loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- الشارع فى المادة 104 من قانون العقوبات - التى عددت صور الرشوة - قد نص على الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة و جعله بالنسبة للموظف أو من فى حكمه أسوة بإمتناعه عن عمل من أعمال وظيفته ، و قد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة فى النص مطلقاً من التقييد يتسع مدلوله لإستيعاب كل عبث يمس الأعمال و يعد واجباً من واجبات أدائها على الوجه السوى الذى يكفل لها دائماً أن تجرى على سنن قويم ، فكل إنحراف عن واجب من هذه الواجبات أو إمتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذى عناه الشارع فى النص ، فإذا تعاطى الموظف مقابلاً على هذا الإخلال كان فعله رشوة مستوجبة للعقاب ، ويكون من عرض عليه هذا الجعل لهذا الغرض راشياً مستحقاً للعقاب . و لما كان الثابت فى حق الطاعن أنه عرض مبلغاً من النقود على حاجب النيابة لسرقة إحدى القضايا ، وكان الحكم المطعون فيه قد إستظهر أن من عمل حاجب النيابة نقل القضايا بين الموظفين ، و هو قدر من الإختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة ، ودان الطاعن على هذا الأساس ، فإن النعى على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون و القصور فى التسبيب ، يكون على غير أساس متعيناً رفضه .

(الطعن رقم 2781 لسنة 32 جلسة 1963/04/22 س 14 ع 2 ص 338 ق 67)

2- متى كان الحكم المطعون فيه قد أنزل بالطاعن العقوبة المقررة فى المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات لجريمة عرض الرشوة على الموظف العمومى التى أثبتها فى حقه بعد أن أعمل حكم المادة 17 من قانون العقوبات ، و كان إيراده للمادة 104 من القانون المذكور إنما قصد به بيان الغرض الذى أراد الطاعن تحقيقه من عرض الرشوة على الموظف العمومى و هو الإمتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته و هو من بين الأغراض المشار إليها فى تلك المادة و التى يلزم توافر أحدهما لقيام جريمة الإرتشاء أو عرض الرشوة . فإن النعى على الحكم بتطبيقه المادتين 104 و 109 مكرراً عقوبات مع إختلاف الجريمة و العقوبة فى كل من النصين مما لا يعرف معه أى النصين أخذت به المحكمة يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 117 لسنة 37 جلسة 1967/03/28 س 18 ع 1 ص 457 ق 87)

3- إن مفاد نصوص المواد 103 ، 104 ، 105 من قانون العقوبات ، أنه إذا توافر اتفاق بين الموظف و صاحب المصلحة على امتناع الموظف عن أداء عمل معين أو للإخلال بواجبات وظيفته ، انطبقت المادة 104 عقوبات ، يستوى فى ذلك أن يكون العطاء سابقا أو معاصرا للامتناع أو الإخلال أو أن يكون العطاء لاحقا عليه ، ما دام الامتناع أو الاخلال كان تنفيذا لاتفاق سابق ، إذ أن نية الاتجار بالوظيفة فى هذه الحالة تكون قائمة منذ بداية الأمر بدلالة تعمد الإخلال بواجب الوظيفة ، أما إذا أدى الموظف عمله أو امتنع عنه أو أخل بواجبات الوظيفة دون أن يسبقه اتفاق مع الراشى على أداء العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال ، ثم طالب بمكافأته ، انطبقت المادة 105 من قانون العقوبات .

(الطعن رقم 199 لسنة 40 جلسة 1970/03/16 س 21 ع 1 ص 398 ق 98)

4- أوجبت المادة 26 من قانون الإجراءات الجنائية على كل موظف أو مكلف بخدمة عامة علم أثناء تأدية عمله أو بسبب تأديته بوقوع جريمة من الجرائم التى يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ عنها فورا النيابة العامة أو أقرب مأمور من مأمورى الضبط القضائي و إمتناع الموظف أو المكلف بخدمة عامة عن أداء واجب التبليغ عن جريمة يعتبر إخلالا خطيرا بواجبات الوظيفة أو الخدمة العامة يستوى فى القانون مع إمتناع الموظف أو المستخدم العام عن أداء عمل من أعمال وظيفته تطبيقا لنص المادة 104 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 التى عددت صور الرشوة و جاء نصها فى ذلك مطلقا من كل قيد بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التى يقوم بها الموظف و كل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال و يعد من واجبات أدائها على الوجه السوى الذى يكفل دائما أن تجرى على سنن قويم . و قد إستهدف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة التى عددتها المادة 104 معدلة من قانون العقوبات مدلولا أوسع من أعمال الوظيفة التى تنص عليها القوانين و اللوائح أو التعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها . و إذ كانت أمانة الوظيفة تفرض على المستخدم فى مصلحة حكومية ألا يتدخل فى عمل رئيسه و أن ينأى عن السعى لديه للإمتناع عن أداء واجب التبليغ الذى يلزمه به القانون ، لما قد يؤدى إليه تدخله من إفلات مجرم من المسئولية الجنائية و هو أمر تتأذى منه العدالة و تسقط عنده ذمة الموظف ، فإذا وقع منه فإنه يعد إخلالا بواجبات وظيفته التى تفرض عليه أن يبادر بالتبليغ عن الجرائم فور علمه بها . و لما كان الحكم قد أثبت أن رئيس مجلس المدينة " و هو مكلف بخدمة عامة " و سائق سيارته " و هو مستخدم فى الدرجة التاسعة بمحافظة الشرقية " علما بسبب تأدية عملهما بارتكاب الطاعن جريمة نقل فول سودانى من محافظة الشرقية بدون ترخيص و هى جريمة تموينية يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية عنها بغير شكوى أو طلب ، فإن عرض جعل على أحدهما للإخلال بواجبات الوظيفة أو الخدمة العامة بالإمتناع عن أداء واجب التبليغ عن تلك الجريمة التموينية يعد فى صحيح القانون عرضاً للرشوة . و إذ كان الحكم قد أثبت فى حق الطاعن أنه عرض جعلاً على السائق حتى يتوسط لدى رئيسه لكى يمتنع عن إبلاغ الشرطة بالمخالفة التموينية و إستخلصت من هذه الواقعة أن الغرض من عرض الجعل على السائق ينطوى فضلاً عن الوساطة لدى - رئيسه أن يمتنع من جانبه عن التبليغ عن تلك الجريمة لأن قبول الوساطة يقتضى حتماً و بطريق اللزوم العقلى الإمتناع عن التبليغ و هو إستخلاص سديد و سائغ ، ذلك بأن واجب التبليغ عن الجرائم يفرض على رئيس مجلس المدينة و على سائق سيارته على السواء بالمبادرة إلى التبليغ عن المخالفة التموينية التى علم بها كل منهما بسبب تأدية عمله .

(الطعن رقم 1367 لسنة 37 جلسة 1967/11/28 س 18 ع 3 ص 1196 ق 252)

5- عددت المادة 104 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 صور الرشوة و منها الإخلال بواجبات الوظيفية و إعتبرته نظير الإمتناع عن عمل من أعمالها ، فالموظف الذى يخل بواجبات وظيفته مسئول جنائياً حتى و لو لم توجد لديه نية الإتجار بها، لأنه يكفى مجرد نية إستقلال الوظيفة للحصول على فائدة غير مشروعة من ورائها - فإذا كان الثابت أن المتهم توجه إلى مكتب الشخص الذى كلف بإجراء التحريات عن المنزل يديره للدعارة السرية - ثم كشف له عن شخصيته و أفهمه بأن لدية شكاوى ضده محالة إليه من النيابة و يمكنه حفظها و طالبه بمبلغ عشرة جنيهات ، فإن هذا يوفر الإخلال بواجبات وظيفة المتهم و يقع تحت حكم المادة 104 السالف الإشارة إليها ، سواء كان طلبه المبلغ له ، أو فى سبيل إسترداده لقريبه نظير ما دفعه أجراً لأفعال غير مشروعة .

(الطعن رقم 1569 لسنة 29 جلسة 1960/03/08 س 11 ع 1 ص 220 ق 45)

6- لما كانت المادة 104 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 التى عددت صور الرشوة و جاء نصها فى ذلك مطلقاً من كل قيد بحيث يتسع مدلوله لإستيعاب كل عبث يمس الأعمال التى يقوم بها الموظف و كل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال و يعد من واجبات أدائها على الوجه السوى الذى يكفل دائما أن تجرى على سنن قويم . و لما كان المشرع قد استهدف من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة التى عددتها المادة 104 معدلة من قانون العقوبات مدلولا أوسع من أعمال الوظيفة التى تنص عليها القوانين و اللوائح أو التعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها . ( فاذا تقاضى الموظف مقابلا على الإخلال بواجبات الوظيفة الذى عناه الشارع من هذا النص كان فعله رشوة مستوجباً العقاب) و إذ كان الحكم المطعون فيه قد استظهر أن الطاعن و هو باحث بمراقبة الخبرة الحسابية بجمرك الإسكندرية و رئيس اللجنة التى أرسلت إلى الجمعية لبحث موضوع الغرامة التى فرضتها مصلحة الجمارك و كان الطاعن لا يدعى خلاف ذلك فإن ما يثيره فى هذا الصدد يكون فى غير محله .

(الطعن رقم 6281 لسنة 52 جلسة 1983/04/17 س 34 ص 564 ق 110)

7- لما كان الحكم قد دلل على أن العطية عرضت من الطاعن على المبلغ وهو ساع بمأمورية الضرائب مقابل حصوله على ملف الضرائب الخاص بالطاعن وتسليمه له لإتلافه ولكنها لم تقبل منه فإن ذلك مما يتحقق معه معنى الموظف على الإخلال بواجبات وظيفته وأن العطاء كان ثمناً لاستغلاله لها وهو ما يتوافر به القصد الجنائي فى تلك الجريمة كما هو معرف به فى القانون ولا يشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها الحكم تفيد بذاتها توفره.

(الطعن رقم 1832 لسنة 44 جلسة 1975/01/26 س 26 ص 83 ق 19)

8- إن الشارع فى المادة 104 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 التي عددت صور الرشوة قد نص على "الإخلال بواجبات الوظيفة" كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة للموظف أسوة امتناعه عن عمل من أعمال وظيفته أو المكافأة على ما وقع منه، وجاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة جديداً فى التشريع عند تعديله مطلقاً من التقييد ليتسع مدلوله لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف وكل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد واجباً من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل لها دائماً أن تجرى على سنن قويم، فكل انحراف عن واجب من هذه الواجبات أو امتناع عن القيام به يجري عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه الشارع فى النص، فإذا تعاطى الموظف مقابلاً على هذا الإخلال كان فعله رشوة مستوجبة للعقاب، وإذن يكون عرض الرشوة على الصورة الثابتة فى الحكم على العسكري وهو أحد أفراد سلطة الضبط وقائم بخدمة عامة فى سبيل حمله على إبداء أقوال جديدة غير ما سبق أن أبداه فى شأن كيفية ضبط المتهمة وظروف هذا الضبط والميل به إلى أن يستهدف فى ذلك مصلحتها لتنجو من المسئولية وهو أمر تتأذى منه العدالة وتسقط عنده ذمة الموظف وهو إذا وقع منه يكون إخلالاً بواجبات وظيفته التي تفرض عليه أن يكون أميناً فى تقرير ما جرى تحت حسه من وقائع وما بوشر فيها من إجراءات تتخذ أساساً لأثر معين يرتبه القانون عليها وهذا الإخلال بالواجب يندرج بغير شك فى باب الرشوة المعاقب عليها قانوناً متى تقاضى الموظف جعلا فى مقابله، ويكون من عرض هذا الجعل لهذا الغرض راشياً مستحقاً للعقاب.

(الطعن رقم 933 لسنة 28 جلسة 1958/10/07 س 9 ع 3 ص 766 ق 187)

9- إن جريمة الرشوة تتحقق متى قبل المرتشي الرشوة مقابل الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته ولو ظهر أنه غير حق. وإذن فإذا كان الغرض الذي من أجله قدم المال إلى الموظف " مفتش بوزارة التموين " هو عدم تحرير محضر لمن قدمه وكان تحرير المحضر يدخل فى اختصاص هذا الموظف بوصف كونه مفتشاً بوزارة التموين ومن عمله التفتيش على محلات الباعة لمراقبة تنفيذ القوانين الخاصة بالتسعير الجبري وتحرير المحاضر لمخالفيها بصفة من رجال الضبطية القضائية فى هذا الشأن فإن جريمة الرشوة تكون متحققة ولو لم يكن هناك موجب لتحرير المحضر الذي دفع المال للامتناع عن تحريره.

(الطعن رقم 146 لسنة 21 جلسة 1951/05/07 س 2 ع 3 ص 1043 ق 380)

10- أن نص الشارع فى المادة 104 من قانون العقوبات التى عددت صور الرشوة على الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة إلى الموظف و من أعمال الوظيفة وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقا من التقيد. بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب كل عيب يمس الأعمال التى يقوم بها الموظف وكل تصرف وسلوك يتسبب إلى هذه الأعمال ويعد من واجبات أدائها عليا لوجه السوى الذى يكفل لها دائما أن تجرى على سند قويم وقد استهدف المشروع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلول عامة أوسع من أعمال الوظيفة التى تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث يشمل أمانة الوظيفة ذاتها فكل انحراف عن واجب من تلك الواجبات أو امتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذى عناه الشارع فى النص فإذا تقاضي الموظف جعلا عن هذا الإخلال كان فعله إرتشاء وليس من الضرورى فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخله فى نطاق اوظيفة مباشرة بل يكفى أن يكون لها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وأن يكون الراشى قد اتجر معه على هذا الأساس، كما لا يشترط فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو والذى عرضت عليه الرشوة هو وحدة المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفى أن يكون له - نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة.

(الطعن رقم 6506 لسنة 62 جلسة 1993/12/15 س 44 ع 1 ص 1164 ق 181)

11- عقوبة الغرامة المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات تعد عقوبة تكميلية وهى من الغرامات النسبية التى أشارت إليها المادة 44 منه وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن ألفي جنيه وهو المبلغ الذى لم يقض به الحكم ، ولما كانت المادة 44 المذكورة قد نصت على أنه " إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يحكم بها على كل منهم على انفراد خلافاً للغرامات النسبية فإنهم يكونوا متضامنين فى الإلزام بها ما لم ينص فى الحكم على خلاف ذلك " . وكان إعمال هذا النص يوجب الحكم على المتهمين معاً بهذه الغرامة متضامنين ولا يستطاع التنفيذ عليهم جميعاً بأكثر من مقدارها المحدد فى الحكم سواءً فى ذلك أن يلزمهم الحكم بهذا المقدار متضامنين أو يخص كلاً منهم بنصيب منه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أنزل عقوبة الغرامّة النسبية على كل من المحكوم عليهم فإنه يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون ، مما يتعين معه نقضه فى خصوص ما قضى به من تغريم كل من المتهمين مبلغ ألف جنيه وتصحيحه بتغريم الطاعنين متضامنين مبلغ ألف جنيه ورفض الطعن فيما عدا ذلك .

(الطعن رقم 742 لسنة 78 جلسة 2013/10/10)

12- نص الشارع فى المادة 104 من قانون العقوبات - التي عددت صور الرشوة - على الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة، وجعله بالنسبة إلى الموظف ومن فى حكمه أسوة بامتناعه عن عمل من أعمال الوظيفة. وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقاً من التقييد بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف وكل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل لها دائماً أن تجري على سنن قويم. وقد استهدف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً عاماً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها، فكل انحراف عن واجب من تلك الواجبات أو امتناع عن القيام به يجري عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه الشارع فى النص، فإذا تعاطى الموظف جعلاً على هذا الإخلال كان فعله ارتشاء، ويكون من عرض عليه الجعل لهذا الغرض راشياً مستحقاً للعقاب. ولا يتغير حكم القانون ولو كان الإخلال بالواجب جريمة فى ذاته وهو ما تؤكده المادة 108 من قانون العقوبات ما دامت الرشوة قد قدمت إلى الموظف كي يقارف تلك الجريمة أثناء تأدية وظيفته وفي دائرة الاختصاص العام لهذه الوظيفة.

(الطعن رقم 477 لسنة 38 جلسة 1968/04/01 س 19 ع 2 ص 394 ق 74)

13- يعاقب القانون على الرشوة و لو كان العمل المقصود منها يكون جريمة ما دامت الرشوة قدمت إلى الموظف - بقصد إفساد ذمته ليقارف جريمة دس مخدر فى منزل آخر أثناء قيامه بتفتيشه بناء على البلاغ المقدم منه لمكتب البوليس الحربى الذى يعمل فيه من قدمت له العطية .

(الطعن رقم 1759 لسنة 29 جلسة 1960/04/04 س 11 ع 2 ص 316 ق 62)

14- إذا كان الحكم قد أثبت فى حق الطاعن أنه وعد المتهم الأول ، السائق بوزارة السد العالى و هو موظف عام ، بمنحه مبلغا من المال لنقل كمية من القصب بالسيارة الحكومية المخصص لقيادتها و استظهر الحكم أن عمل المتهم الأول هو قيادة تلك السيارة ، و هو قدر من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة ، و كانت أمانة الوظيفة تفرض على سائق السيارة الحكومية ألا يستعملها إلا فى الغرض المخصصة له لقضاء مصالح الجهة التابع لها ، و أن ينأى عن السعى لاستغلالها لمصلحته الشخصية ، فإن ما وقع من هذا السائق يعد إخلالا بواجبات وظيفته فى حكم المادة 104 من قانون العقوبات .

(الطعن رقم 1760 لسنة 39 جلسة 1970/02/01 س 21 ع 1 ص 200 ق 49)

15- إذا كان الحكم المطعون فيه بعد أن سرد واقعة الدعوى استخلص منها و من مؤدى أقوال شهود الإثبات - و هو ما لا يجادل الطاعن فى صحة معينة من الأوراق ، و فى حدود سلطته الموضوعية - أن الطاعن إذ توجه إلى منزل المجنى عليه و لم يجده و قبض من زوجته مبلغ جنيه بزعم أنها غرامة محكوم عليه بها ، طلب إليها التنبيه على زوجها بضرورة مقابلته فى منزله بعد أن ترك له ورقة بها عنوان المنزل , و أن تفهمه " يعمل حسابه لهذه المقابلة " و أنه إذ قابله بالمنزل أوقفه على حقيقة الأمر من أنه قد حرر ضده محضر مخالفة مبانى ، و أبدى له مساعدته بإثبات بيانات لصالحة فى هذا المحضر ، و بعد أن قام بذلك طلب إليه انتظاره فى الخارج ثم لحق به و استولى منه على مبلغ الرشوة ، و استخلص الحكم من ذلك كله أن الطاعن قد طلب لنفسه عطاء للإخلال بواجبات وظيفته فإن الواقعة على هذا النحو تكون منطبقة على نص المادة 104 من قانون العقوبات التى دين بها ، و لا يؤثر على ذلك أن يكون العطاء لاحقا ، ما دام أن نية الاتجار بالوظيفة فى هذه الحالة كانت قائمة منذ البداية ، و هو ما أثبته الحكم فى حق الطاعن ، و من ثم فلا جدوى له من بعد فى شأن ما يثيره من عدم توافر هذه الجريمة بالنسبة للواقعة الأولى الخاصة بإستيلائه على مبلغ جنيه من زوجة المجنى عليه .

(الطعن رقم 199 لسنة 40 جلسة 1970/03/16 س 21 ع 1 ص 398 ق 98)

16- متى كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الضابطين لم يقبضا على الطاعن و يقومان بتفتيشه إلا بعد أن رأياه رؤية عين حال أخذ مبلغ الرشوة من صاحب المصلحة ، فإن الجريمة تكون فى حالة تلبس مما يخول الضابطين حق القبض عليه و تفتيشه دون إذن من النيابة ، و من ثم فإنه لا جدوى مما يثيره الطاعن فى صدد بطلان إذن النيابة بالتفتيش لصدروه عن جريمة مستقبلة .

(الطعن رقم 199 لسنة 40 جلسة 1970/03/16 س 21 ع 1 ص 398 ق 98)

17- لما كان الشارع فى المادة 104 من قانون العقوبات قد نص على " الأخلال بواجبات الوظيفة " كغرض من أغراض الرشوة و جعله بالنسبة للموظف أسوه إمتناعه عن عمل من أعمال وظيفته أو المكافأة على ما وقع منه ، و جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقاً من التقييد ليتسع مدلوله لإستيعاب كل عبث يمس الأعمال التى يقوم بها الموظف و كل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال و يعد واجباً من واجبات أدائها على الوجه السوى الذى يكفل لها دائماً أن تجرى على سند قويم ، فكل إنحراف عن واجب من هذه الواجبات أو إمتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذى عناه الشارع ، فإذا تعاطى الموظف مقابلاً على هذا الإخلال كان فعله رشوة مستوجبة للعقاب ، و إذن يكون طلب الرشوة على الصورة التى أثبتها الحكم فى حق الطاعن و هو موظف عام و أحد أفراد الحمله المكلفة بضبط المخالفات التموينية - فى سبيل أبداء أقوال جديدة أمام المحكمة غير ما سبق أن أبداه فى شأن واقعة الضبط هو أمر تتأذى منه العدالة و تسقط عنده ذمة الموظف و هو إذا وقع منه يكون إخلالاً بواجبات وظيفته التى تفرض عليه أن يكون أميناً فى تقرير ما جرى تحت حسه من وقائع و ما بوشر فيها من إجراءات تتخذ أساساً لأثر معين يرتبه القانون عليها و هذا الأخلال بالواجب يندرج بغير شك فى باب الرشوة المعاقب عليها قانوناً متى تقاضى الموظف جعلاً فى مقابله .

(الطعن رقم 2260 لسنة 52 جلسة 1982/10/12 س 33 ص 752 ق 154)

18- إستهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و على ما جرى به قضاء محكمة النقض ، التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعزم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة ، و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً ، و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية ، فإن كان موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات ، و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً من القانون المذكور ، و إذ كان ما تقدم و كان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .

(الطعن رقم 1131 لسنة 40 جلسة 1970/10/26 س 21 ع 3 ص 1020 ق 244)

19- الشارع نص فى المادة 104 من قانون العقوبات التي عددت صور الرشوة على الخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة إلى الموظف ومن فى حكمه بامتناعه عن عمل من أعمال الوظيفة وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقاً من التقييد بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب كل عيب يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف وكل تصرف وسلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل لها دائماً أن تجري على سند قويم وقد استهدف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً عاماً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث يشمل أمانة الوظيفة ذاتها فكل انحراف عن واجب تلك الواجبات أو امتناع عن القيام به يجري عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه الشارع فى النص، فإذا تقاضى الموظف جعلا عن هذا الإخلال كان فعله ارتشاء وليس من الضروري فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة فى نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي أن يكون لها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وأن يكون الراشي قد اتجر معه على هذا الأساس، كما لا يشترط فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو والذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة.

(الطعن رقم 20502 لسنة 69 جلسة 2000/10/16 س 51 ص 638 ق 126)

20- إن الشارع قد إستهدف بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أيه سلطة عامة - و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً . و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية . فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات ، و ذلك على إعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة و إنما ظرف مشدد للعقوبة .

(الطعن رقم 209 لسنة 58 جلسة 1988/12/06 س 39 ع 1 ص 1227 ق 190 )

21- الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات التى بنى عليها استناداً إلى القول بأنها جاءت قاصرة وخلت من الإشارة إلى وجود أى دور للمتهمين الخامس والسادس بالواقعة ، أو وجود صلة بين المتهمين الثانى والثالث وبين المتهمين من الرابع حتى الأخير ، وأنه صدر لضبط جريمة مستقبلة ، فهذا الدفع بشقيه مردود بأنه لما كان الأصل فى القانون أن الإذن بالتفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق لا يصح إصداره إلا لضبط جريمة جناية أو جنحة واقعة بالفعل وترجحت نسبتها إلى متهم معين وأن هناك من الدلائل ما يكفى للتصدى لحرمة مسكنه أو لحريته الشخصية . لما كان ذلك ، وكان مفاد نص المادتين 103، 104 من قانون العقوبات أنه إذا توافر اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجعل ، فإن جريمة الرشوة تكون قد وقعت ، يستوى فى ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء العمل أو لاحقاً عليه مادام أداء العمل كان تنفيذاً لاتفاق سابق، إذ أن نية الاتجار بالوظيفة فى هذه الحالة تكون قائمة من البداية . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لتسويغ الأمر بالتفتيش هو من الموضوع الذى يستقل به قاضيه بغير معقب ، وكانت هذه المحكمة قد اقتنعت بتوافر مسوغات إصدار هذا الأمر بعد أن أوردت التحريات قيام المتهم الأول الموظف بمصلحة دمغ المصوغات والموازين بالاتفاق مع بعض تجار الذهب ومن بينهم المتهم الرابع والمتهم الذى سبق الحكم بإدانته على دمغ كمية من المشغولات الذهبية بطريقة غير مشروعة مقابل جُعل وأنه سيقوم بارتكاب هذا الفعل بمسكنه بمعاونة بعض زملائه من موظفى المصلحة ، ولا يقدح فى جدية هذه التحريات عدم تحديدها لأشخاص بعض المتهمين واكتشاف شخصياتهم فيما بعد ، إذ أنه من المقرر أن الأعمال الإجرائية محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها ، ومن ثم تخلص المحكمة إلى جدية التحريات وأن الأمر بالتفتيش إنما صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من مقارفيها لا لضبط جريمة مستقبلة ، ذلك لأن نية الاتجار بالوظيفة فى واقعة الدعوى كانت قائمة من البداية حال تقدم رجل الضبط بهذه التحريات .

(الطعن رقم 30639 لسنة 72 ق - جلسة 2003/04/23 - س 54 ص 583 ق 74 )

22- العقوبة الأصلية تستمد وصفها من أنها تكون العقاب الأصلى أو الأساس المباشر للجريمة والتى توقع منفردة بغير أن يكون القضاء بها معلقاً على الحكم بعقوبة أخرى ، وقد تكلم الشارع عن العقوبات الأصلية في القسم الأول من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون العقوبات بعد أن حدد أنواع الجرائم في الباب الثانى من الكتاب المذكور ، ويبين من مراجعة هذه النصوص أن الشارع أورد في المادة العاشرة العقوبات الأصلية للجنايات وقصرها على الإعدام والسجن المؤبد والسجن المشدد والسجن أما الغرامة إذا قضى بها في الجناية بالإضافة إلى عقوبة أخرى فعندئذ تكون العقوبة الأخيرة هى الأصلية وتعتبر الغرامة مكملة لها , وحاصل ذلك أن عقوبة الغرامة التى نصت عليها المادة 103 من قانون العقوبات تعد عقوبة تكميلية باعتبارها مرصودة إلى جانب عقوبة أصلية مقيدة للحرية وهى من الغرامات النسبية التى أشارت إليها المادة 44 منه وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن ألف جنيه وتضاعف في حالة تطبيق المادة 104 من ذات القانون .

( الطعن رقم 5116 لسنة 79 ق - جلسة 15 / 10 / 2012 )

23- لما كان المستفاد من نص المادة 103 من قانون العقوبات ، أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ومن في حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال الوظيفة ولو كان حقاً ، وكان نص الشارع في المادة 104 من القانون سالف الذكر التي عددت صور الرشوة على الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة إلى الموظف ومن في حكمه بامتناعه عن عمل من أعمال الوظيفة وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقاً من التقيد بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب كل عيب يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف وكل تصرف وسلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد من واجبات أدائها على الوجه السوى الذي يكفل لها دائماً أن تجرى على سند قويم وقد استهدف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً عاماً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث يشمل أمانة الوظيفة ذاتها فكل انحراف عن واجب من تلك الواجبات أو امتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه الشارع في النص فإذا تقاضى الموظف جعلاً عن هذا الإخلال كان فعله ارتشاء وليس من الضروري في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي أن يكون لها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وأن يكون الراشي قد اتجر معه على هذا الأساس ، كما لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو والذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه " رئيس محكمة جنح مستأنف ....... و ....... " وأنه طلب وأخذ وقبل وعداً من سائر المتهمين بمبالغ مالية وعطايا مباشرة أو عن طريق وساطة بعضهم على سبيل الرشوة مقابل إصداره أحكاماً في القضايا الخاصة بهم أو ذويهم على النحو المتفق عليه بينه وبينهم وتأكد للمحكمة تقاضى الطاعن المقابل على سبيل الرشوة ودانه على هذا الاعتبار، فإنه يكون قد طبق القانون علىواقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً، ويكون منعاه في هذا الشأن لا أساس له .

( الطعن رقم 6202 لسنة 79 ق - جلسة 21 / 2 / 2010 )

24- الدفع ببطلان إذن التفتيش وبطلان رفع الدعوى الجنائية قبل المتهمين لعدم وجود طلب جمركى أو ضريبى باعتبار أن الواقعة لا تعدو أن تكون جنحة تهرب من سداد الرسوم الجمركية والضريبية حسبما ورد بقرار الإحالة ، فإنه أيضاً مردود بأنه لما كانت المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية تقضى بأن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقا للقانون وأن اختصاصها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا في الأحوال الاستثنائية التى نص عليها القانون ، وكانت النيابة العامة قد أقامت الدعوى قبل المتهمين بعد أن باشرت إجراءات التحقيق فيها عن جرائم الرشوة والشروع في الاستيلاء بغير حق على مال عام والحصول بغير حق على أختام الدولة واستعمالها بالمخالفة لأحكام المواد 103 ، 104 ، 113 ، 207 من قانون العقوبات ، وكان هذا القانون قد خلا من أى قيد على حرية النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها في تلك الجرائم وهى جرائم مستقلة ومتميزة بعناصرها القانونية عن جرائم التهريب الجمركى والضريبى مما لا يستلزم لتحريك الدعوى الجنائية بشأنها الحصول على إذن من مصلحتى الجمارك أو الضرائب ، وكان ما أورده الدفاع من أن أمر الإحالة قد أورد في وصف التهمة الأولى أن المشغولات الذهبية المضبوطة مهربة من الرسوم الجمركية والضريبية ، فإنه قول مردود بأنه لما كان الجدول المرافق للقانون رقم 68 لسنة 1976 بشأن الرقابة على المعادن الثمينة قد حدد رسوم دمغ المشغولات الذهبية المحلية ، وضاعف هذا الرسم على المشغولات الأجنبية الواردة من الخارج مما استلزم من سلطة الاتهام تحديد الرسوم المستحقة على المشغولات المضبوطةتحديداً لعناصر التهمة الثانية .

( الطعن رقم 30639 لسنة 72 ق - جلسة 23 / 4 / 2003 )

ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها.

(مركز الراية للدراسات القانونية)

شروط الإعفاء من العقوبة :

يشترط للإعفاء من العقوبة عملاً بنص المادة 100 عقوبات :

1- أن يكون الشخص عضواً في إحدى العصابات المنصوص عليها في الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات. ولم يكن له في العتبة رئاسة ولا وظيفة و المقصود بالوظيفة هنا هي الوظيفة القيادية في العصابة بحيث يكون له جزءاً من القيادة تحتم إصداره للأوامر والتزام الأعضاء بتنفيذها. ومن ثم فإنه يتعين الاستفادة الشخص من الإعفاء المقرر هو أن يكون عضواً عادياً في إحدى العصابات المشار إليها ينفصل عنها عند أول تنبيه عليه من السلطات المدنية أو العسكرية.

2- ويستفيد أيضاً الشخص الذي لا يمتثل للتنبيه الأول من السلطات المدنية أو العسكرية ولكن يقبض عليه بعيداً عن مكان الاجتماع الصوري بشرط أن يستسلم بلا مقاومة وأن لا يكون حاملاً سلاحاً وينصرف مدلول السلاح إلي كل سلاح يعاقب على حيازته أو إحرازه قانون الأسلحة والذخائر إلا أن ذلك لا يمنع من عقابه على ما يكون قد ارتكبه شخصيا من جنايات خاصة أخري قبل القبض عليه.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني،  الصفحة:  132)

حددت المادة (100) مجال تطبيقها بأنه العصابات المنصوص عليها في أحكام الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، ويراد بها جرائم الفاعل المتعدد السابق لنا التعرض لها.

وباستعراض هذه الجرائم، يتبين أنها:

(1) جريمة العضوية في عصابة مسلحة حاولت بالقوة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة.

(2) جريمة العضوية في عصابة هاجمت طائفة من السكان أو قاومت بالسلاح رجال السلطة العامة في تنفيذ القوانين.

(3) جريمة العضوية في عصابة مسلحة حاولت بالقوة إحتلال شيء من المباني العامة أو المخصصة لمصالح حكومية أو لمرافق عامة أو المؤسسات ذات نفع عام.

(4) جريمة العضوية في عصابة حاملة للسلاح بقصد إغتصاب أو نهب الأراضي أو الأموال المملوكة للحكومة أو لجماعة من الناس أو مقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة مرتكبي هذه الجنايات.

(5) جريمة العضوية في اتفاق جنائي الغرض منه إرتكاب جريمة محاولة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة بعمل فردي أو بعصابة مسلحة أو جريمة تكوين عصابة تهاجم السكان أو تقاوم بالسلاح السلطة العامة، أو جريمة التخريب دون إستهداف الأضرار بالاقتصاد القومي، أو جريمة إحتلال أو محاولة إحتلال المباني العامة بالقوة، أو جريمة قيادة قوة عسكرية دون تكليف أو رغم الأمر الصادر بتسريحها، أو جريمة العمل على تعطيل أوامر الحكومة من جانب من يمثلها في القوات المسلحة أو البوليس، وجريمة رئاسة أو عضوية عصابة مسلحة للنهب أو لمقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة الناهبين، وجريمة إدارة حركة العصابة المذكورة أو التخابر معها أو معاونتها.

(6) جريمة العضوية في جماعة ترمي إلى سيطرة طبقة إجتماعية على غيرها من الطبقات أو إلى القضاء على طبقة إجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو إلى هدم نظام من النظم الأساسية للهيئة الإجتماعية أو إلى تجنيد شيء من ذلك أو الترويج له حالة كون إستعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظا في ذلك.

(7) جريمة العضوية في جماعة الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم الاشتراكي في الدولة أو الحض على كراهيتها أو الإزدراء بها أو الدعوة ضد تحالف قوى الشعب العاملة أو التحريض على مقاومة السلطة العامة أو تحبيذ أو ترويج شيء من ذلك.

(8) جريمة العضوية في تشكيل ذي صفة دولية أنشيء بغير ترخيص من الحكومة.

المستفيد من الإعفاء: 

حدد القانون المستفيد من الإعفاء بأنه من دخل في زمرة العصابات المذكورة، والدخول في الزمرة معناه الدخول في العضوية أي كون الشخص صار عضواً في العصابة.

ويدخل في معنى العصابة قيام إتفاق جنائي بين أكثر من شخصين، لأن هذا الإتفاق صورة من صور العصابة تتميز بأن عدد الأعضاء فيها أقل نسبياً من عددهم في العصابة المتفق على تشكيلها.

وفي الوقت ذاته تطلب القانون في المستفيد بالاعفاء ألا يكون هو نفسه بالإضافة إلى العضوية في العصابة، ذا رئاسة أو وظيفة فيها، أي قطباً من أقطابها أو عاملاً فعالاً فيها. فيجب أن يكون مجرد عضو، الأمر الذي يعني أن من يساهم في توجيه العصابة أو تنفيذ عملياتها محروم من الاستفادة بالإعفاء.

شروط الإعفاء من العقاب: 

يجب الإعفاء عضو العصابة من العقوبة المستحقة على هذه العضوية، أن يتحقق فيه شرط من الشروط الآتية:

(1) أن ينفصل عن العصابة فور التنبيه عليه من السلطات المدنية أو العسكرية.

(2) أن يتواجد بعد التنبيه عليه من السلطات في مكان بعيد عن أماكن الاجتماع الثوري بغير أن يكون حاملاً سلاحاً، فلا يبدي أية مقاومة عند القبض عليه.

ومعنى ذلك أنه إذا تواجد رغم التنبيه عليه بالانفصال عن العصابة، في مكان من أماكن اجتماعها الثوري، سواء أكانت توجد في هذا المكان إضطرابات راجعة إلى نشاط العصابة أم لم توجد، فلا يعفى من العقاب.

كما لا يعني من العقاب إذا قبض عليه وهو يحمل سلاحاً في مكان بعيد عن تلك الأماكن، أو إذا أبدى مقاومة عند القبض عليه في ذلك المكان.

وإذا استحق الإعفاء من عقوبة العضوية في العصابة تبعاً للقبض عليه دون أن يكون حاملاً سلاحاً ودون أن يقاوم وذلك في مكان بعيد عن مكان اجتماع أفراد العصابة فإنه في هذه الحالة لا يعفي من عقوبة أية جريمة أخرى يكون قد ثبت عليه شخصية أنه إرتكبها قبل القبض عليه. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني،  الصفحة : 237)

شرح خبراء القانون

ما يشترط لتطبيق المادة 104 عقوبات هو مجرد الإتفاق بين الموظف و الراشي على الإمتناع عن العمل أو الإخلال بواجبات الوظيفة دون الإتفاق على الفائدة أو الوعد.

استهدف المشرع من النص في المادة 104 على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً أوسع من أعمال الوظيفة ذاتها.

إعمالاً لنص المادة 104 فإنه يستوى الحال أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً للامتناع أو الإخلال أو يكون لاحقاً عليه مادام الإمتناع أو الإخلال كان تنفيذاً لاتفاق سابق إذ أن نية الإتجار بالوظيفة في هذه الحالة تكون قائمة من بداية الأمر بدلالة تعمر الإخلال بواجباته. ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة : 193)

حالة ما يكون الغرض من الرشوة هو الامتناع عن العمل أو الإخلال بواجبات الوظيفة أو المكافأة على ما وقع من ذلك.

الامتناع عن العمل :

قد يتحقق مقابل الرشوة في صورة الامتناع عن أحد أعمال الوظيفة. ولا يشترط في الامتناع أن يكون تامة، بل يكفي مجرد التأخير في القيام بالعمل أي الامتناع عن أدائه في الوقت المحدد له. ويستوي أن يكون الامتناع أو التأخير داخلاً في حدود سلطته التقديرية أو مخالفة للقانون. كما يستوي أن يكون العمل محل الامتناع متمثلاً في صور كتابة أو قول شفوي أو فعل تنفيذي.

الإخلال بواجبات الوظيفة:

قد تقع الرشوة مقابل الإخلال بواجبات الوظيفة "أو الخدمة العامة". ومتى كان الموظف مخلاً بواجبات وظيفته امتنع البحث في اختصاصه أو عدم اختصاصه،

لأنه لا محل للتحدث عن الاختصاص في مقام مخالفة القانون. ولهذا لم يفرق القانون في صدد الإخلال بواجبات الوظيفة بين الاختصاص والزعم به. كل هذا بشرط ألا يكون الموظف قد انتحل صفة وظيفة أخرى مما يخرج عن إطار النموذج القانوني لجريمة الرشوة. وواقع الأمر أن محاولة الموظف القيام بعمل معين لا يدخل في حدود وظيفته مدعية أنه يختص به، ليس إلا ضرباً من ضروب الإخلال بواجبات الوظيفة.

والمشرع في المادة التي نحن بصددها قد ساوى بين الإخلال بواجبات الوظيفة وبين الامتناع عن عمل من أعمالها. وقد ورد تعبير الإخلال بواجبات الوظيفة في النص مطلقة بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التي يأتيها الموظف وتعد من واجبات وظيفته.

ويتحقق الإخلال بواجبات الوظيفة سواء كون هذا الإخلال جريمة جنائية أو مجرد مخالفة تأديبية، وسواء كان سلوك الموظف يمثل خروجاً على القواعد التي تحدد مجال نشاطه الوظيفي أو انحرافاً في مباشرته للسلطة التقديرية المخولة له، كما أنه يشتمل كل مخالفة لما تتطلبه أمانة الوظيفة ذاتها ولما تقتضيه المصلحة العامة التي ينبغي على الموظف مراعاتها في أدائه لعمله. وعلى أية حال فإن النص على هذه الصورة يتسق مع اتجاه المشرع في التوسعة في أحكام الرشوة بحيث لا يفلت من التجريم أي سلوك فيه مساس بنزاهة الوظيفة.

ويفترض هذا النوع من الرشوة اتفاق الموظف مع الراشي من قبل على هذا الامتناع أو الإخلال بشرط ألا يكون من بنود هذا الاتفاق تقديم الرشوة بعد تنفيذ المطلوب، وإلا اعتبر هذا الاتفاق وحده وفي حد ذاته مكونة لجريمة الرشوة التي تتم بمجرد طلب أو قبول الوعد بالرشوة. وبعبارة أخرى فإن هذا الاتفاق يجب ألا يتضمن وعدة بالمكافأة التي سيحصل عليها الموظف بعد تنفيذ المطلوب منه.

الركن المادي :

ويقع هذا النوع من الرشوة اللاحقة بمجرد الطلب والقبول أو الأخذ من جانب الموظف العام بعد تنفيذه للامتناع أو الإخلال الذي اتفق عليه الراشي من قبل.

الركن المعنوي :

هذه الجريمة من الجرائم العمدية والتي يلزم لتوافرها القصد الجنائي بشقيه العلم والإرادة.

العقوبة:

عقوبة أصلية وهي السجن المؤبد.

وعقوبة تكميلية وجوبية تتمثل في ضعف الغرامة المنصوص عليها في المادة (103) من قانون العقوبات.  (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني،  الصفحة : 295)

وقد ميز القانون بين نوعين من الرشوة اللاحقة :

(أولاً) رشوة لاحقة تقع مكافأة على امتناع الموظف عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباتها (المادة 104 عقوبات).

ويفترض هذا النوع من الرشوة اتفاق الموظف مع الراشي من قبل على هذا الامتناع أو الإخلال، بشرط ألا يكون من بنود هذا الاتفاق تقديم الرشوة بعد تنفيذ المطلوب، وإلا أعتبر هذا الاتفاق وحده وفي حد ذاته مكوناً لجريمة الرشوة التي تقع بمجرد القبول أو قبول الوعد بالرشوة طبقاً للمادة 103 عقوبات، الذي يتحقق إذا كان الاتفاق بين الموظف العام وصاحب المسلحة على أداء العسل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة مقابل الجعل الذي سيتقاضاه، سواء كان العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة أو لاحقاً عليه. وبعبارة أخرى، فإن الاتفاق في الرشوة اللاحقة يجب ألا يتضمن وعداً بالمكافأة التي سيحصل عليها الموظف بعد تنفيذ المطلوب منه، فيشترط لوقوع الرشوة اللاحقة أن يكون الطلب أو القبول أو الأخذ من جانب الموظف العام بعد تنفيذه الامتناع أو الإخلال الذي اتفق عليه مع الراشي من قبل.

(ثانيا) رشوة لاحقة تقع بقبول مكافأة على أداء الموظف لعمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عن أداء عمل من أعمالها، أو إخلاله بواجباتها، وذلك بعد تمام ذلك العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته دون اتفاق سابق على هذا العمل أو الامتناع أو الإخلال المذكورين (المادة 105 عقوبات).

ويشترط لتوافر هذا النوع الثاني ألا يكون الموظف قد اتفق من قبل مع الراشي على أداء هذا العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته. أما إذا توافر هذا الاتفاق من قبل، وكان الاتفاق المذكور بطبيعته خالياً من الوعد بالرشوة - فإن الرشوة اللاحقة تقع وفقا للنوع الأول منها الذي يخضع للمادة 104 عقوبات.

ويشترط لوقوع هذا النوع الثاني من الرشوة اللاحقة أن يقبل الموظف المكافأة بعد تمام العمل أو الامتناع أو الإخلال، فلا يكفي مجرد الطلب من جانبه. أما الأحد، فإنه ينطوي على قبول المكافأة فتقع به الجريمة.

والخلاصة، فإن الفارق بين النوعين يبدو فيما يأتي :

(1) يشترط في النوع الأول وقوع امتناع عن أحد أعمال الوظيفة أو إخلال بواجباتها، وهو ما يشترطه أيضاً النوع الثاني، الذي يتميز عن النوع الأول في أنه قد يقع أيضاً بعد أداء عمل من أعمال الوظيفة.

(2) يشترط النوع الأول توافر اتفاق سابق بين الراشي والمرتشي على الامتناع عن العمل أو الإخلال بواجبات الوظيفة، بينما لا يفترض النوع الثاني توافر اتفاق سابق على العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة.

(3) يقع النوع الأول بمجرد الطلب أو القبول أو الأخذ بعد تمام العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة، بينما لا يكفي مجرد الطلب لتوافر النوع الثاني، ولا يتحقق إلا بالقبول أو الأخذ.

وقد انعكست هذه الفروق الثلاثة في العقوبة المقررة لكل من النوعين. فتكون العقوبة السجن المؤبد وضعف الغرامة النسبية للنوع الأول (المادة 104 عقوبات) وتكون السجن وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه للنوع الثاني (المادة 105 عقوبات).

ولم تكن المادة 105 عقوبات تعاقب على الرشوة اللاحقة إلا إذا كانت مقابل أداء عمل أو الامتناع دون الإخلال بواجبات الوظيفة، ثم جاء القانون رقم 120 لسنة 1962 ومد نطاق هذه المادة إلى حالة الارتشاء اللاحق على الإخلال بواجبات الوظيفة. ويلاحظ أن ظاهر المادة 105 المذكورة يفيد انصرافها إلى حالة الموظف المختش وحده، إلا أنه بمقتضى التعديل الذي أتى به القانون رقم 120 لسنة 1962 والذي بمقتضاه امتد نطاق هذه المادة إلى الموظف الذي يخل بواجبات وظيفته. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة  الكتاب الأول 2016، الصفحة: 350)

يستوي أن يكون العمل إيجابياً أو مجرد إمتناع : يغلب أن يكون العمل الوظيفي، إيجابياً، إذ تقتضي مصالح صاحب الحاجة إتيان الموظف هذا ما العمل، كإصدار القاضي حكماً نظير مقابل الرشوة، أو إعطاء الموظف الإداري ترخيصاً نظير ذلك، وقد يتخذ صورة مجرد الإسراع في إنجاز کر مصلحة صاحب الحاجة وقد يكون العمل الوظيفي امتناعاً، وفي هذه الحالة تكون جريمة الرشوة أظهر وأسهل إثباتاً، بإعتبار أن الموظف قد أهمل بذلك في أداء واجبات وظيفته  ويتحقق الإمتناع ولو كان العمل في نطاق السلطة التقديرية للموظف طالما أن امتناعه كان نظير مقابل الرشوة، وليس استهدافاً للمصلحة العامة التي اقتضت تخويله هذه السلطة وقد يكون الإمتناع جزئياً، متخذاً صورة مجرد الإرجاء حين تقتضي مصلحة صاحب الحاجة ذلك الإرجاء وأمثلة الرشوة نظير الإمتناع أن يتلقى ضابط الشرطة عطية لكي لا يحرر محضراً من أجل جريمة، أو يتلقى موظف الضرائب هدية نظير ألا يرسل إشعار المطالبة بضريبة مستحقة وفي أغلب الحالات يجتمع الإمتناع والإخلال بواجبات الوظيفة، باعتبار أن امتناع الموظف عن عمل تفرضه عليه واجبات وظيفته هو إخلال واضح بها .

يستوي أن يكون العمل حقاً أو غير حق، إذا ثبت أن العمل الوظيفي من إختصاص الموظف، فلا أهمية لكون القيام به أو الإمتناع عنه مطابقاً لواجبات الوظيفة أو مخالفاً لها، أي لا أهمية لكونه حقاً أو غير حق، مطابقاً للقوانين واللوائح والتعليمات الإدارية أو مخالفاً لها وتطبيقاً لذلك، فإن الموظف يرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل کي يقوم بعمل يلزمه به القانون، كما يرتكبها إذا تلقاه نظير عمل يحظره القانون عليه ؛ ويرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل کی يمتنع عن عمل يلزمه القانون بالإمتناع عنه، كما يرتكبها إذا تلقاه کی يمتنع عن عمل يلزمه القانون بالقيام به فالقاضي يرتكب الرشوة إذا اقتضى مالاً ليبرىء متهما ثبتت براءته طبقاً للقانون، كما يرتكبها إذا اقتضى المال ليبرىء متهماً ثبتت وفقاً للقانون إدانته؛ ورجل الشرطة يرتكب الرشوة إذا طلب مالاً کی يمتنع عن تحرير محضر سواء أكان ثمة موجب لذلك أم لم يكن لذلك موجب.

نص الشارع على الإخلال بواجبات, الوظيفة إلى جانب نصه على « أداء عمل من أعمال الوظيفة أو الإمتناع و عنه » كصورة ثالثة لما يتعهد الموظف المرتشي بالقيام به (المواد 104، و 104 مكرراً، 105، 105 مكرراً من قانون العقوبات) والمتبادر إلى الأذهان أن الشارع يعني بالإخلال بواجبات الوظيفة أداء الموظف عملاً وظيفياً أو إمتناعه عنه مخالفا بذلك القواعد القانونية أو التنظيمية التي تحكمه النشاط، ولكن هذا التفسير يجعل التعبير السابق مجرد تكرار لأداء العمل والامتناع عنه، فقد قدمنا أن القانون لا يميز بين كون ذلك حقاً أو غير حق؛ لذلك يتعين تنزيها - للشارع عن التكرار - أن تكون لهذا التعبير دلالته الخاصة : لا يشير الشارع بتعبير « الإخلال بواجبات الوظيفية » إلى عمل وظيفي محدد في ذاته أو في جنسه، وإنما يشير به إلى « أمانة الوظيفة » بصفة عامة، أي الواجبات العامة التي ينبغي أن يلتزم بها الموظف في أدائه أعماله، وهي واجبات تستلهم من روح القواعد القانونية والتنظيمية التي تحكمها لا من النصوص التي أفرغت فيها، وتستلهم كذلك من المصلحة العامة التي ينبغي أن تكون الهدف الوحيد الذي تتجه إليه أعمال الوظيفة  وتطبيقاً لذلك، فإن الرشوة تقوم، بل ويغلظ عقابها إذا ما تقاضى الموظف المقابل أو طلبه أو قبل الوعد به کی يجري في تصرفه على الوجه المخالف لهذه الواجبات، وإن لم يكن متعلقاً بتصرف معین.

النشاط الإجرامي في الرشوة :

صور هذا النشاط كما قدمنا هي الأخذ والقبول والطلب من، وهذه الصور منصوص عليها على سبيل الحصر، وقد عبر الشارع عن هذه الصور في قوله « كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية ... » (المواد 103، 103 مكرراً، 104، 104 مكرراً) .

الأخذه إذا كان مقابل الرشوة ذا طبيعة مادية فإن الأخذ يعني التسليم، فهو فعل يحصل به المرتشي على الحيازة بنية ممارسة السلطات التي تنطوي عليها وليس بشرط أن يصدر التسليم عن الراشي، فقد يصدر عن وسيط حسن النية، أو يرسل المقابل عن طريق البريد، وفي هذه الحالات يعد الأخذ متحققاً حين يعلم الموظف بالغرض من التسليم أو الإرسال، فيقرر الإحتفاظ بهذا المقابل ويجوز أن يكون التسليم رمزياً. وإذا تجرد مقابل الرشوة من الطبيعة المادية فكان مجرد منفعة، فإن الأخذ يعتبر متحققاً حين يحصل المرتشي على المنفعة، كما لو باشر الصلة الجنسية التي اعتبرت مقابل الرشوة .

ويطلق على الرشوة حين تقوم بالأخذ تعبير « الرشوة المعجلة »، وهي أسهل حالات الرشوة إثباتاً، إذا المرتشي يحوز المقابل، ويصعب عليه تقديم سبب مشروع يبرر هذه الحيازة . وغني عن البيان أنه يجوز إثبات الحيازة - باعتبارها واقعة مادية - بجميع طرق الإثبات، أياً كانت قيمة مقابل الرشوة.

القبول :

القبول هو تعبير عن إرادة متجهة إلى تلقي المقابل في المستقبل نظير القيام بالعمل الوظيفي . ويصدر القبول عن الموظف، ويفترض عرضاً أو إيجاباً من صاحب الحاجة، وبالقبول الذي صادف العرض ينعقد الإتفاق الذي تتمثل فيه ماديات الرشوة في هذه الصورة . والقبول في جوهره إرادة ينبغي أن تكون جادة وصحيحة وهو في مظهره تعبير وإفصاح بوسيلة ما عن وجود هذه الإرادة .

فإذا لم تتوافر لدى المرتشي إرادة جادة وصحيحة تلتقي مع عرض صاحب الحاجة، وإنما كان متجها بما صدر عنه من تعبير إلى الإيقاع بصاحب الحاجة، والعمل على ضبطه متلبساً، فلا يتوافر بذلك القبول ولا تقوم الرشوة، وإنما يرتكب صاحب الحاجة جريمة عرض الرشوة، ولا يتصور القبول كما قدمنا إلا إذا انصرف إلى عرض، ويتعين أن يكون هذا العرض جدياً حتى يكون بدوره تعبيراً عن إرادة يمكن أن تلتقي بها إرادة المرتشي ولكن يكفي أن يكون العرض جدياً في ظاهره وإن كان غير جدی في حقيقته أما إذا كان العرض غير جدي في ظاهره، كما لو وعد شخص الموظف بإعطائه كل ما يملك في نظير قيامه بعمل له، فمثل هذا العرض لا يمكن أن ينصرف إليه قبول، وإذا صدر بالفعل قبول من الموظف فلا تقوم بذلك الرشوة : ذلك أن صاحب الحاجة لم يعرض شيئاً معيناً على الموظف  بل عرضه هز أشبه بالهزل منه بالجد ولكن إذا كان العرض جدياً في ظاهره، فقبله الموظف على هذا الأساس منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته المصلحة الراشي، فإن القبول الذي تقوم به الرشوة يعد متحققاً بذلك، ولا يحول دون ذلك ثبوت أن العرض لم يكن جدياً في حقيقته وأن قصد العارض كان متجها إلى ضبط المرتشي متلبساً، وأن العرض كان بناء على تدبير سابق رتبته السلطات العامة : ذلك أن قبول الموظف في هذه الظروف قد حقق معنى الإتجار في الوظيفة، فقد عرضها بالفعل كسلعة نظير الثمن الذي اعتقد أنه معروض عليه.

وكل صور التعبير عن إرادة القبول سواء . فلا فرق بين تعبير عن طريق القول أو الكتابة أو الإشارة، بل يجوز أن يكون القبول ضمنيا  ويعني القبول الضمنى إرادة صحيحة قانوناً تضع في اعتبارها أن القبول ضير العمل الوظيفي، وأبرز صور القبول الضمنى أن ينصرف الموظف الى أداء العمل الذي تقتضيه مصلحة صاحب الحاجة بعد علمه بالعرض ويجوز أن يكون القبول معلقاً على شرط  وتعد الرشوة تامة بالقبول، فلا يتوقف تمامها على تنفيذ موضوع الإتفاق فإذا رفض صاحب الحاجة أن يسم للموظف ما وعده به فلا يؤثر ذلك في أركان الرشوة التي توافرت بالقبول، ولا يتغير الحكم كذلك إذا رفض الموظف أداء العمل کرد من جانبه على نكول صاحب الحاجة عن وعده ولا يحول دون تمام الرشوة أن الموظف قد قبل العرض ولكنه رفض أسلوب تنفيذه، كما لو قبل أداء العمل الوظيفي، ولكنه رفض أن يكون ذلك عن طريق شيك وأصر أن يكون نقداً.

الطلب الطلب هو تعبير عن إرادة منفردة من جانب الموظف ومتجهة إلى الحصول على مقابل نظير أداء العمل الوظيفي وتتم الرشوة بمجرد الطلب ولو لم يستجب له صاحب الحاجة، بل ولو رفضه وسارع إلى إبلاغ السلطات العامة، فالرشوة في هذه الصورة هي سلوك الموظف دون اعتبار لسلوك صاحب الحاجة وعلة اعتبار الطلب المجرد كافياً لتمام الرشوة أن الموظف قد عرض بذلك العمل الوظيفي للإتجار، فأخل بنزاهة وظيفته والثقة في الدولة، ولم ير الشارع فرقا بين عرض للإتجار واتجار فعلی وإذا لم يكن القبول شرطاً لتمام الرشوة، فإن حصول الموظف على ما طلبه ليس من باب أولى شرطاً لذلك.

وقد سوى الشارع بين طلب الموظف المقابل لنفسه وطلبه لغيره، فالموظف الذي يطلب الرشوة لموظف آخر يعد فاعلاً للرشوة، وليس مجرد شريك فيها  .

الشروع في الرشوة، حين كان الشارع لا يعتبر الطلب المجرد صورة قائمة بذاتها من النشاط الإجرامي للرشوة، كان الطلب هو الحالة الواضحة للشروع في الرشوة، ذلك أنه بدء في التنفيذ بالنسبة للأخذ أو القبول، فلما صار الطلب مجرداً كافياً لتمام الرشوة، ساد في الفقه القول باستحالة تصور الشروع في هذه الجريمة : ذلك أن كل نشاط يصدر عن الموظف يعبر عن إرادة جدية متجهة إلى الإتجار في أعمال وظيفته يجعله مرتكباً جريمة تامة .

ولكننا نعتقد أنه إذا استحال تصور الشروع في الرشوة في حالتي « الأخذ والقبول » باعتبار أن فيهما « ينحصر مبدأ التنفيذ ونهايته »، فإن الرشوة يتصور الشروع فيها في حالة « الطلب » . فالطلب لا يعد متحققاً - في مدلوله القانوني - إلا بوصوله إلى علم صاحب الحاجة، فإن صدر عن الموظف وحالت أسباب (لا دخل لإرادته فيها) دون وصوله إلى علم صاحب الحاجة، كما لو بعث إليه برسالة وضمنها طلبه، ولكن السلطات العامة ضبطت الرسالة وحالت دون وصولها؛ أو كلف رسولاً إبلاغ طلبه، ولكن هذا الرسول لم يفعل (فأخبر السلطات مثلاً) فإن جريمة الرشوة تقف بذلك عند مرحلة الشروع.

نص الشارع على هذا السبب للتشديد في المادة 104 من قانون العقوبات في قوله : « كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغير أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية للإمتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجباتها لمكافأته على ما وقع منه ذلك يعاقب بالسجن المؤبد وضعف الغرامة المذكورة في المادة 103 من هذا القانون ».

ونطاق التشديد مستمد من نوع العمل الوظيفي الذي يعد الموظف المرتشي بالقيام به نظير مقابل الرشوة الذي أخذه أو طلبه أو قبل الوعد به ويفترض أن هذا العمل اتخذ صورة الإمتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو صورة الإخلال بواجبات الوظيفة، ويعني ذلك أن تخرج من نطاق التشديد حالة ما إذا كان موضوع الرشوة عملاً إيجابياً وسواء في حالة الإمتناع أن يكون ذلك حقاً أو غير حق، مطابقاً للقوانين واللوائح أو مخالفا لها، أما الإخلال بواجبات الوظيفة فيعني ذلك المدلول العام الذي سلف توضيحه والذي يتسع لكل إخلال بأمانة الوظيفة ذاتها وسواء في الخروج من مجال التشديد العمل الإيجابي المطابق للقانون والمخالف له .

وينصرف تشديد العقوبة إلى الغرامة فقط فيرتفع بها إلى الضعف ويمتد هذا التشديد إلى حديها على السواء، فتصير منحصرة بين ألفين من الجنيهات كحد أدنى وضعف مقابل الرشوة كحد أقصى؛ أما العقوبة السالبة الحرية والمصادرة فتظل أحكامهما دون تعديل . (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة: 36)

ويستفاد من النص السابق أن الأعمال المقابلة للوعد أو العطية تجمع بينها الصفة غير المشروعة، سواء تمثلت تلك الأعمال في امتناع عن أداء عمل يفرضه النشاط الوظيفي أو تمثلت في ش كل أعمال لا تتفق ومقتضيات الواجب الوظيفي (30). كما يستفاد من النص السابق أن تلك الأعمال غير المشروعة قد تكون مستقبلة بالنسبة لوقت تمام الرشوة، كما قد تكون ماضية وترتكب الرشوة كمكافأة على تحقيقها من قبل الموظف، ولكن يجمع بين الأعمال غير المشروعة المستقبلية والماضية وجود اتفاق سابق على أدائها أو الامتناع عنها بين الراشي والمرتشي عدا الحالة الخاصة بالطلب، والذي يكون من جانب واحد وهو الموظف.

الأعمال المستقبلية :

يكفي لقيام جريمة الرشوة الطلب أو الاتفاق على العطية أو الوعد بها كمقابل لأداء الإخلال بواجبات الوظيفة أو الامتناع عن عمل من أعمالها. ولا يلزم أن تتحقق تلك الأعمال فعلاً، فالجريمة تقوم في أركانها كاملة حتى ولو لم يف الموظف بوعده وأتم العمل المطلوب بالشكل الذي يتفق ومقتضيات الواجب الوظيفي وما تفرضه القوانين واللوائح والتعليمات في مباشرته.

والامتناع عن العمل يجب أن يكون متعلقا بعمل مشروع داخلاً في الاختصاص الوظيفي له (39)، ويندرج تحت الامتناع التأخير عن أداء العمل المشروع في الوقت المحدد له وفقاً لما تمليه الواجبات الوظيفية.

ولا يلزم أن يكون العمل موضوع الامتناع يهم الراشي أو الغير، ذلك أن هذا العمل في حد ذاته ليس هو سبب التجريم وإنما س لوك الامتناع أو التأخير.

والأعمال الوظيفية تشمل العمل القانوني بالمعنى الدقيق المنتج لآثار قانونية بالنسبة لجهة الإدارة، كما تشمل الأعمال التنفيذية، كما يندرج أيضاً ضمن الأعمال الوظيفية ليس فقط تلك المكتوبة أو المحررة بل والشفوية وجميع الأعمال المتعلقة بتنفيذ واجب من واجبات الوظيفة.

ولا يلزم أن يكون الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة يشكل جريمة بذاته. فإذا كان القانون يجرم الامتناع عن أداء العمل أو الإخلال بواجب من واجبات الوظيفة فإن جريمة الرشوة تتعدد مادياً والجريمة الأخرى المتمثلة في الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة، وقد يجمع بينهما لارتباط غير القابل للتجربة.

ولبيان ما إذا كنا بصدد امتناع مشروع أو غير مشروع فإنه يجب أن نشير إلى لحظة تمام جريمة الرشوة أو الشروع فيها. ولذلك إذا كان الامتناع المتفق عليه كمقابل للعطية أو الوعد الذي بسببه يطلب الموظف العطية أو الوعد بها، غير مشروع فلا قيمة بعد ذلك لأي عمل لاحق يضفي على ذات الامتناع الصفة المشروعة، فالموظف الذي يأخذ عطية مقابل عدم الإبلاغ عن جريمة وصلت إلى علمه أثناء وبسبب الوظيفة التي يباشرها بالمخالفة لواجب الإبلاغ، يرتكب جريمة الرشوة كاملة حتى ولو صدر بعد ذلك قانون عفو عن تلك الجريمة أو صدر قانون يبيح مثلها من الأفعال، ذلك أن الرشوة تقع كاملة الأركان حتى ولو لم يتمسك الموظف بوعده وأتم العمل على الوجه المطلوب قانوناً (37).

الإخلال بواجبات الوظيفة :

يشمل أي فعل أو امتناع يقع بالمخالفة لما تتطلبه مقتضيات الوظيفة العامة بالنسبة لمن يزاولونها لمصلحة جهة الإدارة، ويقع الإخلال بواجبات الوظيفة سواء قام الموظف بأداء العمل الوظيفي بالمخالفة للقوانين واللوائح والتعليمات أم أمتنع عن أدائه أيضا بالمخالفة لها، ومثال ذلك تنفيذ العمل الباطل أو عدم مراعاة الشروط الشكلية أو الموضوعية للعمل أو مخالفة قواعد الاختصاص النوعي أو المكاني أو مخالفة واجب الأمانة والثقة وغير ذلك من الواجبات. وهناك واجبات وظيفة عامة وواجبات وظيفية خاصة بنوعية الوظيفة التي يشغلها الموظف المرتشي، ويستوي بالنسبة لجريمة الرشوة أن تكون العطية هي مقابل الإخلال بواجب عام أو خاص، كالثقة والطاعة والسرية، كما يستوي أن يكون الواجب متعلقاً بأداء الوظيفة أو متعلقة بعمل معين من أعمالها، ولا يشترط أن يكون الإخلال بواجبات الوظيفة مكونة لمخالفة تأديبية فحسب، إذ قد يتمثل في جريمة جنائية، وفي هذه الحالة قد تشدد العقوبة في جريمة الرشوة كما سترى، وتتوافر الرشوة في أركانها حتى ولو لم يف الموظف بوعده وقام بعد ذلك بمراعاة الواجب الوظيفي في العمل المطلوب.

وفي جميع الأحوال يلزم أن يكون الامتناع عن العمل أو الإخلال بواجبات الوظيفة محددة.

الأعمال التقديرية :

يمكن أيضاً أن يتحقق بصددها الإخلال بواجبات الوظيفة .. فإذا كان الإخلال بواجبات الوظيفة يعني أن هناك تعارض بين العمل المرتكب وبين القواعد المنظمة للوظيفة العامة، فإن الأعمال التقديرية تخضع بدورها للضوابط التي تنص عليها تلك القواعد. فإذا كان العمل التقديري قد ارتكب لباعث مختلف عن الغرض الذي من أجله منح الموظف السلطة التقديرية، ألا وهو الصالح العام، فإننا نكون بصدد إخلال بواجبات الوظيفة.

الأعمال غير المشروعة :

كما يندرج تحت الإخلال بواجبات الوظيفة الأعمال المرتكبة بالمخالفة لشروط الاختصاص المكاني أو النوعي أو الوظيفي. ولذلك ف لا مجال البحث فيما إذا كان العمل داخلاً في اختصاص الموظف من عدمه. فتحقق الرشوة في أركانها إذا كان مقابل العطية هو قيام الموظف بتزوير محرر رسمي منسوب لجهة الإدارة ولو لم يكن له أي اختصاص، في تحريره أو اعتماده أو كان مقابل العطية هو تسهيل استيلاء الغير على مال للدولة دون أن يكون له اختصاص بالتصرف في تلك الأموال.

ساوي المشروع في محيط الرشوة لأداء عمل غير مشروع، سواء بالامتناع عن العمل الواجب أو بالإخلال بواجبات الوظيفة، بين الأعمال المستقبلية وبين المكافأة على الأعمال التي تم ارتكابها من الموظف، فكل موظف يطلب لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعداً أو عطية للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجباتها أو لمكافأته على ما وقع منه من ذلك يعاقب بمقتضى المادة 104 عقوبات .

وعلى ذلك فالمكافأة على عمل غير مشروع تم ارتكابه من الموظف يشكل صورة من صور الرشوة المنصوص عليها بالمادة 104 عقوبات والتي تتعلق بالرشوة المشددة (38).

غير أنه لإعمال نص المادة 104 عقوبات على المكافأة المتعلقة بأعمال غير مشروعة تمت من الموظف ينبغي أن يكون هناك اتفاق سابق بين الموظف والراشي أو صاحب المصلحة، وهذا الاتفاق السابق هو الذي يميز الصورة التي نحن بصددها عن جريمة المكافأة اللاحقة والمنصوص عليها بالمادة 105 والتي يعاقب عليها بعقوبة أخف من تلك المنصوص عليها بالمادة 104 عقوبات. غير أن الاتفاق السابق المتطلب في الرشوة اللاحقة لا ينصب على الرشوة وإنما على القيام بالإخلال بواجبات الوظيفة أو على الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة. وبعد تمام العمل المتفق عليه ترتكب جريمة الرشوة بالطلب أو الأخذ أو القبول للوعد أو العطية كمكافأة لما تم من أعمال. ولذلك يطلق عليها الرشوة اللاحقة باعتبار أن الجريمة ترتكب بالنظر إلى أعمال ماضية تمت باتفاق الموظف مع ذوي الشأن. أما إذا كان الموظف قد طلب أو أخذ أو قبل وعداً أو عطية تؤدي بعد تمامه للعمل المطلوب فلا نكون بصدد رشوة الاحقه وإنما بصدد رشوة سابقة على أداء العمل، وتشكل جريمة مكتملة الأركان باعتبار أن أداء العمل من عدمه لا قيمة له قانوناً لاكتمال الرشوة في عناصرها المكونة لها. وفي هذه الحالة تكون الرشوة متمثلة في طلب أو قبول وعد بعطية.

وجريمة المكافأة اللاحقة تتميز عن الرشوة اللاحقة في السلوك الإجرامي المكون لها وأيضاً في عدم وجود اتفاق سابق على أداء العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة.

فبالنسبة للسلوك الإجرامي تقوم جريمة المكافأة اللاحقة على سلوك القبول لهدية أو عطية. والقبول يتطلب الأخذ أيضاً، ولذلك يخرج عن نطاقها الطلب. فطلب مكافأة لاحقة من موظف وبدون اتفاق سابق لا عقاب عليه باعتباره عملاً تحضيرياً للجريمة. كما لا تقوم هذه الجريمة على مجرد قبول الوعد بعطية لأن الوعد بعطية على عمل غير مشروع تم دون اتفاق سابق تنتفي بالنسبة له صفة المقابل طالما تم العمل دون هذا الاتفاق. ولذلك يلزم لتوافر الجريمة أن ينصب القبول على هدية أو عطية وليس على مجرد الوعد بها.

ويلزم لقيام جريمة المكافأة اللاحقة ألا يكون هناك اتفاق سابق على أداء العمل أو الامتناع منه أو الإخلال بواجبات الوظيفة وإلا كنا بصدد جريمة الرشوة المنصوص عليها بالمادة 103 و 104 عقوبات.

ويستوي بعد ذلك أن يكون الموظف الذي يقبل المكافأة على ما تم من أعمال مختصاً من عدمه. فالمكافأة هي على ما تم فعلاً من أعمال مطابقة أو مخالفة للقانون. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول،  الصفحة: 173)

صفة الجاني:

- اشتراط صفة الموظف العامة:

تطلب المشرع لوقوع جريمة الرشوة أن يكون الجاني موظفاً عاماً أو من في حكمه مختصاً بالعمل أو الامتناع المطلوب منه أو معتقداً خطأ أو زاعماً الاختصاص به. ويقتضي ذلك تحديد المقصود بالموظف العام، وتحديد الأشخاص الذين جعلهم المشرع في حكمه، ثم بيان اختصاص الموظف بالعمل أو الامتناع.

- تحديد مدلول الموظف العام في جريمة الرشوة:

لا يقتصر المشرع الجنائي، في تحديده لمدلول الموظف العام في نطاق جريمة الرشوة، على المعنى الذي استقر عليه في فقه القانون الإداري، وإنما يمد نطاق هذا المدلول إلى أشخاص آخرين، حرصاً منه على تحقيق ما يستهدفه بتجريم الرشوة من حماية النزاهة الوظيفة العامة، وإبقاء على ثقة الناس في حيدة الدولة وعدالتها، وصيانة لنقاء العلاقة بين الدولة والأفراد من خلال ما تؤديه لهم بواسطة عمالها من خدمات.

وعلى ذلك يمتد معنى الموظف العام في جريمة الرشوة ليشمل الموظف العام الحقيقي في المدلول الإداري، ثم من اعتبرتهم المادة 111 عقوبات في حكم الموظف العام، بالإضافة إلى فئة ثالثة يثور التساؤل بصددها وهي فئة الموظف العام الفعلي.

- أولاً : الموظف العام في المدلول الإداري:

هو الشخص الذي يقوم بصفة قانونية بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة عن طريق الاستغلال المباشر ويعني هذا التعريف ضرورة توافر شروط ثلاثة لتحقق صفة الموظف العام :

1- أن يكون قد التحق بخدمة المرفق العام بصفة قانونية، أي عن طريق التعيين، فإذا لم يتوافر هذا الشرط لا تتحقق صفة الموظف العام، ولو كان المرشح للوظيفة قد استوفي شروط التعيين فيها، أو كان تعيينه باطلاً.

2- ويجب أن يقوم الشخص المعين بأداء عمل يتصف بالدوام والاستمرار، فيخرج من نطاق الموظف العام من عهد إليه بعمل عارض كمن يكلف بخدمة عامة.

3- وأخيراً يجب أن يقوم بالعمل في مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة عن طريق الاستغلال المباشر، فيخرج من نطاق الموظف العام من يعمل في مرفق عام يدار عن طريق آخر غير طريق الاستغلال المباشر كطريق الإلتزام، ومن يعمل في مشروع خاص أياً كانت درجة اتصاله بالدولة.

إذا توافرت هذه الشروط تحققت صفة الموظف العام، يستوي بعد ذلك أن يكون مثبتاً أو غير مثبت، وأن يتقاضى عن عمله راتباً أو مكافأة أو أن يقوم به بغير مقابل، إذ لا يعتبر الراتب شرطاً من شروط الوظيفة العامة، وعلى ذلك يعتبر العمد، ومشايخ البلد، ومشايخ الحارة ومشايخ القسم من الموظفين العموميين.

ويستوي أن يكون خاضعاً للنظام القانوني العام لموظفي الدولة أو أن يكون خاضعا لنظام قانوني خاص بفئة معينة، كالنظام الخاص بأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، وأعضاء الهيئات القضائية، أو بأفراد القوات المسلحة أو الشرطة كما يستوي أن يكون التعيين برضائه أو أن يكون مكلفاً بذلك وأن يكون متفرغاً للقيام بأعمال وظيفته أو أن يجمع بينها وبين عمل آخر.

ثالثا: الموظف الفعلي :

هو الشخص الذي يباشر عملاً وظيفياً دون أن تكون له صفة الموظف الحقيقي، إما لأنه لم يصدر قرار بتعيينه أو صدر بتعيينه قرار باطل، أو لأن إجراءات ممارسته للعمل الوظيفي لم تستوف بعد، أو لأنه وهو موظف حقیقی، فوض بمباشرة عمل لا يجيز القانون تفويضه في القيام به. ويثير وضع الموظف الفعلى التساؤل عما إذا كان يعتبر کالموظف الحقيقي فتسري عليه نصوص الرشوة؟ لما كان الهدف من تجريم الرشوة هو حماية نزاهة الوظيفة العامة، وصيانة ثقة الناس في الأعمال التي تقوم بها الدولة، فإنه يجب التمييز بين وضعين: إذا كان العيب الذي يشوب مباشرة الشخص للعمل الوظيفي يسيراً يصعب اكتشافه، كما هو الشأن بالنسبة لكاتب المحكمة الذي يباشر عمله دون حلف اليمين القانونية، أو كان العيب - على الرغم من أهميته - قد حجبته عن الناس مظاهر السلطة التي يباشرها الموظف الفعلى فأصبحوا يعتقدون أنه الممثل الحقيقي للدولة، في هاتين الحالتين تسري عليه نصوص الرشوة إذا توافرت أركان الجريمة.

أما إذا كان العيب الذي يشوب مباشرة الشخص للعمل الوظيفي من الوضوح بحيث يتبينه الناس فيدركون أنه لا يمثل سلطة الدولة وأنه لا يستطيع القيام بأعمال الوظيفة، فحينئذ لا يعتبر هذا الشخص موظفاً فعلياً، فإذا طلب أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية للقيام بعمل من أعمال هذه الوظيفة لا تطبق عليه نصوص الرشوة، لأن بعده عن الوظيفة واستقلاله الواضح عنها يجعل فعله غير ماس بنزاهتها وإن أمكن أن يسأل عن جريمة نصب إذا توافرت أركانها.

ويدخل في نطاق الموظف الفعلى فتطبق عليه نصوص الرشوة الشخص الذي يتصدى للقيام بأعمال السلطة العامة إذا اختفت هذه السلطة أو عجزت عن القيام بمهامها. مثال ذلك أن يحتل العدو أحد أقاليم الدولة ويختفي ممثلو الدولة من هذا الإقليم أو يعجزون عن أداء مهامهم فيضطلع أحد المواطنين بأعمالهم الوظيفية.

الاختصاص بالعمل :

يقصد باختصاص الموظف بالعمل أن يكون له سلطة القيام به قانوناً، ويتحقق ذلك إذا كان القانون يفرض عليه القيام به، أو كان يترك له تقرير ملاءمة القيام به أو الامتناع عن ذلك. والأعمال التي تدخل في اختصاص الموظف العام أو من في حكمه قد يحددها القانون مباشرة، وقد تحددها اللوائح بناء على تفويض القانون، كما قد يحددها قرار أو تكليف صحيح صادر من الرئيس المختص، سواء كان كتابياً أو شفهياً. وقد قضي تطبيقاً لذلك بأنه: «يدخل في أعمال الوظيفة كل عمل يرد عليه تكليف صحيح صادر من الرؤساء، كما يكفي في صحة التكليف أن يصدر بأوامر شفهية، فإذا كان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً على أن عمل الساعي يقتضي التردد على المكان الذي تحفظ فيه ملفات الممولين للمعاونة في تصنيفها وأن يقوم بنقل الملفات بناء على طلب موظفي مأمورية الضرائب - وهم من رؤسائه - فإن التحدي بانعدام أحد أركان جريمة الرشوة يكون على غير أساس».

ولا يقدح في ذلك أن يكون هناك قرار وزاري ينظم توزيع العمل بين الموظفين، لأن ذلك إجراء تنظيمي لا يهدر حق رئيس الإدارة في تكليف موظف بعمل خاص في إدارة أخرى».كذلك قد يرجع تحديد الاختصاص إلى العرف.

نقض 20 يناير سنة 1959 مجموعة أحكام محكمة النقض س 10 رقم 15 ص 55 .

نقض 9 يونية سنة 1969 مجموعة أحكام محكمة النقض س 20 رقم 173 ص 826 .

نقض 7 أكتوبر سنة 1958 مجموعة أحكام محكمة النقض س 5 رقم 189 ص 779.

واختصاص الموظف بالعمل الوظيفي يعني أن يختص به نوعياً ومكانياً، فلا يكفي أن يكون الموظف مختصاً بعمل من نوع معين إذا كان نظام تعيينه لا يسمح له بمباشرته إلا في جهة معينة، إذ أن مباشرته لعمل من نفس نوع العمل الداخل في أعمال وظيفته خارج نطاق اختصاصه المكاني يعني أنه ليست لديه سلطة القيام بهذا العمل وبالتالي يكون غير مختص به فإذا تلقى عطية مقابل القيام بعمل لا يدخل في اختصاصه المكاني لا تقع منه جريمة الرشوة طالما أنه لم يزعم اختصاصه به أو يعتقد ذلك.وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه «إذا كان الموظف غير مختص بإجراء عمل من الأعمال سواء أكان ذلك بسبب أن هذا العمل لا يدخل أصلاً في وظيفته أم بسبب أنه هو، بمقتضى نظام تعيينه، ليس له أن يقوم به في الجهة التي يباشر فيها، فإن حصوله على المال أو تقديم المال إليه للقيام به أو للامتناع عنه لا يمكن أن يعد رشوة».

وإذ تحدد الاختصاص بالعمل الوظيفي على هذا النحو فإنه يستوي بعد ذلك أن يكون الموظف هو المختص بالعمل كله أو أن يقتصر اختصاصه على جزء من العمل المطلوب يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة  إذ القول بوجوب اختصاص الموظف بكل العمل دون أن يساهم فيه أحد غيره يجر - على حد تعبير محكمة النقض - «إلى إباحة الرشوة إذ المعلوم أن إدارة الأعمال تتطلب . الحسن سيرها توزیع كل مسألة على عدة عمال فيختص كل منهم بأداء جزء معين منها، وقد لا توجد مسألة واحدة بذاتها يتمها كلها موظف واحد، ولم يشترط القانون سوى أن يكون العمل من أعمال الوظيفة، وما دامت كلمة عمل جاعت مطلقة فهي لا تتقيد بقدر معين من العمل ولا بنوع خاص منه».

كذلك يعتبر الموظف مختصاً بالعمل ولو كان اختصاصه منحصراً في مجرد إبداء الرأي وقد قضى تطبيقاً لذلك بأن العمدة الذي يبدي رأياً بشأن تعيين شيخ بلد بناء على طلب اللجنة المختصة يعتبر قائماً بعمل من أعمال وظيفته، فإذا قبل عطية لإبداء رأيه لمصلحة شخص معين عد مرتكباً لجريمة الرشوة.

بل إن الموظف يعتبر مختصاً بالعمل ولو لم يكن داخلاً مباشرة في أعمال وظيفته، إذا كان العمل المطلوب أداؤه مقابل الرشوة له علاقة أو اتصال بأعمال الوظيفة يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة. نقض 3 مارس سنة 1917 المجموعة الرسمية س 18 رقم 51 ص 89.

الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه الصفة والاختصاص:

العبرة في توافر صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل هي بالوقت الذي يقع فيه الركن المادي لجريمة الرشوة، وهو وقت طلب العطية أو أخذها أو قبول الوعد بها. فإذا انتفت الصفة وقت وقوع الفعل لا يعتبر الفاعل مرتشياً. وإن أمكن أن تقع منه جريمة النصب بانتحال صفة غير صحيحة إذا ادعى أن له صفة الموظف وتوافرت باقی أركان هذه الجريمة. ويترتب على هذا التحديد أن الرشوة لا تقع من شخص ليست له صفة الموظف، إذا تقاضى مبلغاً لقاء القيام بعمل وظيفي ولو تحققت فيه هذه الصفة بعد ذلك إذ لا يتحقق حينئذ التعاصر المطلوب بين الركن المادي للرشوة وبين صفة الموظف العام. كذلك لا تقع الجريمة إذا قدم العطاء إلى موظف عام ليقوم بعمل لا يدخل في نطاق اختصاصه ولم يزعم الاختصاص به ولم يعتقد خطأ الاختصاص به، وإنما أخذ العطية استغلالاً لسذاجة صاحب الحاجة. والجريمة لا تقع في هذا الفرض ولو دخل العمل في اختصاصه بعد وقوع الفعل. ولا تقع جريمة الرشوة إذا وقع الفعل المادي المكون لها بعد أن زالت عن الموظف صفته بالعزل أو الاستقالة، أو إذا كانت الصفة قائمة ولكن كان العمل قد خرج عن نطاق اختصاصه ولم يزعم أنه لا يزال مختصاً به، أو يعتقد خطأ بذلك.

وإذا توافرت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل وقت ارتكاب الفعل فإن جريمة الرشوة تقع، ولا يؤثر في ذلك أن تزول عن المرتشي صفة الموظف والاختصاص الذي كان له، ولو كان من نتيجة ذلك استحالة تحقيق غرض الرشوة.

عناصر الركن المادي لجريمة الرشوة :

- السلوك الإجرامي في الرشوة :

يتخذ السلوك الإجرامي في جريمة الرشوة إحدى صور ثلاثة هي الأخذ أو القبول أو الطلب، وقد نص المشرع على هذه الصور على سبيل الحصر، ولذلك ينبغي أن يعين الحكم الصادر بالإدانة ص ورة النشاط الإجرامي للمرتشي حتى يتسنى لمحكمة النقض أن تراقب صحة تطبيق القانون على الواقعة. ويجمع بين هذه الصور ما تنطوي عليه من اتجار في الوظيفة العامة واعتداء على نزاهتها.

أخذ العطية :

الأخذ هو تسلم الموظف العطية إذا كانت شيئاً مادياً. أو الحصول على المنفعة إذا كانت العطية مجرد منفعة. ويعتبر الأخذ أكثر صور النشاط الإجرامي في الرشوة شيوعا ويطلق عليه تعبير «الرشوة المعجلة» تمييزاً له عن صورتی القبول والطلب حيث تكون «الرشوة مؤجلة».

ويتحقق الفعل الإجرامي بالأخذ، ويستوي بعد ذلك أن يكون الموظف قد تسلم العطية أو حصل على المنفعة من الراشي نفسه أو من شخص آخر كلفه الراشي بذلك ولو كان الوسيط حسن النية  كذلك تستوي الصورة التي تتخذها العطية فقد تكون مبلغاً من النقود أو أوراقاً مالية أو شيئاً ذا قيمة. كما تستوي الكيفية التي تقدم بها، فقد تقدم على أنها هدية إخفاء لقصد الرشوة بينما يكون الغرض من الرشوة مفهوماً ضمناً، وقد تقدم على أنها ثمن العمل المطلوب من الموظف أداؤه صراحة.

وتعتبر الرشوة عن طريق أخذ العطية أسهل حالات الرشوة إثباتاً حيث يكون الموظف المرتشي حائزاً للعطية، والحيازة واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع طرق الإثبات أياً كانت قيمة العطية، ويكون من العسير على الموظف أن يثبت مشروعية هذه الحيازة.

- قبول الوعد بالعطية :

لم يقصر المشرع جريمة الرشوة على صورة حصول الموظف المرتشي على العطية المعجلة، وإنما مد نطاقها إلى حالة اقتصار الموظف على قبول الوعد بالعطية، وهو يعني الموافقة على وعد صاحب الحاجة بتقديم العطية في المستقبل. فهذه الصورة من صور الرشوة تفترض عرضاً أي - إيجاباً من صاحب الحاجة للموظف أن يقدم له عطية في المستقبل في مقابل أداء الموظف العمل أو الامتناع عنه، وموافقة أو قبولاً من الموظف لهذا الوعد. وبهذا الاتفاق الذي تتمثل فيه ماديات الجريمة في هذه الصورة تقع جريمة الرشوة، ولا يؤثر في ذلك ألا يقدم صاحب الحاجة العطية فيما بعد، كما لا يؤثر فيه عدم قيام الموظف بما طلب منه، ذلك أن مجرد القبول من الموظف للوعد بالعطية يحمل في ذاته معنى الاتجار في وظيفته «وتكون مصلحة الجماعة قد هیئت فعلاً بالضرر الناشئ عن العبث بالوظيفة التي ائتمنت عليها الموظف ليؤدي أعمالها بناء على وحی ذمته وضميره ليس إلا».

ولا يشترط في القبول شكلاً معيناً فقد يكون صريحاً بقول أو كتابة أو إيماء، وقد يكون ضمنياً كأن يبدأ الموظف في أداء العمل الذي يطلبه صاحب الحاجة، مع ملاحظة أن إثبات القبول في هذه الحالة أمر عسير. فقد يكون انصرافه إلى أداء العمل أثراً لقبول ضمني للوعد بالعطية، كما قد يكون أداؤه للعمل تنفيذاً لواجبه الوظيفي، ولا يجوز الاستناد إلى سكوت الموظف وعدم تبليغه عن عرض الرشوة لاستخلاص الدليل على قبوله للوعد بالعطية، والأمر متروك لتقدير المحكمة، فإذا ثار لديها الشك حول قبول الموظف يجب تبرئته من جريمة الرشوة إذ الشك يفسر لصالح المتهم.

ويشترط في القبول أن يكون جدياً، فإذا كان الموظف غير جاد فی قبوله، وإنما تظاهر بذلك لتمكين السلطات من ضبط صاحب الحاجة متلبساً، فإن هذا القبول الظاهري يعتبر منعدما،ً فلا تقوم به جريمة الرشوة، ويقتصر الأمر في هذا الفرض على وقوع جريمة عرض الرشوة من جانب صاحب الحاجة.

والقبول الجدى يجب أن يلتقي مع عرض جدي. فإذا كان العرض ظاهر الهزل لا تقع بقبوله جريمة الرشوة. «فإذا وعد شخص موظفاً بإعطائه كل ما يملك في نظير قيامه بعمل له، فإن هذا القول لا يفيد أن هناك شروعاً منه جدياً في إعطاء رشوة إذ هو لم يعرض فيه شيئاً معيناً على الموظف بل عرضه هو أشبه بالهزل منه بالجد».

ولكن يكفي لجدية العرض أن يكون جدياً في ظاهره، فإذا قبله الموظف على أنه جدی منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي تقع بقبوله جريمة الرشوة إذ تتحقق بذلك علة العقاب وهي الاتجار في الوظيفة. ويتحقق هذا الفرض إذا كان صاحب الحاجة في حقيقة الأمر غير جاد فيما عرض على الموظف، وإنما كان العرض بقصد تمكين السلطة المختصة من ضبطه متلبساً بجريمة الرشوة.

طلب الوعد أو العطية:

لم يقتصر المشرع لتحقيق النشاط الإجرامي في جريمة الرشوة على الأخذ أو القبول، وإنما أضاف إلى ذلك بالقانون رقم 69 لسنة 1953 مجرد طلب الموظف العطية «الاستعطاء» أو طلب الوعد بها «الاستیعاد».

مقابل أداء العمل الوظيفي. ذلك أن الموظف الذي يتقدم بالطلب إلى صاحب الحاجة إنما يعرض أعمال وظيفته للبيع - شأنها شأن السلع - مما يعتبر عبثاً بالوظيفة العامة وإهداراً لنزاهتها وللثقة الواجبة فيها. بل لعل الموظف الذي يقوم بطلب الوعد أو العطية يكون أمعن إجراماً ممن يأخذ العطية أو يقبل الوعد بها إذ لا يتعرض لإغراء تقديم العطية أو الوعد بها.

وإذا كانت الرشوة هي جريمة الموظف فإنها تتحقق بمجرد الطلب، ولا يؤثر في قيامها تسليم العطية بعد ذلك أو عدم تسليمها. وقد سوى المشرع بين طلب الموظف العطية أو الوعد لنفسه أو لغيره، ولذلك قضى بأنه «لا مصلحة للمتهم في التحدى بأنه لم يطلب الرشوة لنفسه».

- تمام الرشوة والشروع فيها:

تقع الجريمة تامة بمجرد وقوع النشاط الإجرامي - إذا توافر باقی أركانها - فتتم بمجرد أخذ الموظف العطية أو قبول الوعد بها أو طلبه وعداً أو عطية لنفسه أو لغيره، وذلك دون توقف على تنفيذ الموظف للعمل المطلوب، بل ودون توقف على توافر نية القيام بالعمل المطلوب لديه. فجريمة الرشوة تتم بمجرد الأخذ أو القبول أو الطلب ولو كان الموظف يقصد وقت ارتكاب هذا السلوك عدم القيام بالعمل المطلوب (المادة 104 مکرراً ع)، ففي هذا السلوك ينحصر مبدأ التنفيذ ونهايته وإذا وقعت الجريمة على هذا النحو، فإنه لا يؤثر في قيامها أن يساور الموظف الندم بعد ذلك فيرد العطية للراشي.

ويثير وقوع الجريمة بمجرد الأخذ أو القبول أو الطلب التساؤل عما إذا كان الشروع متصوراً فيها؟ ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الشروع غير متصور في هذه الجريمة بينما يذهب رأي آخر – بحق - إلى أن الشروع متصور في حالة الطلب إذا أوفد الموظف وسيطاً إلی صاحب الحاجة لطلب الرشوة ووقف النشاط عند هذا الحد إذا أبلغ الوسيط السلطات بذلك. فالجريمة هنا لم تتم، إذ لا اعتداد بالطلب إلا إذا وصل إلى علم صاحب الحاجة، وإن كان لا يشترط قبوله، ويكون فعل الموظف قد وقف عند حد البدء في التنفيذ المكون للشروع.

الركن المعنوي في جريمة الرشوة :

- قصد المرتشي :

جريمة الرشوة جريمة عمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، وهو يتحقق بتوافر عنصري : العلم والإرادة.

العلم: يجب أن ينصرف علم الموظف إلى أركان الجريمة، فيجب أن يكون عالماً بأنه موظف وأن العمل المطلوب منه يدخل في نطاق اختصاصه حقيقة أو زعماً أو اعتقاداً مخالفاً للحقيقة، فإذا كان يجهل وقت قيامه بالنشاط الإجرامي أنه قد يصدر قرار بتعيينه، أو كان يجهل أن العمل المطلوب منه قد أصبح داخلاً في نطاق اختصاصه، ينتفي لديه القصد. كذلك يجب أن ينصرف علم الجاني إلى الفعل المكون الركن المادي للجريمة، فلا يكفى لقيام القصد الجنائي لديه أن يدخل العطية في حيازته دون علمه كما لو دسها صاحب الحاجة في جيبه أو في درج مكتبه دون أن يشعر. ويجب أن يكون الجاني عالماً بأن العطية التي تقدم إليه هي مقابل العمل المطلوب، فإن جهل ذلك بأن كان معتقداً أنها قدمت لغرض بریء کسداد الدين على صاحب الحاجة لا يتوافر القصد الجنائي، ويظل غير متوافر ولو علم فيما بعد بالغرض الحقيقي العطية فقام بالعمل المطلوب .

الإرادة: يجب أن تتجه إرادة المرتشي إلى ارتكاب الفعل المكون الركن المادي للجريمة بأن يريد أخذ العطية أو قبول الوعد بها أو طلب الوعد أو العطية، وتنتفي هذه الإرادة إذا كان الراشي قد قدم العطية فتسلمها الموظف ثم ردها في الحال، كما تنتفي إذا كان الموظف قد تظاهر بتوافرها لديه بغية إتاحة السبيل للقبض على الراشي متلبساً بالجريمة.

- هل يشترط قصد خاص في الرشوة ؟

ذهب بعض الفقهاء إلى تطلب قصد خاص في جريمة الرشوة يتمثل في نية الاتجار بالوظيفة أو استغلالها، ونحن نرفض هذه الوجهة فالمشرع يكتفي لتحقق القصد بتوافر العلم لدى الموظف بأن العطية تقدم كثمن للاتجار بالوظيفة، يؤيد ذلك حرص المشرع على أن يؤكد هذا المعنى بتقريره معاقبة الموظف بعقوبة الرشوة حتى ولو كان يقصد عدم القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة، أي أن الجريمة تقع سواء توافرت أو لم تتوافر نية الاتجار في أعمال الوظيفة.

- معاصرة القصد الجنائي للركن المادي:

من المقرر أن القصد لا يعتد به في القول بتوافر الجريمة إلا إذا كان معاصراً للنشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة، فتنتفى الجريمة إذا لم يكن القصد متوافراً بعنصريه وقت الأخذ أو القبول أو الطلب، ولا عبرة بتوافره في وقت لاحق على ذلك. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة: 16 )

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 282

الرِّشْوَةُ :

هِيَ جَرِيمَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْقُرْآنِ لقوله تعالي : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)  وَهِيَ فِي الْيَهُودِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ السُّحْتَ مِنَ الرِّشْوَةِ. وَهِيَ كَذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» . وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَتْ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والعشرون ، الصفحة /  219

رِشْوَةٌ

التَّعْرِيفُ:

الرِّشْوَةُ فِي اللُّغَةِ: مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ: الْجُعْلُ، وَمَا يُعْطَى لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ، وَجَمْعُهَا رُشًا وَرِشًا.

قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الرِّشْوَةُ - بِالْكَسْرِ -: مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ لِلْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ.

وَقَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الرِّشْوَةُ: الْوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الرِّشْوَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ رَشَا الْفَرْخُ إِذَا مَدَّ رَأْسَهُ إِلَى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ.

- وَرَاشَاهُ: حَابَاهُ، وَصَانَعَهُ، وَظَاهَرَهُ.

- وَارْتَشَى: أَخَذَ رِشْوَةً، وَيُقَالُ: ارْتَشَى مِنْهُ رِشْوَةً: أَيْ أَخَذَهَا.

- وَتَرَشَّاهُ: لاَيَنَهُ، كَمَا يُصَانَعُ الْحَاكِمُ بِالرِّشْوَةِ

- وَاسْتَرْشَى: طَلَبَ رِشْوَةً

- وَالرَّاشِي: مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ.

- وَالْمُرْتَشِي: الآْخِذُ

- وَالرَّائِشُ: الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا، وَيَسْتَنْقِصُ لِهَذَا.

وَقَدْ تُسَمَّى الرِّشْوَةُ الْبِرْطِيلَ وَجَمْعُهُ بَرَاطِيلُ.

قَالَ الْمُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِرْطِيلِ بِمَعْنَى الرِّشْوَةِ، هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ لاَ؟.

وَفِي الْمَثَلِ: الْبَرَاطِيلُ تَنْصُرُ الأْبَاطِيلَ،.

وَالرِّشْوَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ،.

وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ قُيِّدَ بِمَا أُعْطِيَ لإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، أَوْ إِبْطَالِ الْحَقِّ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْمُصَانَعَةُ:

الْمُصَانَعَةُ: أَنْ تَصْنَعَ لِغَيْرِكَ شَيْئًا لِيَصْنَعَ لَكَ آخَرَ مُقَابِلَهُ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الرِّشْوَةِ، وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ صَانَعَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ.

ب - السُّحْتُ - بِضَمِّ السِّينِ:

أَصْلُهُ مِنَ السَّحْتِ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَهُوَ الإْهْلاَكُ وَالاِسْتِئْصَالُ، وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ؛ لأِنَّهُ يَسْحَتُ الْبَرَكَةَ أَيْ: يُذْهِبُهَا.

وَسُمِّيَتِ الرِّشْوَةُ سُحْتًا،. وَقَدْ سَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ،.

لَكِنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، لأِنَّ السُّحْتَ كُلُّ حَرَامٍ لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ.

ج - الْهَدِيَّةُ:

مَا أَتْحَفْتَ بِهِ غَيْرَكَ، أَوْ مَا بَعَثْتَ بِهِ لِلرَّجُلِ عَلَى سَبِيلِ الإْكْرَامِ، وَالْجَمْعُ هَدَايَا وَهَدَاوَى - وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -

يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وَإِلَيْهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ).

قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْهَدِيَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِاللُّطْفِ، الَّذِي يُهْدِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ.

وَالْمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إِهْدَاءَ الْهَدِيَّةِ.

وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ الرِّشْوَةُ هِيَ: مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْهَدِيَّةُ قَبْلَهُ.

د - الْهِبَةُ:

الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَطِيَّةُ بِلاَ عِوَضٍ.

قَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الْهِبَةُ: الْعَطِيَّةُ الْخَالِيَةُ عَنِ الأْعْوَاضِ وَالأْغْرَاضِ، فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا.

وَاتَّهَبْتُ الْهِبَةَ: قَبِلْتُهَا، وَاسْتَوْهَبْتُهَا: سَأَلْتُهَا، وَتَوَاهَبُوا: وَهَبَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ.

وَاصْطِلاَحًا: إِذَا أُطْلِقَتْ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ حَالَ الْحَيَاةِ بِلاَ عِوَضٍ. وَقَدْ تَكُونُ بِعِوَضٍ فَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهِبَةِ، أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِيصَالاً لِلنَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْعِوَضِ ظَاهِرًا فِي الْهِبَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الرِّشْوَةِ يَنْتَظِرُ النَّفْعَ، وَهُوَ عِوَضٌ.

و - الصَّدَقَةُ:

مَا يُخْرِجُهُ الإْنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ، لَكِنِ الصَّدَقَةُ فِي الأْصْلِ تُقَالُ لِلْمُتَطَوَّعِ بِهِ، وَالزَّكَاةُ لِلْوَاجِبِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْوَاجِبُ صَدَقَةً، إِذَا تَحَرَّى صَاحِبُهَا الصِّدْقَ فِي فِعْلِهِ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالصَّدَقَةِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ طَلَبًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي حِينِ أَنَّ الرِّشْوَةَ تُدْفَعُ لِنَيْلِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلٍ.

أَحْكَامُ الرِّشْوَةِ:

الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَرِشْوَةُ الْمَسْئُولِ عَنْ عَمَلٍ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)، قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرِّشْوَةُ.

وَقَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإْثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَالرَّائِشَ».

وَيَحْرُمُ طَلَبُ الرِّشْوَةِ، وَبَذْلُهَا، وَقَبُولُهَا، كَمَا يَحْرُمُ عَمَلُ الْوَسِيطِ بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.

غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - أَنْ يَدْفَعَ رِشْوَةً لِلْحُصُولِ عَلَى حَقٍّ، أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ أَوْ ضَرَرٍ، وَيَكُونُ الإْثْمُ عَلَى الْمُرْتَشِي دُونَ الرَّاشِي.

قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ.

وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِذَا عَجَزْتَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَاسْتَعَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ زَوْجَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا، بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْكَ؛ لأِنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُكَ بِالأْجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلاَ تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّادِرَ مِنَ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدَ وَالْغَصْبَ عِصْيَانٌ وَمَفْسَدَةٌ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الاِسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ - لاَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ - عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، كَفِدَاءِ الأْسِيرِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَمَا لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ.

فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ، حُرِّمَتْ الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لأِنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لاَ يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ.

وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الأْثَرِ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه  أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا بِدِينَارَيْنِ، حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَقَالَ: إِنَّ الإْثْمَ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ.

وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ.

أَقْسَامُ الرِّشْوَةِ:

قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الرِّشْوَةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا:

أ - الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالإْمَارَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي.

ب - ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.

ج - أَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ.

د - إِعْطَاءُ إِنْسَانٍ غَيْرِ مُوَظَّفٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ مَالاً لِيَقُومَ بِتَحْصِيلِ حَقِّهِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ دَفْعُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَنَةُ الإْنْسَانِ لِلآْخَرِ بِدُونِ مَالٍ وَاجِبَةً، فَأَخْذُ الْمَالِ مُقَابِلَ الْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِمَثَابَةِ أُجْرَةٍ.

حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَشِي:

أ - الإْمَامُ وَالْوُلاَةُ:

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الأْكْبَرِ، وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الأْمْوَالِ - وَيُقْصَدُ بِالْكَرَاهِيَةِ الْحُرْمَةُ.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ.

 وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا، فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً، وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لاَ لِوِلاَيَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلاَيَتِنَا.

يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (إِمَامَة فِقْرَة 28، 29).

ب - الْعُمَّالُ:

وَحُكْمُ الرِّشْوَةِ إِلَى الْعُمَّالِ (الْوُلاَةِ) كَحُكْمِ الرِّشْوَةِ إِلَى الإْمَامِ - كَمَا مَرَّ فِي كَلاَمِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «هَدَايَا الأْمَرَاءِ غُلُولٌ»،. وَلِحَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.

قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ تَعَزُّزَ الأْمِيرِ وَمَنَعَتَهُ بِالْجُنْدِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لاَ بِنَفْسِهِ، فَكَانَتِ الْهَدِيَّةُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَإِذَا اسْتَبَدَّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً، بِخِلاَفِ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأِنَّ تَعَزُّزَهُ وَمَنَعَتَهُ كَانَتْ بِنَفْسِهِ لاَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتِ الْهَدِيَّةُ لَهُ لاَ لِلْمُسْلِمِينَ.

ج - الْقَاضِي:

وَالرِّشْوَةُ إِلَى الْقَاضِي حَرَامٌ بِالإْجْمَاعِ.

قَالَ الْجَصَّاصُ: وَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِ الرِّشَا عَلَى الأْحْكَامِ؛ لأِنَّهُ مِنَ السُّحْتِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَاتَّفَقَتِ الأْمَّةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.

قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ هَدِيَّةً، وَاسْتِعَارَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْهَدِيَّةِ لأِنَّ الْمَنَافِعَ كَالأْعْيَانِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَنَحْوُهُ فَأُهْدِيَ لَهُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالأْوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ، وَفِي الْفُنُونِ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ.

وَهَدِيَّةُ الْقَاضِي فِيهَا تَفْصِيلٌ تُنْظَرُ فِي (هَدِيَّة، قَضَاء).

د - الْمُفْتِي:

يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي قَبُولُ رِشْوَةٍ مِنْ أَحَدٍ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ، وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي، إِنْ كَانَ يَنْشَطُ لِلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لاَ، فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَنْشَطُ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلاَ يَأْخُذُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ، وَالأْحْسَنُ أَنْ لاَ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً.

هـ - الْمُدَرِّسُ:

إِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ فَلاَ بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فَالأْوْلَى عَدَمُ الأْخْذِ.

و - الشَّاهِدُ:

وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّاهِدِ أَخْذُ الرِّشْوَةِ. وَإِذَا أَخَذَهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ.

وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي (شَهَادَة).

حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاشِي:

أ - الْحَاجُّ:

لاَ يَلْزَمُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لأِنَّهَا رِشْوَةٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَحَفِيدُهُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ قُدَامَةَ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ يَدْفَعُ خَفَارَةً إِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصْدِيِّينَ؛ لأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ بِهِ، فَفِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ. قَالَ الإْمَامُ: أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ؛ لأِنَّهُ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ كَالرَّاحِلَةِ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.

ب - صَاحِبُ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ:

يَجُوزُ لِصَاحِبِ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ، وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ فِي خَرَاجِهِ؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ لِيَدَعَ عَنْهُ خَرَاجًا؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ.

ج - الْقَاضِي:

مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَرْشُوَ لِتَحْصِيلِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ تَقَبَّلَ

 

الْقَضَاءَ بِقِبَالَةٍ (عِوَضٍ)، وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلاَيَتُهُ بَاطِلَةٌ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ – رحمه الله: لَوْ بَذَلَ مَالاً لِيَتَوَلَّى الْقَضَاءَ، فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوَلَّ إِلاَّ بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا يَحِلُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا تَعَيَّنَ عَلَى شَخْصٍ تَوَلِّي الْقَضَاءِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسُؤَالِهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ لأِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ، فَيَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا، وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ،.

حُكْمُ الْقَاضِي:

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ.

وَلَكِنْ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي.

قَالَ مُنْلاَ خُسْرَوْ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرِّشْوَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

فَعَلَى قَوْلٍ: أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا أَوِ الَّتِي لَمْ يَرْتَشِ فِيهَا، وَبِأَخْذِ الرِّشْوَةِ لاَ يَبْطُلُ الْحُكْمُ؛ لأِنَّ حَاصِلَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ هُوَ فِسْقُ الْقَاضِي، وَبِمَا أَنَّ فِسْقَ الْقَاضِي لاَ يُوجِبُ انْعِزَالَهُ فَوِلاَيَةُ الْقَاضِي بَاقِيَةٌ، وَإِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بِحَقٍّ يَلْزَمُ نَفَاذُ قَضَائِهِ.

وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ: لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا، قَالَ قَاضِيخَانْ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخَذَ رِشْوَةً وَحَكَمَ فَحُكْمُهُ غَيْرُ نَافِذٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَدِ اسْتُؤْجِرَ لِلْحُكْمِ، وَالاِسْتِئْجَارُ لِلْحُكْمِ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي.

 وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى الَّتِي حَكَمَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ وَالطَّحَاوِيِّ.

انْعِزَالُ الْقَاضِي:

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَمَذْهَبُ الآْخَرِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.

أَثَرُ الرِّشْوَةِ:

أ - فِي التَّعْزِيرِ:

هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا التَّعْزِيرُ.

انْظُرْ: تَعْزِير.

ب - دَعْوَى الرِّشْوَةِ عَلَى الْقَاضِي:

لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ ارْتَشَيْتَ وَنَحْوِهِ بِضَرْبٍ لاَ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَحَبْسٍ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتِ افْتِيَاتُهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ.

ج - فِي الْحُكْمِ بِالرُّشْدِ:

صَرْفُ الْمَالِ فِي مُحَرَّمٍ كَرِشْوَةٍ عَدَمُ صَلاَحٍ لِلدِّينِ وَلِلْمَالِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ بِرُشْدِ الصَّبِيِّ.

د - الْمَالُ الْمَأْخُوذُ:

إِنْ قَبِلَ الرِّشْوَةَ أَوِ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حَرُمَ الْقَبُولُ وَجَبَ رَدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَنْ تَابَ عَنْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ: إِنْ عَلِمَ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها.

(مركز الراية للدراسات القانونية)

شروط الإعفاء من العقوبة :

يشترط للإعفاء من العقوبة عملاً بنص المادة 100 عقوبات :

1- أن يكون الشخص عضواً في إحدى العصابات المنصوص عليها في الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات. ولم يكن له في العتبة رئاسة ولا وظيفة و المقصود بالوظيفة هنا هي الوظيفة القيادية في العصابة بحيث يكون له جزءاً من القيادة تحتم إصداره للأوامر والتزام الأعضاء بتنفيذها. ومن ثم فإنه يتعين الاستفادة الشخص من الإعفاء المقرر هو أن يكون عضواً عادياً في إحدى العصابات المشار إليها ينفصل عنها عند أول تنبيه عليه من السلطات المدنية أو العسكرية.

2- ويستفيد أيضاً الشخص الذي لا يمتثل للتنبيه الأول من السلطات المدنية أو العسكرية ولكن يقبض عليه بعيداً عن مكان الاجتماع الصوري بشرط أن يستسلم بلا مقاومة وأن لا يكون حاملاً سلاحاً وينصرف مدلول السلاح إلي كل سلاح يعاقب على حيازته أو إحرازه قانون الأسلحة والذخائر إلا أن ذلك لا يمنع من عقابه على ما يكون قد ارتكبه شخصيا من جنايات خاصة أخري قبل القبض عليه.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني،  الصفحة:  132)

حددت المادة (100) مجال تطبيقها بأنه العصابات المنصوص عليها في أحكام الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، ويراد بها جرائم الفاعل المتعدد السابق لنا التعرض لها.

وباستعراض هذه الجرائم، يتبين أنها:

(1) جريمة العضوية في عصابة مسلحة حاولت بالقوة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة.

(2) جريمة العضوية في عصابة هاجمت طائفة من السكان أو قاومت بالسلاح رجال السلطة العامة في تنفيذ القوانين.

(3) جريمة العضوية في عصابة مسلحة حاولت بالقوة إحتلال شيء من المباني العامة أو المخصصة لمصالح حكومية أو لمرافق عامة أو المؤسسات ذات نفع عام.

(4) جريمة العضوية في عصابة حاملة للسلاح بقصد إغتصاب أو نهب الأراضي أو الأموال المملوكة للحكومة أو لجماعة من الناس أو مقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة مرتكبي هذه الجنايات.

(5) جريمة العضوية في اتفاق جنائي الغرض منه إرتكاب جريمة محاولة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة بعمل فردي أو بعصابة مسلحة أو جريمة تكوين عصابة تهاجم السكان أو تقاوم بالسلاح السلطة العامة، أو جريمة التخريب دون إستهداف الأضرار بالاقتصاد القومي، أو جريمة إحتلال أو محاولة إحتلال المباني العامة بالقوة، أو جريمة قيادة قوة عسكرية دون تكليف أو رغم الأمر الصادر بتسريحها، أو جريمة العمل على تعطيل أوامر الحكومة من جانب من يمثلها في القوات المسلحة أو البوليس، وجريمة رئاسة أو عضوية عصابة مسلحة للنهب أو لمقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة الناهبين، وجريمة إدارة حركة العصابة المذكورة أو التخابر معها أو معاونتها.

(6) جريمة العضوية في جماعة ترمي إلى سيطرة طبقة إجتماعية على غيرها من الطبقات أو إلى القضاء على طبقة إجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو إلى هدم نظام من النظم الأساسية للهيئة الإجتماعية أو إلى تجنيد شيء من ذلك أو الترويج له حالة كون إستعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظا في ذلك.

(7) جريمة العضوية في جماعة الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم الاشتراكي في الدولة أو الحض على كراهيتها أو الإزدراء بها أو الدعوة ضد تحالف قوى الشعب العاملة أو التحريض على مقاومة السلطة العامة أو تحبيذ أو ترويج شيء من ذلك.

(8) جريمة العضوية في تشكيل ذي صفة دولية أنشيء بغير ترخيص من الحكومة.

المستفيد من الإعفاء: 

حدد القانون المستفيد من الإعفاء بأنه من دخل في زمرة العصابات المذكورة، والدخول في الزمرة معناه الدخول في العضوية أي كون الشخص صار عضواً في العصابة.

ويدخل في معنى العصابة قيام إتفاق جنائي بين أكثر من شخصين، لأن هذا الإتفاق صورة من صور العصابة تتميز بأن عدد الأعضاء فيها أقل نسبياً من عددهم في العصابة المتفق على تشكيلها.

وفي الوقت ذاته تطلب القانون في المستفيد بالاعفاء ألا يكون هو نفسه بالإضافة إلى العضوية في العصابة، ذا رئاسة أو وظيفة فيها، أي قطباً من أقطابها أو عاملاً فعالاً فيها. فيجب أن يكون مجرد عضو، الأمر الذي يعني أن من يساهم في توجيه العصابة أو تنفيذ عملياتها محروم من الاستفادة بالإعفاء.

شروط الإعفاء من العقاب: 

يجب الإعفاء عضو العصابة من العقوبة المستحقة على هذه العضوية، أن يتحقق فيه شرط من الشروط الآتية:

(1) أن ينفصل عن العصابة فور التنبيه عليه من السلطات المدنية أو العسكرية.

(2) أن يتواجد بعد التنبيه عليه من السلطات في مكان بعيد عن أماكن الاجتماع الثوري بغير أن يكون حاملاً سلاحاً، فلا يبدي أية مقاومة عند القبض عليه.

ومعنى ذلك أنه إذا تواجد رغم التنبيه عليه بالانفصال عن العصابة، في مكان من أماكن اجتماعها الثوري، سواء أكانت توجد في هذا المكان إضطرابات راجعة إلى نشاط العصابة أم لم توجد، فلا يعفى من العقاب.

كما لا يعني من العقاب إذا قبض عليه وهو يحمل سلاحاً في مكان بعيد عن تلك الأماكن، أو إذا أبدى مقاومة عند القبض عليه في ذلك المكان.

وإذا استحق الإعفاء من عقوبة العضوية في العصابة تبعاً للقبض عليه دون أن يكون حاملاً سلاحاً ودون أن يقاوم وذلك في مكان بعيد عن مكان اجتماع أفراد العصابة فإنه في هذه الحالة لا يعفي من عقوبة أية جريمة أخرى يكون قد ثبت عليه شخصية أنه إرتكبها قبل القبض عليه. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني،  الصفحة : 237)