الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني،
وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 120 لسنة 1962 أنه قد عدلت المادة (103 مكرراً ) بأن أضيف لها حالة الموظف الذي يعتقد خطأ أنه مختص بالعمل أو بالامتناع عنه، وهي حالة لم يكن يتناولها العقاب من قبل مع وجوب فرض عقوبة لها، لأنها أقرب إلى طبيعة الرشوة من حالة الزعم.
1- لما كان الحكم قد عرض لما تمسك به الدفاع عن الطاعن من أن طلب الرشوة لا محل أو سبب له بعد أن ألغيت المناقصة و رد عليه بقوله : " أن الثابت من الأوراق أن لجنة البت قررت بجلسة 1976/9/18 بناء على مذكرة قسم المشتريات الموقع عليها من المدير و المتهم إلغاء المناقصة بالنسبة " ...... " لقلة العطاءات و إعادة الشراء بطريق الممارسة أمام لجنة البت لإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد ممكن ، و من ثم يكون السبب متحققاً و هو وجود ممارسة لتوريد " الحصير " يمكن لأى من الموردين الدخول فيها و تكون الجريمة المنصوص عليها فى المادة 103 مكرراً عقوبات متوافرة الأركان فى حق المتهم و ذلك بطلبه و أخذه مبلغ الرشوة لأداء عمل زعم أنه من إختصاصه و إتجهت إرادته إلى هذا الطلب و ذلك الأخذ و هو يعلم بأن ما أخذه ليس إلا مقابل إستغلال وظيفته " . لما كان ذلك ، و كان الشارع قد إستحدث نص المادة 103 مكرراً من قانون العقوبات بالتعديل المدخل بالقانون رقم 69 لسنة 1953 " المعدلة أخيراً بالقانون رقم 120 لسنة 1962 " مستهدفاً به الضرب على أيدى العابثين عن طريق التوسع فى مدلول الرشوة و شمولها من يستغل من الموظفين العموميين و الذين ألحقهم الشارع بهم وظيفته للحصول من ورائها على فائدة محرمة و لو كان ذلك على أساس الإختصاص المزعوم ، و يكفى لمساءلة الجاني على هذا الأساس أن يزعم أن العمل الذى يطلب الجعل لأدائه يدخل فى أعمال وظيفته ، و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أو وسائل إحتيالية و كل ما يطلب فى هذا الصدد هو صدور الزعم فعلاً من الموظف دون أن يكون لذلك تأثير فى إعتقاد المجنى عليه بهذا الإختصاص المزعوم . و لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت واقعة الدعوى فيما سلف بيانه بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة الرشوة المنصوص عليها فى المادة 103 مكرراً من قانون العقوبات التى دان الطاعن بها فإن الحكم يكون صحيحاً فى القانون و خالياً من القصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 2309 لسنة 50 جلسة 1981/06/01 س 32 ص 594 ق 105)
2- لا يؤثر فى قيام جريمة الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها ، ومن ثم فلا يعيب الحكم المطعون فيه إغفاله الرد على ما أثاره الدفاع فى هذا الشأن بحسبانه دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان .
(الطعن رقم 23766 لسنة 87 جلسة 2018/06/23)
3- تتحقق جريمة الرشوة فى جانب الموظف ومن فى حكمه - طبقاً لنص المادتين 103 و 103 مكرراً من قانون العقوبات - متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال الوظيفة كما تتحقق الجريمة أيضاً ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً بصرف النظر عن إعتقاد الراشى فيما زعم الموظف أو اعتقد .
(الطعن رقم 2004 لسنة 38 جلسة 1969/01/06 س 20 ع 1 ص 33 ق 8)
4- يستفاد من الجمع بين نص المادتين 103 ، 103 مكرراً المعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 من قانون العقوبات - فى ظاهر لفظهما و واضح عبارتهما أن جريمة الرشوة تتحقق فى جانب الموظف أو من فى حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً أو عطيه لأداء عمل من أعمال وظيفته و لو كان حقاً ، كما تتحقق الجريمة أيضاً فى شأنه و لو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً ، مما دلالته أن الشارع سوى فى نطاق جريمة الرشوة بما إستنه فى نصوصهم التى إستحدثها بين إرتشاء الموظف و بين إحتياله بإستغلال الثقة التى تفرضها الوظيفة فيه و ذلك عن طريق الإتجار فيها ، و أن الشارع قدر أن الموظف لا يقل إستحقاقاً للعقاب حين يتجر فى أعمال الوظيفة على أساس موهوم عنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع ، و بصرف النظر عن إعتقاد المجنى عليه فيما زعم الموظف أو إعتقد ، إذ هو حينئذ يجمع بين إثمين هما الإحتيال و الإرتشاء .
(الطعن رقم 1799 لسنة 36 جلسة 1966/11/21 س 17 ع 3 ص 1128 ق 212)
5- توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي عرضت عليه الرشوة من أجله، وتوافر نية الإرشاد لدى الراشي، هو من الأمور التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل صحيح ثابت فى الأوراق .
(الطعن رقم 649 لسنة 31 جلسة 1961/12/12 س 12 ع 3 ص 980 ق 204)
6- لا يلزم تحديد المكان الذى دفعت فيه الرشوة متى كانت جهة إرتكاب الجريمة معينة فى الحكم .
(الطعن رقم 2036 لسنة 29 جلسة 1960/01/11 س 11 ع 1 ص 33 ق 6)
7- لما كانت جريمة الرشوة تدخل فى عداد الجرائم التي تختص بها محاكم أمن الدولة، وكان ما ورد بديباجة الحكم من أن مستشار الإحالة أحال الدعوى إلى المحكمة بتاريخ معين هو مجرد خطأ مادي، لأن الثابت من الأوراق أن هذا التاريخ هو التاريخ ذاته الذي أحال فيه رئيس نيابة أمن الدولة الدعوى إلى محكمة أمن الدولة العليا، وكان الطاعن قد سلم بأسباب طعنه بأن الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه هي بذاتها الهيئة المنوط بها نظر قضايا أمن الدولة، فقد اندفعت دعوى الطاعن بأن محكمة الجنايات وليس محكمة أمن الدولة هي التي فصلت فى الدعوى وأصبح لا مشاحة فى أن المحكمة التي نظرت الدعوى وأصدرت الحكم فيها هي محكمة أمن الدولة العليا بدائرة محكمة استئناف طنطا. ولما كانت المادة 12 من القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن حالة الطوارئ تقضي بعدم جواز الطعن بأي وجه من الوجوه فى الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة، فإن الطعن المقدم من المحكوم عليه يكون غير جائز قانوناً ويتعين الحكم بعدم جوازه.
(الطعن رقم 479 لسنة 43 جلسة 1973/06/10 س 24 ع 2 ص 726 ق 150)
8- التزوير فى الأوراق الرسمية أو الإشتراك فيه لا يتحقق إلا إذا كان إثبات البيان المزور من إختصاص الموظف العام على مقتضى وظيفته فى حدود إختصاصه ، أياً كان سنده من القانون أو تكليف رؤسائه كما أن الإشتراك فى التزوير و أن كان يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو لأعمال مادية محسوسة يمكن الإستدلال بها عليه إلا أنه يتعين لثبوته أن تكون المحكمة قد إعتقدت حصوله من ظروف الدعوى و ملابساتها ، طالما كان إعتقادها سائغاً تبرره الوقائع التى أثبتها الحكم . لما كان ذلك كله و كان الحكم المطعون فيه لم يثبت فى حق الطاعنين إختصاصهم بالعمل الذى دفع الجعل مقابلاً لأدائه ، سواء كان حقيقاً أو مزعوماً أو معتقداً فيه مع أنه ركن فى جريمة الرشوة التى دانهم بها ، كما لم يبين كيف أن وظيفة الطاعنين الأول و الثانى قد طوعت لهما تسهيل إستيلاء الغير على مال الدولة ، و أن هذا المال كان قد أل إليهما بسبب صحيح ناقل للملك ، و لم يفصح الحكم عن إختصاص الموظف العام فى صدد جناية التزوير فى الأوراق الرسمية حالة أن الإختصاص الفعلى للموظف ركن فى جناية التزوير فى المحرر الرسمى كما خلت مدوناته من بيان الظروف و الملابسات التى تظاهر الإعتقاد بإشتراك الطاعنين مع الموظف العام فى التزوير فى الأوراق الرسمية ، إذ إكتفى فى ذلك كله بعبارات عامة مجملة و مجهلة لا يبين منها حقيقة مقصود الحكم فى شأن الواقع المعروض الذى هو مدار الأحكام ، و لا يحقق بها الغرض الذى قصده الشارع من إيجاب تسبيبها من الوضوح و البيان فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصراً بما يوجب نقضه .
(الطعن رقم 5802 لسنة 52 جلسة 1983/03/16 س 34 ص 371 ق 75)
9- لا يشترط فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة فى نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها، وأن يكون من طلب منه الرشوة قد أتجر معه على هذا الأساس، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن أنه رئيس قسم التنظيم والمختص بإصدار التراخيص عن المنطقة التي يبغي المبلغ إقامة البناء بها، وأنه طلب وأخذ مبلغ الرشوة مقابل استخراجه الرخصة للشاكي واتخاذ اللازم نحو الإنذار المحرر ضده، ودان الطاعن على هذا الاعتبار، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً، ويكون ما ينعاه الطاعن فى هذا الشأن لا أساس له.
(الطعن رقم 45761 لسنة 59 جلسة 1990/11/07 س 41 ع 1 ص 998 ق 177)
10- إذا كان الحكم المطعون فيه قد تردد فى وصف الطاعن , طورا بأنه ميكانيكى , وطورا آخر بأنه رئيس الميكانيكيين وملاحظ "الجراج" , وقال تارة بأنه مختص بالعمل الذى طلب إليه أداؤه مقابل مبلغ الرشوة , وتارة أخرى بأنه زعم بالإختصاص , وأخذ فى إثبات اختصاصه بإقراره , وأطرح شهادة رئيسه , مع أن المرجع فى تحديد الاختصاص هو الجهة الإدارية المختصة دون المتهم , مما يدل على اضطراب فكرة الحكم وإختلالها فى مسألة الإختصاص وعدم استقرارها على النحو الذى يجعلها فى حكم الوقائع المسلمة , والأحكام إنما تبنى على الجزم واليقين , وكان خليقا بالمحكمة أن تتحرى حقيقة إختصاص الطاعن بسؤال الجهة الإدارية التى يتبعها دون التعويل فى ذلك على إقراره , لأن توزيع الإختصاص لا يثبت بالإقرار , بل بتكليف الجهة الإدارية التى يتبعها الموظف فى أقل الأقدار , وأن تبين ما إذا كان عمله توزيع السيارات على السائقين , وهو العمل الذى دفع الجعل مقابلا له , أو أن الجعل دفع مقابل تعهد الطاعن خارج نطاق عمله الرسمى - باصلاح السيارة إذا تعطلت وحينئذ لا يعد ما وقع ارتشاء وإن جاز محاسبته عليه بالطريق التأديبى , ثم تثبت بعد ذلك بالأدلة المعتبرة ما إذا كان الطاعن قد قبل الجعل مقابل الاختصاص فى نطاقه المرسوم , سواء كان حقيقيا أو مزعوما , وكيف يستقيم له الزعم خصوصا إذا كان المجنى عليهما يعملان مع الطاعن فى "جراج" واحد ويعلمان بالضرورة طبيعة عمله وحدود اختصاصه بحسب المنطق الطبيعي للأمور .
(الطعن رقم 869 لسنة 39 جلسة 1969/10/27 س 20 ع 3 ص 1149 ق 227)
11- متى كان الثابت أن الدفاع عن المتهم قد قدم قبل صدور الحكم الحضوري الاعتباري العذر المانع لموكله عن شهوده الجلسة التي تخلف عن حضورها، فقعدت المحكمة عن تحصيل هذا العذر وأطرحته دون أن تورد أية أسباب تبرر بها إطراحها له، فإنه متى عاود المتهم إبداء عذره أمام محكمة المعارضة وتمسك به فقد بات واجباً عليها أن تتقصى ثبوت قيامه وأن تدلي برأي فى قبوله أو عدمه، لما قد يترتب عليه من أثر على حقيقة وصف الحكم المعارض فيه وشكل المعارضة المرفوعة منه.
(الطعن رقم 1628 لسنة 38 جلسة 1968/11/04 س 19 ع 3 ص 927 ق 185)
12- ليس من الضروري فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة فى نطاق الوظيفة مباشرة، بل يكفي أن يكون له بها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة، وأن يكون الراشي قد اتجر معه على هذا الأساس. ولما كان الثابت فى حق الطاعن أنه عرض مبلغاً من المال على ساع بالتلفزيون - وهو موظف عام - لسرقة أحد الأفلام الموجودة فى أستوديو مصر، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر أن من عمل الساعي نقل الأفلام بين مكتبة التليفزيون وبين الأستوديو، وهو قدر من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة أياً كانت الجهة المالكة للفيلم، ودان الطاعن على هذا الاعتبار، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً.
(الطعن رقم 477 لسنة 38 جلسة 1968/04/01 س 19 ع 2 ص 394 ق 74)
13- يكفي لتوفر الاختصاص فى جريمة الرشوة أن يكون للموظف منه نصيب يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة. ولما كان الثابت مما أورده الحكم أن مفتش التأمينات هو الذي حرر المحضر الذي عرضت عليه الرشوة لتغييره وأن هذا المحضر لم يكن قد بت فيه نهائياً من جانب المصلحة التابع لها هذا الموظف وقت عرض الرشوة عليه وهو ما يتوافر به الاختصاص الذي يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضي ببراءة المتهمين استنادا إلى أن اختصاص الموظف قد انتهى بمجرد رفع محضره إلى رئيسه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون مما يتعين معه نقضه.
(الطعن رقم 1922 لسنة 37 جلسة 1968/01/08 س 19 ع 1 ص 29 ق 5)
14- تصدى المحكمة لشرط الاختصاص لبيان ما إذا كان العمل الذى طلبت الرشوة من أجله يتصل بأعمال وظيفة الطاعن بما يقع تحت طائلة المادة 103 من قانون العقوبات ، أو أن هذا العمل لا يدخل فى نطاق وظيفته و إنما هو قد ادعى كذبا باختصاصه به الأمر المؤثم بالمادة 103 مكرراً من قانون العقوبات هذا التصدى هو من قبيل تمحيص الوقائع المطروحة على المحكمة بقصد استجلاء حقيقة ركن من أركان الجريمة و ليس فيه إضافة لعناصر جديدة لم تكن معلومة للطاعن أو محاميه أثناء المحاكمة .
(الطعن رقم 1558 لسنة 37 جلسة 1967/10/16 س 18 ع 3 ص 986 ق 200)
15- لا يلزم فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو أو الذى عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة - بل يكفى أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الإختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة .
(الطعن رقم 528 لسنة 37 جلسة 1967/06/26 س 18 ع 2 ص 869 ق 175)
16- يكفي فى القانون لإدانة الموظف فى جريمة الرشوة أن يكون له نصيب من العمل المطلوب. فإذا كان الطاعن يقرر بارتباط اختصاصات وظيفته باختصاصات رئيس الحسابات فيما يتصل بشئون العمال مما يفيد اتصال وظيفته بهذه الشؤون فلا يصح منه أن ينعي على الحكم الذي أدانه فى جريمة الرشوة مقابل تعيينه عمالاً بالمصلحة التي يشتغل فيها بأنه لم يكن له شأن بهذا العمل ولا اختصاص له فيه.
(الطعن رقم 921 لسنة 22 جلسة 1952/11/10 س 4 ع 1 ص 95 ق 41)
17- إن الشارع قد ساوى فى نطاق الرشوة بين إرتشاء الموظف و بين إحتياله بإستغلال الثقة التى تفرضها الوظيفة عن طريق الإتجار فيها و يتوافر الزعم بالإختصاص و لو لم يفصح به الموظف صراحة بل يكفى الزعم الضمنى بأن يبدى الموظف إستعداده للقيام بالعمل الذى يدخل فى إختصاصه .
(الطعن رقم 4346 لسنة 57 جلسة 1988/02/03 س 39 ع 1 ص 247 ق 32)
18- جريمة الرشوة تتم بمجرد طلب الرشوة من جانب الموظف و القبول من جانب الراشى ، و ما تسليم المبلغ بعد ذلك إلا نتيجه لما تم الإتفاق عليه بينهما .
(الطعن رقم 696 لسنة 58 جلسة 1988/12/01 س 39 ع 1 ص 1159 ق 181)
19- إذا كانت المحكمة قد جمعت فى نطاق التسبيب بين الاختصاص الحقيقى والمزعوم للمتهم فى مقام الرد على ما تذرع به من انتفاء اختصاصه كلية بتقدير الضريبة وربطها ، وكان المتهم قد دفع جريمة الرشوة المسندة إليه بأن المبلغ الذى قبضه من المبلغ فى حقيقته ثمن بضاعة كان قد اشتراها من محل والدة المبلغ المذكور وأراد ردها لما بها من عيوب ، وأن هذا الثمن مرصود بتمامه فى سجل المحل المملوك لزوجته ، وكانت علاقة المعاملة بين المحل المملوك لزوجة المتهم وذلك المملوك لوالدة المبلغ غير مجحودة من طرفيها ، وإنما الخلاف على رقم المبلغ المثبت لهذه المعاملة ، كما دفع أن الرقابة الإدارية قبضت على شاهد النفى حتى أكرهته على الإدلاء بما يناقض صحة دعواه ، وأن عمله انقطع بتحرير محضر مناقشة المبلغ بناء على أمر مراجع الضرائب ، مستدلا بذلك على أن المبلغ لم يدفع فى مقابل شراء بضاعة من اختصاصه ، وكان هذا الدفاع جوهريا ، فإنه كان يتعين على المحكمة أن تجيبه إلى تحقيقه وأن ترد على ما دفع به من أن شاهد النفى أكره على الشهادة بالقبض عليه وبقائه مقبوضا عليه بغير حق حتى أدلى بشهادته على النحو الذي ينقض دعوى المتهم ، ذلك أن رد الدفاع يحدث فى وجدان القاضي ما يحدثه دليل الثبوت ، ولأنه لا يصح الأخذ بقول الشاهد إذا كان وليد إكراه بالغا ما بلغ قدره من الضآلة ، كما كان عليها أن تبين أولا اختصاص الطاعن الحقيقي توصلا لاستظهار الواقعة على حقيقتها وهل كلفه مراجع الضرائب بتحرير محضر مناقشة فقط أو كلفه فوق ذلك بمعاينة المحل وتقدير الضريبة، فإذا كانت الأولى ، كان ما أثبته الطاعن فى محضر المناقشة استطرادا الى معاينة المحل ، ناقلة لا شأن لها بجوهر المحضر ولا يعتبر تغيير الحقيقة بشأنها تزويرا ، لما هو مقررمن أن التزويرفى الأوراق الرسمية لا يتحقق الا اذا كان اثبات البيان المزور من اختصاص الموظف على مقتضى وظيفته وفى حدود اختصاصه أياً كان سنده من القانون أوتكليف رؤسائه ، أما ان كانت الثانية صحت مساءلة الطاعن عن جناية التزوير فى المحرر الرسمى .
(الطعن رقم 1523 لسنة 39 جلسة 1969/11/17 س 20 ع 3 ص 1288 ق 262)
20- لما كان الحكم قد نفى اختصاص المطعون ضدهما الأول والثانى بالعمل الذى عرضت من أجله الرشوة بقالة أن القانون رقم 49 لسنة 1977 اختص لجنة المنشآت الآيلة للسقوط فى إصدار قرارات الإزالة والترميم وليس للمطعون ضدهما عمل فيها ولم يزعما أن ذلك من اختصاصهما . لما كان ذلك ، وكان قضاء محكمة النقض قد جرى على أنه يكفى لتوفر الاختصاص فى جريمة الرشوة أن يكون للموظف منه نصيب يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة وأن يكون من طلب الرشوة قد اتجر معه على هذا الأساس ، وليس من الضرورى أن يتخذ نصيب الموظف من الاختصاص صورة اتخاذ القرار وإنما يكفى أن يكون دوره مجرد المشاركة فى تحضير ذلك القرار ولو كان فى صورة إبداء رأى استشارى يحتمل أن يؤثر على من بيده القرار وكان من المقرر وفقاً لنص المادة 32 من اللائحة التنفيذية لقانون تأجير وبيع الأماكن 49 لسنة 1977 أن لجنة المنشآت الآيلة للسقوط تفحص التقارير التى تصفها الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم وتصدر قرارها بالموافقة أو بالرفض أو بالتعديل مسبباً وهو ما يكفى أن يكون للحى ممثلاً فى رئيسه وسكرتيره العام دور فى المشاركة فى تحضير هذا القرار ويتوافر به الاختصاص الذى يسمح لهما بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة فضلاً عما هو ثابت بمدونات الحكم من زعم ضمنى بالاختصاص من إبدائهما الاستعداد للقيام بالعمل الذى يزعمون أنه يدخل فى اختصاصهما . لما كان ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهم استناداً إلى عدم اختصاصهم رغم توافر هذا الاختصاص وزعمهم به يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون مما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة .
(الطعن رقم 28308 لسنة 64 جلسة 2004/01/12 س 55 ع 1 ص 114 ق 6)
21- نصت المادة 103 مكرراً من قانون العقوبات المعدلة بالقانون 120 لسنة 1962 على أنه " يعتبر مرتشياً و يعاقب بنفس العقوبة المنصوص عليها فى المادة السابقة " 103" كل موظف عمومى طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل يعتقد خطأ أو يزعم أنه من أعمال وظيفته أو للإمتناع عنه " مما مفاده إشتراط الشارع لأن يكون زعم الموظف بإختصاصه بالعمل الذى طلب الجعل أو أخذه لأدائه أو للإمتناع عنه صادراً على أساس أن هذا العمل من أعمال وظيفته الحقيقية أما الزعم القائم على إنتحال صفة وظيفة منبتة الصلة بالوظيفة التى يشغلها الجاني - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة إذ الوظيفة التى إنتحلها المتهم هى وظيفة ملاحظ بالبلدية للإشراف على الإشتراطات الصحية و الرخص الخاصة بالمحلات العامة فى حين أن وظيفته الحقيقية هى رئيس كناسين بالمحافظة - فلا تتوافر بهذا الزعم جريمة الرشوة التى نص عليها القانون بل يكون جريمة النصب المعاقب عليها طبقاً للمادة 336 من قانون العقوبات بإنتحال الجاني لصفة غير صحيحة . و لما كان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر فيما أقام عليه قضاءه فإنه لا يكون قد خالف القانون فى شىء ، و يكون النعى عليه فى غير محله .
(الطعن رقم 160 لسنة 42 جلسة 1972/05/21 س 23 ع 2 ص 755 ق 168)
22- لما كان الحكم المطعون فيه اقتصر في بيانه لواقعة الدعوى على تحصيل ما ورد بقرار الاتهام لجميع المتهمين ، ثم حصل مضمون الأدلة التي عول عليها في الإدانة ، وانتهى في مجال الإسناد إلى ارتكاب الطاعن الأول لجرائم الاختلاس والاشتراك فيه ، وتسهيل الاستيلاء على المال العام ومحاولة الحصول لنفسه على ربح ، والحصول على ربح للغير، والتزوير واستعمال محررات مزورة وارتكاب الطاعن الثاني لجرائم الاستيلاء على المال العام والتربح والاشتراك فيه وأعمل في حقهما أحكام المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع على الطاعن الأول عقوبة الجريمة الأشد ، إلا أنه أوقع على الطاعن الثاني عقوبتين عما أسند إليه من اتهام ، كما أسند للطاعن الثالث جريمة طلب والحصول على رشوة وأوقع عليه عقوبتها . لما كان ذلك ، وكان الشارع يوجب في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل الحكم الصادر بالإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ، وكان من المقرر أنه ينبغي ألا يكون الحكم مشوباً بإجمال أو إبهام مما يتعذر معه تبين مدى صحة الحكم من فساده في التطبيق القانوني على واقعة الدعوى ، وهو يكون كذلك كلما جاءت أسبابه مجملة أو غامضة فيما أثبتته أو نفته من وقائع سواء كانت متعلقة ببيان توافر أركان الجريمة أو ظروفها أو كانت بصدد الرد على أوجه الدفاع الهامة أو كانت متصلة بعناصر الإدانة على وجه العموم أو كانت أسبابه يشوبها الاضطراب الذي ينبئ عن اختلال فكرته من حيث تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر الواقعة مما لا يمكن معه استخلاص مقوماته سواء ما تعلق منها بواقعة الدعوى أو بالتطبيق القانوني ويعجز بالتالي محكمة النقض عن إعمال رقابتها على الوجه الصحيح . لما كان ذلك ، وكانت الجريمة المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات لا تتحقق إلا إذا كان تسلم المال المختلس من مقتضيات العمل ويدخل في اختصاص المتهم الوظيفي استناداً إلى نظام مقرر أو أمر إداري صادر ممن يملكه أو مستمداً من القوانين واللوائح ، وقد فرض الشارع العقاب في المادة المار ذكرها على عبث الموظف بما يؤتمن عليه مما يوجد بين يديه بمقتضى وظيفته بشرط انصراف نيته باعتباره حائزاً له إلى التصرف فيه على اعتبار أنه مملوك له وهو معنى مركب من فعل مادي هو التصرف في المال ومن عامل معنوي يقترن به هو نية إضاعة المال على ربه . كما أنه من المقرر أن جناية الاستيلاء أو ما في حكمها أو تسهيل ذلك للغير المنصوص عليها في المادة 113 من قانون العقوبات قد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها ، على أن جناية الاستيلاء على مال الدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه أياً كان بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة . ولا يعتبر المال قد دخل في ملك الدولة إلا إذا كان قد آل إليها بسبب صحيح ناقل للملك ، وتسلمه من الغير موظف مختص بتسلمه على مقتضى وظيفته أو أن يكون الموظف المختص قد سهل لغيره ذلك ويشترط انصراف نية الجاني وقت الاستيلاء إلى تملكه أو تضييعه على ربه في تسهيل الاستيلاء وعليه يكون وجوباً على الحكم أن يبين صفة المتهم وكونه موظفاً وكون وظيفته قد طوعت له تسهيل استيلاء الغير على المال وكيفية الإجراءات التي اتخذت بما تتوافر به أركان تلك الجريمة ، كما أنه من المقرر أنه ولئن كان لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جريمة تسهيل الاستيلاء بغير حق على المال العام إلا أن شرط ذلك أن يكون فيما أورده الحكم من وقائع وظروف ما يدل على قيامه ، كما أنه من المقرر أن اختصاص الموظف بالعمل الذي حصل على الربح أو المنفعة من خلاله أياً كان نصيبه فيه سواء حصل التربح لنفسه أو تظفير الغير به ركن أساسي في جريمة التربح المنصوص عليها في المادة 115 من قانون العقوبات مما يتعين إثبات ذلك الاختصاص بما ينحسم به أمره ، كما أنه من المقرر أنه يجب للإدانة في جرائم تزوير المحررات أن يعرض الحكم لتعيين المحرر المقول بتزويره وما انطوى عليه من بيانات ليكشف عن ماهية تغيير الحقيقة فيه وإلا كان باطلاً ، ومن المقرر أيضاً أن اختصاص الموظف بالعمل الذي طلب أداؤه أياً كان نصيبه فيه ، وسواء كان حقيقياً أو مزعوماً أو معتقداً فيه ركناً في جريمة الارتشاء المنصوص عليها في المادتين 103 ، 103 مكرراً من قانون العقوبات فإنه يتعين على الحكم إثباته بما ينحسم به أمره ، وخاصة عند المنازعة فيه . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه كما سبق البيان قد دان الطاعن الأول بجرائم الاختلاس والاشتراك فيه ، وتسهيل الاستيلاء على المال العام ، ومحاولة الحصول لنفسه على ربح ، والحصول على ربح للغير ، والتزوير في محررات الجمعية واستعمال تلك المحررات، كما دان الطاعن الثاني بجرائم الاستيلاء على المال العام والتربح والاشتراك فيه ، دون أن يستظهر بالنسبة لجريمة الاختلاس ما إذا كان من عمل الطاعن الأول واختصاصه الوظيفي استلامه للسلع الواردة إلى الجمعية التي يعمل بها والتصرف فيها على نحو معين طبقاً للأنظمة الموضوعة لهذا الغرض أو أنها أودعت عهدته بسبب وظيفته كما لم يستظهر انصراف نيته إلى التصرف في هذه السلع والظهور عليها بمظهر المالك بقصد إضاعتها على الجمعية المالكة لها، كما أنه تناقض فيما أثبته في مدوناته من قيمة للسلع المختلسة وما قضى به من عقوبتي الرد والغرامة في منطوقه ولم يبين الأساس الذي احتسب بناءً عليه تلك المبالغ التي ألزم بها المتهمين متضامنين ، كما أنه لم يستظهر عناصر اشتراكه مع المتهم الأول في جريمة الاختلاس المنسوبة إليه وطريقته وأن يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ، ويكشف عن قيامها وذلك من واقع الدعوى وظروفها . هذا إلى أن الحكم لم يبين كيف أن وظيفة كل من الطاعنين الأول والثاني قد طوعت للأول تسهيل استيلاء الغير واستيلاء الثاني على مال الدولة ، ولم يستظهر نية كل طاعن وأنها انصرفت إلى تضييعه على الجمعية المجني عليها لمصلحته ولمصلحة الغير وقت حصول تلك الجريمة فيكون الحكم قاصراً في التدليل على توافر أركان جرائم الاختلاس والاشتراك فيها ، وتسهيل الاستيلاء على المال العام بالنسبة للطاعن الأول وجريمة الاستيلاء بالنسبة للطاعن الثاني ، وكذلك بالنسبة لجرائم محاولة حصول الطاعن الأول على ربح لنفسه وحصوله على ربح للغير ، وحصول الطاعن الثاني على ربح لنفسه والاشتراك في التربح إذ لم يستظهر الحكم اختصاص كل منهما بالعمل الذي حصل على التربح أو المنفعة من خلاله أو ظَفّر الغير بهذا الربح والدليل على توافر ركني الجريمة المادي والمعنوي ، وعناصر اشتراك الطاعن الثاني مع المتهمين الثلاثة الأول في جريمة التربح وطريقته وأن يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ، ويكشف عن قيامها ، فإنه يكون معيباً بالقصور الذي يبطله ، كما أنه بالنسبة لجريمة تزوير المحررات واستعمالها المسندة إلى الطاعن الأول فقد خلت مدونات الحكم من تفاصيل كل محرر من المحررات موضوع الجريمة وموطن التزوير فيها وقوفاً على دور الطاعن والمتهمين الأول والثاني والأفعال التي أتاها كل من زور ورقة بعينها أو بياناً أو توقيعاً وإيراد الدليل على أنه قام بشخصه بتزوير البيان المطعون فيه ، ولم يدلل على ثبوت العلم بالتزوير في حق كل متهم بالتزوير الذي قام به غيره من المتهمين ونسب إليه استعمال المحررات المزورة ، إذ اكتفى الحكم في ذلك كله بعبارات عامة مجملة ومجهلة لا يبين منها حقيقة مقصود الحكم في شأن الواقع المعروض لما نسب للطاعنين الأول والثاني من جرائم الذي هو مدار الأحكام ولا يحقق بها الغرض الذي قصده الشارع من إيجاب تسبيبها من الوضوح والبيان . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه لم يثبت - كذلك - في حق الطاعن الثالث والذي دانه بجريمة الرشوة اختصاصه بالعمل الذي دفع الجعل مقابلاً لأدائه ، سواء كان حقيقياً أو مزعوماً أو معتقداً فيه مع أنه ركن في جريمة الرشوة فإن الحكم يكون معيباً بالقصور الذي يبطله .
( الطعن رقم 10108 لسنة 78 ق - جلسة 21 / 3 / 2010 )
23- لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة ، بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون قد طلب رشوة للاتجار بأعمال وظيفته وليس من الضروري أن يتخذ الموظف من الاختصاص صورة اتخاذ القرار وإنما يكفي أن يكون دوره مجرد المشاركة في تحضير هذا القرار ، ولو كان في صورة رأي استشاري يحتمل أن يؤثر على من بيده اتخاذ القرار ، وكان المستفاد من نص المادتين 103 ، 103 مكرراً من قانون العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ومن في حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً لأداء عمل من أعمال الوظيفة ، كما تتحقق الجريمة أيضاً ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً بصرف النظر عن اعتقاد الراشي فيما زعم الموظف أو اعتقد ، وكان الزعم بالاختصاص يتوافر ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به إذ يكفي إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه ، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه ذلك الاختصاص ، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله ولو كان العمل الذي يدفع الجعل لتنفيذه غير حق ولا يستطيعه الموظف أو لا ينتوي القيام به لمخالفته لأحكام القانون ، ما دام العمل المطلوب في ذاته وبصورة مجردة داخلاً في اختصاص الموظف ومادام أن زعم الاختصاص يكفي لتمام الجريمة ، لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة ولأن الشارع سوى في نطاق الرشوة بما استنته في نصوصه التي استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه ، وذلك عن طريق الاتجار فيها وأن الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقاً للعقاب حين يتجر في أعمال الوظيفة على أساس أنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هو يجمع بين اثنين هما الاحتيال والارتشاء . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد بين حدود اختصاص الموظف ونوع العمل المقصود في جريمة الرشوة كما استظهر الحكم المطعون فيه أنه صدر حكم في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس .... بتعيين الطاعن وكيلاً للدائنين - أمين التفليسة - في تلك الدعوى وأنه تقاضي رشوة من المتهم الثاني والثالث بواسطة المتهم الرابع والخامس لقاء سرعة الإجراءات وتقديم تقريراً لدى المحكمة المختصة يفيد عدم تقدم دائنين آخرين بخلاف الدائن طالب الإفلاس بهدف إنهاء إجراءات التفليسة في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس .... والمعين فيها من المحكمة أيضاً للتفليسة ، فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الخصوص يكون في غير محله .
( الطعن رقم 10118 لسنة 78 ق - جلسة 21 / 11 / 2009 )
هذه المادة معدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 الصادر في 19 يوليو سنة 1962 (الجريدة الرسمية في 25 يوليو 1962 العدد 1986).
الزعم بالاختصاص :
سوي الشارع بين الاختصاص الفعلي ومجرد الزعم به (المادة 103 مكرراً من قانون العقوبات) ويفترض الزعم بالاختصاص انتفاء الاختصاص الموظف غير مختص بالعمل يتلقى المقابل نظير القيام به أو الامتناع عنه ولكنه يزعم أنه مختص به، ويفترض الزعم بالاختصاص ادعاءه ويكفي القول المجرد فلا يشترط تدعيمه بمظاهر خارجية فالطرق الاحتيالية قدر زائد على ما يتطلبه القانون بل أن الشارع لا يتطلب اتخاذ الزعم صورة التصريح قولاً أو كتابة وإنما يكفي أن يكون ضمنياً فمجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في اختصاصه فيستوي أن يكون نوعياً أو محلياً كما لا يشترط أيضاً أن يكون لهذا الزعم تأثير في اعتقاد صاحب الحاجة بهذا الاختصاص المزعوم لأن الجريمة تتسم بمجرد الطلب من جانب الموظف العام فضلاً عن اختلافها عن جريمة النصب في نموذجها القانوني.
ويلاحظ أنه يجب أن يكون هناك ارتباط سببي بين الوظيفة التي يشغلها الموظف وبين الاختصاص الذي زعمه فهنا يتحقق الخطر الحقيقي على الوظيفة العامة صاحبة الاختصاص المزعوم وعليه فإذا أدعى مثلاً موظف بمؤسسة النقل غم أنه يعمل طبيباً بالقومسيون الطبي فإنه في هذه الحالة لا تتوافر جريمة الرشوة إنما نكون بصدد جريمة النصب وذلك بانتحال صفة غير صحيحة، أما إذا ادعى أحد المدرسين أنه يملك اختصاص ناظر المدرسة أو ادعي طبيب بإحدى المستشفيات أنه يملك اختصاص أطباء القومسيون الطبي ففي مثل هذه الحالات يكون الموظف قد استغل وظيفته الحقيقية فزعم أنه يملك اختصاصاً من اختصاص هذه الوظيفة.
وزعم الاختصاص على هذا النحو إنما هو نشاط إيجابي يصدر عن الموظف فإذا لم يصدر عن الموظف هذا النشاط فلا يتحقق الزعم في جانبه ولو اتخذ موقفاً سلبياً تجاه توهم صاحب الحاجة أم من شخص آخر بغير إيعاز من الموظف أم من بعض المظاهر الخارجية التي لا شأن للموظف بها وإذا صدر الزعم من جانب الموظف فلا عبرة بتأثير ذلك على عقيدة المجنى عليه إذ تقع الجريمة سواء صدقه المجنى عليه أم اكتشف خداعه.
فالزعم هو سلوك عن الموظف ولا علاقة له بسلوك صاحب الحاجة.
الاعتقاد خطأ بالاختصاص :
ويقصد بذلك اعتقاد الموظف المرتشي هو نفسه بأنه مختص على خلاف الواقع لا اعتقاد صاحب الحاجة ويفترض " الاعتقاد خطأ بالاختصاص وقوع الموظف في غلط موضوعه نطاق اختصاصه وسواء أن يقع فيه من تلقاء نفسه أو بناء على عوامل أسهمت في ذلك وقد يكون من بينها سلوك صاحب الحاجة بدوره في الغلط فيعتقد اختصاص الموظف بالعمل ولكن إذا كان يعلم بعدم اختصاص الموظف وأعطاه المقابل ليسعى لمصلحته لدى المختص فأخذه الموظف معتقداً أنه مختص بالعمل فإن أركان الرشوة تتوافر في حق الموظف. وإذا كان الشارع قد حصر حالات الرشوة في الاختصاص الفعلي والزعم به والاعتقاد الخاطئ به فمؤدي ذلك أنه لا قيام للرشوة إذا كان الموظف غير مختص ويعلم ذلك ولم يزعم اختصاصه ولكن صاحب الحاجة توهم اختصاص ذلك الموظف فتقدم إليه بالعطية أو الوعد بالعطية أو الوعد فقبله. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة: 181).
لقد سوى القانون رقم 69 لسنة 1953 بين كون الموظف مختصاً فعلاً بالعمل المطلوب منه وبين الزعم بالاختصاص المادة التي نحن بصددها. والغرض أن يكون الموظف غير مختص بالعمل، ثم يأخذ أو يقبل أو يطلب مقابلاً لعمل يزعم اختصاصه به. ويبدو للوهلة الأولى أن فكرة الاتجار بأعمال الوظيفة، وهي جوهر الرشوة، تنتفي في هذه الحالة، على أساس أنه لا وجود للعمل الذي يتجر فيه، إذ ليست للموظف أية صلاحية بالنسبة له. غير أن هذا الموظف يعد في الحقيقة أشد إجراماً من الموظف المرتشي المختص بالعمل، فلا يكتفي بالارتشاء ولكنه يضيف عليه الاحتيال على صاحب الحاجة بإيهامه بأنه مختص بالعمل.
ولا يشترط أن يقوم الموظف بأية وسائل إحتيالية لتعزيز زعمه بأنه مختص بالعمل، فيكفي القول المجرد.
وكانت مواد الرشوة قبل تعديلها بالقانون رقم 120 لسنة 1962 لا تنص على اعتقاد الموظف خطأ باختصاصه بالعمل كشرط مماثل للاختصاص الحقيقي أو المزعوم. وقد إنقسم الرأي في هذا الصدد، فذهب البعض إلى أن إعتقاد الموظف خطأ باختصاصه بالعمل، لا تقوم به الجريمة، طالما أنه ليس مختصاً به في الحقيقة. ورأى آخرون أنه إذا كان القانون يجرم الزعم بالاختصاص فإنه يتعين أيضاً معاقبة الموظف الذي يعتقد خطأ باختصاصه خلافاً للواقع. ولقد حسم المشرع هذا الخلاف.
على أنه يتعين في جميع الأحوال أن توجد صلة ما بين العمل المعطي من أجله المقابل وبين الوظيفة التي يشغلها الموظف، فإذا انتفت كل صلة فإن زعم الموظف بأنه مختص به لا يكفي لقيام جريمة الرشوة، فشأنه في هذه الحالة يكون كشأن الفرد العادي، وقد يشكل سلوكه جريمة نصب إذا توافرت شروطها. فإذا ادعی موظف في وزارة الصحة مثلاً بأنه يعمل في وزارة التعليم وأخذ مقابلاً مقابل إدخال أحد التلاميذ في إحدى مدارس الوزارة فإن عمله لا يكون جريمة رشوة، وإن كون جريمة نصب.
الركن المعنوي :
يتمثل في القصد الجنائي بشقيه العلم والإرادة بتحقيق الركن المادي للجريمة.
العقوبة :
نفس العقوبة المنصوص عليها في المادة (103) عقوبات والسابق التعرض لها . (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 283)
علة الجريمة : الحق المعتدى عليه بارتكاب الرشوة هو نزاهة الوظيفة العامة، وهو حق أساسي لكل مجتمع منظم : فالإتجار في أعمال الوظيفة العامة يهبط بها إلى مستوى السلع ويجردها من سموها باعتبارها خدمات تؤديها الدولة لأفراد الشعب، ويسلب الدولة وعمالها الاحترام الذي يجب أن يحظوا به في نظر المواطنين وتعني الرشوة التفرقة الظالمة بين المواطنين : فمن يدفع المقابل تؤدي لمصلحته الأعمال الوظيفية، ومن لا يستطيع أو لا يريد ذلك تهدر مصالحه، وهذا السلوك من جانب الموظف المرتشي يضعف من ثقة الناس في نزاهة الدولة وموضوعيتها وبالإضافة إلى ذلك، فالرشوة تهدر أحكام القانون حين تضع الشروط الإنتفاع الأفراد بالخدمات العامة أو تقرر مجانيتها، إذ تعني الإلزام بأداء مقابل لا يفرضه القانون وفي النهاية، تعني الرشوة إثراء الموظف العام دون سبب مشروع على حساب أفراد يحتاجون إلى الخدمات العامة التي عهد إليه بتقديمها إليهم دون إلزام بأداء مقابل إليه فالرشوة تشوه العلاقة التي تربط ما بين الدولة والمواطنين والتي ينبغي أن تخضع للقانون وتبتغي المصلحة العامة، وذلك عن طریق تصرف يستهدف المصلحة الخاصة لموظف منحرف.
ثمة نظامان تشريعيان يتنازعان الأحكام القانونية للرشوة : نظام يميز بين جريمتين من الرشوة، الرشوة السلبية التي يرتكبها الموظف العام حين يأخذ المقابل أو يقبل الوعد به أو يطلبه، والرشوة الإيجابية التي يرتكبها صاحب الحاجة حين يعطي الموظف العام المقابل أو يعده به أو يعرضه عليه . وجريمتا الرشوة في هذا النظام التشريعي مستقلتان فيما بينهما، فيمكن أن تقوم إحداهما دون الأخرى، ويعنى ذلك في عبارة أخرى أنه يمكن أن تتوافر أركان إحداهما دون أركان الأخرى؛ وحين تتوافر أركانهما معاً، فمن المتصور أن يلاحق مرتكب إحداهما دون مرتكب الأخرى، ويتصور أن يدان أحدهما ويبرأ الآخر. وتطبيقاً لهذا النظام فإن الموظف يسأل عن الرشوة السلبية إذا طلب المقابل ولو رفض صاحب الحاجة الإستجابة إلى طلبه، فتقوم بذلك الرشوة السلبية دون الرشوة الإيجابية؛ ويسأل صاحب الحاجة عن الرشوة الإيجابية إذا عرض المقابل على الموظف العام فرفض عرضه، فتقوم بذلك الرشوة الإيجابية دون الرشوة السلبية وبالنظر إلى استقلال إجرام المرتشي عن إجرام الراشي، فمن المتصور أن يكون لكل منهما شركاؤه على حدة .
أما النظام الثاني فلا يتصور الرشوة إلا جريمة واحدة يرتكبها الموظف العام، وهو وحده الذي يعد فاعلاً لها، أما الراشي فهو مجرد شريك في الرشوة، وكذلك يعد شريكاً الوسيط بين المرتشي والراشي (الرائش) إذا توافرت بالنسبة لهما أركان الإشتراك فهذا النظام يقوم على مبدأ « وحدة الرشوة »، فهي جريمة واحدة، ولا وجه للتفرقة بين رشوة سلبية ورشوة إيجابية، ويقرر هذا النظام أن صفة « الموظف العام » ركن في الرشوة : فلا يعد فاعلاً لهذه الجريمة غير من كان موظفاً عاماً، أما غير الموظف فهو مجرد شريك أياً كان مدى النشاط الذي ساهم به في الجريمة وقد تبنى الشارع المصرى هذا النظام .
الموظف الفعلي للموظف الفعلى حالتان : الحالة الأولى، حالة الموظف الذي شاب تعيينه سبب للبطلان، سواء أكان شكلياً أم موضوعياً أو لم تستوف الإجراءات اللازمة لإمكان ممارسته اختصاصه؛ ويدخل في هذه الحالة كذلك الموظف الحقيقي الذي عهد إليه خلافا للقانون بممارسة اختصاصات موظف آخر، كما لو فرض وزير بعض اختصاصاته إلى مرؤوس له وكانت هذه الإختصاصات مما لا يجوز تفويضه أو كان هذا المرؤوس ممن لا يجوز أن تفوض إليهم مثل هذه الإختصاصات أما الحالة الثانية للموظف الفعلى فهي حالة الشخص الذي يتصدى لإدارة الشئون العامة حينما تعجز السلطات الشرعية عن ذلك أو تختفي، كما لو احتل العدو جزءاً من الإقليم، فتصدى أحد السكان لرعاية مصالح مواطنيه في مواجهة سلطات العدو ومارس في سبيل ذلك بعض الأعمال الوظيفية .
والسؤال الذي يثيره وضع الموظف الفعلي هو تحديد مدى خضوعه النصوص الرشوة . لقد حددنا المدلول الجنائي للموظف العام بأنه «كل شخص يمارس في مواجهة الأفراد باسم الدولة أو شخص معنوي عام في صورة طبيعية تستدعي ثقتهم أحد الإختصاصات التي خولها القانون المرفق عام تديره الدولة أو الشخص المعنوي العام إدارة مباشرة» وهذا التعريف يصدق على الموظف الفعلى إجمالاً، فلا تخرج عن نطاقه إلا بعض حالاته فحسب : فإذا كان العيب الذي شاب تعيينه بسيطاً بحيث لا يستطيع جمهور الناس تبينه، أو كان جسيماً ولكن مظاهر المنصب الذي يشغله قد حجبته عنهم، فإن مؤدى ذلك أنه محل لثقتهم، وأنه في نظرهم يمثل سلطات الدولة ويعمل بإسمها، ومن ثم فإن تصرفه الماس بالنزاهة يخل بثقتهم في الدولة، ويقتضى ذلك أن تطبق عليه نصوص الرشوة؛ مثال ذلك موظف تلقی تفويضا معيبا، أو عين تعييناً صحيحاً ولكن لم تستوف بعد الإجراءات المتطلبة لممارسته أعمال وظيفته، كقاض لم يحلف اليمين بعد، أو من يتصدى لإدارة الشئون العامة عند غياب السلطات الشرعية أما إذا كان العيب الذي يشوب وضع الموظف الفعلى واضحاً بحيث كانت نظرة جمهور الناس إليه أنه مغتصب للسلطة، وأن ثمة انفصالاً بينه وبين السلطات الشرعية، فإن نصوص الرشوة لا تطبق عليه، ذلك أن ما يمس نزاهته لا ينعكس على نزاهة الدولة مثال ذلك شخص لم يعين قط في وظيفة ويعلم الناس عنه ذلك، ولكنه أقحم نفسه في ممارسة الشئون العامة مستعيناً في ذلك بالحيلة أو بالإكراه .
الزعم بالاختصاص؛ سوى الشارع بين الإختصاص الفعلي ومجرد الزعم به (المادة 103 مكرراً من قانون العقوبات) . ويفترض الزعم - بالاختصاص انتفاء الاختصاص، فالموظف المرتشي غير مختص بالعمل الذي يتلقى المقابل نظير القيام به أو الإمتناع عنه، ولكنه يزعم أنه مختص به ويبدو للوهلة الأولى أن فكرة الإتجار في أعمال الوظيفة العامة - وهي جوهر الرشوة - منتفية باعتبار أنه لا وجود لعمل وظيفي يتصرف فيه المتهم، ولكن الشارع لاحظ أن هذا الموظف الذي لم يتجر في عمل وظیفی معين، قد اتجر في الوظيفة ذاتها، فاستغل الثقة التي يضعها الناس فيمن يشغلونها لحمل المجني عليه على الإعتقاد بأنه مختص بالعمل الذي يسعى إليه، في حين أنه لا يختص به ولا يسعة القيام به : فهو بذلك يجمع بين الإتجار في الوظيفة والاحتيال على الناس، ومن ثم فهو لا يقل في الإجرام - إن لم يزد - على الموظف الذي يتجر في أعمال يختص بها فعلاً.
ويفترض الزعم بالاختصاص إدعاءه، ويكفي لذلك القول المجرد، فلا يشترط تدعيمه بمظاهر خارجية، فالطرق الاحتيالية قدر زائد على ما يتطلبه القانون بل أن الشارع لا يتطلب اتخاذ الزعم صورة التصريح قولاً أو كتابة، وإنما يكفي أن يكون ضمنياً، فمجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في اختصاصه يفيد ضمناً زعمه ذلك الاختصاص ولما كان الزعم بالاختصاص هو سلوك الموظف، فإنه لا عبرة بتأثير ذلك في اعتقاد المجنى عليه، فيستوي وقوعه في الغلط وإعتقاده صحة زعم الموظف، أو اكتشافه خداعه ورفضه الإستجابة إلى طلبة الرشوة، وفي هذه الحالة تقع الرشوة بالطلب المجرد مضافاً إليه زعم الإختصاص ولكن زعم الإختصاص ينتفي إذا لم يدع الموظف إختصاصه، وإنما توهم ذلك صاحب الحاجة، فلم يكن لمسلك الموظف دور في توليد هذه العقيدة لديه، وسواء في ذلك أن يتولد الوهم تلقائياً، أو أن يكون بتأثير بعض الظروف الخارجية التي لا ترجع إلى سلوك الموظف.
الاعتقاد خطأ بالاختصاص :
عدل الشارع بحالتي «الإختصاص الفعلي والزعم به» حالة «الإعتقاد الخاطىء المجرد به» وعلة ذلك أن الموظف الذي يعتقد خطأ إختصاصه ويتجر في العمل الذي أعتقد أنه مختص به هو من الناحية الشخصية خطر على نزاهة الوظيفة العامة، فقد انصرفت نيته إلى الإتجار فيها؛ وهو من الناحية الموضوعية يأتي تصرفاً ماساً بالثقة في نزاهة الدولة . فيتقاضى أو يطلب مقابلاً للعمل الوظيفي ويحاول القيام به، فيأتي عملاً باطلاً أو يحاول التأثير على المختص بهذا العمل.
ويفترض « الاعتقاد خطأ بالاختصاص » وقوع الموظف في غلط موضوعه نطاق اختصاصه، وسواء أن يقع فيه من تلقاء نفسه أو بناء على عوامل أسهمت في ذلك، وقد يكون من بينها سلوك صاحب الحاجة. والأصل أن يقع صاحب الحاجة بدوره في الغلط . فيعتقد اختصاص الموظف بالعمل، ولكن إذا كان يعلم بعدم اختصاص الموظف، وأعطاه المقابل يسعى لمصلحته لدى المختص، فأخذه الموظف معتقدا أنه مختص بالعمل، فإن أركان الرشوة تتوافر في حق الموظف.
وإذا كان الشارع قد حصر حالات الرشوة في الإختصاص الفعلي والزعم به و الإعتقاد الخاطيء به، فمؤدي ذلك أنه لا قيام للرشوة إذا كان الموظف غير مختص ويعلم ذلك ولم يزعم اختصاصه، ولكن صاحب الحاجة توهم إختصاص ذلك الموظف فتقدم إليه بالعطية أو الوعد، فقبله.
العمل الوظيفي :
ماهية العمل الوظيفي : يراد بالعمل الوظيفي الفعل أو الإمتناع الذي يعرضه الموظف نظیر مقابل الرشوة : فبينهما صلة مقايضة، وبهذه الصلة يتحقق معنى الإتجار الذي تفترضه الرشوة؛ ومن الناحية المعنوية تقوم الصلة بينهما واضحة : فالغرض الذي يستهدفه صاحب الحاجة هو ذلك العمل الذي له فيه مصلحة، وهذه الصفة قائمة في ذهن الموظف المرتشي، وهي محل قبوله.
يستوي أن يكون العمل إيجابياً أو مجرد إمتناع : يغلب أن يكون العمل الوظيفي، إيجابياً، إذ تقتضي مصالح صاحب الحاجة إتيان الموظف هذا العمل، كإصدار القاضي حكماً نظير مقابل الرشوة، أو إعطاء الموظف الإداري ترخيصاً نظير ذلك، وقد يتخذ صورة مجرد الإسراع في إنجاز مصلحة صاحب الحاجة وقد يكون العمل الوظيفي امتناعاً، وفي هذه الحالة تكون جريمة الرشوة أظهر وأسهل إثباتاً، بإعتبار أن الموظف قد أهمل بذلك في أداء واجبات وظيفته ويتحقق الإمتناع ولو كان العمل في نطاق السلطة التقديرية للموظف طالما أن امتناعه كان نظير مقابل الرشوة، وليس استهدافا للمصلحة العامة التي اقتضت تخويله هذه السلطة وقد يكون الإمتناع جزئياً، متخذاً صورة مجرد الإرجاء حين تقتضي مصلحة صاحب الحاجة ذلك الإرجاء وأمثلة الرشوة نظير الإمتناع أن يتلقى ضابط الشرطة عطية لكي لا يحرر محضراً من أجل جريمة، أو يتلقى موظف الضرائب هدية نظير ألا يرسل إشعار المطالبة بضريبة مستحقة وفي أغلب الحالات يجتمع الامتناع والإخلال بواجبات الوظيفة، باعتبار أن امتناع الموظف عن عمل تفرضه عليه واجبات وظيفته هو إخلال واضح بها.
يستوي أن يكون العمل حقاً أو غير حق، إذا ثبت أن العمل الوظيفي من إختصاص الموظف، فلا أهمية لكون القيام به أو الإمتناع عنه مطابقاً لواجبات الوظيفة أو مخالفاً لها، أي لا أهمية لكونه حقاً أو غير حق، مطابقاً للقوانين واللوائح والتعليمات الإدارية أو مخالفا لها. وتطبيقاً لذلك، فإن الموظف يرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل کي يقوم بعمل يلزمه به القانون، كما يرتكبها إذا تلقاه نظير عمل يحظره القانون عليه؛ ويرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل کی يمتنع عن عمل يلزمه القانون بالإمتناع عنه، كما يرتكبها إذا تلقاه کی يمتنع عن عمل يلزمه القانون بالقيام به : فالقاضي يرتكب الرشوة إذا اقتضى مالاً ليبرىء متهما ثبتت براءته طبقاً للقانون، كما يرتكبها إذا اقتضى المال ليبرىء متهما ثبتت وفقا للقانون إدانته؛ ورجل الشرطة يرتكب الرشوة إذا طلب مالاً کی يمتنع عن تحرير محضر سواء أكان ثمة موجب لذلك أم لم يكن لذلك موجب.
النشاط الإجرامي في الرشوة :
صور هذا النشاط كما قدمنا هي الأخذ والقبول والطلب من، وهذه الصور منصوص عليها على سبيل الحصر، وقد عبر الشارع عن هذه الصور في قوله « كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية ... » (المواد 103، 103 مكرراً، 104، 104 مكرراً) .
الأخذ : إذا كان مقابل الرشوة ذا طبيعة مادية فإن الأخذ يعني التسليم، فهو فعل يحصل به المرتشي على الحيازة بنية ممارسة السلطات التي تنطوي عليها. وليس بشرط أن يصدر التسليم عن الراشي، فقد يصدر عن وسيط حسن النية، أو يرسل المقابل عن طريق البريد، وفي هذه الحالات يعد الأخذ متحققاً حين يعلم الموظف بالغرض من التسليم أو الإرسال، فيقرر الإحتفاظ بهذا المقابل : ويجوز أن يكون التسليم رمزياً. وإذا تجرد مقابل الرشوة من الطبيعة المادية فكان مجرد منفعة، فإن الأخذ يعتبر متحققاً حين يحصل المرتشي على المنفعة، كما لو باشر الصلة الجنسية التي اعتبرت مقابل الرشوة.
ويطلق على الرشوة حين تقوم بالأخذ تعبير «الرشوة المعجلة»، وهي أسهل حالات الرشوة إثباتا، إذا المرتشي يحوز المقابل، ويصعب عليه تقديم سبب مشروع يبرر هذه الحيازة . وغني عن البيان أنه يجوز إثبات الحيازة - باعتبارها واقعة مادية - بجميع طرق الإثبات، أيا كانت قيمة مقابل الرشوة.
القبول : القبول هو تعبير عن إرادة متجهة إلى تلقي المقابل في المستقبل نظير القيام بالعمل الوظيفي . ويصدر القبول عن الموظف، ويفترض عرضاً أو إيجاباً من صاحب الحاجة، وبالقبول الذي صادف العرض ينعقد الإتفاق الذي تتمثل فيه ماديات الرشوة في هذه الصورة والقبول في جوهره إرادة ينبغي أن تكون جادة وصحيحة وهو في مظهره تعبير وإفصاح بوسيلة ما عن وجود هذه الإرادة.
فإذا لم تتوافر لدى المرتشي إرادة جادة وصحيحة تلتقي مع عرض صاحب الحاجة، وإنما كان متجها بما صدر عنه من تعبير إلى الإيقاع بصاحب الحاجة، والعمل على ضبطه متلبسا، فلا يتوافر بذلك القبول ولا تقوم الرشوة، وإنما يرتكب صاحب الحاجة جريمة عرض الرشوة، ولا يتصور القبول كما قدمنا إلا إذا انصرف إلى عرض، ويتعين أن يكون هذا العرض جديا حتى يكون بدوره تعبيراً عن إرادة يمكن أن تلتقي بها إرادة المرتشي ولكن يكفي أن يكون العرض جدياً في ظاهره وإن كان غير جدی في حقيقته أما إذا كان العرض غير جدي في ظاهره، كما لو وعد شخص الموظف بإعطائه كل ما يملك في نظير قيامه بعمل له، فمثل هذا العرض لا يمكن أن ينصرف إليه قبول، وإذا صدر بالفعل قبول من الموظف فلا تقوم بذلك الرشوة : ذلك أن صاحب الحاجة لم يعرض شيئاً معيناً على الموظف « بل عرضه هز أشبه بالهزل منه بالجد »ولكن إذا كان العرض جديا في ظاهره، فقبله الموظف على هذا الأساس منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته المصلحة الراشي، فإن القبول الذي تقوم به الرشوة يعد متحققاً بذلك، ولا يحول دون ذلك ثبوت أن العرض لم يكن جدياً في حقيقته وأن قصد العارض كان متجها إلى ضبط المرتشي متلبساً، وأن العرض كان بناء على تدبير سابق رتبته السلطات العامة ذلك أن قبول الموظف في هذه الظروف قد حقق معنى الإتجار في الوظيفة، فقد عرضها بالفعل كسلعة نظير الثمن الذي اعتقد أنه معروض عليه.
وكل صور التعبير عن إرادة القبول سواء . فلا فرق بين تعبير عن طريق القول أو الكتابة أو الإشارة، بل يجوز أن يكون القبول ضمنياً ويعني القبول الضمني إرادة صحيحة قانوناً تضع في اعتبارها أن القبول ضير العمل الوظيفي، وأبرز صور القبول الضمنى أن ينصرف الموظف الى أداء العمل الذي تقتضيه مصلحة صاحب الحاجة بعد علمه بالعرض ويجوز أن يكون القبول معلقاً على شرط وتعد الرشوة تامة بالقبول، فلا يتوقف تمامها على تنفيذ موضوع الإتفاق فإذا رفض صاحب الحاجة أن يسم للموظف ما وعده به فلا يؤثر ذلك في أركان الرشوة التي توافرت بالقبول، ولا يتغير الحكم كذلك إذا رفض الموظف أداء العمل کرد من جانبه على نكول صاحب الحاجة عن وعده ولا يحول دون تمام الرشوة أن الموظف قد قبل العرض ولكنه رفض أسلوب تنفيذه، كما لو قبل أداء العمل الوظيفي، ولكنه رفض أن يكون ذلك عن طريق شيك وأصر أن يكون نقداً.
الطلبة الطلب هو تعبير عن إرادة منفردة من جانب الموظف ومتجهة إلى الحصول على مقابل نظير أداء العمل الوظيفي وتتم الرشوة بمجرد الطلب ولو لم يستجب له صاحب الحاجة، بل ولو رفضه وسارع إلى إبلاغ السلطات العامة، فالرشوة في هذه الصورة هي سلوك الموظف دون اعتبار لسلوك صاحب الحاجة. وعلة اعتبار الطلب المجرد كافياً لتمام الرشوة أن الموظف قد عرض بذلك العمل الوظيفي للإتجار، فأخل بنزاهة وظيفته والثقة في الدولة، ولم ير الشارع فرقاً بين عرض للإتجار واتجار فعلی وإذا لم يكن القبول شرطاً لتمام الرشوة، فإن حصول الموظف على ما طلبه ليس من باب أولى شرطا لذلك.
وقد سوى الشارع بين طلب الموظف المقابل لنفسه وطلبه لغيره، فالموظف الذي يطلب الرشوة لموظف آخر يعد فاعلاً للرشوة، وليس مجرد شريك فيها .
الشروع في الرشوة، حين كان الشارع لا يعتبر الطلب المجرد صورة قائمة بذاتها من النشاط الإجرامي للرشوة، كان الطلب هو الحالة الواضحة للشروع في الرشوة، ذلك أنه بدء في التنفيذ بالنسبة للأخذ أو القبول، فلما صار الطلب مجرداً كافياً لتمام الرشوة، ساد في الفقه القول باستحالة تصور الشروع في هذه الجريمة ذلك أن كل نشاط يصدر عن الموظف يعبر عن إرادة جدية متجهة إلى الإتجار في أعمال وظيفته يجعله مرتكباً جريمة تامة.
ولكننا نعتقد أنه إذا استحال تصور الشروع في الرشوة في حالتي « الأخذ والقبول » باعتبار أن فيهما « ينحصر مبدأ التنفيذ ونهايته »، فإن الرشوة يتصور الشروع فيها في حالة « الطلب » . فالطلب لا يعد متحققاً - في مدلوله القانوني - إلا بوصوله إلى علم صاحب الحاجة، فإن صدر عن الموظف وحالت أسباب (لا دخل لإرادته فيها) دون وصوله إلى علم صاحب الحاجة، كما لو بعث إليه برسالة وضمنها طلبه، ولكن السلطات العامة ضبطت الرسالة وحالت دون وصولها؛ أو كلف رسولاً إبلاغ طلبه، ولكن هذا الرسول لم يفعل (فأخبر السلطات مثلا) فإن جريمة الرشوة تقف بذلك عند مرحلة الشروع. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 14)
يقصد بالاختصاص بالعمل أن يكون لدى الموظف سلطة مباشرة العمل الذي وقع الارتشاء مقابل تحقيقه أو الامتناع عنه. وتحدد القوانين واللوائح أعمال الموظف العام التي تدخل في اختصاصه. وقد تتحدد هذه الأعمال بمقتضى أوامر الرؤساء أو تعليماتهم المكتوبة أو الشفوية. على أنه يتعين أن يكون العمل التي يؤديه الموظف بناء على أمر رئيسه صادراً بناء على تكليف صحيح، فمتى كان الرئیس الأمر لا يملك القيام بهذا العمل فإنه لا يكون لمرؤوسيه اختصاص في هذا الأمر. وإذا كان العمل داخلاً في اختصاص الموظف فلا يخرجه من هذا الاختصاص أن يريد الموظف مباشرته خلافاً لما تقضي به القوانين واللوائح، وبعبارة أخرى فإن العمل الذي يدخل في اختصاص الموظف قد تكون مباشرته حقاً أو غير حق.
ولا يلزم أن يكون الموظف المرتشي هو واحده المختص بالقيام بجميع العمل المتعلق بالرشوة، بل يكفي أن يكون له فيه علاقة أو نصيب من الاختصاص يسمح به من الناحية الفعلية بتنفيذ الغرض من الرشوة.
وتطبيقاً لذلك قضى بما مؤداه أنه وإن كان تأجيل القضية ليس من اختصاص الكاتب، إلا أنه يتعلق بوظيفته، لأنه - بصفته كاتباً - يباشر الإجراءات التي يتوقف عليها التأجيل أو عدمه. كما قضى أن من عمل حاجب النيابية نقل القضايا بين الموظفين، وهو قدر من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وهو سرقة إحدى القضايا. أما إذا كان اختصاص الموظف المرتشي لا علاقة له مطلقاً بالعمل أو الامتناع المتعلق بالرشوة، فلا تقع الجريمة ما لم يزعم الموظف اختصاصه بهذا التنفيذ، كما سنبين فيما بعد.
وتوافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي عرضت عليه الرشوة من أجله هو من الأمور التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة النقض، ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل ثابت في الأوراق على أنه يجب على الحكمة إثبات مدى توافر الاختصاص أو الزعم به، وإلا كان الحكم قاصر البيان.
كان تجريم الرشوة قبل القانون 69 لسنة 1953 متوقفاً على ثبوت أن العمل الذي يراد من الموظف القيام به أو الامتناع عنه داخلاً في أعمال الوظيفة، ولم تكن يد العقاب تمتد إليه في حالة الزعم بالاختصاص، مع أن إجرام الموظف في هذه الحالة يكون أشد نكراً من الموظف المختص، وذلك بالنظر إلى أنه يجمع بين استغلال وظيفته بصفته العمومية والحصول من ورائها على فائدة محرمة وبين الاحتيال والاتجار ولذا جاء القانون رقم 69 لسنة 1953 المعدل فساوى أيضاً بين حالتي الزعم بالاختصاص والاعتقاد الخاطئ به.
وهكذا، ساوى الشارع في نطاق الرشوة بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة عليه، وذلك عن طريق الاتجار فيها. ولا عبرة بسبب عدم الاختصاص، فيستوي أن يكون نوعياً أو محلياً. ولا يشترط في الزعم بالاختصاص أن يقترن بمظاهر احتيالية، بل كل ما يطلب في هذا الصدد هو بحرد ادعاء الموظف أن العمل أو الامتناع المراد منه أداؤه يدخل في حدود اختصاصه. كما لا يشترط أيضاً أن يكون لهذا الزعم تأثير في اعتقاد المجني عليه بهذا الاختصاص المزعوم، لأن الجريمة تتم بمجرد الطلب من جانب الموظف العام، فضلا عن اختلافها عن جريمة النصب في نموذجها القانوني.
ومن أمثلة الزعم بالاختصاص أن يدعي رئيس قلم عمال اليومية والخدمة السايرة بإحدى المصالح قدرته على تسهيل إجراءات أحد العمال المتقدمين للامتحان وترقيته ومساعدته في الترقية دون من يتقدمه في نتيجة الامتحان. ويتوافر الزعم ولو لم يفصح به الموظف صراحة، بل يكفي الزعم الضمني، بأن يبدي الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه، في ظروف توهم الراشي بأنه لا يمكن أداء هذا العمل، ويكفي الزعم الضمني بأن يبدي الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في اختصاصه. وتقدير ثبوت هذا الزعم مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض. ولا يحول دون وقوع الجريمة أن يعلم الراشي أن الموظف غير مختص بالعمل أو الامتناع الذي وعد بالقيام به، ما دام أن الجريمة تقع بمجرد الطلب أو القبول أو الأخذ دون حاجة إلى اتفاق بين الراشي والمرتشي ولو لم يعقبه تنفيذ فعلي لسبب الرشوة. فضلا عن أن فاعل هذه الجريمة هو الموظف العام، ويكفي أن يتوافر لديه القصد الجنائي اللازم لوقوعها، بغض النظر عن قصد الراشي تجاهه.
وقد عاقب القانون على الزعم بالاختصاص - المقترن بالرشوة - بالنظر إلى ما ينطوي عليه من استغلال للوظيفة العامة. فجريمة الرشوة هي من جرائم الخطر؛ لأن القانون لا يشترط لقيامها تحقق السبب من الرشوة، بل يعاقب عليها لاحتمال القيام بهذا السبب، الأمر الذي يعرض الوظيفة العامة للخطر. والرشوة ليست مجرد انتحار بالوظيفة العامة، وإنما هي أيضاً جريمة استغلال هذه الوظيفة، وإن تعريض الوظيفة العامة لخطر العبث بما لا يكون إلا من موظف عام يستغل صفته العمومية. وقد لاحظ المشرع أن الزعم بالاختصاص أو الاعتقاد الخاطئ به قد يدفع الموظف العام إلى محاولة القيام بهذا الاختصاص المزعوم متستراً وراء علاقته الوظيفية، ولذا أدخله في نطاق جريمة الرشوة.
وقد استهدف المشرع بتجريم هذه الصورة الضرب على أيدي العابثين بالوظيفة العامة عن طريق التوسع في مدلول الرشوة وشمولها من يستغل من الموظفين العموميين، و الذين ألحقهم الشارع بهم - وظيفته للحصول من ورائها على فائدة محرمة، ولو كان ذلك على أساس الاختصاص المزعوم. ويكفي لمساءلة الجاني على هذا الأساس أن يزعم أن العمل الذي يطلب الجعل لأدائه يدخل في أعمال وظيفته، والزعم هنا - كما قلنا - هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أو وسائل احتيالية دون أن يكون لذلك تأثير في اعتقاد المجني عليه بهذا الاختصاص المزعوم .
فجريمة الرشوة لا تقع اعتداء على سمعة الوظيفة العامة فحسب، وإنما هي فوق ذلك جريمة خطر تهدد أعمال هذه الوظيفة بالضرر. وبناء على ذلك، فيجب أن تكون للوظيفة الأصلية التي يشغلها الجاني أثر في الركن المادي لهذه الجريمة، أي يجب أن تكون هذه الوظيفة في محور الاختصاص المزعوم. وبعبارة أخرى، يجب أن يكون هناك ارتباط سببي بين الوظيفة التي يشغلها وبين الاختصاص الذي يزعمه. فهنا - وهنا فقط - يتحقق الخطر الحقيقي على الوظيفة العامة صاحبة الاختصاص المزعوم. فمثلاً، إذا انتحل الموظف صفة أخرى لا صلة لها بوظيفته الحقيقية، كأن يدعي موظف بمؤسسة النقل العام أنه يعمل طبيباً بالقومسيون الطبي، أو يدعي کاتب بوزارة العدل أنه يعمل قاضياً بها. ففي هذين المثالين لا تتوافر جريمة الرشوة، ونكون بصدد جريمة النصب، وذلك بانتحال صفة غير صحيحة، مع افتراض توافر سائر أركان هذه الجريمة.
وأساس هذا التفسير أن المصلحة المحمية بالتجريم في الرشوة ليست هي حماية أموال الأفراد، وإنما هي حماية الوظيفة العامة التي يشغلها الموظف العام من خطر العبث بما ولذلك، فإنه يشترط لتجريم الزعم بالاختصاص المقترن بالرشوة أن يكون زعم الموظف باختصاصه بالعمل الذي طلب الجعل أو أخذه أدائه أو للامتناع عنه صادراً على أساس أن هذا العمل من أعمال وظيفته الحقيقية. أما الزعم القائم على انتحال صفة وظيفية منبتة الصلة بالوظيفة التي يشغلها الجاني فلا تتوافر هذا الزعم جريمة الرشوة التي نص عليها القانون.
هذا بخلاف ما إذا كان الزعم ليس قائماً على انتحال صفة وظيفية منبتة الصلة بأعمال الوظيفة التي يشغلها الجاني، كأن يدعي كاتب بإدارة شئون الأفراد أنه يملك اختصاص مدير هذه الإدارة، أو أن يدعي أحد المدرسين أنه يملك اختصاص أطباء القومسيون الطبي. في هذه الأمثلة استغل الموظف العام وظيفته الحقيقية، فزعم أنه يملك اختصاص من اختصاصات هذه الوظيفة، وتحقق بذلك الخطر الحقيقي على الوظيفة العامة صاحبة الاختصاص المزعوم.
وهنا يجدر التنبيه إلى الفرق بين أمرين:
(1) إذا كان اختصاص الموظف له علاقة بالعمل أو الامتناع المتعلق بالرشوة.
(2) إذا كان الموظف لا علاقة له على الإطلاق بالعمل أو الامتناع المتعلق بالرشوة.
في الحالة الأولى يكون العمل أو الامتناع داخلاً في نصيب من اختصاص الموظف.
أما في الحالة الثانية، فيكون العمل أو الامتناع بعيدين عن هذا الاختصاص كله، فلا يمكنه في حدود اختصاص الإسهام في القيام بهذا العمل أو الامتناع، مما يقتني معه الزعم بالاختصاص حتى تتوافر الجريمة.
ويلاحظ أنه إذا لم يزعم الجاني الاختصاص بل ادعى أن اختصاصه قريب من اختصاص موظف آخر وأن صلته به هي التي تمكنه من عمله على تنفيذ العمل أو الامتناع المتعلق بالرشوة، تقع جريمة أخرى تسمى بجريمة استغلال النفوذ طبقاً للمادة 106 مكرراً عقوبات. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة: 333)
صفة الجاني:
اشتراط صفة الموظف العامة:
تطلب المشرع لوقوع جريمة الرشوة أن يكون الجاني موظفاً عاماً أو من في حكمه مختصاً بالعمل أو الامتناع المطلوب منه أو معتقداً خطأ أو زاعماً الاختصاص به. ويقتضي ذلك تحديد المقصود بالموظف العام، وتحديد الأشخاص الذين جعلهم المشرع في حكمه، ثم بيان اختصاص الموظف بالعمل أو الامتناع.
- تحديد مدلول الموظف العام في جريمة الرشوة:
لا يقتصر المشرع الجنائي، في تحديده لمدلول الموظف العام في نطاق جريمة الرشوة، على المعنى الذي استقر عليه في فقه القانون الإداري، وإنما يمد نطاق هذا المدلول إلى أشخاص آخرين، حرصاً منه على تحقيق ما يستهدفه بتجريم الرشوة من حماية النزاهة الوظيفة العامة، وإبقاء على ثقة الناس في حيدة الدولة وعدالتها، وصيانة لنقاء العلاقة بين الدولة والأفراد من خلال ما تؤديه لهم بواسطة عمالها من خدمات.
وعلى ذلك يمتد معنى الموظف العام في جريمة الرشوة ليشمل الموظف العام الحقيقي في المدلول الإداري، ثم من اعتبرتهم المادة 111 عقوبات في حكم الموظف العام، بالإضافة إلى فئة ثالثة يثور التساؤل بصددها وهي فئة الموظف العام الفعلي.
- أولاً : الموظف العام في المدلول الإداري:
هو الشخص الذي يقوم بصفة قانونية بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة عن طريق الاستغلال المباشر ويعني هذا التعريف ضرورة توافر شروط ثلاثة لتحقق صفة الموظف العام :
1- أن يكون قد التحق بخدمة المرفق العام بصفة قانونية، أي عن طريق التعيين، فإذا لم يتوافر هذا الشرط لا تتحقق صفة الموظف العام، ولو كان المرشح للوظيفة قد استوفي شروط التعيين فيها، أو كان تعيينه باطلا.
2- ويجب أن يقوم الشخص المعين بأداء عمل يتصف بالدوام والاستمرار، فيخرج من نطاق الموظف العام من عهد إليه بعمل عارض كمن يكلف بخدمة عامة.
3- وأخيراً يجب أن يقوم بالعمل في مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة عن طريق الاستغلال المباشر، فيخرج من نطاق الموظف العام من يعمل في مرفق عام يدار عن طريق آخر غير طريق الاستغلال المباشر كطريق الإلتزام، ومن يعمل في مشروع خاص أياً كانت درجة اتصاله بالدولة.
إذا توافرت هذه الشروط تحققت صفة الموظف العام، يستوي بعد ذلك أن يكون مثبتا أو غير مثبت، وأن يتقاضى عن عمله راتباً أو مكافأة أو أن يقوم به بغير مقابل، إذ لا يعتبر الراتب شرطاً من شروط الوظيفة العامة، وعلى ذلك يعتبر العمد، ومشايخ البلد، ومشايخ الحارة ومشايخ القسم من الموظفين العموميين.
ويستوي أن يكون خاضعاً للنظام القانوني العام لموظفي الدولة أو أن يكون خاضعا لنظام قانوني خاص بفئة معينة، كالنظام الخاص بأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، وأعضاء الهيئات القضائية، أو بأفراد القوات المسلحة أو الشرطة كما يستوي أن يكون التعيين برضائه أو أن يكون مكلفاً بذلك وأن يكون متفرغاً للقيام بأعمال وظيفته أو أن يجمع بينها وبين عمل آخر.
ثالثا: الموظف الفعلي :
هو الشخص الذي يباشر عملاً وظيفياً دون أن تكون له صفة الموظف الحقيقي، إما لأنه لم يصدر قرار بتعيينه أو صدر بتعيينه قرار باطل، أو لأن إجراءات ممارسته للعمل الوظيفي لم تستوف بعد، أو لأنه وهو موظف حقیقی، فوض بمباشرة عمل لا يجيز القانون تفويضه في القيام به. ويثير وضع الموظف الفعلى التساؤل عما إذا كان يعتبر کالموظف الحقيقي فتسري عليه نصوص الرشوة؟ لما كان الهدف من تجريم الرشوة هو حماية نزاهة الوظيفة العامة، وصيانة ثقة الناس في الأعمال التي تقوم بها الدولة، فإنه يجب التمييز بين وضعين: إذا كان العيب الذي يشوب مباشرة الشخص للعمل الوظيفي يسيراً يصعب اكتشافه، كما هو الشأن بالنسبة لكاتب المحكمة الذي يباشر عمله دون حلف اليمين القانونية، أو كان العيب - على الرغم من أهميته - قد حجبته عن الناس مظاهر السلطة التي يباشرها الموظف الفعلى فأصبحوا يعتقدون أنه الممثل الحقيقي للدولة، في هاتين الحالتين تسري عليه نصوص الرشوة إذا توافرت أركان الجريمة.
أما إذا كان العيب الذي يشوب مباشرة الشخص للعمل الوظيفي من الوضوح بحيث يتبينه الناس فيدركون أنه لا يمثل سلطة الدولة وأنه لا يستطيع القيام بأعمال الوظيفة، فحينئذ لا يعتبر هذا الشخص موظفا فعليا، فإذا طلب أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية للقيام بعمل من أعمال هذه الوظيفة لا تطبق عليه نصوص الرشوة، لأن بعده عن الوظيفة واستقلاله الواضح عنها يجعل فعله غير ماس بنزاهتها وإن أمكن أن يسأل عن جريمة نصب إذا توافرت أركانها.
ويدخل في نطاق الموظف الفعلى فتطبق عليه نصوص الرشوة الشخص الذي يتصدى للقيام بأعمال السلطة العامة إذا اختفت هذه السلطة أو عجزت عن القيام بمهامها. مثال ذلك أن يحتل العدو أحد أقاليم الدولة ويختفي ممثلو الدولة من هذا الإقليم أو يعجزون عن أداء مهامهم فيضطلع أحد المواطنين بأعمالهم الوظيفية.
الاختصاص بالعمل :
يقصد باختصاص الموظف بالعمل أن يكون له سلطة القيام به قانوناً، ويتحقق ذلك إذا كان القانون يفرض عليه القيام به، أو كان يترك له تقرير ملاءمة القيام به أو الامتناع عن ذلك. والأعمال التي تدخل في اختصاص الموظف العام أو من في حكمه قد يحددها القانون مباشرة، وقد تحددها اللوائح بناء على تفويض القانون، كما قد يحددها قرار أو تكليف صحيح صادر من الرئيس المختص، سواء كان كتابياً أو شفهياً. وقد قضي تطبيقاً لذلك بأنه: «يدخل في أعمال الوظيفة كل عمل يرد عليه تكليف صحيح صادر من الرؤساء، كما يكفي في صحة التكليف أن يصدر بأوامر شفهية، فإذا كان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً على أن عمل الساعي يقتضي التردد على المكان الذي تحفظ فيه ملفات الممولين للمعاونة في تصنيفها وأن يقوم بنقل الملفات بناء على طلب موظفي مأمورية الضرائب - وهم من رؤسائه - فإن التحدي بانعدام أحد أركان جريمة الرشوة يكون على غير أساس».
ولا يقدح في ذلك أن يكون هناك قرار وزاري ينظم توزيع العمل بين الموظفين، لأن ذلك إجراء تنظيمي لا يهدر حق رئيس الإدارة في تكليف موظف بعمل خاص في إدارة أخرى». كذلك قد يرجع تحديد الاختصاص إلى العرف.
نقض 20 يناير سنة 1959 مجموعة أحكام محكمة النقض س 10 رقم 15 ص 55 .
نقض 9 يونية سنة 1969 مجموعة أحكام محكمة النقض س 20 رقم 173 ص 826 .
نقض 7 أكتوبر سنة 1958 مجموعة أحكام محكمة النقض س 5 رقم 189 ص 779.
واختصاص الموظف بالعمل الوظيفي يعني أن يختص به نوعياً ومكانياً، فلا يكفي أن يكون الموظف مختصاً بعمل من نوع معين إذا كان نظام تعيينه لا يسمح له بمباشرته إلا في جهة معينة، إذ أن مباشرته لعمل من نفس نوع العمل الداخل في أعمال وظيفته خارج نطاق اختصاصه المكاني يعني أنه ليست لديه سلطة القيام بهذا العمل وبالتالي يكون غير مختص به. فإذا تلقى عطية مقابل القيام بعمل لا يدخل في اختصاصه المكاني لا تقع منه جريمة الرشوة طالما أنه لم يزعم اختصاصه به أو يعتقد ذلك.وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه «إذا كان الموظف غير مختص بإجراء عمل من الأعمال سواء أكان ذلك بسبب أن هذا العمل لا يدخل أصلاً في وظيفته أم بسبب أنه هو، بمقتضى نظام تعيينه، ليس له أن يقوم به في الجهة التي يباشر فيها، فإن حصوله على المال أو تقديم المال إليه للقيام به أو للامتناع عنه لا يمكن أن يعد رشوة».
وإذ تحدد الاختصاص بالعمل الوظيفي على هذا النحو فإنه يستوي بعد ذلك أن يكون الموظف هو المختص بالعمل كله أو أن يقتصر اختصاصه على جزء من العمل المطلوب يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة إذ القول بوجوب اختصاص الموظف بكل العمل دون أن يساهم فيه أحد غيره يجر - على حد تعبير محكمة النقض - «إلى إباحة الرشوة إذ المعلوم أن إدارة الأعمال تتطلب لحسن سيرها توزیع كل مسألة على عدة عمال فيختص كل منهم بأداء جزء معين منها، وقد لا توجد مسألة واحدة بذاتها يتمها كلها موظف واحد، ولم يشترط القانون سوى أن يكون العمل من أعمال الوظيفة، وما دامت كلمة عمل جاعت مطلقة فهي لا تتقيد بقدر معين من العمل ولا بنوع خاص منه».
كذلك يعتبر الموظف مختصاً بالعمل ولو كان اختصاصه منحصراً في مجرد إبداء الرأي وقد قضى تطبيقاً لذلك بأن العمدة الذي يبدي رأياً بشأن تعيين شيخ بلد بناء على طلب اللجنة المختصة يعتبر قائماً بعمل من أعمال وظيفته، فإذا قبل عطية لإبداء رأيه لمصلحة شخص معين عد مرتكباً لجريمة الرشوة.
بل إن الموظف يعتبر مختصاً بالعمل ولو لم يكن داخلاً مباشرة في أعمال وظيفته، إذا كان العمل المطلوب أداؤه مقابل الرشوة له علاقة أو اتصال بأعمال الوظيفة يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة. نقض 3 مارس سنة 1917 المجموعة الرسمية س 18 رقم 51 ص 89.
الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه الصفة والاختصاص:
العبرة في توافر صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل هي بالوقت الذي يقع فيه الركن المادي لجريمة الرشوة، وهو وقت طلب العطية أو أخذها أو قبول الوعد بها. فإذا انتفت الصفة وقت وقوع الفعل لا يعتبر الفاعل مرتشياً. وإن أمكن أن تقع منه جريمة النصب بانتحال صفة غير صحيحة إذا ادعى أن له صفة الموظف وتوافرت باقی أركان هذه الجريمة. ويترتب على هذا التحديد أن الرشوة لا تقع من شخص ليست له صفة الموظف، إذا تقاضى مبلغاً لقاء القيام بعمل وظيفي ولو تحققت فيه هذه الصفة بعد ذلك إذ لا يتحقق حينئذ التعاصر المطلوب بين الركن المادي للرشوة وبين صفة الموظف العام. كذلك لا تقع الجريمة إذا قدم العطاء إلى موظف عام ليقوم بعمل لا يدخل في نطاق اختصاصه ولم يزعم الاختصاص به ولم يعتقد خطأ الاختصاص به، وإنما أخذ العطية استغلالا لسذاجة صاحب الحاجة. والجريمة لا تقع في هذا الفرض ولو دخل العمل في اختصاصه بعد وقوع الفعل. ولا تقع جريمة الرشوة إذا وقع الفعل المادي المكون لها بعد أن زالت عن الموظف صفته بالعزل أو الاستقالة، أو إذا كانت الصفة قائمة ولكن كان العمل قد خرج عن نطاق اختصاصه ولم يزعم أنه لا يزال مختصاً به، أو يعتقد خطأ بذلك.
وإذا توافرت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل وقت ارتكاب الفعل فإن جريمة الرشوة تقع، ولا يؤثر في ذلك أن تزول عن المرتشي صفة الموظف والاختصاص الذي كان له، ولو كان من نتيجة ذلك استحالة تحقيق غرض الرشوة.
الزعم بالاختصاص :
سوى المشرع بين الاختصاص الحقيقي بالعمل والزعم بالاختصاص به، ويقصد بالزعم بالاختصاص الادعاء الكاذب بأن العمل الذي يتلقى الموظف المقابل للقيام به أو الامتناع عنه يدخل في نطاق اختصاصه وقد يعترض على ذلك بأن هذا الادعاء لا يتضمن اتجاراً بأعمال الوظيفة وبالتالي لا يجوز أن يستند إليه التجريم، ولكن الواقع أن هذا الإدعاء، وإن لم يعتبر اتجاراً بأعمال الوظيفة، إلا أنه يعتبر اتجارا بالوظيفة ذاتها، إذ يستغل الموظف الثقة المنبعثة من شغله لهذه الوظيفة ليوهم الناس باختصاص ليس اله. ولذلك فإنه - على حد تعبير محكمة النقض - لا يقل استحقاقاً للعقاب حين يتجر في أعمال الوظيفة على أساس موهوم عنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هو يجمع بين إثمين: الاحتيال والارتشاء. نقض 6 يناير سنة 1969 مجموعة أحكام محكمة النقض س 20 رقم 8 ص 33؛ ونقض 18 يناير سنة 1990 س 41 رقم 29 ص 191؛ ونقض ۸ ديسمبر سنة 1994 س 45 رقم 175 ص 1108.
والزعم بالاختصاص قد يكون صريحاً في صورة قولاً أو كتابة، وقد يكون ضمنياً إذا أبدى الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق . اختصاصه، ومن باب أولى إذا اختلق واقعة واستغلها للإيهام باختصاصه.
مثال ذلك أن ينسب شرطي إلى أحد الأشخاص أنه ارتكب جريمة ويطلب اقتياده إلى مركز الشرطة فيعطيه هذا الشخص بعض المال ليتركه.
كذلك قد يكون الزعم بالاختصاص مصحوباً بوسائل احتيالية، كتلك التي يتطلبها المشرع في جريمة النصب، وهنا – إذا توافرت باقي أركان جريمة النصب - نكون بصدد فعل واحد يكون جريمتين هما النصب والرشوة، فتطبق في شأنه قواعد التعدد المعنوي للجرائم وتوقع أشد العقوبتين وهي عقوبة جريمة الرشوة.
على أنه يجب أن نلاحظ أن الزعم بالاختصاص بالعمل - المطلوب أداؤه أو الامتناع عنه لقاء الجعل - يجب أن يكون صادراً على أساس أن هذا العمل يدخل في نطاق أعمال وظيفته الحقيقية، إذ يتحقق بهذا المعنى استغلال الموظف لوظيفته والاتجار بها، كأن يدعى طبيب في إحدى المستشفيات أنه مختص بعمل أطباء القومسيون الطبي. أما إذا زعم الموظف الاختصاص بأعمال منقطعة الصلة بوظيفته الحقيقية، وداخله في نطاق وظيفة أخرى، فإن ذلك يعتبر انتحالاً لصفة غير صحيحة لا تقوم به جريمة الرشوة وإنما تتحقق به جريمة النصب إذا توافر باقي أركانها، مثال ذلك أن يدعى مدرس أن له اختصاصات عضو النيابة العامة.
ولا يتطلب المشرع لتوافر الزعم بالاختصاص أن يكون مصحوباً بوسائل احتيالية، وإنما يتحقق هذا الزعم ولو كان كذباً مجردا إذ يتحقق بذلك معنی استغلال الوظيفة العامة، ولذلك تقع جريمة الرشوة في هذه الحالة بصرف النظر عن اعتقاد صاحب الحاجة فيما زعم الموظف، فيستوي أن يكون قد انخدع بالزعم فاعتقد صحته، أو أن يكون مدركاً لحقيقة الأمر فرفض دفع الجعل، وحينئذ تقع جريمة الرشوة من الموظف بمجرد الطلب.
ويتحقق الزعم بالاختصاص ولو صدر عن شخص آخر غير الموظف إذا أيده الموظف وكان هو الذي دفعه إلى ذلك.
فإذا انتفى الزعم بالاختصاص لا يسأل الموظف عن جريمة الرشوة ولو حصل على العطاء من صاحب الحاجة الذي اعتقد أن الموظف مختص بالعمل، سواء تولد لديه هذا الاعتقاد تلقائيا أو بناء على بعض المظاهر الخارجية، طالما أن الموظف لم يكن له دور في تكوين هذا الاعتقاد.
- الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص:
وإذا كان الموظف يعتقد خطأ باختصاصه بالعمل، فإن ذلك يكفي فلا عبرة لما إذا كان صاحب الحاجة قد اعتقد بدوره اختصاص الموظف العام بالعمل وهو الوضع الغالب، أو لم يعتقد.
عناصر الركن المادي لجريمة الرشوة :
- السلوك الإجرامي في الرشوة:
يتخذ السلوك الإجرامي في جريمة الرشوة إحدى صور ثلاثة هي الأخذ أو القبول أو الطلب، وقد نص المشرع على هذه الصور على سبيل الحصر، ولذلك ينبغي أن يعين الحكم الصادر بالإدانة ص ورة النشاط الإجرامي للمرتشي حتى يتسنى لمحكمة النقض أن تراقب صحة تطبيق القانون على الواقعة. ويجمع بين هذه الصور ما تنطوي عليه من اتجار في الوظيفة العامة واعتداء على نزاهتها.
أخذ العطية :
الأخذ هو تسلم الموظف العطية إذا كانت شيئاً مادياً. أو الحصول على المنفعة إذا كانت العطية مجرد منفعة. ويعتبر الأخذ أكثر صور النشاط الإجرامي في الرشوة شيوعاً ويطلق عليه تعبير «الرشوة المعجلة» تمييزاً له عن صورتی القبول والطلب حيث تكون «الرشوة مؤجلة».
ويتحقق الفعل الإجرامي بالأخذ، ويستوي بعد ذلك أن يكون الموظف قد تسلم العطية أو حصل على المنفعة من الراشي نفسه أو من شخص آخر كلفه الراشي بذلك ولو كان الوسيط حسن النية كذلك تستوي الصورة التي تتخذها العطية فقد تكون مبلغاً من النقود أو أوراقاً مالية أو شيئاً ذا قيمة. كما تستوي الكيفية التي تقدم بها، فقد تقدم على أنها هدية إخفاء لقصد الرشوة بينما يكون الغرض من الرشوة مفهوما ضمناً، وقد تقدم على أنها ثمن العمل المطلوب من الموظف أداؤه صراحة .
وتعتبر الرشوة عن طريق أخذ العطية أسهل حالات الرشوة إثباتاً حيث يكون الموظف المرتشي حائزاً للعطية، والحيازة واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع طرق الإثبات أياً كانت قيمة العطية، ويكون من العسير على الموظف أن يثبت مشروعية هذه الحيازة.
- قبول الوعد بالعطية:
لم يقصر المشرع جريمة الرشوة على صورة حصول الموظف المرتشي على العطية المعجلة، وإنما مد نطاقها إلى حالة اقتصار الموظف على قبول الوعد بالعطية، وهو يعني الموافقة على وعد صاحب الحاجة بتقديم العطية في المستقبل. فهذه الصورة من صور الرشوة تفترض عرضاً أي - إيجاباً من صاحب الحاجة للموظف أن يقدم له عطية في المستقبل في مقابل أداء الموظف العمل أو الامتناع عنه، وموافقة أو قبولاً من الموظف لهذا الوعد. وبهذا الاتفاق الذي تتمثل فيه ماديات الجريمة في هذه الصورة تقع جريمة الرشوة، ولا يؤثر في ذلك ألا يقدم صاحب الحاجة العطية فيما بعد، كما لا يؤثر فيه عدم قيام الموظف بما طلب منه، ذلك أن مجرد القبول من الموظف للوعد بالعطية يحمل في ذاته معنى الاتجار في وظيفته «وتكون مصلحة الجماعة قد هیئت فعلاً بالضرر الناشئ عن العبث بالوظيفة التي ائتمنت عليها الموظف ليؤدي أعمالها بناء على وحی ذمته وضميره ليس إلا.
ولا يشترط في القبول شكلاً معيناً فقد يكون صريحاً بقول أو كتابة أو إيماء، وقد يكون ضمنياً كأن يبدأ الموظف في أداء العمل الذي يطلبه صاحب الحاجة، مع ملاحظة أن إثبات القبول في هذه الحالة أمر عسير. فقد يكون انصرافه إلى أداء العمل أثراً لقبول ضمني للوعد بالعطية، كما قد يكون أداؤه للعمل تنفيذاً لواجبه الوظيفي، ولا يجوز الاستناد إلى سكوت الموظف وعدم تبليغه عن عرض الرشوة لاستخلاص الدليل على قبوله للوعد بالعطية، والأمر متروك لتقدير المحكمة، فإذا ثار لديها الشك حول قبول الموظف يجب تبرئته من جريمة الرشوة إذ الشك يفسر لصالح المتهم.
ويشترط في القبول أن يكون جدياً، فإذا كان الموظف غير جاد فی قبوله، وإنما تظاهر بذلك لتمكين السلطات من ضبط صاحب الحاجة متلبساً، فإن هذا القبول الظاهري يعتبر منعدماً، فلا تقوم به جريمة الرشوة، ويقتصر الأمر في هذا الفرض على وقوع جريمة عرض الرشوة من جانب صاحب الحاجة.
والقبول الجدى يجب أن يلتقي مع عرض جدي. فإذا كان العرض ظاهر الهزل لا تقع بقبوله جريمة الرشوة. «فإذا وعد شخص موظفاً بإعطائه كل ما يملك في نظير قيامه بعمل له، فإن هذا القول لا يفيد أن هناك شروعاً منه جدياً في إعطاء رشوة إذ هو لم يعرض فيه شيئاً معيناً على الموظف بل عرضه هو أشبه بالهزل منه بالجد».
ولكن يكفي لجدية العرض أن يكون جدياً في ظاهره، فإذا قبله الموظف على أنه جدی منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي تقع بقبوله جريمة الرشوة إذ تتحقق بذلك علة العقاب وهي الاتجار في الوظيفة. ويتحقق هذا الفرض إذا كان صاحب الحاجة في حقيقة الأمر غير جاد فيما عرض على الموظف، وإنما كان العرض بقصد تمكين السلطة المختصة من ضبطه متلبساً بجريمة الرشوة.
- طلب الوعد أو العطية :
لم يقتصر المشرع لتحقق النشاط الإجرامي في جريمة الرشوة على الأخذ أو القبول، وإنما أضاف إلى ذلك بالقانون رقم 69 لسنة 1953 مجرد طلب الموظف العطية «الاستعطاء» أو طلب الوعد بها «الاستیعاد».
مقابل أداء العمل الوظيفي. ذلك أن الموظف الذي يتقدم بالطلب إلى صاحب الحاجة إنما يعرض أعمال وظيفته للبيع - شأنها شأن السلع - مما يعتبر عبثاً بالوظيفة العامة وإهداراً لنزاهتها وللثقة الواجبة فيها. بل لعل الموظف الذي يقوم بطلب الوعد أو العطية يكون أمعن إجراماً ممن يأخذ العطية أو يقبل الوعد بها إذ لا يتعرض لإغراء تقديم العطية أو الوعد بها.
وإذا كانت الرشوة هي جريمة الموظف فإنها تتحقق بمجرد الطلب، ولا يؤثر في قيامها تسليم العطية بعد ذلك أو عدم تسليمها. وقد سوى المشرع بين طلب الموظف العطية أو الوعد لنفسه أو لغيره، ولذلك قضى بأنه «لا مصلحة للمتهم في التحدى بأنه لم يطلب الرشوة لنفسه».
- تمام الرشوة والشروع فيها:
تقع الجريمة تامة بمجرد وقوع النشاط الإجرامي - إذا توافر باقی أركانها - فتتم بمجرد أخذ الموظف العطية أو قبول الوعد بها أو طلبه وعداً أو عطية لنفسه أو لغيره، وذلك دون توقف على تنفيذ الموظف للعمل المطلوب، بل ودون توقف على توافر نية القيام بالعمل المطلوب لديه. فجريمة الرشوة تتم بمجرد الأخذ أو القبول أو الطلب ولو كان الموظف يقصد وقت ارتكاب هذا السلوك عدم القيام بالعمل المطلوب (المادة 104 مکرراً ع)، ففي هذا السلوك ينحصر مبدأ التنفيذ ونهايته وإذا وقعت الجريمة على هذا النحو، فإنه لا يؤثر في قيامها أن يساور الموظف الندم بعد ذلك فيرد العطية للراشي.
ويثير وقوع الجريمة بمجرد الأخذ أو القبول أو الطلب التساؤل عما إذا كان الشروع متصوراً فيها؟ ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الشروع غير متصور في هذه الجريمة بينما يذهب رأي آخر – بحق - إلى أن الشروع متصور في حالة الطلب إذا أوفد الموظف وسيطاً إلی صاحب الحاجة لطلب الرشوة ووقف النشاط عند هذا الحد إذا أبلغ الوسيط السلطات بذلك. فالجريمة هنا لم تتم، إذ لا اعتداد بالطلب إلا إذا وصل إلى علم صاحب الحاجة، وإن كان لا يشترط قبوله، ويكون فعل الموظف قد وقف عند حد البدء في التنفيذ المكون للشروع .
الركن المعنوي في جريمة الرشوة
- قصد المرتشي:
جريمة الرشوة جريمة عمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، وهو يتحقق بتوافر عنصري : العلم والإرادة.
العلم: يجب أن ينصرف علم الموظف إلى أركان الجريمة، فيجب أن يكون عالماً بأنه موظف وأن العمل المطلوب منه يدخل في نطاق اختصاصه حقيقة أو زعماً أو اعتقاداً مخالفاً للحقيقة، فإذا كان يجهل وقت قيامه بالنشاط الإجرامي أنه قد يصدر قرار بتعيينه، أو كان يجهل أن العمل المطلوب منه قد أصبح داخلاً في نطاق اختصاصه، ينتفي لديه القصد. كذلك يجب أن ينصرف علم الجاني إلى الفعل المكون الركن المادي للجريمة، فلا يكفى لقيام القصد الجنائي لديه أن يدخل العطية في حيازته دون علمه كما لو دسها صاحب الحاجة في جيبه أو في درج مكتبه دون أن يشعر. ويجب أن يكون الجاني عالماً بأن العطية التي تقدم إليه هي مقابل العمل المطلوب، فإن جهل ذلك بأن كان معتقداً أنها قدمت لغرض بریء کسداد الدين على صاحب الحاجة لا يتوافر القصد الجنائي، ويظل غير متوافر ولو علم فيما بعد بالغرض الحقيقي العطية فقام بالعمل المطلوب .
الإرادة: يجب أن تتجه إرادة المرتشي إلى ارتكاب الفعل المكون الركن المادي للجريمة بأن يريد أخذ العطية أو قبول الوعد بها أو طلب الوعد أو العطية، وتنتفي هذه الإرادة إذا كان الراشي قد قدم العطية فتسلمها الموظف ثم ردها في الحال، كما تنتفي إذا كان الموظف قد تظاهر بتوافرها لديه بغية إتاحة السبيل للقبض على الراشي متلبساً بالجريمة.
هل يشترط قصد خاص في الرشوة :
ذهب بعض الفقهاء إلى تطلب قصد خاص في جريمة الرشوة يتمثل في نية الاتجار بالوظيفة أو استغلالها، ونحن نرفض هذه الوجهة فالمشرع يكتفي لتحقق القصد بتوافر العلم لدى الموظف بأن العطية تقدم كثمن للاتجار بالوظيفة، يؤيد ذلك حرص المشرع على أن يؤكد هذا المعنى بتقريره معاقبة الموظف بعقوبة الرشوة حتى ولو كان يقصد عدم القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة، أي أن الجريمة تقع سواء توافرت أو لم تتوافر نية الاتجار في أعمال الوظيفة.
- معاصرة القصد الجنائي للركن المادي:
من المقرر أن القصد لا يعتد به في القول بتوافر الجريمة إلا إذا كان معاصراً للنشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة، فتنتفى الجريمة إذا لم يكن القصد متوافراً بعنصريه وقت الأخذ أو القبول أو الطلب، ولا عبرة بتوافره في وقت لاحق على ذلك. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة : 16)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 282
الرِّشْوَةُ :
هِيَ جَرِيمَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْقُرْآنِ لقوله تعالي : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وَهِيَ فِي الْيَهُودِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ السُّحْتَ مِنَ الرِّشْوَةِ. وَهِيَ كَذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» . وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَتْ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 187 ، 189 ، 190
(مادة 364)
يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز عشر سنوات كل موظف عام طلب أو قبل لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة من أي نوع، أو وعداً بشيء من ذلك ؛ لأداء عمل أو للامتناع عن عمل لا يدخل في أعمال وظيفته، متى زعم أو اعتقد خطأ أن العمل أو الامتناع يدخل في أعمال وظيفته.
(مادة 374)
يحكم على الجاني في جميع الأحوال المبينة في المواد السابقة بغرامة تساوي قيمة ما طلب أو قبل أو وعد به أو عرض، على ألا تقل عن مائتي جنيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 219
رِشْوَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الرِّشْوَةُ فِي اللُّغَةِ: مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ: الْجُعْلُ، وَمَا يُعْطَى لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ، وَجَمْعُهَا رُشًا وَرِشًا.
قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الرِّشْوَةُ - بِالْكَسْرِ -: مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ لِلْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ.
وَقَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الرِّشْوَةُ: الْوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الرِّشْوَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ رَشَا الْفَرْخُ إِذَا مَدَّ رَأْسَهُ إِلَى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ.
- وَرَاشَاهُ: حَابَاهُ، وَصَانَعَهُ، وَظَاهَرَهُ.
- وَارْتَشَى: أَخَذَ رِشْوَةً، وَيُقَالُ: ارْتَشَى مِنْهُ رِشْوَةً: أَيْ أَخَذَهَا.
- وَتَرَشَّاهُ: لاَيَنَهُ، كَمَا يُصَانَعُ الْحَاكِمُ بِالرِّشْوَةِ
- وَاسْتَرْشَى: طَلَبَ رِشْوَةً
- وَالرَّاشِي: مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ.
- وَالْمُرْتَشِي: الآْخِذُ
- وَالرَّائِشُ: الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا، وَيَسْتَنْقِصُ لِهَذَا.
وَقَدْ تُسَمَّى الرِّشْوَةُ الْبِرْطِيلَ وَجَمْعُهُ بَرَاطِيلُ.
قَالَ الْمُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِرْطِيلِ بِمَعْنَى الرِّشْوَةِ، هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ لاَ؟.
وَفِي الْمَثَلِ: الْبَرَاطِيلُ تَنْصُرُ الأْبَاطِيلَ،.
وَالرِّشْوَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ،.
وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ قُيِّدَ بِمَا أُعْطِيَ لإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، أَوْ إِبْطَالِ الْحَقِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُصَانَعَةُ:
الْمُصَانَعَةُ: أَنْ تَصْنَعَ لِغَيْرِكَ شَيْئًا لِيَصْنَعَ لَكَ آخَرَ مُقَابِلَهُ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الرِّشْوَةِ، وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ صَانَعَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ.
ب - السُّحْتُ - بِضَمِّ السِّينِ:
أَصْلُهُ مِنَ السَّحْتِ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَهُوَ الإْهْلاَكُ وَالاِسْتِئْصَالُ، وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ؛ لأِنَّهُ يَسْحَتُ الْبَرَكَةَ أَيْ: يُذْهِبُهَا.
وَسُمِّيَتِ الرِّشْوَةُ سُحْتًا،. وَقَدْ سَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ،.
لَكِنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، لأِنَّ السُّحْتَ كُلُّ حَرَامٍ لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ.
ج - الْهَدِيَّةُ:
مَا أَتْحَفْتَ بِهِ غَيْرَكَ، أَوْ مَا بَعَثْتَ بِهِ لِلرَّجُلِ عَلَى سَبِيلِ الإْكْرَامِ، وَالْجَمْعُ هَدَايَا وَهَدَاوَى - وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -
يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وَإِلَيْهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ).
قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْهَدِيَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِاللُّطْفِ، الَّذِي يُهْدِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ.
وَالْمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إِهْدَاءَ الْهَدِيَّةِ.
وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ الرِّشْوَةُ هِيَ: مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْهَدِيَّةُ قَبْلَهُ.
د - الْهِبَةُ:
الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَطِيَّةُ بِلاَ عِوَضٍ.
قَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الْهِبَةُ: الْعَطِيَّةُ الْخَالِيَةُ عَنِ الأْعْوَاضِ وَالأْغْرَاضِ، فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا.
وَاتَّهَبْتُ الْهِبَةَ: قَبِلْتُهَا، وَاسْتَوْهَبْتُهَا: سَأَلْتُهَا، وَتَوَاهَبُوا: وَهَبَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ.
وَاصْطِلاَحًا: إِذَا أُطْلِقَتْ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ حَالَ الْحَيَاةِ بِلاَ عِوَضٍ. وَقَدْ تَكُونُ بِعِوَضٍ فَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهِبَةِ، أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِيصَالاً لِلنَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْعِوَضِ ظَاهِرًا فِي الْهِبَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الرِّشْوَةِ يَنْتَظِرُ النَّفْعَ، وَهُوَ عِوَضٌ.
و - الصَّدَقَةُ:
مَا يُخْرِجُهُ الإْنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ، لَكِنِ الصَّدَقَةُ فِي الأْصْلِ تُقَالُ لِلْمُتَطَوَّعِ بِهِ، وَالزَّكَاةُ لِلْوَاجِبِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْوَاجِبُ صَدَقَةً، إِذَا تَحَرَّى صَاحِبُهَا الصِّدْقَ فِي فِعْلِهِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالصَّدَقَةِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ طَلَبًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي حِينِ أَنَّ الرِّشْوَةَ تُدْفَعُ لِنَيْلِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلٍ.
أَحْكَامُ الرِّشْوَةِ:
الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَرِشْوَةُ الْمَسْئُولِ عَنْ عَمَلٍ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)، قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرِّشْوَةُ.
وَقَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإْثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَالرَّائِشَ».
وَيَحْرُمُ طَلَبُ الرِّشْوَةِ، وَبَذْلُهَا، وَقَبُولُهَا، كَمَا يَحْرُمُ عَمَلُ الْوَسِيطِ بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - أَنْ يَدْفَعَ رِشْوَةً لِلْحُصُولِ عَلَى حَقٍّ، أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ أَوْ ضَرَرٍ، وَيَكُونُ الإْثْمُ عَلَى الْمُرْتَشِي دُونَ الرَّاشِي.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ.
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِذَا عَجَزْتَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَاسْتَعَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ زَوْجَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا، بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْكَ؛ لأِنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُكَ بِالأْجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلاَ تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّادِرَ مِنَ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدَ وَالْغَصْبَ عِصْيَانٌ وَمَفْسَدَةٌ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الاِسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ - لاَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ - عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، كَفِدَاءِ الأْسِيرِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَمَا لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ.
فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ، حُرِّمَتْ الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لأِنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لاَ يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ.
وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الأْثَرِ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا بِدِينَارَيْنِ، حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَقَالَ: إِنَّ الإْثْمَ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ.
وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ.
أَقْسَامُ الرِّشْوَةِ:
قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الرِّشْوَةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا:
أ - الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالإْمَارَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي.
ب - ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
ج - أَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ.
د - إِعْطَاءُ إِنْسَانٍ غَيْرِ مُوَظَّفٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ مَالاً لِيَقُومَ بِتَحْصِيلِ حَقِّهِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ دَفْعُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَنَةُ الإْنْسَانِ لِلآْخَرِ بِدُونِ مَالٍ وَاجِبَةً، فَأَخْذُ الْمَالِ مُقَابِلَ الْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِمَثَابَةِ أُجْرَةٍ.
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَشِي:
أ - الإْمَامُ وَالْوُلاَةُ:
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الأْكْبَرِ، وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الأْمْوَالِ - وَيُقْصَدُ بِالْكَرَاهِيَةِ الْحُرْمَةُ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا، فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً، وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لاَ لِوِلاَيَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلاَيَتِنَا.
يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (إِمَامَة فِقْرَة 28، 29).
ب - الْعُمَّالُ:
وَحُكْمُ الرِّشْوَةِ إِلَى الْعُمَّالِ (الْوُلاَةِ) كَحُكْمِ الرِّشْوَةِ إِلَى الإْمَامِ - كَمَا مَرَّ فِي كَلاَمِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «هَدَايَا الأْمَرَاءِ غُلُولٌ»،. وَلِحَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ تَعَزُّزَ الأْمِيرِ وَمَنَعَتَهُ بِالْجُنْدِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لاَ بِنَفْسِهِ، فَكَانَتِ الْهَدِيَّةُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَإِذَا اسْتَبَدَّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً، بِخِلاَفِ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأِنَّ تَعَزُّزَهُ وَمَنَعَتَهُ كَانَتْ بِنَفْسِهِ لاَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتِ الْهَدِيَّةُ لَهُ لاَ لِلْمُسْلِمِينَ.
ج - الْقَاضِي:
وَالرِّشْوَةُ إِلَى الْقَاضِي حَرَامٌ بِالإْجْمَاعِ.
قَالَ الْجَصَّاصُ: وَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِ الرِّشَا عَلَى الأْحْكَامِ؛ لأِنَّهُ مِنَ السُّحْتِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَاتَّفَقَتِ الأْمَّةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ هَدِيَّةً، وَاسْتِعَارَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْهَدِيَّةِ لأِنَّ الْمَنَافِعَ كَالأْعْيَانِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَنَحْوُهُ فَأُهْدِيَ لَهُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالأْوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ، وَفِي الْفُنُونِ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ.
وَهَدِيَّةُ الْقَاضِي فِيهَا تَفْصِيلٌ تُنْظَرُ فِي (هَدِيَّة، قَضَاء).
د - الْمُفْتِي:
يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي قَبُولُ رِشْوَةٍ مِنْ أَحَدٍ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ، وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي، إِنْ كَانَ يَنْشَطُ لِلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لاَ، فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَنْشَطُ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلاَ يَأْخُذُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ، وَالأْحْسَنُ أَنْ لاَ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً.
هـ - الْمُدَرِّسُ:
إِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ فَلاَ بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فَالأْوْلَى عَدَمُ الأْخْذِ.
و - الشَّاهِدُ:
وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّاهِدِ أَخْذُ الرِّشْوَةِ. وَإِذَا أَخَذَهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ.
وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي (شَهَادَة).
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاشِي:
أ - الْحَاجُّ:
لاَ يَلْزَمُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لأِنَّهَا رِشْوَةٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَحَفِيدُهُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ قُدَامَةَ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ يَدْفَعُ خَفَارَةً إِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصْدِيِّينَ؛ لأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ بِهِ، فَفِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ. قَالَ الإْمَامُ: أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ؛ لأِنَّهُ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ كَالرَّاحِلَةِ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.
ب - صَاحِبُ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ:
يَجُوزُ لِصَاحِبِ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ، وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ فِي خَرَاجِهِ؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ لِيَدَعَ عَنْهُ خَرَاجًا؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ.
ج - الْقَاضِي:
مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَرْشُوَ لِتَحْصِيلِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ تَقَبَّلَ
الْقَضَاءَ بِقِبَالَةٍ (عِوَضٍ)، وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلاَيَتُهُ بَاطِلَةٌ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ – رحمه الله: لَوْ بَذَلَ مَالاً لِيَتَوَلَّى الْقَضَاءَ، فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوَلَّ إِلاَّ بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا يَحِلُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا تَعَيَّنَ عَلَى شَخْصٍ تَوَلِّي الْقَضَاءِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسُؤَالِهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ لأِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ، فَيَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا، وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ،.
حُكْمُ الْقَاضِي:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ.
وَلَكِنْ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي.
قَالَ مُنْلاَ خُسْرَوْ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرِّشْوَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
فَعَلَى قَوْلٍ: أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا أَوِ الَّتِي لَمْ يَرْتَشِ فِيهَا، وَبِأَخْذِ الرِّشْوَةِ لاَ يَبْطُلُ الْحُكْمُ؛ لأِنَّ حَاصِلَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ هُوَ فِسْقُ الْقَاضِي، وَبِمَا أَنَّ فِسْقَ الْقَاضِي لاَ يُوجِبُ انْعِزَالَهُ فَوِلاَيَةُ الْقَاضِي بَاقِيَةٌ، وَإِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بِحَقٍّ يَلْزَمُ نَفَاذُ قَضَائِهِ.
وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ: لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا، قَالَ قَاضِيخَانْ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخَذَ رِشْوَةً وَحَكَمَ فَحُكْمُهُ غَيْرُ نَافِذٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَدِ اسْتُؤْجِرَ لِلْحُكْمِ، وَالاِسْتِئْجَارُ لِلْحُكْمِ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي.
وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى الَّتِي حَكَمَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ وَالطَّحَاوِيِّ.
انْعِزَالُ الْقَاضِي:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَمَذْهَبُ الآْخَرِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.
أَثَرُ الرِّشْوَةِ:
أ - فِي التَّعْزِيرِ:
هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا التَّعْزِيرُ.
انْظُرْ: تَعْزِير.
ب - دَعْوَى الرِّشْوَةِ عَلَى الْقَاضِي:
لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ ارْتَشَيْتَ وَنَحْوِهِ بِضَرْبٍ لاَ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَحَبْسٍ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتِ افْتِيَاتُهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ.
ج - فِي الْحُكْمِ بِالرُّشْدِ:
صَرْفُ الْمَالِ فِي مُحَرَّمٍ كَرِشْوَةٍ عَدَمُ صَلاَحٍ لِلدِّينِ وَلِلْمَالِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ بِرُشْدِ الصَّبِيِّ.
د - الْمَالُ الْمَأْخُوذُ:
إِنْ قَبِلَ الرِّشْوَةَ أَوِ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حَرُمَ الْقَبُولُ وَجَبَ رَدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَنْ تَابَ عَنْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ: إِنْ عَلِمَ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.