الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016،
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 112 سنة 1957 في تبرير تحريم هذا الفعل «أن أحوال التطبيق قد دلت على أنه يكون بمنجاة من العقاب إذا لم تتوفر فيه أركان جريمة أخرى في القانون، وأنه قد رؤي بتحريمه في كل الصور لملاحقة جريمة الرشوة في مهدها الأول» .
(الطعن رقم 1078 لسنة 53 جلسة 1983/05/30 س 34 ص 700 ق 141)
2- انتحال الوظيفة دون القيام بعمل من أعمالها لا يعتبر تداخلاً فيها إلا إذا اقترن بعمل يعد افتئاتاً عليها وهو يتحقق بالاحتيال والمظاهر الخارجية التى يكون من شأنها تدعيم الاعتقاد فى صفة الجاني وكونه صاحب الوظيفة التى انتحلها ولو لم يقم بعمل من أعمالها . وكان من المقرر كذلك أن عناصر الركن المادى لجريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات هى التذرع بالنفوذ الحقيقى أو المزعوم الذى يمثل السند الذى يعتمد عليه الجاني فى أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية إذ يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة فى أنه يستعمل ذلك النفوذ . كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى السلطة العامة مما يجعلها تستجيب لما هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانة رئاسية أم اجتماعية أم سياسية وهو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضى الموضوع . وأن تكون الغاية من هذا التذرع الحصول أو محاولة الحصول من السلطة العامة أو أية جهة خاضعة لإشرافها على مزية أياً كانت شريطة أن تكون المزية المستهدفة ممكنة التحقيق ، فإن كانت غير ممكنة عدت الواقعة نصباً متى توافرت أركانها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة التداخل فى وظيفة عمومية لمجرد انتحاله صفة رئيس نيابة دون أن يستظهر الأعمال الإيجابية التى صدرت من الطاعن والتى تعتبر افتئاتاً على الوظيفة أو يبين ما أتاه الطاعن من احتيال ومظاهر خارجية من شأنها تدعيم الاعتقاد فى صفته وكونه صاحب الوظيفة التى انتحلها ولم يستظهر كذلك عنصرى التذرع بالنفوذ والسبب لجريمة الاتجار بالنفوذ فإنه يكون مشوباً بالقصور الذى يعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم. (الطعن رقم 30615 لسنة 72 جلسة 2003/07/21 س 54 ص 796 ق 105)
3- استهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة استعمال النفوذ الحقيقي أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة، وبذلك تتحقق المساءلة حتى ولو كان النفوذ مزعوماً. والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية، فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات. وذلك على اعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة وإنما ظرف مشدد للعقوبة.
(الطعن رقم 59 لسنة 38 جلسة 1968/02/19 س 19 ع 1 ص 238 ق 43)
4- متى كانت الجريمة التي رفعت بها الدعوى على المتهم وجرت المحاكمة على أساسها هي الجريمة المعاقب عليها بالمادة 106 مكرراً من قانون العقوبات، والخاصة باستغلال النفوذ وهي تختلف فى أركانها وعناصرها القانونية عن جريمة الرشوة - القائمة على الاتجار بالوظيفة - التي دانته المحكمة بها بمقتضى المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات، وكان التغيير الذي أجرته المحكمة فى التهمة على النحو المتقدم ليس مجرد تغيير فى وصف الأفعال المسندة إلى المتهم فى أمر الإحالة مما تملك محكمة الجنايات إجراءه فى حكمها إسباغاً للوصف القانوني الصحيح لتلك الأفعال، وإنما هو فى حقيقته تعديل فى التهمة ذاتها يتضمن إسناد عنصر جديد إلى الواقعة التي وردت فى أمر الإحالة هو الاتجار بالوظيفة على النحو الوارد فى المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات، وهو تغيير لا تملك المحكمة إجراءه إلا فى أثناء المحاكمة وقبل الحكم فى الدعوى ويشترط تنبيه المتهم إليه ومنحه أجلاً لتحضير دفاعه بناء على التعديل الجديد إذا طلب ذلك عملاً بالمادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية.
(الطعن رقم 1606 لسنة 38 جلسة 1968/10/07 س 19 ع 3 ص 807 ق 158)
5- لا جدوى مما يثيره الطاعن من خلو التحقيقات من أى دليل على أنه زعم أن له إختصاصا بالعمل الذى طلب الرشوة من أجله ، ذلك بأن ما أورده الحكم بيانا لواقعة الدعوى تتوافر به عناصر الجريمة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و لئن أخطأ الحكم فى تطبيقه المادتين 103 ، 103 مكرراً من قانون العقوبات على واقعة الدعوى ، إلا أن العقوبة التى قضى بها تدخل فى نطاق العقوبة المقررة للجريمة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فيما يثيره فى هذا الشأن .
(الطعن رقم 1704 لسنة 39 جلسة 1971/11/01 س 21 ع 1 ص 49 ق 11)
6- إستهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و على ما جرى به قضاء محكمة النقض ، التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعزم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة ، و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً ، و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية ، فإن كان موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات ، و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً من القانون المذكور ، و إذ كان ما تقدم و كان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .
(الطعن رقم 1131 لسنة 40 جلسة 1970/10/26 س 21 ع 3 ص 1020 ق 244)
7- إن الشارع قد إستهدف بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أيه سلطة عامة - و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً . و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية . فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات ، و ذلك على إعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة و إنما ظرف مشدد للعقوبة .
(الطعن رقم 209 لسنة 58 جلسة 1988/12/06 س 39 ع 1 ص 1227 ق 190)
8- عناصر الركن المادى للواقعة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات الخاصة بإستعمال نفوذ حقيقى أو مزعوم للحصول أو محاولة الحصول على حكم أو قرار ، هو التذرع بالنفوذ الحقيقى أو المزعوم الذى يمثل السند الذى يعتمد عليه الجاني فى أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية فهو يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة فى أن يستعمل ذلك النفوذ . كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى السلطة العامة مما يجعلها تستجب لما هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانه رياسية أو إجتماعية أو سياسية و هو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضى الموضوع.
(الطعن رقم 3286 لسنة 54 جلسة 1985/11/21 س 36 ص 1035 ق 189)
1- الأصل فى قواعد التفسير أن الشارع إذا ما أورد مصطلحاً معيناً فى نص ما لمعنى معين وجب صرفه لهذا المعنى فى كل نص آخر يرد فيه. ويؤخذ من وضوح عبارة المادة 109 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات وما كشفت عنه الأعمال التشريعية لهذه المادة، وإيرادها مع مثيلاتها فى باب بذاته من الكتاب الثاني - وهو الباب الثالث الخاص بالرشوة إنه وإن كانت الجريمة المستحدثة ذات كيان خاص، يغاير جريمة الوسيط فى الرشوة المنصوص عليها فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات إلا أنه وقد قرن الشارع الأفعال المادية المكونة لها بجريمة الرشوة فإنه يلزم لقيام تلك الجريمة المستحدثة أن يأتي الجاني فعله فى المهد الأول للرشوة وهو عليم بوجود حقيقي لموظف عام أو من فى حكمه، وبوجود عمل حقيقي أو مزعوم أو مبني على اعتقاد خاطئ لهذا الموظف يراد منه أداؤه أو الامتناع عنه، وبوجود حقيقي لصاحب حاجة لهذا العمل، ويلزم فوق ذلك أن تكون إرادة الجاني على هذا الأساس قد اتجهت فى الحقيقة وليس بمجرد الزعم إلى إتيان فعل عرض الرشوة أو قبول الوساطة فيها، ذلك بأنه لو أراد الشارع مد التأثيم فى هذه الجريمة إلى مجرد الزعم، لعمد إلى الإفصاح عن ذلك فى صراحة - على غرار سنته فى المادة 104 مكرراً من تأثيم زعم الموظف أن العمل من أعمال وظيفته وليس يجوز القياس أو التوسع فى التفسير، لأنه فى مجال التأثيم محظور. لما كان ذلك، وكان الأمر المطعون فيه - الصادر من مستشار الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قد أثبت بما أورده من أدلة سائغة أن قصد المطعون ضدهما لم يتصرف البتة إلى الاتصال بالطرف الآخر المزمع إرشائه وأنهما إنما قصدا الاستئثار بالمبلغ لنفسيهما، بما ينتفي معه - فى صورة الدعوى - الركن المعنوي للجريمة المنصوص عليها فى المادة 109 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات، فإن الأمر المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون.
(الطعن رقم 247 لسنة 43 جلسة 1973/11/11 س 24 ع 3 ص 929 ق 192)
2- لما كان الحكم قد عرض لطلب الطاعن الأول إعمال حكم المادة 109 مكرراً ثانياً فى حقه و رد عليه فى قوله " ... فإنه واضح من عبارة المادة 109 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات و ما كشفت عنه الأعمال التشريعية لهذه المادة أن المشرع هدف بهذه المادة المستحدثة على مجرد عرض الوساطة فى الرشوة أو قبول هذه الوساطة وأن يقف الأمر عند هذا الحد دون أن يصل الأمر إلى إسهامه فى عرض الرشوة ، و واضح أن عرض الوساطة غير عرض الرشوة و الثابت فى حق المتهم أنه قام بعرض الرشوة و لم يقف أمره عند حد عرض الوساطة " و إذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً و سائغاً فى إطراح هذا الدفاع فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد يكون غير قويم .
(الطعن رقم 2352 لسنة 52 جلسة 1983/01/04 س 34 ص 36 ق 4)
3- جريمة عرض الوساطة فى رشوة - المنصوص عليها فى المادة 109 مكرراً ثانيا من قانون العقوبات والتي تتحقق بتقدم الجاني إلى صاحب الحاجة عارضا عليه التوسط لمصلحته لدى الغير فى الارتشاء بمعنى أن عرض الوساطة يأتي من تلقاء نفس العارض وأن هذه الجريمة بهذا الحسبان ذات كيان خاص يغاير جريمة الوسيط فى الرشوة والمنصوص عليها فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات والتي تعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي فى جريمة الرشوة التي تنعقد بالاتفاق الذي يتم بين الراشي والمرتشي ولا يتبقى بعد ذلك إلا إقامة الدليل على هذا الاتفاق وتنفيذ مقتضاه بتسليم المبلغ ومن ثم يكون الوسيط فى الجريمة الأخيرة عاملا من جانب الراشي أو المرتشي وإزاء اختلاف طبيعة الفعل المكون لكل من الجريمتين المشار إليهما فلقد كان لزاما على محكمة الجنايات قبل تعديلها التهمة المسندة إلى الطاعن من جريمة التوسط بين المبلغ ومتهم آخر فى طلب الرشوة - إلى جريمة عرض الوساطة فيها على المبلغ وإدانته بالوصف الجديد - أن تلفت نظر الدفاع إلى هذا التعديل فى التهمة والذي يتضمن تغييرا فى كيانها المادي أما وهي لم تفعل فإن حكمها وفق الوصف الجديد يكون باطلا للإخلال بحق الدفاع.
(الطعن رقم 10554 لسنة 61 جلسة 2000/02/08 س 51 ص 139 ق 24)
4- لما كان المشرع قد تغيا من الجريمة المنصوص عليها فى المادة 109 مكرراً ثانياً - المطبقة فى الدعوى - تجريم الأفعال التى لا تجاوز عرض أو قبول الوساطة فى رشوة و التى لا تبلغ حد الإشتراك فى رشوة أو فى شروع فيها و التى لا يؤثمها نص آخر ، و ذلك للقضاء على سماسرة الرشوة و دعاتها ، إلا أنه و قد قرن الشارع الأفعال المادية المكونة لها بجريمة الرشوة بقوله " كل من عرض أو قبل الوساطة فى رشوة ، فإنه لا قيام لهذه الجريمة المستحدثة إلا إذا كان عرض الوساطة أو قبولها إنما كان فى جريمة من جرائم الرشوة التى إنتظمها و حدد عناصرها و مقوماتها الباب الثالث من الكتاب الثانى من قانون العقوبات الخاص بالرشوة ، ما دام أن مدلول النص هو الإحالة بالضرورة - فى بيان المقصود بالرشوة و فى تحديد الأركان التى يلزم تحقيقها لقيام أى جريمة منها - إلى أحكام المادة 103 و ما يعادلها من هذا القانون . لما كان ذلك ، فقد لزم لقيام تلك الجريمة المستحدثة أن يأتى الجاني فعله فى المهد الأول للرشوة و هو عليم بوجود حقيقى لموظف عام أو من فى حكمه ، و بوجود عمل حقيقى أو مزعوم أو مبنى على إعتقاد خاطئ لهذا الموظف يراد منه أداؤه أو الإمتناع عنه ، و بوجود حقيقى لصاحب حاجة لهذا العمل و يلزم فوق ذلك أن تكون إرادة الجاني - على هذا الأساس - قد إتجهت فى الحقيقة و ليس بمجرد الزعم إلى إتيان فعل عرض الرشوة أو قبول الوساطة فيها ، ذلك بأنه لو أراد الشارع من التأثيم فى هذه الجريمة إلى مجرد الزعم ، لعمد إلى الإفصاح عن ذلك فى صراحة ، على غرار سنته فى المادة 104 مكرراً من تأثيمه زعم الموظف أن العمل من أعمال وظيفته ، و ليس يجوز القياس أو التوسع فى التفسير ، لأنه فى مجال التأثيم المحظور ، لما كان ذلك ، و كان الدفاع المبدى من الطاعنين و المؤسس على أن قصدهما لم ينصرف البتة إلى الإتصال بالطرف الآخر المزمع إرشائه فى شأنه لو صح أن يؤدى إلى إنتفاء القصد الجنائي للجريمة . و كان الحكم المطعون فيه لم يقسط هذا الدفاع الجوهرى حقه فى البحث فإنه يكون مشوباً بالقصور الذى يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى كما صار إثباتها فى الحكم ، مما يعيبه و يوجب نقضه و الإحالة.
(الطعن رقم 1770 لسنة 53 جلسة 1983/11/29 س 34 ص 1006 ق 202)
5- يستوى لتكامل أركان جريمة الرشوة أن يكون دفع مبلغ الرشوة قد تم مباشرة إلى المجنى عليه أو عن طريق وسيط .
(الطعن رقم 2144 لسنة 36 جلسة 1967/04/25 س 18 ع 2 ص 581 ق 114)
6- تتحقق جريمة عرض الوساطة فى الرشوة بتقديم الجاني إلى صاحب الحاجة عارضاً عليه التوسط لمصلحته لدى الغير فى الارتشاء.
الطعن رقم 59 لسنة 38 جلسة 1968/02/19 س 19 ع 1 ص 238 ق 43)
7- لا يشترط القانون لتحقيق جريمة الرشوة أن يكون صاحب الحاجة قد عرض الرشوة على الموظف العمومي بالقول الصريح بل يكفي أن يكون قد قام بفعل الإعطاء أو العرض دون أن يتحدث مع الموظف ما دام قصده من هذا الإعطاء أو العرض - وهو شراء ذمة الموظف - واضحاً من ملابسات الدعوى وقرائن الأحوال فيها، ومن ثم فإنه لا جدوى للطاعن فيما يثيره فى شأن التفات الحكم عن الرد على دفاعه القائم على عجزه عن سماع حديث الضابط إليه وما تقدم به من مستندات تأييداً له .
(الطعن رقم 802 لسنة 43 جلسة 1973/11/26 س 24 ع 3 ص 1085 ق 223)
8- لا تقوم للجريمة المستحدثة المنصوص عليها فى المادة 109 مكرراً ثانياً قائمة إلا إذا كان عرض أو قبول الوساطة فى جريمة من جرائم الرشوة التى إنتظمها و حدد عناصرها و مقوماتها باب الرشوة طالما أن مدلول النص بالإحالة بالضرورة فى بيان المقصود من الرشوة أن يكون الموظف العام أو من فى حكمه أو المستخدم فى المشروعات العامة أو الخاصة - مختصاً بالعمل الذى وقع الإرتشاء مقابل تحقيقه أو الإمتناع عنه ، إختصاصاً حقيقاً أو مزعوماً أو مبنياً على إعتقاد خاطئ منه ، فإنه يجب أن يتحقق هذا الشرط إبتداء و بالصورة المتقدمة فى جانب الموظف ، المنوط به العمل الذى عرض أو قبل الجاني الوساطة فى شأنه - و من ثم فإن الجريمة المذكورة لا تقوم من جانب العارض - أو القابل للوساطة إلا إذ كان ثمة عمل يدخل أصلاً فى إختصاص الموظف المعلوم الذى عرض أو قبل الجاني الوساطة فى رشوته - إختصاصاً حقيقياً أو مزعوماً أو مبنياً على إعتقاد خاطئ منه بالذات و بالقدر المنصوص عليه فى المادة 103 و ما بعدها من قانون العقوبات - و ذلك بصرف النظر عما يزعمه أو يعتقده الوسيط فى هذا الخصوص إذ لا أثر لزعمه أو إعتقاده الشخصى على عناصر جريمة الرشوة .
(الطعن رقم 528 لسنة 37 جلسة 1967/06/26 س 18 ع 2 ص 869 ق 175)
الجريمة المشار في المادة محل التعليق تقابل في صدرها جريمة عرض الرشوة التي لم تقبل ولذا فهي تتطلب نشاطاً مادياً من جانب الجاني تمثل في تقدمه لصاحب المصلحة عارضاً إليه الوساطة في الرشوة والصورة الأخرى أن عرض عليه صاحب المصلحة تلك الوساطة فقبلها ووقف النشاط عند هذا الحد في الصورتين. لأن عرض الوساطة أو قبولها لا يكون إلا في صورة رشوة الموظف أو من في حكمه فلا بد أن تكون هناك صورة من أحد الصور التي توافر للمرتشی.
على أنه يشترط أن يكون الموظف الذي عرضت أو قبلت الوساطة في رشوته مختصاً اختصاصاً حقيقياً أو مزعوماً أو معتقداً خطأ اختصاصه بالعمل التي يراد بالوساطة في الرشوة أن يؤديه وإعمالاً للنص فإن العقوبة تختلف بها الصفة الفاعل من جهة وتبعاً لصفة الشخص الذي اقترح أو قبل التوسط في رشوته من جهة أخرى. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة : 255)
يجرم المشرع في هذا النص فعلي عرض الوساطة في الرشوة وقبول هذه الوساطة. ولم يجعل المشرع من صفة الجاني كموظف عام ركناً في الجريمة، ولكن جعلها ظرفاً مشدداً مما يعني أن الجريمة في صورتها البسيطة قد يرتكبها أي شخص.
علة التجريم:
علة تجريم عرض أو قبول الوساطة في الرشوة أنها تتضمن تسهيلاً لرشوة إحتمالية والجاني يسهم بذلك في إزالة عقبة كانت تعترض هذه الرشوة ويعمل على التعارف والتقريب ما بين الراشي والمرتشي، وفي تعبير آخر، فإن الشارع يريد بهذا النص أن يقضي على سماسرة الرشوة مقدراً أن مجرد وجودهم ينطوي على إخلال بالثقة في الوظيفة العامة.
أركان جريمة عرض أو قبول الوساطة في الرشوة :
تفترض هذه الجريمة رشوة إحتمالية وتتطلب ركناً مادياً يقوم بفعل عرض أو قبول، وركناً معنوياً يتخذ صورة القصد، وتفترض في النهاية ركناً سلبياً هو انتفاء صفة الشريك لدى المتهم.
فالرشوة الاحتمالية هي المفترض الأساسي لتصور هذه الجريمة فالجاني قد تصور مشروع الرشوة وتصور العمل الوظيفي المطلوب والموظف المختص به صاحب الحاجة إليه، والفرض أن لجميع هذه العناصر وجوداً حقيقياً وذلك هو أحد أركان جريمة عرض أو قبول الوساطة في الرشوة.
الركن المادي:
ويقوم الركن المادي للجريمة بأحد فعلين : عرض الوساطة في الرشوة وقبول هذه الوساطة، والعرض بمعنى إيجاب المتهم على نفسه السعی کوسيط في الرشوة وهو يتحقق في العمل بتقديم الجاني إلى صاحب الحاجة عارضا عليه التوسط المصلحته لدى الغير في الارتشاء" وتقع الجريمة التامة ولو لم يصادف ذلك العرض قبولا من صاحب الحاجة، أما قبول الوساطة في الرشوة وهو الصورة الثانية للركن المادي "فيعني إجابة الوسيط لطلب أحد طرفي الرشوة لكي يعرفه بالطرف الآخر فيمهد ذلك لإتمام الرشوة، ومؤدى ذلك أنه سواء أن يكون الطلب إلى الوسيط من قبل صاحب الحاجة" وهو الأغلب حدوثاً في العمل الذي يريد الإرشاء أو من قبل الموظف الذي يريد الارتشاء.
الركن المعنوي:
وتتطلب الجريمة ركناً معنوياً يتخذ صورة القصد ، وأهم عناصره علم الوسيط بتوافر عناصر الرشوة الاحتمالية، أي علمه بوجود عمل وظيفي يهم صاحب حاجة ووجود موظف مختص به، واتجاه إرادته إلى إتيان فعل العرض أو القبول، وإستهدافه بذلك إتمام الرشوة المحتملة وتتطلب هذه الجريمة ركناً سلبياً وهذا الركن یعنی عدم توافر عناصر الاشتراك بالنسبة للوسيط، وتطلب هذا الركن يفرضه المنطق القانوني إذ لو توافرت هذه العناصر لما قامت الحاجة على وضع هذا النص والأمكن توقيع العقاب عليه كشريك استنادا إلى المادتين (41، 107 مكرراً) من قانون العقوبات، وتطلب هذا الركن مستخلص كذلك من عبارات النص وخاصة التحفظ الوارد في صدرها من أن توقيع العقاب عليه مشروط بعدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضي بها قانون العقوبات أو أي قانون آخر ومن أن جريمته تفترض أنه لم يتعد عمله العرض أو القبول.
عقوبة عرض أو قبول الوساطة في الرشوة:
تدرج المشرع في عقوبة هذه الجريمة على مراحل ثلاث :
فالجريمة في أبسط صورها معاقب عليها بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد عن خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وتفترض الجريمة في هذه الصورة أن مرتكبها فرد عادی، فهو ليس موظفاً أو شخصاً في حكمه، وتفترض كذلك أن العرض لغير موظف أي لمستخدم في مشروع خاص سواء أكان من أولئك الذين نصت عليهم المادة (106) من قانون العقوبات أو من أولئك الذين نصت عليهم المادة (106 مكرراً) من قانون العقوبات.
ويقرر الشارع لهذه الجريمة العقوبة المنصوص عليها في المادة (104) من قانون العقوبات أي الأشغال الشاقة المؤبدة وضعف الغرامة المقررة للرشوة البسيطة إذا وقع الفعل من موظف عام.
وينص الشارع على عقوبة متوسطة هي المنصوص عليها في المادة (105 مكرراً) من قانون العقوبات - أي السجن والغرامة التي لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه إذا كان قصد الجاني التوسط لدى موظف عام والفرض في هذه الحالة أن المتهم فرد عادی إذ لو كان موظفاً عاماً لوقعت العقوبة المشددة التي نصت عليها المادة (104) من قانون العقوبات.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 368)
تمثل الركن المادي في هذه الجريمة في إحدى صورتين :
(1) عرض الوساطة.
(2) قبول الوساطة .
عرض الوساطة
يتحقق ذلك بتقدم الجاني من تلقاء نفسه إلى صاحب الحاجة، أو إلى الموظف العام، أو إلى المستخدم في المشروع الخاص عارضاً عليه التوسط لمصلحته لدى الغير في الإرشاء. ويكفي لوقوع هذه الجريمة أن يتقدم الجاني بهذا العرض ولو لم يصادفه قبول من الطرف الآخر، إذ تم الجريمة وتنتهي بمجرد هذا العرض، ولا يجديه بعد ذلك أن يعدل عن عرضه؛ لأن هذا العدول لا يعدو أن يكون محاولة لمحو آثار الجريمة دون أن يؤثر في سبق وقوعها. وهذه الجريمة تغایر رکنها المادي جريمة الوسيط في الرشوة المنصوص عليها في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات والتي تعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي في جريمة الرشوة التي تنعقد بمجرد الاتفاق الذي يتم بين الراشي والمرتشي، فيكون الوسيط شريكاً بالاتفاق مع أحدهما أو مع الاثنين وعلى ذلك إذا ثبت أن المعروض عليه الرشوة تمد قبلها وقعت جريمة الرشوة، ويعد الوسيط شريكاً فيها ويحق له الاستفادة من تطبيق المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات بشأن الإعفاء من العقاب، إذا توافرت شروطها.
ويفترض عرض الوساطة وجود الطرفين اللذين سيتوسط بينهما الجاني، فإذا زعم أنه وسيط لموظف عام غير حقيقي ولا وجود له أو عرض على أحد الأفراد التوسط لمصلحته لدى هذا الموظف الوهمي - فإن الجريمة لم تقع.
وعلة ذلك أن الوساطة تفترض وجود طرفين يريد الوسيط أن يقرب بينهما. فإذا استخلصت المحكمة من الواقعة أنها تندرج تحت وصف النصب والشروع فيه وليس الوساطة في الرشوة ودانه به عن هذا الفعل فإن حكمها يكون صحيحاً مادامت لم تسند إلى المتهم أي فعل جديد، بل استبعدت بعض الأفعال مما أسند إليه لعدم ثبوتها في حقه ثم وصفت الأفعال الباقية بوصف النصب الذي يتفق معها - فإن حكمها يكون صحيحاً.
قبول الوساطة
قد يعرض أحد الطرفين على الجاني أن يتوسط باسمه لدى الطرف الآخر لإتمام الرشوة، فيقبل الوسيط، وفي هذه الحالة تقع الجريمة بمجرد هذا القبول ولو لم يتبعه الوسيط بنشاط إجرامي آخر. ويشترط في هذا القبول أن يصادف عرضاً جدياً بالتوسط، فإن كان المقصود منه الإيقاع بالوسيط فلا تقع الجريمة.
الركن المادي:
ويجب تحديد الركن المادي لعرض الوساطة أو قبولها في ضوء التنظيم القانوني لجريمة الرشوة .
فإذا وقعت الرشوة على موظف عام أو قبلت الوساطة لديه وجب أن يكون هذا الموظف مختصاً بالعمل أو الامتناع الذي يراد التوسط للرشوة من أجله، أو أن يكون قد زعم الاختصاص أو اعتقد خطأ بتوافره.
ولا يتطلب القانون لقيام الجريمة عنصراً يضاف إلى عرض الوساطة أو قبولها على النحو المذكور على أنه يشترط أن يكون التوسط المذكور لارتكاب جريمة الرشوة بمعناها الدقيق، فلا جريمة على من يعرض الوساطة أو يقبلها لحمل الموظف على الاستجابة لرجاء أو وساطة أو توصية وفقاً للمادة 105 مكرراً عقوبات.
الركن المعنوي :
هذه جريمة عمدية يتعين فيها توافر القصد الجنائي العام، وذلك باتجاه إرادة الجاني إلى عرض الوساطة أو قبولها مع علمه بأن هذا التوسط (عرضاً أو قبولاً) هو مقابل الإتجار بالوظيفة (العامة أو الخاصة على حسب الأحوال) وفقاً للمعنى السابق بيانه. فلا يتوافر القصد الجنائي ما لم تكن إرادة الجاني قد اتجهت في الحقيقة وليس مجرد الزعم إلى إتيان فعل عرض أو قبول الوساطة فى رشوة، وذلك بأنه لو أراد الشارع مد التأثيم في هذه الجريمة إلى مجرد الزعم لعمد إلى الإفصاح عن ذلك في صراحة، على غرار نهجه في المادة 104 مكرراً من قانون العقوبات من تحريمه زعم الموظف أن العمل من أعمال وظيفته، ولا يجوز القياس أو التوسع في التفسير، لأنه محظور في مجال التجريم والعقاب.
العقوبة المقررة لهذه الجريمة هي الحبس مدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين.
وقد نص القانون على أنه يعد ظرفا مشدداً في الجريمة أن يكون الجاني موظفاً عاما أو أن يكون المراد التوسط لديه موظفاً عاماً.
وقد كان القانون ينص على أنه متى توافر الظرف المشدد المذكور تكون العقوبة الحبس وغرامة لا تزيد على ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين، ثم جاء القانون رقم 120 لسنة 1962 وميز بين ما إذا كان الجاني موظفاً عاماً أو كان المراد التوسط لديه موظفاً عاماً، وعقابه في الحالة الأولى بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 104، وهي السجن المؤبد وضعف الغرامة المذكورة في المادة 103.
ويلاحظ أنه في هذه الحالة لا محل لتطبيق الحد الأقصى لعقوبة الغرامة، وهو قيمة الرشوة التي أعطيت أو وعد بإعطائها، طالما أن هذه الجريمة لا تفترض وقوع شيء من هذا القبيل. أما في الحالة الثانية فإن الجاني يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 105 مكرراً، وهي السجن وغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه .(الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة : 426 )
جريمة عرض أو قبول الوساطة في الرشوة
تمهيد : نص الشارع على هذه الجريمة في المادة 109 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات في قوله « مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضي بها قانون العقوبات أو أى قانون آخر يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من عرض أو قبل الوساطة في رشوة ولم يتعد عمله العرض أو القبول . فإذا وقع ذلك من موظف عمومی فيعاقب الجاني بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 104 . وإذا كان ذلك بقصد الوساطة لدى موظف عمومي يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 105 مكرراً ». يجرم الشارع في هذا النص فعلى عرض الوساطة في الرشوة وقبول هذه الوساطة . ولم يجعل الشارع من صفة الجاني كموظف عام ركنا في هذه الجريمة ، ولكنه جعلها ظرفاً مشدداً، مما يعني أن الجريمة في صورتها البسيطة قد يرتكبها أي شخص.
علة التجريم: علة تجريم عرض أو قبول الوساطة في الرشوة أنها تتضمن تسهيلاً لرشوة إحتمالية ، والجاني يسهم بذلك في إزالة عقبة كانت تعترض هذه الرشوة ، ويعمل على التعارف والتقريب ما بين الراشي والمرتشي؛ وفي تعبير آخر ، فإن الشارع يريد بهذا النص أن يقضي على « سماسرة الرشوة »، مقدراً أن مجرد وجودهم ينطوي على إخلال بالثقة في الوظيفة العامة .
أركان جريمة عرض أو قبول الوساطة في الرشوة تفترض هذه الجريمة رشوة إحتمالية، وتتطلب ركنا ماديا يقوم بفعل عرض أو قبول ، وركناً معنوياً يتخذ صورة القصد وتفترض في النهاية ركناً سلبياً هو انتفاء صفة الشريك لدى المتهم.
فالرشوة الإحتمالية هي المفترض الأساسي لتصور هذه الجريمة . فالجاني قد تصور مشروع رشوة ، وتصور العمل الوظيفي المطلوب والموظف المختص به وصاحب الحاجة إليه ، والفرض أن لجميع هذه العناصر وجوداً حقيقياً، وذلك هو أحد أركان جريمة عرض أو قبول الوساطة في الرشوة.
ويقوم الركن المادي للجريمة بأحد فعلين : عرض الوساطة في الرشوة ، وقبول هذه الوساطة . والعرض يعنى إيجاب المتهم على نفسه السعي كوسيط في الرشوة ، وهو يتحقق في العمل « بتقدم الجاني إلى صاحب الحاجة عارضا عليه التوسط لمصلحته لدى الغير في الارتشاء، وتقع الجريمة تامة ، ولو لم يصادف ذلك العرض قبولا من صاحب الحاجة . أما قبول الوساطة في الرشوة (وهو الصورة الثانية للركن المادي) فيعنی إستجابة الوسيط لطلب أحد طرفي الرشوة لكي يعرفه بالطرف الآخر ، فيمهد ذلك لإتمام الرشوة ، ومؤدى ذلك أنه سواء أن يكون الطلب إلى الوسيط من قبل صاحب الحاجة (وهو الأغلب حدوثاً في العمل الذي يريد الإرشاء ، أو من قبل الموظف الذي يريد الارتشاء . واقتصار التجريم على فعلى عرض الوساطة وقبولها يعني أنه يخرج من نطاقه « طلب الوساطة » من قبل صاحب الحاجة إذا لم يصادف قبولاً من الوسيط . أما طلب الوساطة من قبل الموظف فهو - في اعتقادنا - رشوة تامة .
وتتطلب الجريمة ركناً معنوياً يتخذ صورة القصد ، وأهم عناصره علم الوسيط بتوافر عناصر الرشوة الاحتمالية ، أي علمه بوجود عمل وظيفي يهم صاحب حاجة ووجود موظف مختص به ، وإتجاه إرادته إلى إتيان فعل العرض أو القبول ، وكلاهما ذو كيان إرادي ، واستهدافه بذلك إتمام الرشوة المحتملة . وتتطلب هذه الجريمة ركناً سلبياً وهذا الركن يعنی عدم توافر عناصر الإشتراك بالنسبة للوسيط . وتطلب هذا الركن يفرضه المنطق القانوني ، إذ لو توافرت هذه العناصر لما قامت الحاجة إلى وضع هذا النص ، ولأمكن توقيع العقاب عليه كشريك استناداً إلى المادتين 41 ، 107 مكرراً من قانون العقوبات ، وتطلب هذا الركن مستخلص كذلك من عبارات النص المادة 109 مكرراً ثانياً) ، وخاصة التحفظ الوارد في صدرها من أن توقيع العقاب عليه مشروط « بعدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضى بها قانون العقوبات أو أي قانون آخر » ، ومن أن جريمته تفترض انه (لم يتعد عمله العرض أو القبول » . وانتفاء الإشتراك مستخلص من أن نسر الوسيط قد وقف عند حد « العرض أو القبول » ، فلم يجاوز ذلك إلى إتيان نشاط يوصف بأنه « مساعدة » على الرشوة ، فهو لم يعرف بعد کلا عن مصر في الرشوة بالآخر ، وتبعاً لذلك فإن الرشوة أو الشروع فيها لم يتحقق ، ويعني ذلك أن الإشتراك في الرشوة يفتقد ركنين : الركن المادي في صورة (المساعدة »، والركن الشرعي في صورة تخلف « النشاط الإجرامي الأصلي » الذي ينصرف الإشتراك إليه .
عقوبة جريمة عرض أو قبول الوساطة في الرشوة تدرج الشارع في عقوبة هذه الجريمة على مراحل ثلاث :
فالجريمة في أبسط صورها معاقب عليها بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين . وتفترض الجريمة في هذه الصورة أن مرتكبها فرد عادي، فهو ليس موظفاً أو شخصاً في حكمه ، وتفترض كذلك أن العرض لغير موظف ، أي تستخدم في مشروع خاص ، سواء أكان من أولئك الذين نصت عليهم المادة 106 من قانون العقوبات أو من أولئك الذين نصت عليهم المادة 106 مكرراً (أ) من قانون العقوبات .
ويقرر الشارع لهذه الجريمة العقوبة المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات ، أي السجن المؤبد وضعف الغرامة المقررة للرشوة البسيطة إذا وقع الفعل من موظف عام ، ونعتقد إزاء إطلاق النص أنه سواء أن يستهدف الوساطة لدى موظف آخر أو لدى مستخدم في مشروع خاص .
وينص الشارع على عقوبة متوسطة هي المنصوص عليها في المادة 105 مکررا من قانون العقوبات - أي السجن والغرامة التي لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه - إذا كان قصد الجاني التوسط لدى موظف عام ، والفرض في هذه الحالة أن المتهم فرد عادي ، إذا لو كان موظفاً عاماً لوقعت العقوبة المشددة التي نصت عليها المادة 104 من قانون العقوبات. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة 81)
العناصر المقررة للجريمة :
1- السلوك الإجرامي : يقوم الركن المادي في الجريمة بارتكاب الجاني لسلوك يأخذ صورة العرض أو قبول الوساطة.
والمقصود بعرض الوساطة أن يقوم الجاني بالتعبير عن إرادته في التوسط لدى صاحب الشأن لحصول الموظف على فائدة نظير القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة وإما لعرض الرشوة على الموظف ليقوم بالعمل المطلوب لمصلحة الراشي ومعنى ذلك أن عرض الوساطة قي يكون على الموظف كما قد يكون على الطرف الآخر صاحب الوساطة قد يكون على الموظف كما على الطرف الآخر صاحب المصلحة . ذلك أن الوساطة قد تكون لصالح المرتشي وقد تكون لصالح الراشي.
وتقوم الجريمة بعرض الوساطة سواء لدى الموظف أو لدى صاحب الشأن ، حتى ولو قام الموظف أو صاحب الشأن من وراء الوسيط بالاتفاق على الرشوة بعد ذلك دون علم من عرض الوساطة .
ويجب أن يكون موضوع العرض هو الوساطة في الرشوة وليست الرشوة ذاتها ، فلو قام الشخص بعرض الرشوة ذاتها على الموظف فانه يرتكب جريمة عرض رشوة لم تقبل منه . كذلك لو طلب الرشوة من صاحب المصلحة بناء على اتفاق سابق بينه الموظف فإنه يكون شريكاً في جريمة رشوة تامة وقعت بالطلب ويعاقب كوسيط فيها . أما إذا ق ام الشخص بطلب مبلغ من المال من صاحب لمصلحة ليعرضه على الموظف إلا أنه لم يقم بذلك فيعتبر مرتكباً لجريمة عرض الوساطة أو قبولها.
أما القبول فيكون بموافقة الجاني على عرض الوساطة سواء أكان العارض هو الموظف العمومي أو كان صاحب المصلحة . ومثال ذلك أن يعرض موظف على شخص آخر التوسط في الحصول على رشوة للقيام بعمل معين لصالح الشان ، أو أن يعرض هذا الأخير على آخر التوسط لدى الموظف العمومي لقبول رشوة للقيام بعمل أو للامتناع عنه.
2- يجب لتوافر الجريمة إلا يتعدى عمل الجاني فعل العرض أو القبول . ومعنى ذلك أنه يلزم إلا يكون العرض أو قبول الوساطة قد ت م بناء عنه ارتكاب جريمة الرشوة . فلو وقعت الجريمة بناء على فعل من الوسيط قام به تنفيذا لعرض أو القبول فأنه يعاقب كوسيط في الجريمة التي تمت وليس بناء على نص المادة 109 مكرراً ثانياً.
ونخلص من ذلك إلى أن الجريمة التي نحن بصددها تشترط إلا تكون هناك جريمة رشوة أو عرض رشوة قد تمت . فإذا كانت قو وقعت ولكن ليس بناء على فعل لاحق من الجاني يعتبر به شريكاً فيها فيعاقب الجاني على مجرد عرض الوساطة أو قبولها . ولا يمكن عقابه كشريك لان فعل العرض أو القبول لم تكن له فاعلية سببية بالنسبة لوقوع جريمة الرشوة التي هي عنصر لازم للعقاب على المساهمة الجنائية المتمثلة في الوساطة. ومثال ذلك ما سبق ذكره كحالة اتفاق الموظف وصاحب المصلحة من وراء من عرض الوساطة أو قبولها ودون علمه.
ويستوي بعد ذلك أن يكون العرض قد قبل أم لا، طالما أن فعل الجاني لم يتعد العرض .
- أن يتوافر لدى الجاني القصد الجنائي بمعنى أن يعلم بمضمون فعله والنتيجة المترتبة عليه وأن يريد هذا الفعل ونتيجته . ولا يؤثر في قيام الجريمة عدول الجاني عن التوسط بعد أن قبله أو عرضه،لأن الجريمة تتم بمجرد العرض أو القبول .
- العقوبة المقررة للجريمة :
العقوبة المقررة للجريمة تختلف باختلاف ما إذا كان الجاني موظفاً عمومياً أو فرداً لا يملك الصفة .
أولاً : إذا كان الجاني غير موظف عمومي:
تكون العقوبة هي الحبس والغرامة التي لا تقل عن مائتي جنية ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين .
وجدير بالذكر أن الجاني الذي لا يعتبر موظفاً عمومياً يندرج تحته أحاد الناس ، وكذلك المستخدمون في الأعمال الخاصة وكذلك موظفو جهات الإدارة الخاصة كما سبق بيان ذلك . والحبس هنا مطلق ولذلك فحده الأقصى ثلاث سنوات والأدنى 24 ساعة ، والغرامة في هذه الجريمة عقوبة أصلية جوازية وتخبره في الوقت ذاته ، بمعنى أنه يجوز الحكم بها مع الحبس أو الحكم بها فقط دون الحبس أو عدم الحكم بها اكتفاء بالحبس .
ثانياً : حيث يكون الجاني موظفاً عمومياً ومن في حكمه :
وهنا نفرق بين فرضين بحسب الغرض من الوساطة.
1- إذا كان الغرض من الوساطة هو ارتكاب جريمة رشوة فيعاقب الجاني بالعقوبة المقررة بالمادة 104 وهي السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على ما أعطى ولو وعد بإعطائه . والواقع أن الحد الأقصى للغرامة هنا يمكن تطبيقه إذا كان في عرض الوساطة أو قبولها قد حددت قيمة الوعد أو العطية .
2- إذا كان عرض أو قبول الوساطة هو بقصد التوسط لدى موظف عمومي فإنه يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها بالمادة 105 مكرراً وهي بالسجن والغرامة التي لا تقل عن 200 جنيه ولا تزيد على 500 جنيه .
ويستفاد مما سبق أن المشرع قد جعل صفة الموظف العمومي في الجاني بالنسبة للجريمة وكنا في الجريمة وبالتالي تأخذ حكم الأركان المكونة للجريمة بالنسبة لوجوب أنصر أف علم الجاني إليها كي يتوافر القصد الجنائي بالنسبة للجريمة المشددة .
وغني عن البيان التشديد المتعلق بالحالة الثانية وهو حيث يكون قبول أو عرض الوساطة هو بقصد الوساطة لدى موظف عمومي ، ينصرف أيضاً إلى التوصية ، وهذا مستفاد من الإحالة إلى نص المادة 105 مكرراً فيما يتعلق بالعقوبة .
ونلاحظ على نص المادة 109 مكرراً ثانياً ما يأتي :
أولاً : أن المشرع نص على تطبيق العقوبة المقررة بالمادة 104عقوبات إذا كان الجاني موظفاً عمومياً .
الموظف العام في هذا الصدد لا ينصرف مفهومة إلى موظفي جهات الإدارة الخاصة الوارد ذكرها بالمادة 106 مكرراً وهي الشركات المساهمة والجمعيات التعاونية والنقابات والجمعيات والمؤسسات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام، وبشرط إلا تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة تساهم فى مالها بنصيب ما وإلا اعتبر موظفوها في حكم الموظفين العموميين .
ثانياً : أن جريمة عرض الرشوة دون قبولها على موظف عمومي يعاقب فيها بالسجن وبالغرامة التي لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه . وهذه العقوبة أقل من العقوبات المقررة بالمادة 104والواجب تطبيقها بالنسبة لعرض الوساطة أو قبولها دون أن يتعدى فعل الموظف العرض أو القبول ، فإذا تعداه إلى فعل يكون جريمة أخرى فيعاقب عليه كما لو تمت الرشوة أو عرض الرشوة دون قبولها , ومعنى ذلك أيضاً تشجيع للموظف على إتمام الجريمة أو على الأقل لتلك الأخيرة. ولذلك يتعين على المشرع تلافي هذا التناقض التشريعي تلافيا للنتائج غير المنظمة التي تؤدي إليها نصوص التشريع الحالي.(قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة: 248)
الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه الصفة والاختصاص:
العبرة في توافر صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل هي بالوقت الذي يقع فيه الركن المادي لجريمة الرشوة، وهو وقت طلب العطية أو أخذها أو قبول الوعد بها. فإذا انتفت الصفة وقت وقوع الفعل لا يعتبر الفاعل مرتشياً. وإن أمكن أن تقع منه جريمة النصب بانتحال صفة غير صحيحة إذا ادعى أن له صفة الموظف وتوافرت باقی أركان هذه الجريمة. ويترتب على هذا التحديد أن الرشوة لا تقع من شخص ليست له صفة الموظف، إذا تقاضى مبلغاً لقاء القيام بعمل وظيفي ولو تحققت فيه هذه الصفة بعد ذلك إذ لا يتحقق حينئذ التعاصر المطلوب بين الركن المادي للرشوة وبين صفة الموظف العام. كذلك لا تقع الجريمة إذا قدم العطاء إلى موظف عام ليقوم بعمل لا يدخل في نطاق اختصاصه ولم يزعم الاختصاص به ولم يعتقد خطأ الاختصاص به، وإنما أخذ العطية استغلالاً لسذاجة صاحب الحاجة. والجريمة لا تقع في هذا الفرض ولو دخل العمل في اختصاصه بعد وقوع الفعل. ولا تقع جريمة الرشوة إذا وقع الفعل المادي المكون لها بعد أن زالت عن الموظف صفته بالعزل أو الاستقالة، أو إذا كانت الصفة قائمة ولكن كان العمل قد خرج عن نطاق اختصاصه ولم يزعم أنه لا يزال مختصاً به، أو يعتقد خطأ بذلك.
وإذا توافرت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل وقت ارتكاب الفعل فإن جريمة الرشوة تقع، ولا يؤثر في ذلك أن تزول عن المرتشي صفة الموظف والاختصاص الذي كان له، ولو كان من نتيجة ذلك استحالة تحقيق غرض الرشوة.
الركن المعنوي في جريمة الرشوة
قصد المرتشي:
جريمة الرشوة جريمة عمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، وهو يتحقق بتوافر عنصري: العلم والإرادة.
العلم: يجب أن ينصرف علم الموظف إلى أركان الجريمة، فيجب أن يكون عالماً بأنه موظف وأن العمل المطلوب منه يدخل في نطاق اختصاصه حقيقة أو زعماً أو اعتقاداً مخالفاً للحقيقة، فإذا كان يجهل وقت قيامه بالنشاط الإجرامي أنه قد يصدر قرار بتعيينه، أو كان يجهل أن العمل المطلوب منه قد أصبح داخلاً في نطاق اختصاصه، ينتفي لديه القصد. كذلك يجب أن ينصرف علم الجاني إلى الفعل المكون الركن المادي للجريمة، فلا يكفى لقيام القصد الجنائي لديه أن يدخل العطية في حيازته دون علمه كما لو دسها صاحب الحاجة في جيبه أو في درج مكتبه دون أن يشعر. ويجب أن يكون الجاني عالماً بأن العطية التي تقدم إليه هي مقابل العمل المطلوب، فإن جهل ذلك بأن كان معتقداً أنها قدمت لغرض بریء کسداد الدين على صاحب الحاجة لا يتوافر القصد الجنائي، ويظل غير متوافر ولو علم فيما بعد بالغرض الحقيقي العطية فقام بالعمل المطلوب .
الإرادة: يجب أن تتجه إرادة المرتشي إلى ارتكاب الفعل المكون الركن المادي للجريمة بأن يريد أخذ العطية أو قبول الوعد بها أو طلب الوعد أو العطية، وتنتفي هذه الإرادة إذا كان الراشي قد قدم العطية فتسلمها الموظف ثم ردها في الحال، كما تنتفي إذا كان الموظف قد تظاهر بتوافرها لديه بغية إتاحة السبيل للقبض على الراشي متلبساً بالجريمة.
هل يشترط قصد خاص في الرشوة
ذهب بعض الفقهاء إلى تطلب قصد خاص في جريمة الرشوة يتمثل في نية الاتجار بالوظيفة أو استغلالها، ونحن نرفض هذه الوجهة فالمشرع يكتفي لتحقق القصد بتوافر العلم لدى الموظف بأن العطية تقدم كثمن للاتجار بالوظيفة، يؤيد ذلك حرص المشرع على أن يؤكد هذا المعنى بتقريره معاقبة الموظف بعقوبة الرشوة حتى ولو كان يقصد عدم القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة، أي أن الجريمة تقع سواء توافرت أو لم تتوافر نية الاتجار في أعمال الوظيفة.
معاصرة القصد الجنائي للركن المادي:
من المقرر أن القصد لا يعتد به في القول بتوافر الجريمة إلا إذا كان معاصراً للنشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة، فتنتفى الجريمة إذا لم يكن القصد متوافراً بعنصريه وقت الأخذ أو القبول أو الطلب، ولا عبرة بتوافره في وقت لاحق على ذلك.
أركان الجريمة
تقوم الجريمة على ركنين مادی و معنوی.
الركن المادية
يتخذ الركن المادي في هذه الجريمة إحدى صورتين:
أولاً : عرض الوساطة، والفرض هنا أن الجاني لا يقوم بالوساطة في رشوة وإلا أعتبر شريكاً فيها وعوقب بعقوبتها، ولكن فعله يقتصر على مجرد إيجاب موجه منه إلى صاحب الحاجة أو إلى الموظف أو المستخدم المختص بالعمل أو الامتناع المطلوب بالتوسط في إرشاء الموظف أو في ارتشائه. وتقع الجريمة بمجرد هذا الإيجاب ولو لم يقبل من الموجه إليه.
ثانياً : قبول الوساطة، وهي تفترض صدور طلب من صاحب الحاجة أو الموظف إلى الجاني بالتوسط في رشوة فيقبل هذا الطلب، وتقع الجريمة بمجرد القبول دون توقف على سلوك لاحق من الجاني.
وتفترض جريمة عرض أو قبول الوساطة في الرشوة وجوداً حقيقياً لصاحب الحاجة من ناحية وللموظف أو المستخدم من ناحية أخرى. كما تفترض أن يكون الموظف مختصاً بالعمل أو الامتناع أو زاعماً أو معتقداً خطأ الاختصاص به، فإذا كان عرض أو قبول الوساطة متعلقاً برشوة مستخدم في أحد المشروعات الخاصة فإنه يشترط أن يكون مختصاً بالعمل إذا كان مستخدما في مشروع خاص بحت وأن يكون مختصاً بالعمل أو زاعماً أو معتقداً خطأ الاختصاص به إن كان مستخدما في إحدى الشركات المساهمة وما إليها، فإذا لم يكن للموظف وجود حقيقي أو كان له وجود ولكنه لم يكن مختصاً حقيقة بالعمل ولا زاعماً أو معتقداً خطأ الاختصاص به فإن الجريمة لا تقع، ولا يكفي لوقوعها زعم المتهم بوجود الموظف أو باختصاصه أو اعتقاده الخاطئ بذلك .
الركن المعنوي:
يتمثل الركن المعنوي لهذه الجريمة في القصد الجنائي، وهو يعنی اتجاه إرادة الجاني إلى إتيان فعل عرض الوساطة أو قبولها مع علمه بأن فعله يستهدف الوساطة بين الموظف وصاحب الحاجة الموجودين فعلاً بغرض حمل الأول على القيام بعمل أو امتناع يدخل في نطاق اختصاصه المصلحة الثاني مقابل عطية أو وعد بها.
العقوبة
قرر المشرع لهذه الجريمة في صورتها البسيطة عقوبة الحبس والغرامة التي لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين. والفرض في الصورة البسيطة أن مرتكب الجريمة فرد عادی وأن عرض الوساطة أو قبولها كان بقصد الوساطة لدى مستخدم في مشروع خاص ممن نصت عليهم المادة 106 أو 106 مكرراً (أ) من قانون العقوبات.
ويشدد المشرع العقوبة في حالتين:
الأولى: إذا كان الجاني موظفا عموميا فتوقع عليه العقوبة المنصوص عليها في المادة 104 عقوبات وهي السجن المؤبد وضعف الغرامة المقررة للرشوة البسيطة. يستوي في ذلك أن يكون فعل الموظف مقصوداً به الوساطة لدى موظف عام آخر أو لدى مستخدم في مشروع خاص.
الثانية: إذا كان الجاني فرداً عادياً وقصد الوساطة لدى موظف عام فتوقع عليه العقوبة المنصوص عليها في المادة 105 مكرراً المقررة لجريمة الاستجابة للرجاء أو التوصية أو الوساطة وهي السجن والغرامة التي لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 37)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 282
الرِّشْوَةُ :
هِيَ جَرِيمَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْقُرْآنِ لقوله تعالي : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وَهِيَ فِي الْيَهُودِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ السُّحْتَ مِنَ الرِّشْوَةِ. وَهِيَ كَذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» . وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَتْ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 189 ، 190
(مادة 373)
مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضي بها هذا القانون أو أي قانون آخر، يعاقب بالحبس كل من عرض أو قبل الوساطة في رشوة، ولم يتعد عمله مجرد العرض أو القبول.
وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، إذا ارتكب الجريمة موظف عام، أو كانت بقصد الوساطة لدى موظف عام.
(مادة 374)
يحكم على الجاني في جميع الأحوال المبينة في المواد السابقة بغرامة تساوي قيمة ما طلب أو قبل أو وعد به أو عرض، على ألا تقل عن مائتي جنيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 219
رِشْوَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الرِّشْوَةُ فِي اللُّغَةِ: مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ: الْجُعْلُ، وَمَا يُعْطَى لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ، وَجَمْعُهَا رُشًا وَرِشًا.
قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الرِّشْوَةُ - بِالْكَسْرِ -: مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ لِلْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ.
وَقَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الرِّشْوَةُ: الْوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الرِّشْوَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ رَشَا الْفَرْخُ إِذَا مَدَّ رَأْسَهُ إِلَى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ.
- وَرَاشَاهُ: حَابَاهُ، وَصَانَعَهُ، وَظَاهَرَهُ.
- وَارْتَشَى: أَخَذَ رِشْوَةً، وَيُقَالُ: ارْتَشَى مِنْهُ رِشْوَةً: أَيْ أَخَذَهَا.
- وَتَرَشَّاهُ: لاَيَنَهُ، كَمَا يُصَانَعُ الْحَاكِمُ بِالرِّشْوَةِ
- وَاسْتَرْشَى: طَلَبَ رِشْوَةً
- وَالرَّاشِي: مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ.
- وَالْمُرْتَشِي: الآْخِذُ
- وَالرَّائِشُ: الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا، وَيَسْتَنْقِصُ لِهَذَا.
وَقَدْ تُسَمَّى الرِّشْوَةُ الْبِرْطِيلَ وَجَمْعُهُ بَرَاطِيلُ.
قَالَ الْمُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِرْطِيلِ بِمَعْنَى الرِّشْوَةِ، هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ لاَ؟.
وَفِي الْمَثَلِ: الْبَرَاطِيلُ تَنْصُرُ الأْبَاطِيلَ،.
وَالرِّشْوَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ،.
وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ قُيِّدَ بِمَا أُعْطِيَ لإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، أَوْ إِبْطَالِ الْحَقِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُصَانَعَةُ:
الْمُصَانَعَةُ: أَنْ تَصْنَعَ لِغَيْرِكَ شَيْئًا لِيَصْنَعَ لَكَ آخَرَ مُقَابِلَهُ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الرِّشْوَةِ، وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ صَانَعَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ.
ب - السُّحْتُ - بِضَمِّ السِّينِ:
أَصْلُهُ مِنَ السَّحْتِ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَهُوَ الإْهْلاَكُ وَالاِسْتِئْصَالُ، وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ؛ لأِنَّهُ يَسْحَتُ الْبَرَكَةَ أَيْ: يُذْهِبُهَا.
وَسُمِّيَتِ الرِّشْوَةُ سُحْتًا،. وَقَدْ سَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ،.
لَكِنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، لأِنَّ السُّحْتَ كُلُّ حَرَامٍ لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ.
ج - الْهَدِيَّةُ:
مَا أَتْحَفْتَ بِهِ غَيْرَكَ، أَوْ مَا بَعَثْتَ بِهِ لِلرَّجُلِ عَلَى سَبِيلِ الإْكْرَامِ، وَالْجَمْعُ هَدَايَا وَهَدَاوَى - وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -
يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وَإِلَيْهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ).
قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْهَدِيَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِاللُّطْفِ، الَّذِي يُهْدِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ.
وَالْمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إِهْدَاءَ الْهَدِيَّةِ.
وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ الرِّشْوَةُ هِيَ: مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْهَدِيَّةُ قَبْلَهُ.
د - الْهِبَةُ:
الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَطِيَّةُ بِلاَ عِوَضٍ.
قَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الْهِبَةُ: الْعَطِيَّةُ الْخَالِيَةُ عَنِ الأْعْوَاضِ وَالأْغْرَاضِ، فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا.
وَاتَّهَبْتُ الْهِبَةَ: قَبِلْتُهَا، وَاسْتَوْهَبْتُهَا: سَأَلْتُهَا، وَتَوَاهَبُوا: وَهَبَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ.
وَاصْطِلاَحًا: إِذَا أُطْلِقَتْ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ حَالَ الْحَيَاةِ بِلاَ عِوَضٍ. وَقَدْ تَكُونُ بِعِوَضٍ فَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهِبَةِ، أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِيصَالاً لِلنَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْعِوَضِ ظَاهِرًا فِي الْهِبَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الرِّشْوَةِ يَنْتَظِرُ النَّفْعَ، وَهُوَ عِوَضٌ.
و - الصَّدَقَةُ:
مَا يُخْرِجُهُ الإْنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ، لَكِنِ الصَّدَقَةُ فِي الأْصْلِ تُقَالُ لِلْمُتَطَوَّعِ بِهِ، وَالزَّكَاةُ لِلْوَاجِبِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْوَاجِبُ صَدَقَةً، إِذَا تَحَرَّى صَاحِبُهَا الصِّدْقَ فِي فِعْلِهِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالصَّدَقَةِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ طَلَبًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي حِينِ أَنَّ الرِّشْوَةَ تُدْفَعُ لِنَيْلِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلٍ.
أَحْكَامُ الرِّشْوَةِ:
الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَرِشْوَةُ الْمَسْئُولِ عَنْ عَمَلٍ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)، قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرِّشْوَةُ.
وَقَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإْثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَالرَّائِشَ».
وَيَحْرُمُ طَلَبُ الرِّشْوَةِ، وَبَذْلُهَا، وَقَبُولُهَا، كَمَا يَحْرُمُ عَمَلُ الْوَسِيطِ بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - أَنْ يَدْفَعَ رِشْوَةً لِلْحُصُولِ عَلَى حَقٍّ، أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ أَوْ ضَرَرٍ، وَيَكُونُ الإْثْمُ عَلَى الْمُرْتَشِي دُونَ الرَّاشِي.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ.
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِذَا عَجَزْتَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَاسْتَعَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ زَوْجَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا، بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْكَ؛ لأِنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُكَ بِالأْجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلاَ تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّادِرَ مِنَ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدَ وَالْغَصْبَ عِصْيَانٌ وَمَفْسَدَةٌ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الاِسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ - لاَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ - عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، كَفِدَاءِ الأْسِيرِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَمَا لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ.
فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ، حُرِّمَتْ الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لأِنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لاَ يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ.
وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الأْثَرِ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا بِدِينَارَيْنِ، حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَقَالَ: إِنَّ الإْثْمَ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ.
وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ.
أَقْسَامُ الرِّشْوَةِ:
قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الرِّشْوَةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا:
أ - الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالإْمَارَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي.
ب - ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
ج - أَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ.
د - إِعْطَاءُ إِنْسَانٍ غَيْرِ مُوَظَّفٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ مَالاً لِيَقُومَ بِتَحْصِيلِ حَقِّهِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ دَفْعُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَنَةُ الإْنْسَانِ لِلآْخَرِ بِدُونِ مَالٍ وَاجِبَةً، فَأَخْذُ الْمَالِ مُقَابِلَ الْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِمَثَابَةِ أُجْرَةٍ.
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَشِي:
أ - الإْمَامُ وَالْوُلاَةُ:
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الأْكْبَرِ، وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الأْمْوَالِ - وَيُقْصَدُ بِالْكَرَاهِيَةِ الْحُرْمَةُ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا، فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً، وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لاَ لِوِلاَيَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلاَيَتِنَا.
يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (إِمَامَة فِقْرَة 28، 29).
ب - الْعُمَّالُ:
وَحُكْمُ الرِّشْوَةِ إِلَى الْعُمَّالِ (الْوُلاَةِ) كَحُكْمِ الرِّشْوَةِ إِلَى الإْمَامِ - كَمَا مَرَّ فِي كَلاَمِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «هَدَايَا الأْمَرَاءِ غُلُولٌ»،. وَلِحَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ تَعَزُّزَ الأْمِيرِ وَمَنَعَتَهُ بِالْجُنْدِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لاَ بِنَفْسِهِ، فَكَانَتِ الْهَدِيَّةُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَإِذَا اسْتَبَدَّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً، بِخِلاَفِ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأِنَّ تَعَزُّزَهُ وَمَنَعَتَهُ كَانَتْ بِنَفْسِهِ لاَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتِ الْهَدِيَّةُ لَهُ لاَ لِلْمُسْلِمِينَ.
ج - الْقَاضِي:
وَالرِّشْوَةُ إِلَى الْقَاضِي حَرَامٌ بِالإْجْمَاعِ.
قَالَ الْجَصَّاصُ: وَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِ الرِّشَا عَلَى الأْحْكَامِ؛ لأِنَّهُ مِنَ السُّحْتِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَاتَّفَقَتِ الأْمَّةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ هَدِيَّةً، وَاسْتِعَارَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْهَدِيَّةِ لأِنَّ الْمَنَافِعَ كَالأْعْيَانِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَنَحْوُهُ فَأُهْدِيَ لَهُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالأْوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ، وَفِي الْفُنُونِ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ.
وَهَدِيَّةُ الْقَاضِي فِيهَا تَفْصِيلٌ تُنْظَرُ فِي (هَدِيَّة، قَضَاء).
د - الْمُفْتِي:
يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي قَبُولُ رِشْوَةٍ مِنْ أَحَدٍ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ، وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي، إِنْ كَانَ يَنْشَطُ لِلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لاَ، فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَنْشَطُ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلاَ يَأْخُذُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ، وَالأْحْسَنُ أَنْ لاَ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً.
هـ - الْمُدَرِّسُ:
إِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ فَلاَ بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فَالأْوْلَى عَدَمُ الأْخْذِ.
و - الشَّاهِدُ:
وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّاهِدِ أَخْذُ الرِّشْوَةِ. وَإِذَا أَخَذَهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ.
وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي (شَهَادَة).
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاشِي:
أ - الْحَاجُّ:
لاَ يَلْزَمُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لأِنَّهَا رِشْوَةٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَحَفِيدُهُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ قُدَامَةَ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ يَدْفَعُ خَفَارَةً إِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصْدِيِّينَ؛ لأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ بِهِ، فَفِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ. قَالَ الإْمَامُ: أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ؛ لأِنَّهُ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ كَالرَّاحِلَةِ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.
ب - صَاحِبُ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ:
يَجُوزُ لِصَاحِبِ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ، وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ فِي خَرَاجِهِ؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ لِيَدَعَ عَنْهُ خَرَاجًا؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ.
ج - الْقَاضِي:
مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَرْشُوَ لِتَحْصِيلِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ تَقَبَّلَ
الْقَضَاءَ بِقِبَالَةٍ (عِوَضٍ)، وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلاَيَتُهُ بَاطِلَةٌ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ – رحمه الله: لَوْ بَذَلَ مَالاً لِيَتَوَلَّى الْقَضَاءَ، فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوَلَّ إِلاَّ بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا يَحِلُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا تَعَيَّنَ عَلَى شَخْصٍ تَوَلِّي الْقَضَاءِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسُؤَالِهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ لأِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ، فَيَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا، وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ،.
حُكْمُ الْقَاضِي:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ.
وَلَكِنْ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي.
قَالَ مُنْلاَ خُسْرَوْ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرِّشْوَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
فَعَلَى قَوْلٍ: أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا أَوِ الَّتِي لَمْ يَرْتَشِ فِيهَا، وَبِأَخْذِ الرِّشْوَةِ لاَ يَبْطُلُ الْحُكْمُ؛ لأِنَّ حَاصِلَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ هُوَ فِسْقُ الْقَاضِي، وَبِمَا أَنَّ فِسْقَ الْقَاضِي لاَ يُوجِبُ انْعِزَالَهُ فَوِلاَيَةُ الْقَاضِي بَاقِيَةٌ، وَإِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بِحَقٍّ يَلْزَمُ نَفَاذُ قَضَائِهِ.
وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ: لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا، قَالَ قَاضِيخَانْ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخَذَ رِشْوَةً وَحَكَمَ فَحُكْمُهُ غَيْرُ نَافِذٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَدِ اسْتُؤْجِرَ لِلْحُكْمِ، وَالاِسْتِئْجَارُ لِلْحُكْمِ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي.
وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى الَّتِي حَكَمَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ وَالطَّحَاوِيِّ.
انْعِزَالُ الْقَاضِي:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَمَذْهَبُ الآْخَرِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.
أَثَرُ الرِّشْوَةِ:
أ - فِي التَّعْزِيرِ:
هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا التَّعْزِيرُ.
انْظُرْ: تَعْزِير.
ب - دَعْوَى الرِّشْوَةِ عَلَى الْقَاضِي:
لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ ارْتَشَيْتَ وَنَحْوِهِ بِضَرْبٍ لاَ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَحَبْسٍ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتِ افْتِيَاتُهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ.
ج - فِي الْحُكْمِ بِالرُّشْدِ:
صَرْفُ الْمَالِ فِي مُحَرَّمٍ كَرِشْوَةٍ عَدَمُ صَلاَحٍ لِلدِّينِ وَلِلْمَالِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ بِرُشْدِ الصَّبِيِّ.
د - الْمَالُ الْمَأْخُوذُ:
إِنْ قَبِلَ الرِّشْوَةَ أَوِ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حَرُمَ الْقَبُولُ وَجَبَ رَدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَنْ تَابَ عَنْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ: إِنْ عَلِمَ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.