loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني : الجزء الثاني، الصفحة : 572

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - ليس الشرط الجزائي في جوهره إلا مجرد تقدير اتفاق للتعويض الواجب أداؤه ، فلا يعتبر بذاته مصدراً لوجوب هذا التعويض، بل للوجوب مصدر آخر قد يكون التعاقد في بعض الصور، وقد يكون العمل غير المشروع في صور أخرى ، فلا بد لاستحقاق الجزاء المشروط، إذن ، من اجتماع الشروط الواجب توافرها للحكم بالتعويض : وهي الخطأ والضرر والإعذار.

2 - فيشترط أولاً توافر الخطأ ويتفرع على ذلك أن الجزاء المشروط لا يجوز استيفاؤه ، متى أصبح الوفاء بالالتزام مستحيلاً ، من جراء سبب أجنبي لا يد للمدين فيه (أنظر المادة 163 فقرة 2 من تقنيين الالتزامات السويسري ، والمادة 677 من التقنين البرتغالي) ، بيد أن الاتفاق على مخالفة هذا الحكم يقع صحيحاً ، بوصفه اشتراطاً من اشتراطات التشديد من المسئولية ، يقصد منه إلى تحميل المدين تبعة الحادث الفجائي ويراعي من ناحية أخرى أن الجزاء المشروط لا يستحق ، إلا إذا كانت استحالة الوفاء عيناً بالالتزام الأصيل راجعة إلى خطأ المدين ، شأنه من هذا الوجه شأن التعويض تماماً، فليس للدائن أن يستأذن هذا الجزاء ، وليس للمدين أن يعرض أداءه ، ما دام الوفاء العيني ممكناً ، ومؤدى ذلك أن الشرط الجزائي ليس بمنزلة التزام بدلى أو تخییری (أنظر مع ذلك المادة 98 /152 من التقنين المصرى).

3 - ويشترط فضلاً عما تقدم توافر الضرر ، فهو بذاته مناط تقدير الجزاء الواجب أداؤه ويترتب على هذا أن انتفاء الضرر يستتبع سقوط الجزاء المشروط ، ويقع عبء إثبات ذلك على عاتق المدين ، وإذا كانت قيمة الضرر أقل من مقدار الجزاء المشروط ، وجب إنقاص هذا المقدار ، حتى يكون معادلاً لتلك القيمة ، وتفريعاً على ذلك أجيز للمدين أن يطلب انتقاص الجزاء المشروط ، إذا أقام الدليل على وفائه بالالتزام الأصلي وفاءً جزئياً ، أو إذا كان هذا الجزاء فادحاً بصورة بينة (أنظر استئناف مصر، دوائر مجتمعة، 2 ديسمبر سنة 1926 المحاماة 7 ص 331 رقم 232 ، وعكس ذلك استئناف مختلط ، دوائر مجتمعة ، 9 فبراير سنة 1922 ب 34  ص 155).

أما إذا جاوزت قيمة الضرر مقدار الجزاء ، فليس للدائن أن يطالب بزيادة هذا المقدار، إلا إذا أقام الدليل على أن المدين قد ارتكب غشاً أو خطئاً جسيماً ، ذلك أن الشرط الجزائي ، في أحوال الخطأ البسيط، يكون بمثابة اشتراط من اشتراطات الإعفاء من المسؤولية من وجه ، وغني عن البيان أن تلك الاشتراطات تكون صحيحة فيما يتعلق بالخطأ التعاقدي البسيط ، وتطل فيما يتعلق بالغش والخطأ الجسيم .

وكذلك يكون الحكم إذا قصد من المبالغة في تفاهة مقدار الجزاء المشروط إلى ستر حقيقة اشتراط من اشتراطات الإعفاء من المسئولية (أنظر المادة 267 من التقنين اللبناني).

4 - ويشترط أخيراً إعذار المدين ، فقد تقدم أن الشرط الجزائي ليس إلا تقديراً للتعويض ، ولما كان للتعويض لا يستحق الا بعد الإعذار ، فليس للدائن أن يطالب بتطبيق الجزاء ، إلا بعد اتخاذ هذا الإجراء في مواجهة المدين و بدیهی أن هذا الحكم لا يسري إلا حيث يكون توجيه الإعذار ضرورياً. 

5 - وليس يبقى بعد ذلك سوى أمر التفريق بين الشرط الجزائي وبين ما قد يشتبه به من أوضاع ، فهو يقوم على تحديد مقدار التعويض الواجب أداؤه «مقدماً» قبل استحقاقه ، سواء أدرج في صلب العقد، أم ذكر في اتفاق لاحق وهو بهذا يفترق عن الصلح أو التجديد ، إذ ينعقد كلاهما بعد أن يصبح التعويض مستحقاً ، إما لحسم نزاع بشأن تقدر هذا التعويض ، وإما للاستعاضة عنه بدين جدي د، ويفترق الشرط الجزائي عن العربون كذلك ، فالعربون لا يكون بمثابة تقدير للتعويض على وجه الإطلاق ، بل يكون وسيلة لإثبات خیار العدول ، أو مبلغاً يعجل للإفصاح عن إتمام العقد نهائياً.

وينبغي الرجوع إلى نية المتعاقدين لمعرفة ما إذا كانا قد أرادا بالعربون تحديد قيمة جزافية لا يجوز الانتقاص منها ، أو تقدير تعويض اتفاقي يجوز انتقاصه ، ولا سيما إذا كان الجزاء المشروط فادحاً . 

الأحكام

1- مؤدى نص المادة 223 من القانون المدنى أن الجزاء المشروط على تخلف المدين عن تنفيذ التزامه أو التأخر فى تنفيذه لا يستحق إذا كان من حق المدين قانوناً أن يقف تنفيذ التزامه حتى يقوم المتعاقد الآخر بتنفيذ الالتزام المقابل ففى هذه الحالة لا يجوز تطبيق الجزء المشروط لتخلف أحد شرائط إعماله وهو خطأ المدين .

(الطعن رقم 5287 لسنة 83 جلسة 2014/02/17)

2- مؤدى المواد 215/2، 216، 223، 224/2 من القانون المدني إنه يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض الواجب أداؤه عما قد ينجم من ضرر بسبب "عدم تنفيذ" التزام من الالتزامات المنصوص عليها فى العقد المبرم بينهما ويكون التعويض فى هذه الحالة تعويضاً عن عدم التنفيذ لا يجوز الجمع بينه وبين التنفيذ العيني، كما يجوز لهما تحديد التعويض الجابر للضرر عن "التأخير فى التنفيذ" حيث يجوز الجمع بين هذا التعويض والتنفيذ العيني لأن القضاء بإلزام المدين بتنفيذ التزامه عينا لا يخل بحق الدائن فيما يجب له من تعويض عن التأخير فى التنفيذ.

(الطعن رقم 1859 لسنة 70 جلسة 2001/06/12 س 52 ع 2 ص 861 ق 171)

3- الإقرار الصادر من المطعون ضده سند الدعوى المتضمن التزامه بسداد المبلغ المطالب به للطاعنة إذا لم يعمل لديها مدة خمس سنوات فورتخرجه لا يعدو أن يكون فى حقيقته تعويضاً اتفاقياً عن الإخلال بالالتزام الوارد بهذا الإقرار فلا تتوافر للمطالبة به شروط استصدار أمرالأداء ويضحى السبيل إليه هو الإلتجاء إلى الطريق العادى لرفع الدعوى وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأيد الحكم الابتدائى فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 3141 لسنة 61 جلسة 1996/12/07 س 47 ع 2 ص 1479 ق 269)

4- البين من ملحق العقد المؤرخ أنه نص فى البند الخامس منه على أنه ...... ومفاد هذا النص أن الطرفين إتفقا مقدماً على مقدار التعويض الذى تلتزم به الشركة الطاعنة وحدداه بثمن شراء الجبن مما مؤداه أن تلتزم محكمة الموضوع بالقضاء به عند ثبوت مسئولية الشركة الطاعنة عن التلف الذى أصاب الجبن  ما لم تثبت عدم وقوع ضرر للمطعون ضده الأول أوأن التعويض المتفق عليه كان مبالغاً فيه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد إنتهى إلى أن الشركة الطاعنة قد أخلت بإلتزامها بالحفظ ولم تبذل فى سبيل ذلك عناية الشخص العادى وإعتبرها مسئولة عن التعويض فإنه كان يتعين عليه عند تقديره التعويض عنالجبن التالف أن يلتزم فى ذلك بالثمن الذى دفعه الأخير للحصول عليه بحساب التعويض المتفق عليه مقدماً  وإذ خالف الحكم المطعون فيه ذلك رغم إشارته فى مدوناته إلى نص البند الخاص - فإنه يكون فضلاً عن تناقضه قد أخطأ فى تطبيق القانون مما يوجب نقضه .

(الطعن رقم 661 لسنة 49 جلسة 1984/02/06 س 35 ع 1 ص 389 ق 77)

 5- عدم تنفيذ المدين لإلتزامه التعاقدى يعتبر بذاته خطأ يترتب مسئوليته وأن النص فى العقد على الشرط الجزائى يجعل الضررواقعا فى تقدير المتعاقدين فلايكلف الدائن بإثباته ، بل يقع على المدين إثبات عدم تحققه ، كما يفترض فيه أن تقدير التعويض المتفق عليه متناسب مع الضررالذى لحق الدائن ، وعلى القاضى أن يعمل هذا الشرط ما لم يثبت المدين خلاف ذلك .

(الطعن رقم 743 لسنة 49 جلسة 1983/01/11 س 34 ع 1 ص 166 ق 45)

6- الشرط الجزائى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إلتزام تابع للإلتزام الأصلى إذ هو إتفاق على جزاء الإخلال بهذا الإلتزام ، فإذا سقط الإلتزام الأصلى بفسخ العقد سقط معه الشرط الجزائى ولا يقيد بالتعويض المقدر بمقتضاه ، فإن إستحق تعويض للدائن تولى القاضى تقديره وفقاً للقواعد العامة التى تجعل عبء إثبات الضرر و تحققه و مقداره على عاتق الدائن .

(الطعن رقم 663 لسنة 44 جلسة 1978/04/18 س 29 ع 1 ص 1020 ق 201)

7- إن ما نص عليه فى البند الثالث عن عقد الوكالة - الصادر من الطاعنة للمحامى - من أنه " لا يجوز للطاعنة عزل مورث المطعون ضدهم من عمله طالما كان يقوم به طبقاً للأصول القانونية فإذا عزلته قبل إنتهاء العمل دون سبب يدعو لذلك التزمت بتعويض إتفاقى لا يقبل المجادلة مقداره 5000 ج يستحق دون تنبيه أوإنذار أوحكم قضائى " هو إتفاق صحيح فى القانون ولامخالفة فيه للنظام العام لأن الوكالة بأجر وهو صريح فى أنه شرط جزائى حدد مقدماً قيمة التعويض بالنص عليه فى العقد طبقاً لما تقضى به المادة 223 من القانون المدنى .

(الطعن رقم 540 لسنة 42 جلسة 1975/12/31 س 26 ص 1757 ق 328)

8- لمحكمة الموضوع إذا نص فى العقد على شرط جزائى عند عدم قيام المتعهد بما إلتزم به ، السلطة التامة فى إعتباره مقصر حسبما يتراءى لها من الأدلة المقدمة ولا رقابة لمحكمة النقض عليه فى هذا التقدير متى كان سائغاً . لما كان ذلك وكان تخلف الطاعنين عن تنفيذ إلتزامهما يجعل الضرر واقعاً فى تقدير المتعاقدين ، فإن المطعون عليهم لا يكلفون بإثباته

(الطعن رقم 380 لسنة 43 جلسة 1976/12/28 س 27 ع 2 ص 1820 ق 334)

9- إذا كان الحكم المطعون فيه إنما أعمل فى قضائه بالتعويض ما إتفق عليه العاقدان فى عقد البيع ، وما ورد فيه عن ضمان الضامن المتضامن مع البائع وكان يجوز للمشترى الإتفاق على أن يعوضه البائع فى حالة حصول تعرض له فى إنتفاعة بالمبيع ، كما يحق للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليه فى العقد فإن الحكم لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 341 لسنة 37 جلسة 1972/05/16 س 23 ع 2 ص 933 ق 145)

10- العقد النهائى دون العقد الإبتدائى هو الذى تستقر به العلاقه بين الطرفين ويصبح قانون المتعاقدين ، واذ يبين من العقد النهائى أنه قد خلا من الشرط الجزائى المنصوص عليه فى العقد الابتدائى ، فإن هذا يدل على أن الطرفين قد تخليا عن هذا الشرط و انصرفت نيتهما إلى عدم التمسك به أو تطبيقه .

(الطعن رقم 4 لسنة 36 جلسة 1970/03/26 س 21 ع 1 ص 513 ق 82)

11- لاعلى الحكم إن هو لم يرد على ما تمسك به الطاعن من دفاع يتعلق بالشرط الوارد بعقد الصلح بإعمال المادتين 223 و 224 من القانون المدنى عليه بإعتباره شرطاً جزائياً متى كان الحكم قد قرر أن عقد الصلح ذاته المتضمن هذا الشرط قد فسخ و أنتهى إلى تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً فى صدد الآثار القانونية المترتبة على هذا الفسخ .

(الطعن رقم 131 لسنة 34 جلسة 1968/02/27 س 19 ع 1 ص 381 ق 57)

12- يحق للإدارة أن توقع الغرامة المنصوص عليها فى العقد الإدارى بمجرد وقوع المخالفة التى تقررت الغرامة جزاء لها ، وأن تستنزل قيمة هذه الغرامة مما يكون مستحقاً فى ذمتها للمتعاقد . كما يحق لها مصادرة التأمين من تلقاء نفسها دون أن يتوقف ذلك على ثبوت وقوع ضرر للإدارة من جزاء إخلال المتعاقد معها بإلتزامه . ذلك أن الغرامات ومبالغ التأمين التى ينص عليها فى العقود الإدارية تختلف فى طبيعتها عن الشرط الجزائى فى العقود المدنية ، إذ يقصد بها - على ماجرى به قضاء محكمة النقض - ضمان وفاء المتعاقد مع الإدارة بإلتزامه حرصاً على سير المرفق العام بإنتظام وإطراد . ولا يجوز للمتعاقد مع الإدارة أن ينازع فى إستحقاقها للغرامة أو التأمين بحجة إنتفاء الضرر أو المبالغة فى تقدير الغرامة إلا إذا أثبت أن إخلاله بإلتزامه راجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل الإدارة المتعاقد معها

(الطعن رقم 119 لسنة 33 جلسة 1966/12/20 س 17 ع 4 ص 1962 ق 284)

13- إذا إتفق فى عقد بيع بضاعة على شرط جزائى ، وقرر الحكم أن كلا الطرفين قد قصر فى إلتزامه وقضى لأحدهما بتعويض على أساس ما لحقه من خسارة وما فاته من ربح بسبب تقصير الطرف الآخر و حدد هذا التعويض على أساس ربح قدره بنسبة معينة من ثمن البضاعة - فإن من مقتضى ما قرره الحكم من وقوع تقصير من المحكوم له أيضا أن يبين مقدار ماضاع عليه من كسب وما حل به من خسارة بسبب تقصير المحكوم عليه وأن يحمله مقدار ما حل به من خسارة وما ضاع عليه من كسب نتيجة تقصيره هو - فإذا كان الحكم لم يبين ذلك و لم يذكر العناصر الواقعية التى بنى عليها تحديد التعويض على أساس الربح الذى قدره - فإنه يكون مشوباً بالقصور

(الطعن رقم 92 لسنة 23 جلسة 1957/12/19 س 8 ع 3 ص 921 ق 105)

14- متى كانت المحكمة قد اعتبرت فى حدود سلطتها الموضوعية و بالأدلة السائغة التى أوردتها أن الشرط الوارد فى العقد هو شرط تهديدى ، فان مقتضى ذلك أن يكون لها أن لاتعمل هذا الشرط و أن تقدر التعويض طبقا للقواعد العامة

(الطعن رقم 195 لسنة 21 جلسة 1955/02/17 س 6 ع 2 ص 686 ق 91)

15- الشرط الجزائى متى تعلق بالتزام معين وجب التقيد به وإعماله فى حالة الإخلال بهذا الالتزام أياً كان الوصف الصحيح للعقد الذى تضمنه بيعاً كان أو تعهداً من جانب الملتزم بالسعى لدى الغير لإقرار البيع . وإذن فإذا كان الحكم مع إثباته إخلال الملتزم بما تعهد به بموجب العقد من السعى لدى من ادعى الوكالة عنهم لإتمام بيع منزل فى حين أنه التزم بصفته ضامناً متضامناً معهم بتنفيذ جميع شروط العقد لم يعمل الشرط الجزائى المنصوص عليه فى ذلك العقد قولا بأن العقد فى حقيقته لا يعدو أن يكون تعهداً شخصياً بعمل معين من جانب المتعهد فإنه يكون قد أخطأ .

(الطعن رقم 87 لسنة 18 جلسة 1950/01/12 س 1 ع 1 ص 180 ق 52)

16- لما كان الطاعن يقر في مذكرة أسباب طعنه أن الإتفاق المحرر بينه وباقى الطاعنين وبين المطعون ضده في 24 من نوفمير سنة 1977 قد تلاقت فيه إرادة طرفيه على إعتبار نصوص المواد 49 ، 50 ، 52 ، 53 ، 54 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر هى المحاكمة لهذا الإتفاق بالإضافة إلى الشروط الواردة به ، فإن إستناد الطاعن إلى الإتفاق المذكور في طلب التعويض أمام المحكمة المدنية لا تتحقق به المغايرة في السبب عنه الدعوى المدنية التابعة ، إذ الواقعة التى يستمد منها الطاعن حقه في طلب التعويض في الدعويين واحدة هى مخالفة المادة 52 من القانون رقم 49 لسنة 1977 متمثلة في واقعة عدم الشروع في البناء في الموعد المقرر قانوناً ، وهى ذات الواقعة التى أقيمت بها الدعويان الجنائية والمدنية التابعة وإذ إلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وجرى في قضائه على عدم قبول الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية ، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تأويله . ولا يقدح في ذلك أن يكون الإتفاق المحرر بين الطرفين قد تضمن - ضمن ما تضمنه - تحديد قيمة التعويض في حالة مخالفة المادة 52 من القانون رقم 49 لسنة 1977 سالف الذكر ، إذ هذا التحديد في جوهرة لا يعدو أن يكون مجرد تقدير إتفاقى للتعويض الواجب أداؤه وهو ما يجيزه نص المادة 223 من القانون المدنى ، فلا يعتبر بذاته مصدراً لوجوب هذا التعويض .

( الطعن رقم 2726 لسنة 51 ق - جلسة 27 / 1 / 1982 )

الشرط الجزائى :

الأصل أن يقدر التعويض الذي يلتزم به المدين وفقاً لما لحق الدائن من خسارة وما فاته من کسب بإعتبار هذا الأصل هو القاعدة العامة في تقدير التعويض إلا أن هذه القاعدة لا تسري على إطلاقها، فقد يقدر التعويض وفقاً لنص في القانون كما هو الشأن بالنسبة للفوائد، وقد يقدر بموجب اتفاق بين المتعاقدين، وهذا الاتفاق ما يطلق عليه اسم الشرط الجزائي ، باعتبار أنه شرط من بين شروط العقد ، يؤدي إلى استحقاق الدائن للتعويض المحدد به في حالة تقصير المدين في تنفيذ التزامه ، ومفاد ذلك أن التعويض الاتفاقي هو التزام كغيره من الالتزامات ولكنه التزام مندمج في الالتزام الأصلي ومن ثم فهو تابع له فيدور معه وجوداً وعدماً.

وباعتبار الشرط الجزائي التزاماً ، فيصح أن يكون مضافاً لأجل مغاير لأجل الالتزام الأصلي كان يتفق على استحقاق التعويض الاتفاقي بعد ثلاث أشهر من حلول أجل الالتزام الأصلي في حالة عدم تنفيذه، وقد يكون معلقاً على شرط كأن يشترط أن التعويض الاتفاقي لا يستحق في حالة عدم تنفيذ الالتزام إذا قام المدين بعمل معين.

كما يجب أن يكون للشرط الجزائي محل وسبب مشروعين وأن يكون وليد إرادة غير معيبة وإلا كان باطلاً فيخضع تقدير التعويض في هذه الحالة للقواعد العامة ،

وباعتبار الشرط الجزائي التزاماً، فإن التعويض الوارد به لا يكون مستحقاً إلا وفقاً لما تنص عليه المادة 215 وفي نطاق المواد من 216 الى 220 ومن ثم يلزم توافر شروط المسئولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية وأن يكون الدائن قد أعذر الدين ، وذلك على التفصيل الآتي.

شروط التمسك بالشرط الجزائي :

(أولاً) خطأ المدين : فيجب أن يرتكب المدين تقصيراً فيما يتعلق بتنفيذ التزامه الأصلي ، فيمتنع عن التنفيذ أو يتوقف عن إتمامه فيكون التنفيذ جزئياً أو يتأخر فيه ، ويلتزم الدائن بإثبات هذا التقصير ويكون بكافة طرق الإثبات بإعتبار أن عدم التنفيذ مسألة مادية ، ويعتبر عدم التنفيذ في ذاته خطأ موجباً للمسئولية.

(ثانياً) أن يترتب على تقصير المدين ضرر للدائن ، والضرر هنا مفترض بموجب الشرط الجزائي إذ يكون المتعاقدان افترضا وقوعه بمجرد إخلال المدين بإلتزامه لذلك فلا يكلف الدائن بإثبات ، إنما يجوز للمدين أن يثبت انتفاء الضرر بالنسبة للدائن ، فإن لم يطلب المدين تمكينه من ذلك اعتبر الضرر واقعاً ، أما أن طلبه تعين على المحكمة إجابته إليه ، فان رفضته وجب أن تورد تعليلها لهذا الرفض وإلا كان حكمها مشوباً بالقصور لعدم ردها على دفاع جوهري ، وانظر المادة 224 .

(ثالثاً) أن تتوافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر ، وذلك على التفصيل الذي أوضحناه بالمادة 215 ، كما يجب أن يكون الضرر مباشراً وحقاً وفقاً لما أوضحنا  بالمادة 170.

(رابعاً) أن يتم الإعذار وفقاً للمواد من 218 إلى 220 .

ومتى تحققت هذه الشروط تعين على المحكمة أعمال الشرط الجزائي مراعية المادتين 224 و 225.

سقوط الشرط الجزائي بفسخ العقد أو بطلانه :

الشرط الجزائي التزام تابع :

ويترتب على اعتبار الشرط الجزائي التزام تابع للالتزام الأصلي ، أنه يدور معه وجوداً وعدماً فيبقى ببقائه وينقضي بإنقضائه ، فإن كان الالتزام الأصلي قد انقضى بالتقادم فإن الشرط الجزائي يكون كذلك ، وإذا قضى ببطلان أو بفسخ الالتزام الاصلي تبعه في ذلك الشرط، وقد يكون الشرط الفاسخ صريحاً وتحقق وفى هذه  الحالة لا يلزم صدور حكم بالفسخ ويكفي أن يتمسك المدين بإنفساخ الالتزام الأصلي وحينئذ يقدر التعويض وفقاً للقواعد العامة ، في حالة إستحقاق الدائن له وتوجب هذه القواعد على الدائن، اثبات الضرر وتحققه ومقداره ، فإن اكتفى بالتعويض الاتفاقي الذي تضمنه الشرط الجزائي، رفضت المحكمة هذا الطلب دون أن تكون ملزمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الضرر ومداه .

أما إذا كان الشرط الجزائي باطلاً ، فلا يتعدى هذا البطلان إلى الالتزام الأصلي فيظل صحيحاً ويبطل الشرط وحده وحينئذ يقدر التعويض وفقاً للقواعد العامة .

والشرط الجزائي ، تنفيذ للالتزام بطريق التعويض ، ولذلك فهو أحد محلين لالتزام واحد ، ومن ثم فهو ليس التزاماً بدليلاً أو تخييرياً .

فإذا تضمن العقد شرطاً جزائياً ، فان مناط التمسك به بقاء العقد قائماً بين عاقديه ، وبنفاذ العقد يستمد الشرط الجزائي قوته ، إذ يعتبر التمسك به مستنداً الى  العقد الذي تضمنه، فينفذ بنفاذه وينقضي بإنقضائه وإنحلاله ، باعتبار أن هذا الشرط ضمن شروط العقد، فينبعه من حيث البقاء أو الإنحلال ويترتب على ذلك أن المتعاقد لا يستطيع التمسك بالشرط الجزائي إلا تبعاً لتمسكه بتنفيذ العقد ، فإن عرض عن تنفيذه بان طلب فسخه أو بطلانه ، امتنع عليه الاستناد للعقد بكل ما تضمنه من شروط ومنها الشرط الجزائي ، وحينئذ إذا طالب بتعويض ، فإنه يستند في ذلك للقواعد العامة فيقدره بما فاته من کسب وما لحقه من خسارة ، فإن لم يلتزم بذلك وظل متمسكاً به وجب على المحكمة عدم الإعتداد بالشرط الجزائي وتقدر التعويض وفقاً للقواعد العامة ، ولها أن تتخذ من تقدير التعويض الذي تضمنه الشرط الجزائى قرينة على ما فات الدائن من کسب فتقدر التعويض وفقاً له ولا تكون بذلك قد التزمته .

فإذا ألغت المحكمة الاستئنافية الحكم الابتدائي الذي قضى بالفسخ وقدر التعويض وفقاً للشرط الجزائي ، فإنه يتعين عليها أن تقدره وفقاً للقواعد العامة بما فات الدائن من کسب وما لحقه من خسارة حسبما يتمكن الدائن من إثباته على أن تلتزم بعدم الإضرار بالمستأنف فلا تلزمه بتعویض يجاوز ما قضی علیه به إبتدائياً.

محل الشرط الجزائي :

الغالب في العمل، أن يكون محل الشرط الجزائي مبلغاً من النقود ، فيشترط المتعاقد أن يدفع له المتعاقد الآخر مبلغاً من النقود أن لم يقم بتنفيذ التزامه في الموعد المتفق عليه أو أن يدفع مبلغاً عن كل يوم تأخير أو عن كل شهر حسبما يقضي العقد ، ويختلف الشرط الجزائي عن الغرامة التهديدية في هذه الحالة الأخيرة ، ذلك أن الشرط الجزائي هو تعویض اتفق عليه المتعاقدان، أما الغرامة ، فهى تهديد يلجأ إليه القاضي بناءً على طلب الخصم ، وأن كان كل منهما يخضع في النهاية لتقدير القاضي .

ولكن قد يتفق المتعاقدان على تعويض غير نقدی ، ففى البيع بالتقسيط يشترط البائع حلول باقي الأقساط إذا تأخر المشتري في الوفاء بأي قسط منها وفي هذه الحالة تسري أيضاً أحكام الشرط الجزائي فيخضع الشرط لتقدير القاضي فإن وجد أن مدة التأخير بسيطة أو أن البائع كان متساهلاً لقبوله الأقساط السابقة بعد آجال حلولها، رفض أعمال الشرط الجزائي ، وكأن يشترط الدائن المرتهن تملكه العين المرهونة بدون إتباع إجراءات نزع الملكية إذا ما تأخر المدين عن الوفاء بالدين في الأجل المحدد للوفاء، وبديهي أن الشرط في هذه الحالة يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً .

وفي حالة التقسيط السابقة، يكون للبائع إعذار المشتري بوجوب الوفاء بكل قسط يستحق في موعده ، وحينئذ تسري أحكام الشرط الجزائي التي كانت قد توقفت بسبب تساهل البائع  .

ويجوز أن يكون المحل عملاً أو امتناع عن عمل أو تغيير مكان تنفيذ الالتزام فإن كان محل الشرط مبلغاً قليلاً لا يتناسب إطلاقاً مع الضرر الذي قد يصيب الدائن، انطوى على إعفاء أو تخفيف للمسئولية وتعيين أعمال أحكام المادة 217 من القانون المدني ، فان أدى إلى الإعفاء من مسؤولية المدين التقصيرية أو التخفيف منها وقع باطلاً وقدرت المحكمة التعويض وفقاً لنص المادة 221 فإن تضمن مبلغاً يتجاوز الضرر كان للقاضي رده إلى ما يتناسب مع الضرر الذي أصاب الدائن ، وقد يقصد من الشرط تأكيد ما التزم به المدين في تعهده عن الغير .

تفسير الشرط الجزائي :

الشرط الجزائي قد يرد ضمن بنود العقد، وقد يثبته المتعاقدان في اتفاق منفصل عن العقد، وحينئذ يعتبر هذا الاتفاق مكملاً للعقد ويكون محل اعتبار عند تفسيره .

فإن تمسك أحد المتعاقدين باعتبار أن بندا معينا في العقد يتضمن شرطاً جزائياً بينما تمسك المتعاقد الأخر بأن هذا البند ينطوي على تعديل أحكام العقد في حالة معينة ولم ينصرف على شرط جزائي ، كان على المحكمة تفسير هذا البند بالنظر الى بنود العقد كلها ، وتخضع في ذلك لأحكام التفسير ، فلا تخضع لرقابة محكمة النقض ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة ، فإن خلصت الى توافر الشرط الجزائي أعملت أحكامه أما أن خلصت الى عدم توافره وأن بلد الخلاف يتضمن تعديلاً لأحكام العقد، أعملت هذا الحكم الذي تضمنه البند.

الشرط الجزائي والشرط التهدیدی :

النشرة الجزائي هو اتفاق مسبق على تقدير التعويض الذي يلتزم المدين بأن يدفعه للدائن إذا ما أخل بالتزامه ، مفترضاً في هذا التقدير مساواته للضرر الذي قد يصيب الدائن، وقد يكون الضرر أشد أو أقل مما توقعه المتعاقدان ، وحينئذ تظل للشرط طبيعته باعتباره شرطاً جزئياً فيخضع لتقدير القاضي وفقاً لأحكام هذا الشرط .

وقد لا يقصد التعاقدان من اتفاقهما تقدير التعويض على نحو ما تقدم ، إنما يتضمن العقد شرطاً بالزام المدين بأن يدفع للدائن مبلغاً باهظاً في حالة تخلفه عن تنفيذ التزامه بحيث لا يتناسب إطلاقاً مع الضرر الذي قد يصيب الدائن بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه ، وحينئذ لا يكون هذا شرطاً جزائياً وإنما يكون شرطاً تهدیدیاً قصد منه حمل المدين لالتزامه، وحينئذ لا يكون هذا شرطاً جزائياً وإنما يكون شرطاً تهديدياً قصد منه حمل المدين على تنفيذ التزامه ، ويكون العقد خلواً من الشرط  الجزائي ، مما يتعين معه على المحكمة طرح الشرط التهديدي وتقدير التعويض المستحق وفقاً لما تقضى به القواعد العامة فيشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من کسب. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الرابع الصفحة : 294) 

 

 

المميز للشرط الجزائى : ويتبين من النص السالف الذكر أن الشرط الجزائي ليس هو السبب فى استحقاق التعويض، فلا يتولد عنه التزام أصلي بالتعويض، ولكن يتولد عنه التزام تبعى بتقدير التعويض بمبلغ معين وشروط استحقاق هذا الالتزام هى نفس شروط الالتزام الأصلي، وتكييفه القانوني هو أنه التزام تابع لالتزام أصيل  .

شروط استحقاق الشرط الجزائي هي نفس شروط استحقاق التعويض، وقد قدمنا أن شروط استحقاق التعويض هى وجود خطأ من المدين، وضرر يصيب الدائن، وعلاقة سببية ما بين الخطأ والضرر، وإعذار المدين ، فهذه هي أيضاً شروط استحقاق الشرط الجزائي، وقد أشارت إلي ذلك المادة 223 حيث أحالت علي المواد 215 - 220 وهذه المواد بعضها م 215 - 217 يتناول الشروط الثلاثة الأولي ويدخل في ذلك التعديل الإتفاقي لقواعد المسئولية ، وبعضها م 218 - 220 يتناول شرط الإعذار.

شرط الخطأ : فلا يستحق الشرط الجزائي إذن إلا إذا كان هناك خطأ من المدين ، والغالب أن يكون هذا الخطأ خطئاً عقدياً كما أسلفنا القول ، فإذا لم يكن هناك خطأ من المدين ، فلا مسئولية في جانبه ، ولا يكون التعويض مستحقاً. 

شرط الضرر : ولا يستحق الشرط الجزائي كذلك إذا لم يكن هناك ضرر أصاب الدائن .

وهذا هو ما جرت به الفقرة الأولى من المادة 224 من هذا التقنين : " لا يكون التعويض الإتفاقي مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر " ، ويلاحظ من هذا النص أن الشرط الجزائي بالنسبة إلي وقوع الضرر، لا يخلو من فائدة ، فوجود هذا الشرط يجعل الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين ، ولذلك يفترض وقوع الضرر ، ولا يكلف الدائن بإثباته ، وعلى المدين إذا ادعي أن الدائن لم يلحقه أي ضرر ، أن يثبت ذلك ، عبء إثبات الضرر إذن - خلافاً للقواعد العامة - ينتقل من الدائن إلى المدين بفضل وجود الشرط الجزائي .

شرط علاقة السببية : ولا يستحق الشرط الجزائي إلا إذا قامت علاقة السببية بين الخطأ والضرر، أما إذا انتفت هذه العلاقة بثبوت السبب الأجنبي ، أو انتفت بأن كان الضرر غير مباشر أو كان في المسئولية العقدية مباشراً ولكنه غير متوقع، فعند ذلك لا تتحقق المسئولية ، ولا يستحق التعويض ، فلا محل إذا لإعمال الشرط الجزائي .

شرط الإعذار : والإعذار شرط لاستحقاق الشرط الجزائي ، في جميع الأحوال التي يجب فيها إعذار المدين ، أما في الأحوال التي لا ضرورة فيها للإعذار ، فإنه لا يشترط .

أن الالتزام بالشرط الجزائي هو التزام تابع لالتزام أصيل ، أما الالتزام الأصيل الذي يتبعه الالتزام بالشرط الجزائي فهو ما التزم به المدين أصلاً بالعقد أو بغيره من مصادر الالتزام ، فقد يلتزم بنقل ملكية أو بعمل أو بالامتناع عن عمل ، ثم يتفق مع الدائن علي مبلغ معين يقدران به التعويض فيما إذا أخل المدين بالتزامه .

 ويترتب علي أن الالتزام بالشرط الجزائي التزام تابع أمران : (أولاً) أن العبرة هي بالالتزام الأصلي لا بالشرط الجزائي . 

(ثانياً) بطلان الالتزام الأصلي يستتبع بطلان الشرط الجزائي ، أما بطلان الشرط الجزائي فلا يستتبع بطلان الالتزام الأصلي .

لا يستطيع الدائن أن يطالب المدين إلا بالالتزام الأصلي ما دام تنفيذه ممكناً ، كذلك لا يجوز للمدين أن يعرض علي الدائن إلا الالتزام الأصلي ، وإنما يستطيع الدائن أن يطالب بالشرط الجزائي ، ويستطيع المدين أن يعرضه علي الدائن ، إذا أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مستحيلاً بخطأ المدين ، أما إذا أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مستحيلاً بسبب أجنبي ، قد انقضى هذا الالتزام ، ولا يجوز عندئذ للدائن المطالبة بالشرط الجزائي ، لأن الشرط الجزائي ليس إلا تقديراً لتعويض مستحق ، وهنا لا يستحق الدائن تعويضاً ما .

وينبني علي ما تقدم أن الشرط الجزائي - كالتعويض - لا يعتبر التزاماً تخييرياً ولا التزاماً بدلياً ، فهو ليس بالتزام تخييري ، لأن الدائن لا يستطيع أن يختار بين الالتزام الأصلي والشرط الجزائي فيطلب تنفيذ أيهما ، بل هو لا يستطيع أن يطلب إلا تنفيذ الالتزام الأصلي ما دام هذا ممكناً، ولأن المدين هو أيضاً لا يملك هذا الخيار ، بل هو لا يستطيع إلا أن يعرض تنفيذ الالتزام الأصلي ما أمكنه ذلك ، والشرط الجزائي ليس بالتزام بدلي، لأن المدين لا يملك أن يعدل عن تنفيذ الالتزام الأصلي إذا كان ممكناً إلي تنفيذ الشرط الجزائي كبديل عن الالتزام الأصلى.

بطلان الالتزام الأصلي يستتبع بطلان الشرط الجزائي ولا عكسي : وإذا كان الالتزام الأصلي باطلاً ، كان الشرط الجزائي وهو التزام تابع باطلاً كذلك فإذا عقد الالتزام الأصلي غير ذي أهلية أو غير ذي صفة ، أو تعهد شخص بارتكاب جريمة وإلا دفع مبلغاً معيناً كشرط جزائي ، كان كل من الالتزام الأصلي والشرط الجزائي باطلاً .

ولكن إذا كان الشرط الجزائي باطلاً ، فلا يستتبع ذلك أن يكون الالتزام الأصلي باطلاً .

ويترتب علي تبعية الشرط الجزائي أيضاً أن الدائن إذا اختار ، عند اخلال المدين بالتزامه الأصلي ، فسخ العقد بدلاً من المطالبة بتنفيذ الشرط الجزائي ، سقط الالتزام الأصلي بمجرد فسخ العقد ، وسقط معه الشرط الجزائي لأنه تابع له ،  ويطالب الدائن في هذه الحالة بالتعويضات التي يقدرها القاضي وفقاً للقواعد العامة التي تقدم ذكرها ، ولا يطالب بالتعويض المقدر في الشرط الجزائي.

تمييز الشرط الجزائي عن العربون :

إذا كانت دلالة العربون هي جواز العدول عن العقد ، فإنه يجوز لكل من المتعاقدين أن يرجع في العقد بعد إبرامه لقاء دفع مبلغ العربون، فيشتبه العربون بالشرط الجزائي ، وقد يحمل علي أنه شرط جزائي لتقدير التعويض في حالة العدول عن العقد  .

ولكن الفرق كبير بين العربون والشرط الجزائي ، ويظهر هذا الفرق من الوجوه الآتية :

1 - العربون هو المقابل لحق العدول عن العقد ، فمن أراد من المتعاقدين أن يعدل عن العقد كان له ذلك في مقابل دفع العربون ، أما الشرط الجزائي فتقدير لتعويض عن ضرر قد وقع.

2 - العربون لا يجوز تخفيضه ، سواء كان الضرر الذي أصاب المتعاقد الآخر من جراء العدول عن العقد مناسباً للعربون أو غير مناسب ، بل أنه يجب دفع مبلغ العربون كما هو حتي لو لم يلحق هذا الطرف الآخر أي ضرر من العدول عن العقد كما قدمنا ، أما الشرط الجزائي فيجوز تخفيضه حتى يتناسب مع الضرر ، وسيأتي القول في ذلك.

3 - يمكن تكييف العربون بأنه البدل في التزام بدلي، ففى البيع مع العربون مثلاً ، يلتزم المشتري التزاماً أصلياً بدفع الثمن في مقابل أخذ المبيع ، وله إذا شاء أن يعدل عن هذا المحل الأصلي - دفع الثمن في مقابل أخذ المبيع - إلي محل بدلي هو دفع مبلغ العربون في غير مقابل ، أما الشرط الجزائي فتكييفه القانوني هو تكييف التعويض .

تمييز الشرط الجزائي عن التهديد المالي :

ونستطيع مما قدمناه عن كل من التهديد المالي والشرط الجزائي أن نميز بينهما من الوجوه الآتية :

(1) فالتهديد المالي يحكم به القاضي ، أما الشرط الجزائي فيتفق عليه الدائن والمدين .

(2) والتهديد المالي تحكمي لا يقاس بمقياس الضرر، وإنما يقصد به التغلب علي عناد المدين ، فينظر إلي موارده المالية وقدرته علي مقاومة الضغط ، أما الشرط الجزائي فالأصل فيه أن يقاس بمقياس الضرر .

(3) والتهديد المالي حكم وقتي تهديدي ، فهو لا يقبل التنفيذ إلا إذا حول من غرامة تهديدية إلى تعويض نهائي كما سبق القول ، أما الشرط الجزائي فليس بوقتي ولا تهديدي، وإنما هو اتفاق نهائي قابل للتنفيذ علي حاله ، وإذا جاز تخفيض الشرط الجزائي للمبالغة في التقدير كما سنرى، فالأصل فيه عدم التخفيض، أما التهديد المالي فالأصل فيه التخفيض ، لأنه يكون عادة أزيد بكثير من الضرر الحقيقي ، فيغلب تخفيضه عند تحويله إلى تعويض نهائي .

(4) وليس التهديد المالي إلا وسيلة غير مباشرة للتنفيذ العيني ، أما الشرط الجزائي فعلي العكس من ذلك يتصل بالتعويض لا بالتنفيذ العيني .

(5) والتهديد المالي يقدر عن كل وحدة من الزمن أو عن كل مرة يخل فيها المدين بالتزامه، أما الشرط الجزائي فلا يقدر علي هذا النحو إلا إذا كان تعويضاً عن تأخر المدين في تنفيذ التزامه ، فإذا كان تعويضاً عن عدم التنفيذ فإنه يقدر عادة مبلغاً مقطوعاً. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي ، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثاني ، المجلد : الثاني ، الصفحة : 1116) 

والشرط الجزائي هو اتفاق سابق على تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن في حالة عدم التنفيذ أو التأخر فيه ، فهو تقدير اتفاقي للتعويض بنوعيه ، تقدير يتم الاتفاق عليه قبل وقوع الضرر بالفعل ، وهذا الاتفاق قد يرد في العقد أو في اتفاق لا حق ، والجوهري أن يكون الاتفاق على التقدير قد وقع قبل وقوع الضرر، حتى نكون أمام شرط جزائي ، أما إذا جرى الاتفاق بين الدائن والمدين على تقدير التعويض بعد وقوع الضرر بالفعل ، لم نكن أمام شرط جزائي ، بل تصالح وانطبقت الأحكام الخاصة بعقد الصلح لا بالشرط الجزائي .

 مجال الشرط الجزائي :

أكثر ما يكون الشرط الجزائي بالنسبة للمسئولية العقدية، حيث يتفق على تعويض يلزم به المدين إذا هو لم ينفذ التزامه التعاقدي أو إذا تأخر في تنفيذه.

ومثال الشرط الجزائي عن التأخير ما ينص عليه في عقود المقاولات من إلزام المقاول بدفع مبلغ معين عن كل فترة زمنية معينة يتأخر فيها عن إتمام العمل الذي تعهد به، ومثال ذلك في عقد التوريد ومن هذا القبيل في الالتزام بدفع مبلغ من النقود ، الاتفاق على فائدة يلزم بها المدين إذا تأخر في الوفاء، فالفائدة الاتفاقية في هذه الحالة ليست إلا شرطاً جزائياً عن التأخير ، ولكنها تخضع لأحكام خاصة سنتناولها في موضعها .

ومن أمثلة الشرط الجزائي عن علم التنفيذ أن تعريفة السكك الحديدية وشركات النقل كثيراً ما تحدد مبلغاً معيناً تدفعه المصلحة أو الشركة إذا ما فقد طرد أو تلف.

ولا تقتصر أمثلة الشرط الجزائي على بعض العقود دون بعض ، بل كثيراً ما نجده في العقود الجارية كالبيع والإيجار.

على أن الشرط الجزائي قد يرد أيضاً في ميدان المسئولية التقصيرية الناشئة عن العمل غير المشروع ، ومثال ذلك أن يتفق صاحب مصنع مع جيرانه على مقدار التعويض عن الضرر الذي قد يصيبهم مستقبلاً من الدخان المتصاعد  من مداخن المصنع أو من الضجة الناجمة من آلات المصنع.

يغلب أن يكون التعويض المقرر في الشرط الجزائي مبلغاً من النقود ولكن هناك ما يمنع من أن يحدد التعويض بغير النقود،  ومن هذا القبيل حالة ما إذا اتفق في إيجار أرض زراعية على أن يسلم المستأجر الأرض بمجرد انتهاء الإيجار خالية من الزراعة واشترط في العقد أن الزراعة التي تكون قائمة عند انتهاء الإيجار تصبح ملكاً للمؤجر تعويضاً له عن الإخلال بهذا الاتفاق.

الشرط الجزائي والعربون :

يجب التمييز بين الشرط الجزائي الذي يتضمن تقديراً اتفاقياً للتعويض عن عدم التنفيذ ، وبين العربون فى دفع العربون وقت إبرام العقد ليس وفاءً مسبقاً بتعويض ، وإنما هو يعني إن سكت المتعاقدان عن بیان دلالته ، أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عن العقد ، فإذا عدل من دفع العربون فقده .

وإذا عدل من قبضه رد مثليه ، هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر (م 103) ، وبالتالي لا محل للنظر، في حالة ما إذا نتج ضرر عن العدول ، فيما إذا كان هذا الضرر مناسباً للعربون أم غير مناسب ، أما الشرط الجزائي ، وهو تقدير للتعويض عن ضرر يتوقع المتعاقدان حدوثه عند الإخلال بالالتزام ، فلا يكون مستحقاً إذا لم يلحق الدائن أي ضرر ويتعين تخفيضه إذا كان مبالغاً فيه مبالغة كبيرة كما سنرى.

 الأغراض التي يستعمل الشرط الجزائي في تحقيقها :

يمكن أن يستعمل الشرط الجزائي لتحقيق أغراض ثلاثة :

1 - فهو قد يقوم بدور الشرط المقيد أو المحدد للمسئولية، ويقع هذا عندما يكون مقدار التعويض المحدد مقدماً لعدم التنفيذ أقل بشكل ملحوظ عن مقدار الضرر الفعلي الناشئ من جراء عدم التنفيذ .

2 - قد يقوم الشرط الجزائي بدور التقدير الجزافي للتعويض ، وذلك في الحالة التي يكون منها مقدار التعويض المتفق عليه قد قيس بقدر الإمكان علی قدر الضرر المتوقع حدوثه بالفعل عند عدم التنفيذ أو عند التأخير فيه ، ويهدف الشرط الجزائي في هذه الحالة إلى توفير المناقشات والجدل حول قدر التعويض بحيث يعلم المدين مقدماً مقدار ما سیلزم به عند عدم التنفيذ.

3 - وأخيراً فإن الشرط الجزائى قد يقوم بدور التهديد المالي فهو عندئذ يقوم تقريباً بنفس الدور الذي يقوم به التهديد المالي القضائي (الغرامة التهديدية)، ويقع ذلك عندما يكون مقدار الشرط الجزائي مرتفعاً بشكل ملحوظ عن قدر الضرر المتوقع حدوثه ، ويغلب عندئذ أن يحدد التعويض مقابل كل فترة (يوم أو أسبوع أو شهر) يتأخر فيها المدين عن التنفيذ مثله في ذلك مثل الغرامة التهديدية القضائية.

ومن أمثلة ذلك أن يتفق رب العمل مع مقاول على إلزامه بمبلغ معين يلتزم به عن كل يوم يتأخر فيه عن إنجاز العمل في موعده المحدد .

طبيعة الشرط الجزائي :

الشرط الجزائي هو قبل كل شئ إتفاق بين طرفين ، وهو بهذه الصفة يخضع لمبدأ سلطان الإرادة وتسري عليه أحكام العقود من حيث أركانه وشروطه وآثاره وبوجه خاص من حيث اعتبار العقد شريعة المتعاقدين.

وهو فوق ذلك اتفاق على تقدير التعويض بمبلغ معين ، بحيث يقوم هذا التقدير مقام تقدير القاضي للتعويض عند عدم الاتفاق ، الأمر الذي يجعل المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائى تعويضاً عن عدم التنفيذ أو عن التأخر فيه ويقتضي بالتالي خضوعه لأحكام التنفيذ بمقابل التي تقدم بيانها.

يترتب على تكييف الشرط الجزائي بأنه اتفاق مسبق على تقدير التعويض، الأثر الأول :

 الالتزام بالشرط الجزائي تابع للالتزام الأصلي :

الالتزام بالشرط الجزائي هو التزام تابع لا التزام أصيل ، أما الالتزام الأصلي الذي يتبعه فهو ما التزم به المدين من عمل أو امتناع أو نقل ملكية .

وهذا يعني أن الشرط الجزائي لا يجوز الاتفاق عليه استقلالاً ، ولكنه دائماً يقوم إلى جانب التزام أخر أصلي. 

ويترتب على ذلك ما يأتي :

1 - أن بطلان الالتزام الأصلي يترتب عليه بالتبعية بطلان الالتزام التبعي وهو الالتزام بالشرط الجزائي ، فإذا كان محل الالتزام الأصلي أو سببه غیر مشروع بطل وبطل معه الالتزام بالشرط الجزائي ، كما إذا تعهد شخص بإرتكاب جريمة وإلا التزم بدفع مبلغ من المال ، وكذلك لو كان البطلان نسبياً وتمسك به من له حق الإبطال سقط الالتزام الأصلي ومعه الشرط الجزائي ، كما لو عقد العقد بواسطة شخص ناقص الأهلية أو من تعيبت إرادته بعيب من العيوب.

2 - لو سقط الالتزام الأصلي نتيجة استحالة تنفيذه بقوة قاهرة سقط معه الالتزام بالشرط الجزائي.

3 - لو سقط الالتزام الأصلي نتيجة لفسخ العقد سقط معه الالتزام بالشرط  الجزائي. ومعنى ذلك أنه إذا أخل المدين بالتزامه ولم يختر الدائن تنفيذ العقد عن طريق المطالبة بالتنفيذ بمقابل أي بقيمة الشرط الجزائي، ولكنه اختار فسخه، لم يستطع المطالبة بالشرط الجزائي، لأنه يسقط معه نتيجة لفسخ العقد، وإنما يكون له في هذه الحالة أن يطالب بتعويض يقدره القاضى عما يصيبه من أضرار بسبب فسخ العقد ، وذلك ما لم يكن الشرط الجزائي قد أريد به مواجهة الضرر الذي يصيب الدائن نتيجة الفسخ.

4 - أن جميع الأوصاف التي تلحق الالتزام الأصلي من شرط وأجل وتضامن ونحو ذلك ، تلحق بالتبعية الشرط الجزائي، ويصير هذا الالتزام موصوفاً بوصف الالتزام الأصلي.

الأثر الثاني : الالتزام بالشرط الجزائي هو التزام احتياطي :

الشرط الجزائى يقوم بدور التعويض ، والتعويض هو وسيلة احتياطية لا يلجأ إليه إلا عند عدم تنفيذ الالتزام عيناً ، وينبني على ذلك أن الدائن لا يستطيع أن يطالب إلا بالالتزام الأصلي مادام التنفيذ العيني ممكناً ، وإذا كان التنفيذ العيني ممكناً وعرضة المدين ، فما على الدائن إلا القبول ، ولا يستطيع الدائن عندئذ مطالبة مدينه بالتعويض أى بالشرط الجزائي، فالأصل كما قلنا هو التنفيذ العيني.

وإنما يستطيع الدائن أن يطالب بقيمة الشرط الجزائي ويستطيع المدین أن يعرضه إذا استحال التنفيذ العينى للالتزام بخطأ المدين، أما إذا أصبح تنفيذ الالتزام مستحيلاً بسبب أجنبي لا يد للمدين فيه، فإن الالتزام الأصلي يسقط ، ويسقط معه الالتزام بالشرط الجزائي، ولأن الشرط الجزائي ليس إلا تقديراً اتفاقية للتعويض ، وهنا لايستحق الدائن تعويضاً ما.

ومن البديهي أن الشرط الجزائي – وهو احتياطي كما قدمنا - لا يمكن أن يجمع مع التعويض، لأنه بمثابة التعويض ، وذلك ما لم يكن الشرط الجزائي قد قصد به التعويض عن التأخر في التنفيذ ، فيمكن عندئذ أن يجتمع مع التعويض عن عدم التنفيذ .

الأثر الثالث :

الشرط الجزائي هو تقدير جزافي للتعويض :

وهذه أهم خاصية يتميز بها الشرط الجزائي ، فالشرط الجزائي كما ذكرنا ليس سوى اتفاق مسبق على التعويض ، وينبني على ذلك أن الشرط الجزائي ليس هو السبب في استحقاق التعويض ومصدره وإنما ينشأ التعويض من مصدر آخر، هو عدم التنفيذ أو التأخر فيه.

ويترتب على ذلك أنه يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي كل ما يشترط لاستحقاق التعويض : الخطأ والضرر وعلاقة السببية ، ثم الإعذار حيث يكون الإعذار واجباً لاستحقاق التعويض.

وقد نصت المادة 223 على ذلك صراحة حيث قررت أنه : "يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو فى اتفاق لاحق. ويراعى في هذه الحالة أحكام المواد من 215 إلى 220 "، وهذه المواد المشار إليها يتناول بعضها شروط الخطأ والضرر وعلاقة السببية (م215، 216) ويدخل فيها التعديل الاتفاقي القواعد المسئولية (م 217 ) ويتناول بعضها شرط الإعذار(م 218 - 220).

ويترتب على ذلك أنه يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي وجود خطأ وضرر، وعلاقة السببية والإعذار.

وينبني على ذلك أنه إذا استحال تنفيذ الالتزام الأصلي على الوجه المرضى السبب أجنبي لا يد للمدين فيه فلا تجوز المطالبة بالشرط الجزائي ، ويجب أن يتحقق الضرر بسبب إخلال المدين بالتزامه، فانتفاء الضرر أو انتفاء السببية بين الخطأ والضرر، يستتبع سقوط الجزاء المشروط ، وهذا ما نعرض له في البند التالي بشئ من التفصيل .

شروط التمسك بالشرط الجزائي :

يشترط للتمسك بالشرط الجزائى توافر الشروط الآتية :

(أ) - خطأ المدين : يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي وقوع خطأ من جانب المدين ، فيمتنع عن التنفيذ أو يتأخر فيه ، فإذا لم يكن هناك خطأ من جانب المدين ، لم يلتزم بالتعويض ، وبالتالي لم يكن هناك محل لتطبيق الشرط الجزائي الذي هو مجرد تقدير للتعويض .

ويلتزم الدائن بإثبات خطأ المدين ، ويجوز له إثباته بكافة طرق الإثبات باعتبار أن عدم التنفيذ مسألة مادية.

(ب) ضرر في جانب الدائن : يشترط أن يكون ثمة ضرر أصاب الدائن ، کل فلا يستحق الشرط الجزائي إذا لم يكن هناك ضرر أصاب الدائن ، ذلك أن الضرر شرط لاستحقاق التعويض ، وليس الشرط الجزائى - كما رأينا - إلا طريقة من طرق تقدير التعويض.

ولذلك نصت الفقرة الأخيرة من المادة 244  كما سنرى - على أنه : "لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر"، ويقع عبء إثبات انتقاء الضرر على عاتق المدين .

وجود علاقة سببية مباشرة بين الضرر وعدم التنفيذ : لأن القانون لم يستغن عن شرط الضرر ولا عن شرط عدم التنفيذ ، فمن الطبيعي أيضاً أن يشترط توافر السببية بين الضرر وعدم الوفاء .

غير أن إعفاء الدائن من عبء إثبات الضرر - كما سنرى - وافتراض حصول هذا الضرر يجعل من المتعذر تكليف الدائن بإثبات السببية بين الضرر المفترض وعدم الوفاء ، فيتعين القول بأن القانون يفرض السببية أيضاً و يعفي الدائن من إثباتها ويلقي على المدين عبء نفيها ، فيكفي الدائن أن يثبت عدم الوفاء حتى يصبح الشرط الجزائي واجب التطبيق ما لم يثبت المدين أن الدائن لم يصبه ضرر أو أن الضرر الذي أصابه ليس ناشئاً عن عدم الوفاء بل عن سبب أجنبي عنه أو أن عدم الوفاء ناشئ هو ذاته عن سبب أجنبي جعل الوفاء مستحيلاً.

فضلاً عن الخطأ والضرر ورابطة السببية يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي إعذار المدين في جميع الأحوال التي يكون فيها الإعذار واجباً ، فالشرط ما هو إلا اتفاق على التعويض ، وقد رأينا أن الإعذار شرط لازم الاستحقاق التعويض وخصوصاً التعويض عن التأخير، هذا ولا بعد الاتفاق على الشرط الجزائي - في ذاته - بمثابة اتفاق على الاستغناء عن الإعذار. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الثالث ، الصفحة : 485)

قد يتفق الدائن والمدين سلفاً على التعويض الذي يلتزم به الأخير قبل الأول في حالة عدم تنفيذ التزامه أو تأخره في تنفيذه ، ويسمى هذا الاتفاق بالشرط الجزائي .

فالشرط الجزائي هو اتفاق بمقتضاه يلتزم شخص بالقيام بأمر معین - يكون في الغالب دفع مبلغ من النقود - في حالة إخلاله بالتزام أصلى مقرر في ذمته أو تأخره في الوفاء بذلك الالتزام الأصلى ، جزاءً له على هذا الإخلال أو التأخير وتعويضاً للدائن عما يصيبه من ضرر بسبب ذلك .

وميزته أنه يقلل الى حد كبير المنازعات التي يمكن أن تثور بشأن ركن الضرر من حيث وقوعه أو عدمه ، ومن حيث اعتبار الضرر مباشراً أو غير مباشر، متوقعاً أو غير متوقع ، ومن حيث تقدير قيمته، لأنه يتضمن (أولاً) تسليماً من المدين بأن إخلاله بالتزامه يترتب عليه ضرر الدائن مما يستوجب التعويض و (ثانياً) تقديراً لمبلغ التعويض، فيخفف الأمر الأول عبء الإثبات عن الدائن ويسهل الأمر الثاني مهمة القاضي في تقدير التعويض .

لذلك كثيراً ما يلجأ العاقدان الى الاتفاق على شرط جزائي ، بل يغلب أن يقترن كل التزام عقدی بعمل أو بامتناع بشرط جزائي يأمل الدائن أن يحمل من طريقه المدين على الوفاء بالتزامه على الوجه المتعهد به ، فهو شرط متداول في عقود المقاولة وعقود التوريد وعقود النقل وعقود العمل بل كثيراً ما يرد في عقود البيع لحمل البائع على تسليم البيع في الميعاد أو على توقيع العقد الصالح للشهر أو لحمل المشتري على دفع الثمن في الأجل المتفق عليه ، ومن هذا القبيل الاتفاق في عقد البيع بثمن منجم ( مقسط ) على أن تأخر المشتري في دفع أي قسط من الثمن في ميعاده يستتبع سقوط الآجال المحددة لسائر الأقساط وحلولها جميعاً دفعة واحدة .

وقد يكون المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي تعويضاً عن عدم التنفيذ كما في اشتراط المشتري من البائع تعويضاً معيناً في حالة عدم تسليم المبيع أو في حالة تحرف البائع في المبيع الى آخر، وقد يكون تعويضاً عن مجرد التأخر في التنفيذ كاشتراط المالك على المقاول تعويضاً قدره خمسون جنيهاً عن كل يوم تأخير في اقامة البناء المتفق عليه وتسليمه.

طبيعة الشرط الجزائي :

والشرط الجزائي هو قبل كل شيء اتفاق بين طرفين ، وهو بهذه الصفة يخضع لمبدأ سلطان الإرادة وتسري عليه أحكام العقود من حيث أركانه وشروطه وآثاره وبوجه خاص من حيث اعتبار العقد شريعة المتعاقدين.

وهو فوق ذلك اتفاق على تقدير التعويض بمبلغ معين ، بحيث يقوم هذا التقدير مقام تقدير القاضي للتعويض عند عدم الاتفاق، الأمر الذي يجعل المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائى تعويضاً عن عدم التنفيذ أو عن التأخر فيه ويقتضي بالتالي خضوعه الأحكام التنفيذ بمقابل التي تقدم بيانها .

وقد تتعارض الأحكام المترتبة على كون الشرط الجزائي اتفاقاً يعتبر هو شريعة المتعاقدين مع الأحكام المترتبة على اعتباره تعويضاً يخضع لقواعد التنفيذ بمقابل ، فيقتضي الأمر تغليب احدى الصفتين على الأخرى ، فمثلاً إذا اتفق الدائن والمدين على التزام الأخير بأن يدفع إلى الأول مبلغ ألف جنيه تعويضاً عن عدم تنفيذ التزامه الأصلي بقطع النظر عن حصول أي ضرر الدائن ، فإن تغليب حكم العقد على أحكام التنفيذ بمقابل يؤدي الى الزام المدين بهذا الشرط الجزائي دون تكليف الدائن بإثبات أهم شرط من شروط استحقاق التعويض وفقاً القواعد العامة وهو شرط نشوء ضرر له من عدم تنفيذ المدين التزامه ، كما يؤدي أيضاً إلى إلزام المدين بمبلغ الألف جنيه كاملاً ولو كان الضرر الذي أصاب الدائن أقل من هذه القيمة أو لم يكن قد أصابه ضرر البتة ، وبالعكس من ذلك فإن تغليب أحكام التنفيذ بمقابل على حكم العقد يجيز القاضي ألا يحكم بالشرط الجزائي متى كان الدائن لم يصبه أي ضرر من عدم التنفيذ أو من التأخير في التنفيذ ، كما يجيز له أيضاً أن يخفض قيمة الشرط الجزائي إذا كانت قيمة الضرر الذي وقع أقل من القيمة المتفق عليها.

غير أن السير في هذا الإتجاه الأخير من شأنه أن يفقد الاتفاق على التعويض أهميته العملية ، ما دام هو يحول دون خروجه عن حكم القواعد العامة للتنفيذ بمقابل ، وهذا لا يتفق مع الخدمات الحقيقية التي يؤديها الشرط الجزائي في العمل أو التي ينتظر منه أن يؤديها.

لذلك كان من المتعين التسليم بأن الشرط الجزائي ينطوي أيضاً على فكرة ثالثة هي فكرة الجزائي أو العقوبة الخاصة المقررة برض الطرفين ، إذ أن هذه الفكرة الثالثة من شأنها أن تسهل التوفيق بين الفكرتين السابقتين من حيث أنها باضافتها فكرة الجزاء الى شركة التعویض تسمح بأن تكون قيمة الشرط الجزائي أكبر من قيمة الضرر أو بأن يطبق الشرط الجزائي دون حاجة الى تكليف الدائن بإثبات الضرر طالما أن المدين لم يثبت عدم وقوع ضرر ، وبذلك تقرب هذه الفكرة حكم الشرط الجزائي من حكم العقد وتسمح بالقول بأن الشرط الجزائي هو إلى حد كبير شريعة المتعاقدين.

خصائص الشرط الجزائي :

يبين مما تقدم أن الشرط الجزائي اتفاق يقصد به الخروج عن أحكام التقدير القضائي للتعويض الذي يستحق عند الإخلال بالتزام أصلي ، فهو يتميز بالخصائص الآتية :

(1) أنه اتفاق ، (2) وفيه خروج على القواعد العامة ، (3) وهو اتفاق تبعي لأنه يحدد التزاماً جزائياً لا ينشأ إلا نتيجة الإخلال بالتزام أصلي ، (4) وهو اتفاق سابق على الإخلال بالالتزام الأصلي.

1 - ويترتب على كونه اتفاقاً أن تسري عليه جميع أحكام العقد من حيث أركانه وشروطه، فيرد عليه البطلان وقابلية العقد للإبطال وفقاً للقواعد العامة ، ويجوز الغاؤه أو التخلي عنه باتفاق الطرفين على ذلك صراحة أو ضمناً .

2 - ويترتب على كونه اتفاقاً بالتعويض عن محكمة التقدير القضائي أن نصوصه تعتبر بمثابة نصوص استثنائية يجب تفسيرها بكل دقة أي دون توسع .

3 - أما كون الشرط الجزائي أتفاقاً تبعياً يحدد التزاماً جزائياً فتترتب عليه النتائج الآتية :

(1) أن الشرط الجزائي أو الاتفاق سلفاً على مقدار التعويض لا ينشىء الالتزام بالتعويض بل يقتصر على تحديد مبلغ التعويض الذي يحتمل نشوء الالتزام به، أما الالتزام بالتعويض ذاته فلا ينشأ الا من الإخلال بالالتزام الأصلي، فهذا الإخلال هو الواقعة التي يتحقق بها الشرط الجزائي المتفق عليه بين الطرفين، وتقدير تحقق هذا الشرط يدخل في سلطة قاضي الموضوع دون رقابة عليه من محكمة النقض ما دام تقديره قائماً على ما يسانده .

(ب) أن عدم نشوء الالتزام الأصلي أو بطلانه أو انقضاءه يجعل الشرط الجزائي باطلاً أو انقضاؤه ،  وقد نصت على حالة البطلان المادة 1227 مدنی فرنسي ، وهي لا مقابل لها في القانون المصري ، ولكن حكمها لا يعدو أن يكون تطبيقاً للقواعد العامة ، ذلك أن الشرط الجزائي إنما يقصد به أن يكون جزاء للإخلال بالالتزام الأصلي فإذا كان هذا الالتزام لم يقم أصلاً أو تقرر بطلانه ، فلا يكون ثمت محل للإذلال به ولا لتوقيع جزاء على هذا الإخلال .

ومثل ذلك الشرط الجزائي الذي يتفق عليه في الوعد بالزواج ، فمن المسلم أن الوعد بالزواج لا يقيد أحداً من الخطيبين، لأن الأصل  في الزواج أن يكون الطرفان متمتعين في عقده بمطلق الحرية في إبرامه أو عدمه ، فالوعد بالزواج لا أثر له في الزام أي من الخطيبين بإتمام الزواج ، فإذا رفض أحد الخطيبين إتمامه لا يعتبر مخلاً بالتزام ، وبالتالي لا يكون ثمة محل لتطبيق الشرط الجزائي المنصوص عليه في الوعد بالزواج وليس معنى ذلك أن الخطيب يستطيع أن يستقل بالعدول عن الخطية دون أن يتعرض لجزاء ، إذ أنه مقيد في إستعمال حقه في العدول بأن يكون ذلك لسبب مقبول وبواجب اتخاذ الحيطة لعدم الإضرار بالخطيبة ، فإن لم يراع ذلك كان مسئولاً لإساءة استعمال حق العدول لا للإخلال بالتزام بإتمام الزواج .

وكذلك إذا انقضى الالتزام الأصلي بإستحالة الوفاء، كما في حالة هلاك المبيع بقوة قاهرة، فإن الشرط الجزائي ينقضي تبعاً لانقضائه وكذلك أيضاً إذا اختار الدائن عند عدم تنفيذ المدين التزامه الأصلي فسخ العقد المنشئ لهذا الالتزام ، فان الفسخ يزيل الالتزام بأثر رجعي ويبطل بالتالى الشرط الجزائي  ولو كان هذا الشرط قد نص عليه في اتفاق لاحق للعقد الذي فسخ .

(جـ) أن بطلان الشرط الجزائي لا يؤثر في وجود الالتزام الأصلي ، ومثل ذلك أن ينص الشرط الجزائي على أن يصبح المال المرهون ملكاً للدائن بمجرد عدم قيام المدين بوفاء الدين في ميعاده إذ أن القانون يحرم هذا الشرط (المادة 1052) أو على أن يحق للدائن بمجرد حلول أجل الدين أن يأخذ شخم الدين أو أحد أولاده رهينة ، حتى الوفاء ، فإن بطلان الشرط الجزائي في هذين المثلين لا يؤثر في التزام الدين بالدين الأصلي .

(4) أما أنه اتفاق سابق ، غلانه تقدير للتعويض قبل تحقق شروط استحقاقه ، وقد نصت على ذلك المادة 223 مدني حين قررت أنه لا يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدماً قيمة التعويض ، ولأنه إذا تم الاتفاق على تقدير التعويض بعد الإخلال بالالتزام الأصلي فإن هذا الاتفاق يعتبر صلحاً وتطبق عليه أحكام الصلح لا أحكام الشر الجزائي.

شروط تطبيق الشرط الجزائي :

ولأن الشرط الجزائي لا ينشىء الالتزام بالتعويض وإنما يقتصر على تحديد مبلغ التعويض الذي ينشأ الالتزام به من الإخلال بالالتزام الأصلي ، فإنه لا يكون واجب التطبيق إلا إذا وقع هذا الاخلال ونشأ الالتزام بالتعويض ، وبالتالي فان الزام المدين بالمبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي يقتضي توافر الشروط التي تقدم أنها لازمة لنشوء الحق في التعويض أو الحق في طلب التنفيذ بمقابل ، وهي : (1) عدم وفاء المدين بالتزامه أو تأخره في الوفاء به وتعذر حصول الدائن على التنفيذ العيني جبراً عن المدين ، (2) وإعذار المدين ، (3) وإصابة الدائن بضرر، (4) ووجود علاقة سببية مباشرة بين ضرر الدائن وعدم وفاء المدين ، وقد أشارت إلى ضرورة توافر هذه الشروط المادة 223 مدنی حين قررت أنه «يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدماً قيمة التعويض ما نص عليه في العقد أو في اتفاق لاحق ، ويراعى في هذه الحالة أحكام المواد من 215 الى 220 ، وهي المواد التي نحت على الشروط سالفة الذكر. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس ، الصفحة : 177) 

شرح خبراء القانون

الشرط الجزائى :

الأصل أن يقدر التعويض الذي يلتزم به المدين وفقاً لما لحق الدائن من خسارة وما فاته من کسب بإعتبار هذا الأصل هو القاعدة العامة في تقدير التعويض إلا أن هذه القاعدة لا تسري على إطلاقها، فقد يقدر التعويض وفقاً لنص في القانون كما هو الشأن بالنسبة للفوائد، وقد يقدر بموجب اتفاق بين المتعاقدين، وهذا الاتفاق ما يطلق عليه اسم الشرط الجزائي ، باعتبار أنه شرط من بين شروط العقد ، يؤدي إلى استحقاق الدائن للتعويض المحدد به في حالة تقصير المدين في تنفيذ التزامه ، ومفاد ذلك أن التعويض الاتفاقي هو التزام كغيره من الالتزامات ولكنه التزام مندمج في الالتزام الأصلي ومن ثم فهو تابع له فيدور معه وجوداً وعدماً.

وباعتبار الشرط الجزائي التزاماً ، فيصح أن يكون مضافاً لأجل مغاير لأجل الالتزام الأصلي كان يتفق على استحقاق التعويض الاتفاقي بعد ثلاث أشهر من حلول أجل الالتزام الأصلي في حالة عدم تنفيذه، وقد يكون معلقاً على شرط كأن يشترط أن التعويض الاتفاقي لا يستحق في حالة عدم تنفيذ الالتزام إذا قام المدين بعمل معين.

كما يجب أن يكون للشرط الجزائي محل وسبب مشروعين وأن يكون وليد إرادة غير معيبة وإلا كان باطلاً فيخضع تقدير التعويض في هذه الحالة للقواعد العامة ،

وباعتبار الشرط الجزائي التزاماً، فإن التعويض الوارد به لا يكون مستحقاً إلا وفقاً لما تنص عليه المادة 215 وفي نطاق المواد من 216 الى 220 ومن ثم يلزم توافر شروط المسئولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية وأن يكون الدائن قد أعذر الدين ، وذلك على التفصيل الآتي.

شروط التمسك بالشرط الجزائي :

(أولاً) خطأ المدين : فيجب أن يرتكب المدين تقصيراً فيما يتعلق بتنفيذ التزامه الأصلي ، فيمتنع عن التنفيذ أو يتوقف عن إتمامه فيكون التنفيذ جزئياً أو يتأخر فيه ، ويلتزم الدائن بإثبات هذا التقصير ويكون بكافة طرق الإثبات بإعتبار أن عدم التنفيذ مسألة مادية ، ويعتبر عدم التنفيذ في ذاته خطأ موجباً للمسئولية.

(ثانياً) أن يترتب على تقصير المدين ضرر للدائن ، والضرر هنا مفترض بموجب الشرط الجزائي إذ يكون المتعاقدان افترضا وقوعه بمجرد إخلال المدين بإلتزامه لذلك فلا يكلف الدائن بإثبات ، إنما يجوز للمدين أن يثبت انتفاء الضرر بالنسبة للدائن ، فإن لم يطلب المدين تمكينه من ذلك اعتبر الضرر واقعاً ، أما أن طلبه تعين على المحكمة إجابته إليه ، فان رفضته وجب أن تورد تعليلها لهذا الرفض وإلا كان حكمها مشوباً بالقصور لعدم ردها على دفاع جوهري ، وانظر المادة 224 .

(ثالثاً) أن تتوافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر ، وذلك على التفصيل الذي أوضحناه بالمادة 215 ، كما يجب أن يكون الضرر مباشراً وحقاً وفقاً لما أوضحنا  بالمادة 170.

(رابعاً) أن يتم الإعذار وفقاً للمواد من 218 إلى 220 .

ومتى تحققت هذه الشروط تعين على المحكمة أعمال الشرط الجزائي مراعية المادتين 224 و 225.

سقوط الشرط الجزائي بفسخ العقد أو بطلانه :

الشرط الجزائي التزام تابع :

ويترتب على اعتبار الشرط الجزائي التزام تابع للالتزام الأصلي ، أنه يدور معه وجوداً وعدماً فيبقى ببقائه وينقضي بإنقضائه ، فإن كان الالتزام الأصلي قد انقضى بالتقادم فإن الشرط الجزائي يكون كذلك ، وإذا قضى ببطلان أو بفسخ الالتزام الاصلي تبعه في ذلك الشرط، وقد يكون الشرط الفاسخ صريحاً وتحقق وفى هذه  الحالة لا يلزم صدور حكم بالفسخ ويكفي أن يتمسك المدين بإنفساخ الالتزام الأصلي وحينئذ يقدر التعويض وفقاً للقواعد العامة ، في حالة إستحقاق الدائن له وتوجب هذه القواعد على الدائن، اثبات الضرر وتحققه ومقداره ، فإن اكتفى بالتعويض الاتفاقي الذي تضمنه الشرط الجزائي، رفضت المحكمة هذا الطلب دون أن تكون ملزمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الضرر ومداه .

أما إذا كان الشرط الجزائي باطلاً ، فلا يتعدى هذا البطلان إلى الالتزام الأصلي فيظل صحيحاً ويبطل الشرط وحده وحينئذ يقدر التعويض وفقاً للقواعد العامة .

والشرط الجزائي ، تنفيذ للالتزام بطريق التعويض ، ولذلك فهو أحد محلين لالتزام واحد ، ومن ثم فهو ليس التزاماً بدليلاً أو تخييرياً .

فإذا تضمن العقد شرطاً جزائياً ، فان مناط التمسك به بقاء العقد قائماً بين عاقديه ، وبنفاذ العقد يستمد الشرط الجزائي قوته ، إذ يعتبر التمسك به مستنداً الى  العقد الذي تضمنه، فينفذ بنفاذه وينقضي بإنقضائه وإنحلاله ، باعتبار أن هذا الشرط ضمن شروط العقد، فينبعه من حيث البقاء أو الإنحلال ويترتب على ذلك أن المتعاقد لا يستطيع التمسك بالشرط الجزائي إلا تبعاً لتمسكه بتنفيذ العقد ، فإن عرض عن تنفيذه بان طلب فسخه أو بطلانه ، امتنع عليه الاستناد للعقد بكل ما تضمنه من شروط ومنها الشرط الجزائي ، وحينئذ إذا طالب بتعويض ، فإنه يستند في ذلك للقواعد العامة فيقدره بما فاته من کسب وما لحقه من خسارة ، فإن لم يلتزم بذلك وظل متمسكاً به وجب على المحكمة عدم الإعتداد بالشرط الجزائي وتقدر التعويض وفقاً للقواعد العامة ، ولها أن تتخذ من تقدير التعويض الذي تضمنه الشرط الجزائى قرينة على ما فات الدائن من کسب فتقدر التعويض وفقاً له ولا تكون بذلك قد التزمته .

فإذا ألغت المحكمة الاستئنافية الحكم الابتدائي الذي قضى بالفسخ وقدر التعويض وفقاً للشرط الجزائي ، فإنه يتعين عليها أن تقدره وفقاً للقواعد العامة بما فات الدائن من کسب وما لحقه من خسارة حسبما يتمكن الدائن من إثباته على أن تلتزم بعدم الإضرار بالمستأنف فلا تلزمه بتعویض يجاوز ما قضی علیه به إبتدائياً.

محل الشرط الجزائي :

الغالب في العمل، أن يكون محل الشرط الجزائي مبلغاً من النقود ، فيشترط المتعاقد أن يدفع له المتعاقد الآخر مبلغاً من النقود أن لم يقم بتنفيذ التزامه في الموعد المتفق عليه أو أن يدفع مبلغاً عن كل يوم تأخير أو عن كل شهر حسبما يقضي العقد ، ويختلف الشرط الجزائي عن الغرامة التهديدية في هذه الحالة الأخيرة ، ذلك أن الشرط الجزائي هو تعویض اتفق عليه المتعاقدان، أما الغرامة ، فهى تهديد يلجأ إليه القاضي بناءً على طلب الخصم ، وأن كان كل منهما يخضع في النهاية لتقدير القاضي .

ولكن قد يتفق المتعاقدان على تعويض غير نقدی ، ففى البيع بالتقسيط يشترط البائع حلول باقي الأقساط إذا تأخر المشتري في الوفاء بأي قسط منها وفي هذه الحالة تسري أيضاً أحكام الشرط الجزائي فيخضع الشرط لتقدير القاضي فإن وجد أن مدة التأخير بسيطة أو أن البائع كان متساهلاً لقبوله الأقساط السابقة بعد آجال حلولها، رفض أعمال الشرط الجزائي ، وكأن يشترط الدائن المرتهن تملكه العين المرهونة بدون إتباع إجراءات نزع الملكية إذا ما تأخر المدين عن الوفاء بالدين في الأجل المحدد للوفاء، وبديهي أن الشرط في هذه الحالة يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً .

وفي حالة التقسيط السابقة، يكون للبائع إعذار المشتري بوجوب الوفاء بكل قسط يستحق في موعده ، وحينئذ تسري أحكام الشرط الجزائي التي كانت قد توقفت بسبب تساهل البائع  .

ويجوز أن يكون المحل عملاً أو امتناع عن عمل أو تغيير مكان تنفيذ الالتزام فإن كان محل الشرط مبلغاً قليلاً لا يتناسب إطلاقاً مع الضرر الذي قد يصيب الدائن، انطوى على إعفاء أو تخفيف للمسئولية وتعيين أعمال أحكام المادة 217 من القانون المدني ، فان أدى إلى الإعفاء من مسؤولية المدين التقصيرية أو التخفيف منها وقع باطلاً وقدرت المحكمة التعويض وفقاً لنص المادة 221 فإن تضمن مبلغاً يتجاوز الضرر كان للقاضي رده إلى ما يتناسب مع الضرر الذي أصاب الدائن ، وقد يقصد من الشرط تأكيد ما التزم به المدين في تعهده عن الغير .

تفسير الشرط الجزائي :

الشرط الجزائي قد يرد ضمن بنود العقد، وقد يثبته المتعاقدان في اتفاق منفصل عن العقد، وحينئذ يعتبر هذا الاتفاق مكملاً للعقد ويكون محل اعتبار عند تفسيره .

فإن تمسك أحد المتعاقدين باعتبار أن بندا معينا في العقد يتضمن شرطاً جزائياً بينما تمسك المتعاقد الأخر بأن هذا البند ينطوي على تعديل أحكام العقد في حالة معينة ولم ينصرف على شرط جزائي ، كان على المحكمة تفسير هذا البند بالنظر الى بنود العقد كلها ، وتخضع في ذلك لأحكام التفسير ، فلا تخضع لرقابة محكمة النقض ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة ، فإن خلصت الى توافر الشرط الجزائي أعملت أحكامه أما أن خلصت الى عدم توافره وأن بلد الخلاف يتضمن تعديلاً لأحكام العقد، أعملت هذا الحكم الذي تضمنه البند.

الشرط الجزائي والشرط التهدیدی :

النشرة الجزائي هو اتفاق مسبق على تقدير التعويض الذي يلتزم المدين بأن يدفعه للدائن إذا ما أخل بالتزامه ، مفترضاً في هذا التقدير مساواته للضرر الذي قد يصيب الدائن، وقد يكون الضرر أشد أو أقل مما توقعه المتعاقدان ، وحينئذ تظل للشرط طبيعته باعتباره شرطاً جزئياً فيخضع لتقدير القاضي وفقاً لأحكام هذا الشرط .

وقد لا يقصد التعاقدان من اتفاقهما تقدير التعويض على نحو ما تقدم ، إنما يتضمن العقد شرطاً بالزام المدين بأن يدفع للدائن مبلغاً باهظاً في حالة تخلفه عن تنفيذ التزامه بحيث لا يتناسب إطلاقاً مع الضرر الذي قد يصيب الدائن بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه ، وحينئذ لا يكون هذا شرطاً جزائياً وإنما يكون شرطاً تهدیدیاً قصد منه حمل المدين لالتزامه، وحينئذ لا يكون هذا شرطاً جزائياً وإنما يكون شرطاً تهديدياً قصد منه حمل المدين على تنفيذ التزامه ، ويكون العقد خلواً من الشرط  الجزائي ، مما يتعين معه على المحكمة طرح الشرط التهديدي وتقدير التعويض المستحق وفقاً لما تقضى به القواعد العامة فيشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من کسب. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الرابع الصفحة : 294) 

 

 

المميز للشرط الجزائى : ويتبين من النص السالف الذكر أن الشرط الجزائي ليس هو السبب فى استحقاق التعويض، فلا يتولد عنه التزام أصلي بالتعويض، ولكن يتولد عنه التزام تبعى بتقدير التعويض بمبلغ معين وشروط استحقاق هذا الالتزام هى نفس شروط الالتزام الأصلي، وتكييفه القانوني هو أنه التزام تابع لالتزام أصيل  .

شروط استحقاق الشرط الجزائي هي نفس شروط استحقاق التعويض، وقد قدمنا أن شروط استحقاق التعويض هى وجود خطأ من المدين، وضرر يصيب الدائن، وعلاقة سببية ما بين الخطأ والضرر، وإعذار المدين ، فهذه هي أيضاً شروط استحقاق الشرط الجزائي، وقد أشارت إلي ذلك المادة 223 حيث أحالت علي المواد 215 - 220 وهذه المواد بعضها م 215 - 217 يتناول الشروط الثلاثة الأولي ويدخل في ذلك التعديل الإتفاقي لقواعد المسئولية ، وبعضها م 218 - 220 يتناول شرط الإعذار.

شرط الخطأ : فلا يستحق الشرط الجزائي إذن إلا إذا كان هناك خطأ من المدين ، والغالب أن يكون هذا الخطأ خطئاً عقدياً كما أسلفنا القول ، فإذا لم يكن هناك خطأ من المدين ، فلا مسئولية في جانبه ، ولا يكون التعويض مستحقاً. 

شرط الضرر : ولا يستحق الشرط الجزائي كذلك إذا لم يكن هناك ضرر أصاب الدائن .

وهذا هو ما جرت به الفقرة الأولى من المادة 224 من هذا التقنين : " لا يكون التعويض الإتفاقي مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر " ، ويلاحظ من هذا النص أن الشرط الجزائي بالنسبة إلي وقوع الضرر، لا يخلو من فائدة ، فوجود هذا الشرط يجعل الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين ، ولذلك يفترض وقوع الضرر ، ولا يكلف الدائن بإثباته ، وعلى المدين إذا ادعي أن الدائن لم يلحقه أي ضرر ، أن يثبت ذلك ، عبء إثبات الضرر إذن - خلافاً للقواعد العامة - ينتقل من الدائن إلى المدين بفضل وجود الشرط الجزائي .

شرط علاقة السببية : ولا يستحق الشرط الجزائي إلا إذا قامت علاقة السببية بين الخطأ والضرر، أما إذا انتفت هذه العلاقة بثبوت السبب الأجنبي ، أو انتفت بأن كان الضرر غير مباشر أو كان في المسئولية العقدية مباشراً ولكنه غير متوقع، فعند ذلك لا تتحقق المسئولية ، ولا يستحق التعويض ، فلا محل إذا لإعمال الشرط الجزائي .

شرط الإعذار : والإعذار شرط لاستحقاق الشرط الجزائي ، في جميع الأحوال التي يجب فيها إعذار المدين ، أما في الأحوال التي لا ضرورة فيها للإعذار ، فإنه لا يشترط .

أن الالتزام بالشرط الجزائي هو التزام تابع لالتزام أصيل ، أما الالتزام الأصيل الذي يتبعه الالتزام بالشرط الجزائي فهو ما التزم به المدين أصلاً بالعقد أو بغيره من مصادر الالتزام ، فقد يلتزم بنقل ملكية أو بعمل أو بالامتناع عن عمل ، ثم يتفق مع الدائن علي مبلغ معين يقدران به التعويض فيما إذا أخل المدين بالتزامه .

 ويترتب علي أن الالتزام بالشرط الجزائي التزام تابع أمران : (أولاً) أن العبرة هي بالالتزام الأصلي لا بالشرط الجزائي . 

(ثانياً) بطلان الالتزام الأصلي يستتبع بطلان الشرط الجزائي ، أما بطلان الشرط الجزائي فلا يستتبع بطلان الالتزام الأصلي .

لا يستطيع الدائن أن يطالب المدين إلا بالالتزام الأصلي ما دام تنفيذه ممكناً ، كذلك لا يجوز للمدين أن يعرض علي الدائن إلا الالتزام الأصلي ، وإنما يستطيع الدائن أن يطالب بالشرط الجزائي ، ويستطيع المدين أن يعرضه علي الدائن ، إذا أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مستحيلاً بخطأ المدين ، أما إذا أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مستحيلاً بسبب أجنبي ، قد انقضى هذا الالتزام ، ولا يجوز عندئذ للدائن المطالبة بالشرط الجزائي ، لأن الشرط الجزائي ليس إلا تقديراً لتعويض مستحق ، وهنا لا يستحق الدائن تعويضاً ما .

وينبني علي ما تقدم أن الشرط الجزائي - كالتعويض - لا يعتبر التزاماً تخييرياً ولا التزاماً بدلياً ، فهو ليس بالتزام تخييري ، لأن الدائن لا يستطيع أن يختار بين الالتزام الأصلي والشرط الجزائي فيطلب تنفيذ أيهما ، بل هو لا يستطيع أن يطلب إلا تنفيذ الالتزام الأصلي ما دام هذا ممكناً، ولأن المدين هو أيضاً لا يملك هذا الخيار ، بل هو لا يستطيع إلا أن يعرض تنفيذ الالتزام الأصلي ما أمكنه ذلك ، والشرط الجزائي ليس بالتزام بدلي، لأن المدين لا يملك أن يعدل عن تنفيذ الالتزام الأصلي إذا كان ممكناً إلي تنفيذ الشرط الجزائي كبديل عن الالتزام الأصلى.

بطلان الالتزام الأصلي يستتبع بطلان الشرط الجزائي ولا عكسي : وإذا كان الالتزام الأصلي باطلاً ، كان الشرط الجزائي وهو التزام تابع باطلاً كذلك فإذا عقد الالتزام الأصلي غير ذي أهلية أو غير ذي صفة ، أو تعهد شخص بارتكاب جريمة وإلا دفع مبلغاً معيناً كشرط جزائي ، كان كل من الالتزام الأصلي والشرط الجزائي باطلاً .

ولكن إذا كان الشرط الجزائي باطلاً ، فلا يستتبع ذلك أن يكون الالتزام الأصلي باطلاً .

ويترتب علي تبعية الشرط الجزائي أيضاً أن الدائن إذا اختار ، عند اخلال المدين بالتزامه الأصلي ، فسخ العقد بدلاً من المطالبة بتنفيذ الشرط الجزائي ، سقط الالتزام الأصلي بمجرد فسخ العقد ، وسقط معه الشرط الجزائي لأنه تابع له ،  ويطالب الدائن في هذه الحالة بالتعويضات التي يقدرها القاضي وفقاً للقواعد العامة التي تقدم ذكرها ، ولا يطالب بالتعويض المقدر في الشرط الجزائي.

تمييز الشرط الجزائي عن العربون :

إذا كانت دلالة العربون هي جواز العدول عن العقد ، فإنه يجوز لكل من المتعاقدين أن يرجع في العقد بعد إبرامه لقاء دفع مبلغ العربون، فيشتبه العربون بالشرط الجزائي ، وقد يحمل علي أنه شرط جزائي لتقدير التعويض في حالة العدول عن العقد  .

ولكن الفرق كبير بين العربون والشرط الجزائي ، ويظهر هذا الفرق من الوجوه الآتية :

1 - العربون هو المقابل لحق العدول عن العقد ، فمن أراد من المتعاقدين أن يعدل عن العقد كان له ذلك في مقابل دفع العربون ، أما الشرط الجزائي فتقدير لتعويض عن ضرر قد وقع.

2 - العربون لا يجوز تخفيضه ، سواء كان الضرر الذي أصاب المتعاقد الآخر من جراء العدول عن العقد مناسباً للعربون أو غير مناسب ، بل أنه يجب دفع مبلغ العربون كما هو حتي لو لم يلحق هذا الطرف الآخر أي ضرر من العدول عن العقد كما قدمنا ، أما الشرط الجزائي فيجوز تخفيضه حتى يتناسب مع الضرر ، وسيأتي القول في ذلك.

3 - يمكن تكييف العربون بأنه البدل في التزام بدلي، ففى البيع مع العربون مثلاً ، يلتزم المشتري التزاماً أصلياً بدفع الثمن في مقابل أخذ المبيع ، وله إذا شاء أن يعدل عن هذا المحل الأصلي - دفع الثمن في مقابل أخذ المبيع - إلي محل بدلي هو دفع مبلغ العربون في غير مقابل ، أما الشرط الجزائي فتكييفه القانوني هو تكييف التعويض .

تمييز الشرط الجزائي عن التهديد المالي :

ونستطيع مما قدمناه عن كل من التهديد المالي والشرط الجزائي أن نميز بينهما من الوجوه الآتية :

(1) فالتهديد المالي يحكم به القاضي ، أما الشرط الجزائي فيتفق عليه الدائن والمدين .

(2) والتهديد المالي تحكمي لا يقاس بمقياس الضرر، وإنما يقصد به التغلب علي عناد المدين ، فينظر إلي موارده المالية وقدرته علي مقاومة الضغط ، أما الشرط الجزائي فالأصل فيه أن يقاس بمقياس الضرر .

(3) والتهديد المالي حكم وقتي تهديدي ، فهو لا يقبل التنفيذ إلا إذا حول من غرامة تهديدية إلى تعويض نهائي كما سبق القول ، أما الشرط الجزائي فليس بوقتي ولا تهديدي، وإنما هو اتفاق نهائي قابل للتنفيذ علي حاله ، وإذا جاز تخفيض الشرط الجزائي للمبالغة في التقدير كما سنرى، فالأصل فيه عدم التخفيض، أما التهديد المالي فالأصل فيه التخفيض ، لأنه يكون عادة أزيد بكثير من الضرر الحقيقي ، فيغلب تخفيضه عند تحويله إلى تعويض نهائي .

(4) وليس التهديد المالي إلا وسيلة غير مباشرة للتنفيذ العيني ، أما الشرط الجزائي فعلي العكس من ذلك يتصل بالتعويض لا بالتنفيذ العيني .

(5) والتهديد المالي يقدر عن كل وحدة من الزمن أو عن كل مرة يخل فيها المدين بالتزامه، أما الشرط الجزائي فلا يقدر علي هذا النحو إلا إذا كان تعويضاً عن تأخر المدين في تنفيذ التزامه ، فإذا كان تعويضاً عن عدم التنفيذ فإنه يقدر عادة مبلغاً مقطوعاً. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي ، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثاني ، المجلد : الثاني ، الصفحة : 1116) 

والشرط الجزائي هو اتفاق سابق على تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن في حالة عدم التنفيذ أو التأخر فيه ، فهو تقدير اتفاقي للتعويض بنوعيه ، تقدير يتم الاتفاق عليه قبل وقوع الضرر بالفعل ، وهذا الاتفاق قد يرد في العقد أو في اتفاق لا حق ، والجوهري أن يكون الاتفاق على التقدير قد وقع قبل وقوع الضرر، حتى نكون أمام شرط جزائي ، أما إذا جرى الاتفاق بين الدائن والمدين على تقدير التعويض بعد وقوع الضرر بالفعل ، لم نكن أمام شرط جزائي ، بل تصالح وانطبقت الأحكام الخاصة بعقد الصلح لا بالشرط الجزائي .

 مجال الشرط الجزائي :

أكثر ما يكون الشرط الجزائي بالنسبة للمسئولية العقدية، حيث يتفق على تعويض يلزم به المدين إذا هو لم ينفذ التزامه التعاقدي أو إذا تأخر في تنفيذه.

ومثال الشرط الجزائي عن التأخير ما ينص عليه في عقود المقاولات من إلزام المقاول بدفع مبلغ معين عن كل فترة زمنية معينة يتأخر فيها عن إتمام العمل الذي تعهد به، ومثال ذلك في عقد التوريد ومن هذا القبيل في الالتزام بدفع مبلغ من النقود ، الاتفاق على فائدة يلزم بها المدين إذا تأخر في الوفاء، فالفائدة الاتفاقية في هذه الحالة ليست إلا شرطاً جزائياً عن التأخير ، ولكنها تخضع لأحكام خاصة سنتناولها في موضعها .

ومن أمثلة الشرط الجزائي عن علم التنفيذ أن تعريفة السكك الحديدية وشركات النقل كثيراً ما تحدد مبلغاً معيناً تدفعه المصلحة أو الشركة إذا ما فقد طرد أو تلف.

ولا تقتصر أمثلة الشرط الجزائي على بعض العقود دون بعض ، بل كثيراً ما نجده في العقود الجارية كالبيع والإيجار.

على أن الشرط الجزائي قد يرد أيضاً في ميدان المسئولية التقصيرية الناشئة عن العمل غير المشروع ، ومثال ذلك أن يتفق صاحب مصنع مع جيرانه على مقدار التعويض عن الضرر الذي قد يصيبهم مستقبلاً من الدخان المتصاعد  من مداخن المصنع أو من الضجة الناجمة من آلات المصنع.

يغلب أن يكون التعويض المقرر في الشرط الجزائي مبلغاً من النقود ولكن هناك ما يمنع من أن يحدد التعويض بغير النقود،  ومن هذا القبيل حالة ما إذا اتفق في إيجار أرض زراعية على أن يسلم المستأجر الأرض بمجرد انتهاء الإيجار خالية من الزراعة واشترط في العقد أن الزراعة التي تكون قائمة عند انتهاء الإيجار تصبح ملكاً للمؤجر تعويضاً له عن الإخلال بهذا الاتفاق.

الشرط الجزائي والعربون :

يجب التمييز بين الشرط الجزائي الذي يتضمن تقديراً اتفاقياً للتعويض عن عدم التنفيذ ، وبين العربون فى دفع العربون وقت إبرام العقد ليس وفاءً مسبقاً بتعويض ، وإنما هو يعني إن سكت المتعاقدان عن بیان دلالته ، أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عن العقد ، فإذا عدل من دفع العربون فقده .

وإذا عدل من قبضه رد مثليه ، هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر (م 103) ، وبالتالي لا محل للنظر، في حالة ما إذا نتج ضرر عن العدول ، فيما إذا كان هذا الضرر مناسباً للعربون أم غير مناسب ، أما الشرط الجزائي ، وهو تقدير للتعويض عن ضرر يتوقع المتعاقدان حدوثه عند الإخلال بالالتزام ، فلا يكون مستحقاً إذا لم يلحق الدائن أي ضرر ويتعين تخفيضه إذا كان مبالغاً فيه مبالغة كبيرة كما سنرى.

 الأغراض التي يستعمل الشرط الجزائي في تحقيقها :

يمكن أن يستعمل الشرط الجزائي لتحقيق أغراض ثلاثة :

1 - فهو قد يقوم بدور الشرط المقيد أو المحدد للمسئولية، ويقع هذا عندما يكون مقدار التعويض المحدد مقدماً لعدم التنفيذ أقل بشكل ملحوظ عن مقدار الضرر الفعلي الناشئ من جراء عدم التنفيذ .

2 - قد يقوم الشرط الجزائي بدور التقدير الجزافي للتعويض ، وذلك في الحالة التي يكون منها مقدار التعويض المتفق عليه قد قيس بقدر الإمكان علی قدر الضرر المتوقع حدوثه بالفعل عند عدم التنفيذ أو عند التأخير فيه ، ويهدف الشرط الجزائي في هذه الحالة إلى توفير المناقشات والجدل حول قدر التعويض بحيث يعلم المدين مقدماً مقدار ما سیلزم به عند عدم التنفيذ.

3 - وأخيراً فإن الشرط الجزائى قد يقوم بدور التهديد المالي فهو عندئذ يقوم تقريباً بنفس الدور الذي يقوم به التهديد المالي القضائي (الغرامة التهديدية)، ويقع ذلك عندما يكون مقدار الشرط الجزائي مرتفعاً بشكل ملحوظ عن قدر الضرر المتوقع حدوثه ، ويغلب عندئذ أن يحدد التعويض مقابل كل فترة (يوم أو أسبوع أو شهر) يتأخر فيها المدين عن التنفيذ مثله في ذلك مثل الغرامة التهديدية القضائية.

ومن أمثلة ذلك أن يتفق رب العمل مع مقاول على إلزامه بمبلغ معين يلتزم به عن كل يوم يتأخر فيه عن إنجاز العمل في موعده المحدد .

طبيعة الشرط الجزائي :

الشرط الجزائي هو قبل كل شئ إتفاق بين طرفين ، وهو بهذه الصفة يخضع لمبدأ سلطان الإرادة وتسري عليه أحكام العقود من حيث أركانه وشروطه وآثاره وبوجه خاص من حيث اعتبار العقد شريعة المتعاقدين.

وهو فوق ذلك اتفاق على تقدير التعويض بمبلغ معين ، بحيث يقوم هذا التقدير مقام تقدير القاضي للتعويض عند عدم الاتفاق ، الأمر الذي يجعل المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائى تعويضاً عن عدم التنفيذ أو عن التأخر فيه ويقتضي بالتالي خضوعه لأحكام التنفيذ بمقابل التي تقدم بيانها.

يترتب على تكييف الشرط الجزائي بأنه اتفاق مسبق على تقدير التعويض، الأثر الأول :

 الالتزام بالشرط الجزائي تابع للالتزام الأصلي :

الالتزام بالشرط الجزائي هو التزام تابع لا التزام أصيل ، أما الالتزام الأصلي الذي يتبعه فهو ما التزم به المدين من عمل أو امتناع أو نقل ملكية .

وهذا يعني أن الشرط الجزائي لا يجوز الاتفاق عليه استقلالاً ، ولكنه دائماً يقوم إلى جانب التزام أخر أصلي. 

ويترتب على ذلك ما يأتي :

1 - أن بطلان الالتزام الأصلي يترتب عليه بالتبعية بطلان الالتزام التبعي وهو الالتزام بالشرط الجزائي ، فإذا كان محل الالتزام الأصلي أو سببه غیر مشروع بطل وبطل معه الالتزام بالشرط الجزائي ، كما إذا تعهد شخص بإرتكاب جريمة وإلا التزم بدفع مبلغ من المال ، وكذلك لو كان البطلان نسبياً وتمسك به من له حق الإبطال سقط الالتزام الأصلي ومعه الشرط الجزائي ، كما لو عقد العقد بواسطة شخص ناقص الأهلية أو من تعيبت إرادته بعيب من العيوب.

2 - لو سقط الالتزام الأصلي نتيجة استحالة تنفيذه بقوة قاهرة سقط معه الالتزام بالشرط الجزائي.

3 - لو سقط الالتزام الأصلي نتيجة لفسخ العقد سقط معه الالتزام بالشرط  الجزائي. ومعنى ذلك أنه إذا أخل المدين بالتزامه ولم يختر الدائن تنفيذ العقد عن طريق المطالبة بالتنفيذ بمقابل أي بقيمة الشرط الجزائي، ولكنه اختار فسخه، لم يستطع المطالبة بالشرط الجزائي، لأنه يسقط معه نتيجة لفسخ العقد، وإنما يكون له في هذه الحالة أن يطالب بتعويض يقدره القاضى عما يصيبه من أضرار بسبب فسخ العقد ، وذلك ما لم يكن الشرط الجزائي قد أريد به مواجهة الضرر الذي يصيب الدائن نتيجة الفسخ.

4 - أن جميع الأوصاف التي تلحق الالتزام الأصلي من شرط وأجل وتضامن ونحو ذلك ، تلحق بالتبعية الشرط الجزائي، ويصير هذا الالتزام موصوفاً بوصف الالتزام الأصلي.

الأثر الثاني : الالتزام بالشرط الجزائي هو التزام احتياطي :

الشرط الجزائى يقوم بدور التعويض ، والتعويض هو وسيلة احتياطية لا يلجأ إليه إلا عند عدم تنفيذ الالتزام عيناً ، وينبني على ذلك أن الدائن لا يستطيع أن يطالب إلا بالالتزام الأصلي مادام التنفيذ العيني ممكناً ، وإذا كان التنفيذ العيني ممكناً وعرضة المدين ، فما على الدائن إلا القبول ، ولا يستطيع الدائن عندئذ مطالبة مدينه بالتعويض أى بالشرط الجزائي، فالأصل كما قلنا هو التنفيذ العيني.

وإنما يستطيع الدائن أن يطالب بقيمة الشرط الجزائي ويستطيع المدین أن يعرضه إذا استحال التنفيذ العينى للالتزام بخطأ المدين، أما إذا أصبح تنفيذ الالتزام مستحيلاً بسبب أجنبي لا يد للمدين فيه، فإن الالتزام الأصلي يسقط ، ويسقط معه الالتزام بالشرط الجزائي، ولأن الشرط الجزائي ليس إلا تقديراً اتفاقية للتعويض ، وهنا لايستحق الدائن تعويضاً ما.

ومن البديهي أن الشرط الجزائي – وهو احتياطي كما قدمنا - لا يمكن أن يجمع مع التعويض، لأنه بمثابة التعويض ، وذلك ما لم يكن الشرط الجزائي قد قصد به التعويض عن التأخر في التنفيذ ، فيمكن عندئذ أن يجتمع مع التعويض عن عدم التنفيذ .

الأثر الثالث :

الشرط الجزائي هو تقدير جزافي للتعويض :

وهذه أهم خاصية يتميز بها الشرط الجزائي ، فالشرط الجزائي كما ذكرنا ليس سوى اتفاق مسبق على التعويض ، وينبني على ذلك أن الشرط الجزائي ليس هو السبب في استحقاق التعويض ومصدره وإنما ينشأ التعويض من مصدر آخر، هو عدم التنفيذ أو التأخر فيه.

ويترتب على ذلك أنه يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي كل ما يشترط لاستحقاق التعويض : الخطأ والضرر وعلاقة السببية ، ثم الإعذار حيث يكون الإعذار واجباً لاستحقاق التعويض.

وقد نصت المادة 223 على ذلك صراحة حيث قررت أنه : "يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو فى اتفاق لاحق. ويراعى في هذه الحالة أحكام المواد من 215 إلى 220 "، وهذه المواد المشار إليها يتناول بعضها شروط الخطأ والضرر وعلاقة السببية (م215، 216) ويدخل فيها التعديل الاتفاقي القواعد المسئولية (م 217 ) ويتناول بعضها شرط الإعذار(م 218 - 220).

ويترتب على ذلك أنه يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي وجود خطأ وضرر، وعلاقة السببية والإعذار.

وينبني على ذلك أنه إذا استحال تنفيذ الالتزام الأصلي على الوجه المرضى السبب أجنبي لا يد للمدين فيه فلا تجوز المطالبة بالشرط الجزائي ، ويجب أن يتحقق الضرر بسبب إخلال المدين بالتزامه، فانتفاء الضرر أو انتفاء السببية بين الخطأ والضرر، يستتبع سقوط الجزاء المشروط ، وهذا ما نعرض له في البند التالي بشئ من التفصيل .

شروط التمسك بالشرط الجزائي :

يشترط للتمسك بالشرط الجزائى توافر الشروط الآتية :

(أ) - خطأ المدين : يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي وقوع خطأ من جانب المدين ، فيمتنع عن التنفيذ أو يتأخر فيه ، فإذا لم يكن هناك خطأ من جانب المدين ، لم يلتزم بالتعويض ، وبالتالي لم يكن هناك محل لتطبيق الشرط الجزائي الذي هو مجرد تقدير للتعويض .

ويلتزم الدائن بإثبات خطأ المدين ، ويجوز له إثباته بكافة طرق الإثبات باعتبار أن عدم التنفيذ مسألة مادية.

(ب) ضرر في جانب الدائن : يشترط أن يكون ثمة ضرر أصاب الدائن ، کل فلا يستحق الشرط الجزائي إذا لم يكن هناك ضرر أصاب الدائن ، ذلك أن الضرر شرط لاستحقاق التعويض ، وليس الشرط الجزائى - كما رأينا - إلا طريقة من طرق تقدير التعويض.

ولذلك نصت الفقرة الأخيرة من المادة 244  كما سنرى - على أنه : "لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر"، ويقع عبء إثبات انتقاء الضرر على عاتق المدين .

وجود علاقة سببية مباشرة بين الضرر وعدم التنفيذ : لأن القانون لم يستغن عن شرط الضرر ولا عن شرط عدم التنفيذ ، فمن الطبيعي أيضاً أن يشترط توافر السببية بين الضرر وعدم الوفاء .

غير أن إعفاء الدائن من عبء إثبات الضرر - كما سنرى - وافتراض حصول هذا الضرر يجعل من المتعذر تكليف الدائن بإثبات السببية بين الضرر المفترض وعدم الوفاء ، فيتعين القول بأن القانون يفرض السببية أيضاً و يعفي الدائن من إثباتها ويلقي على المدين عبء نفيها ، فيكفي الدائن أن يثبت عدم الوفاء حتى يصبح الشرط الجزائي واجب التطبيق ما لم يثبت المدين أن الدائن لم يصبه ضرر أو أن الضرر الذي أصابه ليس ناشئاً عن عدم الوفاء بل عن سبب أجنبي عنه أو أن عدم الوفاء ناشئ هو ذاته عن سبب أجنبي جعل الوفاء مستحيلاً.

فضلاً عن الخطأ والضرر ورابطة السببية يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي إعذار المدين في جميع الأحوال التي يكون فيها الإعذار واجباً ، فالشرط ما هو إلا اتفاق على التعويض ، وقد رأينا أن الإعذار شرط لازم الاستحقاق التعويض وخصوصاً التعويض عن التأخير، هذا ولا بعد الاتفاق على الشرط الجزائي - في ذاته - بمثابة اتفاق على الاستغناء عن الإعذار. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الثالث ، الصفحة : 485)

قد يتفق الدائن والمدين سلفاً على التعويض الذي يلتزم به الأخير قبل الأول في حالة عدم تنفيذ التزامه أو تأخره في تنفيذه ، ويسمى هذا الاتفاق بالشرط الجزائي .

فالشرط الجزائي هو اتفاق بمقتضاه يلتزم شخص بالقيام بأمر معین - يكون في الغالب دفع مبلغ من النقود - في حالة إخلاله بالتزام أصلى مقرر في ذمته أو تأخره في الوفاء بذلك الالتزام الأصلى ، جزاءً له على هذا الإخلال أو التأخير وتعويضاً للدائن عما يصيبه من ضرر بسبب ذلك .

وميزته أنه يقلل الى حد كبير المنازعات التي يمكن أن تثور بشأن ركن الضرر من حيث وقوعه أو عدمه ، ومن حيث اعتبار الضرر مباشراً أو غير مباشر، متوقعاً أو غير متوقع ، ومن حيث تقدير قيمته، لأنه يتضمن (أولاً) تسليماً من المدين بأن إخلاله بالتزامه يترتب عليه ضرر الدائن مما يستوجب التعويض و (ثانياً) تقديراً لمبلغ التعويض، فيخفف الأمر الأول عبء الإثبات عن الدائن ويسهل الأمر الثاني مهمة القاضي في تقدير التعويض .

لذلك كثيراً ما يلجأ العاقدان الى الاتفاق على شرط جزائي ، بل يغلب أن يقترن كل التزام عقدی بعمل أو بامتناع بشرط جزائي يأمل الدائن أن يحمل من طريقه المدين على الوفاء بالتزامه على الوجه المتعهد به ، فهو شرط متداول في عقود المقاولة وعقود التوريد وعقود النقل وعقود العمل بل كثيراً ما يرد في عقود البيع لحمل البائع على تسليم البيع في الميعاد أو على توقيع العقد الصالح للشهر أو لحمل المشتري على دفع الثمن في الأجل المتفق عليه ، ومن هذا القبيل الاتفاق في عقد البيع بثمن منجم ( مقسط ) على أن تأخر المشتري في دفع أي قسط من الثمن في ميعاده يستتبع سقوط الآجال المحددة لسائر الأقساط وحلولها جميعاً دفعة واحدة .

وقد يكون المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي تعويضاً عن عدم التنفيذ كما في اشتراط المشتري من البائع تعويضاً معيناً في حالة عدم تسليم المبيع أو في حالة تحرف البائع في المبيع الى آخر، وقد يكون تعويضاً عن مجرد التأخر في التنفيذ كاشتراط المالك على المقاول تعويضاً قدره خمسون جنيهاً عن كل يوم تأخير في اقامة البناء المتفق عليه وتسليمه.

طبيعة الشرط الجزائي :

والشرط الجزائي هو قبل كل شيء اتفاق بين طرفين ، وهو بهذه الصفة يخضع لمبدأ سلطان الإرادة وتسري عليه أحكام العقود من حيث أركانه وشروطه وآثاره وبوجه خاص من حيث اعتبار العقد شريعة المتعاقدين.

وهو فوق ذلك اتفاق على تقدير التعويض بمبلغ معين ، بحيث يقوم هذا التقدير مقام تقدير القاضي للتعويض عند عدم الاتفاق، الأمر الذي يجعل المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائى تعويضاً عن عدم التنفيذ أو عن التأخر فيه ويقتضي بالتالي خضوعه الأحكام التنفيذ بمقابل التي تقدم بيانها .

وقد تتعارض الأحكام المترتبة على كون الشرط الجزائي اتفاقاً يعتبر هو شريعة المتعاقدين مع الأحكام المترتبة على اعتباره تعويضاً يخضع لقواعد التنفيذ بمقابل ، فيقتضي الأمر تغليب احدى الصفتين على الأخرى ، فمثلاً إذا اتفق الدائن والمدين على التزام الأخير بأن يدفع إلى الأول مبلغ ألف جنيه تعويضاً عن عدم تنفيذ التزامه الأصلي بقطع النظر عن حصول أي ضرر الدائن ، فإن تغليب حكم العقد على أحكام التنفيذ بمقابل يؤدي الى الزام المدين بهذا الشرط الجزائي دون تكليف الدائن بإثبات أهم شرط من شروط استحقاق التعويض وفقاً القواعد العامة وهو شرط نشوء ضرر له من عدم تنفيذ المدين التزامه ، كما يؤدي أيضاً إلى إلزام المدين بمبلغ الألف جنيه كاملاً ولو كان الضرر الذي أصاب الدائن أقل من هذه القيمة أو لم يكن قد أصابه ضرر البتة ، وبالعكس من ذلك فإن تغليب أحكام التنفيذ بمقابل على حكم العقد يجيز القاضي ألا يحكم بالشرط الجزائي متى كان الدائن لم يصبه أي ضرر من عدم التنفيذ أو من التأخير في التنفيذ ، كما يجيز له أيضاً أن يخفض قيمة الشرط الجزائي إذا كانت قيمة الضرر الذي وقع أقل من القيمة المتفق عليها.

غير أن السير في هذا الإتجاه الأخير من شأنه أن يفقد الاتفاق على التعويض أهميته العملية ، ما دام هو يحول دون خروجه عن حكم القواعد العامة للتنفيذ بمقابل ، وهذا لا يتفق مع الخدمات الحقيقية التي يؤديها الشرط الجزائي في العمل أو التي ينتظر منه أن يؤديها.

لذلك كان من المتعين التسليم بأن الشرط الجزائي ينطوي أيضاً على فكرة ثالثة هي فكرة الجزائي أو العقوبة الخاصة المقررة برض الطرفين ، إذ أن هذه الفكرة الثالثة من شأنها أن تسهل التوفيق بين الفكرتين السابقتين من حيث أنها باضافتها فكرة الجزاء الى شركة التعویض تسمح بأن تكون قيمة الشرط الجزائي أكبر من قيمة الضرر أو بأن يطبق الشرط الجزائي دون حاجة الى تكليف الدائن بإثبات الضرر طالما أن المدين لم يثبت عدم وقوع ضرر ، وبذلك تقرب هذه الفكرة حكم الشرط الجزائي من حكم العقد وتسمح بالقول بأن الشرط الجزائي هو إلى حد كبير شريعة المتعاقدين.

خصائص الشرط الجزائي :

يبين مما تقدم أن الشرط الجزائي اتفاق يقصد به الخروج عن أحكام التقدير القضائي للتعويض الذي يستحق عند الإخلال بالتزام أصلي ، فهو يتميز بالخصائص الآتية :

(1) أنه اتفاق ، (2) وفيه خروج على القواعد العامة ، (3) وهو اتفاق تبعي لأنه يحدد التزاماً جزائياً لا ينشأ إلا نتيجة الإخلال بالتزام أصلي ، (4) وهو اتفاق سابق على الإخلال بالالتزام الأصلي.

1 - ويترتب على كونه اتفاقاً أن تسري عليه جميع أحكام العقد من حيث أركانه وشروطه، فيرد عليه البطلان وقابلية العقد للإبطال وفقاً للقواعد العامة ، ويجوز الغاؤه أو التخلي عنه باتفاق الطرفين على ذلك صراحة أو ضمناً .

2 - ويترتب على كونه اتفاقاً بالتعويض عن محكمة التقدير القضائي أن نصوصه تعتبر بمثابة نصوص استثنائية يجب تفسيرها بكل دقة أي دون توسع .

3 - أما كون الشرط الجزائي أتفاقاً تبعياً يحدد التزاماً جزائياً فتترتب عليه النتائج الآتية :

(1) أن الشرط الجزائي أو الاتفاق سلفاً على مقدار التعويض لا ينشىء الالتزام بالتعويض بل يقتصر على تحديد مبلغ التعويض الذي يحتمل نشوء الالتزام به، أما الالتزام بالتعويض ذاته فلا ينشأ الا من الإخلال بالالتزام الأصلي، فهذا الإخلال هو الواقعة التي يتحقق بها الشرط الجزائي المتفق عليه بين الطرفين، وتقدير تحقق هذا الشرط يدخل في سلطة قاضي الموضوع دون رقابة عليه من محكمة النقض ما دام تقديره قائماً على ما يسانده .

(ب) أن عدم نشوء الالتزام الأصلي أو بطلانه أو انقضاءه يجعل الشرط الجزائي باطلاً أو انقضاؤه ،  وقد نصت على حالة البطلان المادة 1227 مدنی فرنسي ، وهي لا مقابل لها في القانون المصري ، ولكن حكمها لا يعدو أن يكون تطبيقاً للقواعد العامة ، ذلك أن الشرط الجزائي إنما يقصد به أن يكون جزاء للإخلال بالالتزام الأصلي فإذا كان هذا الالتزام لم يقم أصلاً أو تقرر بطلانه ، فلا يكون ثمت محل للإذلال به ولا لتوقيع جزاء على هذا الإخلال .

ومثل ذلك الشرط الجزائي الذي يتفق عليه في الوعد بالزواج ، فمن المسلم أن الوعد بالزواج لا يقيد أحداً من الخطيبين، لأن الأصل  في الزواج أن يكون الطرفان متمتعين في عقده بمطلق الحرية في إبرامه أو عدمه ، فالوعد بالزواج لا أثر له في الزام أي من الخطيبين بإتمام الزواج ، فإذا رفض أحد الخطيبين إتمامه لا يعتبر مخلاً بالتزام ، وبالتالي لا يكون ثمة محل لتطبيق الشرط الجزائي المنصوص عليه في الوعد بالزواج وليس معنى ذلك أن الخطيب يستطيع أن يستقل بالعدول عن الخطية دون أن يتعرض لجزاء ، إذ أنه مقيد في إستعمال حقه في العدول بأن يكون ذلك لسبب مقبول وبواجب اتخاذ الحيطة لعدم الإضرار بالخطيبة ، فإن لم يراع ذلك كان مسئولاً لإساءة استعمال حق العدول لا للإخلال بالتزام بإتمام الزواج .

وكذلك إذا انقضى الالتزام الأصلي بإستحالة الوفاء، كما في حالة هلاك المبيع بقوة قاهرة، فإن الشرط الجزائي ينقضي تبعاً لانقضائه وكذلك أيضاً إذا اختار الدائن عند عدم تنفيذ المدين التزامه الأصلي فسخ العقد المنشئ لهذا الالتزام ، فان الفسخ يزيل الالتزام بأثر رجعي ويبطل بالتالى الشرط الجزائي  ولو كان هذا الشرط قد نص عليه في اتفاق لاحق للعقد الذي فسخ .

(جـ) أن بطلان الشرط الجزائي لا يؤثر في وجود الالتزام الأصلي ، ومثل ذلك أن ينص الشرط الجزائي على أن يصبح المال المرهون ملكاً للدائن بمجرد عدم قيام المدين بوفاء الدين في ميعاده إذ أن القانون يحرم هذا الشرط (المادة 1052) أو على أن يحق للدائن بمجرد حلول أجل الدين أن يأخذ شخم الدين أو أحد أولاده رهينة ، حتى الوفاء ، فإن بطلان الشرط الجزائي في هذين المثلين لا يؤثر في التزام الدين بالدين الأصلي .

(4) أما أنه اتفاق سابق ، غلانه تقدير للتعويض قبل تحقق شروط استحقاقه ، وقد نصت على ذلك المادة 223 مدني حين قررت أنه لا يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدماً قيمة التعويض ، ولأنه إذا تم الاتفاق على تقدير التعويض بعد الإخلال بالالتزام الأصلي فإن هذا الاتفاق يعتبر صلحاً وتطبق عليه أحكام الصلح لا أحكام الشر الجزائي.

شروط تطبيق الشرط الجزائي :

ولأن الشرط الجزائي لا ينشىء الالتزام بالتعويض وإنما يقتصر على تحديد مبلغ التعويض الذي ينشأ الالتزام به من الإخلال بالالتزام الأصلي ، فإنه لا يكون واجب التطبيق إلا إذا وقع هذا الاخلال ونشأ الالتزام بالتعويض ، وبالتالي فان الزام المدين بالمبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي يقتضي توافر الشروط التي تقدم أنها لازمة لنشوء الحق في التعويض أو الحق في طلب التنفيذ بمقابل ، وهي : (1) عدم وفاء المدين بالتزامه أو تأخره في الوفاء به وتعذر حصول الدائن على التنفيذ العيني جبراً عن المدين ، (2) وإعذار المدين ، (3) وإصابة الدائن بضرر، (4) ووجود علاقة سببية مباشرة بين ضرر الدائن وعدم وفاء المدين ، وقد أشارت إلى ضرورة توافر هذه الشروط المادة 223 مدنی حين قررت أنه «يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدماً قيمة التعويض ما نص عليه في العقد أو في اتفاق لاحق ، ويراعى في هذه الحالة أحكام المواد من 215 الى 220 ، وهي المواد التي نحت على الشروط سالفة الذكر. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس ، الصفحة : 177) 

الفقة الإسلامي

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

المادة ۲۳۲)

يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدماً قيمة التعويض بالنص عليها في العقد او في اتفاق لاحق.
هذه المادة تطابق المادة 223 من التقنين الحالى ، مع اغفال الاشارة الى مراعاة أحكام المواد الخاصة باستحالة التنفيذ لسبب أجنبي ، وسلطة القاضي في انقاص التعويض اذا كان المضرور قد اشترك بخطئة في أحداث الضرر ، والاتفاق على زيادة عبء المسئولية أو التخفيف منه ، والاعذار . اذ أنه فيما عدا الأحكام التي وردت في خصوص التعويض الاتفاقي ، فان هذا التعويض يخضع للاحكام ذاتها التي تسري على تعويض يقدره القاضي.