى الْعَمَلِ فِي مَالِهِ بِخِلاَفِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ، مَعَ عَدَمِ اخْتِلاَلِهِ، فَالسَّفِيهُ يَصْرِفُ مَالَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَيُبَذِّرُ فِي مَصَارِفِهِ، وَيُضَيِّعُ أَمْوَالَهُ وَيُتْلِفُهَا بِالإْسْرَافِ .

وَالصِّلَةُ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ كُلٍّ مِنْ ذِي الْغَفْلَةِ وَالسَّفِيهِ قَدْ تَكُونُ مُضَيِّعَةً لِلْمَالِ.

ب - الْعَتَهُ:

3 - الْعَتَهُ: نَقْصُ الْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ أَوْ دَهْشٍ. وَيَخْتَلِفُ الْعَتَهُ عَنِ الْغَفْلَةِ: بِأَنَّ الْعَتَهَ يَكُونُ خَلَلاً فِي الْعَقْلِ بِخِلاَفِ الْغَفْلَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ بِالنِّسْيَانِ أَوْ عَدَمِ الاِهْتِدَاءِ إِلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ .

الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:

تَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ لأِحْكَامِ الْغَفْلَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَوَّلاً - الْحَجْرُ بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ:

4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحَجْرِ عَلَى ذِي الْغَفْلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْحَجْرِ عَلَيْهِ لِغَفْلَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَصِلْ فِي غَفْلَتِهِ إِلَى حَدِّ السَّفَهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (حَجْر ف 15)

ثَانِيًا - شَهَادَةُ الْمُغَفَّلِ:

5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ: الْحِفْظُ وَالضَّبْطُ. فَالْمُغَفَّلُ أَيْ مَنْ لاَ يَسْتَعْمِلُ الْقُوَّةَ الْمُنَبِّهَةَ مَعَ وُجُودِهَا لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، كَمَا لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ؛ لأِنَّ  الثِّقَةَ لاَ تَحْصُلُ بِقَوْلِهِ؛ لاِحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُ مِمَّا غَلِطَ فِيهِ.

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا لاَ يُخْتَلَطُ فِيهِ مِنَ الْبَدِيهِيَّاتِ، كَرَأَيْتُ هَذَا يَقْطَعُ يَدَ هَذَا، أَوْ يَأْخُذُ مَالَ هَذَا .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَة ف 23)

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الرابع والثلاثون ، الصفحة / 75

قِوَامَة

التَّعْرِيفُ:

1 - الْقِوَامَةُ فِي اللُّغَةِ مِنْ قَامَ عَلَى الشَّيْءِ يَقُومُ قِيَامًا: أَيْ حَافَظَ عَلَيْهِ وَرَاعَى مَصَالِحَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْقَيِّمُ وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَى شَأْنِ شَيْءٍ وَيَلِيهِ وَيُصْلِحُهُ، وَالْقِوَامُ عَلَى وَزْنِ فِعَالٍ لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ الْقِيَامِ عَلَى الشَّيْءِ وَالاِسْتِبْدَادِ بِالنَّظَرِ فِيهِ وَحِفْظِهِ بِالاِجْتِهَادِ.

قَالَ الْبَغَوِيُّ: الْقِوَامُ وَالْقَيِّمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْقِوَامُ أَبْلَغُ وَهُوَ الْقَائِمُ بِالْمَصَالِحِ وَالتَّدْبِيرِ وَالتَّأْدِيبِ .

وَبِتَتَبُّعِ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْقِوَامَةُ عَلَى الْمَعَانِي الآْتِيَةِ:

أ - وِلاَيَةٌ يُفَوِّضُهَا الْقَاضِي إِلَى شَخْصٍ كَبِيرٍ رَاشِدٍ بِأَنْ يَتَصَرَّفَ لِمَصْلَحَةِ الْقَاصِرِ فِي تَدْبِيرِ شُئُونِهِ الْمَالِيَّةِ  (ر: قَيِّمٌ).

وَكَثِيرًا مَا يُسَمِّي الْفُقَهَاءُ الْقَيِّمَ بِهَذَا الْمَعْنَى وَصِيَّ الْقَاضِي  وَيُسَمِّي الْمَالِكِيَّةُ الْقَيِّمَ مُقَدَّمَ الْقَاضِي .

ب - وِلاَيَةٌ يُفَوِّضُ بِمُوجِبِهَا صَاحِبُهَا بِحِفْظِ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ وَالْعَمَلِ عَلَى إِبْقَائِهِ صَالِحًا نَامِيًا بِحَسَبِ شَرْطِ الْوَاقِفِ .

ج - وِلاَيَةٌ يُفَوَّضُ بِمُوجِبِهَا الزَّوْجُ بِتَدْبِيرِ شُئُونِ زَوْجَتِهِ وَتَأْدِيبِهَا وَإِمْسَاكِهَا فِي بَيْتِهَا وَمَنْعِهَا مِنَ الْبُرُوزِ .

وَيَسْتَعْمِلُ الْفُقَهَاءُ الْقَيِّمَ وَالنَّاظِرَ وَالْمُتَوَلِّيَ فِي بَابِ الْوَقْفِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ .

 الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الإْيصَاءُ:

2 - الإْيصَاءُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ أَوْصَى، يُقَالُ أَوْصَى فُلاَنٌ بِكَذَا يُوصِي إِيصَاءً، وَالاِسْمُ الْوِصَايَةُ (بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا) وَهُوَ أَنْ يَعْهَدَ إِلَى غَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ مِنَ الأْمُورِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقِيَامُ بِذَلِكَ الأْمْرِ  فِي حَالِ حَيَاةِ الطَّالِبِ أَمْ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ .

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَالإْيصَاءُ بِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ هُوَ إِقَامَةُ الإْنْسَانِ  غَيْرَهُ مَقَامَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي تَصَرُّفٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، أَوْ فِي تَدْبِيرِ شُئُونِ أَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ وَرِعَايَتِهِمْ، وَذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُقَامُ يُسَمَّى الْوَصِيَّ.

أَمَّا إِقَامَةُ غَيْرِهِ مُقَامَهُ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَلاَ يُقَالُ لَهُ فِي الاِصْطِلاَحِ إِيصَاءٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ وَكَالَةٌ. (ر: إِيصَاءٌ ف 1).

وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ بِأَنَّ الْقَيِّمَ مَنْ فُوِّضَ إِلَيْهِ حِفْظُ الْمَالِ وَالْقِيَامُ عَلَيْهِ وَجَمْعُ الْغَلاَّتِ دُونَ التَّصَرُّفِ، وَالْوَصِيُّ مَنْ فُوِّضَ إِلَيْهِ التَّصَرُّفُ وَالْحِفْظُ جَمِيعًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالتَّصَرُّفِ وَالْحِفْظِ جَمِيعًا، وَعَقَّبَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مَازَهْ بِقَوْلِهِ: لَكِنَّ هَذَا الْفَرْقَ كَانَ مِنْ قَبْلُ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْقَيِّمِ وَالْوَصِيِّ .

ب - الْوَكَالَةُ:

3 - الْوَكَالَةُ: إِقَامَةُ الشَّخْصِ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَصَرُّفٍ مَمْلُوكٍ قَابِلٍ لِلنِّيَابَةِ لِيَفْعَلَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَهِيَ تُشْبِهُ الْقِوَامَةُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ تَفْوِيضٌ لِلْغَيْرِ فِي الْقِيَامِ بِبَعْضِ الأْمُورِ نِيَابَةً عَمَّنْ فَوَّضَهُ إِلاَّ أَنَّ الْقِوَامَةُ تَخْتَلِفُ عَنِ الْوَكَالَةِ فِي أَنَّ التَّفْوِيضَ فِي الْقِوَامَةُ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي غَالِبًا، أَمَّا الْوَكَالَةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّفْوِيضُ فِيهَا مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي.

ج - الْوِلاَيَةُ:

4 - الْوِلاَيَةُ فِي اللُّغَةِ: الْمَحَبَّةُ وَالنُّصْرَةُ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ، وَمِنْهُ وِلاَيَةُ الْوَصِيِّ وَقَيِّمِ الْوَقْفِ وَوِلاَيَةُ وُجُوبِ أَدَاءِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ . وَالْوِلاَيَةُ أَعَمُّ مِنَ الْقِوَامَةُ.

أَحْكَامُ الْقِوَامَةُ:

(لِلْقِوَامَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا: )

الْقِوَامَةُ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ:

5 - تَثْبُتُ الْقِوَامَةُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْمَعْتُوهِ، وَالسَّفِيهِ، وَذِي الْغَفْلَةِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ لَهُ الْوِلاَيَةُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَقَدَّمَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَنْ رَآهُ أَشْفَقَ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَأَحْرَصَ عَلَى مَصْلَحَتِهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي (وِلاَيَةٌ) (وَوَصِيٌّ) (وَقَيِّمٌ ف 4) (وَإِيصَاءٌ ف9، 11).

نَصْبُ الْقَيِّمِ عَلَى مَالِ الْمَفْقُودِ:

6 - إِذَا غَابَ الرَّجُلُ فَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَوْضِعٌ وَلاَ يُعْلَمُ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ نَصَبَ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ، وَيَقُومُ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ؛ لأِنَّ  الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لِكُلِّ عَاجِزٍ عَنِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَالْمَفْقُودُ عَاجِزٌ عَنْهُ، فَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَفِي نَصْبِ مَا ذُكِرَ نَظَرٌ لَهُ فَيُفْعَلُ . وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: مَفْقُودٌ).

قَيِّمٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْقَيِّمُ فِي اللُّغَةِ: مَنْ قَامَ بِالأْمْرِ  قِيَامًا وَقَوْمًا: اهْتَمَّ بِهِ بِالرِّعَايَةِ وَالْحِفْظِ، وَمِنْهُ قوله تعالي : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)  وَالْقَوَّامُ اسْمٌ لِمَنْ يَكُونُ مُبَالِغًا فِي الْقِيَامِ بِالأْمْرِ ، وَقَيِّمُ الْيَتِيمِ هُوَ الَّذِي يَقُومُ بِأَمْرِهِ، وَيَتَعَهَّدُ شُئُونَهُ بِالرِّعَايَةِ وَالْحِفْظِ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ مَنْ يُعَيِّنُهُ الْحَاكِمُ لِتَنْفِيذِ وَصَايَا مَنْ لَمْ يُوصِ مُعَيَّنًا لِتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ، وَالْقِيَامِ بِأَمْرِ الْمَحْجُورِينَ مِنْ أَوْلاَدِهِ مِنْ أَطْفَالٍ، وَمَجَانِينَ وَسُفَهَاءَ، وَحِفْظِ أَمْوَالِ الْمَفْقُودِينَ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُمْ وَكِيلٌ .

وَيُسَمِّيهِ الْمَالِكِيَّةُ: مُقَدَّمَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبَ الْقَاضِي  .

 الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْوَصِيُّ:

2 - الْوَصِيُّ هُوَ مَنْ يَعْهَدُ إِلَيْهِ الأْبُ  أَوِ الْجَدُّ أَوِ الْقَاضِي بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ مَوْتِ الأْبِ أَوِ الْجَدِّ فِيمَا كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ شُئُونِهِ: كَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَاقْتِضَائِهَا، وَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَالْوَدَائِعِ، وَاسْتِرْدَادِهَا، وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ وَالْوِلاَيَةِ عَلَى أَوْلاَدِهِ الَّذِينَ لَهُ الْوِلاَيَةُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَطْفَالٍ وَمَجَانِينَ وَسُفَهَاءَ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِهِمْ، بِحِفْظِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِمَا لَهُمْ فِيهِ الْحَظُّ .

وَالصِّلَةُ أَنَّ الْوَصِيَّ أَعَمُّ مِنَ الْقَيِّمِ.

ب - الْوَكِيلُ:

3 - الْوَكِيلُ هُوَ مَنْ يَقُومُ بِشُئُونِ الْغَيْرِ بِتَفْوِيضٍ مِنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ  وَالْوَكِيلُ يُنَصِّبُهُ الشَّخْصُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَالْقَيِّمُ يُنَصِّبُهُ الْقَاضِي. الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقَيِّمِ:

يَتَعَلَّقُ بِالْقَيِّمِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

تَرْتِيبُهُ فِي وِلاَيَةِ الْمَحْجُورِينَ:

4 - وِلاَيَةُ الْقَيِّمِ، بَعْدَ وِلاَيَةِ الأْبِ، وَالْجَدِّ، وَوَصِيِّهِمَا وَوَصِيِّ وَصِيِّهِمَا مُطْلَقًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْوَلِيُّ مِنَ الإْيصَاءِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِي الإْيصَاءِ فِي الأْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّهُ : يَسْتَفِيدُهَا مِنَ الْقَاضِي، وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ هَؤُلاَءِ  لِخَبَرِ: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ» ؛ وَلأِنَّ  الأْبُوَّةَ  دَاعِيَةٌ إِلَى كَمَالِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ لِوُفُورِ شَفَقَةِ الأْبِ، وَوَصِيُّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ؛ لأِنَّهُ  اخْتَارَهُ وَرَضِيَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا اخْتَارَهُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ إِلاَّ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ شَفَقَتَهُ عَلَى وَرَثَتِهِ مِثْلُ شَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ وَكَذَا الْجَدُّ، وَوَصِيُّهُ؛ وَلأِنَّ  شَفَقَةَ الأْبِ وَالْجَدِّ تَنْشَأُ عَنِ الْقَرَابَةِ، وَوَصِيُّهُمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا، بِخِلاَفِ الْقَاضِي وَوَصِيِّهِ، فَإِنَّهَا تَنْشَأُ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ الْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ وَالتَّقْوَى فَتَأَخَّرَتْ وِلاَيَتُهُ عَنْ وِلاَيَتِهِمَا، وَوَصِيُّهُ نَائِبٌ عَنْهُ .

تَصَرُّفَاتُ الْقَيِّمِ:

5 - الْقَيِّمُ كَوَصِيِّ الْمَيِّتِ فِي التَّصَرُّفَاتِ  إِلاَّ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ، وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ فِي مُعْظَمِهَا.

الأْولَى: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَيِّمِ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ وَلاَ أَنْ يَبِيعَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، بِخِلاَفِ وَصِيِّ الأْصْلِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِيهِ لِلْمَحْجُورِ غِبْطَةٌ ظَاهِرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَشْتَرِي الْوَصِيُّ مُطْلَقًا مِنَ التَّرِكَةِ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ؛ لأِنَّهُ  يُتَّهَمُ عَلَى الْمُحَابَاةِ فَإِنِ اشْتَرَى شَيْئًا مِنَ التَّرِكَةِ تَعَقَّبَهُ الْحَاكِمُ بِالنَّظَرِ فِي الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ كَانَ صَوَابًا أَمْضَاهُ وَإِلاَّ رَدَّهُ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ مَالِ الْمُوصَى عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَلاَ بَيْعُ مَالِ نَفْسِهِ لَهُ، وَالْقَاضِي وَأَمِينُهُ كَالْوَصِيِّ، وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ كَالطِّفْلِ أَمَّا الأْبُ  وَالْجَدُّ فَلَهُمَا ذَلِكَ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ وَلِيُّ صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ؛ لأِنَّهُ  مَظِنَّةُ التُّهْمَةِ أَمَّا الأْبُ  فَلَهُ ذَلِكَ .

الثَّانِيَةُ: إِذَا خَصَّصَ الْقَاضِي وِلاَيَةَ الْقَيِّمِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ تَخَصَّصَ بِهِ فَلاَ يُجَاوِزُهُ، بِخِلاَفِ وَصِيِّ الأْصْلِ.

وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: لَيْسَ لِلْوَصِيِّ مُطْلَقًا أَنْ يَتَجَاوَزَ مَا خَصَّصَ لَهُ الْمُوصِي فِي التَّصَرُّفَاتِ وَلاَ يَكُونُ وَصِيًّا فِي غَيْرِ مَا خَصَّصَ لَهُ الْمُوصِي؛ لأِنَّهُ  اسْتَفَادَ التَّصَرُّفَ بِإِذْنِ الْمُوصِي فَكَانَ مَقْصُورًا عَلَى مَا أَذِنَ لَهُ .

الثَّالِثَةُ: جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لاَ يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤَجِّرَ الصَّغِيرَ لِعَمَلٍ مَا، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى تَسْلِيمُهُ فِي حِرْفَةٍ. وَفِي أَدَبِ الأْوْصِيَاءِ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَ الْيَتِيمِ وَعَقَارَاتِهِ وَسَائِرَ أَمْوَالِهِ وَلَوْ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ وَلِلْحَاكِمِ أَوْ مَنْ يُقِيمُهُ أَنْ يَبِيعَ مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ لِبَيْعِهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّسَوُّقُ بِالْمَبِيعِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يُجْبِرُ الْقَاضِي الصَّبِيَّ وَالسَّفِيهَ عَلَى الاِكْتِسَابِ إِنْ كَانَ لَهُمَا كَسْبٌ لِيَرْتَفِقَا بِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا .

الرَّابِعَةُ: لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ وَصِيِّ الأْصْلِ إِنْ ضَعُفَ عَنِ الْكِفَايَةِ، بَلْ يَضُمُّ إِلَيْهِ مَنْ يُعِينُهُ، فَمَنْصُوبُ الأْصْلِ يُحْتَفَظُ بِهِ مَا أَمْكَنَ وَلاَ يُعْزَلُ عَنِ التَّصَرُّفِ، وَلَهُ عَزْلُ الْقَيِّمِ؛ لأِنَّهُ  هُوَ الَّذِي وَلاَّهُ .

الْخَامِسَةُ: لاَ يَمْلِكُ الْقَيِّمُ الْقَبْضَ إِلاَّ بِإِذْنٍ مُبْتَدَأٍ مِنَ الْقَاضِي بَعْدَ الإْيصَاءِ، بِخِلاَفِ وَصِيِّ الأْصْلِ .

 السَّادِسَةُ: لِلْقَاضِي نَهْيُ الْقَيِّمِ عَنْ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ وَلَيْسَ لَهُ نَهْيُ وَصِيِّ الْمَيِّتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: يَسْتَوِيَانِ فِي امْتِنَاعِ مَا مَنَعَ مِنْهُمَا .

(ر: وَصِيٌّ).

السَّابِعَةُ: لَيْسَ لِلْقَيِّمِ نَصْبُ وَصِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ وَإِذَا فَعَلَ لاَ يَصِيرُ الثَّانِي وَصِيًّا، بِخِلاَفِ وَصِيِّ الأْصْلِ، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لاَ يَكُونُ وَصِيُّ وَصِيِّ الأْصْلِ وَصِيًّا إِلاَّ إِذَا أَذِنَ الأْصْلُ  فِي حَيَاتِهِ لِوَصِيِّهِ بِذَلِكَ .

(ر: وَصِيٌّ).

 _________________________________________________________________

مجلة الأحكام العدلية

المادة (957) المحجورون

الصغير والمجنون والمعتوه محجورون لذاتهم.

مادة (958) الحجز على السفيه

للحاكم أن يحجر على السفيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 175)
المحجور عليه لصغر سنه وعدم تمييزه تصرفاته وعقوده باطلة لا تنعقد أصلاً سواء كانت نافعة له أو مضرة أو دائرة بين النفع والضرر.
والكبير المجنون جنوناً غالباً على عقله حكمه حكم الصغير الذي لا يعقل فلا تصحح عقوده التي يعقدها حال جنونه بل تكون باطلة أيضاً فإن كان يجن تارة ويفيق أخرى فعقوده التي يعقدها حال إفاقته وهو تام العقل تكون صحيحة نافذة.

(مادة 176)
إذا كان المحجر عليه صبياً مميزاً أو كبيراً معتوهاً تصح تصرفاته وعقوده التي تكون نافعة له نفعاً محضاً وتنفذ ولو لم يجزها الولي أو الوصي وأما تصرفاته وعقوده المضرة بمصلحته ضرراً محضاً فهي كتصرفات الصبي غير المميز وعقوده لا تصح أصلاً ولو أجازها الولي أو الوصي.

(مادة 179)
المحجور عليه حجراً قضائياً بسفه وسوء تصرف في ماله حكمه حكم الصبي المميز في التصرفات التي تحتمل الفسخ ويبطلها الهزل كالبيع والإجارة ونحوهما فلا تنفذ عقوده فيها إلا إذا أجازها القاضي فإن أجازها نفذت وإن ردها بطلت.
وإنما تصح تصرفاته التي لا تحتمل الفسخ كالنكاح والطلاق والإعتاق والاستيلاد والتدبير وهو في وجوب زكاة وفطرة وحج وعبادات وزوال ولاية أبيه أوجده وفي صحة إقراره بالعقوبات وفي الإنفاق على من تلزمه نفقتهم وفي وصاياه بالقرب من ثلث ماله إن كان له وارث كبالغ.