loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- لما كانت جريمة استغلال الدين فى الترويج لأفكار متطرفة المنصوص عليها فى المادة 98 ( و ) من قانون العقوبات تتطلب لتوافرها ركناً مادياً هو الترويج أو التحبيذ بأية وسيلة لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين ,آخر معنوياً بأن تتجه إرادة الجاني لا إلى مباشرة النشاط الإجرامى _ وهو الترويج أو التحبيذ _ فحسب ، وإنما يجب أن تتوافر لديه أيضاً إرادة تحقيق واقعة غير مشروعة وهى إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى ، وكان الحكم الابتدائى الغيابى بعد أن أورد وصف النيابة للتهمة بأن الطاعن ( استغل الدين فى الترويج باستعمال أفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى ) وطلبها عقابه بالمادة 98 ( و ) من قانون العقوبات استطرد من ذلك مباشرة إلى القول , وحيث إن التهمة ثابته قبل المتهم قانوناً وكافياً وتتوافر الأركان أخذاً بالثابت بالأوراق التى تطمئن إليها المحكمة ويتعين عقابه عملاً بمواد الاتهام بالمادة 304 / 2 أ.ج ) ثم قضى الحكم الصادر فى المعارضة الابتدائية - الذى اعتنق أسبابه الحكم المطعون فيه - بتأييد الحكم الابتدائى الغيابى لأسبابه وأضاف قوله أن المحكمة تضيف لأسباب الحكم المعارض فيه أن التهمة تعد ثابتة فى حق المتهم أخذاً من أقوال المجنى عليه ...... بأن المتهم أحدث بشفرة حلاقة بيده اليمنى علامة على شكل صليب وذكر له أنه سيحدث بالكهرباء أخرى مماثلة ووعده بإعطائة نقوداً إن هو اعتنق المسيحية ومن قول والد المجنى عليه بأن المتهم هو الذى أحدث العلامة بيد ابنه ثم استطرد من ذلك إلى قوله ( ومن جماع تلك الأقوال وإلى أقوال المدعو ..... بمحضر الضبط ترى أن التهمة ثابتة فى حق المتهم ركناً ودليلاً ) وإذ كان هذا الذى أجمله الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه ، على المساق المتقدم ، لايكفى بياناً للواقعة وتدليلاً عليها على النحو الذى يتطلبة القانون ، ذلك أنه اكتفى بسرد أقوال المجنى عليه ووالده ولم يوضح مدى مطابقتها للأهداف المؤثمة فى القانون ولم يبين من واقع هذه الأقوال الترويج بأى طريقة من الطرق للأفكار المتطرفة ، ولا أبان ماهية تلك الأفكار التى دان الطاعن بالترويج لها ولا كذلك استظهر كيف أن القصد منها كان إثارة الفتنة والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى ، فإنه يكون قاصراً عن استظهار العناصر المكونة للجريمة التى دان الطاعن بها كما هى معرفة فى القانون . هذا فضلاً عن أنه حين أورد الأدلة التى أقام منها عماداً لقضائه ، ارتكن إلى أقوال الشاهد .......... ولم يورد فحواها ولا أبان وجه اعتماده عليها ، مما يعيبه بالقصور لهذا السبب كذلك .

(الطعن رقم 41774 لسنة 59 جلسة 1996/01/07 س 47 ع 1 ص 16 ق 1)

2- ما دام الحكم قد استظهر أن الطاعن عضو عامل فى جمعية بالمملكة المصرية ترمي إلى سيطرة طبقة العمال على غيرها من الطبقات وإلى محو الرأسمالية والملكية الفردية والقضاء على الأسس الاجتماعية المصرية وقلب نظام الحكم من ملكية إلى جمهورية، وذلك باستعمال القوة والعنف عن طريق تسليح العمال والقيام بثورة مسلحة لتحقيق تلك الأغراض غير المشروعة وأن الطاعن يروج لتلك المبادئ بكتابة نشرات وتقارير شهرية، فإنه يكون قد بين واقعة الدعوى بما يتوافر فيه جميع العناصر القانونية للجريمة التي دانه بها إذ القانون لا يشترط أن يكون الجاني قد قام بالفعل بعمل من أعمال القوة أو العنف أو أن تكون المؤسسة المنضمة إليها قد قامت فعلاً بشئ من ذلك بل يكفي فى القانون أن يكون استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظاً فى تحقيق تلك الأغراض .

(الطعن رقم 1827 لسنة 20 جلسة 1951/04/16 س 2 ع 3 ص 974 ق 357)

3- إذا كان الحكم قد إستخلص إستخلاصاً سائغاً من مطابقة بعض النشرات التى ضبطت مع الطاعن مع النشرات التى ضبطت عند المتهم الثانى ، و من إعتراف المتهم الثانى بأن الطاعن كان يرسل له خطابات على غير معرفة ، و مما إنتهت إليه المحكمة من أن الطاعن أرسل للمتهم الثانى الخطاب المتضمن نشرات بعنوان " المقاومة الشعبية " و مطبوعات بهذا العنوان عن تاريخ الثورة الروسية ، إستخلص أن الطاعن هو الذى أرسل للمتهم الثانى النشرات التى ضبطت عنده - فإن ما إنتهت إليه المحكمة فى هذا الشأن يتوافر معه التحبيذ و الترويج .

(الطعن رقم 161 لسنة 24 جلسة 1954/05/18 س 5 ع 3 ص 668 ق 224)

4- إن الجريمة المنصوص عليها فى المادة 176 من قانون العقوبات تطلب تحقيق العلانية بإحدى الطرق المبينة فى المادة 171 من قانون العقوبات على خلاف ما يتطلبه القانون لقيام جريمتى الترويج و التحبيذ من الإكتفاء بمخاطبة شخص واحد أو فى جمعية خاصة أو فى مكان خاص .

(الطعن رقم 161 لسنة 24 جلسة 1954/05/18 س 5 ع 3 ص 668 ق 224)

5- لما كانت حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى الدستور إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل فى أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه ، فإذا ما تبين أنه كان يبتغي بالجدل الذي أثاره المساس بحرمة الدين والسخرية منه فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد .

(الطعن رقم 21602 لسنة 84 جلسة 2015/03/22)

شرح خبراء القانون

ملحوظة 1: بموجب قانون حالة الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وقرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 بمد حالة الطوارئ المعلنة بقرار رئيس الجمهورية رقم 174 لسنة 2021 في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من 24 /7 /2021، وبتفويض رئيس مجلس الوزراء في اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في القانون المشار إليه، فقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1664 لسنة 2021 المنشور في الجريدة الرسمية، العدد 28 (مكرر) في 18 يوليو 2021، والذي تضمن إحالة الجريمة موضوع هذا النص إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، وذلك خلال فترة سريان قرار رئيس الجمهورية بمد حالة الطوارئ.

ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها.

(مركز الراية للدراسات القانونية)

هذه المادة أضيفت بالقانون رقم 29 لسنة 1982 الصادر في 14/ 4/ 1982 والمنشور في 22/ 4/ 1982 .

- ثم حذفت عبارة «أو التحبيذ» و عبارة «أو السلام الاجتماعي» الواردتين في المادة 98 (و). وذلك بموجب المادة الخامسة من القانون 147 لسنة 2006. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني،  الصفحة: 130)

الركن المادي لهذه الجريمة يشكل اعتداء صارخ على الوحدة الوطنية بالدولة ويتمثل في استغلال الدين في الترويج أو التحبيذ سواء بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة ويكون ذلك بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية لهذه الأديان.

الركن المعنوي :

هذه الجريمة من الجرائم العمدية، وبالتالي لابد من توافر القصد الجنائي بشقيه العلم والإرادة العلم بماهية الركن المادي مع الإرادة في إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إلى هذه الأديان.

العقوبة:

الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه.  (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني،  الصفحة: 228)

الفقة الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 173 ، 174 ، 175 ، 176

(مادة 334)

 يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه ، أو بإحدى هاتين العقوبتين - كل من حرض علناً على كراهية نظام الحكم في مصر أو الإزدراء به . 

(مادة 335) 

 

يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات ، أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه - كل من إستغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة ، أو تحقير أو إزدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها ، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الإجتماعي . 

(مادة 338) 
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه ، أو بإحدى هاتين العقوبتين - كل من أذاع عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة ، أو بث دعايات مثيرة ، وكان من شأن ذلك 
إضطراب الأمن العام ، أو إلقاء الرعب بين الناس ، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة . 
ويعاقب بذات العقوبة كل من أحرز أو حاز بالذات أو بالوساطة محررات أو مطبوعات تتضمن شيئاً مما نص عليه في الفقرة السابقة ، معدة للتوزيع أو إطلاع الغير عليها ، وكذلك كل من أحرز أو حاز بالذات أو بالوساطة أية وسيلة من وسائل الطباعة أو التسجيل أو العلانية مخصصة - ولو بصفة وقتية - لطباعة أو تسجيل أو إذاعة شيء مما ذكر . 
(مادة 342) 
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة من حرض بطريق من طرق العلانية على بغض طائفة من الناس، أو على الازدراء بها، وكان من شأن هذا التحريض اضطراب السلم العام. 
(مادة 343)
 يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة من حرض غيره بإحدى طرق العلانية على عدم الانقياد للقوانين، أو حسن أما بعد جناية أو جنحة. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني عشر ، الصفحة /  263

أ - التَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ :

الأْصْلُ: أَنَّهُ لاَ يُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ الْقَتْلَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)  وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  : «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» . وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى  جَوَازِ الْقَتْلِ تَعْزِيرًا فِي جَرَائِمَ مُعَيَّنَةٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ، مِنْ ذَلِكَ: قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ  إِذَا تَجَسَّسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَذَهَبَ إِلَى  جَوَازِ تَعْزِيرِهِ بِالْقَتْلِ مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ.

وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ. وَمِنْ ذَلِكَ: قَتْلُ الدَّاعِيَةِ إِلَى  الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَالْجَهْمِيَّةِ. ذَهَبَ إِلَى  ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّعْزِيرَ بِالْقَتْلِ فِيمَا تَكَرَّرَ مِنَ الْجَرَائِمِ،  إِذَا كَانَ جِنْسُهُ يُوجِبُ الْقَتْلَ، كَمَا يُقْتَلُ مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ اللِّوَاطُ أَوِ الْقَتْلُ بِالْمُثَقَّلِ . وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ  وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ الْمُفْسِدَ  إِذَا لَمْ يَنْقَطِعْ شَرُّهُ إِلاَّ بِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَرْفَجَةَ الأْشْجَعِيِّ رضي الله عنه  قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  يَقُولُ: مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ»  .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 300

 

حَالاَتُ الْحَبْسِ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الدِّينِ وَشَعَائِرِهِ :

أ - الْحَبْسُ لِلرِّدَّةِ :

- إِذَا ثَبَتَتْ رِدَّةُ الْمُسْلِمِ حُبِسَ حَتَّى تُكْشَفَ شُبْهَتُهُ وَيُسْتَتَابَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا الْحَبْسِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: أَنَّ حَبْسَ الْمُرْتَدِّ لاِسْتِتَابَتِهِ قَبْلَ قَتْلِهِ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ أُخْبِرَ عَنْ قَتْلِ رَجُلٍ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلاَمٍ فَقَالَ لِقَاتِلِيهِ: أَفَلاَ حَبَسْتُمُوهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَقَدَّمْتُمْ لَهُ خُبْزًا، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قَتَلْتُمُوهُ.. اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي. فَلَوْ كَانَ حَبْسُهُ غَيْرَ وَاجِبٍ لَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ، وَلَمَا تَبَرَّأَ مِنْ عَمَلِهِمْ، وَقَدْ سَكَتَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ فَكَانَ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. ثُمَّ إِنَّ اسْتِصْلاَحَ الْمُرْتَدِّ مُمْكِنٌ بِحَبْسِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ فَلاَ يَجُوزُ إِتْلاَفُهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ هَذَا فَعَلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ حَبْسَ الْمُرْتَدِّ لاِسْتِتَابَتِهِ قَبْلَ قَتْلِهِ مُسْتَحَبٌّ لاَ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَنْقُولُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَطَاوُسٍ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِحَدِيثِ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلأِنَّهُ يَعْرِفُ أَحْكَامَ الإْسْلاَمِ، وَقَدْ جَاءَتْ رِدَّتُهُ عَنْ تَصْمِيمٍ وَقَصْدٍ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلاَ يَجِبُ حَبْسُهُ لاِسْتِتَابَتِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ طَمَعًا فِي رُجُوعِهِ الْمَوْهُومِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا أَنَّ أَبَا مُوسَى الأْشْعَرِيَّ بَعَثَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُخْبِرُهُ بِفَتْحِ تُسْتَرَ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ قَوْمٍ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ: مَا أَخْبَارُهُمْ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَنِ الإْسْلاَمِ وَلَحِقُوا بِالْمُشْرِكِينَ مَا سَبِيلُهُمْ إِلاَّ الْقَتْلُ. فَقَالَ عُمَرُ: لأَنْ آخُذَهُمْ سِلْمًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. فَقَالَ أَنَسٌ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِمْ؟ قَالَ عُمَرُ: أَعْرِضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى الإْسْلاَمِ فَإِنْ فَعَلُوا وَإِلاَّ اسْتَوْدَعْتُهُمُ السِّجْنَ. وَيُرْوَى فِي هَذَا أَيْضًا أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى الْيَمَنَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلاً مُوثَقًا فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلاَمٍ، ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى الْجُلُوسِ فَقَالَ مُعَاذٌ: لاَ أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ هَذَا - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ.

وَفِي الْمُرْتَدِّ الَّذِي يُحْبَسُ، وَمُدَّةِ حَبْسِهِ وَمَسَائِلَ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِالْمُرْتَدِّ تَفْصِيلاَتٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (رِدَّةٌ).

ب - الْحَبْسُ لِلزَّنْدَقَةِ :

- يُطْلَقُ لَفْظُ الزِّنْدِيقِ عَلَى كُلِّ مَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ وَأَظْهَرَ الإْيمَانَ حَتَّى بَدَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى خَبِيئَةِ نَفْسِهِ. وَلِلْعُلَمَاءِ قَوْلاَنِ فِي حُكْمِ الزِّنْدِيقِ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: إِذَا عُثِرَ عَلَى الزِّنْدِيقِ يُقْتَلُ وَلاَ يُسْتَتَابُ، وَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى التَّوْبَةِ إِلاَّ إِذَا جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ يُظْهَرَ عَلَيْهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلُ اللَّيْثِ وَإِسْحَاقَ.

وَعِلَّةُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مِنْهُ عَلاَمَةٌ تُبَيِّنُ رُجُوعَهُ وَتَوْبَتَهُ؛ لأِنَّهُ كَانَ مُظْهِرًا لِلإْسْلاَمِ مُسِرًّا لِلْكُفْرِ، فَإِذَا أَظْهَرَ الإْسْلاَمَ لَمْ يَزِدْ جَدِيدًا.

الْقَوْلُ الثَّانِي: الزِّنْدِيقُ يُحْبَسُ لِلاِسْتِتَابَةِ كَالْمُرْتَدِّ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الأْخْرَى عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَابْنِ لُبَابَةَ. اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الْمُنَافِقِينَ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِهِمْ، فَهُوَ الأْسْوَةُ فِي إِبْقَائِهِمْ عَلَى الْحَيَاةِ وَاسْتِتَابَتِهِمْ كَالْمُرْتَدِّينَ.

ج - حَبْسُ الْمُسِيءِ إِلَى بَيْتِ النُّبُوَّةِ :

- مَنْ سَبَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ يُضْرَبُ وَيُشَهَّرُ وَيُحْبَسُ طَوِيلاً؛ لاِسْتِخْفَافِهِ بِحَقِّ الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم . وَمَنْ شَتَمَ الْعَرَبَ أَوْ لَعَنَهُمْ أَوْ بَنِي هَاشِمٍ سُجِنَ وَضُرِبَ. وَمَنِ انْتَسَبَ كَذِبًا إِلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  ضُرِبَ وَسُجِنَ وَشُهِّرَ بِهِ لاِسْتِخْفَافِهِ بِحَقِّهِ عليه الصلاة والسلام، وَلاَ يُخَلَّى عَنْهُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ. وَمَنْ شَتَمَ عَائِشَةَ رضي الله عنها  بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ يُسْجَنُ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ قُتِلَ لِرِدَّتِهِ وَكُفْرِهِ. وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِهَا فَعَلَيْهِ الضَّرْبُ الشَّدِيدُ وَالسَّجْنُ الطَّوِيلُ. وَمَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ أَوِ انْتَقَصَهُمْ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ يُحْبَسُ وَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ فِي السِّجْنِ.

د - الْحَبْسُ لِتَرْكِ الصَّلاَةِ :

- لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ جُحُودًا وَاسْتِخْفَافًا كَافِرٌ مُرْتَدٌّ، يُحْبَسُ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ يُقْتَلْ. وَقَدْ ذَكَرُوا: أَنَّ تَرْكَ الصَّلاَةِ يَحْصُلُ بِتَرْكِ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ يَخْرُجُ وَقْتُهَا دُونَ أَدَائِهَا مَعَ الإْصْرَارِ عَلَى ذَلِكَ.

وَمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ كَسَلاً وَتَهَاوُنًا مَعَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا يُدْعَى إِلَيْهَا، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى تَرْكِهَا فَفِي عُقُوبَتِهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: يُحْبَسُ تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ قُتِلَ حَدًّا لاَ كُفْرًا، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَوَكِيعٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: يُحْبَسُ تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ قُتِلَ كُفْرًا وَرِدَّةً، حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ مَنْ جَحَدَهَا وَأَنْكَرَهَا لِعُمُومِ حَدِيثِ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ» وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالأْوْزَاعِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: يُحْبَسُ تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً وَلاَ يُقْتَلُ بَلْ يُضْرَبُ فِي حَبْسِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالْمَارِقِ مِنَ الدِّينِ التَّارِكِ الْجَمَاعَةَ» وَتَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً لَيْسَ أَحَدَ الثَّلاَثَةِ، فَلاَ يَحِلُّ دَمُهُ بَلْ يُحْبَسُ لاِمْتِنَاعِهِ مِنْهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا.

هـ - الْحَبْسُ لاِنْتِهَاكِ حُرْمَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ:

مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ جُحُودًا وَاسْتِهْزَاءً حُبِسَ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ قُتِلَ؛ لأِنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ.

وَمَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ كَسَلاً وَتَهَاوُنًا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ وَصْفُ الإْسْلاَمِ وَلاَ يُقْتَلُ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ بَلْ يُعَاقَبُ بِالْحَبْسِ، وَيُمْنَعُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ نَهَارًا لِيَحْصُلَ لَهُ صُورَةُ الصِّيَامِ، وَرُبَّمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَنْوِيَهُ فَيَحْصُلُ لَهُ حِينَئِذٍ حَقِيقَتُهُ. وَنَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى أَنَّهُ يُحْبَسُ مُدَّةَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ.

وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ يُضْرَبُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، ثُمَّ يُحْبَسُ وَيُضْرَبُ عِشْرِينَ جَلْدَةً تَعْزِيرًا لِحَقِّ رَمَضَانَ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.

و - الْحَبْسُ بِسَبَبِ الْعَمَلِ بِالْبِدْعَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا :

حَبْسُ الْبِدْعِيِّ الدَّاعِيَةِ :

- ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْبِدْعِيَّ الدَّاعِيَةَ يُمْنَعُ مِنْ نَشْرِ بِدْعَتِهِ، وَيُضْرَبُ وَيُحْبَسُ بِالتَّدَرُّجِ، فَإِذَا لَمْ يَكُفَّ عَنْ ذَلِكَ جَازَ قَتْلُهُ سِيَاسَةً وَزَجْرًا؛ لأِنَّ  فَسَادَهُ أَعْظَمُ وَأَعَمُّ، إِذْ يُؤَثِّرُ فِي الدِّينِ وَيُلَبِّسُ أَمْرَهُ عَلَى الْعَامَّةِ. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُحْبَسُ وَلَوْ مُؤَبَّدًا حَتَّى يَكُفَّ عَنِ الدَّعْوَةِ إِلَى بِدْعَتِهِ وَلاَ يُقْتَلُ، وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ.

حَبْسُ الْمُبْتَدِعِ غَيْرِ الدَّاعِيَةِ :

- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حَبْسِ الْمُبْتَدِعِ غَيْرِ الدَّاعِيَةِ وَضَرْبِهِ إِذَا لَمْ يَنْفَعْ مَعَهُ الْبَيَانُ وَالنُّصْحُ، وَقَالَ آخَرُونَ: يُعَزَّرُ.

وَاتَّجَهَ بَعْضُهُمْ إِلَى جَوَازِ قَتْلِهِ إِذَا لَمْ يَتُبْ. وَقَدْ حَبَسَ عُمَرُ رضي الله عنه صَبِيغَ بْنَ عِسْلٍ وَضَرَبَهُ مِرَارًا لِتَتَبُّعِهِ مُشْكِلَ الْقُرْآنِ وَمُتَشَابِهَهُ بِقَصْدِ إِرْسَاءِ مَبْدَأِ الاِبْتِدَاعِ وَالْكَيْدِ فِي الدِّينِ مُخَالِفًا بِذَلِكَ قَوَاعِدَ التَّسْلِيمِ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا كَانَ يَفْعَلُ الصَّحَابَةُ.

ز - الْحَبْسُ لِلتَّسَاهُلِ فِي الْفَتْوَى وَنَحْوِهِ :

حَبْسُ الْمُفْتِي الْمَاجِنِ :

- نَصَّ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حَبْسِ وَتَأْدِيبِ الْمُتَجَرِّئِ عَلَى الْفَتْوَى إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلاً لَهَا. وَنَقَلَ مَالِكٌ عَنْ شَيْخِهِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: بَعْضُ مَنْ يُفْتِي هَاهُنَا أَحَقُّ بِالسِّجْنِ مِنَ السُّرَّاقِ. وَسُئِلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنْ رَجُلٍ يَقُولُ: إِنَّ الاِسْتِمْرَارَ فِي شُرْبِ الدُّخَانِ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَى فَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَابَ: يَلْزَمُهُ التَّأْدِيبُ اللاَّئِقُ بِحَالِهِ كَالضَّرْبِ أَوِ السِّجْنِ لِتَجَرُّئِهِ عَلَى الأْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَغْيِيرِهِ لَهَا؛ لأِنَّ  حُرْمَةَ الزِّنَى قَطْعِيَّةٌ إِجْمَاعِيَّةٌ، وَفِي حُرْمَةِ الدُّخَانِ خِلاَفٌ.

ح - الْحَبْسُ لِلاِمْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الْكَفَّارَاتِ :

- ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ مَرْجُوحٍ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ أَدَاءِ الْكَفَّارَاتِ يُحْبَسُ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُحْبَسُ بَلْ يُؤَدَّبُ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الظِّهَارِ: إِنَّ الْمَرْأَةَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا إِذَا خَافَتْ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الْكَفَّارَةِ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِ رَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ لِيَمْنَعَهُ مِنْهَا، وَيُؤَدِّبُهُ إِنْ رَأَى ذَلِكَ. فَإِنْ أَصَرَّ الْمُظَاهِرُ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي بِهَا بِحَبْسِهِ وَضَرْبِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الزَّوْجَةِ إِلَى أَنْ يُكَفِّرَ أَوْ يُطَلِّقَ؛ لأِنَّ  حَقَّ الْمُعَاشَرَةِ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ لاَ إِلَى خَلَفٍ، فَاسْتَحَقَّ الْحَبْسَ لاِمْتِنَاعِهِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والعشرون ، الصفحة /  184

حُكْمُ سَبِّ اللَّهِ تَعَالَى:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى كَفَرَ، سَوَاءٌ كَانَ مَازِحًا أَوْ جَادًّا أَوْ مُسْتَهْزِئًا.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَإِيمَانِكُمْ).

وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى قَبُولِهَا، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ،.

وَلَمْ نَجِدْ لِلشَّافِعِيَّةِ تَفْرِقَةً بَيْنَ الرِّدَّةِ بِذَلِكَ وَبَيْنَ الرِّدَّةِ بِغَيْرِهِ.

حُكْمُ سَبِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم:

السَّبُّ هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الاِنْتِقَادُ وَالاِسْتِخْفَافُ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ السَّبُّ فِي عُقُولِ النَّاسِ، عَلَى اخْتِلاَفِ اعْتِقَادَاتِهِمْ، كَاللَّعْنِ وَالتَّقْبِيحِ،.

وَحُكْمُ سَابِّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مُرْتَدٌّ بِلاَ خِلاَفٍ.

وَيُعْتَبَرُ سَابًّا لَهُ صلى الله عليه وسلم كُلُّ مَنْ أَلْحَقَ بِهِ صلى الله عليه وسلم عَيْبًا أَوْ نَقْصًا، فِي نَفْسِهِ، أَوْ نَسَبِهِ، أَوْ دِينِهِ، أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ، أَوِ ازْدَرَاهُ، أَوْ عَرَّضَ بِهِ، أَوْ لَعَنَهُ، أَوْ شَتَمَهُ، أَوْ عَابَهُ، أَوْ قَذَفَهُ، أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

هَلْ يُقْتَلُ السَّابُّ رِدَّةً أَمْ حَدًّا؟

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَابْنُ تَيْمِيَّةَ، إِنَّ سَابَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا، كَأَيِّ مُرْتَدٍّ؛ لأِنَّهُ بَدَّلَ دِينَهُ فَيُسْتَتَابُ، وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ - فِيمَا يَنْقُلُهُ السُّبْكِيُّ - فَيَرَوْنَ أَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رِدَّةٌ وَزِيَادَةٌ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ السَّابَّ كَفَرَ أَوَّلاً، فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَأَنَّهُ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاجْتَمَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ عِلَّتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا تُوجِبُ قَتْلَهُ،

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ سَابَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ يُسْتَتَابُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فَيُسْلِمَ.

حُكْمُ سَبِّ الأْنْبِيَاءِ عليهم الصلاة والسلام :

مِنَ الأْنْبِيَاءِ مَنْ هُمْ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَكَأَنَّمَا سَبَّ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم وَسَابُّهُ كَافِرٌ، فَكَذَا كُلُّ نَبِيٍّ مَقْطُوعٍ بِنُبُوَّتِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ.

وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا غَيْرَ مَقْطُوعٍ بِنُبُوَّتِهِ، فَمَنْ سَبَّهُ زُجِرَ، وَأُدِّبَ وَنُكِّلَ بِهِ، لَكِنْ لاَ يُقْتَلُ، صَرَّحَ بِهَذَا الْحَنَفِيَّةُ.

حُكْمُ سَبِّ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقَدْ كَذَّبَ صَرِيحَ الْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ بِحَقِّهَا، وَهُوَ بِذَلِكَ كَافِرٌ، قَالَ تَعَالَى فِي حَدِيثِ الإْفْكِ بَعْدَ أَنْ بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ(يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

فَمَنْ عَادَ لِذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ.

وَهَلْ تُعْتَبَرُ مِثْلَهَا سَائِرُ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ؟ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّهُنَّ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ،. وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).

وَالطَّعْنُ بِهِنَّ يَلْزَمُ مِنْهُ الطَّعْنُ بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَارُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ.

وَالْقَوْلُ الآْخَرُ وَهُوَ مَذْهَبٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الأْخْرَى لِلْحَنَابِلَةِ: إِنَّهُنَّ - سِوَى عَائِشَةَ - كَسَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَسَابُّهُنَّ يُجْلَدُ، لأِنَّهُ قَاذِفٌ.

أَمَّا سَابُّ الْخُلَفَاءِ فَهُوَ لاَ يَكْفُرُ، وَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ.

حُكْمُ مَنْ سَبَّ رَسُولاً مِنَ الرُّسُلِ عليهم الصلاة والسلام:

أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى كُفْرِ مَنْ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ نَبِيٍّ مِنَ الأْنْبِيَاءِ، أَوْ رِسَالَةَ أَحَدٍ مِنَ الرُّسُلِ  عليه الصلاة والسلام أَوْ كَذَّبَهُ، أَوْ سَبَّهُ، أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِ، أَوْ سَخِرَ مِنْهُ، أَوِ اسْتَهْزَأَ بِسُنَّةِ رَسُولِنَا  عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى : (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَإِيمَانِكُمْ)، الآْيَةَ.

وقوله تعالى:  (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا).

كَمَا أَنَّ مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ يُقْتَلُ.

وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (رِدَّة، وَتَوْبَة).

وَيُمَاثِلُ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ بَقِيَّةُ الرُّسُلِ وَالأْنْبِيَاءُ وَالْمَلاَئِكَةُ، فَمَنْ سَبَّهُمْ أَوْ لَعَنَهُمْ، أَوْ عَابَهُمْ أَوْ قَذَفَهُمْ أَوِ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِمْ، أَوْ أَلْحَقَ بِهِمْ نَقْصًا، أَوْ غَضَّ مِنْ مَرْتَبَتِهِمْ أَوْ نَسَبَ إِلَيْهِمْ مَا لاَ يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِمْ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ قُتِلَ،. وَالتَّفْصِيلُ فِي: (تَوْبَة، رِدَّة).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 135

 

حُكْمُ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى:

8 - سَبُّ اللَّهِ تَعَالَى إِمَّا أَنْ يَقَعَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ.

فَإِنْ وَقَعَ مِنْ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَافِرًا حَلاَلَ الدَّمِ.

وَلاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ فَقَطْ فِي اسْتِتَابَتِهِ.

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (رِدَّةٍ).

التَّعْرِيضُ بِسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى:

9 - التَّعْرِيضُ بِالسَّبِّ كَالسَّبِّ، صَرَّحَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: مَنْ عَرَّضَ بِشَيْءٍ مِنْ ذِكْرِ الرَّبِّ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا.

سَبُّ الذِّمِّيِّ لِلَّهِ تَعَالَى:

10 - لاَ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي سَبِّ الذِّمِّيِّ لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ سَبِّهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ حَيْثُ الْقَتْلُ، وَنَقْضُ الْعَهْدِ، وَيَتَّضِحُ الْحُكْمُ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ سَبِّ الذِّمِّيِّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .

 

حُكْمُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم :

سَبُّ الْمُسْلِمِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم :

11 - إِذَا سَبَّ مُسْلِمٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْتَدًّا. وَفِي اسْتِتَابَتِهِ خِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (رِدَّةٍ).

سَبُّ الذِّمِّيِّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم :

12 - لِلْعُلَمَاءِ عِدَّةُ أَقْوَالٍ فِي حُكْمِ الذِّمِّيِّ إِذَا سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم .

فَقِيلَ: إِنَّهُ يُنْقَضُ أَمَانُهُ بِذَلِكَ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (أَهْلِ الذِّمَّةِ).

وَيُقْتَلُ وُجُوبًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِهَذَا السَّبِّ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ، فَإِنْ أَسْلَمَ إِسْلاَمًا غَيْرَ فَارٍّ بِهِ مِنَ الْقَتْلِ لَمْ يُقْتَلْ لقوله تعالي : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ).

قَالُوا: وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَلْ إِذَا أَسْلَمَ مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمَ الأْصْلِ يَّ يُقْتَلُ بِسَبِّهِ عليه الصلاة والسلام ، وَلاَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ مِنْ أَجْلِ حَقِّ الآْدَمِيِّ، لأِنَّ ا نَعْلَمُ بَاطِنَهُ فِي بُغْضِهِ وَتَنْقِيصِهِ بِقَلْبِهِ لَكِنَّا مَنَعْنَاهُ مِنْ إِظْهَارِهِ، فَلَمْ يَزِدْنَا مَا أَظْهَرَهُ إِلاَّ مُخَالَفَتَهُ لِلأْمْرِ، وَنَقْضًا لِلْعَهْدِ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى الإْسْلاَمِ سَقَطَ مَا قَبْلَهُ، بِخِلاَفِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّا ظَنَنَّا بَاطِنَهُ بِخِلاَفِ مَا بَدَا مِنْهُ الآْنَ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمُ انْتِقَاضَ الْعَهْدِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، انْتَقَضَ عَهْدُ السَّابِّ وَيُخَيَّرُ الإْمَامُ فِيهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالاِسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ إِنْ لَمْ يَسْأَلِ الذِّمِّيُّ تَجْدِيدَ الْعَقْدِ.

وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ نَبِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الأْنْبِيَاءِ، وَكَذَا الرُّسُلُ إِذِ النَّبِيُّ أَعَمُّ مِنَ الرَّسُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَالأْنْبِيَاءُ الَّذِينَ تَخُصُّهُمْ هَذِهِ الأْحْكَامُ هُمُ الْمُتَّفَقُ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ، أَمَّا مَنْ لَمْ تَثْبُتْ نُبُوَّتُهُمْ فَلَيْسَ حُكْمُ مَنْ سَبَّهُمْ كَذَلِكَ. وَلَكِنْ يُزْجَرُ مَنْ تَنَقَّصَهُمْ أَوْ آذَاهُمْ، وَيُؤَدَّبُ بِقَدْرِ حَالِ الْقَوْلِ فِيهِمْ، لاَ سِيَّمَا مَنْ عُرِفَتْ صِدِّيقِيَّتُهُ وَفَضْلُهُ مِنْهُمْ كَمَرْيَمَ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ نُبُوَّتُهُ، وَلاَ عِبْرَةَ بِاخْتِلاَفِ غَيْرِنَا فِي نُبُوَّةِ نَبِيٍّ مِنَ الأْنْبِيَاءِ، كَنَفْيِ الْيَهُودِ نُبُوَّةَ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ.

التَّعْرِيضُ بِسَبِّ الأْنْبِيَاءِ:

13 - التَّعْرِيضُ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  كَالتَّصْرِيحِ، ذَكَرَ ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ.

وَيُقَابِلُهُ عِنْدَهُمْ أَنَّ التَّعْرِيضَ لَيْسَ كَالتَّصْرِيحِ.

وَقَدْ ذَكَرَ عِيَاضٌ رحمه الله تعالي  إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةَ الْفَتْوَى مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ التَّلْوِيحَ كَالتَّصْرِيحِ.

سَبُّ السَّكْرَانِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم :

14 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ السَّكْرَانِ إِذَا سَبَّ فِي سُكْرِهِ نَبِيًّا مِنَ الأَْنْبِيَاءِ، هَلْ يَكُونُ مُرْتَدًّا بِذَلِكَ ؟ وَهَلْ يُقْتَلُ ؟ وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (سُكْرٍ).

الإْكْرَاهُ عَلَى سَبِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَوِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم :

15 - الإْكْرَاهُ عَلَى سَبِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ سَبِّ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم  لاَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ إِكْرَاهًا عَلَى الْكُفْرِ، وَيَتَكَلَّمُ الْفُقَهَاءُ فِيهِ غَالِبًا فِي بَابِ الرِّدَّةِ أَوِ الإْكْرَاهِ.

وَتَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَقِيَّةٍ، رِدَّةٍ، إِكْرَاهٍ).

سَبُّ الْمَلاَئِكَةِ:

16 - حُكْمُ سَبِّ الْمَلاَئِكَةِ لاَ يَخْتَلِفُ عَنْ حُكْمِ سَبِّ الأْنْبِيَاءِ عليهم الصلاة والسلام .

قَالَ عِيَاضٌ رحمه الله تعالي وَهَذَا فِيمَنْ حَقَّقْنَا كَوْنَهُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ كَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَخَزَنَةِ الْجَنَّةِ وَخَزَنَةِ النَّارِ وَالزَّبَانِيَةِ وَحَمَلَةِ الْعَرْشِ، وَكَعِزْرَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ وَرِضْوَانَ، وَالْحَفَظَةِ، وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمْ.

وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَّفَقِ عَلَى كَوْنِهِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَلَيْسَ الْحُكْمُ فِي سَابِّهِمْ وَالْكَافِرِ بِهِمْ كَالْحُكْمِ فِيمَنْ قَدَّمْنَاهُ إِذْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ، وَلَكِنْ يُزْجَرُ مَنْ تَنَقَّصَهُمْ وَآذَاهُمْ، وَيُؤَدَّبُ حَسَبَ حَالِ الْمَقُولِ فِيهِمْ.

وَحَكَى الزَّرْقَانِيُّ عَنِ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ سَبَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِمْ.

قَتْلُ الْقَرِيبِ الْكَافِرِ إِذَا سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوِ الرَّسُولَ أَوِ الدِّينَ:

17 - الأْصْلُ  أَنَّهُ يُكْرَهُ قَتْلُ الْقَرِيبِ الْكَافِرِ حَتَّى فِي الْغَزْوِ. لَكِنَّهُ إِنْ سَبَّ الإْسْلاَمَ أَوْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ نَبِيًّا مِنَ الأْنْبِيَاءِ يُبَاحُ لَهُ قَتْلُهُ؛ لأِنَّ  «أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ رضي الله تعالي عنه قَتَلَ أَبَاهُ، وَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُهُ يَسُبُّكَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ».

وَوَرَدَ «أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِيكَ قَوْلاً قَبِيحًا فَقَتَلْتُهُ، فَلَمْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ».

سَبُّ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :

18 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ سَبَّ عَائِشَةَ رضي الله تعالي عنها مِمَّا بَرَّأَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ كُفْرٌ؛ لأِنَّ  السَّابَّ بِذَلِكَ كَذَّبَ اللَّهَ تَعَالَى فِي أَنَّهَا مُحْصَنَةٌ.

أَمَّا إِنْ قَذَفَ سَائِرَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  بِمِثْلِ ذَلِكَ فَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ كَحُكْمِ قَذْفِ عَائِشَةَ رضي الله تعالي عنهن.

أَمَّا إِنْ كَانَ السَّبُّ بِغَيْرِ الْقَذْفِ لِعَائِشَةَ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ صَرَّحَ الزَّرْقَانِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ السَّابَّ يُؤَدَّبُ، وَكَذَا الْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فَرَّقَ بَيْنَ الْقَذْفِ وَبَيْنَ السَّبِّ بِغَيْرِ الْقَذْفِ وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلاَمِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ لأِنَّهُمْ يُقَيِّدُونَ السَّبَّ الْمُكَفِّرَ بِأَنَّهُ السَّبُّ بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ. وَمَنْ صَرَّحَ بِالْقَتْلِ بِالسَّبِّ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ سَبٌّ هُوَ قَذْفٌ.

سَبُّ الدِّينِ وَالْمِلَّةِ:

19 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ مِلَّةَ الإْسْلاَمِ أَوْ دِينَ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُ كَافِرًا، أَمَّا مَنْ شَتَمَ دِينَ مُسْلِمٍ فَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ كَمَا جَاءَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ مَنْ شَتَمَ دِينَ مُسْلِمٍ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ التَّأْوِيلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَخْلاَقُهُ الرَّدِيئَةُ وَمُعَامَلَتُهُ الْقَبِيحَةُ لاَ حَقِيقَةَ دِينِ الإْسْلاَمِ فَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يَكْفُرَ حِينَئِذٍ.

قَالَ الْعَلاَّمَةُ عُلَيْشٌ: يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ بَعْضِ شِغْلَةِ الْعَوَامِّ كَالْحَمَّارَةِ وَالْجَمَّالَةِ وَالْخَدَّامِينَ سَبُّ الْمِلَّةِ أَوِ الدِّينِ، وَرُبَّمَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ قَصَدَ الشَّرِيعَةَ الْمُطَهَّرَةَ، وَالأْحْكَامَ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم  فَهُوَ كَافِرٌ قَطْعًا، ثُمَّ إِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ فَهُوَ مُرْتَدٌّ.

فَإِنْ وَقَعَ السَّبُّ مِنَ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ حُكْمَ سَبِّ اللَّهِ أَوِ النَّبِيِّ، ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

نُقِلَ عَنْ عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ الْيَهُودِيَّةِ أَنَّهَا كَانَتْ تَعِيبُ الإْسْلاَمَ، وَتُؤْذِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  وَتُحَرِّضُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهَا عَمْرُو بْنُ عَدِيٍّ الْخِطْمِيُّ.

قَالُوا: فَاجْتَمَعَ فِيهَا مُوجِبَاتُ الْقَتْلِ إِجْمَاعًا.

وَهَذَا عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ، أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ قَالُوا: يَجُوزُ قَتْلُهُ وَيُنْقَضُ عَهْدُهُ إِنْ طَعَنَ فِي الإْسْلاَمِ طَعْنًا ظَاهِرًا.

سَبُّ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم:

20 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ يَحْرُمُ سَبُّ الصَّحَابَةِ رضوان الله عليهم  لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ».

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ فَاسِقٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَفِّرُهُ، فَإِنْ وَقَعَ السَّبُّ مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ مَذْهَبَانِ:

الأْوَّلُ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا، قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ شَتَمَهُمْ بِمَا يَشْتُمُ بِهِ النَّاسُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِلًّا، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ فِيمَنْ شَتَمَ صَحَابِيًّا الْقَتْلُ ؟ فَقَالَ: أَجَبْنَ عَنْهُ، وَيُضْرَبُ. مَا أَرَاهُ عَلَى الإْسْلاَمِ.

الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، نَقَلَهُ الْبَزَّازِيُّ عَنِ الْخُلاَصَةِ: إِنْ كَانَ السَّبُّ لِلشَّيْخَيْنِ يَكْفُرُ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ قَالَ فِيهِمْ: كَانُوا عَلَى ضَلاَلٍ وَكُفْرٍ، وَقَصَرَ سَحْنُونٌ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ سَبَّ الأْرْبَعَةَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَهُوَ مُقَابِلُ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، ضَعَّفَهُ الْقَاضِي وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ مُسْتَحِلًّا، وَقِيلَ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 316

سَبُّ الصَّحَابَةِ:

مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ، أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَإِنْ نَسَبَ إِلَيْهِمْ مَا لاَ يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمْ، أَوْ فِي دِينِهِمْ بِأَنْ يَصِفَ بَعْضَهُمْ بِبُخْلٍ، أَوْ جُبْنٍ، أَوْ قِلَّةِ عِلْمٍ، أَوْ عَدَمِ الزُّهْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلاَ يَكْفُرُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ.

أَمَّا إِنْ رَمَاهُمْ بِمَا يَقْدَحُ فِي دِينِهِمْ أَوْ عَدَالَتِهِمْ كَقَذْفِهِمْ: فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَذَفَ الصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ: عَائِشَةَ - رضي الله عنهما - زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ، لأِنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ.

أَمَّا بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ مَنْ سَبَّهُمْ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لاَ يَكْفُرُ بِسَبِّ أَحَدِ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ عَائِشَةَ بِغَيْرِ مَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ وَيَكْفُرُ بِتَكْفِيرِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَوِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ ارْتَدُّوا جَمِيعًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَنَّهُمْ فَسَقَوْا؛ لأِنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الرِّضَا عَنْهُمْ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: أَنَّ نَقَلَةَ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ كُفَّارٌ، أَوْ فَسَقَةٌ، وَأَنَّ هَذِهِ الأْمَّةَ الَّتِي هِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ، وَخَيْرُهَا الْقَرْنُ الأْوَّلُ كَانَ عَامَّتُهُمْ كُفَّارًا، أَوْ فُسَّاقًا، وَمَضْمُونُ هَذَا: أَنَّ هَذِهِ الأْمَّةَ شَرُّ الأْمَمِ، وَأَنَّ سَابِقِيهَا هُمْ أَشْرَارُهَا، وَكُفْرُ مَنْ يَقُولُ هَذَا مِمَّا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.

وَجَاءَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ: يَجِبُ إِكْفَارُ مَنْ كَفَّرَ عُثْمَانَ، أَوْ عَلِيًّا، أَوْ طَلْحَةَ، أَوْ عَائِشَةَ، وَكَذَا مَنْ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ يَلْعَنُهُمَا.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 22

حُكْمُ قَذْفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  وَأُمِّهِ:

قَذْفُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم  وَقَذْفُ أُمِّهِ رِدَّةٌ عَنِ الإْسْلاَمِ، وَخُرُوجٌ عَنِ الْمِلَّةِ، وَمَنْ قَذَفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  كَفَرَ وَقُتِلَ وَلَوْ تَابَ أَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ، لاَ إِنْ سَبَّهُ بِغَيْرِ الْقَذْفِ ثُمَّ أَسْلَمَ.

قَذْفُ زَوْجَةٍ مِنْ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ رضى الله عنها  فَقَدْ كَذَّبَ صَرِيحَ الْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ بِحَقِّهَا، وَهُوَ بِذَلِكَ كَافِرٌ بَعْدَ أَنْ بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ فِي قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإْفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإْثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبَرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)  إِلَى قوله تعالى : (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) .

أَمَّا سَائِرُ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُنَّ مِثْلُ عَائِشَةَ فِي الْحُكْمِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ)  وَقَذْفُهُنَّ طَعْنٌ بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم  وَعَارٌ عَلَيْهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الأْخْرَى لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  سِوَى عَائِشَةَ كَسَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَسَابُّهُنَّ يُجْلَدُ؛ لأِنَّهُ قَاذِفٌ.

وَلِلتَّفْصِيلِ ر: (رِدَّة ف 18، وَسَبّ ف 18)

حُكْمُ قَذْفِ الأْنْبِيَاءِ:

يَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّ مَنْ قَذَفَ نَبِيًّا مِنَ الأْنْبِيَاءِ يُقْتَلُ، وَلاَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (رَسُول ف 3)،

وَمُصْطَلَحَ: (سَبّ ف 11 - 13) .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاثون ، الصفحة / 66

الْمُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم

عَدَّ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ الْمُتَّهَمَ بِالْكَذِبِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْكَذَّابِ مِنْ مَرَاتِبِ أَلْفَاظِ التَّجْرِيحِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: تَجُوزُ رِوَايَةُ حَدِيثِ مَنْ كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ فِي غَيْرِ الأْحْكَامِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَهْلِ التُّهْمَةِ بِالْكَذِبِ فَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ مَعَ بَيَانِ حَالِهِمْ. وَالَّذِي يَتَبَيَّنُ مِنْ عَمَلِ الإْمَامِ أَحْمَدَ وَكَلاَمِهِ أَنَّهُ يَتْرُكُ الرِّوَايَةَ عَنِ الْمُتَّهَمِينَ وَالَّذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ كَثْرَةُ الْخَطَأِ لِلْغَفْلَةِ وَسُوءِ الْحِفْظِ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ الْمُتَّهَمَ بِالْفِسْقِ الْمُبْتَدِعَ الَّذِي لَمْ يَكْفُرْ بِبِدْعَتِهِ إِذَا كَانَ دَاعِيَةً إِلَى بِدْعَتِهِ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً قُبِلَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ وَقَالَ ابْنُ الصَّلاَحِ: وَهَذَا مَذْهَبُ الْكَثِيرِ أَوِ الأْكْثَرِ وَهُوَ أَعْدَلُهَا وَأَوْلاَهَا.